الثلاثاء، 31 غشت 2010

في الواجهة _ عمود الثلاثاء 31 غشت 2010

لحسن الحظ
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. البوطو الكبير الذي ظل أعمى لأشهر أصبح فجأة بعين ترى. أتى موظفو البلدية المساكين, وامتطوا الشاحنة الكبيرة التي يوجد في خلفها سلم طويل يصل حتى نهاية البوطو, وهناك وضعوا مصباحا براقا للغاية. فهم الناس أن ذلك البوطو هو عمود كهربائي كان مهيئا في البدء لإنارة الحي لهم قبل أن ينساه المسؤولون. قبل أن يصلح الناس البوطو الشهير, كان شباب الحي يتوسدونه في أيام عطالتهم الطويلة. هم كانوا يتصورون أن البلدية وضعته هنا بالتحديد لكي يجدوا شيئا ما يضعون عليه الظهر لتفادي آلام الرجل التي يسببها الوقوف الكثير.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. الحديقة الخلفية للحي, تلك التي كانت تلعب بشكل مؤقت دور "الزبالة", والتي كان يلقي فيها السكان بكل مايخطر لك على بال, عادت لكي تلعب دورها الأصلي: حديقة. بورود فعلية, وبأزهار فعلية, وببضعة شجيرات, ونخلتان توسطتا مدخلها الأساسي, ماجعل الصغار الذين لم يسبق لهم أبدا أن عرفوا معنى الحديقة يفغرون أفواههم دهشة, ويسألون آباءهم. هؤلاء الأخيرون وجدوا مشكلة كبرى في الشرح والتفسير. كيف تشرح لطفل صغير تربى داخل زبالة منط أن ولد ورأى النور معنى الحديقة؟
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. الطريق, ذلك الثعبان الأسود الذي كنا نلعب فيه الغولف يوميا, والذي تحولنا بموجبه إلى منافسين فعليين لتايغر وودس, في الغولف وليس في مغامراته الجنسية الكثيرة, أصبح فجأة لينا ينساب بعناية فائقة. كل الحفر اختفت. كل المطبات انتهت, حتى ظهر الحمار الشهير أو "الضوضان" الذي اشتكى منه مستعملو طريق أولاد زيان لأشهر عديدة, ومن حالة اللاتوازن التي يسببها لك حين تمر فوقه, وحالة الارتجاج الكاملة التي يخلفها في سيارتك, فجأة وجد له المسؤولون العفاريت الطريقة للإصلاح. وضعوا قليلا من الزفت في طرفيه من هنا ومن هناك, فلم يعد "ترومبلان" للقفز الهوائي المفتوح على كل الاحتمالات. صار "ضوضان" من "الضوضانات" التي يمكنك أن تمر فوقها دون أن تنطق بالشهادتين بالضرورة كل مرة.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. "الشفارة والنتافة صحاب البورطابلات" نقص عددهم بشكل واضح. هذا لايعني أن الشباب المغربي اغتنى ولم يعد مضطرا لنشل حقائب السيدات والآنسات المغلوبات على أمرهن واللائي لايملكن أي طريقة للدفاع عن أنفسهن. لا, كل ما في الأمر هو أن الصقور تحلق في المدينة بكثرة هذه الأيام, وكل أسلاك الشرطة "حاضية راسها" ماأجبر اللصوص الصغار على الاختفاء أو التقليل من حدة غاراتهم على الفقراء والفقيرات. "مزيانة لينا" على كل حال وإن كنا نتمناها باستمرار.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. المسؤولون الذين لم نر وجوههم منذ أن عينوا في مناصبهم, والذين يتقززون حين يضطرون للنزول من مكاتبهم المكيفة والوثيرة إلى صهد "كازا" القاتل, يجدون أنفسهم هذه الأيام في ملتقيات الطرق وفي الممرات. ملزمون هم بتبرير الرواتب السمينة التي يتقاضونها, ومجبرون هم على الوقوف تحت الشمس الحارة والرطبة للبيضاء عسى أن يمر "سربيسهم" على خير, فهم ليسوا حمل غضبة مثل تلك التي عصفت بزملاء لهم في الحسيمة. لذلك يقولون لأنفسهم هذه الأيام "ليذهب الإفطار إلى الجحيم, مافاطرينش آسيدي فديورنا, غير تدوز المسائل بسلام".
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. عندما يستوقفك شرطي بسبب مخالفة هذه الساعات, يبتسم في وجهك, يؤدي لك التحية "على حقها وطريقها", ويطلب منك أن تتنحى أن لاتعرقل السيرو ويتحدث معك بلباقة قل نظيرها. حين تفكر في "التفاهم" معه, يلتفت يمينا ويسارا, ويقول لك "الدنيا مخلطة هاد الأيام, تخلص المخالفة ولا نسيفط ليك البيرمي للكوميسارية". تؤدي المخالفة وأنت مسرور, تقول لنفسك "على الأقل الجميع سيؤدي هذه الأيام, وليس المغفلون فقط". ثم تمضي في طريقك فرحا أنك قمت بأداء ثمن فعلتك لكي لاتنساها مرة أخرى وتعيدها ثانية.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. هذا مايقوله المواطنون البيضاويون ليل نهار. مدينتهم تغير شكلها, أصبح للنظام معبر إليها, والفوضى الخرافية التي يعيشون في ظلها السنة كلها, أضحت بالنسبة إليهم أمرا قابلا للتجاوز رغم كل الظواهر التي كانت تقول العكس. هذا دليل على شيء واحد: مسؤولو هذه المدينة أو أغلبيتهم لكي لانعمم لايقومون بمهامهم إلا حين يكون جلالة الملك هنا. وهذا هو سر الحالة المزرية التي تكون عليها المدينة في الأيام "العادية" أي حين يكون جلالته في مدينة أخرى
جلالة الملك, رجاء إبق بيننا في البيضاء فهؤلاء المسؤولون المساخيط كيخافو ماكيحشموش. لكن المدن المغربية الأخرى كلها تعاني من نفس الإشكال. لذلك لامناص من الذهاب إليها كلها, على الأقل سيحس مواطنوها بما يحس به البيضاويون هذه الأيام: الدولة كاينة بالصح. شكرا جلالة الملك, ولا عزاء لنا في هؤلاء المساخيط الذين يسمون أنفسهم مسؤولين عن مدننا. فعلا لاعزاء...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كنا الوحيدين من بين الجرائد المغربية كلها الذين نشرنا خبر رحيل حسن عريس. انتظرنا اليوم الأول والثاني والثالث ثم انتظرنا بعد ذلك دون كثير اقتناع أن الزملاء لم ينتبهوا لوفاة هذا الفنان الشاب، أو أنهم اعتبروا أخبارا أخرى عن سياسيين كذبة أو عن فنانات تافهات أهم من خبر نعي عريس إلى جمهوره أو على الأقل إلى أحبته ومن تعرفوا على شخصيته وخبروها جيدا.
رحم الله حسن، رحيله رسالة بليغة إلينا جميعا أن لامكان لفنان نقي وخجول ومتواضع بيننا اليوم. خجلي من المهنة ومن المنتسبين إليها إلى آخر الأيام

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق