الاثنين، 5 دجنبر 2011

أنا ماشي صحافي

حنا المغاربة علماء كبار فترياب الحفلة. عوض أن يكون محور حديث صحافتنا عن افتتاح مركب موروكو مول التجاري الضخم حديثا عن هذا التألق المغربي في المجال, وعن الاستقرار السياسي الذي يدفع رأس المال الخليجي والأجنبي بصفة عامة للقدوم إلى بلدنا, تم اصطناع نقاش ولا أتفه حول تعامل صاحبة المول مع الصحافيين المغاربة وسمعنا كلاما غريبا عن "الإهانة" و"العنصرية" والتعامل المذل" إلى غير ذلك من الكلمات الكبيرة والفارغة في نفس الآن.
ليسمح لي زملائي من الصحافيين الذين يعتبرون أنهم قد تمت إهانتهم, لكنني أرى موقفهم جد تافه, للأسباب التالية, ومعذرة على الإزعاج مثلما نقول كل مرة, لكننا نعتقد أنه ينبغي في كثير من الأحيان إيقاف بعض التفاهات في مهدها لئلا تمتد وتتواصل إلى مالانهاية
حين الحديث عن الفرق في التعامل بين الصحافة المغربية والصحافة الأجنبية علينا دائما أن نضع في اعتبارنا أن هناك صورة معينة يريد أصحاب منتوج معين إيصالها إلى الخارج أكثر مما يريدون أن تصل إلى الداخل, حينها يكون عاديا أن يهتموا بالصحافة العالمية, وأن يجدوا أنه من المفيد أكثر لهم ولبضاعتهم أو منتوجهم أن تكتب عنه "باري ماتش" أو "نيوزويك" أو "دير شبيغل" من أن تكتب عنه "الأحداث المغربية" أو غيرها من الجرائد أو وسائل الإعلام الوطنية.
المسألة عادية جدا وليس فيها أي احتقار, ولا حظوا أننا قلنا "الأحداث المغربية" لئلا يحس أي كان بأنه مستهدف من هذا الكلام. المسألة ومافيها هي أن هناك فرقا فعليا في المستوى المهني والإشعاع والانتشار بين هاته الصحافة وبين صحافتنا, فإذا ماتم الاهتمام أكثر بالصحافة الأجنبية فالأمر يمكن تفهمهم وقبوله وعد خلق "فيلم فارغ" حوله مثلما وقع هاته الأيام.
هذه واحدة, أما الثانية فهي عملية الإنزال التي تمت لبعض الصحافيين من الحافلة التي كانت تقلهم لحفل جينيفر لوبيز. هنا أيضا يجب أن يقال بعض الكلام وإن أغضب من يرون الأمور بشكل بسيط وشعبوي للغاية: اللائحة التي كانت مدعوة لحفل جينيفر لوبيز كانت مهيأة من قبل, وبعض المدراء أو رؤساء تحرير الجرائد أرسلوا صحافيين نيابة عنهم, علما أن الحفل كان مخصصا للفئة الأولى, وهنا قام المكلفون بالتنظيم, بطلب نزول كل من لايرد إسمه في هذه اللائحة. حقيقة بدا الأمر مهينا في الوهلة الأولى, لكنه من الناحية التنظيمية الصرف مفهوم إلى حد كبير, بل هو مجرد تطبيق لتعليمات تلقاها المسؤولون عن التنظيم ليلتها.
نأتي الآن إلى بيت القصيد. ما الذي أثار فعلا غضب بعض الصحافيين المغاربة من كل ما وقع في افتتاح موروكو مول؟
للأسف الشديد, أثار غضبهم الحديث الذي قيل عن منح الصحافيين الأجانب هدايا قيمة وثمينة والاكتفاء بمنح الصحافيين المغاربة ألبوما رقميا. هنا بالتحديد نمسك رأسنا بين أيدينا ونقول "آش واقع آعباد الله؟". المطالبة بالهدايا التي تعد في حكم الرشوة أصبحت علنية في البلد إلى درجة الاحتجاج على الفرق بين هدية وأخرى أو بين رشوة وأخرى؟
أعترف أن مثل هاته الممارسات تجعلني أكره هذه الحرفة في البلد, وأكره حضور اللقاءات أو الندوات التي تكون مخصصة لتقديم أي شيء للصحاافيين, لأن الإحساس الذي أصبح سائدا لدى أغلب من ينظمون هاته اللقاءات أن "الناس جاية غير تاخد وتمشي". والمصيبة هي أن هذا الإحساس انتقل إلى الصحافيين أنفسهم, حيث تجد عددا كبيرا منهم يتوجه إلى هاته اللقاءات وهو يمني النفس بهدية ما أو باستفادة معينة غير الاستفادة التي يفترض أن يحملها معه إلى الوسيلة الإعلامية التي يمثلها أو التي يمثل عليها دور الصحافي, مادام يتحول في هاته الحالة إلى "نتاف" كبير لافرق بينه وبين النتافين الصغار الذين يسرقون محافظ السيدات وهواتفهم النقالة من على ظهر الدراجات النارية.
أشياء كثيرة يجب أن يعرف هذاالمشهد الصحفي المعتل, المسكين, المريض, المحتقر لنفسه ولرسالته الفعلية أن عليه أن يصلحها في نفسه قبل أن يطالب الآخرين بإصلاح عيوبهم. ومن هاته الأشياء النبرة التي يكتب بها ويتحدث بها العديدون عما وقع في افتتاح موروكو مول, والحملة التي تستهدف سيدة ناجحة للغاية هي سلوى أخنوش كان يفترض أن ننوه بها جميعا للعمل الذي قامت به تجاه البلد, فإذا ببعضنا يتحول إلى شيء لايمكن وصفه تجاهها فقط لأنها لم تلب له ما يريده.
لا أعرف هذه السيدة لا من قريب ولا من بعيد, ولم أتلق "أيباد" مثلما قيل عن بعض مدراء الجرائد منها, ولا صلة لي بعالم المال والأعمال إلا من بعيد, أرمق الناجحين فيه فأغبطهم وأنا أعرف أنهم ينجزون أعمالا لا أستطيع القيام بها, ولا يمكنني أن أتفوق فيها أبدا أنا الذي لا أعرف كيف أسير ميزانية بيت صغير, فأحراك أن أسير ميزانيات ضخمة مثل الأرقام التي يتحدثون عنها, لكنني أجد نفسي ملزما بالاصطفاف مع هذه السيدة في وجه هذا الهجوم, لأنني أعتقد أن من يأتي بفرص عمل إلى هذا البلد, ومن يقدم عنه صورة جيدة مثل صورة هذا المركز التجاري الضخم, يستحق أن نشكره لا أن ننتقده لأن من يشتغلون معه "نزلوني من الكار, ولا ماعطاونيش كاضو", أو غير هاته الأشياء من التوافه.
عندما ستكبر صحافتنا المحلية في تعاملها, سيكبر تعامل الآخرين معها. ماحدها صغيرة وهي تقاقي وتزيد فالبيض مثلما قال الآخر. وسمحو ليا أنا راني غير داوي, كيف العادة, وصافي.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
المشهد الجميل والتعبيري والراقص والفني, والحامل لكل الأوصاف الجميلة الذي قدمته ساحة جامع الفنا مع الفنان الهندي الشهير شاروخان, مشهد يقول كل شيء عن هاته الروح التي يتقن القبض على تفاصيلها الجمهور المغربي لوحده. من جهته كان الممثل الهندي الأشهر في مستوى اللحظة الرائقة التي أهداها له شعب مراكش وشعب مهرجانها.
درس في التلقائية جدير بأن يتلقاه الكثير ممن لايجدون مايفعلونه حين لحظات تكريمهم أو الاحتفاء بهم غير ترديد كلام لا معنى له أو القيام بحركات غير مفهومة. وتلك الصور التي تناقلها العالم أجمع لشاروخان وهو يرقص في جامع الفنا رفقة المراكشيين ستظل حتى ختام كل الأيام, دليلا على كثير الأشياء الجميلة في هذا البلد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق