الثلاثاء، 29 نونبر 2011

الهزيمة في الانتصار

توقعت بعد إعلان النتائج الخاصة بانتخابات الجمعة ٢٥ نونبر مباشرة أن أسمع زعيم الاتحاد الاشتراكي عبد الواحد الراضي، على افتراض أن الراضي هو فعلا زعيم الاتحاد اليوم، يعلن استقالته هو و القيادة الجماعية للحزب، ويفتح المجل لنقد ذاتي كبير في الحزب ولصعود قيادة جديدة تستطيع السير بالحزب إلى ميدان آخر غير ميدان الخسائر الانتخابية التي أصبح عاديا أن يمنى بها هذا الحزب الذي كان كبيرا في وقت من الأوقات.
لكنني رأيت يوم السبت في نشرة الأخبار الراضي وقد وضع على رأسه طاقية تقيه برد الوقت، وذهب عند عباس الفاسي لكي يبحث عن سبل الدخول إلى اللحكومة الملتحية التي سيشكلها بنكيران ومن معه في الأيام القليلة المقبلة.
فهمت حينها أن السياسة في المغرب أصيبت بداء غير قابل للعلاج. عضال مثلما يصفه أصحاب العربية حين الرغبة في الحديث عن الداء الذي لايمكنه الارتفاع أبدا، إسمه داء الهروب إلى الأمام والتفكير فقط في الحقائب الوزارية والبقاء في مواقع السلطة والقرار دون أدنى انتباه للمبادئ السياسية التي صنعت - شئنا ذلك أم أبيناه - مجد السياسة في المغرب الآخر الذي لم نعد نرى له أثرا هذه الأيام.
هل من حاجة حتى للتساؤل : لماذا عاقب الناس الأحزاب التقليدية المغربية وصوتوا بأريحية وبختيار كامل على العدال والتنمية؟
لانعتقد، فكل مافعلته هاته الأحزاب، والحديث هنا عن الأحزاب التي تصف نفسها بالديمقراطية الوطنية أو التقدمية أو ماشئت من الأوصاف التي لاتكلف صاحبها شيئا لأنها متوفرة في السوق ودن ثمن أي مجانا, ( كل مافعلته هاته الأحزاب) هو أنها أقنعت المغربي على امتداد سنوات وجودها وخصوصا بعد عملية تغيير الجلد التي قامت بها في السنوات الأخيرة أنها أحزاب تجمع بعض المسارات الشخصية الطموحة لا أقل ولا أكثر.
المبادئ الكبرى، الالتزام الفكري، الإيمان بأفكار معينة، وغيرها من العبارات المسكوكة التي اتضح أن الأغبياء فط هم من يؤمنون بها كلها عبارات أخلت الطريق لكي تمر عوضها عبارات أخرى أقل نضارة لكن أكثر إقناعا لهؤلاء وأتباعهم: النضال من موقع المسؤولية الحكومية، التغيير من داخل مراكز القرار، الحفاظ للحزب على إشعاعه واقترابه من مركز السلطة، وغيرها من الجمل التبريرية للرغبة في البقاء في الحكم ليس إلا.
لذلك كان أغلب مرشحي هاته الأحزاب مضطرين هاته المرة لكي يفوزوا أن يمروا إلى الخزينة وأن يعدوا الناخبين بأشياء كثيرة يعرفون أنها لن تتحقق، وكانوا محتاجين لكثير "الدفعات" هنا وهناك لكي يصلوا بر النجاة. عكسهم تماما كان مرشحو العدالة والتنمية مطمئنين إلى خطابهم يقولونه وهم يعرفون أن الناس ستصدقهم وستطبق ما يطلبونه منها لأن الحزب استطاع إلى حد الآن وقبل أن يتحمل المسؤولية الحكومية أن يحافظ على عذريته وأن يثبت أنه ليس مليئا بالحربائيين الذين نراهم في الأحزاب الأخرى التي تكذب وهي تصف نفسها بالديمقراطية والوطنية وغيرها من الأوصاف التي أصبحت مضحكة ومبكية للغاية اليوم.
ثم لنترك عنا هذه العموميات ولنتحدث بصراحة: هل رأيتم بعض مرشحي حزب مثل الاتحاد الاشتراكي؟
المنتمون الحقيقيون لهذا الحزب, وا لمنتمون أساسا لأفكاره أو لما كان أفكاره, صدموا حين سمعوا أسماء بعض المرشحين مع هذا الحزب، وتساءلوا "كيف؟" لكن الجواب لم يأتهم لأن المغاربة أخرجوا هذ الحزب من دائرة حساباتهم ولم يعودوا يتعاملون معه بجدية نهائيا. وغدا أو بعد غد إذا مادخل فعلا للحكومة بهذه الطريقة العجيبة التي يريدها الآن سينتظر في الانتخابات المقبلة هزيمة أنكى، وسينتظر في أي استحقاق مقبل الكثير من لعنات الناس لا أصواتهم.
وحزين جدا - أقولها بل صدق - وأنا أكتب هذا الكلام ، لكنها حقيقة المغرب اليوم، والواقع الذي لن يرتفع بمجرد إدخال بعض الرتوشات التجملية عليه: البلد بدأ رحلة سقوط الكبرى بين الإخوانيين، بالديمقراطية أو بغيرها الأمر لايهم. الأهم منه أن الرحلة ابتدأت وفي كل التجارب التي سبقتنا يقال إن خط لنزول في هذا النوع من الرحلات لايعود إلى الارتفاع أبد.
الأخطر هو أن هذا النوع من الرحلات إلى التطرف وعوالمه السفلية يمتح كل حجمه في المغرب من انعدام أي قوة مضادة لهذا النزول, بل ورغبة حتى من يفترض أنهم خصوم فكريون للصاعدين الجدد, في مساندة الحكومة الجديدة, والتحالف معها من أجل البقاء في الحكم خلال الفترة المقبلة من تاريخ البلاد.
الاتحاد والعدالة والتنمية في حكومة واحدة. صدق أو لاتصدق, وحتى إذا لم تصدق, لا أحد اليوم في المغرب يكترث بالاصطفافات المنطقية لأنه لامنطق فعلا في البلد, لذلك لا حق لنا في الاحتجاج على هؤلاء وحدهم, فكل ما يحيط بنا يسير في نفس المسار.
المغاربة أرادوا العدالة والتنمية خلال هذه الانتخابات. ترى بماذا سيطالبون في الانتخابات المقبلة؟ لنترك السؤال وإجابته للسنوات المقبلة, فبالتأكيد سنجد الكثير من المعطيات المساعدة على هذا الأمر, الجواب أعني, وليس أي شيء آخر...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
ربما هي الصدفة, ربما هي أشياء أخرى لكن الكثيرين توقفوا عند ظهور صحافيتين محجبتين في القناة الثانية يوم الجمعة الفارط لأول مرة في تاريخ هذه القناة بالتزامن مع فوز العدالة والتنمية في التشريعيات المغربية الأخيرة.
البعض ضحك من الصدفة المحض, والعض تندر وقال إن مديرية الأخبار بالقناة أرادت إرسال رسالة واضحة لحكومة المغرب الجديدة "النهار الأول", والبعض الثالث لم يعلق إطلاقا, وقال إن المغرب بلد لايجب التركيز كثيرا على مثل هاته التفاصيل فيه, فأغلبها يتم بالصدفة العمياء فقط, وتحميله ما لايحتمل يدخل بنا غالبا في خانات "الهبال" العام أكثر من دخوله في أي نطاق آخر.
ربما, وربما لا, فنحن في المغرب في نهاية الطاف.

الاثنين، 21 نونبر 2011

مجرد رموز ليس إلا (1)

الاثنين 21 نونبر 2011 - 14:34



غادي نصوت عل الفروج. يروقني فيه إيمانه وفحولته. الفحولة نعرفها جميعا حين نرى مايفعله بالدجاجات العديدات الموضوعات معه في نفس المحل آناء الليل وأطراف النهار, والإيمان نسمعه من خلال استفاقته صباحا كل فجر لكي ؤطن فينا ويدعونا للصلاد مثلما يقول المسلمون ولو كان فروجا هنديا, وهذا أجمل ما في الموضوع. لا أتذكر الحزب الذي اختار هذا الرمز دليلا على عنوانه, لكنه يمتلك بالفعل حظوظا كبرى في أن ينال صوتي يوم الجمعة القادم.

غادي نصوت على الكار. هذا الرمز هو رمز المغاربة كل تأكيد. ليس هناك مغربي واحد لم "يتكرفس" في الكار يوما واحدا في حياته. وعندما نسمع وزارة غلاب تطلق تلك الحملات المضحكة عن ضرورة توفير النقل في العطل لكل المواطنين وخصوصا خلال عطلة عيد الأضحى التي يتحرك فيها المغرب من المغرب إلى المغرب, نضحك كثيرا ونتذكر قصصنا مع الحافلات المهترئة التي تجوب البلد وتقتل الناس وتنقل في بعض الأحيان ونضحك. لذلك هذا الحزب أيضا له حظوظ كبرى في أن "نرمي عليه" جميعا يوم الاقتراع.

غادي نصوت على الروبيني. الماء في المغرب بالإضافة إلى الكهرباء قد يكونان سبيل الثورة الوحيد للوصول إلى البلد. الناس في بلدي لاتهتم بالسياسة كثيرا, لكنها تهتم بما يضر بجيبها ويضربها يوميا في مقتل ويحرم الصغار من كثير الأشياء التي يريدونها. وفي مقدمة الأشياء التي تفعل بنا الأفاعيل فاتورتا الماء والكهرباء اللتان لازالتا عاجزتين في بلد كالبلد عن العثور على من يستطيع قراءتهما قراءة سليمة واضحة تشرح لك كيف أنك تتوفر على "لمبة" واحدة في المنزل تشتغل بالغاز ورغم ذلك تؤدي ألف درهم شهريا لإحدى وكالات الماء أو لإحدة شركات التدبير المفوض, خوفا من أن يأتوا إلى منزلك لكي ينزعوا "الجهاز" مثلما يقول الساخر الكبير عادل إمام في المسرحية ذائعة الصيت, لذلك يرتقب أن يشمل أصحاب الروبيني عطف كبير من المغاربة الجمعة القادمة

غادي نصوت على السبع. لأسباب لا علاقة لها بزيان الذي أعتبره شخصيا أفضل متحدث بهلواني في التلفزيون, ولكن لها علاقة بالصورة التي أجملها في ذهني عن أسد الأطلس الذي انقرض, وعن أسد صندوق الوقيد الذي داعب الطفولة منا بتلك العبارة الكاذبة عن دعم الاقتصاد الوطني, وبالأسد رمز المنتخب الذي كان والذي نحلم له بالرجوع, وبالسبع الذي يعني في الموروث الشعبي كلمة تحيل على "بزاف ديال العظمة" خصوصا حين تسمع أن "فلان تبارك الله سبع", وتدقق جيدا فيه, فتجد أنه سبع فعلا لكن سبع يعاني من نقص في كل الفيتامينات الموجودة على سطح الأرض. لذلك بحال والو المغاربة كلهم يوليو سبوعا نهار الجمعة الجاية.

غادي نصوت على المظل. ليس فقط لأن أحد قياديي هذا الحزب أتى إلى التلفزيون وقال ضمن الحملة الانتخابية "صوت على المظل تبقا فالظل", وأنا من كبار الراغبين في البقاء في الظل "حتى يدوز سربيسينا على خير", ولكن أيضا لإيماني العميق أن الإنسان في بلد مثل المغرب يلزمه بالفعل التوفر على مظلة إذا ما أراد الخروج كل صباح من منزله دون خوف من شيء ما, بل ربما أًصبح التوفر على المظلات ضروريا حتى داخل المنازل, حيت ماعرفتيش الوقت شنو تقدر تجيب؟ هذا الرمز أيضا مؤهل لحيازة الكثير من الأصوات من كل المغاربة المساكين الذين يحسون أنهم بدون مظلة في هاته الحياة المغربية القاسية.

غادي نصوت على الطيارة. لسبب واضح جدا يعرفه كل من فكر يوما في الحريك, وأعتقد أن الأمر يهم ثلاثين مليون مغربي على الأقل, فالطائرة ظلت ذلك الحلم الذي يناجي ويدغدغ أذهان العباد وقلوبهم بالسفر بعيدا, والعودة يوما ذات حملة تلفزيونية ترحب بالمهاجرين وبعملتهم الصعبة القادمة معهم, بعد أن تم طرد نفس المهاجرين يوما من البلد بتهمة أو بداعي أن المغرب لايمكنه أن يتسع للجميع, أو مثلما يقولونها في الإعلام بكل ديبلوماسية "حيت مابقاش الوظيف فالدولة". الطائرة تمتلك حظوظا وافرة للطيران فعلا يوم الاقتراع.
غادي نصوت على السبولة. القضية فيها آية قرآنية أولا مثلما حرص على تذكيرنا بذلك كل من أتوا إلى التلفزيون للحديث باسم هذا الحزب حين يشيرون إلى الحبة ذات السبع سنابل التي أنبتت ما أنبتته, وأعجب لهم كثيرا حين يقولون إن على العدالة والتنمية أن يبتعد عن توظيف الدين في السياسة, ثم المسألة مرتبطة بالأرض وبالبيت الشعري الساذج الذي حفظناه مذ كنا صغارا عن ملئى السنابل التي تنتحني بتواضع والفارغات رؤوسهم شوامخ إلى آخر ذلك العجب العجاب الذي حفظناه في المدارس ولم نجد أي سبيل إلى اليوم لتطبيقه في أرض الواقع. لذلك بحال والو السبولة تديرها.

غادي نصوت على الفيل. هذا الحيوان مظلوم للغاية. مظهره الكبير وخرطومه الطويل وتلك الأرجل العجيبة التي ابتلاه الله بها, تعطي الإحساس للناس أنه فتاك وغادر ومتوحش وكل شيء, لكن المسكين يخشى من الفأر, وهذا التناقض الكبير بين المشهد الخارجي وبين الحقيقة الداخلية يروقني لأنه يعبر عن طبيعة مائة في مائة من المغاربة الذين يعتكمدون في حياتهم على "التوجيهة الخارجية" أو "الفيترينة" فيما الدواخل لايعلم بها إلا الباري سبحانه وتعالى. هذا التشابه بين الفيل وبين طبيعة شعبنا قد يكون حاسما يوم الانتخابات والله أعلم عاوتاني. وغدا نكملو الخرين باش الهاكا ماتقول لينا والو

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الهزيمة الصغيرة التي عاد بها الفاسيون من تونس, هي هزيمة قابلة للتدارك شرط لعب لقاء ذكي في العودة أمام النادي الإفريقي, وكل المؤشرات تقول إن فريق العاصمة العلمية سيتمكن من الثأر للوداديين الذين هزمهم الترجي في ملعب رادس نفسه, منذ مايفوق الأسبوع. في كل الحالات الفاسيون صنعوا موسما استثنائيا بكل المقاييس, وإن كان مدربهم قد اشتكى بطريقة ذكية للغاية من "تكالب" الجامعة الكروية على الفريق هي التي لم تمكنه إلا من 72 ساعة من الراحة بسبب برمجة لقاء نصف الكأس قبل نهاية الكأس الإفريقية بثلاثة أيام.
الماص دخلت التاريخ رغم كل شيء. هذه هي الخلاصة

السبت، 19 نونبر 2011

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق ليوم السبت

كلام ساقط للغاية, وشتائم نابية, وتهديد بالقتل, كلها ردود أفعال أعقبت مقال "مجرد كلمة حق" حول ماوقع لبعض جماهير الوداد في ملعب رادس بتونس خلال نهاية عصبة الأبطال ضد الترجي التونسي.
عندما سيفهم بعض المحسوبين على الجماهير الرياضية في بلدنا أن التطرف في تشجيع الفريق وعدم القبول بالرأي المخالف مهما كان صدق هذا الرأي, مسألتان لايمكنهما إلا الضرر بالفريق الذي يشجعونه, حينها سنتمكن من الخروج من الشغب الذي يهدد كرتنا في مقتل.
في انتظار ذلك أنا حزين للغاية, لأن فريقا كبيرا مثل الوداد يشجعه أناس صغار مثل هؤلاء الجبناء.

الجمعة، 18 نونبر 2011

مجرد كلمة حق

كنبغي الوداد, وأهوى فيها ثقلها التاريخي الكبير الذي لايتوفر لأندية مغربية أخرى, تحاول وتحاول لكنها تظل باستمرار دون مستوى "وداد الأمة" وما تشكله وداد الأمة للمغاربة ككل وليس للبيضاويين أو لمحبي الوداد فقط. لذلك نستطيع أن نتحدث عن الوداد بكل اطمئنان ودون أن يقال إننا نستهدفها أو أننا نكتب ضدها, خصوصا في موضوع مثل الذي حدث في تونس, حين تسببت عناصر مشاغبة محسوبة على جمهور الوداد في تدخل أمني عنيف من طرف القوات التونسية التي نعرف جميعا حساسية الوضع الأمني ببلدها, ودرجة التأهب الكبرى التي توجد عليها باستمرار تلافيا لكل ما من شأنه أن يمس الأمن في جمهورية أسسها السابق بن علي على الأمن أولا وقبل كل شيء.

الذي وقع يوم السبت الماضي هو أن عناصر مشاغبة اعتقدت أن ماتقوم به في شوارع الدار البيضاء باستمرار هو أمر ممكن في تونس العاصمة. وقد تلقت الرد مباشرة وبسرعة من طرف القوات الأمنية التونسية أن لا مجال للمقارنة بين البلدين نهائيا. هنا يمكنك أن تكسر كل زجاج الحافلات التي تمر أمامك, وأنت تغادر الملعب, دون ان تخشى اعتقالا أو إحالة على النيابة العامة, وهناك لايمكنك أن تحدق مليا في أعين رجل أمن إلا والصفعة تهوي على خدك مباشرة بعدها.

تذكروا أن البوعزيزي أحرق نفسه يوما لأن شرطية تونسية صفعته, وتذكروا أن مشاهد مثل مشاهد الحرب التي رأيناها بين الرجاويين والوداديين في شارع 2 مارس منذ أيام هي مشاهد لايمكنك أن تراها في أي بلد يحترم نفسه, باستثناء سوريا واليمن اليوم لاعتبارات تهم البلدين ومايقع فيهما. أما لدينا فقد رأينا التراشق بالحجارة وبالشهب النارية, ولمحنا بأعيننا مشهد حي بأكمله يحاصره المشاغبون ويعيثون فسادا في سيارات وممتلكات الناس دون أن تقول لهم أي جهة أي شيء.

لذلك علينا التريث كثيرا قبل أن ننجر وراء اللعبة التي أراد الإعلام الرسمي جرنا إليها والتي تقول إن "قوات الأمن التونسية اعتدت دون أي مبرر مقبول أو معقول على الجمهور الودادي بالضرب وبالغازات السامة". علينا أيضا أن نتساءل عن السلامة العقلية لكل المسؤولين المغاربة الذين صدرت عنه التصريحات التي تقول إن "البوليس التونسي هاجم بشكل غير مفهوم الجمهور المغربي". علينا ثالثا أن نتساءل إن لم يكن بعض المحسوبين على الجمهور المغربي الذي تحول إلى تونس لمؤازرة الوداد هم من يتحملون مسؤولية أعمال الشغب والتخريب التي حدثت في ملعب رادس وفي مطار تونس العاصمة, وهم من اضطروا قوات الأمن في تونس لكي تتعامل بحزم معهم للحد من شغبهم, والحرص على فض الاشتباك بينهم وبين جمهور الترجي على خير.

أكره ما أكرهه هو أن نتحول نحن أيضا إلى مقلدين من الدرجة العاشرة للمصريين يوم أرادوا تحويل مباراة عادية في كرة القدم بينهم وبين الجزائريين إلى "موقعة القرن", وإلى "حرب أم درمان", وإلى أشياء تدل على التخلف ولا تدل على أي شيء آخر. وأتمنى أن يمتلك المسؤولون الذي رافقوا الوداد إلى تونس وففي مقدمتهم وزير الشباب والرياضة الشجاعة اللازمة لقول ماحدث هناك, ولتحمل مسؤولية الشغب الذي قامت به عناصر ودادية أو محسوبة على الوداد هي التي دفعت في الختام الأمن التونسي إلى التدخل العنيف.

ذلك أنه سيكون مثيرا لكل أنواع الاستغراب والدهشة أن يلجأ البوليس التونسي إلى ضرب كائنات وديعة حضرت لكي تشجع فريقها بكل روح رياضية, وتقبلت الهزيمة في الأخير بصدر رحب, وكانت تصفق على جمهورها وأدائه الرجولي, وتصفق في الآن ذاته للفريق المنتصر بكل أريحية, لكنها فوجئت بهراوات الأمن وبالقنابل المسيلة للدموع تنهال عليها من كل جانب من طرف القوات الأمنية التونسية التي أرادت اصطناع أزمة ديبلوماسية مع المغرب "غير هاكاك".
يلا كان اللي تيهضر أحمق, اللي تيسمع يكون بعقلو. هكذا يقول المثل, وإذا كان بعض المسؤولين عن الرياضة المغربية يريدون البحث عن مشجب لإخفاق الوداد في النهاية ولو عبر اختلاق أحداث غير حقيقية, فالواجب عليهم هو أن يتحلوا بفضيلة الاعتراف بالحقيقة, والاعتذار على الأكاذيب التي روجوها, والبحث عن السبب الذي يجعل الشغب اليوم رديفا لأي مباراة يحضرها أي عدد من الجماهير المغربية مهما كثر أو قل هذا العدد.

مشكلة الكرة المغربية اليوم هي الشغب المجاني الذي أصبح يسير معها بتواز كامل, وكارثة لقاءاتنا الكروية خصوصا تلك التي تجمع فرقا لديها جماهير كبيرة, هي أن المدن التي تحتضن لقاءات هذه الفرق أصبحت تخشى انعقاد المباريات على أرضها, بل لقد سمعنا عن مدن ترفض سلطاتها استقبال فرق معينة للعب فيها بسبب هذه الكارثة الخطيرة المسماة شغبا والتي أصبحت تجتاح الوطن كله اليوم.

لنرب جماهيرنا عوض أن نبحث عن تصدير مصائبنا إلى البلدان الأخرى, واصطناع الأزمات الديبلوماسية معها, ولو دون أي وجه حق أيها الإخوان.

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
رفض التونسيون الدعوة التي وجهها حزب النهضة الإسلامي لأمير قطر لحضور المجلس التأسيسي التونسي معتبرين الأمر دليل تدخل أجنبي غير مقبول, مهما كن الدور الإيجابي الذي قامت به قطر في مساندة ثورة الياسمين في تونس.

موقف التونسيين يأتي لكي يؤكد تشبث أهل هذه البلاد بحريتهم, مهما كان الثمن, خصوصا وأنهم فعلوا المستحيل لكي يتخلصوا من ديكتاتورية بن علي وتمكنوا من ذلك, وهم لايريدون السقوط في فخ أي ديكتاتورية أخرى كيفما كان نوعها.
درس بليغ آخر من تونس الخضراء