الأربعاء، 9 فبراير 2011

الفنانون والثورة

بين عمرو واكد الذي كان أول المساندين لثورة الفل في مصر, ومحسنة توفيق التي استعادت هذه الأيام دورها في الفيلم الخالد "العصفور", وبين صراع خالد يوسف وغادة عبد الرازق بين معارضة النظام ومساندته, يبرز دور الفنان المصري في الأحداث التي تعرفها أرض الكنانة في الآونة الأخيرة بشكل جد هام. الأمر ليس مستغربا, فمصر هي أكبر تجمع فني عربيو وهي البلد الذي يستطيع الادعاء أنه يتوفر في كل حي على فنان أو أكثر بالنظر إلى المسيرة الفنية المصرية الطويلة التي أسستها أسماء أصبح المشاهد العربي في كل مكان من عالمنا يحفظ أسماءها وأعمالها عن ظهر قلب.
مواقف الفنانين المصريين كانت الأكثر انتظارا من طرف الجميع, خصوصا وأن نظام مبارك دأب على التعامل مع الفن المصري تعاملا براغماتيا نفعيا مؤسسا على لقاء سنوي دائم مع ممثلي الساحة الفنية, وتبن كامل لأفراحها وأتراحها, وقيام بأعباء الفنانين المرضى أو الفقراء مما تكلف به علاء مبارك عوضا عن والده تاركا لجمال الاستعداد لرئاسة يبدو أنها لن تأتي أبدا. انتظار لم يطل طويلا, فبسبب الوعي السياسي المتقدم لدى الفنان المصري, وبسبب تخرج أغلبهم من الجامعات أو المعاهد المتخصصة في التمثيل التي تفرض دراسة أربع سنوات بعد الباكالوريا أو الثانوية العامة مثلما يسميها المصريون, يندر أن تجد فنانا وحيدا لايحتفظ بموقف سياسي خاص به, مبني على معرفة حقيقية, وعلى اطلاع واسع بما يجري في الساحتين الإقليمية والوطنية.
بل نجد في مصر عددا كبيرا من الفنانين الذين لم يسبق لهم أن ولجوا قاعات الدراسة مثل شعبان عبد الرحيم أو غيره ممن يحرصون على تقديم مواقف سياسية _ تسقط أغلب الأحايين في الكاريكاتير_ لكنها تظل على كل حال مواقف تعني التفاعل مع مايعيشه المجتمع من فورات وثورات. لذلك كان عاديا اليوم أن نجد الفنان المصري في مقدمة الصفوف سواء المؤيدة أو المعارضة للنظام وأن نسمع أراء موغلة في التسييس من طرف هؤلاء تساند ثورة الشباب بشكل عنيف وغير ملتبس مثل آسر ياسين الذي أقسم أنه لن يعود إلى التمثيل أبدا إلا إذا رحل مبارك, أو تصطف إلى جانب بقايا النظام وتعتبر أن ماقدمه الرئيس طيلة السنوات الثلاثين التي حكم خلالها بر المحروسة تفرض إخراجه بشكل غير مهين من الحكم مثل نقيب الفنانين أشرف زكي وزوجته روجينا وغير قليل من الفنانين الآخرين الذين اقتنعوا أو أقنعتهم جهة ما بهذا التوجه في هذا الذرف بالتحديد.
ونحن نتأمل المشهد الفني المصري في تفاعله مع مايقع في بلده, لايمكننا إطلاقا أن نقفز على مشهدنا الفني المحلي الذي نعرف أن علاقته بالسياسة تقف عند حدود سهرات الداخلية بالصيغة القديمة أو الجديدة, ولا تتجاوز هذا الحد لأن الفنان لدينا يعتبر أنه مجرد مسل للجموع, قد يقدم لها أغنية أو مسرحية أو عملا سينمائيا دون أن يفكر في تجاوز تقديم دوره الفني إلى القيام بدور تعبوي ينتهز شعبيته لدى الناس لكي يوصل إليهم رسائل أخرى أعمق بكثير من تلك التي قد تظهر من عمله مجردا.
الأمر في مصر لم ينتظر ثورة الشباب الحالية لكي يتمظهر, لئلا يقول لنا أحد إن مايقع لدى المصريين هو أمر جلل يفرض التعامل معه من طرف الكل فنانين أو غيير فنانين. ففي تلك البلاد جرت سنة الفن في أهله أن يكون لهم جميعا موقف مما يجري, عكس ماجرت عليه سنة الفن في خلقه المغاربة الذين جبلوا على الابتعاد عن "صداع الراس" الذي يعني السياسة بالمغربي, وتعودوا على الاستجابة فقط للدعوات التي يقف وراءها النافذون أو الأقوياء ممن يمكن أن يفتحوا لك باب تلفزة هنا, أو ييسروا لك أمر الحصول على مشروع هناك.
الأمر يمتد لكي يتجاوز الجانب الفني لهؤلاء لكي ينعكس على تصور الناس لهؤلاء الفنانين. ذلك أنه يندر أن تجد فنانين يحترمهم الجمهور المغربي لوعيهم السياسي والفكري العميق, ولانخراطهم في بعض من معارك هذا الشعب عن اقتناع, وهذا في الغالب الأعم, إذ لايجوز أن نعتد بالقلة القليلة ممن أثر اهتمامها السياسي على عملها الفني إلى أن أصبحت غير قادرة على ممارسة الفن نهائيا, بل تحولت إلى احتراف سياسي معيب. الحديث هنا هو عن الحفاظ على تلك الشعرة الرقيقة التي تفصل بين التزام الفنان بفنه, واحترامه لكل الفئات والمواقف التي قد تتشكل لدى كل جماهيره, وبين إيمانه بأفكار معينة تفرض عليه في لحظة من اللحظات أن يتجرد من حياده المزعوم وأن يعلن انتصاره لهذه الجهة أو تلك حسبما تفرض عليه مبادئه إذا ماكانت لديه مبادئ طبعا.
لكن وعندما نتأمل نوع الفن الذي يتم تشجيعه من طرف الرسميين, وعندما نلتفت إلى سهرات تلفزيوننا الأسبوعية باعتبارها التمظهر الأبرز لفنوننا, ونجد أن الأغنية الأكثر مرورا هي أغنية "آحا حا" التي يرددها كل مغنيي الشعبي دون أن نفهم نحن معناها, نستوعب شيئا واحدا أساسيا في كل هذا الموضوع, هو أن الشعب الذي يرقص على أغنية كلماتها تقول "آحا حا" هو شعب لايحتاج فنانين يكسرون له دماغه بأي حديث عن السياسة, أو مثلما قال الآخر رعاه الله لفنه وموهبته "أزيد سطير, تعيش مخير, آشعيبة شعيبة, ديما مبوق, وكاع مامسوق". رائع دون حاجة لأي إطناب.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
حلقة أخرى متميزة من "العاشرة مساء" لمنى الشاذلي, قدمتها مساء الإثنين, استضافت خلالها وائل غنيم الشاب الذي صنع الحدث باختطافه من طرف السلطات المصرية, والذي أجهش بالدموع عندما رأى صور الشهداء الذين سقطوا في ميدان التحرير, قبل أن يغادر الاستوديو على الهواء مباشرة, وقبل أن تحكي منى الشاذلي ماعانته مع وزير الإعلام أنس الفقي خلال الأيا م الأولى للثورة, حين فرض عليها أن تقول إن عدد المتظاهرين بالعشرات في ميدان التحرير عوض أن تقول إن الآلاف تملأ الميدان.
باختصار حلقة مصرية جديدة في حدث سينتهي قريبا لكنه طبع الزمان المصري والعربي إلى آخر الأيام بميسمه الخاص جدا

هناك تعليق واحد:

  1. ذ المختار الغزيوي لايمكن مقارنة الفنانين المشارقة بالفنانين المغاربة
    على الَمستوى الفني هناك تقارب فالفنان المغربي مستواه يضاهي وفي بعض الأحيان يفوق المستوى الشرقي
    على المستوى الأكاديمي الموسيقي فالمستوى الشرقي يفوق المستوى المغربي
    على المستوى الثقافي المستوى الشرقي يفوق المستوى المغربي فقد جالست مجموعة كبيرة من الفنانين والغالبية العظمى للأسف أمي أتذكر أنني جالست أحد الفنانين الكبار إعلاميا مرارا وتكرارا وفي كل مرة أتعجب كيف مع كل هذه السنوات من المجد والشهرة ولم يستطيع الإستفادة من تجاربه حتى يستطيع تكوين جملة مفيدة أما إذا استمعت إليه في الحديث الديني الذي أصبح اليوم اختصاصه وغي هرب من الصاط حسن ماتفقص
    هناك العديد من النماذج المضحكة في الميدان الفني المغربي وخصوصا في الميدان الموسيقي فتخيل معي فنانة تصنف في خانة الفنانين الكبار لاتعرف القراءة ولا الكتابة نماذج لاتحصى في المشهد الفني الموسيقي المغربي
    ليس عيبا أن لاتعرف القراءة والكتابة ولكن العيب كل العيب هو عدم استفادتك من تجارب الأخرين فتنطبق عليك المقولة الشعبية
    ماقاري ماسامع
    فبالله عليك كيف يمكن لفنان مقرا ماسمع أن يكون فاعلا في مجتمعه وحتى من درس القليل مع جميع الفلوس نسا حتى لي قراه
    لهذا نجد النقابات الفنية والبرامج الفنية يتسلط عليها رجال التعليم للبحث عن المكاسب وخصوصا المادية وتجد من يتبجح بشهادة الدكتور النقيب لأنه يعرف مستوى البقر الذي يقوده أو من يتحايل على المؤسسة التعليمية التي يشتغل بها بل يتحايل على وزارة بأكملها ليتفرغ للبرامج الفنية لأنه ببساطة يعرف فن الكلام وفن كتابة البرامج وتسطيرها على الورق وتقديمها لإدارات القنوات ويبدأ البيع والشراء في الجميع الفنان المثقف والفنان صاحب المستوى التعليمي المتوسط والفنان الأمي
    مايعانيه الفن المغربي وخصوصا في المجال الموسيقي يحتاج فعلا لتغيير فعلي أو نقابة نزيهة لتغيير جذري
    الحديث يطول وحتى لا أطيل أقول لا حول ولاقوة إلا بالله
    وشكرا ذ الغزيوي على هذا الموضوع الشيق والذي إن تطرقت إليه في ملف سيسيل الكثير من المداد

    ردحذف