الأحد، 26 غشت 2012

ولاء و"ولاء"

النقاش الذي أثير في المغرب حول حفل الولاء, نقاش يستحق الكثير من الاهتمام, وإن انتهى نهاية لاتليق ببلد مثل بلدنا تعود على كبير النقاشات دون كثير إشكال. اليوم السؤال يطرح نفسه بحدة وبصوت مرتفع, وأيضا بكل شجاعة: هل ينبغي الإبقاء على الطقوس المرافقة للاحتفال بعيد العرش كل سنة؟ بالنسبة للعديدين, هم ربما أغلبية هذا البلد, وكاتب هذه الأسطر منهم, الجواب هو نعم. لدينا تقاليدنا التي لم نر فيها في يوم من الأيام أي انتقاص من كرامة أو امتهانا لإنسانية أو آدمية, بل اعتبرناها من التوابل المرافقة للمشهد المغربي العام, تمتح كل جمالياتها من الألوان المرافقة لمشهدنا العام, والتي تأخذخا من هذا المشهد نفسه. عشنا في البلد لسنوات وسنوات على المشهد لانرى فيه أي عيب, ولم نتخيله منظر عبودية أو ارتفاع شخص عن آخرين, بل كان بالنسبة للمغاربة طقسا من طقوس بلدهم, يشبه الطقوس التي يرونها في البلدان الأخرى, حين يرتدي نواب بريطانيا باروكات الشعر مثلا, أو حين يقبل الروسيون بعضهم البعض من الأفواه, أو حينما يلتقي الخليجيون بالأنوف مع بعضهم البعض. اليوم هناك رأي ثان يعبر عن نفسه, انطلق مما وقع في العالم العربي لكي يقول إن مايقع في حفل الولاء عبودية وامتهان للناس, ويطالب بمنع الحفل أو إلغائه أو النقص من الطقوس المرافقة فيه. لنتفق أنه من حق أي كان أن يعبر عن رأيه, وأنه من المفروض اليوم أن نفتح هذا النقاش بصوت مرتفع بين الجميع, وأن ننصت لكل الآراء, وأن نتيح لأصواتنا المختلفة بأن تقول ماتريده, وأن لا نصادر حق بعضنا البعض في التعبير عن الرأي والرأي الآخر. معنى عدم المصادرة هو أن لانعتبر المدافعين عن بقاء واستمرار حفل الولاء "ممخزنين", أو "منبطحين" أو "راغبين في التسلق", وأن لانعتبر بالمقابل الراغبين في إلغاء الحفل أو النقص منه أعداء للوطن يبحثون عن منافذ لتسريب الفتنة إلى البلد. لا, العقل السليم يفترض أن ننصت للجميع, وأن نتيح للحوار أن يتم, وأن نتفادى ماوقع يوم الأربعاء من الجهتين: الجهة التي اعتبرت أن تنظيم وقفة احتجاجية من شأنه أن يمس حفل الولاء وأن يلغيه فعلا, والجهة التي اعتبرت أن الرد على الوقفة الاحتجاجية يكون بضرب المشاركين فيها وتفريقهم بالعنف لئلا يتمادوا في غيهم. المشهد كان مخجلا بالفعل يوم الأربعاء حيث تأكدنا أن ثمة رغبة من جهتين معا في تأزيم الوضع في بلد لا يقبل بهذا التأزيم, ولا يريده, ويعبر بكل ما يمتلك من قوة أنه يريد الإصلاح الديمقراطي كله, لكن يريده بسلم. الجهة الأولى هي جهة المعارضين للمسار العام التي لاتستطيع التعبير عن نفسها, والتي تعد أقلية بالفعل في البلد , ورغم ذلك تحرص على لأن تسمع صوتها بطرق متشنجة بعض الشيء, من أجل الوصول إلى هدف اتضح ويتضح كل يوم أنه غير ممكن في المغرب. الجهة الثانية تنسى أننا محصنون في المغرب ضد مايريده الأوائل, وتسعى إلى الرد على التشنج بتشنج أكبر منه, وتنتج لنا المشاهد التي تناقلها العالم أجمع لشرطتنا وهي تضرب صحافيا أتى ليغطي الوقفة, أو لبوليسنا وهو يردد عبارات سيئة في حق ناشطين سلميين مهما كانت مطالب هؤلاء الناشطين. لانحتاج في المغرب اليوم إلى شيء أكثر من احتياجنا للاعتدال في كل نقاشاتنا, وبالتحديد في هذا النقاش الهام, مثلما نحتاج إلى عدم الحديث باسم الشعب لأننا رأينا عدد من حضروا الوقفة يوم الأربعاء, وأيضا نحتاج إلى عدم شيطنة من يريدون التعبير عن رأيهم المعاكس لرأي أغلبية المغاربة ماداموا في طور التعبير السلمي عن الموضوع ككل. شيء آخر لابد من قوله في هذا الموضوع. المغاربة أسسوا لتاريخهم بطريقتهم الخاصة, وكونوا كثير العادات والتقاليد في تسيير شأنهم العام وشأنهم الخاص, وعلاقتهم بعرشهم وبملكهم. واليوم نستطع القول بكل شجاعة وافتخار أن الملك الحالي لايشبه من سبقوه لأن دلائل انفتاحه وإيمانه بالحرية وبالآراء المختلفة مسألة لم تعد تحتاج إلى برهان, وهي التي تتيح للبلد اليوم كل انتقالاته السلمية نحو الديمقراطية الفعلية التي يستحقها شعبنا, لذلك يجب أن يكون نضجنا كبيرا في التعامل مع هذه المسألة الإيجابية لئلا نفقدها كل الجوانب المضيئة فيها, وندفع نحو تأزيم لا حاجة لنا به نهائيا. ولاؤنا لهذا البلد. ولو وضعنا هذه المسألة نصب العين فعلا, لن نجد أي مشكل في تحديد علاقتنا بكل الولاءات الأخرى. هذا هو أس النقاش بالفعل

الاثنين، 13 غشت 2012

عائد إلى الصحراء

خايبة بنادم يهضر قبل من الفطور. لعل بنكيران يقولها لنفسه الآن بعدما لم يلتقط المستمعون والمشاهدون من خطابه أمام مجلس المستشارين إلا عبارة "الجوع باقي كاين فالمغرب". إلى الدرجة التي جعلت العديدين يقولون تعليقا على عبارة عبد الإله "إن صوم رمضان فرض عليه اللجوء للقاموس المطبخي هذا". لكن "بيناتنا" ودون ضحك "دابا", يجب الاعتراف فعلا أن مناطق في المغرب تعيش مايفوق الجوع بالفعل, وأن هناك مواطنين لنا تركناهم في الهوامش وفي هوامش الهوامش, منسيين تماما إلا من رحمة الذي لا ينسى أحدا, أي الخالق جلا وعلا. رحلة الصيف قادتني لبعض هاته المناطق, واكتشفت أنه من الممكن تدبر أمر الشهر كله بخمسمائة درهم. صدقوا أو لا تصدقوا. هناك مواطنون مغاربة كل مايصلهم الشهر كله هو هذا المبلغ, ورغم ذلك يعيشون, ويأكلون ويشربون قدر المستطاع فعلا, لكن الأساسي هو أنهم يعيشون. وحين يتحلقون في المساء حول إبريق شاي يعطيك الإحساس أنه مر من كل الحروب العالمية التي عبرت الكون, يضحكون. لا يكتفون بالابتسامات الصفراء المنافقة التي يتبادلها أهل المدن العمملاقة فيما بينهم. لا,هم يقهقون حتى يتبدى أثر الأسنان التي فعل بها الزمن الغريب فعله, ولا يكترثون. تسألهم عن الغد, عن المستقبل, عن الأشياء التي نعتقد _ ونحن نخطط هباء لها لكأننا سنعيش أبد الدهر _ أننا نفعل جيدا بضبطها, فيردون بالنظر إلى فوق مع الإشارة العفوية من الأصبع الموحد للسماء أن "غدا ربي بوحدو اللي عارف شنو غادي يوقع فيه". في مكان ما قرب الصحراء, غر بعيد عن مولاي علي الشريف, أناس من عمق العمق, طيبوبتهم قاسية حد عدم التحمل. جديتهم لا توصف. المعقول كلمة يستعملونها في المعيش اليومي, وليس فقط في الحملات الانتخابية مثل البعض, لايملكون شيئا يهدونه إليك غير تمرات رطبة شهية من عين المكان, تنزل مباشرة من النخلة إلى أمعائك. في مذاقها ملوحة لا تناسب الحلاوة التي ترافقها. هي ملوحة العيش وسط التهميش ووسط الفقر, ووسط النسيان. تأتي إلى هؤلاء الناس أخبار المدن العملاقة مرة بعد الأخرى. يسمعون عن الشقق الغالية, وعن السيارات التي تساوي ثمن الشقق وعن سكان المدن الذين يحيون "بالكريديات". ترى الابتسامة وقد علت المحيا منهم, وترى الإيمان بأنهم محظوظون رغم كل شيء, في أنهم قد نفذوا من المصيدة ولم يقعوا في حبالها, وقد غزا الملامح المسمرة التي تشكلهم. يقول كبيرهم على شكل حكمة بليغة للغاية يوم الوداع "الجوع ماشي ماتلقاش شنو تاكل وشنو تشرب آولدي. الجوع الحقيقي هو أنك تبقى غير كتجري حياتك كلها". لهم البقاء, ولهم القدرة على صفع الحضارة الزائفة بحضارتهم الفعلية واللاتزول. تحاورهم _ باعتبارك صحافيا زعما _ عن الأشياء التي تنقصهم في ذلك المكان البعيد. يسردون عليك أقاصيص العيش الصعب مع المستشفيات والمقابر. تقول إن هناك أشياء أجدر بالحكي عنها غير المرض والموت, فيبتسمون ببداهة طيبة مرة أخرى, ويقولون إنهم يتدبرون أمر كل الأفراح والمصاريف التي تأتيهم من أجل أشياء الحياة, ويصبرون بخصوصها كثيرا, بل غالبا مايطبقون تجاهها المثل الشهير "كم حاجة قضيناها بتركها", ويمضون. لكن في الأحداث الأليمة. حين تمرض لك أم كبيرة ولا يسعك إلا أن تنصت اليوم بطوله لآهاتها وهي تمزق أحشاءك, حين يصرخ صبي ولد بالكاد ولا تعلم ما الذي ينبغي أن تفعله من أجله, وعندما يسلم الأعزاء الروح فتفكر في الكيلومترات الطويلة التي عليك أن تقطعها من أجل أوراقهم الثبوتية التي تؤكد الحياة والممات وتؤكد العبث قبل وبعد كل الأشياء, حينها تحس بقسوة العيش في هذا المكان, ويبدو لك المتحدثون في التلفزيون عنك وعن مشاكلك كذبة من طراز رفيع حينها فقط تسألة نفسك بحرارة ولوعة "واش حتى حنا مغاربة؟ وواش حتى حنا محسوبين على هاد البلاد؟". لاتجد ردا مفحما ولا جوابا حقيقيا يليق بالسؤال وقسوته, فتحزن مجددا وأنت تلمح في أعين العائدين من المدن بعد الدراسة والتحصيل إلى جحيم البطالة القاتل الكثير من الحقد على كل الأشياء. يختزلون العالم كله في جملة "اللي عندو الزهر ولا ماعندوش", ويعرفون أن الحياة العجيبة خلقتهم دون حظ منذ الوهلة الأولى هناك, وفرضت عليهم أن يقاسوا مرتين من أجل العيش ومن أجل قليل من هاته الحياة. والعودة تستحث خطاها من هناك, كانت صورهم جميعا تترى الواحد بعد الآخر. ملامحهم التي تشبه ملامح الأجداد والأصل الأول تقول كل شيء: سمرة عصية على الوصف, وتجاعيد في أماكن غير متوقعة, وإصرار على المضي قدما مهما كلفت محاولة العيش أو التعايش هاته من ثمن...دون نسيان الأهم: الابتسامة الطيبة المرافقة لكل هذا الحزن وكل هذا الشجن. لهم البقاء, فهم حقا كل الامتداد

الثلاثاء، 7 غشت 2012

صورة بلد في الختام

والكل يستمع لسعيد عويطة على "الجزيرة الرياضية" يتحدث عن المنشطات في ألعاب القوى المغربي, وعن "الوسخ" مثلما قال الذي يحيط بكل مكان في الرياضة بالمغرب اليوم, تمنيت لوهلة صغيرة أن يسكت الرجل. لا أعرف لماذا, ولست من أنصار "خللي داك الجمل بارك", وأعتبر أن مهمة الصحافة هي أن تفضح المستور, لكن على شاشة "الجزيرة الرياضية", ووسط كل لحظات السقوط المدوي لأبطالنا أو لمن هم في حكم أبطالنا خلال الأولمبياد, وقبله وبعده بكل تأكيد, تمنيت من سعيد أن يسكت. الرجل طبعا لديه حسابات عالقة مع جامعة ألعاب القوى, أو لنقلها بصراحة لديه حسابات مع عبد السلام أحيزون شخصيا, وإذ يمكن تفهم العداوات الشخصية المبنية على تضارب الحسابات, لا يمكن نهائيا تفهم تصفية الحساب عبر قناة أجنبية ضد بلد بأكمله. العرب الذين كانوا يشاهدون نقل الجزيرة الرياضية لمنافسات ألعاب القوى, لايعرفون أن عويطة كان مديرا تقنيا لمنتخب المغرب تصادم مع عبد السلام أحيزون رئيس الجامعة, وغادر البلد غاضبا لاعتبارات كثيرة ليس هنا أوان ذكرها. العرب الذين كانوا يتابعون ذلك النقل المباشر, وكانوا ينصتون لعويطة يجلد بلده بالمباشر, فهموا شيئا واحدا لاغير: المغرب بلد فاسد ممتلئ بمجرمين يعطون للرياضيين فيه المنشطات, وكفى. كان ممكنا لعويطة أن يتعالى عن تصفية الحساب الشخصي لحظتها. كان ممكنا له أن يربط الإخفاق المغربي بالإخفاق العربي العام. أن يذكر من يحدثه من معلقي الجزيرة ومن ينصتون إليه من مشاهديها أننا فعلا في الهم شرق, وأن الدول أحرزت حتى اليوم السادس أو السابع من المنافسات عشرات الميداليات من كل المعادن, وأن "الكسيحين" الوحيدين في العالم الذين توقف حصادهم عند نحاسية يفخرون بها, وفضية يغنون لها هم العرب بمختلف تشكيلاتهم _ مع الشك في صحة نسبتنا جميعا إلى هذا الوصف رغم أننا نتحدث لغته ونكتب بها _ كان ممكنا أيضا لسعيدنا الوطني أن يقول إن مشكلة المنشطات هي مشكلة عالمية تهدد الرياضة في مختلف الدول, وأن نموذج البطل الذي كنا نعتبره خرافيا لانس أرمسترونغ في رياضة الدراجات والذي ثبت تعاطيه للمنشطات في الولايات المتحدة هو أفظع نموذج على مايقع اليوم في هذا المجال. كان ممكنا لعويطة أن يناصر مريم العلوي السلسولي وأمين لعلو والبقية _ وإن كان الشك لازال مخيما على الموضوع ككل _ وأن يقول بأن ضغط النتائج وعدم وجود مرافقين نفسيين للاعبين, وكل الانتقادات التي توجه للعدائين في المدة الأخيرة بكونهم لم يعودوا قادرين على شيء, بالإضافة إلى حداثة السن, كل هذاا قد يجعل البطل يضعف, ويمر إلى لحظة تناول شيء ما قد يساعده في لحظات السباق كان ممكنا لعويطة أن يقول إنه ينتظر التأكد من الخبر, ومن صحة أو عدم صحة تناول أبطالنا للمنشطات, وبعدها سيتحدث. كان ممكنا الكثير, إلا الاختيار الذي اختاره سعيد _ سامحه الله _ خصوصا حين قام معلق الجزيرة الرياضية الذي كان يرافقه بتقديم الحديث عن المنشطات والمغرب تقديما تلفزيونيا "قيما" للغاية, وقال "بعد قليل سنتحدث عن مسافة 1500 متر بشكل حصري على قناتنا وسيقول لنا البطل سعيد عويطة أشياء ساخنة وخطيرة". المغاربة الذين أنصتوا لهذا التقديم فهموا أن القناة تمارس إشهارها على حساب بلد بأكمله, لكنهم تمنوا أن يكون إبن البلد أذكى من اللعبة وألا ينجر إليها, لكن سعيد رسب فعلا في الامتحان, وبدا صغيرا للغاية, وهو يروج لنفسه ولرغبته في أن يكون رئيس جامعة ألعاب القوى على الهواء مباشرة. سعيد عويطة بطل أسطوري. هو لوحده قدم للمغرب ما لم يقدمه أحد من قبل. عرفنا العالم عن طريق سعيد, وجميله في رقبة كل المغاربة إلى يوم الدين. لكن سعيد عويطة المحلل الرياضي أو المعلق التلفزيوني بدا هزيلا جدا, وبدا أهزل من أن يكون صنوا لسعيد عويطة البطل الذي نعرفه. سعيد الذي يتقاضى أجره بالدولار من قطر نظير سب بلده على الهواء مباشرة لتصفية حساباته الشخصية, هو أصغر من أن يكون سعيدنا الوطني الذي استفاق المغرب كله سنة 1984 في الفجر لكي يراه يجري ويحمل راية المغرب في الآفاق. خطوة صغيرة تفصل بين البطولة بمعناها النبيل, وبين الصغر بمعناه المنحط كثيرا, الذي يجعل أنانية المرء تنتصر على ماعداها وتورطه في أشياء لا يحق له أن يتورط فيها. المغرب أكبر من أن نسبه على شاشة "الجزيرة الرياضية" آسي سعيد, وإذا كان هناك من حساب ما فلتأت إلى البلد ولتفتحه علنا. هذه هي أخلاق الأبطال الرياضيين الحقيقية, بالمنشطات أو بدونها.

الخميس، 2 غشت 2012

إخوة الريسوني الملحدون

إخوة الريسوني الملحدون ارتكب أحمد الريسوني, يوم الإثنين الفارط أي يوم عيد العرش بالتحديد مقالا جديدا من مقالاته الرمضانية التي ألف أن يهيج بها العوام, وأن يدس السم من خلالها في الدسم, وأن يطلق العيارات النارية التي يعتبر أنها _ وإن لم تصب تدوش مثلما يقول المصريون_ تماما مثلما فعل في عام سابق حين فتح النار على المهرجانات الفنية ومن يرعاها, ثم سارع إلى وقف الحلقات التي كان ينشرها بعد ان أوصل الرسالة التي كان يبغي إرسالها إلى من يهمه الأمر. مقال الريسوني ليوم الإثنين الفارط عبر "المساء", حمل عنوان "انتفاضة الإخوان الملحدين بالمغرب", وتضمن أكبر قدر ممكن من الخلط بين الأشياء إلى درجة طرح السؤال عن الوضعية النفسية التي كتب فيها الريسوني مقاله. إذ قفز فيه بين الحديث عن خوف المشارقة من الشيعة والتشيع إلى الحديث عن قوة من أسماهم الإخوة الملحدين في المغرب, مرورا بعدم القدرة على الجهر بمن يعتبرهم هؤلاء الإخوات الملحدين, والاكتفاء بالغمز واللمز من كل مكان ومن كل ناحية, إلى أن يخيل لقارئ المقال أن الريسوني يقصد الجميع دونما استثناء اللهم طائفته التي يعتبرها ناجية, والله أعلم بطبيعة الحال. فقيه التطرف القاطن في جدة والمستعد للعودة إلى البلد, والذي يجد في منابر معينة من يقدس فكره "المقاصدي" حد جعله البديل المنتظر لكل مؤسسات الدولة الدينية, إذا مادانت الأمور يوما, يريد إيهام من طالعوا مقاله الخطير ذاك أن كل من يدعو لحرية في البلد هو ملحد, وهذه المسألة ليست تكفيرا فقط للناس دون وجه حق, بل هي استعداء للعوام عليهم, خصوصا إذا أتى الكلام ممن جلس يوما أمام أمير المؤمنين ملك البلاد لكي يلقي درسا حسنيا من الدروس التي ألفنا في هذا البلد أن يلقيها أئمة الاعتدال وفقهاء الوسطية الراغبون في إيجاد السبيل للتوحيد بين الناس, لا الباحثون عن منافذ للفتنة تنفيسا للعقد الشخصية الصغيرة, أو تحقيقا لأحلام التشبه بالقرضاوي ومن على زمرته ممن باعوا دين الله ببترودولارات قطر والناتو وغيرهما من الجهات المانحة. هل نقول إننا فوجئنا من موقف الريسوني؟ سنكون كاذبين بكل تأكيد. الرجل لا يضيع اي فرصة لكي يقول مايعتقده في المجتمع المغربي, الذي يعتبره خليطا من "الإخوان الملحدين", إذ جمع في التصنيف المذكور أعلاه طوائف عديدة من الناس لو عددتها حقا لوجدتها المغرب كله: الفنانون, والجمعيات الحقوقية, والجمعيات الإنسانية, والأحزاب السياسية والإعلام, والطبقة السياسية. ولن نقول مجددا إن التصنيف الخطير للمجتمع على أساس التفريق بين ملحدين ومؤمنين هو تفريق خطير قد يجعلنا في يوم من الأيام نحمل السلاح في وجه بعضنا البعض من أجل نصرة الإيمان على الإلحاد, أو من أجل العكس, لكننا سنقول إن من يرى في السعودية ملاذه وملجأه, ويعتقد أن النموذج المجتمعي الذي هرب للعيش فيه هو أفضل من النموذج المجتمعي الذي يقترحه هذا البلد على ساكنته _ المؤمنة رغما عن أنف من يعتقد أنه يملك صكوك الغفران _ لايمكنه نهائيا إلا أن يأتينا حاملا رسائل الفرقة والتشتيت هاته التي لا تستوعب نهائيا المعنى الفعلي للحمة المجتمع المغربي. هذا البلد عصي فعلا على الفكر الفرقوي الذي يمثله الريسوني ومن سار على الهدي العجيب الذي يقتنع به. والأخ المؤمن, إذ يكتب اليوم بهذه الحدة ويسمي جزءا كبيرا من المجتمع إخوة ملحدين فإنما يعبر عن سخط من آمن فعلا أن البلد سائر في مساره لا يهمه أن تسقط ليبيا بين أيدي سلفيي القاعدة, أو أن يحكم مرسي باسم الإخوان والسلفيين أرض الكنانة اعتمادا على تحالف عجيب مع العسكر والأمريكان, ولا أن تقنع النهضة منصف المرزوقي أنه رئيس فعلي في تونس التي تخوض يوميا معاركها من أجل عدم السقوط النهائي بين أيدي القاعدة, ولا أن تتعدد كل النماذج التي تتشابه في بقية البلدان وأن يبقى المغرب نسيج وحده, والبلد القادر على إشهار عبارة الاستثناء المغربي في وجه الجميع دونما خوف من كذبها في يوم من الأيام. هذا البلد لديه حصانته التي بناها على امتداد السنوات والعقود والقرون, وعلى رأس الحصانات مؤسسة إمارة المؤمنين التي تعفينا من اللجوء لأشخاص يشبهون القرضاوي قد نشتريهم بالمال لكي يصبحوا مفتين رسميين لنا. لدينا مؤسساتنا ولدينا شعبنا الذي يحيا العلاقة بين دينه ودنياه مثلما يتصورها, ولدينا طبعا في الختام هؤلاء الذين يتصورون المغاربة شعبا من الإخوة الملحدين, ولا يستحون في اللجوء إلى مثل هاته التصنيفات القاتلة, لكنها ضريبة التوفر على كل شيء في نهاية المطاف في بلد ألف منذ القديم أن يحتوي كل شيء.

الأربعاء، 1 غشت 2012

الرجا فالله

إيوا شفتي دابا اللي مابغيناش؟ المغاربة أرادوا أن يستمتعوا قليلا مع البارصا, "ندماتهم", وخلقت حالة من السخرية لم يسبق لها ان اجتمعت في لحظة واحدة في تاريخ المغرب مثلما اجتمعت عقب لقاء برشلونة والرجاء بثمانية أهداف لصفر. قال القائل إن الرجاء ستغير إسمها لكي يصبح من الآن فصاعدا "الرجا فالله" دلالة العجز الكبير أمام الطاحونة الكاتالانية. وقال القائل الثاني إن "حسن الحظ هو الذي جعلنا نلاعب البارصا يوم ثامن رمضان فانتهت المباراة بثمانية أهداف أما لو لاعبنا ميسي ورفاقه يوم 29 رمضان لانتهت النتيجة بتسعة وعشرين هدفا كانت ممكنة بكل تأكيد". أما القائل الثالث فعدد أسماء كل الذين لم يحضروا من نجوم البارصا من تشافي إلى إنييستا مرورا بفالديز وبيكي وبيدرو وسيرجي, قبل أن يتساءل عن النتيجة لو أتت الأرمادا الكاتالانية بأكملها. المهم, الكل قال إلى الدرجة التي شعر فيها المشجع الرجاوي أنه لوحده في البلاد, وأحس بغير قليل من الغصة وهو يرى تكالب الجميع عليه من أجل الضحك منه ومن النتيجة التي حققها فريقه, علما أن المسألة في الختام عادلة, لأن اختيار الرجاء لملاعبة البارصا تم دون أي معايير واضحة اللهم العلاقات الشخصية التي حددت هوية الفريق الذي سيحظى بشرف اللعب أمام ميسي ورفاقه قبل أن يصبح هذا الشرف تهمة فعلية بعد النتيجة الثقيلة والمخجلة والتي لاينبغي أن تنسينا على كل حال أن الأمر يتعلق بلقاء ودي أولا وآخرا. الأساسي من كل ماوقع هو أننا اكتشفنا بأن رمضان في المغرب قد يكون حافلا بالسخرية والضحك, عكس مايقنعنا به تلفزيوننا, بعد أن تفتقت عبقرية المغاربة الضاحكة عن كثير النكت والنوادر بخصوص اللقاء, مثلما اكتشفنا أننا يجب أن نحسب من الآن فصاعدا بعض خطواتنا قبل الارتماء فيها دون أدنى تفكير. ذلك أن السؤال الذي يطرحه أي رجاوي اليوم, ومعه أي مغربي هو : ما هي الاستفادة التي استفدناها من لقاء البارصا؟ طبعا هناك الإشعاع العالمي لحضور فريق من هذا الطراز إلى بلدنا, لكن على المستوى الرياضي ما الاستفادة؟ وما الربح؟ في الحقيقة لا وجود إلا للخسارات تلو الخسارات. الخسارة الأولى رقمية من خلال النتيجة التي دخلت كتاب غينيس للأرقام القياسية والتي فقد بموجبها الرجاء لقبه كفريق عالمي, بعد أن بدا هزيلا للغاية, بل وغائبا تماما, غير قادر حتى على رص صفوف دفاعه من أجل تفادي المزيد من الأهداف. الخسارة الثانية نفسية للفريق الأخضر الذي يؤسس لفريق كبير على المستوى المحلي والقاري, واشتغل طيلة فصل الصيف على اشتراء كل اللاعبين القابلين للبيع والشراء, وكان يفترض أن يبدأ تحضيراته للموسم بلقاءات ترفع روح لاعبيه وجمهوره المعنوية, لا بلقاء يدك الحصون الرجاوية, ويوجه ضربة قاتلة فعلا لمعنويات اللاعبين الذين فهموا أن الكرة التي يلعبونها شيء, وأن الكرة التي تلعب في بقية أنحاء العالم شيء آخر. لكن وبغض النظر عن هاته الخسارات المتتالية التي يمكن أن نضيف إليها الخسارة الفرجوية بعد أن عجزت الشركة التي نظمت اللقاء عن ملء مدرجات ملعب طنجة الجديد, رغم أن ماراج في البدء هو أن المباراة ستلعب بشبابيك مغلقة, وهي مسألة اتضح كذبها تماما, تبقى الاستفادة الكبرى التي حققناها جميعا من مباراة البارصا والرجاء هي استفادة فهم مستوانا, نحن الذين تعود إعلامنا الرسمي على أن يكذب علينا ويبيعنا أوهاما لانعرف من أين يأتي بها عن أمجاد كرة القدم الوطنية, وعن إنجازات وهمية حققناها, لا نعرف لها تاريخا ولا نعرف لها حقيقة من خيال. يقال لنا عادة إننا سجلنا في مرمى ألمانيا في مونديال 1970, وأننا فزنا على البرتغال في مونديال 1986, وفزنا على سكوتلندا في مونديال 1998, وأننا _ باش نكملو الباهية _ تعادلنا في اللقاء الأخير من كأس إفريقيا بإثيوبيا سنة 1976, ومن ثمة فزنا بالكأس القارية الوحيدة التي توجد لدينا. هذه ليست إنجازات. هذه كذبة كبرى نرددها على أسماع بعضنا البعض لكي نقنع أنفسنا بغير الواقع. حقيقتنا الكروية هي مارأيناه يوم السبت الماضي, وإذا ماأرادت الكرة المغربية يوما تحركا في اتجاه ما علينا أن نقنع أنفسنا أننا "عمرنا مادرنا شي حاجة عليها القيمة في هذا المجال", وأننا ملزمون بالبدء من الأسفل والعمل بجد كبير إذا ما أردنا تحقيق أي شيء. "مابغيناش", من حقنا أن نواصل زراعة الوهم بيننا, لكن علينا ألا نصدم كثيرا حين تأتي فرق حقيقية إلى بلادنا وتهزم "أفضل فرقنا" بالثمانية وتمضي لحال سبيلها.