الاثنين، 22 نونبر 2010

تكايسو شوية !

العيد الكبير في نهاية المطاف مجرد سنة، وسنة مؤكدة بطبيعة الحال، لكنه بالنسبة للمغاربة فرض الفروض. الفرض العين الذي لايسقط عن البعض إذا قام به البعض الآخر، والواجب الديني الذي لامفر من أدائه ولو اضطرك الأمر للوقوف أمام كل شركات القروض والتسليف لكي ترهن سنة إضافية من عمرك من أجل أداء ثمن الخروف.
عندما كان سيدنا إبراهيم الخليل علي السلام يهم بذبح إبنه بعد رؤيا شهيرة، وكان إبنه يعطيه كل علامات الرضا الكامل( عكس عدد كبير من مساخيط الوالدين اللي عايشين معانا دابا والذين أصبحوا لايتورعون عن قتل والديهم من أجل عشرة دراهم أو ثمن سيجارة) وهو يقول له "ياأبت إفعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، لم يكن الخليل ولا إبنه يعتقدان بعد رؤية الكبش الأقرن الأملح ينزل من السماء معززا مكرما أن المغاربة آلاف السنوات بعد ذلك سيحولون هذا الطقس إلى ماهو عليه اليوم.
الخراف تملأ الشوارع، البقر، أو مايصطلح عليه شعبنا "الضروبات" تتجول بيننا معززة مكرمة حتى تخالنا قد تحولنا إلى الهند الجديدة التي تعبد البقر وتسمح له بالتجول في شوارعها، التبن - أعز الله قدر الجميع - في كل الجنبات، على الطرقات وفي أبواب المدارس والمعامل والمساجد والشركات الراقية الكبرى. سيارات فاخرة للغاية تتحول في هذه الأيام إلى "هوندات" تحمل في صناديقها الخلفية "المبروك" إلى المنزل تحت نظرات الجيران، وتساؤلاتهم الغبية لكن الجميلة على كل حال "آبشحال داك المبروك؟"(ونتي شغلك آلفضولية؟). سكاكين من مختلف الأحجام. الكبير، والصغير، والمتوسط، والماضي والحافي والمائل إلى الشمال والمائل عكسه تماما إلى اليمين، وغير القادر على ذبح دجاجة، والسكين المتخصص في اغتيال أكبر ثور يمكن أن "تتفارض" فيه حومة بأكملها لكي يشمل اللحم بكراماته الجميع.
الشوايات وماأدراك ما الشوايات، مرفوقة بذلك الاستفسار الذي يآتي معها كل سنة "هل يحتاج المغاربة فعلا لاقتناء شوايات جديدة كل عيد كبير؟". الأواني البلاستيكية التي ترافق عملية الاغتيال الجماعية أو مجزرة الخرفان في ذلك اليوم الأغر المسمى العيد الكبير، قناني "والماس" التي لاعلاقة لها بالمحجوبي آحرضان سليل تلك المنطقة وحاكمها التي تجتاح الثلاجات المغربية من أجل قدرة أكبر على التجشؤ أي قدرة أكبر على الالتهام.
باختصار منظر فوضوي رائع يعطينا صورة مكبرة أو مصغرة عن شعبنا ومستوى الوعي لديه اليوم. البعض يقول إنه ليس من حقنا أن نحكم على الناس وفق هاته المظاهر التي توارثوها أحيانا بشكل غير واع، وهي لاتعني في نهاية المطاف أي شيء. لكن الواقع يقول لنا إن هذه المظاهر التي لاتجد من سيكولوجيينا وسوسيولوجيينا أي علماء اجتماعنا من يدرسها حقا هي التي تعطينا الصورة الأمثل عن الشعب وعن حالة الشعب ياسيدي.
قد نكذب على أنفسنا بين فينة وأخرى ونقول إن المغاربة ترقوا في طريقة تفكيرهم كثيرا، وتحولوا إلى كائنات تتحدث عبر الهاتف النقال التابع لثلاثة فاعلين هاتفيين، وغزا الأنترنيت المنازل، وتمكنت أغلبيتنا من فك شيفرة القراءة والكتابة، لكننا في الحقيقة نكذب عى أنفسنا. ومن يريد رؤية وجه المغاربة الحقيقي في المرآة دون رتوشات خادعة ولا كاذبة ماعليه إلا التجول هذه الأيام لكي يكتشف أننا الشعب الوحيد على ما آتصور الذي يجد أن رائحة التبن المتسخ بروث البهائم هي أجمل رائحة يمكن لخياشيمك أن تشمها هذه الأثناء.
في المسألة اعتلال واضحة للصحة العقلية للجموع، وفيه تفسير لعديد الأشياء التي يقوم بها شعبنا في غير هذه المناسبات، وفيه التفسير الأكبر لاطمئنان من يتحكمون في خيرات البلاد والعباد أنهم "ماعندهم مناش يخافو" : الشعب الذي قد تتصور أنه سيعاقب سياسييه الفاشلين في انتخابات ما، مشغول بنوع الأقرن الأملح الذي سيشتريه، وبعد انتهاء العيد سيصبح مشغولا بطريقة تسديده لكل لك "الطريطات" اللعينة التي لايعرف لم يطول أوان أدائها، ويقصر يوم العيد قبلها بكثير.
نضحك من هذه التصرفات، نعم، لكنها في العمق تشعرنا بحزن شديد: المغاربة كان يفترض بهم أن يكونوا في مستوى وعي أكبر من هذا بكثير لو انتهزنا الوقت منذ 1956 إلى الآن لرفع "النيفو" قليلا. المشكلة هي أن هناك من يريد "للنيفو" أن يظل على حاله هذا، لكي يجد في العيد المقبل من يصدق أن قرضا بقيمة عشرة آلاف درهم تدده على عشرين شهرا هو "همزة" حقيقية.
"الهمزة الحقيقية الوحيدة التي تبدو لي في هذه الأرض هي هذا الشعب الأهطل الطيب الذي يصدق كل مايقال له. ومع ذلك "عيد سعيد، وتكايسو شوية". مستشفيات ياسمينة غير قادرة على تحمل المزيد من حالات الإسهال المستصعية بسبب الغنمي وتوابعه. وقد أعذر من أنذر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عشا مع الصحافة الإسبانية هذه الأيام قصة غير طيبة كثيرا بسبب تصرفات غير مهنية لجأت إليها هذه الصحافة لكي تصفي حسابها مع المغرب، ولم تتورع عن استخدام أشد أنواع التضليل الإعلامي قدما وعتاقة أي اللجوء لصور واستخدامها استخداما غير حقيقي بتقديم معطيات مغلوطة عنها، وهو مايكشف أن الذين يقدمون لنا باستمرار دروسا في الصحافة ومبادئها هم من يحتاج أولا إلى هذه الدروس، مثلما يؤكد لنا ماوقع أن بعض المنبهرين بما يفعله إعلام الإسبان هم بحاجة لمراجعة كل ما يقولونه في هذا المجال، فالفرق شاسع للغاية بين الكلام وبين التطبيق.

ماشي مغاربة

فهمت الآن لماذا يطالب دعاة الانفصال عن المغرب بسحب الجنسية المغربية عنهم. استوعبت بعد أحداث العيون الأخيرة أنهم ليسوا مغاربة بالفعل, وأنهم لايطالبون إلا بحقهم, فقط لاأقل ولا أكثر. فمن يرتكب تلك الأفعال الوحشية التي شاهدناها في الشريط المذكور لا يمكن أن يكون مغربيا, ومن تصل به الحيوانية إلى ذلك الحد الذي لارجعة منه, لايمكن أن يكون مغربيا, ومن يستطيع أن يذبح إنسانا مثلما قد نذبح شاة أو خروفا لايمكن أن يكون مغربيا.
شرعت في استيعاب بعض الفوارق من الآن فصاعدا, ولست الوحيد في ذلك. عدد كبير من المغاربة في كل المدن القريبة والبعيدة أصبحوا يفهمون الفارق الموجود بينهم وبين هؤلاء. وحين كان وزير الداخلية يقول في بيان الشريط الذي أظهره للصحافة إن الأساليب المستعملة في الأحداث من طرف الانفصالين تذكر بأساليب العصابات الإجرامية التي تنشط في منطقة الساحل, إنما كان يبحث عن تعبير ديبلوماسي وسياسي يقول به مانقوله نحن الآن: هؤلاء حاشا أن يكونوا مغاربة, ولاشيء _ نقولها صراحة و"اللي ليها ليها"_ لاشيء يبرر اللجوء إلى كل ذلك العنف المرضي الذي لاتفسير له نهائيا إلا الوحشية.
كجمولة بنت أبيه النائبة البرلمانية التي لطالما انتظرنا الاستماع إليها في قضية من قضايا الوطن تقول اليوم إن "حجم الدمار كان قاسيا وعنيفا من طرف رجال الأمن الذين حموا سكان المغرب الشماليين المستقرين في العيون", وأضافت أن سكان "كولومينا" الذي يقطنه حسبها سكان العيون الأصليون عانوا من هذه التصرفات, ماجعل رد فعلهم أقوى من اللازم.
لتعذرنا النائبة البرلمانية المحترمةو لكننا لانرى أي وجه للصواب في كل ماتقوله. الحديث عن سكان العيون الأصليين وسكانها القادمين من الشمال هو حديث في غير محله, وإذا ماشئنا بعض الدقة في الحديث والصراحة التي قد تكون جارحة بعض الشيء: هذا حديث وقح للغاية لامحل له من الإعراب في مغرب اليوم. المغاربة يعتقدون أو يتوهمون أنه من الممكن بالنسبة لكل واحد منهم أن يختار المدينة التي يريد الاستقرار فيهاو ويعتقدون أيضا أو يتوهمون أنه لايوجد إنسان واحد عاقل في مغرب اليوم سيقول لهم إنهم ليسوا من سكان تلك المدينة الأصليين.
ثم إن الحديث عن شراسة التدخل الأمني أو مساعدة الأمنيين لمن وصفتهم كجمولة بأنهم سكان المغرب الشماليين لايبرر أن يقوم الانفصاليون بذبح رجل أمن, ثم أن يقتادوا سائق سيارة للإسعاف ويقوموا برميه بالحجارة حتى الموت. عذرا سيدتنا النائبة المحترمة, ومع كل الحق الذي يمكن أن تمتلكيه لكي تعبري عن رأيك في مغرب يقبل التعبير عن اختلاف الآراء, لاشيء _ نقولها مجددا لاشيء _ يسمح لإنسان بأن ينحر إنسانا آخر بمبرر أن زملاء الضحية نكلوا في وقت سابق بعائلة من قام بعملية النحر الجبانة تلك.
نحن في المغرب اليوم نؤسس لشيء أو وهم أو واقع أو أسموه ماشئتم نريد له ختاما أن يسمى دولة الحق والقانون, وفي دولة الحق والقانون لاوجود لبرلمانيين يتحدثون عن سكان منطقة ما الأصليين, وعن سكان نازحين إليها. وفي دولة الحق والقانون, لايوجد برلمانيون يقفزون على عمليات نحر مرعبة, ولا يعلقون عليها, وبالمقابل يقولون إنهم شاهدوا بأم أعينهم قوات الأمن تحمي نهب منازل السكان الأصليين من طرف "المستوطنين".
نحن أبناء المناطق الأخرى نعرف شيئا واحدا وسط كل هذا الهراء: عندما كنا ننظم مظاهرة صغيرة في مكناس أو فاس أو الرباط بعدها ونريد الخروج إلى الشارع, كانت قوات الأمن بمختلف أسلاكها تتولى "إكمال مانسي من ولدونا القيام به في تربيتنا", من خلال "هرماكة" لازلنا نتذكر ملامحها إلى اليوم. وأبدا, _ نقول أبدا _ لم يخطر ببالنا يوما بعد أن غطت الدماء وجه واحد منا أو بعد أن تلوت منا الضلوع قليلا أو كثيرا أن نطالب بنزع الجنسية المغربية عنا, وأن نقيم جمهورية انفصالية في مكان ما, وأن نصرخ : ماتضربوناش ولا نمشيو للجزائر.
كذلك عندما تخرجنا من مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا لم نجرؤ يوما على مطالبة الدولة بتشغيلنا "صحة وإلا سننفصل". كنا نقول لأنفسنا إن من فقروا شعبنا لسنوات وعقود يتحملون مسؤولية وضعنا, لكننا سنصلح وضعنا بيننا وبين أهلنا, ولن تصل بنا وقاحة الجنون حد المطالبة بتقسيم الوطن إلى أشطر فقط لكي نحقق بعض المطالب الاجتماعية.
ولعلنا اليوم نشاهد وجه البعض في المرآة بشكل واضح للغاية: الوطن لايمكن أن يبنيه معنا المؤلفة قلوبهم. الوطن لايبنيه إلا من يحملونه داخل أقفاصهم الصدرية, لا داخل الحسابات البنكية داخل وخارج البلاد. الوطن ختاما ليس رخصة للصيد في أعالي البحار, وليس ضيعات عديدة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا والمغرب بطبيعة الحال. الوطن فكرة صغيرة جدا تخفق داخل القلب فتهزه بقوة إذ تعن على الذهن مرة فمرة.
هذا هو الفرق ختاما, وهذا هو الفرق قبل أن تبدأ كل الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق
الطريقة التي تحدث بها الرئيس الفرنسي ساركوزي مع الصحافيين الثلاثة الذين حاوروه الثلاثاء الفارط, وتقريعه لهم في لحظة من اللحظات منح المشهد العام الفرنسي والساخرين هناك أفكارا للتندر من رئيس يعتقد نفسه منتميا للعالم الثالث, ويتصور أن من حقه تأنيب الصحافيين بتلك الطريقة.
عندما نشاهد بعض أخبار عالمنا العربي,وتصرفات بعض حكامنا ونقارن بين الضفتين, نرثي حقا لحال رؤساء الغرب, ونقول "الديمقراطية والله يلا خايبة بزاف"...وذلك حتى يرضى من يتولون أمورنا بطبيعة الحال. فقط لاغير.

الاثنين، 15 نونبر 2010

مجرد وجهة نظر؟

هل أصبحت الخيانة مجرد وجهة نظر؟ يقتلني غيظا هؤلاء الذين يستطيعون اليوم الحديث عن قضية الصحراء دون أي انفعال, بهدوء قاتل, وبحياد مرضي عجيب. يقولون لك "الانفعال لم يوصلنا إلى شيء على امتداد الخمس وثلاثين سنة الماضية, لذلك علينا أن نجرب شيئا جديدا: الهدوء". تهدأ أنت الآخر, ففي النهاية لاأحد يريد الظهور بمنظر الموتور الراغب في الشجار في كل ثانية, وتطلب منهم مقترحات عملية لتفعيل "كل هذا الهدوء".
تطرح السؤال بخصوص الجزائر أولا "قولوا لنا ما الذي يمكننا أن نفعله مع "تريكة والو" هاته؟". يعيبون عليك طريقة طرح السؤال, ويقولون إنه من اللائق أن تتحدث بأسلوب آخر عن الجيران. تعتذر, وتقول إنك مخطئ, لكنك تطالب بحل عملي قبل وبعد كل الأشياء. يشرحون لك أن الظرفية العالمية والحالة الجيوسياسية في المنطقة لاتسمح بهامش مناورة كبير مع الجيران "ميريكان وفرانسا حاضيينا واللي دار شي حاجة غادي يحصل".
طيب أفتونا في أمر الإسبان, قولوا لنا ما الذي يمكن اقترافه في حق هؤلاء السكارى من المهووسين برؤية الثيران تموت يوميا بطريقة همجية. يحدقون فيك شزرا مجددا, ويقولون "هضر مقاد على مستعمرك السابق, فهو علمك كثيرا من الأشياء, ومن علمك حرفا صرت له عبدا". تعترف بعبودية ظللت تكرهها طول حياتك أنت الذي قالوا لك يوم الميلاد إن الناس يولدون أحرارا, وتقول "أفتونا ياعباد الله". يأتيك الرد مترنحا مرة أخرى. إسبانيا حكاية ثانية, لدينا معها اتفاقيات دولية مهمة للبلد, وهي بالنسبة لأوربا والغرب النافذة التي تطل علينا, وهي التي تعطينا باستمرار شهادة حسن السيرة والسلوك كلما احتجناها من أجل إنجاز أي وثيقة رسمية. تقول إن بلدا بسوابق استعماارية بشعة, وبأرواح ريفية شماء ذهبت ضحية الغازات السامة, هو آخر بلد في الكون من حقه أن يعطيني صحيفة سوابقي النظيفة, لكنهم لايكترثون.
تجد نفسك مضطرا لكي تمر للصغار "وهاد البوليساريو ولاد الحرام, شنو نديرو معاهم؟ ماشي حلال فيهم النووي؟". هنا ينتفض مخاطبوك ويتهمونك أنك تعيش في عصر صدام حسين والغازات الكيمياوية وكربلاء والفالوجة, ويؤكدون لك أن المنتظم الدولي لن يسمح لك بالمساس بشعرة واحدة من هؤلاء الذين ينغصون على بلدك العيش بوهم كبير إسمه دولتهم, وبسراب صحراوي منظور بالعين المجردة, غير قابل للتطبيق, ولو نزلت ملائكة الله إلى الأرض للمساعدة على ذلك. أكثر من هذا يتهمونك أنك "مافاهم والو", ويشرحون ويسترسلون في الشرح "البوليساريو خصن نشوفو كيفاش ندخلوهم للمغرب كاملين ونديرو ليهم شي طريقة معينة ديال الجهوية".
ترتعب, وأنت تسأل "فهادو اللي كيدخلو, متأكدين أن كلشي جاي لأن الوطن غفور رحيم, ولا القضية فيها إن؟". هنا يستشيطون غضبا, فأنت في نظرهم تريد التشكيك في المسار السياسي السلمي الناجح الذي مر منه المغرب لحد الآن, وأنت لاترى أبعد من أرنبة أنفك, وأنت إنسان عاجز عن فهم المعادلات السياسية الكبيرة التي تؤسس للغد القادم.
أنت تعترف بكل هذا وأكثر, وتقول لهم "أنا مجرد مواطن مغربي بسيط, منذ أن نشأت وأنا أسمع أن كل المشاكل التي واجهت من ولدوني سببها الصحراء, وبعد أن كبرت فهمت أن كل المشاكل التي واجهتني وستواجهني سببها الصحراء, وبعد أن أصبحت أبا فهمت أن كل المشاكل التي ستواجه من سأتركهم بعدي سيكون سببها الصحراء, كما فهمت أن لاحق لي في الاعتراض: الصحراء ينبغي أن نضحي من أجلها بكل شيء, ولا اعتراض إطلاقا. لكن وبعد أن فهمت كل هذا واستوعبته, وأقفلت عليه داخل ذهني أصبحت أسمع اليوم من طرف البعض إن الصحراء في نهاية المطاف "ليست مقدسة إلى هذا الحد", وأنه من الممكن أن نتفاهم, وأن الخيانة قد تصبح في الختام "مجرد وجهة نظر" أو تدافعا مقبولا بين الناس حول من يريد للبلد أن يبقى واحدا, وبين من يريد له أن يشيع دم تناثره بين القبائل, وأن يأخذ "صحراوة شوية, وريافة شوية, والعربية شوية, والشلوح شوية, والعرب شوية", وأن نزيل من الأذهان فكرة االمغرب "كاع".
هنا صراحة أقولها "هادي صعيبة عليا شوية". أنا وبضعة مواطنين مغاربة أعرفهم ويعرفونني, نقول إننا قد نصبر على كل البلاء, لكن رجاء لاتدخلونا في منطقة المطبات الهوائية هاته لأننا غير قادرين على اجتيازها إلا بكثير الخسائر. هذه الطائرة التي تقلنا لن تنزل بسلام إذا ما تم جرنا إلى هذا النقاش, وفي هذه لابأس أن نكون شوفينيين وأن نعبر عن حبنا لبلدنا بهذا الشكل البدائي الذي لن يروق للكثير من مبرري الخيانة وقبولها في الوطن اليوم: ليلعب الساسة في هذا الوطن كل الألعاب السحرية وخدع الحواة التي يمتلكون وحدهم سحرها, فلن نقول لهم شيئا مهما بالغوا. شيء واحد نضعه خطا أحمر على رقابهم وليكن بعدها مايكون: وحدة هذا الوطن, وذرات ترابه كاملة, إذا فرطوا في جزء ولو يسير منها, ليس لهم من المغاربة إلا اللعنات ومعها الكفر البواح بهم. ولهم ولكل من يستطيع جعل الخيانة "مجرد وجهة نظر" بعد ذلك واسع النظر والتقدير.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
من حق الكل أن ينتقد ابراهيم الفاسي الفهري, لكن ليس من حق أي مغربي أن يتهم مغربيا آخر أنه لايحب فلسطين ويخونها ويسعى للتطبيع مع إسرائيل بطريقة خفية. وليس من حق أي منا أن يمنع الفتى _ فقط لأنه إبن وزير الخارجية _ من الانخراط في فعل يراه مفيدا لبلده مثل منتدى "ميدايز" الذي ينظمه معهده أو منتداه.
الانتقاد شيء, والتحريض ضد الأشخاص شيء آخرو وأحيانا يلزمنا أن لانتبع الجموع في كل ماقد تقوله, لأنه لايكون صحيحا باستمرار, خصوصا في مثل هذه الحالة التي نتحدث عنها الآن.

الأحد، 14 نونبر 2010

صحراء المفاجآت

هل انتهت أحداث العيون؟ ظاهريا, نعم. الحياة عادت لطبيعتها الأولى. الشوارع, خصوصا منها شارع السمارة الأساسي في المدينة الجنوبية المغربية أزال عنه شغب الأحد وخصوصا همجية الإثنين, وعاد شارعا عاديا تذرعه السيارات والمارة دون أن توجد في وسطه إطارات سيارات مشتعلة وحجارة تحمل على متن سيارات "الجيبط لكي تقطع الطريق, ولا هراوات وسيوف ورايات للبوليساريو تعلو المكان.
هذا ظاهريا, أما في العمق, ففي دواخل كل من في العيون الآن خوف من المستقبل, بعد كل ماجرى, لأن ماجرى لم يكن هينا على الإطلاق. بلغة محللي السياسة هذه أشرس مواجهات عرفتها المنطقة منذ عشرين سنة, وبلغة المواطن المغربي البسيطة "القضية حامضة بزاف". شيء ما سيجثم ابتداء من الآن على الصدور أسوء تمثيل له صورة تلك الجثة التي تم التمثيل بها, بعد ذبح صاحبها, وبعد إلقائها في الشارع وهي تحمل الزي الرسمي للقوات المساعدة المغربية.
لنستعد الأشياء من بدئها, ولنحاول أن نعثر هادئين تماما, بعد انفعال الإثنين المشروع, عن المتسبب الحقيقي فيما وقع. من يرمون بالكرة اليوم في ملعب مسؤولي المنطقة المحليين يختارون سيارة الإسعاف الأقرب إليهم لكي يطلقوا عليها الرصاص. أجلموس أو ولد الرشيد, حمدي أو خليهن, وبقية المسؤولين مجرد تمظهرات لمشكلة كبرى إسمها قضية الصحراء المغربية ابتلاها الله بأناس لايعرفون كيفية تسييرها, وارتكبوا على مدار سنوات هذا الصراع كل الكوارث الممكن تخيلها, والتي وصلت تتويجها الإثنين بمنظر أولئك الشباب وهم يحملون داخل شارع السمارة أعلام البوليساريو ويصيحون "لابديل لابديل عن تقرير المصير".
من كذبوا على المغاربة وقالوا لهم إن مخيم النازحين ان مخيما بمطالب اجتماعية فقط يتحملون المسؤولية. من روجوا لسنوات فكرة تحكمهم في الصحراء وقدرتهم على ضبط إيقاعات كل اختلافاتها وتنافراتها يتحملون المسؤولية. من ازدادوا غنى على غنى في الوقت الذي كان الشعب المغربي يدفع فيه ثمن بقاء الصحراء لدينا يتحملون المسؤولية. من جعلوا مواطن الداخل يدفع ثمن قالب السكر بخمسة عشر درهما لكي يساوي في الصحراء أربعة دراهم فقط يتحملون المسؤولية. من اخترعوا لنا تسييرا لهذه القضية بموجبه يعتقد أبناء تلك المنطقة أن من حقهم أن يأخذوا كل شيء أو يجاهروا برغبتهم في الانفصال عنا يتحملون المسؤولية. من فسروا لأبناء تلك الجهة أنهم الأحق بكل شيء شرط البقاء معنا فقط يتحملون المسؤولية. من جعلوا النقل إلى العيون وغيرها من مناطق البلد طريقة لمعاقبة المسؤولين الأمنيين يتحملون المسؤولية.
للمغاربة مع الصحراء حكاية معقدة للغاية قوامها أن هذه الأرض تبلغ قرابة الخمسة وأربعين في المائة من مجموع ترابنا الوطني, ومعنى التسليم فيها يوما أننا نسلم في الوطن كله, لكن هذه الصحراء (أو مدينة الملح الكبرى بتعبير منيف العظيم) تستعصي على هكذا حساب عادي, وترفض مثلما يرفض أبناؤها أن يتحولوا إلى نسبة مائوية من تراب عام مهما عظمت هذه النسبة. هم يقولون إن لهم خصوصية علينا جميعا احترامها, ونحن نقول لهم نعم, لكننا في المغرب كله أناس بخصوصيات تمتلكها كل منطقة على حدة, وتقسيم البلد على أساس هذه الخصوصيات لن ينفع كثيرا, بل هو أمر مستحيل, لأن معنى ذلك أن نزيل من أذهاننا فكرة البلد نهائيا.
وهنا بالتحديد, في منطقة التنافر هاته يقبع المشكل كله: كيف نسمح لهذه الخصوصية بالتعبير عن نفسها داخل المشترك الجماعي الذي لابديل لنا عنه نهائيا؟ المغرب اقترح الحكم الذاتي حلا, والبوليساريو تقترح شيئا يشبه الإعدام الجماعي للمنطقة كلها إسمه استفتاء غير ممكن التحقق في الظروف الحالية أو حرب لاقبل لأحد بها في الجزء كله, والجزائر تقترح إطامة هذا الصراع لإطالة أمد بقاء جنرالاتها في مواقع استفادتهم من الوضع المزري هناك.
ما الحل؟ هناك حل وحيد اليوم: أن يراجع المغرب طريقة تدبيره للملف كله, أن يزيل من ذهنه الفكرة التي تقول إن كبار المنتفعين من المنطقة هم القادرون على تسييرها. هؤلاء لم يكونوا ليجرؤون يوم الإثنين على النزول إلى الشارع, أو التفكير _ مجرد التفكير_ في إسكات الأصوات الغاضبة. لماذا؟ لأن الشباب هناك غير قادرين على الإنصات لهؤلاء مجددا بعد أن أنصت إليهم أجدادهم ولم يتحقق شيء, وأنصت لهم جيل الآباء ولم يتحقق شيء, مايجعل من المستحيل تماما أن يصدق جيل الأبناء مجددا كذبة هؤلاء.
لامفر من رؤية وجهنا اليوم في المرآة, فلاقبل للمغرب بأي مفاجآت أخرى غير سارة تأتيه من هذا الجزء الذي ظللنا لسنوات نقول إنه الجزء العزيز علينا من بلادنا. حقيقة, لاقدرة لنا على المزير من المفاجآت الحزينة من هناك.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التهريج والشعبوية: يبدو أن عبد الإله بنكيران أمين عام "العدالة والتنمية" قد عثر على "الكرينو" الملائم له لمممارسة سياسته تلفزيونيا من خلال اختيار التهريج والشعبوية لتمييع أي نقاش يمكن أن يدخل فيه كما شاهد ذلك كل المغاربة الذين تابعوا "حوار" الثلاثاء الفارط.
ههل يمكن أن نمارس السياسة بالتهريج فقط؟ في المغرب نعم ممكن، خصوصا في الظروف الحالية، لكن مستقبلا الأر صعب جدا، وهو ماسنحاول اكتشافه في عمود الغد بشكل أكثر تفصيلا لكي نفهم المرور التلفزي لزعيم معتدلي إسلاميي المغرب حسب التوصيف الرسمي لهذه الفرقة "الناجية" غدا نهضرو

خالة الملك؟!

كلما فتحت جريدة أو مجلة هذه الأيام تقرأ عن خالة الملك التي فعلت شيئا ما، إلى الدرجة التي تدفع المرء إلى التساؤل : ما الذي أتى بالملك إلى هذا النقاش؟
السيدة التي ترتكب الكثير من الأخطاء اليوم إسمها حفصة أمحزون، وارتكابها لهذه الأخطاء هو الذي يدفع بها دفعا نحو صفحات كل الجرائد والمجلات، وهي تستحق فعلا هذه المعاملة من طرف الصحافة، لكن الكل يعرف أن جلالة الملك ليس راضيا على مايقع في خنيفرة من طرف أقرباء له، والدليل هو أن لاأحد تدخل لكي يطلب من الصحافة المغربية أن تكف عن تناول هذا الموضوع لأنه يهم خالة الملك.
بالعكس، الموضوع سائر أمام القضاء، والوقفات الاحتجاجية مستمرة في خنيفرة التي كانت تعاني منذ القدم من تصرفات بعض النافذين من أمثال هذه السيدة، والصحافة تفضح مايقع في خنيفرة لذلك علينا أن نتمثل جيدا الآية التي تقول بأنه "لاتزر وازرة وزر أخرى""، وأن نكف عن هذا الربط الذي لايهدف لشيء إلا لإساءة مجانية لرمز لاعلاقة لها بما قد تقوم به قريبة هي الآن آمام القضاء الذي سيقول كلمته فيها.
الأمر يشبه إلى حد بعيد إبن وزير أو مسؤول سام أو شخصية مشهورة يتورط في شيء ما، ولأن الإبن لايهم الصحافة لا من قريب لا من بعيد، فإن "إسقاط الطائرة" يستهدف قصدا إقحام تلك الشخصية المشهورة في الحديث حتى ولو لم تكن لها أي علاقة بالحادث موضوع النقاش. الأمر يسمى حينها ظلما حقيقيا، واعتداء على الشخصية التي جرتها القرابة الظالمة إلى أن تسمع بورود إسمها في نقاش لم تختره وليس لها أي يد فيه.
نقاش حفصة أمحزون في خنيفرة هو نقاش يقول لنا كل شيء عن صورة المغرب اليوم. في القديم وفي السابق وفي السنوات التي لم نعد نتذكرها الإن، كان يكفي أن يكون إبن عم خالة زوجتك فردا من أفراد القوات المساعدة لكي تفعل في الدوار ماتشاء دون أن تخشى شيئا. وكان ممكنا أن تصبح إمبراطور القرية إذا كان قريب لك يشتغل في البلدة، والكل حينها سيحترمك وسيقدرك وسيتذكر أنه بحاجة إليك من أجل عقد ازدياد أوشهادة للسكنى أو ماشابه.
أما اليوم، وفي المغرب الذي يشكك الكثيرون في أنه تغير، يمكن أن ترتكب سيدة مثل حفصة أمحزون، وهي قريبة ملك البلاد ماترتكبه من أفعال، وستجد نفسها في اليوم الموالي على صفحات كل الجرائد، وسيجرها سكان المنطقة التي تسكنها إلى ساحة القضاء، وستجد عائلتها صعوبة كبرى في البقاء هناك لأن الكيل طفح بالناس، ولأن الظلم لم يعد أمرا مقبولا أن نسكت عنه في المغرب الجديد بعد كل ماتجرعه المغرب من أجل إصلاح الحال والقطع مع الماضي من السنوات.
ولعل هذه القضية تعد أفضل من عشرات التقارير التي تصدرها المؤسسات الحقوقية العالمية التي لاتعرف شيئا عن وطننا إلا مايصل إليها من بعض الحاقدين، لكي نستدل به على أننا غيرنا وجه البلاد فعلا، ودخلنا بها زمنا آخر من الممكن فيه أن نشعر بالتساوي ولو كان جزء منا مواطنين عاديين، وكان الجزء الآخر مواطنين يعتقدون أنهم سامون بحكم القرابة التي لافضل لهم فيها إلا بالازدياد لاغير.
لذلك يبدو حسنا لو أقمنا الفروق بأنفسنا دون أن يطلب منا أحد ذلك، بين من يرتكبون هذه الأفعال وبين قرابتهم التي لادخل لها بالموضوع. طبعا لو ثبت أن لهذه القرابة تدخلا فيما يفعلونه حينها لن يقول أحد شيئا أما ونحن نلاحظ أن أول الغاضبين على تصرفات قريبته في خنيفرة هو جلالة الملك، فأعتقد أنه من العيب أن نواصل هذا الربط دون أدنى سبب منطقي له. وأعتقد أنه من المخجل أن نعطي هذه الفرص بأنفسنا لقناة مثل "الجزيرة" تبحث الآن للمغرب عن كل ماقد يسيء له لكي تخصص موضوع نشرتها المغربية التي انتهت لهذا الموضوع، وأن تستجدي من هيثم مناع تصريحات بخصوص موضوع ليس له عنه أي معطيات فقط لأن أمينة بوعياش رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان رفضت أن تشارك في نقاش الجزيرة، في الوقت الذي وجد فيه هيثم وهو المعروف بحقده الكبير على المغرب، الفرصة لكي يصفي مايعتبره حسابات عالقة بيننا وبينه.
علينا أن نكبر لأن المغرب في مرحلته الحالية هاته، تتصيده جهات كثيرة من هنا ومن هناك، وإذا ماكانت نيتنا حسنة حقا في نقد الظواهر السلبية في الوطن، والتنويه بالإيجابيات فعلينا قولها بصراحة: المغرب الذي يسمح بمحاكمة قريبة للملك لأنها ارتكبت مايتطلب ذلك هو المغرب الذي نريده فعلا. أما المغرب الذي يزج باسم الملك ظلما وعدوانا في قضية لاعلاقة له بها فقط لكي تبيع هذه المجلة بضعة نسخ إضافية، أو لكي يصفي مالك جريدة أخرى حسابا لا يستطيع تصفيته بشكل مكشوف، ففي المسألة جبن لاعلاقة له بخصال المغاربة الحقيقية، وأعتقد أن الأمر واضح جدا ولا يتطلب المزيد من التوضيح .
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تصالحت الوداد وشباب الحسيمة في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ كرتنا الوطنية، ويبقى الآن أن يعمل "علماء" جامعة الكرة على مصالحة جمهوري الفريقين لأنه وحسب علمنا الجمهور الذي هو الذي اشتبك مع بعضه، وليس الناديين.
بعض التخريجات التي تصل إليها جامعة الكرة لترضية خاطر بعض النافذين هي تخريجات تقول لنا كل شيء عن جامعة ابتليت ب"عالم" و"غيبي" من الفوق، في انتظار ماسيأتي من إنجازات مقبلة

الجزيرة وشبه الجزيرة

بالنسبة للجزيرة القطرية أو الجزائرية _ والأمر سيان _ لامفر من الاعتراف أن عددا كبيرا من المدنيين قد سقط في أحداث العيون, ومع كل التفنيد الذي ساقه المغرب, ومع كل التكذيب الذي ساقته كل المنظمات الحقوقية المتابعة لهذا الملف, إلا أنه "اللي فراس الجمل فراس الجمال". الجزيرة مصرة على أن المغرب أسقط عددا كبيرا من المدنيين في هذه الأحداث, وهو الأمر الذي لايمكن الرد عليه إلأا بالموافقة في ظل الإصرار المبالغ فيها من طرف القناة القطرية أو الجزائرية للتأكيد على هذه المسألة.
طيب ياسيدي, سقط كل هؤلاء المدنيون في هذه الأحداث, ولا حل لنا إلا طلب العفو من جهة ما يبدو أنها هي الجزيرة نفسها التي تعتقد أن من حقها أن تكذب على الدول والبلدان التي لاتشاطر أميرها نفس التصورات للوقائع وتطوراتها, والمغرب لامشكل له في هذا الأمر نهائيا إذ هو طوى صفحة هذه القناة, ويعتبر أن من حقها عليه أن تطلب اليوم ماتشاء لكي ترضى وتنسى عليها ماوقع بخصوص مكتبها الرباطي الذي تم إغلاقه مؤخرا. ومع ذلك لامفر من طرح السؤال: أي نوع من الصحافة هذا الذي نعايشه مع الإسبان الذين يكذبون علينا والقطريين الذين يريدون خلق حرب وهمية في الصحراء إرضاء لغرورهم المريض؟
البعض يقول إن المغرب يتخيل كل هذه الحرب الإعلامية التي لاوجود لها, ويتوهم اصطفاف أعداء خياليين يقفون ضد وحدته الترابية ويتمنون اليوم الذي سيأتي عليهم, ويعتبر أن الإسبان أكبر من أن يخلقوا أخبارا كاذبة حول قضية الصحراء, وأن القطريين الذين يسيرون الجزيرة هم أناس يمتلكون مايكفي من المهنية لكي يتفادوا الكذب على الدول التي لاتشاطر الدولة الممولة لهم الآراء. لكن الأمر لايستقيم مع كل مانراه اليوم على صفحات الجرائد الإسبانية وعلى شاشة القناة القطرية التمويل, والإخوانية الهوى, والعدوانية تجاه المغرب بشكل لايقبل أي جدال.
الإسبان لم يكلفوا أنفسهم عناء التنقل إلى الصحراء لاكتشاف حقيقة الوضع هناك. هم اكتفوا بالقصاصات الإخبارية التي تبثها وكالة الأنباء الصحراوية, واكتفوا بتصديق مايقوله البوليساريو وإعلام الجزائر من كون المغرب يخوض "حرب إبادة جماعية" ضد المدنيين في الصحراء, وهو أمر سيء للغاية من طرف أصدقائنا الإسبان الذين كنا نعتقد لسنوات أن تخلصهم من حكم فرانكو ساهم في تبنيهم لفكر ديمقراطي فعلي مبني على صحافة تقدم الأخبار الحقيقية لا الكاذبة, وتمتهن خطابا مهنيا فعليا يسمح لها لكي تقدم لنا الدروس باستمرار سواء فيما يتعلق بممارستنا الصحفية أو بتدربنا على الديمقراطية الوليدة في المغرب.
بالنسبة للجزيرة, الأمر مختلف تماما. القناة القطرية تعتبر أن الأحداث الأخيرة في العيون هي هدية من السماء لها لكي تصفي كل الحسابات العالقة مع المغرب. البلد القصي في العالم العربي امتلك مايكفي من الجرأة لكي يعلق اشتغال مكتب القناة في عاصمته, وتصور أنه يتوفر على سيادة إعلامية تسمح له باتخاذ مايريد من القرارات التي يعتبر أنها تتماشى مع سياسته الحالية. لكن السادة القطريين الذين يحكمون العالم العربي عبر القناة المنتشرة فيه لم يفهموا هذه المسألة بهذا الشكل. هم اعتبروا أن المغرب تمرد على سلطتهم التي كرسوها في العالم العربي, ووجد من المبررات الوجيهة مايكفي لاتخاذ قرار صادف إجماعا شعبيا وحزبيا منقطع النظير. وهذا الأمر لم تقبله الجزيرة. ولحسن حظ القناة القطرية جاءت أحداث العيون في اللحظة المناسبة لكي تذكرنا القناة بشكل متصاب للغاية أن المغرب أقفل مكتبها في الرباط وسحب كل اعتمادات العاملين فيه, وهذا عقب كل تقرير تقدمه القناة عن الأحداث في الصحراء.
طبعا نحن توهمنا أن القناة وهي قناة الرأي والرأي الآخر, والقناة التي تحمل كل الشعارات الكاذبة عن المهنية في أقصى درجاتها, لن تجعل من هذه الأحداث وسيلة لتصفية الحساب مع المغرب. قلنا إنها ستجد حرجا كبيرا في اللعب المكشوف بهذه الطريقة, وستحاول _ على الأقل ذرا للرماد في العيون _ أن تقدم عملا مهنيا يقربها من المشاهد المغربي, ويجعله يقتنع أن دولته أخطأت حين قامت بمنع مكتب الجزيرة من الاشتغال في الرباط. لكن شيئا من كل هذا لم يحصل. بالعكس, القناة لم تجد حرجا في تبني كلام وأطروحات الانفصاليين, وفتحت لهم بثها المباشر لكي يقولوا عبر شاشتها كل الشر الذي يظنونه في المغرب. بالمقابل لعبت مع من يريدون إيصال تصور المغرب لعبة متصابية جدا قوامها "قولوا لنا مانريد سماعه فقط, وإذا مافكرتم في قول شيء آخر الرد حاضر وسيكون هو جملة أدركنا الوقت السحرية".
في الختام ماوقع لنا مع شبه الجزيرة الإيبيرية أو مع الجزيرة القطرية ينفعنا للاستفادة من درس أساس هو أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا لإيصال صوتنا بطريقة احترافية ومهنية فعلية, ويبقى فقط أن نمتلك الرغبة والقدرة على ذلك إذا ماتوفرتا لنا طبعا, وهذا موضوع أخر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تحولت جنازات أبطالنا الذين سقطوا في العيون إلى لحظات عبر فيها الغضب الشعبي المغربي عن نفسه، وسمعنا مواطنين بسطاء يتساءلون "كيف يمكن للدولة أن تلقي بأبنائها دون سلاح في منطقة اضطرابات كبرى؟" وهو تساؤل مشروع للغاية لأن حجم الخسائر وعدد الأرواح التي سقطت ياسئل فعلا المتسببين المباشرين فيها أي همج البوليساريو، لكنه يسائل المسؤولين الأمنيين الذين ألقوا بشباب في ربيع العمر في أتون معركة غير متكافئة مع انفصاليين كانو قادرين في ذلك الإثنين الأسود على ارتكاب كل أنواع الفظاعات الممكنة وغير الممكنة.
للأسف، أدينا ثمن هذا الخطأ من أرواح أبنائنا، وهذا هو أسوأ ما في الموضوع كله.

بنكيران شو !

بالنسبة لعبد الإله بنكيران، مرور حلة "حوار" ليوم الثلاثاء الفارط هو أفضل بكثير من مرور سابق في البرنامج إياه تلقى بعده مباشرة مكالمة هاتفية من فؤاد عالي الهمة هنأه فيها على توفقه في الظهور التلفزي. مرور الثلاثاء الماضي كان أفضل بكل تأكيد والسبب أن أحدا ما نصح بنكيران بأن يتفادى تماما قول أي شيء قد ينغص عليه المرور. لذلك بدا واثقا من نفسه، مدربا بشكل جيد، ومحتاطا لكل المقالب التي يمكن أن يخرج بعد البرنامج لكي يفسرها أو يعللها أو يبحث لها عن تبرير.
أفضل سلاح ممكن للمسألة والقيام بها احترافيا؟ حل واحد فقط لا ثاني له: التهريج. من نصحوا بنكيران قبل دخول معترك "حوار" الثلاثاء شرحوا له أن من الأفضل أن يهرج عوض أن يغضب، ومن الأحسن له ولحزبه وللأطروحات التي يدافع عنها أن يعوم كل شيء في بحر من الشعبوية التهريجية عوض أن يتحدث بعمق. لماذا؟
لأن الحديث بعمق معناه الكشف عن الوجه الحقيقي للحزب ولزعيمه، وهذا أمر يستحسن تجنبه في الحالي من اللحظات.
الخطة كانت مدروسة منذ البدء، ومن يستطيعون قراءة البرامج التلفزيونية في هذا البلد فهموا منذ الوهلة الأولى للقاء أن بنكيران سيخرج منتصرا لأن سلاح التهريج بالتحديد ينفع حين لايكون محاوروك راغبين فيه، أي آتين من أجل حوار جدي مبالغ فيه، مايسقط كل حساباتهم في الفراغ نهائيا.
وحده زميلنا الرمضاني من "ميد راديو" تفطن للعبة في لحظة مبكرة من اللقاء، وقرر أن يرجع إلى الوراء، أن يتفادى الصراخ ولعب اللعبة مع بنكيران مثلما قررها ذلك الثلاثاء، وهو مامكن الرمضاني من طرح الأسئلة الأكثر إحراجا وعمقا في البرنامج كله، خصوصا منها ذلك السؤال الذي فضل بنكيران الهروب منه وتفاديه والقفز على كل حواجزه "علاش كتقولو هاد الهضرة حتى كيقولها الملك؟"
فيما عدا ذلك "شابو" مثلما يقول الفرنسيون، أو "قبعة" إذا أردنا الترجمة الرديئة للكلمة لبنكيران ولمن نصحه بتبني هذه السياسة التواصلية الجديدة في الحوار. ذلك أنه وعلى مايبدو هذه هي السياسة الأفضل للمرور في برنامج تلفزيوني مثل برنامج "حوار" أو على الأقل هذه هي السياسة التي تجعل الضيف يخرج منتصرا أو يخرج أقل تضررا من غيرها.
ومع ذلك هناك بعض النقط التي ظلت منفلتة من النقاش. نظير لفظة "قلة الحياء" التي وصف بها بنكيران الدولة التي منعته وحزبه من الخروج في مظاهرات التنديد ب١٦ ماي ٢٠٠٣. الأمر كان مفارقة رائعة لم ينتبه إليها الحضور لفرط كبر الكلمة التي استعملها بنكيران: قلة الحياء. علما أن قلة الحياء الحقيقية هي أن تهيئ التربة الفكرية لحوادث الإرهاب تلك، وبعدها تطالب بحقك في أن تخرج للتنديد به. قلة الحياء الحقيقية هي أن لاتجد ماتقوله عن العيون، فترتكب جملة "صحراوة جيب ليهم المغنين والمغنيات" دون أن يوقفك أحد من الحاضرين ويطرح عليك السؤال مجددا "ومالك نتا معا الغنا؟ ياكما حرام وحنا مافخبارناش؟"
قلة الحياء الحقيقية هي أن تعتبر أن سبع سنوات هي كافية لكي ينسى الشعب المغربي الفتاوى التي كانت تنشر في كل الجرائد التي كنت تشرف عليها، والتي كانت تقول لنا إن المغرب ماخور كبير حق الجهاد في أهله والمتحكمين في مصيره إلى أن يتوبوا.
غير أن كل هذا الكلام اليوم لاأهمية له على الإطلاق. درس "حوار" ليلة الثلاثاء الفارطة هو أنه بإمكانك أن تكذب على كل الناس كل الوقت، عكس مايقوله المأثور الشائع. فقط يلزمك أن تتسلح بمايكفي من "قصوحية الوجه" لكي تخلط كل الأوراق، لكي تتنصل من كل شيء حين ينبغي التنصل، ولكي تتبنى كل شيء حين يجب التبني.
في الختام، وبالنسبة لأي متابع محايد, بنكيران هو النموذج الذي يحبه التلفزيون كما يمارس في عالم اليوم: الكثير من الكلام, القليل من الأخبار, اللغة التي يحب الجميع سماعها, وإن كانت تحمل في طياتها الداخلية عكس مايؤمن به هذا الجميع. ولو كنت مسؤولا في التلفزيون لجعلت من عبد الإله بنكيران ضيفا أساسيا في كل البرامج الحوارية والنشرات الإخبارية إلى أن يتوب عن قول جملة "علاش ماكتعرضوش عليا" التي يتاجر بها هو وحزبه, والتي يقدمانها ابتزازا للتلفزيون المحلي حين يربطونها باستضافتهم في القناة التابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين "ماكتعرضوش علينا نتوما, كتعرض علينا الجزيرة".
الأمر شبيه إلى حد كبير بالاختيار الآخر الذي يقترحه علينا هؤلاء باستمرار "اعترفو بينا حنا ولا راه السلفية والقاعدة غاديين يهجمو عليكم". في النهاية "كاع" التهريج قد يكون مجرد وسيلة فعالة وناجعة لتغطية كثير من الابتزاز السياسي الذي يمارسه الكثيرون. وعندما يقال لي اليوم إن بعض انفصاليي الداخل يمارسون الابتزاز ضد المغرب, أتخيل _ وأتخيل فقط _ أن بعض الأحزاب هي الأخرى تمارس نفس الفعل, لكن برتوشات قادرة على جعله يمر دون إشكال.
الله يهديها وصافي, مثلما قال بنكيران ذاته عن لطيفة أحرار, في ختام هذا "الشو" الناجح جدا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تصر الجزيرة رغم كل شيء على أن قتلى مدنيين من البوليساريو قد سقطوا في العيون مؤخرا رغم أن كل المنظمات الدولية، وكل الحقائق الآتية من الميدان تقول إن كل الضحايا كانوا من صفوف الأمنيين المغاربة ، بل وتم نشر صور من اغتيلوا غدرا في تلك الآحداث الآثمة، ولكن كل هذا لاينفع لإقناع الجزيرة بمراجعة أدائها المهني وقول الحقيقة.
الدرس من كل هذا: هذه القناة مفقود فيها الأمل كلية، ومن اتخذوا قرار إغلاق مكتبها في الرباط أحسنوا صنعا بالفعل، وعلى من يقولون العكس أن يقنعونا الآن بطريقة ما أنهم محقون، وإلا فإن الصمت الجميل يكون أفضل مايممكن أن يقترفه المرء في هذه الأيام.

الأربعاء، 10 نونبر 2010

الجزائر الله يشافيها

وأنا أشاهد مواكبة التلفزيون الجزائري لأحداث العيون الأخيرة, لم أكن قادرا على منع نفسي من لعن الجزائر وأهلها ورئيسها وجنرالاتها وكل مايمت لها بصلة. لن أكذب ولن أستعمل مصطلحات ديبلوماسية منافقة. هذا كان رد فعلي الأول, بعده وجدتني أطرح السؤال: لم يتعاملون مع المغرب بكل هذا العداء؟ أن يأتي هذا الموقف المسبق المنحاز والمحايد تماما من طرف "راسد تي في" قناة البوليساريو يبدو الأمر مفهوما, لكن أن تكلف مذيعة القناة الجزائرية البدينة والذميمة نفسها عناء اختيار الكلمات لكي تصف "الاحتلال المغربي للعيون", ففي المسألة لغز كبير.
ما الذي اقترفناه في حق الجزائر حتى ينالنا منها كل هذا الظلم؟ وما هي اللحظة التي أسأنا فيها للبلد الجار حتى نتحول إلى ألد أعدائه, وإلى البلد الذي يفرغ فيه كل هذا الكم من الأحقاد غير المفهومة؟
المثير للاستغراب أننا في المغرب كنا الأحق بالحقد على الجزائر وأهلها. فهي البلد الذي حباه الله بالخيرات الطبيعية الحقيقية من غاز طبيعي وبترول, وهي البلد الذي كان ينبغي أن يحيا كل أهله في بحبوحة كبرى من العيش لو لم يستول الجنرالات ومتنفذو بداية الاستقلال على كل شيء, وهي البلد الذي كان يفترض أن يقود المغرب الكبير لعيش رفاهية تستحقها شعوبه. أما نحن فبلد لم يعطه الله إلا "شوية ديال الحوت وشي بركة ديال الفوسفاط", مايعني أننا كنا الأحق بالحقد على الجيران, لكن العكس هو الحاصل. فأي تفسير يمكننا إعطاؤه للمسألة؟
في الحقيقة لا تفسير سوى العودة إلى التاريخ, وإلى اللحظة التي استولى فيها متنفذو جبهة التحرير الوطني على مقاليد الحكم في الجزائر. كان الشعب الجزائري, وهوشعب رفض الظلم باستمرار ينتظر من الثورة الجديدة المنتصرة على الاستعمار الفرنسي الطويل (130 سنة ويزيد حتى استحقت الجزائر لقب "بتي فرانسيس") أن تعيد الاعتبار لأبناء الشعب, أن يحتل المجاهدون الحقيقيون وأبناؤهم والأرامل المراتب القيادية في الدولة الوليدة, أو على الأقل أن يكونوا أول المستفيدين, لكن العكس هو الذي حصل. من ثبت تعاملهم مع الاستعمار الفرنسي أكثر هم من أصبحوا القيادات التاريخية للجزائر الجديدة إلا من بعض الاستثناءات النادرة, والشعب الذي كان ينظر بعين السخط لهذا الاستيلاء السافر على ثورته, كان بحاجة لتصريف غضبه في مكان وجهة أخريين, كان بحاجة إلى عدو مصطنع تختلقه الطغمة الحاكمة في الجزائر لكي تستطيع البقاء في مناصبها أطول الوقت الممكن.
قال المغرب حينها إن للأمر علاقة بجدة الحكم في الجزائر التي لم يتعود أهلها على حكمها, إذ تناوب عليهم العثمانيون, وورثهم الفرنسيون, وانتظر المغرب الأقصى من المغرب الأوسط أن يجد يوما من بين أبنائه عقلاء يقولون "كفى" ويتوقفون.
تلك الكفى لم تحدث أبدا. من حرب رمال 63 الظالمة بين البلدين إلى الحرب بالوكالة عبر البوليساريو إلى مناصبة العداء لكل مشروع تنموي مهما صغر أو كبر شأنه في المغرب, تواصلت هذه العقدة التاريخية في تكريس نفسها, وكانت الأجيال المغربية المتعاقبة التي تحملت غباء ورعونة حكام الجزائر تتساءل باستمرار "غير شنو درنا ليهم؟". ولم يكن أحد _ على الأقل في هذه الضفة_ يجد الجواب ولا حتى شبهة الجواب. كان الغموض يضيف على كل التباساته غموضا إضافيا, وكنا ننتتظر معجزة ما تعصف بهؤلاء الحمقى الذين يحكمون البلد الجار, عسى العلاقات تستقيم يوما مثلما تفرض ذلك كل أوجه المنطق.
لاشيء من كل هذا حدث, وأول أمس الإثنين والمغاربة يتابعون مشدوهين تلفزيون "العدو الجزائري" وهو يسب المغرب وقيادته وشعبه, ويربط الاتصالات الهاتفية مع "العيون المحتلة" لكي يصف له المتصلون "همجية تدخل الجيش الملكي ضد الصحراويين العزل", كنا نطرح على أنفسنا السؤال للمرة الأخيرة: إلى متى نصبر على هؤلاء الرعاع؟ إلى متى نمثل دور البلد الكبير عقلا وحضارة, غير المصاب بأي عقدة من تاريخه, وغير الملتبس نهائيا في علاقاته مع الآخرين؟ وإلام الصبر على جار السوء هذا الذي لم يرحل ولن يحل ولم تصبه مصيبة أصبحنا لفرط تضررنا منه لانتردد في طلبها له عسانا نرتاح يوما.
مايفعله متنفذو الجزائر من جنرالت مخابراتها العسكرية ستدفع ثمنه الأجيال الحالية في المغرب والجزائر, لكن ستدفع الفاتورة الأغلى الأجيال اللاحقة, والذنب بكل تأكيد في رقبة بوتفليقة ومن يحركون الرئيس الجزائري المريض في قصر المرادية في انتظار تتويج شقيقه على كرسي الحكم الصوري بعد أن يموت متأثرا بسرطانه الموجود في مرحلته الأخيرة.
سندفع ثمنا غاليا لكل هذه الرعونة, ولاحظوا أننا لم نذكر البوليساريو في كل مايقع إلا داخل تفاصيل الكلام, ذلك أنه لامعنى للحديث عن ألعوبة صغيرة في يد هذا الجار الرديء المسمى الجزائر. اللوم على من يحركون الخيوط, لا على الخيوط الواهية التي لاتستطيع شيئا, وللكلام بقية وصلة في أيام التصعيد الأخرق هاته.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعدما رأيناه في العيون يومي الأحد والعيون، لايطالب المواطنون المغاربة دولتهم إلا بشيء واحد هو أن تحمي حياة وممتلكات الأفراد في تلك المنطقة. حقوق الإنسان "على راسنا وعلى عينينا" لكن حين يصل الأمر إلى عملية ذبح بتلك الطريقة الهمجية التي رأيناها في أشرطة الأنترنيت لعنصر أمني وعلى مرأى ومسمع من نساء يزغردن ويصحن بالشعارات الموالية للبوليساريو، حينها علينا أن نتحسس رؤسنا قليلا وأن نتساءل : من الغبي في هذه المسألة كلها؟
احترام الحق في الحياة، هو أول حقوق الإسان، وحين خرقه أي جهة كيفما كان نوعها لايمكن للمرء إلا أن يطالب بجزاء من نفس النوع، ولتذهب السياسة حينها إلى الجحيم

الجمعة، 5 نونبر 2010

aljazeera wa kabilatoha

قبيلة الجزيرة
عوض أن تفهم الخطأ أو الأخطاء التي ارتكبتها في علاقتها بالمغرب, وتقرر أن تراجع أداءها, وأن تبحث عن مكمن الخلل الذي جعل البلد الوحيد الذي فتح لها مكتبا فوق أرضه بعد الدوحة يقرر التراجع عن هذا القرار, لجأت قناة "الجزيرة" القطرية إلى قبيلتها الإعلامية هنا في المغرب لكي تطلب منها السند والعون في هذه المحنة التي تمر منها, واستجدت بيانات من جمعيات وهيئات لاوجود لها على أرض الواقع لكي تأكل بفمها الثوم, وتسب عبرها المغرب الذي "تجرأ" على "دولة الجزيرة" وقرر قطع العلاقات الديبلوماسية تلفزيونيا معها.
كنا ننتظر أن يشكل القرار صدمة للقناة القطرية, فتلتفت جهة مخالفيها والمعارضين تسألهم "إيش اللي صاير؟" لكن القناة أخذتها العزة بالإثم, وقررت أن تفتح الباب للأحباب والحواريين فقط, والهدف هو أن يقولوا عنها إنها "قناة ماجاد الزمن بمثلها من قبل", وأن "المغرب سيخسر الكثير بعد أن أقفل مكتب القناة في الرباط. وحقيقة لاأعرف ما الذي سيخسره المغرب من قناة كانت تستقبل الانفصاليين والإرهابيين ومسوغي التكفير والعدميين والراغبين في تصفية الحسابات العالقة مع بلدهم كل مرة, ولم تكن تفتح بابها للمحايدين الموضوعيين إلا بين فينة تحامل وأخرى فقط ذرا للرماد, ورغبة في إظهار نفسها بمظهر القناة المنفتحة على الجميع.
ولكم حزنت للموقف الذي وجد فيه زميلنا محمد العوني نفسه حين تركه مذيع الجزيرة يتحدث طويلا عن انتقاده للسلطات المغربية وقرارها, وحين أراد الزميل أن يتحدث عن الجزيرة وعن انتقاد المجتمع المغربي لها فوجئ بالمذيع يقول له "أدركنا الوقت, شكرا لك". الوقت أدرك علاقة القناة بالمغرب منذ زمن سحيق, والقرار الأخير لوزارة الاتصال كان ضروريا لا تبريرا لقمع نحن نرفضه مبدئيا, ولكن إلزاما لهؤلاء لكي ينصتوا لصوت المغرب.
لاتهمني هنا الرواية الرسمية, ولست متبنيا لها ولاعلاقة لي بها. أنا أعرف بلدي وصورة بلدي, وأعرف أنه من العيب أن يتم تقديم المغرب على قدم المساواة مع جبهة البوليساريو. أعرف بلدي وأعرف صورة بلدي, وأعرف أنه من العيب أن يتم تقديم الجزائر باعتبارها بلدا لامشاكل فيه هي وليبيا وقطر وسوريا وأن يتحول المغرب إلى جهنم العالم العربي اليوم. أعرف بلدي وصورة بلدي, وأعرف أنه من العيب أن يتحدث نظام حمد الذي أطاح بوالده من الحكم عن التجربة الديمقراطية في المغرب وأن تقوم الجزيرة يوميا بالتنقيط لنا "حسن, مستحسن, لابأس به, يستطيع تقديم الأفضل, كسول بزاف".
غير معقول, وشيء يدخل في إطار السوريالية أن تلقننا ديرة قطر عبر لسانها الإعلامي الطويل دروسا في الديمقراطية. وشيء أكثر من مخجل أن يتحدث عبد القادر الخروبي مدير مكتب الجزيرة المقفل في الرباط عن "ضرورة أن يؤهل المغرب تلفزيونه العمومي لمواجهة التحديات الخارجية", أولا لأن الصحافي الفلسطيني البريطاني, يعرف جيدا أنه لايستطيع قول الكلام ذاته لا عن تلفزيون دولة قطر العمومي, ولا حتى عن تلفزيون السلطة الفلسطينية المسكينة, وثانيا لأننا وصلنا حدا من الهوان _ بسبب مسؤولينا الإعلاميين _ جعل أناسا منتمين لدول وأنظمة غاية في التخلف تلقن المغرب الكبير, والكائن منذ قديم العصور هذه الدروس المخجلة في الإعلام وفي التلفزيون.
لذلك أقولها وأكررها: المغرب أحسن بإقفال قناة الجزيرة في الرباط, وهو يستطيع اليوم أن يناقش القناة من موقع قوة, أن يقول لها "مرحبا بك متى أردت ذلك لأننا البلد الوحيد الذي يستطيع في العالم العربي تقبل كل الحماقات التي قد ترتكبينها, شرط أن تمتلكي القدرة على مراجعة بعض حماقاتك المبالغ فيها". ومن هنا لاأرى عيبا في القرار. بالعكس هو أصلح خطأ جعل الإخوة في قطر يعتقدون أننا دولة دون سيادة, وبلد دون بواب وبيت بلا رب يحميه, ماشجعهم على المضي قدما في رداءات وصلت حدها الأخير مع استعراض البوليساريو, وقضية ولد سيدي مولود, وتقرير هيومان رايتس واتش.
لذلك أيضا على قبيلة الجزيرة هنا أن تتعفف قليلا في المديح, وأن تضع في اعتبارها أن مراعاة بلدها وصورة بلدها هي أهم بكثير من ترك وشائج العلاقة ممتدة مع اللسان القطري السليط. فاستقبال لمدة ساعة ونصف أو أقل أو أكثر مقابل بعض الدولارات على شاشة "القناة الأكثر جماهيرية في العالم العربي" لايساوي إطلاقا الإحساس الداخلي الذي سيساور الإنسان بأنه يلعب لعبة الأجانب ببلده, وهذه مسألة لا فارق بينها وبين العمالة إلا في بعض التفاصيل الصغيرة والقليلة.
رجاء, تذكروا فقط أنكم تنتمون للمغرب قبل أن تخرج الجزيرة سنة 1996 إلى حيز الوجود. "عقلوا غير على هادي", فقط لاغير.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الطريقة الوحيدة التي يمكن أن ينجح بها برنامج "شباب في الواجهة" الجديد الذي تقترحه القناة الأولى علينا هو أن يتخلى الشباب من المنتسبين للأحزاب الذين يحضرون البرنامج عن تقليد أسلافهم, وأن يتحدثوا لغة شباب اليوم. أما إذا كان مدعوو البرنامج سيتحدثون لغة الكبار, وسينسجون على منوالهم, فالمشاهد سيتعامل معهم كما يتعامل مع الكبار: أي بالهجر وإدارة الظهر لهم.
كما أن تلك العربية الفصحى المبالغ فيها التي يريد الجميع الحديث بها تطرح السؤال حقا: هل نريد الوصول إلى الناس بهذه البرامج أم نريد البقاء بيننا فقط دون اكتراث بشعبنا؟

"مكونين وصافي "!

ما الذي يقع في المعهد العالي للإعلام والاتصال؟ لايقع أي شيء, وهنا أس كل الإشكال. ليس مقبولا من معهد يعنى بتكوين من سيتحولون إلى صحافيي المستقبل أن يعيش حالة الموت الحالية التي يحياها, وليس مقبولا منا أن نصمت جميعا في انتظار أن ينتهي من يكفنون "ليزيك" الآن من عملية التهييء للدفن الأخير. أصدقاء كثر لنا فيهم من تخرجوا من المعهد وقطعوا العلاقة معه, وفيهم من لازال يدرس فيه "رغم كل شيء" ينقلون لنا عنه صورة قاتمة للغاية, مفادها أن المعهد أوقف كل حركته لكي يتحول إلى مؤسسة كل همها اليوم أن تبحث عن مدير. وآخرون يعبرون المعهد بطريقة أو بأخرى يقولون لنا إن المؤسسة توقفت عمليا عن تهييء الخلف الصحفي للمستقبل, وتفرغت لبناء "السيفيهات" الشخصية الكاذبة لأشخاص يعتبرون أن أفضل أمر يمكن أن يقع لهم في حياتهم الآن هو أن يتحولوا إلى "شيفان" لهذه المؤسسة
الأنكى من هذا أن زملاءنا من خريجي الدفعة الأخيرة من "ليزيك" لم يتسلموا شهادة تخرجهم من أيدي أساتذتهم, ولا من أيدي صحافيين اشتغلوا في أبحاث تخرجهم على مقالاتهم أو تحقيقاتهم أو ماشابه. لا. الأغلبية تسلمت الشهادة التي تثبت أنها أصبحت صحافية بحكم المعهد, من أيدي موظفين بسطاء من وزارات لاعلاقة لها بالإعلام, وأهلها أتوا فقط لملء الشغار الكائن في المعهد اليوم, الذي يحول كل من يمر من هناك إلى متشائم من الحال, راغب في عدم النسبة إلى هذه البناية التي كانت في السابق من الأيام تثير فخر المنتسبين إليها, وأضحت اليوم سببا في تخفيهم عن الأنظار لكي لاينتبه إليهم المهتمون, ولا يحملونهم مايسمعونه من أخبار عن المعهد حاليا.
لماذا كل هذا؟ أساتذة المعهد وقدامى الخريجين منه يقولون إنهم لايفهمون نهائيا السبب, ويعتبرون أن هناك رغبة في إفراغ المؤسسة من أي قيمة علمية لها راكمتها على امتداد السنوات وكانت السبب في تخرج خيرة صحافيي هذا البلد منها. لكن المتتبعين لما يجري في المعهد يرون أبعد من كل هذا فيما يجري, ويقولون إن هناك توجها نحو تكريس الفكرة التي تقول إن الصحافة في نهاية المطاف ليست المهنة التي تتطلب ممارستها كل هذا العناء في التكوين. يكفي أن ترغب في ذلك, والبقية سهلة بكل تأكيد, هي تعتمد فقط على الكثير من التجرؤ على كل شيء.
الكارثي في المسألة _ ونحن نعيش ماتعيشه الحرفة يوميا _ هو أننا نحتاج إلى أكثر من معهد واحد رصين لتكوين صحافيي مستقبلنا المغربي, لا بل وتكوين العديد ممن يمارسون المهنة دون توقف كثير عند تفاصيلها ممن أصبحوا أسماء فيها اعتمادا على حالة الفراغ التي يعيشها مشهدنا الصحفي المسكين. ولا نرى صراحة مايدل على وضعية صحافتنا اليوم أكثر من عديد المقالات التي تصدر, وأكثر من حالة جرائد تنتهك فيها أخلاقيات المهنة, وتنتهك الأجناس الصحفية وينتهك كل ماقد يمت للحرفة بعلاقة, ورغم ذلك لاإشكال. بل بالعكس "سامارش" مثلما يقول الفرنسيون. والقارئ المغربي المسكين الذي شرحت له جهة ما _ لانعرفها بكل صدق _ أن الأساسي في الصحيفة الجيدة ليس مرتبطا على الإطلاق بما تقدمه, ولا بالشكل الذي تقدمه به, بل الأهم هو أن ترد معه كلام الشارع الذي يسمعه, وماعدا ذلك ليس أمرا ينبغي التوقف عنده نهائيا.
لذلك يبدو لنا من بعيد مايعيشه "ليزيك" أمرا غير طيب, ودلالة على أشياء أسوء قادمة. ولكم كنت أتمنى أن أقرأ لزملاء خريجين من هناك, عبرو المؤسسة أو لازالوا فيها لحد الآن مايفيد هلعهم على مستقبل التكوين الصحفي الوطن, وخوفهم على مؤسستهم, لكننا ابتلينا في المغرب بآفة عدم الرغبة في الخوض في أشياء قد تزعج, وتحفظ الأغلبية, حتى المعنية أكثر منها بموضوع ما, عن التطرق لمثل هذه المواضيع, لأن التوافق الزائف الذي يفرض علينا أن نعيشهه في مشتركنا الجماعي, يحتم علينا أن ننتقد فيما بيننا ظواهرنا السلبية, وأن نختم بجملتنا الرديئة والشهيرة "خللي داك الجمل بارك", علما أن هذا الجمل المغربي "برك" بما فيه الكفاية ولو أردنا اليوم مساعدته على الوقوف لما استطاع لأنه أصبح كسيحا لفرط السنوات التي أجلسناه فيها.
مايقع في معهد الإعلام اليوم مجرد صورة مصغرة عما يقع في مشهدنا الإعلامي كله, وربما وجب أن يعرف المتتبعون أن البحث الذي أجري حول بعض المرشحين لشغل منصب مدير المعهد أفضى إلى أن أحدهما "كيربي بيبي", والثاني يشغل أوقات فراغه "بتاطاشرونيت", وبين "بيبي والبني" وبين الصحافة لاتوجد إلا مسافة صغيرة على مشهدنا الإعلامي أن يتوكل على الله, وأن يقطعها, فمالجرح بميت إيلام, فالتكوين أضحى "تكوانا" والله أعلم على كل حال
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يحقق فريق الفتح الرباطي حاليا نتائج متميزة للغاية، وهو يوجد على مرمى لقاء واحد من نهاية كآس الاتحاد الإفريقي وهي منافسة لم يسبق له في تاريخه أن وصلها. عودة الفتح لرباطي إلى لواجهة إصلاح لخطأ وجرم كبيرين ارتكبا في وقت من الأوقات فرضا على الفتح، فريق الرباطيين الحقيقيين، أن يختفي لكي يحتل فريق لامحل له من الكرة هو الجيش الملكي الصدارة دون وجه حق رغم أن مكانه هو الدوري العسكري وليس البطولة المدنية.
نقطة حسنة لمن فكر في إعادة الفتح لرباطها والرباط لفتحها، و"الله يكمل بخير".

الأربعاء، 3 نونبر 2010

في مدح السيد الوالي

في مدح السيد الوالي
أدهش زميلنا حسن الحريري من القناة الأولى كل من شاهدوا تلك الدقائق القليلة من مباراة شباب الريف الحسيمي ضد الوداد البيضاوي, حين ترك التعليق على الأخداث المخجلة التي شهدها ملعب ميمون العرصي جانبا, واختار التركيز فقط على مدح السيد والي الجهة الذي "أمضى اليوم كله في الحسيمة إعدادا للقاء, والذي أفطر في الملعب, والذي استفاق باكرا لكي يهيء جيدا شروط المباراة".
ولنا فعلا أن نتخيل شكل ماكان سيقع في الملعب لو لم يمض "السيد الوالي" اليوم كله في الملعب, مادام اللقاء قد توقف وتحولت الحسيمة إلى ساحة حرب بين مشجعي الفريقين, وانتقلت الفوضى من الملعب إلى الشارع العام, وتوقفت المباراة, وكادت الأمور تتطور إلى مالاتحمد عقباه.
صديقنا حسن ليس الوحيد من مذيعي ومعلقي التلفزيون الذي ابتلي بهذه "البلية" السيئة, بل هو فقط واحد من الجموع التي يتم تسليم الميكروفونات لها دون وجه حق, فتشرع في تقديم "خدمات مشكوك في أمرها" لرجال السلطة ولأعيان المدن التي تتحول إليها طواقم التلفزة. وكم أشعر بالقرف حين يخبرني أصدقاء من مسؤولي الأمن بالدار البيضاء أنهم اتفقوا مع الكاميرامان والمخرج في الأولى أو الثانية أو الرياضية لكي يلتقطهم في "غرو بلان" أو مشهد مكبر مرتين أو ثلاثا خلال مباريات مركب محمد الخامس لكي يعرف مسؤولوهم أنهم يشتغلون, وأن التلفزيون يظهرهم وهم يقومون بعملهم, والكارثة أن المسألة تصح, وتجد أن المخرج يختار في لحظة من اللحظات إظهار واحد أو أكثر من رجال الأمن دون أي معنى للقطة اللهم التساؤل بانعدام براءة عن سببها الحقيقي.
الأمر ذاته يتذكره المشاهد المغربي في فيضان قديم بمدينة المحمدية (التي لاأعرف بالمناسبة لماذا يسمونها مدينة الزهور وهي تستقبل زوارها من المدخلين برائحة عفنة للغاية), حيث لم يكلف التلفزيون نفسه عناء نقل صور المنكوبين في ذلك الفيضان ولا الخسائر الجسيمة التي تكبدها سكان المدينة, ولا منظر المنازل التي تحطمت, ولا الأثاث الذي فقده أصحابه, ولكن حين قرر "سيادة العامل" القيام بتلك الزيارة التفقدية العادية التي يقوم بها المسؤولون للمدن المنكوبة, سارع التلفزيون إلى تتبع خطوات سيادته, ونقل صورته التي أصبحت أهم بكثير من صور المنكوبين من أهل تلك المدينة الذين حاصروا طاقم التلفزيون يومها, وكادوا يحولون النقل التلفزي لمخلفات الفيضان إلى شيء آخر.
لماذا؟ ما الذي يجعل أهلنا في التلفزيون, وضمنهم أناس قضوا في التلفزيون مايفوق العشرين سنة من العمل, أي أنهم أصبحوا محصنين مهنيا من السقوط في مثل هذه الكوارث المبكية, يسقطون بهذا الشكل الغبي في مثل هذه الترهات؟
لن نتهم أحدا, ولن نقول إن مسؤولين في مدن معينة وأناسا يشتغلون في أسلاك سلطة يحرصون على هذا الظهور, ويحرصون على أن يقول عنهم التلفزيون هذه الكلمة الطيبة "المجانية" حتى في عز أزمة متونرة مثل تلك التي عاشها ملعب ميمون العرصي يوم السبت الفارط, وتركها معلق التلفزيون جانبا, وتفرغ لكتابة قصيدة مدح رديئة للغاية في حق والي الجهة. لكننا لن نمنع أنفسنا من طرح سؤال هذه الرداءة, ومن التبئير عليها كلما استجدت. لا, بل إنني أعتبر أن الحريري فيما اقترفه يوم السبت الفارط يستحق عقوبة الهاكا التي أنزلت بريباك أكثر من عزيز المسكين الذي ارتكب جرما واحدا يوم "ربب" في التلفزيون هو أنه فقد أعصابه, أما صديقنا ومن على الشاكلة, فيفقدون أي مصداقية يمكن أن يمنحهم المشاهد إياها وهو يرى بأم عينيه على الشاشة "الحجر كيشير", ويسمع المذيع وهو يمدح والي الجهة لأنه أحسن تنظيم اللقاء.
وبالمناسبة مادامت الأشياء بأضدادها تعرف, أجد أنه من المناسب واللائق التنويه بالتجربة الجميلة جدا التي يخوضها "راديو مارس" في مجال النقل المباشرة للمباريات, وفي البرامج الحوارية التي يقدمها, حيث اختارت الإذاعة التي لايتجاوز عمرها السنتين طريقة اشتغال جريئة للغاية مكنتها من التحول إلى القناة الإذاعية الأولى في مجال نقل المباريات الخاصة بالدوري الوطني, مثلما استطاع أيمن بيروك وعادل وحميد أمين وحميد البرهمي وبقية طاقم الإذاعة أن يبصم لحد الآن على مسار ينوه به كل من نلتقيهم من المستمعين ونتصور أنه من اللازم تحيتهم عليه, لأن مثل هذه الخطوات الإيجابية تبدو لنا اليوم أكثر من ضرورية وسط مد الرداءة الراغب فقط في مدح السيد الوالي على شيء لم يقم به إطلاقا.
لإعلامنا السمعي البصري حكاية معقدة مع من يتوجه إليهمو هي أنه ينسى أن الزمن تغير وأن الجمهور لم يعد هو الجمهور, وأن من تعودوا على بعض العادات السيئة من الأزمنة القديمة عليهم الإقلاع عنها, أو "يخويو التيران" بكل اختصار.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
خسر المجلس الأعلى للقضاء فعلا بعدم انتخاب بعدم صعود أي امرأة إلى سلكه في قتراعه الأخير مايثبت أن لدى أصدقائنا القضاة حساسية تجاه المرأة عليهم فعلا التخلص منها لكي يؤكدوا أنهم استوعبوا التغيرات الكثيرة التي يعرفها المجتمع المغربي ، ولكي يفعلوا مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي ركز على قيمة العدل في مجتمع مثل المغرب، وركز من قبل على قيمة تمثيلية المرأة في المؤسسات التي تمثل المغرب كله.
ومرة أخرى نقولها: خسر المجلس ولم تخسر المرأة المغربية، كل مافي الأمر أنها معركة مؤجلة إلى حين تثبت أن الذكوية هي مرض مس كل الهيئات والأسلاك وقد حان الوقت ربما لكي تكون للكوطا كلمتها الفصل ريثما ينضج بعض الرجال

"الجهاد" النقابي !

ليست هذه هي المرة الأولى التي ترد فيها النقابة الوطنية للصحافة المغربية على مقال يهم أحد قيادييها ببلاغ صادر عن مكتبها الوطني أو النقابي إلى الدرجة التي تدفع فعلا إلى التساؤل إن كان الهدف من هذا التصرف هو دفع جميع الأصوات المخالفة إلى الصمت عن النقابة وعن كل ماتقوم به سواء كان سلبيا أم إيجابيا.
هذه المرة تلقينا بيانا مما يسمى المكتب النقابي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية بالقناة الثانية ينتقدنا على عمود "في الواجهة" الصادر بتاريخ الجمعة 29 أكتوبر, ويرد على ماوصفه بالمغالطات التي تضمنها العمود, وأجملها البيان في ثلاث نقط سنعرض لها بالتفصيل, وإن كنت أستغرب قدرة هذا المكتب على صياغة بيان بعد "الشرشحة" التي تعرض لها على يد نقابيي القناة الثانية, والخروج غير المظفر كثيرا الذي عاشه نقابيو زميلنا يونس مجاهد رفقته مما شاهدناه جميعا على اليوتوب, ولاأرى أي داع للعودة إليه, لأن ماوقع فيه كاف وزيادة للحديث عن الوضع النقابي داخل القناة الثانية لمن كان ذا نظر وعقل سليمين, علما أن الأمر يهم زملاءنا هناك, ولا دخل لنا به لا من بعيد ولا من قريب.
البيان الذي يتحدث عن "شي كاتب المقال", دون ذكره ولا ذكر إسم عموده, مايكشف التشنج غير الطيب كثيرا الذي يطبع بعض الخطوات "النضالية" لأصدقائنا, يقول إن النقابة الوطنية حاضرة في القناة الثانية منذ منتصف التسعينيات, وأن عدم تفعيل المكتب النقابي بها راجع إلى الضغوطات التي مارستها الإدارة العامة السابقة. كما يوضح البيان أن عدد المنتمين للنقابة يفوق 120 فردا داخل دوزيم وأن هؤلاء لايريدون تغيير الانتماء النقابي للقناة ولكن يطالبون بحقهم في تنظيم أنفسهم نقابيا مثلما يشاؤون. ويختم البيان بأهم نقطة أثارت غيظ كاتبه أو كتابه وهي نفي قدوم يونس مجاهد بمعية فيصل العرايشي إلى القناة الثانية, مؤكدا أن حراس الأمن بالباب الرئيسي شهود على عدم صحة هذا الأمر.
نحن لن نستدعي أصدقاءنا من حراس الأمن لكي يشهدوا على صحة هذا الكلام أو عدمهو لكننا سنستدعي الصورة الشهيرة التي طافت اليوتوب والتي تظهر يونس وهو يخرج من المصعد بعد فيصل مباشرة, علما أننا حين قلنا إنه أتى إلى القناة رفقته لم نقصد أنهما التقيا في منزل أحدهما ومن ثمة حلا بالقناة, ولكن قلنا إنهما أتيا بغرض موحد معا, ومشكل فهم المكتوب ليس مشكلنا نحن على الإطلاق, لكنه مشكل من يورطون أنفسهم في معارك "نضالية" يتلقون عقبها هزائم مهينة بالفعل.
بالنسبة للنقطتين السابقتين في البيان, فأستطيع أن أدعي أنني أعرف قليلا دواخل القناة الثانية, وأعرف أن تواجد النقابة الوطنية بها منعدم تماما إلا من بعض الأسماء التي لم تجد نفسها في التنظيم النقابي المسيطر, أما بخصوص تغيير الانتماء فلاارى أي سبب لنفي هذه المسألة طالما أن محاولة الثلاثاء الفارط كانت بغرض تشجيع نقابيي النقابة الوطنية على فرض أنفسهم داخل القناة ولو "بالوجهيات" وهو الأمر الذي تعسر في انتظار محاولة أخرى, ولاينبغي للإنسان أن ييأس من أول أو ثاني محاولة.
بغض النظر عن كل هذا أجد نفسي حزينا وأنا أرد على نقابة كان من المفروض أن تكون نقابتي ونقابة كل الصحافيين, وكان من المفروض أن نجدها قربنا في اللحظات الصعبة, لا أن تسبنا في البيانات تلو البيانات فقط لأننا نعبر عن رأي مخالف لرأي مالك مفتاحها الرئيسي. كما أنني أحس بغير قليل من الخجل وأنا أرى نقابة للصحافيين تحتمي بالرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة لكي تستطيع الدخول إلى القناة الثانية, علما أن فيصل العرايشي كان ملزما باتخاذ موقف الحياد, وكان ملزما بترك نفسه فوق كل هذه الصراعات مادام قد عين مدراء عامين للقنوات التابعة له, هذا هو دورهم الأساسي, عوض أن يجالس هو النقابيين وأن ينزل معهم في مصعد واحد لكي يجد أغلبية العاملين في القناة يقولون له "العرايشي سير فحالك, دوزيم ماشي ديالك".
وبالقدر الذي أعرف به الرجل, وأعرف حسن نيته, وإقدامه على السير حتى النهاية في القرارات التي يتخذها بالقدر الذي أطرح فيه السؤال عن الجهة التي ورطته في هذه الورطة, والتي أفتت عليه أن يذهب للقناة الثانية ضد أغلبية العاملين فيها لكي يجالس مكتبا نقابيا لايمثل أكثر من 120 فردا داخلها. وأتمنى فعلا أن لاتكون الفتوى قد صدرت من مقربين منه يدعون أنهم يخدمونه, لأن الأمر لو صح سيكون دليل عدم إمكانية الثقة في أي كانو حتى لو كان من أقرب المقربين, و"الله أعلم عاوتاني".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تتويج فيلم "الجامع" للجميل داود أولاد السيد بالتانيت البرونزي لمهرجان قرطاج السينمائي ليس حدثا عاديا يتكرر باستمرار، بل هو اعتراف فعلي بموهبة داود وببحثه المغاير عن سينما مغربية أخرى ممكنة، وكذا بتنقيبه الدائم عن إضافة فعلية يقدمها في كل عمل سينمائي يقدمه.
تتويج "الجامع" هو أيضا تتويج لسينمانا المغربية الجديدة التي تنحت في الصخر والتي تقدم تجارب لايجب أن نضعها جميعا في سلة واحدة، ولا يجب أن نقلد العدميين في تقديمها بشكل واحد قصد تدميرها فقط لا بقصد آخر نهائيا