السبت، 14 غشت 2010

محاضرة عن التلفزيون والصحافة المكتوبة في كلية المحمدية

التلفزيون والنقد التلفزي: التكوين والتواصل
على امتداد عشر سنوات مما أسميه "تمارة الإعلامية" وصلت اليوم فعلا لطرح السؤال الأساسي في نظري: أي نقد لأي تلفزيون أو بدارجتنا المغربية الصميم: واش عندنا شي حاجة سميتها تلفزيون؟ وواش عندنا شي حاجة سميتها نقد تلفزيوني؟
في الحقيقة الراغب في اختزال النقاش إلى هذا الحد والباحث له عن إجابات سهلة سيقول :ماعندناش تلفزيون وماعندناش نقد ونبينا عليه السلام. لكن بالنسبة لي هذا الاختزال معيب جدا وهو دليل على عدم رغبة أو قدرة على البحث الفعلي عن إجابات حقيقية. لذلك يبدو لي أن لقاءات مثل لقاء اليوم هي أدوات مساعدة لإعادة طرح هذا السؤال بشكل جماعي والبحث له عما يمكن أن يكون إجابات أكثر رصانة وأكثر استنادا إلى معطيات حقيقية
في المغرب نعاني من مسألة هامة تؤثر على العلاقة بين النقد التلفزيوني وبين هذا التلفزيون هي علاقة سوء الفهم الحقيقي: بلدنا انطلق في العمل التلفزي دون كثير إعداد له في بداية الستينيات واعتمد أساسا على أناس قادمين من المسرح ومن الإذاعة لكي يصنع بهم النواة الأولى للتلفزيون لدينا. وماتأسس على باطل يقول الفقهاء بالتأكيد لن يكون إلا باطلا, فإذا ماكنا نفهم سبب اقتصار لحظة البداية التلفزيونية على الاستعانة برواد المسرح والإذاعة الوطنية الذين دخلوا عالم التلفزيون الأول في المغرب دون سابق إعداد أو دراية فإننا بالمقابل لانفهم سبب عد إقدام المغرب على فتح مدارس ومعاهد عليا لتكوين المهن التلفزيونية المختلفة بعد ذلك
وحين نتحدث اليوم عن مستوى التلفزيون المحلي ونقارنه بمستويات التلفزيونات في الدول الأخرى ونعتبر إن حقا أو كذبا أننا لازلنا دون مستوى الآخرين فإننا لانقف عند السبب الرئيسي في ضعف المستوى هذا وهو بالتأكيد غياب معاهد متخصصة في تدريس المهن التلفزيونية.
لذلك لااستغراب أن ينسج النقد التلفزيوني في بلادنا على المنوال ذاته وأن يفتح المجال للجميع لكي يقدم آراءه في التلفزيون دون التكوين الشهير الذي تحدثنا عنه بالنسبة للتلفزيونيين, والذي لاتوجد أي نسبة منه بالنسبة لأغلب من يمارسون النقد التلفزي.
النتيجة المذهلة لعملية التجرؤ هاته على ميدانين شاقين وعصيبين مثل التلفزيون والنقد التلفزيوني هو أننا استطعنا في البلد أن ننتج تلفزيونا دون أن يكون لدينا تلفزيونيون واستطعنا أن ننتج نقدا تلفزيا دون أن يكون لدينا نقاد تلفزيون, وحيم نعاين اليوم الخسائر الموجودة في الميدانين معا بسبب انعدام التكوين هذا نصل إلى خلاصة أساسية وضرورية تقول إن علينا أن نتدارك الأمر عاجلا بفتح أذهاننا أمام فكرة بسيطة للغاية أسس عليها الآخرون في دول العالم المتقدم تلفزيونيا ونقديا تفوقهم هي التكوين في المجالين معا.
عندما نحاول أن نرصد أسس العلاقة القائمة بين النقد وبين التلفزيون في البلد نجد أنه من الصعب التخلي عن نقطة الانطلاق هاته لأنها هي سبب كل المشاكل التي تقع بين ميدانين يفترض أنهما يكملان بعضيهما, ويفترض أنهما يسيران معا بنفس الخطى إذ لاوجود لنقد تلفزي دون تلفزيون حقيقي يقدم له مادة تلفزيونية رصينة في كل المجالات ترفيهية و إخبارية وثقافية وتخييلية وبالمقابل لاوجود لتلفزيون دون كتابة نقدية تواكبه وتقدم أخطاءه تحاول تصحيحها, وتنوه بإيجابياته وتحض عليها وتقدم _ وهذا أهم ما في المسألة في نظري _ للمشاهد الطريقة المثلى للمشاهدة التي لانتوفر عليها إلى حد الآن.
ذلك أن مشاهدات المغربي التلفزيونية هي مشاهدات يمكن أن نطلق عليها "مشاهدات متوحشة" لاترتكز على أي أساس ثقافي أو علمي أو تربوي محدد. المغربي قد يشاهد "الجزيرة" و"العربية" و"العالم" الإيرانية و"تي إف أن" الفرنسية دفعة واحدة دون أن يقدم لك تفسيرا لمشاهداته لأنه يعتبر أنه غير مطالب بتقديم هذا التفسير. وحين طرحنا في مجلة تلفزيونية متخصصة ركنا خاصا بالشبكات البرامجية يعتمد وفق التصور العلمي الحديث طريقة الزابينغ أو التنقل بين القنوات التي يفترض أن يسير عليها المشاهد المغربي كانت النتيجة فشلا ذريعا. علاش؟
لأن المغربي يريد أن يظل حرا في مشاهداته أو يريد على الأقل أن يمتلك وهم إحساس الحرية هذا بعد كل سنوات الحصار الإعلامي الذي مورس عليه.هنا نصل لبعض التفسيرات التي قد تصلح لفهم المشكل كله. التلفزيون في المغرب انطلق دعائيا وواصل العمل بهذه الصفة لأنها تصنع لعبة من يقفون وراءه, والمغربي الذي ظل لسنوات يتمنى على تلفزيونه أن يتخلى عن صفة الدعائية هاته وصل إلى خلاصة نهائية هي أنه لاحياة لمن تنادي فاختار بالتالي ماأسميناه قبل قليل هذه المشاهدات المتوحشة كرد فعل على عدم احترام اختياراته الفرجوية المتعددة. والنتيجة التي تلي هذه النتيجة هي أن نقدنا التلفزي أصبح يلعب دورا ليس دوره نهائيا هو دور "تغيير المنكر" أي الصراخ والصياح بمناسبة وبدونها من أجل الرفق بالمشاهد وعدم الإكثار عليه باختيارات تلفزيونية لاتهمه في نهاية المطاف وهي التي تدفعه دفعا للحريك عند تلفزيونات الآخرين.
هل هو نقد تلفزي أم هي جمعية للرفق بالمشاهدين ؟
أطرح عليكم السؤال ولاأتوفر على إجابة عنه لكنني متأكد أننا في نقاشنا هذا اليوم قد نجد بعض الممكنات لفتح كوة في سماء جدل معقد جدا مثل جدل التلفزيون والنقد التلفزي في المغرب اليوم. شكرا لكم على الإصغاء.
تم إلقاء هذه الكلمة ضمن لقاء نظمه طلبة وحدة الوساطة الثقافية بكلية آداب المحمدية الخميس الفارط شارك فيها الصحافي والمخرج رشيد زكي والممثل ومقدم البرامج يوسف بريطل بالإضافة إلى كاتب الأسطر أعلاه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق