الأحد، 15 غشت 2010

تلفزيون رمضان

دار الورثة
لم أرغب كثيرا في الدخول في النقاش المغلوط الذي أثير حول "دار الورثة" السلسلة التلفزيونية التي تقدمها القناة الأولى في شهر رمضان الحالي, خصوصا وأن النقاش ظل حبيس اختيارات البرمجة الخاصة بالقناة وهذا شأن داخلي لاعلاقة لنا به, وكذا حبيس كواليس منح الإنتاج والجزء الثاني من هذه السلسلة وغيرها من الأعمال لشركة بعينها مما أعتبر نفسي غير قادر على الإحاطة بكل تفاصيله.
بالمقابل انتظرت حتى مشاهدة الحلقة الأولى والثانية من السلسلة للتأكد من تصوري التلفزيوني حولي, وتقديم بعض المعطيات الخاصة بها تلفزيونيا هذه المرة ودونما أدنى علاقة بالكواليس وبمن ينتجها أو لماذا ينتجها وبقية التفاصيل التي أثارت الجدل الشهير الخاص بهذه السلسلة. ويمكن إجمالا تلخيص المعطيات النقدية والتقنية الخاص بهذا العمل في التالي:
ابتداء من عنوان العمل هناك مشكل حقيقي: دار الورثة, الأمر يفترض موت صاحب الدار, لكن صاحبها باكبور حاضر في السلسلة, وفاعل رئيسي بها. لماذا اختيار هذا العنوان؟ ربما لعجز عن العثور على عنوان آخر يفي بفكرة العمل. ربما لاستسهال استعمال كلمة شائعة عند المغاربة هي "دار الورثة" واللعب عليها من أجل إثارة انتباه الناس. ربما لعدم التفكير أصلا في ارتباط العنوان برسالة العمل أو موضوعه, على افتراض أنه من الصعب أن نجد رسالة حقيقية في العمل باستثناء الفكرة الرئيسية التي انبنى عليها والتي تقول إن الحفاظ على ماتركه لنا الأجداد هو أمر جيد, مع الشك في أن تكون هذه الفكرة هي التي حركت كتابة الحلقات.
شخصيات العمل تعاني مشكلا رئيسيا بدورها, كتاب السلسلة, على اعتبار أن لدى هذه السلسلة كتابا, وليست حلقاتها نتاج ارتجال سريع ومشوه في البلاتو أثناء التصوير يعتمد ماتم خطه سابقا من خطوط للشخصيات ويعيد تركيب لعبها على حوارات إما متفق على مواضيعها الأساسية دون كتابتها, أو متفق على الجمل الأولى فيها, مع ترك الاختيار لكل الممثلين في إتمامها بما يرونه مناسبا, أو ملئها بما يبدو لهم قادرا على إثارة ضحك الناس, قلنا إن شخصيات العمل تعاني تمزقا حقيقيا في بنائها الدرامي. البطل الرئيس أو من يفترض أنه البطل الرئيس يكتفي بلعب حده الأدنى من خلال الجلوس مراقبا _ لعدم قدرة الممثل الرئيسي على الحراك الكثير _ ويؤثث فضاءات "لعبه" بكلماته المعتادة التي يكررها أو مايعرف ب"لي تيك" من قبيل "تررر" وغيرها. بقية الشخصيات تعاني مما يمكن تسميته أزمة العثور على النفس داخل النص.
ليس هناك بين كل الشخصيات الأخرى شخصية بطلة مايعطي للمشاهد الإحساس أنها تتنازع فيها بينها أدوار العمل ومساحاته المختلفة. المهنيون يسمون هذا الأمر ب"الشوفوشمون" خصوصا في الحوار حين لاتكتمل الجمل, ويدخل حوار الممثل الأول في حوار الممثل الثاني, خصوصا إذا لم تكن السلسلة متوفرة من البدء على نص حوار مضبوط يلتزم به الممثلون ويحفظونه ويقدمونه. النتيجة هي أن "صراع البطولة الثانية" هذا يؤثر فعلا على أداء الممثلين, ويمنح الشعور للمتلقي أنه بصدد التفرج على صراع حول من سيفوز بالبطولة في كل حلقة, وليس على حلقات رسمت شخصياتها قبل البدء, وتحدد لها القالب الذي ستلعب فيه مختلف تطورات العمل.
مواضيع الحلقات هي الأخرى تطرح مشكلا حقيقيا للسلسلة إذا ماأردنا مناقشتها تقنيا, فالسنة الفارطة مثلا استنفذ طاقم السلسلة كل المواضيع التي يمكن أن يتناولها داخل رياض يرفض ربه الأساسي أن يبيعه. بل إنه من الممكن القول دون تجن على السلسلة ومؤلفيها أنه باستثناء هذا الموضوع الكبير أو التيمة الرئيسية سقطت أغلب الحلقاتالأخرى في التناول التهريجي للمواضيع التي تطرقت لها, ولم تستطع النفاذ بذكاء إلى أي منها, إلى الحد الذي جعل أفق انتظار المشاهد من العمل في كل حلقة هو انتظار لازمة البطل الأساسي "تررر" أو انتظار قيام الممثلين بالتنكر في لباس نساء, أو انتظار بعض الأغاني المقحمة دون أدنى تبرير درامي في العمل.
الأمر ازداد كارثية بإقحام ممثلين غير متجانسين مع بعضهم لاعتبارات إنتاجية, وليست فنية, جعلت اللهجة المراكشية تلتقي في نفس الرياض بلهجات رباطية وبدوية بشكل غير مفهوم وغير مبرر, ولم يكلف أصحاب العمل أنفسهم عناء شرحه للمشاهدين من خلال لقطة أو لقطات تفسر سبب هذا التهجين اللغوي غير المقبول, ناهيك عن الاستعانة غير المبررة بمغنية لاتعرف من التمثيل شيئا ظهرت بشكل مريع في السلسلة رغم كل المحاولات الإنقاذية التي تم القيام بها معها, وتم الاعتماد عليها مجددا في الجزء الثاني, رغم أنها غير مؤهلة إطلاقا لاقتحام هذا المجال. ومادمنا قد ذكرنا عبارة "الجزء الثاني" فيمكننا القول باطمئنان إنه لم تكن هناك أدنى حاجة تقنية أو موضوعاتية لهذا الجزء طالما أن السلسلة استنفذت نفسها السنة الفارطة في خمس أو ست حلقات واكتفت بعد ذلك بالدوران في حلقة مفرغة دون تقديم أي جديد.
لماذا تم إذن إعطاء حياة جديدة لسلسلة توفيت السنة الفارطة في حلقاتها الخمس الأولى؟ لايمكننا أن نجيب, فنحن نترك حديث الكواليس لأصحابه, ونكتفي بنقد مانراه, إذ نحكم بالظاهر, و"العارفون ببواطن الأمور", يعلمون السرائر...
الإثنين نكمل هذا الحديث خصوصا وأننا نحن "مافكرشنا عجينة" ، عكس الكثيرين ممن "سيحبون" هذه السلسلة هذه السنة بشكل يدفع فعلا إلى الارتياب
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أصبحت المطالبة بإعادة النظر في الطريقة التي يتم بها اعتماد الصحافيين الأجانب ببلادنا مطروحة بحدة بعد الموقف الغريب الذي وقفته الصحافة الإسبانية مجتمعة من ندوة ولد سيدي مولود. اليوم نقابة الصحافة تطالب بهذا الأمر, والمهنيون المغاربة يطالبون بهذا الأمر, والمسؤولون المغاربة عن الاتصال يطالبون بهذا الأمر, لذلك وجب فعلا إفهام هؤلاء أنهم أمام بلد له سيادة حقيقة, وأن الاختيار واضح بين من يريد ممارسة السياسة وبين من يريد امتهان الصحافة.
الفرق واضح, يكفي أن نظهره لهم بكل الحزم الممكن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق