الاثنين، 31 يناير 2011

رجعو التلامذة

"رجعو التلامذة ياعم حمزة للجد ثاني, يامصر ونتي اللي باقية ونتي قطف الأماني," لو قدر لي أن أتمنى بقاء شخص على قيد الحياة لكي يشاهد المصريين ومايفعلونه يوم الجمعة الفارط لتمنيت أن يكون الشيخ إمام معنا على هذه البسيطة, وأن يستعيد نظره وأن يحدق مليا في أبناء وأحفاد من غنى لهم الثورة ذات زمن, وهم لايكتفون بالغناء, بل يمرون إلى الثورة مباشرة. رأيت في الوجوه الكالحة التي تصرخ الشيء الكثير من العلامات على أن الغغضب لايموت في هذه الأمة, وعلى أن الروح لن تزول عنها أبدا
لم أفهم في يوم من الأيام, وكتبنا هذا الكلام قبل هذه اللحظة وحوكمنا من أجله في بلدنا لئلا يقول لنا أحد إننا نقوله الآن فقط بعد أن تحركت الأشياء, كيف يمكن لرجل, إنسان, آدمي من المنتمين مثلنا لجنس الخطائين أن يقود بلدا وشعبا على امتداد عشرات السنوات, أن لايتعب, وأن لايكل ولا يمل, وأن يرغب بعد أن يتأكد بأن الجسد لم يعد يسعفه في أن يترك الجمل بما حمل لإبنه أو لشخص من سلالته, وكل هذا تحت مسميات عديدة فيها التمديد, وفيها التجديد, وفيها التوريث, وفيها الأمارات الأخرى على الخرف الذي أصاب عقل هؤلاء الناس.
لحسن الحظ أن هناك أجيالا أخرى أتت بعد الجيل القديم, فهمت أن السبيل الوحيد لتجنب مشهد بن علي وهو يخطب في التونسيين بعد ثلاثة وعشرين عاما من الحكم "لقد فهمتكم, لقد فهمتكم", هو أن تنزل إلى الشارع, أن تضحي بالعشرات منها, وأن يسيل دمهم,وفي الختام سيفهم الحاكم أنه لم يعد قادرا على ضبط أي شيء في بلده, وسيفكر فقط في النفاذ بجلده قبل أن تتطور الأشياء إلى مالاتحمد عقباه.
لن يقنعني أحد أن الشعوب العربية تريد قتل رؤسائها, لكن بالمقابل لن يقنعني أحد أن قدر الشعوب العربية هو أن تظل رهينة شخص واحد. عندما يصحو رائقا, تعيش شعوبنا في السعادة, وعندما يتكدر مزاج سيادته علينا تحمل كل المسؤوليات. العصر لم يعد العصر, والزمن لم يعد الزمن, ومع محاولات السرقة التي ألفها المتطرفون, والفها سراق الثورة من المتنفعين سابقا, والذين حاولوا إقناع الكل أنهم هم من قادوا ثورة الياسمين في تونس, وهم من قادوا ثورة الفل في مصر, فإننا نعرف جيدا أن الشعوب وحدها تحركت.
هي فعلا أحست أن القوى العالمية التي ظلت تسند هذه الأنظمة وتقف إلى جانبها قد تعبت من الوقوف إلى جانب الضلال, لكن في النهاية لاأحد يستطيع أن يقول لنا إن مايقع يحدث دون شعوبنا, ودون أن تريد هذه الشعوب. وفي مصر بالتحديد التي تعيش تحركها هذه الأيام, يبدو أن الأشياء لن تشبه المشهد التونسي في التفاصيل, لأن مبارك رفض الرحيل واعتبر الحكومة وحدها المعنية بالمظاهرات, لكن النتيجة واحدة. إذ يبدو أن مشهدا عربيا قد طوي بالفعل, وأن مشاهد أخرى تأتي إلينا, ونحن نستحقها في نهاية المطاف.
شعوبنا التي درس شبابها, وتعلم في الجامعات, والذي فتح العين على ضنك الآباء وهم يحاولون رتق اليومي باليومي لكي يكتمل الشهر, لم تعد قادرة على صبر أكثر, ولم تعد تفهم لماذا سيعيش جزء صغير منا في الراحة الكاملة, ولماذا ستتعب بقية الأجزاء. لاشيء يبررها إطلاقا, مثلما لاشيء يبرر أن تظل الحرية حكرا على كل دول العالم الأخرى وأن تأتي حتى منطقتنا وترفض حمل جنسيتها. شيء ما ليس على مايرام في هذه المعادلة, وهو الشيء الذي أتى الزمن لوضع الحد له لكي نبدأ من جديد.
كيف سنبدأ من هذا الجديد؟ علينا أولا أن نضع ثقتنا كلها في الشعوب. هذه الجماهير التي تخرج اليوم للشوارع لكي تصرخ كل غضبها وكل الأنين ليست راغبة في ملء الشوارع هدرا, وليست مقتنعة بأن مكانها هو الشارع أصلا. هي تريد الآن أن تقضي عطل نهاية أسبوعها مثلما يفعل الخلق في كل الدول الأخرى, عوض أن تمضيها تتعرض للرصاص بكل أنواعه من المطاطي حتى الحي, لكنها تريد قبل ذلك التوفر على إمكانية لفعل ذلك, وهذه الإمكانية مع أغلبية أنظمتنا العربية غير متوفرة حتى الآن وهذا مايخلق لنا كل هذا الإشكال.
ولعله سيكون من المفيد فعلا في هذه اللحظة العربية الراهنة أن يراجع كل طرف حسابه من البدء. أن تفهم الشعوب بأن قدرها بين يدها وأن اللحظة العالمية تريد ذلك, لكن دون فوضى ودون سقوط في يد الظلام الذي يتصيد كل الفرص السانحة الآن. وأن يفهم الحكام بأن الزمن الذي كان الشعب يتلقى الضربات ويصمت في الختام هو زمن ولى إلى غير رجعة وأن صدى الظلم أصبح يتردد في كل مكانز
ومع الأمل بأن لانضيع الفرص تلو الفرص نحن الذين نعتبر أساتذة في مجال التضييع ببشاعة هذا, نضع اليد على القلوب في كل مكان تحسبا للقادم, استثرافا للمجهول, تخوفا من العناد, الذي قد يحمل لنا في النهاية الموت لكل الأطراف.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الدور الذي تلعبه قناة "الجزيرة" في كل مايقع الآن في مصر بعد أن انتهت من "مهمتها" التونسية, هو دور يستحق الكثير من التأمل. نحن هنا أمام قناة لم تعد تبث الأخبار التي تقع, ولكنها أضحت تسير المظاهرات, وتحدد أماكن انطلاقها وساعات الانطلاق, وتحرص من خلال أخبار معينة ومختارة بدقة على أن تصب المزيد من الزيت على النار, إلى أن تنضج الطبخة بالكامل.
لصالح من؟ ومن صاحب القرار وراء هذا اللعب؟ وإلى متى سيستمر الدور الملتبس لهذه القناة؟ أسئلة كثيرة ستتضح أجبوتها بسهولة بعد أن تنفرج غيوم كل هذا الذي يجري الآن.

الأربعاء، 26 يناير 2011

جزيرتنا المستقلبية

من يريد أن يعرف لصالح من تلعب قناة الجزيرة فعلا, عليه أن يشاهدها هذه الأيام وهي تعلن منتصرة تقديمها لما أسمته "كشف المستور" من خلال تقديم الوثائق السرية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لاأحد يمكن أن يجادل في السبق الصحفي الذي حققته القناة من خلال توصلها لهذه الوثائق السرية, لكن في الوقت ذاته لاأحد يمكنه التشكيك في المسار الذي أخذت القناة الوثائق إليه, وحاولت من خلاله توجيه الرأي العام العربي في اتجاه تأليبه ضد منظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد ضد فتح.
سنقول في أول الأمر إن الجزيرة تلعب لعبة "حماس" والتنظيمات المتطرفة في الأرض المحتلة, لكن المسألة ستأخذ طابعا تبسيطيا للغاية لن يسمح لنا بفهم اللعبة جيدا. عكس ذلك وإذا ماشئنا توخي المزيد من الدقة لفهم اللعبة في مجملها, علينا أن نفهم لماذا لم تبث الجزيرة الوثائق السرية التي وصلتها منذ وقت سابق حتى الآن أي بعد انتهاء الياسمين وثورته, وكيف تحولت القناة أولا إلى قناة تونسية احتلت الفراغ الإعلامي الذي خلفه رحيل بن علي, وبعدما انتهت توابل تونس من إثارة لذة المشاهدين فقط, انتبهت الجزيرة إلى أن لديها وثائق سرية للغاية عن المفاوضات بين الإسرايليين والفلسطينيين عليها أن تقدمها لجمهورها المتعطش لهذا النوع من الأخبار.
لايمكن كذلك أن نقرأ وثائق الجزيرة بمعزل عن وثائق ويكيليكس التي أثارت الجدل في العالم أجمع. الكل لازال غير قادر على تقديم تفسير مقبول لوثائق ويكيليكس التي وجدت الطريق سالكا نحو كل وسائل الإعلام العالمية, دون أن نفهم كيف ولماذا ومتى وأين وممن, إلى آخر أسئلة كثيرة لم نعثر لها على جواب يشفي غليلنا بخصوص البرقيات الديبلوماسية الأمريكية التي تهم دولا بعينها, والتي وجدت السبيل للوصول إلى كل من يرغب في الاطلاع عليها.
وعندما كان صائب عريقات يحاول جاهدا يوم الحد الفارط أن يظهر للقناة القطرية أوجه التناقض والكذب فيما تبثه من وثائق في العالم العربي, كان كل مذيعي القناة, وكل محلليها وكل المنتمين إليها أو المتعاطفين معها من الحاضرين في البلاتو, أو المتصلين هاتفيا يقولون "لايهمنا ماسيقوله صائب الآن. مايهم هي المعلومات التي تكشف عنها هذه الوثائق, حتى وإن كانت تجد التكذيب من طرف أطراف لها علاقة مباشرة بهذه المفاوضات".
أيضا عندما قال محمود عباس أبو مازن إنه "لايفهم كيف نشرت الجزيرة هذه الوثائق ولا لصالح من تقوم بنشرها", كانت الجزيرة ترد بالقول إنها تقدم خدمة إعلامية مهمة للقضية الفلسطيني لا أقل ولا أكثر, علما أن ماقدمته الجزيرة يتجاوز بكثير الخدمة الإعلامية لكي يتحول إلى عمل سياسي ممنهج تريد به القناة أن تحرك منطقة ضد تيار سياسي لفائدة تيار سياسي آخر, ولك هذا وفق أجندة عالمية واضحة, قررت على مايبدو خلخلة الأوضاع كلها في العالم العربي, وإعادة وضع بيادق اللعبة في رقعة الشطرنج وفق ترتيب آخر يلائم ما تريده القوى العالمية لهذه الرقعة الجغرافية هنا والآن.
المثير في كل هذا هو أن الجزيرة التي تأخرت في بث الوثائق حتى أعدت السيناريو اللازم لها من أجل أن تقدمها للمتفرج العربي بالشكل الذي يلائمها, عمدت إلى إنجاز مجموعة كبرى من "الميكروطروطوارات" أو أخذ التصريحات من الشارع الفلسطيني سواء داخل الأرض المحتلة أو في الشتات. والأسئلة كلها كانت موجهة للرد على سؤال " هل تقبلون بتنازل المفاوض الفلسطيني عن أرض فلسطين؟". الجواب كان واضحا بالتأكيد, وحتى نحن الذين نوجد في المغرب بعيدين عن فلسطين, ولا تتعدى علاقتنا بها علاقة التضامن الإنساني البعيد, كنا سنجيب بنفس الجواب "لانرضى بهذا التنازل". لكن من كانوا يجيبون على هذا السؤال لا يتلقون المعلومات الكافية عن هذا التنازل المزعوم, ولا تكلف القناة نفسها عناء شر الحقيقة لهم, بل تكتفي بتقديم رؤوس أقلام لهم عن وثائق سرية تثبت أن المفاوض الفلسطيني قرر التنازل عن فلسطين لصالح إسرائيل مقابل الإبقاء على السلطة الوطنية الفلسطينية في شكلها الحالي.
نأتي الآن إلى السؤال الأهم: لصالح من تتم هذه اللعبة الآن؟
"حماس" بالتأكيد, لكن وراء "حماس" التي تبدو طرفا صغيرا للغاية في المعادلة كلها, لصالح الترتيبات القادمة في المنطقة العربية. والآن فقط مع هذه الوثائق ومع الدور الذي لعبته الجزيرة في تونس والتغيير الذي تم فيها, شرعنا شيئا فشيئا في اسيتيعاب السبب الذي جعل دولة مثل قطر لاعلاقة لها بحرية الصحافة أو التعبير تطلق قناة تبدو جريئة في خطابها مثل الجزيرة. والآن أيضا نفهم الكثير من المتوازيات التي لاتلتقي إلا بصعوبة كبرى من خلال مايتم تدبيره للمكان العربي كله اليوم.
علينا فعلا أن نحسن الفرجة التلفزيونية التي تمنحنا إياها هذه القناة اليوم, ففي ثنايا خطابها الإعلامي الملتبس يوجد شكلنا المستقبلي مثلما تريده لنا الدول الكبرى المتحكمة في مصائرنا. فقط علينا أن نحسن التفرج, وأن لانخطئ زوايا الالتقاط على اختلافها, وتنوع مختلف المتخلين فيها.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
هل هناك بلد عاقل في العالم يوقف الدوري الوطني الرسمي لكي يلعب عوضه دوريا مشوها يحمل إسم "دوري الأمل"؟ في العالم بأسره لاوجود لهذا الجنون, لكن في المغرب من السهل أن يقع ذلك وأن نتخيل حدوثه, وأن نتوقع في يوم من الأيام أن تقرر جامعة الكرة توقيف الدوري الوطني شهرا كاملا وزيادة لكي تلعب بالفرق لعبة لاأحد يفقه معناها على الإطلاق.
وفي الختام يتساءلون : لماذا تدهورت كرة القدم وحالها في المغرب؟ لأن هناك جامعة يسيرها رجل يسمى غيبي, يفعل بها مايشاء, ويرتكب فيها كل أنواع الكبائر, ولا أحد يلتفت إليه أو يقول له "آش كتدير أهيا؟".
واصلوا, وفقكم الله للمزيد من الفشل الذي تعودتموه

الثلاثاء، 25 يناير 2011

الرداءة ومواهبها

لحد الآن هم ثلاثة أبهروا العالم العربي بموهبتهم, وجعلوا من برنامج "العرب لديهم مواهب" على شاشة "إم بي سي فرصة لكي يتفرج الكل على مايختزنونه بدواخلهم من إمكانيات فنية, كل في مجاله. أحدهم من فاس, الثاني من البيضاء, الثالثة من طنجة وقس على ذلك ماتريد من المدن المغربية الأخرى. والثلاثي التحكيمي في البرنامج المكون من نجوى كرم وعمر أديب وعلي لايكفون كل حلقة عن التعبير عن اندهاشهم بالمواهب المغربية التي سافرت إلى دبي لكي تصور هناك كل تألقها, وكل القدرات الفائقة التي تتوفر عليها والتي يلزمها من أجل الظهور فقذ تلفزيون يعرف كيف ينقب على المواهب فعلا, لا "بالتخلويض" فقط.
ونحن نشاهد البرنامج العربي المتميز, نجد أنفسنا ملزمين بالتساؤل إن كنا في يوم من الأيام سنتوفر في هذا البلد على تلفزيون قادر على أن يفعل ماتفعله "الإم بي سي" وغيرها من التلفزيونات العربية, بإتقان, بتميز, بحرفية, وبرغبة فقط في تقديم منتوج تلفزي في المستوى يشاهده الناس وينتظرونه كل جمعة من أجل التعرف على المواهب الأخرى القادمةو ومن أجل متابعة تميز المواهب الثانية التي مرت في الحلقات السابقة.
نكاد نجد الجواب: لايمكن ببرامج مثل "كوميديا" أو "ستوديو دوزيم" بالطريقة التي تنجز بها أن تعثر إلا على السراب. لذلك لا استغراب إطلاقا إن كنا نعيش مع شبابنا ممن يمرون في هذه البرامج استفاتهم كل سنة على وهم يقول لهم إنهم كانوا فقط طريقة من أجل اغتناء بعض الأشخاص, لا أقل ولا أكثر. وأن الكلام الكبير الذي يقال لهم عن البحث عن المواهب المغربية والتنقيب عنها, هو مجرد كلام من أجل إتمام "الضوسيه" الذي يرفع إلى إدارات التلفزيون من أجل الفوز بالتوقيع الشهير الذي يمهر به "مول الشي" موافقته على مرور "قدا وقدا ديال الفلوس" إلى الطرف الفلاني.
شيء آخر لايوجد. وقد أتاحت لي الصدفة الجميلة يوما أن أسجل مع عبد النبي الجيراري رائدنا المغربي الجميل في البحث عن المواهب سلسلة شهر رمضان ل"الأحداث المغربية", وحين كان الجيراري يحكي لي كيف كان يحمل معه المواهب المتميزة إلى منزله لكي تقضي الليل هناك رفقة عائلته وعائلتها, وكيف كان يصرف من ماله الخاص على رعاية برنامجه الذي كان يحمل نفس الإسم, كنت أقارن الحال بالحال وأقول "مستحيل".
مستحيل أن تكون قادما إلى مجال الفكاهة من العدم وأن تعطي لنفسك وقاحة التنقيط للناس, واختيار من سيكون "بزيز الغد" في المغرب. مستحيل أن يكون كل رصيدك الغنائي هو أغنية ملحنة بطريقة رديئة, وأن تأتي إلى ستوديو دوزيم لكي تقول لشاب أو شابة في بداية الطريق "مابيكش, ولكن خصك تبذل مجهود". مستحيل أن تكون كل مواهبك في المجال الذي تسلطت عليه هو أنك "عرفتي منين تدوز للشاف", وأن تقنع شعبا بأكمله يشاهدك على التلفزيون أنك فعلا قادر على إصدار حكم بخصوص موهبة هذا أو تطفل ذاك. مستحيل أن يكون كل مايحركك منذ أن تستفيق في الصباح وحتى تأوي إلى فراشك في المساء هو الجواب عن سؤال "كيفاش ندبر على راسي مزيان؟" وأن تقول في الوقت ذاته إن همك هو البحث عن المواهب الشابة ومساعدتها على الوصول إلى الجمهور العريض.
"مايمكنش, وماراكباش", لذلك لانستغرب حين يحقق برنامج "العرب لديهم مواهب" نسبة مشاهدة خرافية ويحظى بمتابعة الناس وتقدير الصحافة العربية كلها لحلقاته, وأن تعرف برامجنا الفشل الذريع الذي لايمنع من إعادة منحها المواسم تلو المواسم إلى أن ينقرض الناس من البلد ولا تنقرض الرداءة لأنها الشيء الوحيد الذي نعتبر مطمئنين أنه لم ينقصنا في يوم من الأيام.
لنطرح على هؤلاء العباقرة السؤال مجردا وملموسا : شحال من موهبة حقيقية اكتشفتوها لينا؟ لن يستطيعوا الرد, نحن متأكدون من ذلك. سيرددون أمامنا أسماء لشباب ألقوا بهم في ساحة العمل الفني دون أن يمتلكوا الاستحقاق لذلك, سيعيدون على مسامعنا نكتا سخفية وسمجة كان شعبنا يرددها في السبعينيات من القرن الماضي, وسيقولون عنها إنها لوحات ساخرة من إبداع هؤلاء الشباب, أو سيفتتحن مهرجانات غنائيا بصوت نشاز كلفوه بأن يحفظ أغنية قديمة لكي يقلدها, وسيكتفون.
لن يجدوا كلاما يقولونه لكل الذين يهربون إلى الأجانب ليجدوا لديهم السند الحقيقي, والمواكبة الفعلية, والرغبة في اكتشاف المواهب بطريقة تلفزيونية فنية حقيقية, ثم الربح المادي بعدها. إذ لا أحد يطلب من هؤلاء أن يشتغلوا مجانا أو أن يخسروا. مانطلبه منهم هو أن يتركوا هامشا حقيقيا لبعض الأصلاء ممن يستطيعون أن يقدموا شيئا لو أننا أنصتنا لهم, ولو أتحنا أمامهم فرص تألق حقيقية تكشف لنا عن مواهبهم الكثيرة.
فقط لو أن المتطفلين "يمشيو يضربو دورة" وسترون بكم يحبل البلد من المتميزين. لكن سنة الله في خلقه تقول إن ممتهني الرداءة لايرحلون أبداز تلك هي الخلاصة, وذلك هو المختصر المفيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مشهد إنساني جميل عشته الأحد الفارط في عين الذياب قرابة الرابعة زوالا. وقفت بسيارتي في الضوء الأحمر. التفت جهة اليسار, وجدت سيارة ميرسيديس رمادية يسوقها جلالة الملك شخصيا, وقربه يجلس فؤاد عالي الهمة وهو يتحدث في الهاتف. كان جلالته متوقفا بشكل عادي في إشارة الضوء الأحمر, وسيارتان تتبعانه متوقفتان بدورهما.
العابرون وأصحاب السيارات الذين انتبهوا لمرور جلالته كان نصيبهم تحية يد من ملك البلاد. تشتعل الإشارة الخضراء, تمضي السيارة لحال سبيلها, ويحتفظ من عبروا المكان بذكرى لقاء عابر وجميل يقول الشيء الكثير عن حال البلد.
حمى الله هذه الأرض لأمنها وأمانها. "هادا ماكان".

السبت، 22 يناير 2011

"تجمعاتنا" المغربية

وسط كل ضجيج الرأس المسمى ماوقع في تونس هذه الأيام, راقني فعلا موقف الأحزاب المغربية من ثورة الياسمين. أعجبني وأعجب المواطنين المغاربة قاطبة (قديمة هاد قاطبة, من يامات الإعدادي ومصطفى العلوي) أن يروا أحزابهم الوطنية تعبر عن تضامنها مع الشعب التونسي, وعن احترامها لإرادة هذا الشعب في التحرر وفي الوصول إلى تحقيق أهدافه في التقدم والرفعة والازدهار.
حقيقة تساءلنا جميعا : أين كانت هذه الأحزاب أيام بن علي؟ لكنا لن نقسو كثيرا على أحزابنا هذه المرة, خصوصا وقد رأينا أن الانقلاب مائة وثمانين درجة قد مس الكل داخل تونس أولا وخارجها مايعني أنه وباء عام تعاني منه البشرية جمعاء ويسمى النفاق, ويحمل بلغة المغاربة الجميلة والعميقة شعار "الله ينصر من أصبح والسلام". لكننا في الوقت ذاته نجد صعوبة كبرى في عدم التوقف عند مواقف هذه الأحزاب لمساءلتها قليلا ولو على سبيل المزاح معها مادمنا مقتنعين بأن أحزابنا في نهاية المطاف قد تصلح لأي شيء إلا لممارسة السياسة أو تأطير الناس أو دفعهم يوما للإيمان بجدوى هذا الفعل الاجتماعي الخطير المسمى سياسة.
أفضل من أعجبني موقفهم هو حزب التجديد والإنصاف. نعم, هناك حزب في المغرب يسمى "التجديد والإنصاف", مالكم؟ وهو حزب يرأسه أو يتزعمه إنسان يسمى أشهبارو وهو يشارك في الانتخابات, ويسهم من حيث يعرف ومن حيث لايعرف أيضا في دمقرطة الحياة السياسية الوطنية. الحزب عبر عن تضامنه مع "التوانسة مساكن", بل وعبر عن تفهمه لمطالبهم التي وصفها بالعادلة والمشروعة. "مزيان", ولكن ينبغي فعلا أن يشرح لنا هذا الحزب الذي لانعرف إن كان حقيقة أم إشاعة لماذا لم تظهر له هذه المطالب المشروعة والعادلة إلى اليوم.
الأصالة والمعاصرة, الحزب القوي, أو الوافد الجديد, أو الحزب الأغلبي, وقس على ذلك ماتشاء من تسميات صحفنا عبر عن تضامنه هو الآخر مع تونس وشعبها, والتقدم والاشتراكية أو "حزب نبيل" للراغبين في الاختصار قلده في المنحى ذاته, وإن كان المغاربة يعتبرون أن الأحق بالتضامن هو هذا الحزب بالتحديد الذي لم نعد نعرف لفرط التحولات التي وقعت فيه أين يوجد بالتحديد, هو الذي يتوفر على وزراء في الحكومة, وعلى أمين عام غاضب يدق ناقوس الخطر في كل مكان, وعلى نائبة برلمانية خرجت على الناس بقنبلة قبل أن تطفئ كل كلامها وتمصت.
حزب الاتحاد الاشتراكي لم يصدر بلاغا بخصوص تونس, لكن مناضليه غنوا الشعار الوطني التونسي في مؤتمرهم الوطنيو وصعدوا إلى منصة الرئاسة, وكادوا يفترسون القيادة التي ترددت طويلا في مساندتهم في مطلبهم بإصدار بلاغ في الموضوعز ولاأعرف علاقة "إذا الشعب يوما أراد الحياد" بما يجري داخل هذا الحزب الذي كان عتيدا في يوم من الأيام, لكنني أتصور ومعي "ّطرف كبير" من المغاربة أن على شعب الاتحاد أن يتأمل جيدا في البيت الشعري قبل أن يردده, فربما يسوقه التأمل العميق في البيت إلى خطوات عملية أفضل من الغناء, والأمر متروك في الختام للإرادة الاتحادية لا لغيرها.
حزب وزيرنا الأول عباس الفاسي لم يصدر أي شيء في الموضوعو علما أن عباس هو أعرفنا جميعا بتونس . فقد كان سفير المملكة فيهاو أي أنه كان القناة التي كانت توصل للنظام هناك كل احترامنا وتقديرنا للعلاقات الثنائية, مايعني أننا كنا ننتظر _ لو كان لدينا تلفزيون حقيقي _ أن يكون أول ضيف يتحدث عن الحالة التونسية وعن ثورة الياسمين في تلفزيوننا هو الوزير الأول المغربي باعتبار خبرته بالبلد, وباعتباره واحدا من كبار الحاصلين على وسام رفيع للغاية من الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
عكس ذلك لم نسمع من الحزب الحاكم (نعم مجددا, الاستقلال هو الحزب الحاكم في بلدنا, لاداعي للضحك), أي كلمة في الموضوع, باستثناء افتتاحية قرأناها في العتيدة "العلم" حملت من العناوين عنوانا ضخما للغاية هو "لن يغمض لنا جفن". وأعترف لكم بكل صدق هنا أنني أمضيت اليوم كله أضحك كلما تذكرت هذه الافتتاحية التي قال فيها مقترفها في السطر الأخير إن "حزب سدي علال لن يغمض له جفن حتى تتحقق كل رغبات الشعب التونسي من ثورته".
"دابا, غير بيناتنا, آش جاب هادو لثورة تونس؟" وأي جفن هذا الذي سيغمض لهم؟ ومتى كانت جفونهم مفتوحة أصلا وهم مسؤولون في البلد عن فضيحة كبرى إسمها "النجاة" لازلنا إلى اليوم لانعرف في رقبة من سنضع أوزارها وذنوبها في نهاية المطاف؟
صديق عاطل من حملة الشهادات من أولئك الذيم يحاولون باستمرار تسلق المقر العام لحزب الاستقلال لتذكير عباس بوجودهم في البلد قال لي فور انتهائه من قراءة تلك الافتتاحية إنه قرر النزول عند رغبة والدته والهجرة إلى ليبيا عند شقيق له, وهي فرصة ظل يتردد في قبولها كثيرا لإيمانه أن يوما سيأتي وستتذكره حكومة عباس. لكن وبعد أن قرأ مانيفستو "لن يغمض لنا جفن" اتخذ قراره, وقال لي بالحرف "هادو واللهيلا مقصرين بينا فهاد البلاد, نمشيو ندبرو على راسنا فقنت آخر".
طريقة أخرى لإحراق النفس, دون إشعال النار إلا في قلب المقربين الذين سيحسون بالغياب. دامت لنا هذه المصائب المسماة أحزابنا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قال هوبير فيدرين وزير خارجية فرنسا الأسبق إن بلدان المغرب العربي لاتطلب رأي فرنسا في تغييراتها الكبرى ساردا مثال تونس الأخير, ومثال الراحل الحسن الثاني حين قرر إدخال المعارضة إلى الحكومة في تجربة التناوب, ومثال الجزائر يوم قررت وقف المسلسل الانتخابي بها بعد اكتساح الجبهة الإسلامية للإنقاذ لنتائج الانتخابات.
فيدرين الذي كان يتحدث في "لكم الحكم" على شاشة "فرانس 2" نسي أن بلداننا استأذنت طويلا من مستعمرها السابق, وأن الوقت ربما قد حان لكي تبحث شعوبنا ودولنا عن أصدقاء آخرين ينصتون لأصواتنا بشكل آخر.

الجمعة، 21 يناير 2011

حب في الأزهر الشريف

لنقرأ هذا الخبر أولا وبعدها "يحن سيدي ربي": "وصف علماء في الأزهر يوم الأربعاء إقدام الشيخ يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين على تطليق زوجته الثانية أسماء بن قادة حفيدة الزعيم عبد القادر الجزائري بأنه أمر شخصي، لن يؤثر في صورته أو صورة علماء الإسلام في الخارج أو الداخل، لأنه لم يرتكب فعلاً محرماً على حد قولهم.
وفيما ينظر القضاء القطري دعوي قضائية من أسماء بن قادة مطلقة الشيخ يوسف القرضاوي ضده، أثيرت العديد من الأقاويل طوال الفترة الماضية، حول أسباب الطلاق، الذي جاء بعد زواج استمر لمدة 15 عاماً، تعرض خلالها الشيخ البالغ من العمر نحو 80 عاماً للكثير من الغمز واللمز، لاسيما أن أسماء تصغره بعشرات السنين، لاسيما أن إحدي وسائل الإعلام نشرت خبراً مفاداه أن الشيخ يهددها بالترحيل من قطر وسحب الجنسية منها".
انتهى الخبر أو كاد, وليعذرنا سادتنا من الأزهريين الأفاضل, وقد تعودنا في المغرب أن نجلهم ونقدرهم لقيمتهم العلمية والدينية, ولأنهم الخريجون من الجامع الأكبر ذلك الذي نحرص إلى اليوم كلما عبرنا القاهرة على زيارته للتبرك من بركات أهله ومن علمهم الغزير. ليعذرونا بشدة, ففي دفاعهم عن الشيخ يوسف الكثير من النفاق والعياذ بالله. فالإسلام هو الذي حضنا على الرفق بالقوارير, ورسول الإسلام صلى الله عليه وسلم هو الذي لم يكف عن نصحنا لكي نضع المرأة في بؤبؤ العين منا, فكيف يجدون مافعله الشيخ يوسف بالصغيرة أسماء شيئا عاديا وهينا ولا يسيء لصورة علماء المسلمين؟
لسنا مسيحيين ولن نكون في يوم من الأيام من المدافعين عن تحول علمائنا إلى رهبان لايمسون الجنس نهائيا, خصوصا وأننا نرى الفضائح التي تتورط فيها الكنيسة بسبب هذا الحرمان الجنسي غير المقبول, حيث تتعدد حكايات الرهبان الذين فعلوا الأفاعيل بصغار الكنيسة وأبناء الأتباع. لكننا في الوقت ذاته مع أن لايقول العالم المسلم الشيء ويأتي بالنقيض.
وحين كنت أتابع القرضاوي أو شيخ يوسف للمقربين يدعو شعب تونس للجهاد ضد خدام الصنم هبل بعد أن أسقط هذا الأخير حسبت تعبيره, كنت أقول في نفسي "سير نتا ديها غير فراسك", أو في عضو آخر يبدو أنك تمنحه من الاهتمام الشيء الأكثر من اهتمامك بماعداه. "آش داك آمعلم لشي تونس ولا لشي ثورة؟". ولا أتصور أنني كنت الوحيد في الأمر, فالمسلمون كلهم انتبهوا مع حكاية أسماء ويوسف هاته إلى أن الفرق فعلا شاسع والبون كبير بين مايقوله العلماء الأجلاء وبين مايفعلونه, خصوصا إذا كانوا يشبهون تماما في هذا الذي يفعلونه ما قد يقترفه أي جاهل منا بدينه, غير مكترث بصورته حين يقع بينه وبين زوجته أدنى خلاف.
الواقع هو أن عكس ماقاله علماء الأزهر هو الذي وقع, وصورة القرضاوي ومعها صورة مشايخ الحركة الإسلامية العالمية هي التي تضررت مما وقع بين القرضاوي وبين قادة, ولن نذهب حد ما قالته جرائد مغربية من أن القرضاوي أتى إلى المغرب لكي يبحث عن فتاة صغيرة تحلف أسماء في قلبه وفراشه, لكنا سنقول إن الرجل ملزم _ خصوصا وقد شارف التسعين من العمر _ بأن يرعوي قليلا, ويشرب بعضا من "اللويزة" لكي تهدئه, وتحد من يفاعته الجنسية التي لم تتأثر بوصوله إلى أرذل العمر بعد. لكن من ياترى يستطيع اليوم أن يقولها للقرضاوي وهو رئيس اتحاد علماء المسلمين والرجل الذي يلجأ إليه الجميع من أجل استفتائه في الصغيرة والكبيرة؟
وقد حكى لي صديق مغربي يشتغل في قناة الجزيرة _ وكنا بصدد الحديث عن مكانة القرضاوي داخلها _ أن تعليمات مشددة توجه إلى كل أطقم الأخبار في القناة بعدم مقاطعة الشيخ حين يكون بصدد تقديم تصريح تلفزيوني للقناة, وبضرورة أخذ التصريح متى أراد الشيخ ذلك. وقد تذكرت هذا الأمر حين تدخل الشيخ مؤخرا بمناسبة الحدث التونسي, واستفاض في البسملة والحوقلة والحمدلة, ثم مر إلى الحديث الطويل الممل عن هبل واللات والعزى ومناف الثالثة الأخرى, ورغم ذلك لم يستطع مقدما النشرة أن يقولا له لازمتهما الشهيرة "أدركنا الوقت, معذرة على المقاطعة", بكل بساطة لأن التوجيه التحريري الأول في القناة يقوم على تقديس هذا السيد, وبعدها كل شيء قابل للنقاش.
لذلك سيكون فعلا عسيرا حتى على أقرب المقربين من شيخ التلفزيون والنساء هذا أن ينصحه أحد, أو أن يقول له بلغة المصريين "ثلث الثلاثة كام؟". الحال سيبقى على ماهو عليه, والقرضاوي سيواصل بعد كل طلقة بائنة أو غير بائنة غزو المزيد من السبايا, ثم الاغتسال بالوضوء الأكبر فالأصغر, والتوجه إلى القناة إياها ومن هناك سيوجه دعوات الجهاد المجانية إلى كل شعوب الإسلام. ففي نهاية المطاف, هو "ماخاسر والو", فمنذ أن ابتدأت البشرية وحتى ستنتهي كانت ليوسف مع النساء قصة طويلة من الود المتبادل. ويبدو أن من أسمى القرضاوي يوم ولادته يوسف كان شخصا ذا بعد نظر كبير. واصل شيخنا الجليل, وفقك الله لما تحبه ويرضاه.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تسعة عشر شريطا طويلا وتسعة عشر فيلما قصيرا ستتنافس ابتداء من اليوم في طنجة ضمن فعاليات المهرجان الوطني للفيلم الذي سينطلق في عاصمة السينما المغربية بامتياز. تسعة عشر فيلما فيها "الصالح" وفيها "الطالح", لكن فيها أساسا هذه الرغبة التي تنضح من ثنايا أغلبها في التوفر يوما على سينما محلية قادرة على أن تعكس وجهنا مثلما هو بإبداعية فعلية لاأثر فيها للتطفل أو التصنع, أو غيرهما من الآفات التي نعرف أنها سبب كثير من كوارثنا السينمائية.
عسى أن تكون دروة سينمانا الثانية عشر أفضل من سالف الدورات. و"ساتورن" على كل حال.

الخميس، 20 يناير 2011

فاميلة الطابلسي

للإسم رنين خاص هذه الأيام. عائلة الطرابلسي، وله كل البريق المحزن الذي يشع من ثنايا الشماتة التي يقابل بها من طرف الشعب التونسي الذي كان سابقا يرمق حسدا وشزرا وغيظا العائلة الصغيرة لزوجة بن علي وهي تراكم كل شيء من الثروات إلى الثروات، وتضعها في مخبآ آمين في انتظار يوم الحسم الذي أتى والتي أصبحت اليوم تتصدر عناوين النشرات الإخبارية للإشارة إليها, وربتها تحمل معها طنا ونصف من الذهب هنا, أو شقيقها الأصغر وهو يحمل يختا مسروقا هناك, قبل أن يلفظ آنفاسه على يد شباب عاطلين حاصروه هو هارب فقرروا تصفيته وليكن بعدها مايكون..
هل تراجع العائلات العربية الكبرى التي تستحوذ على كل شيء هذا الدرس؟ سيقول القائل إنه من الظلم أن نضع كل العائلات الغنية في نفس السلة، وأنا متفق تماما. هناك عائلات غنية جدا أنجبت مناضلين حقيقيين للوطن وهذه العائلات غالبا ماتكون نتاج ثروة مشروعة، أي توارثتها جيلا بعد جيل، أو صنعها أحد العصاميين منها بجهده وكده وذكائه، وهذه العائلات لانتحدث عنها إطلاقا.
نتحدث هنا عن عائلة مثل عائلة الطرابلسي ربها الأكبر (والد ليلى بن علي) كان بائع خضار، وليس في الأمر أدنى عيب، لكن ابنته التي امتهنت الحلاق فيما بعد أصبحت بالفعل "حجامة كتحسن باللي كاين" إلى الدرجة التي جعلتها تخلط بين ثروة الشعب التونسي العامة، وبين مصروف الجيب الشخص الذي كان من المفترض في بن علي أن يتركه لها على "الكومودينو" وهو يتوجه يوميا إلى قصر الرئاسة في قرطاج لكي يحكم الشعب من هناك.
هنا يقبع المشكل بالتحديد، حين يقع هذا الخلط وتتحول عائلة فقيرة أهدتها صدفة الحياة فرصة الاقتراب من السلطة إلى إمبراطورية مالية في بلد لايحتمل أن يكون فيه آباطرة ماليون إطلاقا. هنا يغني فويتح المغربي ويبكي ويقول ماأشبه حالةآل الطرابلسي بحال الأسر الكثيرة التي نعرفها نحن أيضا، ونعرف التسلق الذي بنته اعتمادا على وضع مائل وعلى مد اليد إلى مال الشعب العام، حتى تحولت إلى طبقة لايمكن أن تصفها بأي وصف إذا ماأردت الدقة، وشئت عدم السقوط في الكذب وتزوير الحقيقة على الناس.
لنتأمل لائحة بعض الحكام العرب، ولنلعب لعبة صغيرة للغاية قوامها التأمل في حالهم قبل السلطة وحالهم بعد النوم فيها لسنوات: العقيد معمر القذافي كان يفترض فيه لو بقي عقيدا في الجيش أن يتقاضى الآن شهريا مالايتجاوز العشرة آلاف درهم مغربية نظير تقاعده من الجيش الليبي. "ماتشريلوش دابا حتى وحدة من دوك العساسات اللي دايرين بيه". الريس المصري حسني مبارك كان يفترض فيه الآن لو أطال الله في عمره وتقاعد طيارا من الجيش المصري أن يتقاضى قرابة الثمانمائة جنيه يشتري بها لعلاء وجمال وبقية العيال, قليلا من الفول المدمس وينام. الرئيس بوتفليقة كان يفترض فيه أن يكون مسجلا الآن في تقاعد العاطلين في الجارة الجزائر، يتقاَضى "لشوماج" و يمضي اليوم كله في صيد السمك في بحر الجزائر العاصمة أو في التجول راجلا في باب الواد والنواحي. الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كان يفترض فيه لو بقي على ماهو عليه أن يكون تماما مثلما هو الآن, رجلا غير قابل للفهم إطلاقا "ماكتعرفوش شنو كيدير" ، وسيكون بالتآكيد مدمنا على العادة اليمنية الجميلة بمضغ القات ووضعه في الجانب الأيمن أو الأيسر من الفم وانتظار انصرام النهار. رئيس السودان عمر حسن البشير كان الآن من المفترض فيه أن يعيش في الخرطوم يؤم بالناس, أو في أسوء الحالات يراقب لهم المسجد الذي يصلون فيه عوض أن يمضي الوقت في قبول كل الشروط الدولية لتقسيم السودان نظير عدم تقديمه للمحكمة الدولية.
جلهم إذن كانوا سيكونون في حال غير الحال, لكن من ياترى سمح لهم بهذه القفزة الاجتماعية النوعية على حسابنا جميعا؟ الشعوب بطبيعة الحال التي تكتفي بلعنهم والتفرج. والمصريون _ هؤلاء القوم اللطفاء للغاية الذين يبدعون باستمرار النكت التي تتندر من حالهم _ يقولون عن "فرعون إيه اللي فرعنو؟" ويردون على لسانه "مالقيتش حد يلمني". وهذه حقا هي صفوة القول وخلاصته, فلو أن شعب تونس الماجد سأل يوما ليلى الطرابلسي وعائلتها "من أين لكم كل هذا أيها العفاريت؟" لما أزلنا عن الياسمين كل استعمالاته الجميلة وجعلناه إسما لهبة شعبية أودت بحياة مالايقل عن سبعين شخصا في واحد وعشرين يوما.
سنضطر مجددا للقول إنها ليست العائلة الوحيدة في العالم العربي التي نسمح لها بالاغتناء على حساب فقرنا بسبب جبننا, ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. هي فقط رقم إضافي يؤكد لنا مانقوله باستمرار عنا كعرب أننا لانتقن سب من يحكموننا إلا بعد أن يرحلوا, وحينها فقط نكتشف كم كانوا فاسدين ومرتشين ولصوصا ومفسدين.
ماأكثر نفاقنا حول عائلة الطرابلسي, وحول عائلات أخرى كثيرة غيرها بكل تأكيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قال الشيخ بيد الله للتلفزيون المغربي إن أشغال مجلس المستشارين انتهت في جو يسوده الاحترام, ولا أدري لماذا اختار بيد الله هذه الكلمة بالتحديد, لأنها فعلا النقيض لما رأيناه في هذه الغرفة بالتحديد كل ثلاثاء, وماتابعناه بعدها في الصحف المحسوبة على الحكومة, خصوصا صحيفة الحزب الحاكم بخصوص هذا المجلس يقول العكس تماما, ويؤكد أن ماساد هو عدم احترام السادة المستشارين لبعضهم البعض بشكل يدفع للرثاء حقا.
لماذا اختار رئيس الغرفة الثانية لفظة الاحترام إذن؟ ربما لأنه يشعر أنها فعلا الخصلة التي تلزم مجلسه بشكل كبير. ربما.

الأربعاء، 19 يناير 2011

لاحياء لمن تنادي

السياسي في العادة إنسان لايستحي. يخيل لي أنهم يفترضون في السياسي الناجح اليوم أن يتوفر على أكبر قدر ممكن من الصفاقة وقلة الحياء لكي ينجح في المسار الذي اختاره أو وجد نفسه فيه عنوة. غير أن الإقرار بهذه الخصلة السياسية لدى سياسيي هذا الزمن لاتعي عدم الاستغراب لبلوغها عند بعضهم درجات لاتتخيل. نتحدث هنا عن حركة النهضة الإسلامية التونسية. هذه حركة لم يعد لها عمليا أي وجود في الشارع التونسي منذ سنوات عديدة, تتذكر فقط بعد نجاج ثورة الياسمين أن هناك شعبا في تونس يمكن الضحك على ذقنه بامتياز ويمكن إقناعه أنه قام بكل هذه "الهيلالةط من أجل عيون راشد الغنوشي وتنظيمه.
إذا كان هناك من نجاح يذكر لنظام بنعلي على الإطلاق فهو بالتحديد نجاحه في تحجيم حركة النهضة والحد من إشعاعها بل وقتلها في الشارع التونسي تحديدا, وقد خاضت هذه الحركة _ لمن يتابع تاريخ الحركات الإسلامية قليلا _ صراعها في وقتها ضد النظام التونسي السابق, وانهزمت فيه شر انهزام واختار قادتها إما المنفى اللندني السحيق والفاخر في الآن ذاته, أو التحول إلى العمل السلمي, أو الاختفاء عن الأنظار مثلما وقع لواحد من قادتها الذي تورط في فضيحة أخلاقية وهو يمارس الجنس فوق سجادة الصلاة في مكتبه, وتمكنت أعين بنعلي "التي لم تكن تنامط من تصويره حينها وفرض الابتعاد عن السياسة وضجيجها بالكامل عليه.
لذلك وحين تستل قناة الجزيرة القطرية من العدم رجلا مثل راشد الغنوشي الزعيم المعلن لهذه الحركة لكي يبارك لشعب تونس انتفضاته ويعلن استعداد النهضة لتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف الجسيم, يتساءل التونسيون قبل غيرهم "أين كانت النهضة طوال هذه المدة كلها؟". ويعيدون طرح السؤال بشكل آخر "لماذا لم نرفع ولو شعارا إسلاميا واحدا طيلة أيام ثورة الياسمين التي انتهت بفرار بن علي المهين إلى السعودية؟"
الجواب يوجد لدى التونسيين أنفسهم. هم لم يتحركوا من أجل "دولة الخلافة", أو من أجل العودة إلى الوراء خمسة عشر قرنا إضافية. هم تحركوا لأنهم أدركوا عبر اطلاعهم على كل التجارب العالمية أن نظام بن علي يفرض عليهم العيش في الذلة في زمن الكرامة العالمية, وفي زمن حقوق الإنسان الكوني. لذلك أحرق بوعزيزي نفسه, ولم يكترث لما سيقوله عنه القرضاوي الذي يتقاضى آلاف الدولارات من جزيرة قطر في الشريعة والحياة حين بدأ كلامه "بالدعاء للشاب بوعزيزي أن يغفر الله له كبيرته التي ارتكبها حين قتل النفس دون حق".
بوعزيزي يوم أمسك بالنار بين يديه وأشعلها في البنزين الذي صبه على جسده لم يكن يفكر في النهضة ولا في الغنوشي راشد ولافي القرضاوي المرتاح في قطر والذي تشغله أسماء وبقية الفتيات الصغيرات اللائي يهواهن عن التفكير السليم في مشاكل الناس. بوعزيزي كان يفكر في أمه وأخواته وإخوانهو وكان يقول "كيف سأعود إلى المنزل دون زاد لهم؟". وحين أعيته الحيلة ولم يجد ردا قادرا على إقناعه بالبقاء حيا, رأى أن أفضل مايمكن أن يقع له هو أن يحرق نفسه وليذهب العالم بعدها كله إلى الجحيم إذا ماأراد ذلك.
لذلك علينا أن نحتط من "شفارة الثورات" هؤلاء والذي يشبهون تماما أباطرة نظام بنعلي الذين يتصارعون حاليا حول سرقة ما قام به الشعب التونسي. الطرفان معا: الظلامي الكاذب والفاسد الكاذب يتشابهان. هما معا يفكران فقط في قطف ثمار الدم التونسي الذي سال غزيرا في هذه الأيام الماضية. لذلك علينا أن ننتبه لمسألة هامة للغاية: هي أن الثورة لايقوم بها شعب جاهل وأمي أبدا.
قد تنتفض شعوبنا, قد تخرج إلى الشارع, قد تبذل دمها, لكن في النهاية والبداية عليها أن تعرف لماذا خرجت, وما المراد من خروجها وما هو الهدف وماهي الضمانات الضرورية أن لايكون خروجها وموتها مجرد طريقة من أجل أن تستفيد الأطراف ذاتها التي تستفيد من الشعوب باستمرار. والآن فقط نفهم مع ماوقع في تونس لماذا يحرص الحاكم العربي على أن تظل الأمية هي السائدة في الوطن, وأن لايقرأ الناس, وأن يعتبروا الجرائد أمرا زائدا وأن يعتبروا الكتب شكلا من أشكال الكفر بالله . الآن نفهم الأمر جليا, لأن الفرق بين شعب مثقف يخرج إلى الشارع وبين شعب أمي يخرج إلى نفس الشارع هو هذا بالتحديد: أن لايعرف الطرف الثاني لماذا خرج أصلا, أو أن لايتقن الدفاع في الختام عن نتائج خروجه, أن يتركها لمن استفادوا منه دائما, أو أن يسمح لكذبة مثل النهضة الإسلامية أو القرضاوي بأن يدعوا بعد كل هذا الموت وكل هذه الدماء أنهم مستعدون لحكم تونس من جديد.
حقيقة ما أحوجنا لقراءة كل مايقع الآن أمامنا بعين العقل لا بعين أي عضو آخر من أعضاء جسدنا الكريم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق

الثلاثاء، 18 يناير 2011

الميريكان وإرادة الحياة

إذا الشعب يوما أراد الحياة, فلابد أن تتدخل أمريكا لكي تدعم مطالبه, وتصدر تعليماتها لتباعها داخل دولة ذلك الشعب لكي ينفذوا بالحرف الخطة البديلة, تلك التي تجعل الحاكم الصديق والحليف بالأمس, مجرد طاغية مل منه شعبه, وقرر أن يزيلة بضربة ثورة ستسميها الجرائد لتزيينها أكثر ثورة الياسمين.
يجد المتتبع المحايد صعوبة كبرى منذ الجمعة في التقاط التفاصيل كلها التي صنعت الحدث التونسي الكبير, ويجد صعوبة في ترديد الكلام الذي يقوله الكل أو الجل مثل الببغاوات عن تحرك شعبي أتى نتيجة إشعال شاب عاطل عن العمل وانتهى بانتصار الشعب على الطاغية. الأمر مثلما تقول اللازمة الفرنسية "أجمل من أن يصدق بهذه السهولة". ويوم السبت الفارط تورطت قناة "الجزيرة" في استضافة ضيف يبدو أنها لم تحسن اختياره مثلما تفعل عادة مع ضيوفها الذين يرددون الكلام المطلوب منهم فقط أن يقولوه على شاشتها, حيث اتصلت هاتفيا بضابط في الحرس الوطني التونسي قال لها ما لم يكن ينبغي أن يقال, لذلك تعرضت مكالمته للقطع مباشرة بعد أن اتضح أنها لاتساير هوى القناة والهوى الغالب المراد ترويجه هذه الأيام بشأن ماحدث في تونس الخضراء.
قال ضابط الحرس الوطني جوابا عن سؤال بخصوص عدم تدخل الجيش في الأحداث والسمعة الطيبة التي يمتلكها لدى التونسيين, وعن إصرار قادة الجيش على عدم التدخل في الشأن السياسي نهائيا إن "الخطة تقتضي أن تكون هذه السمعة الطيبة للجيش, لأنه الملاذ الوحيد في حال توتر الأمور, حيث سيتمكن من بسط سيطرته على البلاد بسهولة اعتمادا على سلاحه واعتمادا على هذه السمعة الطيبة".
كريشان مذيع الجزيرة الذي فاجأه التصريح أراد فهم مايقوله الضابط التونسي فاستفسره مجددا "إشرح لنا", ليجيبه هذا الأخير أن الجنرال عمار الذي أقاله بن علي منذ أيام تلقى الضوء الأخضر عبر السفارة الأمريكية في تونس لكي يتحرك الجيش, ويجبر بن علي على التنازل ويكلف محمد الغنوشي بالرئاسة في مرحلة أولى ثم بالوزارة الأولى في مرحلة ثانية رغم أن الغنوشي هو المسؤول _ نظريا _ عن الأحداث الأخيرة باعتباره الوزير الأول لتونس".
الضابط التونسي لم يقف عند هذا الحد, بل كشف أن تعليمات صدرت من طرف القيادة الجديدة في تونس لكل أعضاء الشرطة وأعضاء الحرس الوطني بلزوم منازلهم, وعدم التدخل إطلاقا. هنا عيل صبر الجزيرة التي قاطعت الضابط التونسي وانتقلت مباشرة إلى إعطاء الكلمة ليوسف القرضاوي باعتباره رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لكي يبارك لتونس ثورتها ويطالب الشعب التونسي بالتخلص من خدام الصنم الكبر, بعد أن أسقط هبل وبقي خدامه ينتظرون.
في برقية من برقيات ويكيلكس العجيب بخصوص تونس وهي مؤرخة بصيف 2009 نقرأ مايلي : " الرئيس بن علي يتقدم في العمر ونظامه متصلب وليس لديه خليفة معروف". وأضافت البرقية أن "التطرف لا يزال يشكل تهديدا، في مواجهة هذه المشكلات، لا تقبل الحكومة لا الانتقاد ولا النصح سواء من الداخل أو من الخارج ولا تسعى إلا لفرض رقابة أكثر". هل هذا هو المشكل في الختام؟ أن لاتنتظر أمريكا حتى وفاة بنعلي لكي تقامر بالبحث عن بديل له؟
ليست هناك أي طريقة للتأكد عمليا من الأمر سوى انتظار المظيد من التطورات, لكن بالمقابل يمكننا اعتمادا على ماسبق من تجارب, واعتمادا على ماهو معروف بخصوص العلاقات الدولية أن نقول إن خروج بنعلي فجأة من تونس لايمكن إلا أن يكون صفقة واضحة بين أطراف عديدة, اتفقت على الإبقاء على حياته, مقابل ترتيبات جديدة في البلد وربما في المنطقة كلها مستقبلا, وهو ما سيسهل التعرف عليه في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة.
لنعد الآن إلى تلك الجماهير التي لعبت دور البطل الكومبارس في كل هذا. جميل أن نتحمس لمظهر الشعارات في الشوارع, وجميل أن نحاول إقناع أنفسنا أن الأمور تتم بهذه السذاجة بالتحديد: أن يحرق شاب نفسه, أن تشتعل الأوضاع, أن يخرج الشعب إلى الشارع, وأن يسقط الحاكم. هكذا وبكل بساطة. ربما يتم الأمر في الأفلام التاريخية التي تتناول تاريخ الثورات العالمية بهذا الشكل, ولكن في الواقع لا. في الحقيقة لاوجود لسيناريست يعدل التاريخ المظلم, ويزيل عنه كل الشوائب, ثم يقدمه للمتلقي بالطريقة التي يراها ملائمة.
في الواقع, وتونس لن تكون نشازا بالتأكيد, هناك أشياء أخرى لاينبغي للعامة أن تعرفها. هي تبقى تفاصيل معلقة بين المتحكمين الحقيقيين في الأمور, وفقط حينما تمر العقود والقرون قد تتكشف حقيقة ماجرى فعلا, وقد تفغر أجيال أخرى غيرنا فاها دهشة لا لخطورة ما ستكتشفه, ولكن لقدرتنا البلهاء والساذجة على التصديق رغم كل شيء.
في انتظار ذلك الزمن, لا بأس من أن نتذكر باستمرار أنه إذا الشعب يوما أراد الحياة, مثلما قال الشابي يوما, فإن أمورا كثيرة _ وهذه لم يقلها أبو القاسم _ ينبغي أن تساعده, وإلا فإنه سيموت هدرا ودون أي مقابل, والأذكياء وحدهم سيقطفون ثمار موته الغبي ذاك. نقطة, سير للسطر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لازلنا على نهمنا بخصوص مايقع فعلا بسلا التي تورط فيها على مايبدو قياديون من أحزاب تدعي نظافة ذات اليد في قضايا غير واضحة كثيرا. لماذا نقول إننا لازلنا على نهمنا هذا؟ لأن قيادة الحزب الذي ينتمي إليه الموقوفون ترفض الرضوخ لسلطة القضاء لتركه يحكم بالإدانة أو البراءة وتختار التصعيد الخارجي من أجل لملمة الملفات قبل انفجارها, وهو الأمر الذي لن يتقدم بنا كثيرا لفهم مايقع في العدوة المجاورة للرباط.
تراه الهدف الحقيقي من كل الصراخ الذي انخرط فيه قادة الحزب المدان؟ ذلك فعلا هو السؤال

 

الأحد، 16 يناير 2011

عندما يهرب الرئيس

يمضي الحاكم العربي الزمن كله في الكذب علينا قائلا إنه مستعد للتضحية من أجل الوطن, وحين يشتم رائحة الحريق تقترب من ثيابه يمتطي المروحيات, ويعتلي الطائرة الخاصة ويمضي. نكاد نرغب في سؤاله "لمن تترك الوطن ياريس؟" لكننا لانعثر له على أثر. يوم الجمعة الفارطة أهدتنا اللحظة العربية الحزينة تاريخا جديدا يحمل من الأسماء إسم هروب بن علي من تونس, وتكريس الفكرة التي تقول إن أغلب الحكام العرب لا يشعرون بأي شعور تجاه أوطانهم, لذلك تجدهم مستعدين للفرار إذا ما أحسوا أن الشعوب قد قررت مبادلتهم "الحب بحب أكبر منه". فيما عدا ذلك لاشيء.
البعض تحدث عن الثورة والتاريخ الذي تكتبه الشعوب بدمائها, لكن هذا البعض نسي أننا بقينا أسرى هذا الكلام الخشبي منذ الاستعمار ومرورا بالاستقلال وحتى سنوات الالتباس الكامل هاته. وعندما كنت أتابع عبر قناة "الجزيرة" القطرية فرح القناة بانتصار إرادة الشعب التونسي على الديكتاتورية, كنت أتساءل عن الثورة القطرية متى قامت, ومن قادها وهل انتصر فيها الشعب فعلا على الديكتاتورية هناك؟
لا أخلط الأوراق, ولا أحب هذا الأمر كثيرا لكننا مجبرون اليوم أكثر من أي وقت مضى على أن نحتفظ في المغرب بتميزنا عن هذا العالم العربي المريض, وأن نحاول قدر الإمكان الاستفادة من الدروس التي يمنحنا إياها باستمرار, وأن نفهم لوحدنا دون يد أجنبية, ودون فرض من أي جهة ما أننا ملزمون بدمقرطة بلادنا أكثر فأكثر, وأن الوقت تغير تماما, وأن الزمن يفترض أن نبحث عن نموذج مشرق عوض البقاء حبيسي هذه النماذج العربية المعتلة التي تحيط بنا من كل مكان.
لماذا نقول نماذج مريضة؟ ولماذا نقول إننا ملزمون بالحفاظ على تميزنا وسطها؟ لأننا نعرف جيدا أن ماوقع الجمعة في تونس مرشح لكي يقع في كل الدول العربية الأخرى, وبشكل أبشع من ذلك الذي وقع به في تونس, مايعني أن المرض مستشر في الجسد العربي كله, ولأننا نعرف أن بإمكاننا في المغرب أن نشكل استثناء وسط هذا الطوفان الجديد الذي يراد له أن يغرق المنطقة كلها فيما أسمته كوندوليزا رايس منذ زمن سابق "الفوضى الخلاقة".
علينا أن نطرح الأسئلة الحقيقية لما وقع في تونس, وأن نفهم لماذا لم يتحرك الجيش لمساندة الرئيس المخلوع أو الهارب, وأن نستوعب متى تقرر لبن علي أن يكتفي من السلطة التي يعبدها, وأن نربط ذلك بما سيقع في دول عربية أخرى تنتظر دورها على طاولة التشريح للبحث عن حل لجثثها المتحللة ومايمكن عمله من أجلها. علينا أن نفهم الفزاعة الإسلاموية, وهل هي خطر حقيقي يهدد هذه المجتمعات أم أنها مجرد عبارد لبث الرعب في نفوس الناس أو لتبرير بقاء حكام بأعينهم في أمكنتهم.
علينا التمييز بين من يدقون ناقوس الخطر القادم على أيدي هذا التطرف الحقيقي والمرعب للوطن العربي كله, وبين الحكام الذين يستعملون هذا الخطر فزاعة لإدامة تاريخ حكمهم لبلدانهم بكل الديكتاتورية الممكنة. علينا أن نجد طريقة للإنصات للأجيال الجديدة من شعبنا, للشباب الذين يبدون غير قادرين على فهم هذا التناقض الكبير بين العالم مثلما يرونه في كل "الهاي_ تيك" أو التيكنولوجيا المتقدمة المحيطة بهم, وبين العتاقة البليدة التي تحكم دولهم, وتتحكم في مصائرهم دونما أمل في أن تتغير الأشياء بشكل سلمي وهادئ في يوم من الأيام.
نعترف أننا عشنا صدمة جديدة كبرى يوم الجمعة الفارطة, وأن العديدين كانوا يتوقعون عدم سقوط بنعلي بهذه السرعة, وأن وجوها كثيرة تراءت لنا في تلك اللحظات العصيبة. رأينا مبارك وهو يحاول ترك مصر لواحد من أبنائه بعد ثلاثين سنة من الحكم أو يزيد. رأينا القدافي يفاضل بين سيف الإسلام وبين الساعدي لكي يمنحه الجماهيرية من بعده. رأينا بشار الأسد الذي ترك والده الجمهورية السورية إرثا غير مفهوم له. رأينا علي عبد الله صالح وهو يجد صعوبة في الاقتناع بأن من حق اليمن أن يعيش بعده عهدا يشفع له في حمل وصفه "السعيد" المثير لكثير من السخرية. رأينا الدويلات الخليجية الصغيرة جدا والغنية نفطا حد السفه التي لاتعرف إن كانت تنتمي إلى عصر الناس هذا أم إلى عصور أخرى. رأينا بوتفليقة مريضا يجر وهنه خلفه, ويبحث بين أشقائه عمن يستطيع الإنصات للعسكر أكثر. ورأينا الكثير.
وبين كل هذا الكثير, رأينا المغرب علامة على شيء آخر ممكن. لدينا مشاكلنا الكثيرة التي تشبه مشاكل دول عربية ثانية, ولدينا لصوص مالنا العام, ولدينا من استفادوا من وضعيات معينة طيلة عقود, ولدينا متنفذون لايعرفون أن هناك شيئا إسمه الشعب على الإطلاق. لكن مع كل هذا لدينا الإيمان بأننا قادرون على تقديم نموذج آخر مغاير يستوعب الدروس التي تقع الآن, ولا يكررها بغباء,لأننا بكل بساطة لسنا أغبياء.
نتمنى أن لا نكون واهمين. وأن نستفيد فعلا من كل هذه الفرجة المحزنة التي تحيط بنا من كل مكان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أن يصف عبد الإله بنكيران إلياس العماري ب"السلكوط اللي كالس كيتسارا فالمغرب", فمسألة تقول لنا إننا قد قطعنا على يد أمين عام حزب "العدالة والتنمية" شوطا إضافيا في مسلسل تمييع العمل السياسي المغربي, وتنفير الناس منه. في الفيديو الذي يجوب اليوتوب حاليا يبدو بنكيران عاجزا عن كبح جماح غضبه, ويظهر غير قادر إلا على ترديد كلمات من قاموس الشارع. ومع كل التفهم الذي قد نبديه لوصول الخلاف بين سياسيين إلى مراحله القصوى إلا أنه من الصعب علينا أن نفهم "سياسة التسلكيط" هاته التي يراد لنا أن نعيش عصرها الحالي.
عبد الإله حسن ألفاظك شوية, مافيها باس