الخميس، 2 شتنبر 2010

في الواجهة - عمود الخميس 2 شتنبر 2010

"الجماعة" والجماعة
أتابع هذه الأيام بشغف كبير مسلسل "الجماعة" لوحيد حامد. أكتشف فيه يوميا قدرة المبدع التلفزيوني الحقيقي على صنع "العجب" إذا ماأراد ذلك, وإذا ماتوفرت له الخلفية الثقافية والمعرفية والفكرية للكتابة, لا الخلفية الأخرى التي تتوفر لأصدقائنا الذين يكتبون لنا في التلفزيون المحلي, والتي لاتصلح إلا للجلوس عليها بالنسبة للذكور, وتصلح لمآرب أخرى بالنسبة للإناث, وتصلح لخيار ثالث لأصحاب الجنس الثالث, ونحن نمزح فقط قبل أن يبدأ في سبنا "شي مرمضن ولا مرمضنة" مم لايعجبهم كلامنا باستمرار.
في الجماعة يبلغ وحيد حامد شأوا عظيما في الكتابة للتلفزيون. هو يرفعها مرة أخرى إلى مصاف الفعل الإبداعي, ذلك الذي بلغه أسامة أنور عكاشة ومن كان على الشاكلة, والذي يقف على النقيض تماما من الرأي الذي يقول إن الكتابة للتلفزيون هي كتابة للسيار العادي, الممكن تجاوزه بعد حين. مع أسامة أنور عكاشة الذي رحل عنا منذ مدة غير بعيدة ومع وحيد حامد ومع أناس من نفس القامة, تصبح الكتابة للتلفزيون شبيهة تماما بالكتابة باختصار, عملا أدبيا قائما على أسس واضحة لايصلها من يريد ذلك, ويتطلب إتقانها الحقيقي التوفر على كم غزير من الموهبة أولا وقبل كل شيء, ثم على قدرة حقيقية على التنقيب والبحث العلميين والأكاديميين, والقدرة على القراءة المكثفة, تلك التي لايكتمل فعل الكتابة الجيد إلا بها.
الدليل على أن "الجماعة" تميز فعلا؟ رد فعل الناس الذين يكتشفون عبر وسيلة القراءة الأولى في العالمن العربي أي التلفزيون حقيقة منظمة تسمى "الإخوان المسلمون", وكذا ردود الأفعال الصادرة عن المعنيين الأوائل بهذا المسلسل أي عن تنظيم "الإخوان". المرشد يعبر عن تبرمه من المسلسل, ويعتبر أن النظام المصري يفعل كل مابوسعه لكي يشوه صورة الإخوان, إبن حسن البنا يرفع دعوى استعجالية لوقف عرض المسلسل, في تطبيق بليد لمفهوم الرقابة الغبية يذكرنا "بالدراري ديالنا هنا" من العدل والإحسان إلى العدالة والتنمية وبقية ألوان الطيف الأصولي الذي يطالبون مع خروج كل فيلم جديد أو مسلسل "لايعوم على عومهم" بإيقافه وشنق مبدعيه في الساحات العمومية.
بالنسبة لنا نحن المغاربة أعرف عددا كبيرا من الناس الذين يحسون بالألم وهم يتابعون هذا المسلسل. السبب؟ سهل للغاية. هم يشعرون أن مايفعله وحيد حامد ومحمد ياسين في هذا المسلسل رائع باختصار, ولكنه أمر بعيد جدا عن أرنبة أنوفنا. هؤلاء أناس فهموا أن التلفزيون ليس فقط وسيلة للتجهيل, وليس وسيلة للتتفيه, وليس وسيلة للاغتناء السريع مثلما يفعل بعض المنتجين لدينا. التلفزيون ليس جواج فقط, ليس "بنيقة" تستدعي إليها المغاربة بعد الإفطار وتحبسهم فيها وتضحك منهم في الأخير عوض أن تضحكهم. التلفزيون ليس كاميرا خفية متفق عليها فقط, وليس برنامجا "باطار" يعجز كل المتتبعين وعلماء التلفزيون المحليون والأجانب (واخا ماكاينينش هاد المحليين ولكنها القافية المبتذلة) في تديد ماهيته وجنسه.
التلفزيون ليس أداة لجعل الناس كائنات "حمارة" فقط. التلفزيون قد يكون مرآة لتدريس تاريخنا الحديث مثلما يفعل مسلسل "الجماعة". قد يكون وسيلة نقول عبرها لشعبنا الأمي بعض الحقائق التي لن يعرفها إذا مااسترت دفينة الكتب والصحف والمجلات. التلفزيون ليس "شكارة" فقط وعلاقات وشبكة صداقات ملتبسة تنتهي بمنح مسلسلات وسلسلات وبرامج مثل الصدقات بهدف الإسكات والإغناء السريع فقط. التلفزيون قد يكون وسيلة رفع من المستوى الحضاري للناس, وسيلة للترقي بهم ثقافيا وسياسيا, وسيلة لجعلهم كائنات قابلة لمخاطبتها بلغة العصر الحديث عن أشياء تهمها أولا وقبل كل شيء, وتهم مستقبل أبنائها فيما بعد.
حين رأيت حلقة "الجماعة" التي تعرضت لعمرو خالد وفضحته مثلما فضحت أمثاله من علماء التلفزيون الذين يستغلون جهل الناس بدينهم لكي يغتنوا على حسابهم وعلى حساب هذا الدين العظيم المسمى الإسلام, قلت لنفسي "من المستحيل أن يسمح تلفزيوننا في يوم من الأيام لمسلسل مثل الجماعة بأن يمر على شاشته". مسؤولونا مصابون _ الله يستر _ بالرعاش الإكلينيكي, وهي عبارة لاوجود لها تعني الخوف المزمن من كل شيء. وإلا تصوروا معي لو أن تلفزيوننا ومبدعي تلفزيوننا فاجؤونا خلال شهر رمضان الحالي بمسلسل عن جماعة "العدل والإحسان" في المغرب, من خلال قصة لشباب يسقطون بين براثن هذه الجماعة, وكيف تستغل جهلهم وفقرهم وكل المشاكل المحيطة بهم لكي تهيأهم لخدمة مشاريعها الخطيرة على البلد. لنتصور تلفزيوننا وهو يتناول أحداث 16 ماي 2003 مثلا, لنتصور تلفزيوننا وهو يتناول خلية بلعيرج التي تعد مشروع سيناريو لمسلسل أو فيلم يحمل كل التشويق الممكن أن يحلم به كاتب سيناريو محترم. لنتصور تلفزيوننا يعود بنا إلى شخصيات مثل عمر بن جلون وشبيبة مطيع تغتاله, أو إلى غيرها من صفحات تاريخ هذا البلد. لنتصور ولنتصور ولنتصور, ولنذهب إلى الأستوديو لكي نأخذ "التصاور ديالنا". ففي التلفزيون المغربي لامجال للتصور.
في تلفزيوننا يمكنك فقط أن تضحك من عاهة تيكوتا أو سبان جواج. شي حاجة أخرى ماكايناش, أو هذا على الأقل مايحاول إقناعنا به أهل التلفزيون الحاليون, حتى إشعار آخر "غادي يجي" بكل تأكيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أحسنت القناة الثانية "دوزيم" في التعامل مع حدث رحيل الفنانة عائشة مناف، إذ خصصت للخبر في نشرة الخامسة مساء حيزا هاما وتقدمت بعزائها لعائلتها وجمهورها عبره، قبل أن تقوم بإيراد الخبر خلال تقديم مسلسل "حديدان" الذي شاركت في بطولته الراحلة مناف.
تعامل أعاد بعض الاعتبار للفنانة الراحلة وأكد أن دوزيم احتفظت لها بدين نسب المتابع والمشاهدة الكبرى التي حققها المسلسل مثلما احتفظت لها بدين إصراها على مواصلة التمثيل رغم الألم الأخير الذي أودى بحياتها

هناك تعليق واحد: