الثلاثاء، 17 أبريل 2012

رسالة إلى كل من يهمه الأمر

مجرمو الشغب
أشياء كثيرة يجب أن تقال اليوم قبل الغد بخصوص آفة الشغب التي أصبحت تجتاح ملاعبنا. هي أشياء صريحة ربما أكثر من الحد المسموح به, لكنها ضرورية, وهي تنحصر في الأمور التالية:
أولا جامعة كرة القدم هي جامعة فاقدة للشرعية, ورئيسها علي الفاسي الفهري لا يمتلك أي مسوغ قانوني لكي يكون على رأسها مايجعله في وضعية ضعف باستمرار أمام قادة الجامعة الفعليين, وهم أناس يتوزعون بين الأعضاء الجامعيين أو بين منخرطين في نوادي مغربية أو رؤساء لها يتحكمون بالفعل في دواليب الكرة المحلية ويفرضون عدم معاقبة الأندية التي تتورط جماهيرها في ظاهرة الشغب, بل يتعهدون للأنصار ألا أحد يستطيع المساس بهم, وحتى لو وصلوا إلى القضاء "فسيتم العمل من أجل إطلاق سراحهم".
الرئيس يعرف هذا الأمر جيدا, لكنه وتفاديا لمزيد من المواجهات التي قد تضعفه أكثر لذلك يفضل ترك "الجمل باركا" إلى أن تفاقمت الأمور ووصلت اليوم حدا أخطر من الكرة بكثير.
ثانيا الأمن المغربي يتحمل مسؤولية كبرى فيما يقع داخل الملاعب. لايعقل أن يفرض القانون عدم دخول القاصرين إلى الملعب, وألا يمتلئ الملعب كل مرة إلا بالقاصرين. لايمكن أن يمنع القانون إدخال الشهب إلى الميادين, وأن نرى في كل عمليات "الكراكاج" التي يقوم بها الإلترات نيرانا فعلية تشتعل في كل مكان, ولا يعقل أن يمثل الأمن باستمرار دور من تفاجئه كميات الأسلحة البيضاء والسيوف والعصي التي يتم ضبطها باستمرار بعد كل عمليات شغب جديدة في الملاعب, ولا يمكن ختاما أن تكون كمية التذاكر التي تباع كل مرة أقل بكثير من عدد من يدخلون إلى الميدان باستمرار, وأن لانجد أبدا التبرير أو التفسير الفعلي لهذا التناقض بين العدد المعلن والعدد الحقيقي رغم أن الكل يعرف كيف تتم عملية "التهريب الجماهيري" إلى "التيرانات باستمرار.
ثالثا الإعلام الرياضي. هناك كارثة فعلية تهدد البلد اليوم إسمها التعامل الجاهل وأحيانا المتواطئ لجزء كبير من الإعلام الرياضي مع الكثير مما يقع في المشهد المحلي. أغلبية غالبة تلعب لعبة خطيرة للغاية قوامها "التفاهم" مع أندية بعينها من أجل الترويج لها ولكل ماتريده هي وأنصارها في وسائل الإعلام. نعم, هناك زملاء نزهاء. نعم, هناك أناس يرفضون الانخراط في لعبة البيع والشراء المتسخة هاته. نعم, هناك من يخطئ بحسن نية. لكن في المقابل هناك مجرمون فعليون في المشهد الصحافي الرياضي يتلقون مقابل الدفاع الظالم والترويج الكاذب لكثير من الفضائح, وقد حان الوقت فعلا من أجل أن يفضح كل من موقعه وانطلاقا مما يعرف ويسمع ويشاهد هؤلاء المجرمين الذين يلعبون لعبة شهود الزور بشكل فاضح للغاية, ويعتقدون أنهم ينجون بفعلتهم هاته, دون أن يدور في خلدهم ولو للحظة واحدة أنهم يورطون البلد في أشياء إذا ما تطورت ستصل إلى عواقب خطيرة لا قدر الله.
رابعا, بعض الجماهير. وصلنا اليوم مع خطورة ما رأيناه وعشناه غير مامرة في غير ماملعب إلى المرحلة التي تحتم علينا وصف بعض الجماهير بالمجرمة, وإلى الدرجة التي تجعلنا نطالب ليس فقط بتوفير الحماية منها للناس الآمنين, ولكن بضرورة البحث عنها في منازلها والأماكن التي ترتادها من أجل إلقاء القبض عليها ومتابعتها على كل ما اقترفته في الملاعب المغربية المختلفة. هناك أسماء معروفة في كل مدينة مغربية لمشاغبين خطرين, يحولون حياة الناس إلى جحيم كل سبت أو أحد بمناسبة كل لقاء, والأمن يعرف هؤلاء, ومسؤولو الأندية يعرفون أسماء هؤلاء, وروابط المشجعين أو الألترات, تعرف جيدا أسماء هؤلاء, ولا وجود لأي مبرر نهائيا لبقاء هؤلاء المجرمين خارج أسوار السجن, لأن هذا المكان هو مكانهم الطبيعي والوحيد الذي يمكن أن يقبل بهم دون أي نقاش.
خامسا, الحكومة المغربية, وفي مقدمتها وزارة الشباب والرياضة, التي يشغل وزيرها باله بالدفاع عن القمار وإشهاراته في التلفزيون أكثر مما يشغل باله بالدفاع عن وجود مؤسسات ديمقراطية فعلية في البلد تسير جامعات الكرة, وتعطي لمسيريها قوة شخصية مستمدة من قوة وشرعية تواجدهم على رأس تلك الجامعات. لم أفهم ولا أفهم ولن أفهم أبدا سر صمت وزير الرياضة عن الجرائم التي تقع في ميدان تابع نظريا لسلطته, وسبب عدم قدرته على بلورة موقف حازم قبل أن تقع الفأس في الرأس أكثر مما وقعت, وقبل أن نتورط في أحداث شبيهة بأحداث بورسعيد في مصر, وهو أمر ليس مستبعدا إذا ما نظرنا إلى الوتيرة التي تسير بها الأمور اليوم في ملاعبنا. وللكلام صلة لاحقا...

الأربعاء، 4 أبريل 2012

الآن والأمس وغدا

تتفرق بنا السبل, ثم نلتقي, ثم نفترق ونعاود الالتقاء. أول أمس ذهبنا لنشهد ميلاد مجلة "الآن" فوجدتني داخل "الأحداث المغربية" من جديد. رأيت مصطفى, وسي محمد, والمحجوب وادريس. رأيت أعمارا من الحياة تربت في هذا المكان, عاشت فيه اكتشافها الأول للصحافة, وتعلمت فيه الأحرف الأولى لاحترام قيم العيش قبل احترام أي شيء آخر. كان الزميل يوسف ججيلي يعلن ميلاد مجلته الجديدة بتأثر شديد, للحظة إنسانية لطالما انتظرها وجاءته تتويجا لمسار جديد يعلن مولد أشياء أخرى قادمة إلى مشهد صحفي تم تقسيمه في يوم من الأيام لكي لايلد إلا أسماء معينة, ولكي يصاب بالعقم بعدها.
وبين الكلمات المتحمسة للانطلاق, الحالمة بالنجاح, والراغبة في المغامرة, وجد يوسف الكلمات المناسبة لكي يقول "ستلاحظون أن عددا كبيرا من المغامرين معي في هذه التجربة الجديدة هم أبناء الأحداث المغربية التي تعد مدرسة حقيقية في مجال الصحافة الناطقة باللغة العربية في بلادنا". لم أستطع شكر يوسف على الكلام الطيب بالقول, لكنني شكرته بنظرات العين, ووجدت الآخرين, أبناء هذه الدار الذين خرجوا منها يوما يفعلون الأمر ذاته. كلهم قالوا لهم في سريرة سريرتهم شكرا.
بدءا من مصطفى أزوكاح, هذا الطفل الكبير, الممتلئ قلبا يضج بالحياة, والغاضب أحيانا لأبسط الأسباب, الفرح أيضا لأبسطها, المتمسك بأنه لن ينسى أبدا الأيام التي عاشها في هذا المكان, مرورا بادريس العنبري إبن الدار المتشبث بالوفاء لها, القائل لكل من يريد سماعه إن "الأحداث وحدها تعرف كيف تفعل الكثير من الأشياء", مرورا أيضا بالمحجوب فريات, رجل لايعبر عن مشاعره إلا قليلا, لكنه بين لحظة بلوز وأخرى, يبوح بكل شيء, ويغرق في حاسوبه أو في هاتفه النقال لكي يقول عبره ما لايقوله عادة من عابر الكلام, مرورا أيضا بمحمد سقيم المسؤول اليوم في قناة "الرياضية" والذي حضر يوم الإثنين لمساندة زملائه السابقين في الأحداث المغربية, والذين يجد لهم باستمرار النكتة القادرة على النفاذ حتى العمق, من كل الذكريات التي عبرت المكان ذات زمان.
هل ذهبنا يوم الإثنين لكي نحتفل بميلاد "الآن"؟ نعم, لكننا وجدنا أنفسنا أسرى الذكريات التي مرت يوما, وأسرى ترديد الحكايات الطريفة التي عشناها ساعة فساعة, ودقيقة فدقيقة, وثانية فثانية.
جمعتنا التجربة أول مرة وأغلبنا لم يمارس الصحافة يوما. أتينا إلى هذه المدرسة وتعلمنا فيها كل شيء. صنعنا أسماءنا من العدم, لذلك ندين لها حتى آخر الأيام بكل الفضل. لحسن الحظ أن أغلبية من مروا من هنا كانوا من الأوفياء. أناسا يخشون أن ينسوا يوما من مد لهم يد العون الأولى في بادئ اللحظات, لذلك سيجمع بيننا الامتنان لهذه التجربة كل القواسم, وسيظل خيطنا الرابط الذي به نتعرف على بعضنا البعض كلما هلت علينا لحظة جديدة للالتقاء.
حتى تلك اللحظة التي خرج فيها بعضنا إلى تجارب أخرى _ لأسباب كثيرة ليس هنا أوان تبيانها _ كان كل مرة بالنقيض, بالضد يعرف قيمة الدار التي تركها في بياضة, غير بعيد عن لاجيروند, وفي المنعطف الأول قبالة القصر الملكي بالبيضاء. هنا التقينا أول مرة. أتينا من كل مكان, من الأحياء الشعبية في أغلبيتنا إلى مجال فهمنا أننا قادرون على صياغته وفق تصور آخر غير التصور السائد للأشياء. كتبنا وأصبنا وكتبنا وأخطأنا, لكننا أساسا صنعنا جزءا من تاريخ الصحافة في هذا لابلد, لايمكن إلا أن يبقى لذاكرتها وذكراها إلى آخر الأيام.
قال عنا الكثيرون كل الأشياء. سمعنا ولم نطع, قلنا مع أنفسنا مرارا وتكرارا إن الزمن كشاف, وإنه وحده سينصف الكل في الختام. سيقول من ومن, سيحدد العلامات, وسيؤكد الفوارق, وسيعيد إلى كل ذي حق حقه, وكذلك كان. اليوم يبدو من الصيرفي في المشهد الصحفي الراغب في الربح المادي فقط, يبدو أيضا المتلون الذي يبيع كل يوم جلده لمن يدفع أكثر. يبدو غير المهني المتطفل على كل شيء, ويبدو القادر على الكتابة عن الشيء ونقيضه بشكل يدفع فعلا إلى الإعجاب حد الذعر. وتبدو التجربة في كامل بهائها قادرة على الاصطفاف لوحدها شيئا للتاريخ فعلا. في لحظة من اللحظات استدعى محمد مؤيد نفسه إلى الحديث ليلة الإثنين. أتى الراحل الكبير لكي نتذكر به تلك النظرات التي كانت تتحدث أفضل من كل الكلمات. تحدثنا عن الجميع, وكدنا ننسى أننا هنا من أجل "الآن" ولسنا هنا من أجل تذكر ماكان.
وأنا أغادر الطابق الرابع من إقامة بغداد حيث سيصنع يوسف وسامي ونادية وفؤاد وخالد رفقة البقية تاريخهم الجديد مع مغامرتهم الصحفية الجميلة التي تبدأ بالكاد, كانت الأسماء تتراءى لي من كل مكان, وكنت عاجزا عن إيقاف سيل الذكريات إذ عبر مني كل المسام. ترحمت على خالد سنينة. تذكرتني جالسا قربه في اجتماع شهير في الطابق الثالث وهو يجد صعوبة في إيقاف ضحكته. تذكرت كل شيء, دون أي استثناء, كل شيء, وأحسستني _ ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد _ محظوظا بالفعل أنني كنت جزءا من هذا التاريخ المجيد.
شكرت الليلة كلها, وابتسمت, بشجن وميلانكوليا حقيقيين, لكنني ابتسمت...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يجب أن نقرأ خبر طرد فرنسا لمجموعة من الأئمة من ترابها القراءة الصحيحة فعلا. بعض هؤلاء سامحهم الله تجاه مايفعلونه بالدين الحنيف, أًبحوا متخصصين في تقديم أسوء التصورات عن الإسلام, وأضحى فهمهم الرديء والخاطئ لديننا متسببا في الكوارث تلو الكوارث للمسلمين العاديين, وللجاليات المسلمة في بلد المهجر, وأصبحوا _ عوض أن يكونوا أداة رحمة بين الناس _ أدوات عذاب فعلية ترعب وترهب وتمنع الغرباء والأجانب من الاقتراب من الإسلام الاقتراب الجميل الذي صنع علاقة هذا الدين بالبعيدين عنه على امتداد التاريخ.
من حق فرنسا أن تطرد من تراهم مهددين لقيم الجمهورية لديها, ومن حقنا نحن أن نحزن, فقد صرنا متخصصين في إرهاب الناس وإرعابهم حتى في قلب دولهم.
دمنا لهذا التخلف الذي أًدمننا وأدمناه

الاثنين، 2 أبريل 2012

دنيا والأمل

يجلس الرجل القرفصاء فوق المشهد الإعلامي المغربي. يقضي حاجته يوميا على الرؤوس ويمضي هو الذي يعد الرمز الأكبر للريع النقابي في البلد. سألت نفسي طويلا "زعما يستحق نكتب عليه؟". جاءني الجواب سريعا على لسان عدد كبير من الزملاء "والله مايستحق, تافه ديال الخلا وصافي". التزمت الصمت الذي أمرني به الزملاء, وقررت الصفح عن الموضوع كله وانتظار الآتي من الرداءات ليقيني أن الحياة إن هي إلا سلسلة منها في بلد مثل البلد, ومع أناس مثل الناس.
بإحساس ممض بالهباء, وبغير قليل من الحزن التقطت كل ما قيل عن الموضوع, وسادتني حالة يأسي الشهيرة التي أعرفها لوحدي, تلك التي تحبطني من نفسي ومن المحيطين بي, ومن كل شيء, وتجعلني أكفر في لحظة واحدة بكل يقينياتي التي أمضيت الزمن والوقت كله أبنيها "شوية بشوية", لكن دنيا أخرجتني من حالة الإحباط هاته. شابة في مقتبل العمر, تملك صوتا أخاذا وجميلا سلب العرب كلهم, وذكرهم أننا البلد الذي أنجب عزيزة جلال ذات يوم, تلك التي أرعبت المصريين على عرش أم كلثوم, وجعلتهم يتساءلون "ياكما غاديين يديروها المغاربة هاد المرة؟". عزيزة اختارت إنهاء مسارها ذات يوم بشكل مفاجئ. تزوجت وأجلست صوتها لكبير في البيت, وبقي المغاربة على ظمئهم يتظرون صوتا كبيرا جديدا يحملهم إلى مقدمة المشهد الغنائي الإقليمي, فكانت دنيا.
يومي الخميس والجمعة زارتنا الشابة البيضاوية المتألقة. رأيت في التفاف الزملاء حولها من كل الأقسام في الجريدة, ورغبتهم في تخليد مرورها من هذا المكان رغبة منهم في تخليد لحظة فخرهم بصوت مغربي أدهش الكبار القابعين في عقدة تفوقهم الشرقية علينا. جاءت دنيا إلى آراب أيدول وخلقت لهم مشكلا كبيرا "واش نربحو مغربية زعما؟". كل الإجابات المنطقية كانت تقول "نعم, خاصها تربح". الشابة تؤدي المغربي بتألق, تؤدي الشرقي بروعة, تؤدي الخليجي بإتقان, ولو كانت لجنة تحكيم آراب أيدول ممتلكة لناصية اللغات قليلا وطلبت من دنيا أن تغني الفرنسي أو الإنجليزي أو الإسباني لفعلتها, شأنها في ذلك شأن شعب "سبع لسون" المسمى الشعب المغربي.
بالمقابل كان كل منافسيها, بمن فيهم الفتاة المصرية التي وصلت معها إلى النهاية, عاجزين عن أداء كل هذا التنوع الغنائي, وكانوا مقتصرين _ كل حسب البلد الذي أتى منه _ على أداء اللون الذي يتحدرون منه. بهذا المعنى, وبهذه النتيجة كان اللقب لصالح دنيا بامتياز, وكانت هي النجمة التي أعلن عنها البرنامج دون أدنى نقاش.
كارمين فازت باللقب, ودنيا فازت بإعلان نفسها نجمة قادمة بقوة إلى المشهد الغنائي المغربي. لذلك كان زملاؤنا في الأقسام المختلفة للجريدة مصرين على احتضانها, على الاحتفال رفقتها بعيد ميلادها يومين قبل قدومه, وملحين على أن يظهروا لها الفائز الحقيقي في هاته المسابقة التي قدمت لنا هاته الهدية التي كانت بيننا لسنوات ولم نكتشفها إلا بعد أن لمحها الأجنبي وحملها إليه لكي يتقن طريقة إظهار جواهرنا المحلية التي ندفنها هنا مقابل منح الواجهة للأدعياء, للرديئين, للقادرين على إبداء وقاحة القبح في وجه الجميع.
دنيا والرجل, وجدت نفسي فجأة مساء الجمعة وقد تغير مني "المورال" بشكل كامل. أخرجتني الشابة المغربية اللطيفة من حالة يأسي بالبلد التي أدخلني فيها ذلك الرديء, وجعلتني أقول "لحسن الحظ أن المتناقضات في البلد موجودة, وأن كم الرداءة المسيطر لايمنع من وجود بعض اللفتات الجميلة والبراقة التي تعيد لنا إيماننا بالعمل من أجل مغرب يتغلب فيه الجمال على القبح. الحب على الحقد, الطيبوبة على الشر الكامن في القلوب, الإبداع على الإدعاء واحتلال المناصب دون وجه حق".
وجدتني أيضا أقول أن لا حق لنا في الكفر ببلدنا مهما ضاقت علينا, ومهما كثر الرديئون حولنا. البلد المسكين في حل من رداءات هؤلاء, وهم "كيزاوك فينا النهار وماطال" أن خلصوني من هؤلاء, أن مدوا لي يد العون لكي يذهب المزمنون لحال سبيلهم, أن يخلوا المكان للأجيال الجديدة, أن يعطونا ويعطوه الإحساس أنه ليس عاقرا إلى هذا الحد الذي يجعل المزمنين في كل الميادين يصرون على أنهم وحدهم ""كيضويو البلاد", علما أنهم فعلا وحدهم يطفئون علينا يوميا مصباحا جديدا لكي يبقى الظلام مسيطرا, لعلمهم أنهم غير قادرين على العيش إلا فيه.
لاحق لنا في التسليم, ولا بديل لدينا عن خوض المعركة مع الرداء ومع رموزها في كل المجالات. سنسمع كلاما كثيرا سيئا. سنجدد أنفسنا في مواقع لانحسد عليها, لكن علينا أن نتحمل. البلد يطلب منا هذا, ودورته التاريخية تحتم علينا _ كل في مجاله أكررها لكي تفهم جيدا _ أن يصرخ في وجه رديئي ذلك الميدان "ديكاجيو, ضركو كمامركم". الناس ملت رؤية الحقد المطل من سحناتكم الكئيبة.
بالمقابل, وهذا هو درس زيارة دنيا يومي الخميس والجمعة لنا, البلد بحاجة لإشراقاته الجميلة التي يصنعها الوافدون الجدد. هؤلاء القادمون من أعماق أعماق المغرب, من الحي المحمدي العريق بالنسبة لدنيا, ومن أحياء فقيرة كثيرة تشبهه على امتداد الوطن ككل, سيمنحوننا دائما الإحساس بالخلود والبقاء, والإحساس بالقدرة على مقاومة الرداءة مهما تجبرت أو استطالت أو حاولت تصوير نفسها قوية.
لهم الشكر على مدنا بالقدرة مجددا على مقاومة الجالسين القرفصاء, يقضون حاجاتهم الوسخة يوميا على رؤوسنا دون أدنى خجل أو حياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
فهم إخوان مصر أن اللحظة مناسبة للوصول إلى حكم أرض الكنانة, وتراجعوا دون أدنى إشكال عن اتفاقهم مع كل الأطراف التي كانوا معها, لكي يعلنوا ترشيحهم لخيرت الشاطر لمنصب رئيس مصر في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
هل هي انتهازية سياسية فقط؟ في الحقيقة هيي علامة على أن السياسة بلا أخلاق تظل مسألة يؤمن بها الكثيرون بمن فيهم أولئك الذين يرفعون الشعارات الأخلاقية ويحاولون إقناع الناس بأنهم قادمون لكي يقدموا نماذج أخرى من العمل السياسي غير تلك التي سادت في السابق.
ماوقع أول أمس في مصر, يؤكد أن كثيرا من الشعارات تسقط حين الممارسة بسرعة, وهذه ليست إلا البداية, وغدا سنرى رئيس مصر الإخواني يزور تل أبيب تفعيلا لاتفاقيات كامب ديفيد.
من يراهن؟