الثلاثاء، 6 دجنبر 2011

السي محمد ورشدي

يعرف الأول أني أحبه. ويعرف الثاني أن المغاربة كلهم يحترمون فيه المسار الغني الذي كتبه على امتداد السنوات، وتعرف مراكش من خلال تكريم الرجلين معا هذه السنة أنها تنجز الواجب اللابد منه، وأنها تنحني إجلالا في يوم ما للعبقرية التشخيصية المغربية إذ تحمل الإسمين معا: السي محمد بسطاوي ورشدي زم.
للأول قصة كبري مع تمغربيت في أبهى الملامح المكتوبة على تقاسيمها. أرى السي محمد فأرى المغربي. لاأستطيع الفكاك عن هذا الشعور. في الحركات، في طريقة الكلام، في الإقبال الكامل على الحياة، في العيش خلف الأشياء، في القبض على تفاصيل العيش كلها ، في السير الحثيث في ظل الأمور، غير راغب في شيء إلا في :"تدواز السربيس بخير وعلى خير".
متى بدأ بسطاوي التمثيل؟ منذ القديم، منذ السنوات الأولى لهذا الفن الصعب والعسير. من لايعرف المهنة جيدا يقول عنها إنها مهنة سهلة للغاية. "فيها الماكياج وشوية ديال الضو وكتحفظ ولا كاع بلا ماتحفظ الدور، وصافي".
لكن من يعرفون مهنة الممثل جيدا، ومن يقدرونها حقا يعرفون أنها جهنم بكل اختصار. هي المهنة الوحيدة في العالم التي ينبغي لك إن كنت صادقا فيها أن تنزع عنك مئات المرات في اليوم الواحد رداء شخصية لكي تلبس رداء شخصية أخرى، ويلزمك - مرة أخرى إذا كنت صادقا - أن تموت وتحيا فيها آلاف المرات، وأن لايرى منك الآخرون إلا الوجه الظاهر، الجميل، المشرق، المبتسم على الدوام.
السي محمد هو خريبكة أيضا، وهو هذه المدن المغربية المختفية التي لانتذكرها إلا نادرا نحن المهووسون بالمركز وبمدنه العملاقة، والتي ننسى أنها هي التي أنجبت لنا كل عظمائنا في الختام.
السي محمد هو تلك اللحية الكثة المستعصية على النظام، هو الفوضوي حد تنظيم كل الأشياء في ذهنه، هو القادر على أن يحمل معه مشاهده والمتفرج معه إلى آخر المسافات وحدود المدى الأول والتالي للأمور، ثم يعود به إلى البدايات الأولى للتمثيل باعتباره فن كل هاته القدرة على الجمع بين كل المتناقضات.
نادرا ماتكون لدينا نحن الصحافيون الفرصة لكي نقول شيئا جميل عن فنان محلي. نفضل في أغلب الوقت أن نترصد الهفوات، أن نكتب بقسوة غير مبررة في كثير من الأحايين إلا برغبتنا في أن نرى شيئا جميلا على شاشتنا يشبهنا، ولإحساسنا بأن أهلنا قادرون على التميز، لكنهم يخطئون المسار. لذلك أغتنم فرصة تكريم مراكش لمحمد بسطاوي هذه السنة لكي أكسر قليلا القاعدة، ولكي أقول إن لدينا عباقرة في التشخيص- هذا واحد منهم بكل تأكيد - كان ممكنا لهم أن يبلغوا المبالغ الكبرى من التألق في المجال لو كان لدينا مجال أصلا.
لكن لا يهم. مراكش تسدي لنا حسن الصنيع اليوم وهي تفعلها، وتذكرنا أنه من الممكن بين أجنبي وأجنبية نحتفي بهم باسم السينما التي لاتعترف بجنسية أن نعود إلى الدواخل الأصيلة والأصلية فينا لكي نستل منها رجلا مثل السي محمد بسطاوي يستحق كل الخير، ويستحق فعلا أن تقال له كلمة "شكرا المغربية" بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالتحديد.
رشدي الآن. في ملامحه صورتي وصورتك وصورة كل المغاربة الذين ذهب الآباء منهم يوما إلى أوربا بحثا عن لقمة الخبز الصعبة، والذين كانوا يقولون وهم ذاهبون إلى هناك إنهم "عائدون بعد سنوات قليلة"، وأنهم لن "يعيشوا العمر كل في فرنسا أو غيرها من دول المهجر". لكن، حين وصلوا فهموا للمرة الأولى والأخيرة أنهم لن يعودوا أبدا.
أخذتهم الحياة إلى كل مجراتها، وعاشوا التمزق الكبير والدائم بين وطن تحبه لكنك تعرف أنه من المستحيل أن تحيا فيه بكرامة، وبين بلد يستقبلك ويوفر لك الشغل والزاد والقدرة على الحياة، لكن يرمقك شزرا كل يوم ويذكرك أنك غريب مهما اندمجت فيه، ومهما حاولت أن تتعلم لغة الجفرافيا والانتماء هناك، فأنت في كل الحالات وحتى آخر الأيام معهم من جنسيتهم لكن مع تذكيرك بالأصل دائما والتركيز على الملامح المختلفة التي تحملها معك في المسام.
رشدي المغربي يحمل معه هذه المسام الأصلية فينا ويدور بها في كل مكان صارخا الافتخار بالأصل، والافتخار بالمسار الذي دشنه الآباء، مثله في ذلك مثل جمال الدبوز وكاد المالح وهؤلاء المغاربة الناجحين في الخارج الذين يلزمك أن تجالسهم وأن تنصت إليهم وهم يتحدثون عن المغرب لكي تعرف كل الحب الذي يحملونه في الأحشاء منهم لهذا البلد العظيم الذي يمكنه لوحده أن ينجب أمثالهم.
رشدي السائر بتؤدة لكن بيقين كبير نحو عالمية يستحقها وجه آخر لافتخارنا بهذا البلد الذي لم يكن عاقرا في يوم من الآيام، والقادر على إدهاشنا حتى آخر الأيام.
بأمثال الرجلين نعرف أننا ننتمي إلى البلد المناسب في اللحظة المناسبة. هذا فقط ما أردت قوله. بقية الأشياء مجرد تفاصيل صغيرة لاتهم نهائيا ولامكان لها في إعلان الحب الصادق هذا الممتد من الآن وحتى آخر الأيام

الاثنين، 5 دجنبر 2011

أنا ماشي صحافي

حنا المغاربة علماء كبار فترياب الحفلة. عوض أن يكون محور حديث صحافتنا عن افتتاح مركب موروكو مول التجاري الضخم حديثا عن هذا التألق المغربي في المجال, وعن الاستقرار السياسي الذي يدفع رأس المال الخليجي والأجنبي بصفة عامة للقدوم إلى بلدنا, تم اصطناع نقاش ولا أتفه حول تعامل صاحبة المول مع الصحافيين المغاربة وسمعنا كلاما غريبا عن "الإهانة" و"العنصرية" والتعامل المذل" إلى غير ذلك من الكلمات الكبيرة والفارغة في نفس الآن.
ليسمح لي زملائي من الصحافيين الذين يعتبرون أنهم قد تمت إهانتهم, لكنني أرى موقفهم جد تافه, للأسباب التالية, ومعذرة على الإزعاج مثلما نقول كل مرة, لكننا نعتقد أنه ينبغي في كثير من الأحيان إيقاف بعض التفاهات في مهدها لئلا تمتد وتتواصل إلى مالانهاية
حين الحديث عن الفرق في التعامل بين الصحافة المغربية والصحافة الأجنبية علينا دائما أن نضع في اعتبارنا أن هناك صورة معينة يريد أصحاب منتوج معين إيصالها إلى الخارج أكثر مما يريدون أن تصل إلى الداخل, حينها يكون عاديا أن يهتموا بالصحافة العالمية, وأن يجدوا أنه من المفيد أكثر لهم ولبضاعتهم أو منتوجهم أن تكتب عنه "باري ماتش" أو "نيوزويك" أو "دير شبيغل" من أن تكتب عنه "الأحداث المغربية" أو غيرها من الجرائد أو وسائل الإعلام الوطنية.
المسألة عادية جدا وليس فيها أي احتقار, ولا حظوا أننا قلنا "الأحداث المغربية" لئلا يحس أي كان بأنه مستهدف من هذا الكلام. المسألة ومافيها هي أن هناك فرقا فعليا في المستوى المهني والإشعاع والانتشار بين هاته الصحافة وبين صحافتنا, فإذا ماتم الاهتمام أكثر بالصحافة الأجنبية فالأمر يمكن تفهمهم وقبوله وعد خلق "فيلم فارغ" حوله مثلما وقع هاته الأيام.
هذه واحدة, أما الثانية فهي عملية الإنزال التي تمت لبعض الصحافيين من الحافلة التي كانت تقلهم لحفل جينيفر لوبيز. هنا أيضا يجب أن يقال بعض الكلام وإن أغضب من يرون الأمور بشكل بسيط وشعبوي للغاية: اللائحة التي كانت مدعوة لحفل جينيفر لوبيز كانت مهيأة من قبل, وبعض المدراء أو رؤساء تحرير الجرائد أرسلوا صحافيين نيابة عنهم, علما أن الحفل كان مخصصا للفئة الأولى, وهنا قام المكلفون بالتنظيم, بطلب نزول كل من لايرد إسمه في هذه اللائحة. حقيقة بدا الأمر مهينا في الوهلة الأولى, لكنه من الناحية التنظيمية الصرف مفهوم إلى حد كبير, بل هو مجرد تطبيق لتعليمات تلقاها المسؤولون عن التنظيم ليلتها.
نأتي الآن إلى بيت القصيد. ما الذي أثار فعلا غضب بعض الصحافيين المغاربة من كل ما وقع في افتتاح موروكو مول؟
للأسف الشديد, أثار غضبهم الحديث الذي قيل عن منح الصحافيين الأجانب هدايا قيمة وثمينة والاكتفاء بمنح الصحافيين المغاربة ألبوما رقميا. هنا بالتحديد نمسك رأسنا بين أيدينا ونقول "آش واقع آعباد الله؟". المطالبة بالهدايا التي تعد في حكم الرشوة أصبحت علنية في البلد إلى درجة الاحتجاج على الفرق بين هدية وأخرى أو بين رشوة وأخرى؟
أعترف أن مثل هاته الممارسات تجعلني أكره هذه الحرفة في البلد, وأكره حضور اللقاءات أو الندوات التي تكون مخصصة لتقديم أي شيء للصحاافيين, لأن الإحساس الذي أصبح سائدا لدى أغلب من ينظمون هاته اللقاءات أن "الناس جاية غير تاخد وتمشي". والمصيبة هي أن هذا الإحساس انتقل إلى الصحافيين أنفسهم, حيث تجد عددا كبيرا منهم يتوجه إلى هاته اللقاءات وهو يمني النفس بهدية ما أو باستفادة معينة غير الاستفادة التي يفترض أن يحملها معه إلى الوسيلة الإعلامية التي يمثلها أو التي يمثل عليها دور الصحافي, مادام يتحول في هاته الحالة إلى "نتاف" كبير لافرق بينه وبين النتافين الصغار الذين يسرقون محافظ السيدات وهواتفهم النقالة من على ظهر الدراجات النارية.
أشياء كثيرة يجب أن يعرف هذاالمشهد الصحفي المعتل, المسكين, المريض, المحتقر لنفسه ولرسالته الفعلية أن عليه أن يصلحها في نفسه قبل أن يطالب الآخرين بإصلاح عيوبهم. ومن هاته الأشياء النبرة التي يكتب بها ويتحدث بها العديدون عما وقع في افتتاح موروكو مول, والحملة التي تستهدف سيدة ناجحة للغاية هي سلوى أخنوش كان يفترض أن ننوه بها جميعا للعمل الذي قامت به تجاه البلد, فإذا ببعضنا يتحول إلى شيء لايمكن وصفه تجاهها فقط لأنها لم تلب له ما يريده.
لا أعرف هذه السيدة لا من قريب ولا من بعيد, ولم أتلق "أيباد" مثلما قيل عن بعض مدراء الجرائد منها, ولا صلة لي بعالم المال والأعمال إلا من بعيد, أرمق الناجحين فيه فأغبطهم وأنا أعرف أنهم ينجزون أعمالا لا أستطيع القيام بها, ولا يمكنني أن أتفوق فيها أبدا أنا الذي لا أعرف كيف أسير ميزانية بيت صغير, فأحراك أن أسير ميزانيات ضخمة مثل الأرقام التي يتحدثون عنها, لكنني أجد نفسي ملزما بالاصطفاف مع هذه السيدة في وجه هذا الهجوم, لأنني أعتقد أن من يأتي بفرص عمل إلى هذا البلد, ومن يقدم عنه صورة جيدة مثل صورة هذا المركز التجاري الضخم, يستحق أن نشكره لا أن ننتقده لأن من يشتغلون معه "نزلوني من الكار, ولا ماعطاونيش كاضو", أو غير هاته الأشياء من التوافه.
عندما ستكبر صحافتنا المحلية في تعاملها, سيكبر تعامل الآخرين معها. ماحدها صغيرة وهي تقاقي وتزيد فالبيض مثلما قال الآخر. وسمحو ليا أنا راني غير داوي, كيف العادة, وصافي.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
المشهد الجميل والتعبيري والراقص والفني, والحامل لكل الأوصاف الجميلة الذي قدمته ساحة جامع الفنا مع الفنان الهندي الشهير شاروخان, مشهد يقول كل شيء عن هاته الروح التي يتقن القبض على تفاصيلها الجمهور المغربي لوحده. من جهته كان الممثل الهندي الأشهر في مستوى اللحظة الرائقة التي أهداها له شعب مراكش وشعب مهرجانها.
درس في التلقائية جدير بأن يتلقاه الكثير ممن لايجدون مايفعلونه حين لحظات تكريمهم أو الاحتفاء بهم غير ترديد كلام لا معنى له أو القيام بحركات غير مفهومة. وتلك الصور التي تناقلها العالم أجمع لشاروخان وهو يرقص في جامع الفنا رفقة المراكشيين ستظل حتى ختام كل الأيام, دليلا على كثير الأشياء الجميلة في هذا البلد.