الخميس، 19 غشت 2010

في الواجهة عمود الخميس 19غشت 2010

تأشيرة للكرامة
الكثيرون لم يرقهم أن تتشدد السعودية في منح "فيزات" العمرة لفتيات مغربيات, والكثيرون اعتبروا الأمر علامة استهتار بالعلاقات الأخوية بين المملكتين, وإهانة إضافية لاتستحقها المرأة المغربية, ولا تحتاجها هي التي تعاني صورتها من آثار مدمرة على امتداد العالم العربي كله. نتفهم أن يجرح الإجراء شعور البعض, لكن ماينبغي فعلا أن يجرحنا جميعا هو السبب الفعلي الذي جعل صورة نسائنا تتحول إلى هذا المنحى الرهيب.
شيء ما اشتغل لسنوات لكي يصور لنا المرأة في بلدنا مرادفة فقط للدعارة, ولكي يقدم لنا رحلاتها إلى الخليج باعتبارها رحلات ذات اتجاه واحد, وهدف واحد: بيع الجسد, والعودة من هناك بأقصى مايمكن من المال.
هل هي صورة كاذبة؟ قطعا لا, هل هي الصورة الوحيدة؟ مرة أخرى, قطعا لا.
هناك فتيات مغربيات يشتغلن في الخليج في مهن الدعارة بمختلف مسمياتها, لكن هناك معهن نساء مغربيات يشتغلن هناك بشرف. هناك مافيا حقيقية تشتغل في المغرب ترسل باستمرار إلى الإخوة العرب حاجتهم ويزيد من "اللحم المغربي الرخيص", لكن هناك أيضا شركات كبرى ومحلات تجارة وغيرها تستقدم يدا عاملة مغربية رخيصة لكي تمتهن مهنا شريفة في الخليج. لذلك علينا أن نتوقف عن التعميم, وأن نتناول كل حالة لوحدها, وأن لانطبق _ في هذه بالتحديد _ المثل المغربي الشهير "حوتة وحدة كتخنز الشواري", لأن الأمر يهم سمعة بنات وعائلات مغربيات كثيرات هاجرن إلى هناك بغرض آخر غير غرض بيع الجسد.
ومع ذلك لابأس من الاعتراف بأن المافيا التي تورد اللحم المغربي الرخيص نجحت في تصوير بلدنا في مختلف الدول العربية باعتباره فقط البلد الذي يصدر فتياته إلى العرب, والذي يقبل كل ذكوره العمل سماسرة أجساد. وللمتسائل عن أسباب هذه الصورة يمكن أن نقول إن جزءا رئيسيا منها سببه وجود الظاهرة بالفعل, وأن الأسباب الأخرى تتحدد أساسا في تركيز صحافة معينة على ترويج هذه الصورة لوحدها دون بقية الصور عن بلدنا.طبعا الصحافة تنقل جزءا ضروريا من الصورة, لكن حين يصبح نقل الصحافة للصورة متمحورا فقط حول هذا الجزء هنا يبدأ المشكل حقا.
لكن لنطرح السؤال واضحا وصريحا: من السبب؟
القول بأن الفتيات اللائي يهاجرن إلى الخليج هن سبب الصورة سيكون ظالما للغاية. القول إن العائلات التي ترسل بناتها إلى هناك هو السبب سيكون الظلم بعينه. السبب الحقيقي هو هذه الحرب التي نخوضها ضد كل نقي في دواخلنا بكل الوسائل إلى أن وصلنا الحد الذي لارجعة منه والذي يقول إنه من الأفضل لعائلة مغربية أن تبيع الذهب الذي تمتلكه لكي تشتري لابنتها "كونترا" تذهب بموجبها إلى الخليج لكي تشتغل "حلاقة". (على قلة الكوافورات تماك؟) . السبب الحقيقي يكمن في هذه النزعة المادية التي تمكنت من الجميع, والتي جعلت عبارات مثل الشرف والكرامة وغيرها من مرادفات الزمن الجميل تعني بكل بساطة الغباء في زمننا هذا.
السبب الحقيقي يكمن في استحالة العيش على نفس الرقعة بين من تمضي الشهر كله ترتدي نفس الحذاء, وبين من تصرف أكثر من عشرين أو ثلاثين ألف درهم في اليوم في سهرة تافهة لاتدوم إلا سويعات قليلة. السبب الحقيقي يكمن في أن الهواء لايكفي للعيش من تستفيق في السادسة صباحا لكي تشتغل في "لوزين" حتى الثامنة ليلا, في الوقت الذي تستفيق فيه بالتحديد تلك التي ستبدأ ليلتها الإضافية نحو آفاق أخرى لاتنتهي ستصرف فيها أضعاف أضعاف ما تتلقاه شهريا العاملة البسيطة التي تستعد للنوم.
السبب الحقيقي يكمن في أن البلد "خرج من الخيمة مايل", وحكم على أبنائه بالسقوط المدوي بين حريك الذكور وبين دعارة الإناث في كل بقاع العالم, دون الحصول على التأشيرة الأهم: تأشيرة الكرامة. قالت لي فتاة مغربية التقيتها ضمن "وفد" من العاهرات المغربيات في بيروت "ساهلة الهضرة الخايبة على البنات, ولكن اللي صعيب تقول ليا يلا دخلت للمغرب شنو ندير. أنا كنضبر على راسي بالمزيان هنا, حسن ماندير نفس الشي فالمغرب...وفابور".
هل من كلمات تصمد أمام هذا المنطق السليم وهذا الكلام المتراص فعلا رغم بؤس المشهد العام؟
أتصور أنه من الأليق لنا أن نبحث عن طريقة أخرى لتناول هذا الموضوع, وستلاحظون دون شك أن هذا العمود لم ينتصر لموقف من المواقف كلها التي ترتبط لهذا الموضوع, بكل بساطة لأن الانتصار لأحدها سيكون ظلما حقيقيا, ولأن المشكلة أعقد من أن تناقشها في مكتب مكيف وأنت تفكر مليا فيها دون أن تكون معنيا بها حقا وبملابساتها. "المخبوطات" بمزود هذه الآفة اللعينة وحدهن يحق لهن الحديث عنها وعن سب الخلاص يوما من دوامتها. غيرهم لايملك إلا أكل الهواء: أن يردد كلاما لايعرف معناه عن قضية لا يحس بثقل مرارتها الحقيقي, ويكتفي بترديد مايسمعه عنها هو الآخر, لا أقل ولا أكثر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضحكة أصبحت حكاية القزابري والصحافة في رمضان: "الجورنان اللي حرافت لو", ينجز روبرتاجا عن اصطفاف المصلين بالمئات وراء القزابري في مسجد الحسن الثاني. الأمر كان مقبولا في السنوات الأولى لظهور هذا المقرئ النجم, أما وقد أصبح عاديا ومتداولا ويعرفه الخاص والعام فإن تناوله باستمرار يعني أننا "مالاقيين مانكتبو". ورغم ذلك "نتخاطرو العام الجاي", ستقرؤون مجددا في جريدة ما : المئات يصلون خلف القزابري في تراويح رمضان.
الله يتقبل, "شنو بغيتونا نديرو ليهم"؟
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق