الأربعاء، 18 ماي 2011

يافؤادي...لاتسل

لهذا الرجل قصة حقيقية مع المغرب الحديث. يقول عنه الشعب المغربي إنه "الوحيد اللي كيسوق بيه الملك الطوموبيل". في النكتة الشعبية المبنية على صور فؤاد التي جالت أكثر من جريدة من المقربين ومن المبعدين, الكثير من الإحالة على مايقال عن صديق الملك الذي أصبح زعيما سياسيا ذات صيف, بعد أن كان إبن المربع الصغير السلطوي.
أتى التعيين في العمل الحزبي بعد غضبة مضرية في باب سبتة استعمل خلالها فؤاد كل العبارات التي يعرفها للتدليل على غضبه. قال القائل يومها "لقد غضبوا عليه". قال الآخرون "المخزن عمرك ماتفهم شنو باغي يدير, لذلك تسناو". وقالت الأغلبية الصامتة من الشعب الذي يوصف بالمغربي "شغلهم هاداك".
جرت سنة الله في خلقه من المغاربة ألا نحشر أنفسنا كثيرا في "شغل الناس الكبار". نحن نعتبر أنهم كبار, وبناء عليه يعرفون مصلحتهم ومعها مصلحتنا أحسن من الجميع, لذلك لاندقق كثيرا. والصغار من بيننا الذين يحاولون حشر الأنف وبقية أعضاء الذات البشرية الأخرى في مثيل هذه النقاشات سرعات ماتتم إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي, لذل فهم الشعب أن عليه أن يتابع هذا الفيلم المسمى فؤاد علي الهمة من بعيد, دون أن يفكر ولو ثانية واحدة في الاقتراب منه أكثر من اللازم.
تعرفون تلك اليافطة العجيبة التي يضعونها في الميادين التي يشتبه في احتوائها على قنابل "خطر قنابل, ممنوع الاقتراب". كان الأمر شبيها إلى حد ما بالمسألة سوى أن الكل لم يكن على نفس الرأي منذ اللحظة الأولى. قلة قليلة من الناس قالت "مايمكنش". أن تأتي إلى السياسة من الفوق معناه أن تفرغ السياسة من معناها كله, وكن على يقين أن الناس لن تصدقك مهما قلت لها من شعارات تقارنها مباشرة بالفعل الأول فتنفي عنك كل الأشياء.
كانت حجة البسطاء ببسيطة مثلهم تماما : الناس تعتبرك صديق الملك, كيف يمكن أن يكون مغربي واحد خصما لك؟ ألم تسمع تلك العبارة العجيبة عدو صديقي عدوي؟ مايمكنش. ثم كان كل ذلك الإقبال. كدنا نصدق أن السياسة في المغرب عاد لها بريقها, وكدنا نقول لأنفسنا في لحظة كذب مكشوفة على النفس: ياكما هادا هو الحل؟
لكننا رأينا جحافل الإخوة تنخرط في الحزب إياه: فيهم القادم من الأحزاب الإدارية البائدة. فيهم الهارب من الأحزاب التي لم تمنحه التزكية. فيهم أيضا النقي المصدق للخدعة كلها والمؤمن أنها قد تكون حلا فعليا في يوم من الأيام.هناك بدأ المغاربة يقولون "وابزاف عاوتاني". شيء ما ليس على مايرام في كل هذا ويجب أن يتم وضع الحد له قبل فوات الأوان.
نعمو كانت تلك الأسطوانة التي تدغدغ مشاعر من كان مثلنا خائفا على المغرب من الظلاميين. أسطوانة محاربة أسلمة المجتمع. لكن لنطرح على أنفسنا السؤال بكل وضوح: هل يمكن أن نحارب أسلمة المجتمع بالتيلكوماند؟ هل يمكن للهاربين بمصالحهم من أحزاب أكل عليها الدهر وشرب إلى حزب يبدو هو صاحب الكلمة الفصل اليوم أن يشكلوا فعلا نوعا من أنواع الحلول للمغرب ولمشاكله؟ أم تراهم لن يكونوا إلى مشكلا إضافيا يزيد لاستعصاءاتنا كلها استعصاء جديدا نغرق في وحله إلى ماشاء الله من الأيام؟
أمس أو أول أمس شرعت الأنباء في النزول: الهمة يغادر مهامه القيادية في الأصالة والمعاصرة, العماري يغادر منصبه كمسؤول عن مقر الحزب, الوديع يخرج في موقع إلكتروني مقرب من الحزب لكي يقول كلاما جديدا. هل نعتبرها بداية صحوة السياسة مثلما ترتكب في المغرب من سكرة فكرة سيئة للغاية. كل المظاهر تقول نعم. لكننا تعودنا في المغرب على عدم الاستغراب من المفاجآت غير المتوقعة, لذلك سننتظر لكن بحذر, وسنقول إن الصغار الذين حركوا المشهد المغربي العام بهذا الشكل الثوري للغاية, نجحوا في مسعاهم الرئيس: أن يدخلوا الكثير من الشك إلى اليقينيات الزائفة التي أسست نوعا مرعبا من ديكتاتورية الأمر الواقع علينا جميعا.
في زمن آخر, لعله الانتخابات الأخيرة التي لم نشارك فيها كمواطنين أو الانتخابات الأخرى التي سبقتها, قدمت لنا جرائد كثيرة الجرار بمختلف علاماته وهو يجر المغرب إلى مستقبل زاهر وكبير. كنا نقول "بحال المسطيينط حينها إن المغرب أكبر من أن يجره مجرد "تراكتور". كانوا يردون علينا بالاقتراب أكثر فأكثر ممن اعتبروه حينها مركز القرار. كانوا ببساطة يهيئون المستقبل السياسي الذي قيل لهم إنهم صانعوه.
اليوم أتمنى منهم شيئا واحدا: أن لايسبوا الرجل الذي تحولوا إلى حوارييه حينها. ألا ينقلبوا انقلاب المائة وثمانين درجة الشهير. أن يبقوا على الكلمة التي قالوها في وقت سابق. إذا كانت ذاكرتهم عاجزة عن التقاط التفاصيل كلها, نبشرهم أن هناك أرشيفا قادرا على الاحتفاظ اليوم بكل شيء.
بالنسبة لفؤاد أخيرا, لا نعتقد أن هناك مشكلا ينتظر المسار الآخر. في النهاية, عندما تختارك الحياة وأنت في بدايتها لكي تلعب دورا هاما وأساسيا مثل دور فؤاد, من الأكيد أنها ستسعفك في المنتصف بشيء مكمل ومساعد على الإتمام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التحقيق أو الاستطلاع للتدقيق أكثر الذي قدمته القناة الأولى عن حادث أركانة يقدم لنا نموذجا حقيقيا لما يمكن أن يفعله تلفزيوننا إذا أراد أن يواكب بالفعل مايقع في بلادنا, مع ملاحظة لابد منها هي أنه من الممكن تسريع وتيرة إنجاز مثل هذه البرامج مباشرة بعد وقوع الحادث لئلا تفقد مايمزها من سخونة.
في فرنساو ونعتذر عن المقارنة الظالمة لكنها آثار البارابول الجانبية, يمكن لحدث استثنائي أن يزعزع البرمجة التلفزيونية في اليوم ذاته. لكن فرنسا تظل فرنسا والمغرب يظل المغرب في نهاية المطاف. ماعندنا مانديرو

الاثنين، 16 ماي 2011

بن لادن فالمغرب

يصعب على من يتتبع الجاري اليوم في المشهد المغربي ألا يتوقف عند نفوذ الإشاعات وسطوتها على الناس. بين بن لادن الذي استوطن الفنيدق هاربا من القصف الأمريكي في الباكستان, وبين سفاح النساء الذي يزور المدن المغربية بالتتالي, حيث حل بتطوان مؤخرا بعد أن مر على البيضاء منذ أشهر, وزار طنجة قليلا, وبين الإشاعات الكبرى التي تمس القضايا الحيوية للمغرب من تفجير أركانة الذي "لم يقع, ولكن المخابرات فبركته" مثلما تقول الإشاعة إلى 16 ماي التي لم تحدث إلا في خيالنا نحن الذين طعمناه بالكثير من العناصر الكاذبة, نحيا بالفعل في مجتمع يصعب عليه أن يصدق الواقع فيهرب الهروب العادي والطبيعي إلى الاختلاق.
لماذا؟ علماء السوسيولوجيا سيقولون استجابة لحاجة نفسية تجد صعوبة في عيش الواقع كما هو لذلك تهرب إلى صنيع الخيال. البسطاء من أمثالنا سيقولون "بالسيف, الإنسان يشق عليه اليوم أن يحيا دون وضع بعض البهارات على مشهد عام علينا الاعتراف أنه ناقص ملح وناقص دسم". مشهد لايت يصلح لأصحاب الحمية في كل شيء. مفتقر للإبداع, وغني بالمقابل بالمتوقعات وما أكثرها. لذلك يجد المغربي نفسه ملزما بإعمال خياله الخصب, وتحريك كل مكامن الإبداع في ذاته لتفجير أشياء غير متوقعة تصلح لنح هذا المشهد قليلا من الإمكانية للمتابعة دون ملل كبير.
أكثر ما يروق في هذه الإشاعات هو قدرة سارديها على حكيها بكل الاطمئنان الممكن لها وبكل الإيمان القطعي بها. امرأة منذ أيام تتحدث عن سفاح النساء الذي انتقل إلى تطوان وتقسم لنساء أخريات عند بائع ملابس نسائية أنه مر قربها وأنها أحست أن تحت النقاب النسائي الذي يرتديه رجلا, خصوصا عندما لمسها نصل السيف البتار الذي كان يحمله. لإضفاء المزيد من لاصدقية على الحكاية تبرز السيدة لبقية المستمعات لها جرحا صغيرا يكاد يندمل في يدها, وتقول إنه أثر السيف البتار الذي كان يحمله المنقب الهارب ذلك اليوم في القيسارية حيث صادفته.
"زفيفيطة" ستقولون أو ستلطفونها بعض الشيء لكل تستعملوا بالعربية الفصحى كلمة تدل على مبالغة هذه السيدة في الحكي. الأمر عادي جدا. نحن نعيش في مجتمع يحترف الكذب. سياسيوه نراهم باستمرار وقد حولوا كل التواريخ إلى فاتح أبريل, وسمكة كذبهم لاتريد الغرق يوما,بل لاتريد الاختناق حتى حينما يخرجونها من الماء. مثقفوه يلعبون دور أكبر كذبة يمكن تخيل وجودها على سطح الأرض. يضعون النظارات الطبية السميكةو ويطلقون لحيهم بشكل كث وفوضوي, ويبدأون كل كلامهم بعبارة "أعتقد في نظري المتواضع", ولاينهون الكلام لأن الأهم هو أن تبدأ الحديث, أما كيف تصل إلى "القفلة", وكيف نخرس إلى مالانهاية فذلك أمر لايهم كثيرا.
اقتصاديونا أيضا محترفو كذب من الطراز الأول. لو قمنا بعد المخططات الخماسية والسباعية والسداسية التي تربينا عمرنا كله على أنها ستدخل بالمغرب إلى جنان الازدهار لما أنهينا العد. والنتيجة أننا لازلنا نبحث إلى يوم الناس هذا عن مخطط حقيقي يقينا المزيد من الانهيار في بورصات الحياة التي قست على المغغربي البسيط, فأحالته هذا البينوكيو الذي يكذب اليوم بطوله لكي يحيا, دون أن ينتبه إلى أن أنفه يزداد طولا وأن الكل يعي جيدا أنه يكذب لاأقل ولا أكثر.
بسطاؤنا أيضا يعشقون هذا التماهي مع الخيال, أو لنقلها كما هي يعشقون الكذب. يروق للكثيرين مشهد "بخ" الجماعي الذي يرتكب في أماكن الالتقاء الكبرى مثل القطارات مثلا. إذا جلست في مكان في محطة قطار مغربية وراقبت لمدة زمنية قصيرة الأفواج التي تتحرك قبالتك ستؤمن إيمانا قطعيا أن المغاربة ينافسون السويسريين على لقب أسعد الناس في العالم: سرعة لامثيل لها في التحرك, جهد حقيقي على مستوى اللباس والمظهر, أكسسوارات مصاحبة من كل الأنواع بدءا من علامات الهواتف الراقية, من أيفون وغيره وصولا إلى ماركات اللباس العالمية, مرورا بتلك الطريقة الغريبة والمضحكة في الإسراع للحاق بموعد غير موجود إطلاقا اللهم في مخيلة الراكض الذي يعتقد أن المحطة كلها خشبة مسرح يتحرك عليها تحت أنظار المتتبعين, دون نسيان الرطن بكل لغات العالم المتخيلة من الفرنسية في نسختها العربية إلى اللغات الحية الأخرى التي تدل على شيء ما في ختام الختام.
هل نستغرب بعدها أن يقسم مغربي أنه رأى بن لادن في الفنيدق هذه الأيام؟ قطعا لا. الاستغراب الحقيقي مرده عدم تحدث أي مغربي لحد الآن عن الزيارات التي يقوم بها باراك أوباما باستمرار لحديقة الحيوان في عين السبع. لقد رأيته بأم عيني هناك منذ ثلاثة أيام عندما كنت أتعشى مع أنجلينا جولي دون علم زرجها براد بيت, وهذه ليست المرة الأولى. "إيوا حيدوها لي من فمي". يا الله.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعين متأسفة للغاية أتابع مايجري اليوم في قناة الرياضية, وأتذكر حماس الانطلاق لها وأتذكر الأحلام الكبرى التي كانت تقال حول هذاالمشروع, ثم أقارن كل هذا يما يقع اليوم فأقول إننا بلد ابتلاه الله بمسؤولين يتقنون إفساد كل الأحلام الجميلة, ويبرعون بالفعل في تمرير القبح إلى كل المجالات التي يمسونها بأيديهم.
الكارثة هي أن لا أحد يفكر في تغييرهم, لكأننا "ٍرضينا بالهم والهم مارضا بينا" مثلما يقول المغاربة في دارجهم واقتنعنا نهائيا أن الرداءة هي قدر لامفر منه للمغاربة في كل المجالات

مسعود المغربي

إسمه مسعود وايزمان, يبلغ من العمر 32 سنة, أو للتدقيق أكثر كان يبغ من العمر إثنين وثلاثين سنة. مغربي الأصل والهوى. يعشق البلد الذي يتحدر منه منذ آلاف القرون, وكان يقول باستمرار لزوجته الكندية الأصل "أنا قادم من بلد كبير, أعظم مما تتصورين".
زوجته الكندية الأصل إسمها ميشال. بدورها لا يفوق سنها الثلاثين, أو للتدقيق أكثر مرة أخرى لم يكن يفوق سنها الثلاثينز لفرط ماسمعت عن المغرب وعن هوى المغرب من مسعودو اقتنعت أنه جنة الله على أرضه, وآمنت أن نموذج الأندلس الذي تغنى به الأجداد رحا غير يسير من الزمن خلال العصر الوسيط قد تحقق في هذا البلد البعيد الذي أهدى لها من بين ما أهدى زوجها وشريك عمرها الذي تعتبر أنه أفضل شيء تلقته من الحياة.
أبريل الماضي, اجتمعت كل الأسباب لكي يأتي الزوجان إلى هذا...المغرب, لكي تكتشفه ميشال, لكي يعود فيه مسعود إلى "الدار الكبيرة" في الدار البيضاء حيث تجتمع العائلة, ولكي يخلدا "البيساح" أو عيد الفصح اليهودي, ولكي يمكنا الصغير دافيد يوسف (ثلاث سنوات) من الالتقاء مع جديه, ومع جذوره المغربية الأولى.
25 أبريل الماضي كان الزوجان ودافيد الصغير وبقية العائلة في الدار البيضاء يحتفلون بالعودة إلى المغرب, ولم ينتبهوا نهائيا إلى شيء يسمى تهديد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للمغرب بأن تتعرض أرضه لهجمات إرهابية. كانت سعادة الزوجين والعائلة أكبر من أن تهددها منظمة مجهولة غير موجودة على الواقع أو هذا على الأقل ماحاول الكل أن يقنع به نفسه تلك الأثناء.
ثم كانت تلك الرحلة إلى مراكش. قرر الزوجان بعد تفكير طويل أن يفعلانها. سيتركان دافيد يوسف مع جديه في الدار البيضاء, وسيذهبان لوحدهما إلى مراكش لكي يحتفلا هناك بعيد ميلاد مسعود الثاني والثلاثون, لكي يستعيدا بداية الحياة الزوجية يوم كانا وحيدين, هما اللذان صنعا حياتيهما في شنغهاي الصينية, واستطاعا أن يشكلا النموذج الناجح الذي يغبطه الجميع.
وصل مسعود وميشال إلى مراكش يوم 28 أبريل. في الفندق الذي حجزا إحدى غرفه قرب ساحة جامع الفنا, كانت مفاجأة في انتظارههما: الغرفة ليست مهيئة بعد. الزبائن الذين كانوا يشغلونها قبلهما لم يخرجوا في الوقت القانوني, لذلك تطلب الأمر من العاملين في الفندق وقتا إضافيا لكي يهيؤوا الغرفة للزوجين القادمين للاحتفال.
مسعود لم يكن ليترك حدثا عارضا مثل هذا ليؤثر على مخططه للفرح بالعودة لبلاده. اقترح على ميشال أن ينزلا إلى جامع الفنا ريثما ينتهي العاملون في الفندق من تهيئة الغرفة. هناك عاد إلى مسعود كل ألقه وهو يلتقي ألوان ورائحة الساحة الشهيرة. كان سعيدا إلى آخر مدى بأن يدهش ميشال بهذه الساحة التي لاوجود لها في أي مكان آخر إلا في المغرب. إسمها جامع الفنا, وكنيتها ساحة الفنون, وشهرتها أنها تدهش العابر فيها ذات يومو فتحيله إلى محب للمكان لايستطيع عنه فكاكا.
عندما تعب الزوجان قليلا من التجول تحت الشمسس الحارقة, ومن مشاهدة العروض الغريبة التي كانت تبدأ ذلك الصباح أولى استعداداتها ليوم حار وشاق من العمل الفرجوي العجيب, اقترح مسعود على ميشال وأو اقترحت ميشال على مسعود _ لاأحد سيعلم حتى ختام الأيام من اقترح على الآخر تلك الخطوة الإضافية الزائدة والمأساوية_ أن يصعدا إلى مقهى أركانة. أن يشربا هناك عصيرا باردا أو مشروبا من نوع آخر, وأن يستمتعا بالمنظر البانورامي الساحر الذي تقترحه المقهى على روادها لمجموع الساحة من فوق.
دخلا. جلسا. طلبا مشروبهما أو لم يكفهما الوقت لذلك. كان سائح هولندي يجلس في المقهى مثلما كتبت مجلة فرنسية رسمت بورتريها مدهشا للزوجين. رمق سائحا بشكل غريب. يضع على شعره الطويل قبعة ويختفي وراء نظارتيه الشمسيتين. قرب ذلك السائح الغريب, كانت هناك حقيبتان رياضيتان, تبدوان ثقيلتين للغاية. وضعهما وطلب مشروبه بكل هدوء. غادر السائح الغريب المكان تاركا وراءه الحقيبتين الرياضيتين. دقائق بعد ذلك, كان دافيد يوسف ذو الثلاث سنوات قد أصبح يتيم الأب والأم دفعة واحدة.
هو لن يعرف أبدا أخاه أو أخته الصغير أو الصغيرة الذي أو التي كان أو كانت في بطن ميشال الحامل في شهرها الخامس. هو أيضا لن يعرف الألم الكبير إلا بعد أن يكبر. سيسأل الكثيرين عن أبيه وأمه. سيقال له إنهما ماتا في حادث أركانة.
الواجب اليوم, دافيد يوسف, أن نقول لك إن أباك مسعود المغربي وأمك ميشال الكندية استشهدا حبا في المغرب. هكذا وبكل اختصار ربما لن تستوعبه اليوم, لكنك ستدركه كاملا فيما سيأتي من أيام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قبل أن تخرج نتائج أشغال لجنة مراجعة الدستور شرع العديدون في الرجم بالغيب وتحليل ما ستأتي به قبل أن تأتي به أصلا. هذا الأمر يسمى الاستشراف, وفي دارجنا المغربي العميق يسمى "تشوافت" ومكانه هو جامع الفنا وغير من ساحات المملكة الفولكلورية وليس أماكن التحليل السياسي الرصينة.
لحظتنا المفصلية الهامة التي نمر منها في المغرب اليوم تفرض علينا جميعا أن نلتزم بالحد الأدنى من الجدية والمعقول وأن نتجنب إدخال أفاعيل الصغار فيما يتم رسمه من مسارات لبلدنا, إذا كان يهمنا فعلا

الأحد، 8 ماي 2011

موازيننا الغبية

وهذا نقاش مغلوط جديد تماما يفرضه علينا البعض سامحهم الله مثلما يفعلون كل سنة في مثل هذا التوقيت . هل علينا أن نلغي موازين لكي يبدو المغرب دولة تستجيب لمطالب بعض أبنائها و لو كانت هذه المطالب غير معقولة؟ أم أن علينا أن ننظم مهرجان موازين بأي ثمن لكي لا يقال إن الدولة تنازلت وقبلت هذا الضغط الذي كثر عليها من جواب عديدة الموحد الأساس بينها كره هذا المهرجان لاعتبارات شتى؟ ثم هناك السؤال الآخر الذي يذهب بتواز مع السؤالين السابقين: هل نحتاج اليوم لاستفتاء نجريه بين الشعب المغربي لكي نعرف من منهم مع موازين ومن يعارض هذا المهرجان؟
في المسألة بكل صدق الكثير من الاستخفاف بنا خصوصا وأن البعض يريد أن يقنعنا أن أكبر مشكل نعانيه في بلدنا هو...موازين وهذه مسألة غبية وأعتذر لكل الأصدقاء الذين يرون العكس لكنني لا أرى نباهة كبيرة في مطلب فاشي مثل هذا. ذلك أنني أعرف عددا كبيرا من المغاربة يريدون لهذه المهرجانات أن تستمر ويريدون للبلد أن يحافظ على روحه المنفتحة هاته التي تسمح له دون من عداه من دول المنطقة باستقبال أكبر قدر معين من الفنانين المرموقين والعالميين. وأعرف بالمقابل عددا آخر من المناهضين للمهرجان الذين يرددون قولة "آش خصك آلعريان؟ مهرجان آمولاي", والذين يقولون إن آخر هموم المغاربة هي هذا المهرجان, فماهو المعمول ياترى في حالة مثل هذه الحالة؟
المعمول به في كل دول العالم المتحضرة هو أن يتولى الإعلام العمومي خصوصا منه المرئي مهمة مناقشة هذه النقط وطرحها بشكل واضح بين المعارضين والمؤيدين, ومع النقاش وتواليه سيتضح من هي الجهة الغالبة وحينها علينا أن ننصاع لأمرها. هذا هو الحل الوحيد الممكن, وغيره لايبدو لنا إلا نكتا سنخترعها لكي نضحك علينا أمة سيدنا محمد وأمة الأنبياء الآخرين معه في كل مكان.
هل نحتاج اليوم لاستفتاء حول المهرجان؟ هل ينبغي أن ننظم اتتخابات تحسم عدد المؤيدين وعدد المعارضين؟ أم أنه ينبغي علينا أن نجلس بكل الهدوء الممكن وأن نطرح وجهات نظرنا وحينها من الممكن تكوين تصور معين ومحدد حول هذا المهرجان دون الوصول إلى فخ القطيعة الغبي هذا الذي يتم بناؤه بين الناس؟
ثم لنتحدث بصراحة ولو مرة واحدة على الأقل حول هذا الموضوع: هل المطلوب اليوم هو رأس الرجل القوي الذي يقف خلف موازين؟ إذا كان الجواب بنعم, فرد الفعل الأول والمنطقي يقول : إبحثوا للرجل عن شيء سياسي تمسكونه منه, واتركوا عنكم مهرجانا أصبح ذا إشعاع كبير في البلد وفي غير البلد في السنوات الأخيرة. أما إذا كان المطلوب هو المهرجان في حد ذاته باعتباره فعلا يتيح ترويج صورة تزعج العديدين عن المغرب باعتباره بلدا متفتحا وقادرا على احتضان أجنا فنيية عديدة دون أدنى إشكال فهنا سنكون أمام معى آخر له علاقة بالفاشية التي ترغب في فرض منعها على الناس بأي ثمن ثم تريد في الختام على سبيل المفارقة الماكرة أن تتحدث باسم هؤلاء الناس.
نتذكر جميعا السنة الفارطة النقاش المخجل الذي أثير حول موازين. كان "الإشكال" حينها هو استقدام إلتون جون للغناء. وكانت الأسطوانة المشروخة التي تم استعمالها للنيل من المهرجان هي أسطوانة "هاد خينا راه فشكل وماخصناش نجيبوه لبلادنا". كتبنا وكتب غيرنا لكي نقول إن تصرفات هذا السيد الشخصية تهمه وأن اختياراته الفنية ههي التي تهم محبيه من المغاربة, وهي التي استدعت استقدامه للمهرجان. مرت حفلة إلتون جوم ولم يتأثر المغاربة بميوله الجنسية المختلفة ولم نسمع عن نزوح جماعي من الميل العادي والسوي لدى أغلبية أبناء شعبنا من النساء نحو الرجال ومن الرجال نحو النساء إلى ميول إلتون جون المرعبة مثلما قيل لنا على سبيلالتخويف السنة الفارطة, واعتقدنا أن الأمر سيشكل صدمة وصفعة ودرسا لمعارضي الكمهرجان الذين يتصيدون الفرص للمطالبة بشريعة المنع لكي تكون لها الكلمة الفصل في بلادنا.
غير أننا بالفعل كنا واهمين: إخوتنا وجدوا هذه السنة مبررات جديدة, وبالتأكيد سيجدون في السنوات المقبلة مبررات أخرى وهكذا دواليك. هذه السنة مبررهم هو أننا نحيا سنة تعديلات دستورية وحراكا شعبيا كبيرا لاينبغي أن نشوش عليه بأي شيء كييفما كان نوعه. المبرر الآخر يقول إن شعوبا عربية ومسلمة أخرى تقتل اليوم من طرف حكامها وبالتالي من العيب أن نرقص نحن ونغني في الوقت ذاته الذي يفعل فيه القذافي وبشار الأسد وعلي عبد الله صالح الأفاعيل في شعوبهم. أما المبرر الثالث فهو أن شعبنا فقير جدا ومن غير اللائق أن نستدعي فنانين مشاهير بمبالغ مالية هائلة دون أن نراعي شعور الفقراء الذين تتكون منهم غالبية أبناء شعبنا.
لنتفق على أنها مبررات واهية فالحراك الشعبي لا يتناقض مع سهرات الغناء والرقص, والحداد الذي يراد فرضه علينا بسبب مايقع في الدول العربية الأخرى ينبغي أن يكون عاما أو لا يكون بمعنى أن علينا أن نلغي حتى حفلاتنا الخاصة وأعراسنا خلال هذه السنة إلى أن يقضي رب الديكتاتورات أمرا كان مفعولا, أما مبرر الفقر فمزايدة فقيرة تفتقر فعلا للخيال لدى أًحابها خصوصا وأن المهرجان لايمول من المال العام ولكن من أموال شركات خاصة.
أقول كل هذا رغم أنني لاعلاقة لي بهذا المهرجان لا من قريب ولا من بعيد, لكنني لاأستطيع حيين رؤية الغباء وهو يحاول أن يفرض نفسه أن أصرخ بكل ماأملك من قوة "لبلادة لاينبغي أن تسود ولا أن تحكم". في حالة العكس سننقرض وهذا البلد في نظري المتواضع لايستحق الانقراض, وللموضوع ألف صلة وصلة بكل تأكيد
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سرعة الوصول إلى منفذي عملية أركانة هي سرعة لايمكن إلا التنويه بها والاستبشار بيقظة مصالح الأمن التي علمت أن المغاربة لن ينتظروا طويلا من أجل التعرف على من استهدف أمنهم, خصوصا وأن كل المؤشرات هذه المرة تقول إن التحقيقات تمت دون شطط في استعمال السلطة ودون اعتقالات عشوائية قد تؤددي إلى تكرار الانتقادات التي رافقت اعتقالات 16 ماي 2003.
المنتظر الآن هو أن يسير التحقيق بكل الوضوح الممكن وأن يتم إخبار شعبنا أولا بأول بما يتم التوصل إليه من معلومات, فأمن هذه البلاد وأمان ساكنيها مسألة تهمنا جميعا بنفس القدر ونفس الدرجة دون أدنى استثناء.

الأحد، 1 ماي 2011

رشيد نيني الذي أعرفه

أتضامن تضامنا مطلقا مع رشيد نيني الذي أعرفه. الفتى الطيب القادم على أجنحة الخجل من مدينته الصغيرة إلى مشهد إعلامي مليء بالحيتان الكبرى والذي لايملك إلا موهبة الكتابة اللاذعة التي منحه الله إياه والتي لايستطيعع أحد أن يزيلها عنه. أتضامن مع رشيد الذي عرفته منذ جريدة العلم كاتبا ليوميات مثيرة للغاية تصدر كل إثنين إن كانت الذاكرة لازالت صالحة لشيء، وتروي بأسلوب قاتل يجمع بين السخرية المبدعة وبين الحرقة المعيشة قصة الحريك التي بناها رشيد أسطورة حول شخصه، وهي اليوميات التي جمعها فيما بعد في كتاب "يوميات مهاجر سري".
أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه، والذي قلت له ونحن داخل "دوزيم" ذات يوم من سنة 2002 وهو متوقف عن الكتابة "لماذا لاتكتب الآن؟" أجابني "لأن عملي في القناة الثانية يتعارض مع ماأكتبه في الصباح". أجبته على الفور وأنا أعرف أن الصحافيين لايقولون هذا الكلام لبعضهم "اكتب، فإن العديدين وأنا منهم ينتظرون بشغف قراءة ماتكتبه كل يوم".
أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه قادما بفعل موهبته لا بفعل أي شيء آخر لكي يمنح المغاربة أفق لقاء جديد مع الصحافة المكتوبة بالعربية. كنت وفي عز الخلاف مع الفتى أقول للزملاء إننا بحاجة لمن يستطيع أن يتحول إلى نجم في حرفتنا، وهو سيفتح المجال فقط لنجوم آخرين قادمين، لذلك لاترتعبوا كثيرا من قدر نجاحه فهو في نهاية المطاف نجاح لكم جميعا.
آعرف ويعرف رشيد ويعرف آخرون أن آعداء النجاح كثر، وأنك تلاقي بمجرد أن تأتي أعزلا من مكان بعيد مشهرا موهبتك فقط في الكتابة أو في أي ميدان آخر أن "أنصاف الموهوبين" لن يتحملوا وجودك وسيسبونك وسيبحثون لك عن شتى الذرائع والمصائب لكي ينفروا الناس منك، لذلك ظللت معجبا برشيد نيني الذي أعرفه حتى سنة انقطاع الاتصال بيننا نهائيا.
هنالك بدأ رشيد نيني الذي لا أعرفه. تحول الفتى إلى مسخ مشوه، ساهم العديدون في نفخه وأخلت الموهبة المكان للأنا المتضخمة لكي تنوب عنها، وبدأت أكتشف على صفحات جريدة رشيد نيني الذي لا أعرفه سبابا متواصلا لأناس محترمين الجامع بينهم هو أنهم بالفعل محترمون: سب عبد اللطيف اللعبي، وسب حسن أوريد وسب نور الدين الصايل وسب أحمد رضا بنشمسي، وسب خديجة الرويسي وسب العديدين ممن ظللت أحمل في دواخلي الاحترام التام لهم، والذين ظللت أرقبهم بنفس العين التي كنت أشاهدهم بها قبل أن أدخل هذا الميدان وقبل أن تجمعني مع بعضهم صداقة شخصية أعتز بها للغاية.
كان سؤالي الدائم هو : لماذا؟ و من يدفع رشيد لكل هذا الحقد على أناس أعرف أن فيهم الكثيرين ممن مدوا له يد العون في لحظات حاسمة من حياته؟
لم أكن أتوفر على الجواب وحتى حين بلغ الكذب بنيني مبالغه وقال إنني اشتغلت في مكتب الاتصال الإسرائيلي أحسست فقط بألم داخلي صغير وقلت "سير عالله" كالعادة وطويت صفحا عن الموضوع كله، بل حتى عندما كتب عن "الأحداث المغربية" منذ أسبوعين فقط يتهمنا نحن وتيل كيل والقناة الثانية والعنيكري أننا صنعنا 16 ماي 2003 اكتفينا بفتح الفم اندهاشا واستغرابا لقوة لتهمة وضربنا صفحا ومضينا.
هذا النيني لا يهمني. أنا اليوم أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه. والذي بلغت به طيبوبته يوما أن كتب إلي بعد نقد إيجابي لبرنامجه "نوستالجيا" على صفحات هذه الجريدة التي يسبها اليوم ويصفها بأقذع الأوصاف "أنت لست ناقدا فقط، أنت شاعر". ضحكت لفرط المبالغة واحتفظت بالإس إم إس لأنني أرتاب من المبالغات كلها وأتصور أنها تستطيع أن تتحول إلى النقيض بين عشية وضحاها، وكذلك كان.
اليوم من خلال تضامننا مع رشيد نيني ومن خلال مطالبتنا بإطلاق سراحه "بالرغم من كل شيء"، نتضامن مع المغرب الذي لانريد له أن يسجن صحفيا واحدا كتب معلومة أو رأيا أو خبرا مهما بلغ حمق هذا الرأي أو الخبر أو التعليق.
أتضامن ونتضام في هذه الجريدة مع الرجل رغم أنه لم يفعلها أبدا معنا، ورغم أنه تشفى في "الجريدة الأولي" يوم أقفلت وفي "لوجورنال" يوم اضطر بوبكر الجامعي لتصفيته، وتشفى في رفيق "المساء" توفيق بوعشرين يوم أقفلت جريدته بل وبحث له في الصور والأسطر عن التهم الثقيلة التي كان يعتقد أن أصحاب الحال يبحثون عنها لكي ينهوا فيلم بوعشرين نهائيا.
اليوم أصحاب الحال اهتدوا إلى حل آخر: أن يعتقلوا رشيد نيني نفسه وأنا أكيد أنه الآن يراجع كثيرا من الحسابات التي أخطأ فيها بينه وبين نفسه، لكن هذه اللحظة ليست لحظة محاسبة له ولا تذكير بما فعله من كوارث لميداننا.
لحظة اليوم هي للمطالبة بإطلاق سراحه، وبرفع هذ الحيف عن الصحافي الذي لاينبغي أن يعتقل إلا إذا كان بالفعل ضالعا في جريمة حق عام واضحة، أما التعبير عن الرأي أو تقديم الخبر وإن كان مغلوطا فسنطالب حتى ختام الأيام في بلد مثل المغرب يستحيل فيه الوصول إلى المعلومة بأن يظل حسن النية هو الحكم بيننا وبين الجميع إلى أن يظهر العكس
أطلقوا سراح رشيد نيني الذي نعرفه. الآخر، الذي صنعتموه أنتهم وشوهتم لانعرفه وأنتم أدرى به وبارتباطاته.
أطلقوا سراح "الدري" الذي أدهش المغرب بموهبته في الكتابة قبل أن يتحول إلى ناسخ للملفات السرية وللتقارير المخابراتية التي أودت به إلى هذاالاعتقال المهين