السبت، 25 شتنبر 2010

الحالمون بالرقابة

كان الناقد الفني المصري طارق الشناوي موفقا أكثر من زميلنا أنس بوسلامتي الذي حاوره هو والزميلة سناء ثابت في موضوع "صورة المغربيات في المسلسلات العربية" على شاشة إم بي سي في برنامج "صباح الخير ياعرب". طارق وهو بالمناسبد أحد أبرز النقاد العرب في مجال السينما والتلفزيون, ورجل يزن كلماته جيدا قبل أن يطلقها في الهواء العام, أصر على أن يسجل خية أمله في أن يسمع من صحافيين (أي من منتمين لعالم الحرية وعدم التضييق على الفكر والإبداع) المطالبة الواضحة والصريحة بالعودة إلى عصور الرقابة والتنويه بقرار وزارة الإعلام المصرية القاضي بمشاهدة السلسلات والمسلسلات قبل عرضها تفاديا لوقوع مشاكل من قبيل تلك التي حدثت في مسلسل "العار" .
استغراب الشناوي لدفاع الصحافيين عن الرقابة مرده إلى أنه كان يتمنى أن يرى منهما دفاعا عن حق الفنان في التطرق لكل المسائل التي يراها مهمة لعمله دراميا, دون أن يشغل باله بالرأي الذي ستكونه عن هذه الجنسية أو تلك. غير أن موقف زميلينا يبدو مفهوما إلى حد بعيد انتصارا لانتمائهما المغربي فقط لاأقل ولا أكثر. مع أن الانتصار لتمغربيت الحقة يكون عبر التعبير عن اقتناعنا حقا بهذاا البلد وإيماننا بأنه لايمكن أن يهتز فقط لأن مسلسلا قد أساء إليه إساءة مزعومة أو أن فيلما قدم شخصية تخييلية (أي متخيلة أي لاوجود لها على أرض الواقع) وقال إنها تنتمي إليه.
علينا فعلا أن نرفع مستوى النقاش قليلا في هذا المجال, وأن نتوقف عن الإساءة لأنفسنا بأنفسنا وأن نحاول العثور على طريقة لفهم الموضوع بشكل أكثر انتماء لعصرنا الحديث. اليوم لم يعد ممكنا أن نقول لمبدع تلفزيوني أو سينمائي إن عليه أن يقدم لنا مايريد كتابته أو تقديمه عبر التلفزيون لكي نطلع عليه وبعدها نقول له "أحسنت هنا وأسأت هنا". هذا عمل تقوم به الجهات الإنتاجية المكلفة بالعمل, وتقوم به في حدود الاحترام التام بل والتقديس الكامل لحرية المبدع في أن يتناول مايريده بالطريقة التي يراها مناسبة.
بعدها وحين يخرج العمل إلى حيز الوجود, وبعد أن نشاهده يحق للنقاد أن ينتقدوا فيه الجوانب التي رأوا أنها مسيئة. وحين نقول النقاد, نقول العارفين فعلا بمجال قراءة الصورة وقراءة الموضوع المطروح عبرها. ذلك أننا ابتلينا في العالم العربي كله بنوعية جديدة من النقد من الممكن تسميتها "نقد عيني ميزاني", التي تقوم على أن أقول ماأريده في العمل دون أن أكلف نفسي عناء تبرير ماقلته أو أن أشرحه للناس, أو أن ألجأ لمعايير علمية ومهنية ونقدية مضبوطة لكي أبني عليها ماأريد الوصول إليه من حكم نهائي في الختام.
المسألة تشبه عملية رياضية تخضع لشروط علمية ضيقة, ولامعنى لتركها "سداح مداح" ودمها مباح بين الجميع مثلما يحدث اليوم, فقط لأن الصدفة والفراغ أصبحت لهما الكلمة الأولى في العديد من الميادين.كما أن الكثير من زملائنا في النقد يسقطون حين يتبنون هذا الرأي في الفخ الذي ينصبه لنا المتطرفون باستمرار: فخ الرقابة القبلية والبعدية على الأعمال الفنية والتلفزية وبقية الإبداعات,وقراءتهاالقراءة المتخلفة المبنية على أحكام قيمة أخلاقية لاعلاقة لها بعالم الفن لا من قريب ولا من بعيد.
ومرة أخرى لاأمل من تكرار المثال الذي طرحناه خلال رمضان السابق حول هذا الموضوع بالتحديد, والذي يهم النساء القادمات من أوربا الشرقية اللائي يتم تقديمهن في دور بائعات الهوى باستمرار في السلسلات والأعمال الأمريكية. لم يسبق لنا أن سمعنا في يوم من الأيام أن أمريكيا قد عبر لخارجية بلده عن استيائه لتشويه سمعة بلده في هذه الأعمال.
لماذا؟ بكل بساطة, لأن الناس هناك تفكر بعقلها وليس بأي عضو آخر من جسدها. وهنا مكمن التناقض الكامل والحقيقي بين التخلف والتقدم, بين الحضارة الفعلية وبين الحضارة المفترى عليها التي تتبنى القشور الزائلة فقط, والتي تكشف عن انتمائها للعصور البالية في أول انعطافة, حين تعود إلى الطبيعة الأولى تلك التي ترفض أن ترى التقدم الواقع في كل المجالات, بل وتحلم بإمكانية العودة إلى الماضي السحيق.
"بيناتنا دابا"و أليس من المخجل أن نسمع هذه الأصوات وهي تطالب في عهد الفيسبوك والتويتر و"العجب الكحل" بضرورة عودة الرقابة البليدة إلى الأعمال الفنية قبل مشاهدتها؟ أليس من العيب أن نتصور أو يصور لنا طرف ما أنه من الممكن اليوم الحجر على أذواق الناس وحقهم في رؤية كل شيء بمبررات واهية مثل الإساءة للأوطان وغيرها من علامات الرغبة في التضييق على الناس فقط؟
عيب وعار. فقط بكل اختصار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق