الأربعاء، 10 نونبر 2010

الجزائر الله يشافيها

وأنا أشاهد مواكبة التلفزيون الجزائري لأحداث العيون الأخيرة, لم أكن قادرا على منع نفسي من لعن الجزائر وأهلها ورئيسها وجنرالاتها وكل مايمت لها بصلة. لن أكذب ولن أستعمل مصطلحات ديبلوماسية منافقة. هذا كان رد فعلي الأول, بعده وجدتني أطرح السؤال: لم يتعاملون مع المغرب بكل هذا العداء؟ أن يأتي هذا الموقف المسبق المنحاز والمحايد تماما من طرف "راسد تي في" قناة البوليساريو يبدو الأمر مفهوما, لكن أن تكلف مذيعة القناة الجزائرية البدينة والذميمة نفسها عناء اختيار الكلمات لكي تصف "الاحتلال المغربي للعيون", ففي المسألة لغز كبير.
ما الذي اقترفناه في حق الجزائر حتى ينالنا منها كل هذا الظلم؟ وما هي اللحظة التي أسأنا فيها للبلد الجار حتى نتحول إلى ألد أعدائه, وإلى البلد الذي يفرغ فيه كل هذا الكم من الأحقاد غير المفهومة؟
المثير للاستغراب أننا في المغرب كنا الأحق بالحقد على الجزائر وأهلها. فهي البلد الذي حباه الله بالخيرات الطبيعية الحقيقية من غاز طبيعي وبترول, وهي البلد الذي كان ينبغي أن يحيا كل أهله في بحبوحة كبرى من العيش لو لم يستول الجنرالات ومتنفذو بداية الاستقلال على كل شيء, وهي البلد الذي كان يفترض أن يقود المغرب الكبير لعيش رفاهية تستحقها شعوبه. أما نحن فبلد لم يعطه الله إلا "شوية ديال الحوت وشي بركة ديال الفوسفاط", مايعني أننا كنا الأحق بالحقد على الجيران, لكن العكس هو الحاصل. فأي تفسير يمكننا إعطاؤه للمسألة؟
في الحقيقة لا تفسير سوى العودة إلى التاريخ, وإلى اللحظة التي استولى فيها متنفذو جبهة التحرير الوطني على مقاليد الحكم في الجزائر. كان الشعب الجزائري, وهوشعب رفض الظلم باستمرار ينتظر من الثورة الجديدة المنتصرة على الاستعمار الفرنسي الطويل (130 سنة ويزيد حتى استحقت الجزائر لقب "بتي فرانسيس") أن تعيد الاعتبار لأبناء الشعب, أن يحتل المجاهدون الحقيقيون وأبناؤهم والأرامل المراتب القيادية في الدولة الوليدة, أو على الأقل أن يكونوا أول المستفيدين, لكن العكس هو الذي حصل. من ثبت تعاملهم مع الاستعمار الفرنسي أكثر هم من أصبحوا القيادات التاريخية للجزائر الجديدة إلا من بعض الاستثناءات النادرة, والشعب الذي كان ينظر بعين السخط لهذا الاستيلاء السافر على ثورته, كان بحاجة لتصريف غضبه في مكان وجهة أخريين, كان بحاجة إلى عدو مصطنع تختلقه الطغمة الحاكمة في الجزائر لكي تستطيع البقاء في مناصبها أطول الوقت الممكن.
قال المغرب حينها إن للأمر علاقة بجدة الحكم في الجزائر التي لم يتعود أهلها على حكمها, إذ تناوب عليهم العثمانيون, وورثهم الفرنسيون, وانتظر المغرب الأقصى من المغرب الأوسط أن يجد يوما من بين أبنائه عقلاء يقولون "كفى" ويتوقفون.
تلك الكفى لم تحدث أبدا. من حرب رمال 63 الظالمة بين البلدين إلى الحرب بالوكالة عبر البوليساريو إلى مناصبة العداء لكل مشروع تنموي مهما صغر أو كبر شأنه في المغرب, تواصلت هذه العقدة التاريخية في تكريس نفسها, وكانت الأجيال المغربية المتعاقبة التي تحملت غباء ورعونة حكام الجزائر تتساءل باستمرار "غير شنو درنا ليهم؟". ولم يكن أحد _ على الأقل في هذه الضفة_ يجد الجواب ولا حتى شبهة الجواب. كان الغموض يضيف على كل التباساته غموضا إضافيا, وكنا ننتتظر معجزة ما تعصف بهؤلاء الحمقى الذين يحكمون البلد الجار, عسى العلاقات تستقيم يوما مثلما تفرض ذلك كل أوجه المنطق.
لاشيء من كل هذا حدث, وأول أمس الإثنين والمغاربة يتابعون مشدوهين تلفزيون "العدو الجزائري" وهو يسب المغرب وقيادته وشعبه, ويربط الاتصالات الهاتفية مع "العيون المحتلة" لكي يصف له المتصلون "همجية تدخل الجيش الملكي ضد الصحراويين العزل", كنا نطرح على أنفسنا السؤال للمرة الأخيرة: إلى متى نصبر على هؤلاء الرعاع؟ إلى متى نمثل دور البلد الكبير عقلا وحضارة, غير المصاب بأي عقدة من تاريخه, وغير الملتبس نهائيا في علاقاته مع الآخرين؟ وإلام الصبر على جار السوء هذا الذي لم يرحل ولن يحل ولم تصبه مصيبة أصبحنا لفرط تضررنا منه لانتردد في طلبها له عسانا نرتاح يوما.
مايفعله متنفذو الجزائر من جنرالت مخابراتها العسكرية ستدفع ثمنه الأجيال الحالية في المغرب والجزائر, لكن ستدفع الفاتورة الأغلى الأجيال اللاحقة, والذنب بكل تأكيد في رقبة بوتفليقة ومن يحركون الرئيس الجزائري المريض في قصر المرادية في انتظار تتويج شقيقه على كرسي الحكم الصوري بعد أن يموت متأثرا بسرطانه الموجود في مرحلته الأخيرة.
سندفع ثمنا غاليا لكل هذه الرعونة, ولاحظوا أننا لم نذكر البوليساريو في كل مايقع إلا داخل تفاصيل الكلام, ذلك أنه لامعنى للحديث عن ألعوبة صغيرة في يد هذا الجار الرديء المسمى الجزائر. اللوم على من يحركون الخيوط, لا على الخيوط الواهية التي لاتستطيع شيئا, وللكلام بقية وصلة في أيام التصعيد الأخرق هاته.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعدما رأيناه في العيون يومي الأحد والعيون، لايطالب المواطنون المغاربة دولتهم إلا بشيء واحد هو أن تحمي حياة وممتلكات الأفراد في تلك المنطقة. حقوق الإنسان "على راسنا وعلى عينينا" لكن حين يصل الأمر إلى عملية ذبح بتلك الطريقة الهمجية التي رأيناها في أشرطة الأنترنيت لعنصر أمني وعلى مرأى ومسمع من نساء يزغردن ويصحن بالشعارات الموالية للبوليساريو، حينها علينا أن نتحسس رؤسنا قليلا وأن نتساءل : من الغبي في هذه المسألة كلها؟
احترام الحق في الحياة، هو أول حقوق الإسان، وحين خرقه أي جهة كيفما كان نوعها لايمكن للمرء إلا أن يطالب بجزاء من نفس النوع، ولتذهب السياسة حينها إلى الجحيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق