الأربعاء، 25 غشت 2010

في الواجهة - عمود الأربعاء 25 غشت 2010

شعب الكريتيك
أتصور أن واحدة من اللحظات الجميلة في التلفزيون المغربي خلال شهر الصيام الحالي، هي اللحظة التي قدم فيها الموهوب حقا لا ادعاء حسن الفد ضمن برنامجه "الفد تي في" تلك الفقرة الرائعة عن رياضة "الكريتيك" التي يمارسها تسعون في المائة من المغاربة، في الوقت الذي تفضل فيه العشرة في المائة المتبقية "الدخول سوق رأسها" حسب تعبير الفد. حلقة جميلة التقطت هذه "الموهبة الربانية" التي حبانا بها اللهو والتي تسمح لنا بالإدلاء بسطولنا في كل المجالات دونما قدرة على التفريق بينها، ودونما قدرة على احترام التخصصات التي قد لانفهم فيها "الذي بعث".
الأساسي بالنسبة للمغربي اليوم هو أن يعطي رأيه. والأكثر أساسية هو أن يكون معارضا لكل شيء يتم القيام به في البلد، و"الحلاوة كاع" هي أن يجد التفسير المؤامراتي الخطير للظواهر التي يعيشها. ولعلنا الشعب الوحيد في العالم الذي يسند كل مايحل به من كوارث لجهة غير معلومة نتحدث عنها جميعا في صيغة الجمع دون أن يمتلك أي "منطيح" منا في يوم من الأيام القدرة على تحديد هذه الجهة "ديريكت". فتجدنا نقول "راهم قطعو علينا الضو، وراهم باغيين فينا الخدمة، وراهم دايرينها لينا بلعاني".
بل الأكثر من ذلك، وأنا أجد هذه المسألة رائعة للغاية، نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يعتقد أن جهة ما وضعت له في الماء شيئا غريبا لكي تتحكم فيه. أما بخصوص النقد فحدث ولا وجود للحرج إطلاقا. وإن كنت أنسى فلن أنسى ماحييت "زميلا" لنا بلغ من الطرافة حدا لايمكن تصوره كنا نلتقي به في الندوات الصحفية التي تعقب عرض الأفلام في مهرجان مراكش السينمائي، كان يبدأ كل مداخلاته بجملة "بادئ ذي بدء", وينهيها بعبارة "والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"و وكان يقدم دروسا فعلية للمخرجين الكبار الذين يأتون لمناقشة أفلامهم، بل كان يقترح عليهم التيمات الممكن أن يناقشوها، وكان لايتورع عن اقتراح تخريجات للأفلام ولتطورها الدرامي، بأن يقول مثلا "كنت أتمنى أن يقوم المخرج بإدخال البطلة من هذا الباب وليس من الباب الخلفي".
طبعا كان المخرجون يحملقون في قدرة هذا "الزميل" الرائعة على اقتراح أشياء غبية عليهم، وينسون أمره بعد الخروج مباشرة من الندوات، أو يجعلونه أضحوكة الجلسات الخاصة التي تجمعهم ببعضهم، علما أن القاعة كانت تضج ضحكا على زميلنا إياه لكنه لم يكن يكترث وفي اليوم الموالي يكون أول المطالبين بحقه في "التخربيق" أو حقه في الكلام والأمر سيان على كل حال.
الأمر على طرافته في حالة زميلنا يبدو مقبولا، لكنه أخذ أبعادا أخرى بعد دخول آفة "الكريتيك الجماعية" هاته إلى صحفنا. أصبح مطلوبا منك إذا أردت أن تكون مقبولا من الجميع أن تسب الجميع. لاحظ المفارقة، لكي يقبلك الجميع عليك أن تسب الجميع. الحكومة لايوجد فيها وزير واحد قادر على أداء مهامه. المسؤولون المغاربة كلهم شفارة. الاقتصاد بيد أناس لايفهمون فيه شيئا. منتخب الكرة ضحية مخططات استعمارية قديمة. التلفزيون المحلي وكر للعقارب وللأذرع المكسرة ولاوجود فيه لنقطة ضوء واحدة. المستشارون الجماعيون من طنجة إلى الكويرة أميون لم يحصلوا على الشهادة الابتدائية بعد. الصحافيون مرتشون يكتبون بعد أن يتلقوا أوامر يومية من المخزن. وقس على هذا النحو كل مجالات الحياة.
الأمر عادي؟ ليس إلى هذا الحد. فعندما يتحول التشكيك إلى ملة تحكم المجتمع وعندما يصبح الارتياب هو العقيدة التي تجمعنا ببعضنا البعض، يحق لنا أن نتساءل عن هويتنا المجتمعية، عن الكيان الجماعي الذي يجمعنا ببعضنا البعض، عن السقف المشترك الذي يسمى مجتمعنا والذي يعد الحاضن لنا جميعا. الكثيرون سيقولون إنه تحميل لأشياء لاتحتمل أكثر من قدرتها. لكنني أرى أن السخرية الحقيقية هي تلك التي تدفعنا إلى التفكير في خلفياتها وماأرادت قوله، وليس السخرية التي تنتهي فور انتهاء ضحكات الجمهور المسجلة فوقها.
لذلك أعتبر أن حسن الفد ينجح يوميا في التقاط مكامن البسمة في عدد من قضايا المغاربة البسيطة والأخرى الأكثر تعقيدا، ويقدمها بشكله الخاص به، المعتمد على انزياج كامل أو "ديكالاج" لهواة الكلمات المتعالمة _ وماأكثرهم في البلد _ مايتيح له المضي بعيدا في عبثه التلفزيوني الجميل معنا ومع قضايانا وبنا وبقضايانا خلال الشهر الفضيل. وأتخيل مرة أخرى ولو أنني أعرف شبه الاستحالة أن التفكير في برنامج ساخر من هذا الشكل يقدمه حسن على امتداد السنة لن يكون ترفا لانستحقه كمغاربة، وأعرف أن سليم الشيخ مدير عام دوزيم يمتلك كثيرا من الانفتاح في ذهنه لكي يفكر في المسألة جديا.
نحن نحتاج بالفعل إلى كوة سخرية يومية منا ومن قضايا مجتمعنا، ونحتاج إلى أن نؤسس لهذا التقليد القائم على رؤية عيوبنا في المرآة وتقديمها بشكل ساخر حقا ومرح فعلا، من أجل الانتباه إليها والعمل على التقليل منها إن لم نكن قادرين على القطع معها نهائيا.ولكي نربط هذا الكلام بما قلناه أمس عن برنامج القناة الكويتية الذي أثار زوبعة الفنجان الشهيرة لدينا، أتخيل أن المغرب لن يشغل باله مستقبلا بما يقدمه الآخرون في تلفزيونهم إذا ماتوفر له في تلفزيونه ما يعادل مايقدمه الآخرون أو يقترب منهم مع مراعات الفوارق المادية الهائلة الموجودة بيننا وذلك موضوع آخر بطبيعة الحال.
ملحوظة : لاعلاقة لها بماسبق
لماذا يتحول المغاربة في ساعات الصوم الأخيرة في شوارعنا العامة إلى كائنات وحشية حقيقية تتخلى عن آدميتها وتعتنق كل الألفاظ الساقطة وكل الرغبات في القتال والصراع الضاريين؟ متى تغير المجتمع المغربي من المجتمع المتسامح الذي كانه باستمرار إلى هذا المجتمع/ المسخ الذي نرى تفاصيله يوميا أمامنا؟ كيف أصبحت الجرائم أسهل شيء يقوم به المغربي في ساعات الغضب أو ساعات التخدير؟ وكيف حولنا شبابنا إلى هذه الوحوش الآدمية التي تسير معنا في نفس الطرقات وتسرق وتقتل وتعتدي دون أدنى إشكال؟
علينا طرح السؤال على أنفسنا فعلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق