الثلاثاء، 23 غشت 2011

معمر القذافي: رجل حكم ليبيا بالطزطزات !

سيتذكر عنه التاريخ عبارة "طز" التي كان يواجه بها أعداءه، وسيتذكر عنه عنترياته الفارغة، وسيتذكر عنه العبارات الأكثر إثارة للضحك والسخرية. لكن ستتذكر عنه ليبيا أنه كان مجنون الحكم بها ، والرجل الذي استطاع على مدى واحد وأربعين سنة من الحكم أن يقتل عشرات الآلاف من الليبيين، وكل مرة تحت مبرر جديد، وبمسوغات لاعلاقة لها بالمسوغات التي قبلها.
سيتذكر عنه الحكام العرب أنه كان كابوسهم الحقيقي. رجل من عالم وكوكب آخرين أتى إلى سدة الحكم لكي يحكم، فقرر في لحظة من اللحظت أن يجعل الحكم لعبة يتسلى بها، تخضع لمزاجه المتقلب، يفعل بها الأفاعيل ويجر بها بلده كل مرة إلى "جرة" جديدة لاتخرج منها البلاد التي أسماها الجماهيرية على خير.
أطلق عليه السادات لقب "الواد المجنون بتاع ليبيا"، وكان يخافه أشد الخوف تماما مثل حسني مبارك الذي كان يقول لمقربيه إن أسوأ كابوس يزوره في المنام هو أن يستيقظ يوما فيجد العمالة المصرية في ليبيا التي تقدر بعشرات الآلاف قادمة إليه بعد أن يطردها معمر من جنته.
ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز يحتفظ عنه بأسوأ الذكريات الممكنة. في البدء حاول قتله وهو لازال وليا للعهد. تدبر أمر طريقة ما للوصول إلى قلب الديوان الملكي السعودي لكي يطلق الرصاص على الأمير عبد الله آنذاك الذي كان ولي عهد شقيقه الملك فهد بن عبد العزيز.
حين أخفقت خطته في قتل عبد الله بقي على كرهه لآل سعود، وفعل المستحيل لكي يصل إلى المعارضة الشيعية في المنطقة الشرقية بالعربية السعودية، واقترح عليها التمويل الكريم الكافي، ولكنها رفضت خوفا منه وتحسبا من مزاجه المتقلب الذي لايمكن أن تؤسس معه أي اتفاق كيفما كان نوعه.
في الختام جمعت الرجلين معركة طريفة في مؤتمر العرب الأخير في الدوحة، حين قال القذافي للملك عبد الله وهو يشاهده في نفس القاعة "إنت صنيعة الآمريكان"، قبل أن يضيف في جملة من جمله الغريبة "لكنني سامحتك الآن ويمكن أن أزورك وتزورني، فأنا ملك الملوك وعميد الحكام العرب، ولايمكن أن أنزل إلى مستواك".
مع حمد بن خليفة الذي يحكم قطر كانت له حكاية ثانية مخالفة تماما. الأمير القطري الذي تعتلي الآن صورة كبيرة من صوره الساحة الكبرى لبنغازي، بعد أن اعتبره الثوار محررهم الأول بسبب الدعم المادي والإعلامي لهم عبر قناة الجزيرة، ظل يحتفظ بعلاقات جد مثالية مع العقيد، وظل يخاطبه "ب"آخوي معمر" في الوقت الذي ظل القذافي على حذره منه وهو يردد لمقربيه "حمير الخليج هادول لاثقة فيهم". حمد ظل على علاقته بالقذافي الذي فتح لقناة الجزيرة الباب ومكن لها "الاستيطان" الإعلامي في طرابلس وبنغازي وبقية المدن الليبية الأخرى إلى أن دقت "ساعة الزحف"، وقرر الأمير القطري الكشف عن وجهه الفعلي تجاه العقيد وتجربة حكمه الغريبة التي انتهت هذه النهاية التي كان الكل ينتظرها.
مع الراحل الحسن الثاني كانت له حكاية من نوع آخر. الملك المغربي الراحل هو الوحيد الذي استاع في الختام ترويض القذافي، واستطاع أن يحرك جنونه في اتجاه خدمة المغرب ولو مرحليا في عديد اللحظات.
ينبغي هنا التذكير أن معمر مول بكل الكرم الليبي المعروف انفصاليي البوليساريو بل وحارب إلى جانبهم غير مامرة ضد المغرب في إطار ماكان يصفها بأنه حربه "ضة الملكيات وضد الرجعيات". لكن الحسن الثاني استطاع أن يجد له الطريقة المثلى للتعامل. صبر عليه طويلا، وفي الختام جمع بينهما اتحاد عربي إفريقي صوت عليه الشعبان في المغرب وفي ليبيا ، بل وذهب الحسن الثاني الذي كان معروفا عنه أنه لايحب التدشينات الكبرى في البلاد الأجنبية إلى النهر الصناعي العظيم على متن باخرته مراكش لكي يحضر تدشين الوادي الذي صنعه القذافي من عبقريته المجنونة لليبيين.
في قمة الجزائر وصل القذافي إلى المطار مرتديا قفازا أبيض في يده اليمنى تفاديا للسلام على الحسن الثاني بسبب زيارة شيمون بيريز للمغرب ذلك العام. قال الحسن الثاني للعقيد بعد أن لاحظ القفاز الأبيض في يده "أخي معمر، ألا تريد أن تصافحني؟". اضطرب القذافي من رد فعل الحسن الثاني الذي انخرط في تفسير لقائه بشيمون بيريز. في الختام لم يكتف القذافي بمصافحة الحسن الثاني بل ضمه إلى صدره وهو يقول له "لقد فعلت كل مابوسعي لكي أسقط نظامك، لكنني لم أستطع"، فرد عليه الحسن الثاني معترفا لأول مرة بسر ظل يحبسه في مكنون صدره "وأنا كذلك".
عرف عن بومدين أو القذافي ولعه بكل الغرائب الممكنة في الحياة. كان عاشق نساء متيم، لكنه كان ذميما للغاية، لذلك صنع له عيادة تجميل تصحبه أينما حل وارتحل، وكانت له - على شاكلة من عداه من الحكام المستبدين - الرغبة الفورية في مضاجعة أي أنِثى يراها أمامه، لذلك صنع مع الصحافيات اللائي فكرن يوما في القدوم إلى خيمته لكي يحاورنه أساطير حقيقية انتهت في آغلبها بترضيات مالية مجزية للغاية للصحافيات وبوعود لاتنقطع بالعودة كل مرة إلى سرير العقيد.
حكايته مع الممرضات الأوكرانيات اللائي كن يرافقنه في حله وترحاله ستظل للتاريخ، مثلما ستظل حكاية الحارسات النساء اللائي كن يصحبنه ملحا آخر إضافيا ستحكيه الأسطورة العربية عن رجل من الزمان الليبي الخطأ حكم ليبيا باسم الثورة، وانتهى يقول عن نفسه إنه ملك اللملوك وكبير حكام العالم.
أبناؤه ورثوا عنه جينات العظمة اكاذبة، والأنانية القاتلة. وحده محمد إبن زوجته المطلقة ظل خارج السرب، وظل يقول لإخوته إن كثيرا من الأمور ليست على مايرام. لذلك لم يكن مستغربا أن يسلم نفسه للثوار دون قتال، في الوقت الذي ذاب سيف الإسلام - الإبن الوريث - قتاللا ودفاعا عن أبيه، ونسي الساعدي حكايات الكرة الفاشلة اشتراء الأندية الإيطالية بالمال الوفير لكي تمكنه من اللعب لدقائق في صفوفها، والتحق بالجبهة دفاعا عن ملك والده وعن عشرات المصال الاقتصادية التي راكمها آل القذافي في ليبيا المسكينة.
اليوم وليبيا تسقط بين يدي جهات متعددة من حلف الناتو إلى قطر إلى الحركات المتطرفة إلى بعض المتحررين من أبناد شعبها، يبدو الشاب الذي أتى إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مفاجئ ضد الملك السنوسي السبب الرئيسي في وصول أغنى دولة في المغرب العربي إى حالة الفوضى العارمة التي توجد عليها، وتبدو طزطزات القذافي الذي راكم على امتداد سنوات عمره حوادث الإرهاب العالمي، وانتهى بالاعتراف باقترافه لجريمة لوكربي وأداء ثمن غال من رزق الليبيين للعائلات وللدول الأوربية وأمريكا لكي يبقى الذريعة لأساس التي وجدها كل أعدائه للدخول مجددا إلى بئر نفط عرب جديد، تماما مثلما فعل صدام حسين للعراق يوم هرب إلى الشعارات الكبرى قبل أن يترك العراق مشتتا بعده بين الملل والنحل.
تراها لعنة العربان القديمة التي تجعلهم يفسدون أي قرية دخلوها؟ أم تراها الديكتاتورية بكل اختصار؟ تلك التي تجعل إنسانا عاديا يعتقد في لحظة من اللحظات أنه مصطفى من جهة علوية خفية لكي يفعل بالبلاد والعباد مايشاء؟
لاجواب، لكن الكثير من التأمل في مسار رجل استطاع على امتداد واحد وأربعين سنة، أن يحكم بلدا بأكمله ب"الطزطزات".