الأحد، 31 أكتوبر 2010

بعبعة خرفان !

لاخيار أمام الدول العربية إلا أن يحكمها ديكتاتور دموي مثل صدام حسين، أو أن تتعرض لاحتلال فوضوي غاشم مثل الاحتلال الأمريكي. هذا مايقوله الوضع اليوم في العراق، وهذا ماتقوله الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" المتخصص في كشف الأوراق والوثائق الرسمية الصادرة عن البنتاغون الأمريكي والذي قام بضربة العمر حين نشر وثائق رسمية تثبت قيام الجيش الأمريكي بتعذيب عراقيين مناهضين للاحتلال الأمريكي وبالقيام بالنقيض تماما مما قالت الولايات المتحدة إنها قادمة للقيام به في العراق الجريح.
لنعد الحكاية من البدء، ولنتذكر أن أمريكا قالت إنها تريد تحرير العراق من ديكتاتورية صدام، وتريد نشر الديمقراطية فيه، وتريد تمكين شعوب المنطقة المحيطة بالعراق من العيش في سلام دون تهديد بأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الرئيس العراقي المطاح به والمشنوق ذات عيد أضحى شهير. مرت الآن كم سنة تقريبا على كل هذا الكلام؟ لم نعد نتذكر عددها بالتحديد، لكننا نتذكر أن الكلام قيل لنا بحدة وتأكيد شديدين جعلانا نقتنع تماما أنه صدق حقيقي ولا يمكن إلا أن يكون صدقا.
لذلك صفق الكثيرون لتدخل الأميركان في العراق، وقالوا إن الحاكم العربي الذي يعتبر شعبه قطيعا من الخرفان من الممكن أن يضعه قربه لسنوات طويلة منذ الاستيلاء الأول على الحكم، والذي لايؤمن بديمقراطية انتخابات، ولا بتداول على السلطة ولا بأي شيء آخر من هذا القبيل هو حاكم يستحق أن تنكل به دولة كبرى وضعته في مكانه ذاك فترة من الوقت، ثم قررت أنه لم يعد صالحا لها على الإطلاق.
سوى أن الصورة لم تكتمل بهذا الشكل أبدا. الفوضى الخلاقة التي وعدتنا العزيزة كوندي (من يتذكر الآن كوندوليزا رايس؟) بأنها ستكون بوابة المنطقة العربية للدخول إلى جنان الديمقراطية الكبرى اتضح أنها فوضى فعلية، لكنها غير خلاقة نهائيا. هي بالعكس من ذلك فوضى قاتلة، وضعت المنطقة كلها أمام شيء لم نكن نتبينه بهذه الصراحة الجارحة إسمه تنظيم القاعدة اكتشفنا منذ انهيار العراق / الدولة أنه تنظيم يوجد لدينا جميعا، وأن كل دولة عربية لديها منه بعبع صغير يخيف الأبرياء الذين يقطنونها، و تضعه جهة ما (لايمكن أن تكون هي ماما أمريكا؟) على رأس الحكام في تلك البلاد، تقول لهم به إن البديل جاهز عنهم، وأن المطلوب هو تنفيذ التعليمات كلها بأقصى الصمت الممكن ، والانسحاب فور الأمر بذلك.
وفلسطين في كل هذا؟ السؤل لم يعد مطروحا. عوضه أصبح السؤال هو: وإسرائيل في كل هذا ؟ العديدون في الغرب الأوربي أو الأمريكي ممن يعتبرون أنفسهم تقدميين ملزمين بقول الحقيقة يشيرون إلى أن المستفيد الأكبر من كل هذا الصراع الضاري الذي وقع في المنطقة هي الدولة العبرية. هي التي كانت تقول إن نظام صدام حسين يهددها، هي التي لم تنس أبدا أن الديكتاتور العراقي قصفها بسكوداته الشهيرة في حرب الخليج الأولى، وهي التي تعيش اليوم بحبوحة فعل كل ماتريده وتشتهيه بالفلسطينيين دون أن يرتفع ولو صوت صغير بالاحتجاج لأن الاحتجاج أضحى عملة ممنوعة في عالم عربي شاهد بأم عينيه في الفيديوهات وفي وسائل الإعلام كلها كيف يمكن لأمريكا أن تشنق رئيسا عربيا كان يعتبر نفسه الأقوى في المنطقة، ومتى؟ يوم العيد الكبير.
لهشام الجخ الشاعر المصري الشاب قصيدة بالدارجة المصرية الجميلة، (تلك التي لم تجعل المصريين ينسون في يوم من الأيام لغتهم العربية الجميلة هي الأخرى، عكس مايقوله الخائفون من دارجتنا المغربية، وهذا موضوع آخر) أسماها "تلات خرفان وحكاية" يتحدث فيها عن خراف تعيش خائفة من بعضها، وتلجأ لذئب لكي يحميها من الخرفان الأخرى، ولأنها خرفان" فهي تصدق أن الذئب سيحميها بالفعل، وفي الختام يأكل هذا الذئب كل هاته الخرفان لأنها...خرفان. ولا أعرف حقيقة العلاقة بين ذبح الرئيس العراقي يوم عيد نذبح فيه الخرفان، وبين القصيدة، لكننا ملزمون بالاعتراف أن التشبيه جائز، بل قوي ومستفز إلى درجة تدفع إلى الذهول فعلا
هل نقول بصريح العبارة إننا أصبحنا خراف المنطقة؟ البعض سيرفض وسيقول لا. والبعض سينحو باللائمة على الحكام، وسيقول "هم الذين أوصلونا إلى هذه الحالة. لكني من النوع الذي لاينحو باللائمة في أي سوء وقع له إلا على نفسه، وفي حالة عالم الخرفان الذي نعيش فيه، لا أجد من ألومه سوى هذه الشعوبة الثملة، الفرحة بمصيرها الميت، والمصرة على القتال يوميا من أجل ضمان موتها في "أفضل الظروف الممكنة" .
من يصيخ السمع جيدا في العالم العربي الذي أسماه الراحل الماغوط قبلنا جميعا "التابوت الممتد من الماء إلى الماء" لن يسمع إلا "التبعبيع". وحده صوته لايعلو على شيء عداه. وفي تابوت ليس فيه إلا صوت الخراف، من يجرؤ على تكذيب أننا نعيش داخل حظيرة؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
وعد السيد غيريتس المحيطين به من الحواريين وأتباعهم ومن تبعهم باعتداء على الكرة إلى يوم الدين أنه سيجلب للمغرب الكثير من الألقاب، وقال في تصريح للصحافة المحلية إن اختياره لبلدنا كان "اختيار القلب". ونحن نفهمها جيدا لأننا لازلنا لم نستوعب بعد كيف ترك غيريتس كل تلك الملايير السعودية وأتى إلى جامعة علي الفاسي الفهري المغلوبة على أمرها.
كل هذا الكلام طيب ، لكن يلزمه شيء صغير واحد فقط: أن يشرع السيد في التطبيق، وأن نرى النتائج على أرض الواقع. في انتظار ذلك "ماعندنا غير الهضرة ندوزو بيها الوقت" في انتظار الجزائر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق