الثلاثاء، 24 يوليوز 2012

بنكيران في إسرائيل؟

استطاع حزب العدالة والتنمية من خلال استضافته لناشط إسرائيلي خلال مؤتمره الأخير أن يجر المجتمع المغربي إلى نقاش التطبيع مع "العدو الإسرائيلي", أو "الكيان الصهيوني الغاصب" مثلما كانت تقول التسميات القديمة, وأن يطرح السؤال كبيرا: وماذا لو كان فعلا هذا هو الحل؟ اليوم لم يستضف حزب علماني أو تقدمي أو محسوب على التيار الآخر ناشطا إسرائيليا وفق مايمكن أن نصفه بأنه "تطبيع مرفوض" والسلام. لا. حزب يعتمد المرجعية الإسلامية, ويعتمد التصور الإخواني للصراع العربي الإسرائيلي الذي يقوم على أن الصراع بيننا وبين أبناء العمومة هو "صراع وجود لا حدود", وعلى أن النهاية ستكون في البحر من خلال "إلقاء كل الإسرائيليين هناك", وتحرير تراب فلسطين كل فلسطين من لا أدري إين إلى لا أدي أين, هو الذي قام بالخطوة هاته المرة. لنعترف أن الأمر يعد تطورا أساسيا وحاسما في تاريخ علاقات الأحزاب الإسلامية بدولة إسرائيل, خصوصا وأن نفس الناشط الإسرائيلي تعرض لحملة شعواء يوم حل ببلادنا ضيفا على معهد أماديوس من طرف نفس الأشخاص الذين استضافوه اليوم في مؤتمرهم, مايعني أن هناك تطورا في النظر إلى الموضوع ككل, لن تنفع كل بيانات الشجب والاستنكار, وكل البلاغات الصادرة عن مختلف الأجهزة التابعة للحزب وللحركة الدعوية المنخرطة ضمنه أو المنخرط ضمنها في حجبه ولا في حجب الواقع الجديد الذي يمثله. واقع يقول إن حزب رئيس الحكومة الذي استضاف أحد زعماء حماس في الخارج خالد مشعل, واستضاف أيضا الناشط الإسرائيلي يعتقد أن الحل لمشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يكون إلا بجلوس الأطراف المتدخلة في اللعبة وأساسا الطرفين المعنيين بها وجها لوجه وبحثهما معا عن نهاية لائقة لصراع لايمكن أن يدوم إلى آخر الأيام. اليوم السؤال الذي ينبغي أن يطرح بشجاعة هو سؤال العلاقة مع إسرائيل دون الكليشيهات المصاحبة التي أكل عليها الدهر وشرب, ودون الاتهامات الجاهزة التي يستلها من العدم أناس لم يسبق لهم أن قدموا لفلسطين شيئا اللهم الكذب عليها, والمتاجرة باسمها, وبناء المسارات الشخصية غير المستحقة على ظهر شهدائها ودماء أبنائها. فلسطين اليوم, ونحن نرى الوضع الدولي غير المساعد إلا على قليل الأشياء, تكاد تندثر وسط زحمة الأخبار المتلاحقة. وقد مضى عليها ذلك الزمن الذي كانت تتصدر فيه عناوين النشرات الإخبارية في كل الدول العربية, وأصبحت اليوم عنوانا لاينبغي بالضرورة أن يمر يوميا لأن عناوين أخرى, في مقدمتها تصفية الشعوب العربية لوضعها الخاص بها, أصبحت تسابقها في هذه الصدارة بل وتنتزعها منها. اليوم لا أحد ينتبه لشأن فلسطين فعلا إلا الفلسطينيون, والتيارات الدينية وغير الدينية التي نجحت في تقسيم السلطة الوطنية الفلسطينية, وتقسيم فلسطين قبل أن تتحرر, إلى دويلات عدة, تحكم حماس غزة منها, وتحكم بقايا منظمة التحرير الضفة, ويحكم حزب التحرير الإسلامي بعض أحيائها, وتحكم الجماعة الإسلامية أماكن أخرى, ويحكم من لا نعرفهم مالانعرفهم من بقعها المتلاشية, (هذه التيارات) تعرف هي الأولى أن الوقت اليوم هو للتفاوض حول ماتبقى من فلسطين قبل أن تنتهي أصلا هذه الحكاية, ولا يعود ممكنا إلا القبول بتفريق هذا الشعب المسكين على البلدان التي تكون مستعدة لاستقبالهه مثلما وقع في سنوات فارطة. نأتي الآن إلى الشأن المغربي واستضافة عبد الإله بنكيران وحزبه للناشط الإسرائيلي الشهير. المعتقد اليوم هو أن الحركة في حد ذاتها شجاعة سياسية تحسب للعدالة والتنمية, ولن أصدق نهائيا أن الأمر لم يكن مقصودا, بل أعتقد أنه كان حركة سياسية واضحة, وموجهة بعناية إلى كل من يهمه الأمر, والتبئير عليها إعلاميا واستلالها من بين زحمة المؤتمر وفعالياته لكي تصبح العنوان الأبرز للقاء البيجيديين ببعضهم, كان فعلا مرادا وصلت رسالته ومعناه بشكل واضح. وأولى أسطر هاته الرسالة تقول إن العدالة والتنمية اليوم حزب دولة, يعرف جيدا الرهانات الموضوعة على عاتقه, ويعرف أنه ملزم بالكثير من التوافقات التي تسير الشأن المغربي إن داخليا أو خارجيا. عبد الإله اليوم, وهو في موقع المسؤولية, يعلم أفضل من غيره أن الكثير من الأشياء تسير مع بعضها البعض, وأن كثيرا من السند الدولي الذي يلقاه المغرب لقضاياه كلها من السياسي فيها إلى الاقتصادي, هو سند يأتي من الاعتدال الذي ميز المغرب دائما في مختلف القضايا العالمية, وفي مقدمها قضية الصراع في الشرق الأوسط. الحسن الثاني رحمة الله عليه كان سباقا في المجال, ولو أنصت له العرب يوما لحلت قضية فلسطين من زمان. ترانا ننتظر يوما زيارة رسمية لعبد الإله بنكيران إلى أراضي إسرائيل؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق