السبت، 21 غشت 2010

في الواجهة _ عمود السبت 21 غشت 2010

شيء يستحق...فقط
شيء ما ليس على مايرام في مسألة الضحك الرمضاني القسري المفروض على المغاربة كل شهر صيام. "شنو هو؟" بالنسبة لفنان مغربي صديق, المسألة واضحة تماما. "ماخصكومش تبقاو تنتقدو هاديك الأعمال_ يقول في اتصال هاتفي _ انتقادكم ليها كيعطيها حياة ماعندهاش أصلا عند الناس, وكتعطيو الشرعية للتلفزيون يواصل بنفس الطريقة حيت كيقولو ماليه المغاربة باقيين مككلخين وكيناقشو وكنيتقدو هاد الشي اللي كنعطيوهم".
استفزني فعلا تحليل الفنان الصديق, فسألته عن المزيد, فقال "غياب استراتيجية عمل تلفزيونية حقيقية هو سبب سوء التفاهم الكبير هذا بين الناس وبين تلفزيونهم. هل تتصور أن مسؤولي التلفزيون المحلي يتوفرون فعلا على استراتيجية يسيرون بها القطاع؟ قطعا لا, هم يدبرون الأزمة فقط بكل أوجهها: أزمة الإبداع, أزمة النص, أزمة التخييل, أزمة الرقابة التي لاتسمح لكل المواضيع بالمرور في التلفزيون, أزمة العلاقة مع الفنانين الحقيقيين, وأزمة الرغبة في صنع قالب موحد ينسج على منواله كل الفنانين, أزمة عدم القبول بالأصوات المخالفة. هل يمكن لتلفزيون الأزمات أن ينتج للمغاربة شيئا جيدا حقيقيا؟ لاأتصور".
كلام صديقنا يبدو موغلا في العدمية, وهو يقفل الباب نهائيا أمام أي محاولة إصلاح, لكنه في نهاية المطاف يعبر عن رأي عدد كبير من الناس فقدوا الأمل في رؤية شيء يستحق على شاشة تلفزيونهم. الأمر لايقتصر على فكاهة رمضان. لو كان مقتصرا عليها لهانت المسألة, ولقلنا إنه شهر واحد من السنة, علينا أن ننسى فيه تلفزيوننا "وراه عطا الله التلفزيونات". الأمر أعقد بكثير وأشمل بكثير وهذا هو أس البلاء.
اليوم لدينا أزمة تلفزيون فعلية اتضح أن كل المحاولات الترقيعية التي تم القيام بها لم تنفع في حلها. جربنا التحرير المتحكم فيه, وجربنا إطلاق القنوات المتفرعة عن القناة الأصل, وجربنا التحكم في القناة الثانية التي كانت صوتا مغايرا بدرجة معينة, وكل مافعلناه نجح فقط في تأكيد إحساس لدى المشاهد المغربي أنه لاتلفزيون لديه في هذا البلد, ولا مسؤولين لديه قادرون حقا على صنع هذا التلفزيون.
ازداد الأمر استفحالا بدخول دول شقيقة وصديقة لنا إلى هذا القطاع, وبالأخص في الخليج الذي كنا نسخر منه ومن قدرة أهله على مسايرة ركب الزمن الحديث, قبل أن نستفيق على وهمنا الكبير ونحن نكتشف أننا "حنا اللي ماقادرين نسايرو والو". الدول الخليجية الصغرى أو التي كانت توصف بالصغرى تمكنت من تأسيس إمبراطوريات تلفزيونية بكثير المال, نعم, لكن بكثير الذكاء أيضا. فهم الناس هناك أن الحل ليس سحريا, ولكنه ينبني على معادلة بسيطة للغاية مفادها ضخ المال لإنشاء قنوات تلفزيونية والاستعانة بالأجانب القادرين على منح الفائدة الفعلية لا الأجانب الراغبين في الاغتناء والهروب فقط, ثم تقديم كل شيء وفق مايمليه عصر الصورة الحديث, لا مثلما تمليه الاعتبارات السياسية المتخلفة.
رب قائل يقول إن التلفزيونات العمومية الخليجية تشبه تلفزيوننا الرسمي هي الأخرى. قول سديد فعلا, لكن ما الذي يمنعنا من تقليد الآخرين تماما؟ أن نترك لتلفزيوننا المحنط رغبته في البقاء خارج الزمان والمكان المعاصرين, وأن نطلق قنوات عصرية وحديثة تنافس مانراه في العالم اليوم مع التحكم في خطها السياسي الكبير, في عناوينها الرئيسية لئلا يعتقد البعض أننا نطالب بإنشاء قنوات ستقيم لنا الثورات في البلد.
حقيقة المسألة أصبحت مستعجلة ولا تقبل أي تأخر, لأن الأمر يتعلق بصورة البلد الذي ننتمي إليه, والذي يضرنا أن نراه متخلفا في ميدان مهم مثل هذا الميدان. معركة الصورة هذه اللحظة هي أهم من كل المعارك الدونكيشوطية التي نخوضها في مجالات أخرى دون أن يكون لها أي نفع قد يعود على بلدنا, والمغرب _ بشهادة أهل القطاع أولا _ مؤهل لكي يطون قائد تجىبة تلفزيونية عربية لامثيل لها. يكفي فقط أن يؤمن من بيدهم الحل والعقد أن الأمر ممكن فعلا, لأننا لانصدق أن البلد الموجود على مفترق طرق العالم بأسره بين هواء أوربا البارد, ولفحات إفريقيا الحارة, و انتماءات العالم العربي التاريخية, والذي يتشكل من الفسيفساء الناردة التحقق في مكان آخر من كل الهويات والأجناس والديانات والأعراقو والذي يعيش ربيعا سياسيا لامقارنة له في العالم العربي إلا بمصر ولبنان هو بلد عاجز عن الريادة التلفزيونية التي تعني في الزمن الحديث الريادة الحقيقية.
شيء ما يمنعني من تصديق هذه البديهية التي تقول إن قدرنا هو هذا المستوى. شي ما يقول لي إن المغاربة يحق لهم أن يلتقوا في إعلامهم البصري مع شيئ يستحق المشاهدة فعلا, لا اللعنة فقط..
"غير شي حاجة تستاهل". هذا مايطالب به شعبنا اليوم في تلفزيونه لا أقل ولا أكثر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بلغت تحويلات المهاجرين المغاربة إلى بلادهم المليارين من الدراهم في ظرف خمسة أشهر فقط. رقم يقول كل شيء عن الإضافة الفعلية التي يقدمها هؤلاء للوطن, وتشعرنا بضرورة مراجعة تلك الصورة السلبية التي نحملها في المتخيل الجمعي عنهم.
ههؤلاء مغاربة يفهمون معنى الانتماء الحقيقي للمغرب, وليسوا مثل عدد ممن يسكنون معنا في البلد, لكن البلد لايسكنهم, وكل خيراته التي يسطون عليها يحولونها إلى الخارج.
فارق واضح تماما

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق