الثلاثاء، 31 يوليوز 2012

محمد السادس

13 سنة مرت منذ تلك اللحظة العصية على الوصف. أنصتنا كل واحد منا في مكانه لمصطفى العلوي ينعي الملك الوحيد الذي عرفناه جميعا, أو الذي عرفته أغلبيتنا, وانتظرنا التحول الكبير الذي سيطرأ على ولي العهد أو سميت سيدي, وشرعنا في اكتشاف الإسم الجديد. في البدء كان محمد بن الحسن, ثم تعودنا الإسم الرسمي محمد السادس. بعد ذلك سنقول لأنفسنا كل مرة فوجئنا فيها مفاجأة سارة جديدة, إننا ربما لم نعرف ملكا آخر غير هذا الملك. هل يحق اليوم المدح في الرجل؟ في الحقيقة المسألة جد معقدة. ففي بلد مثل البلد لايمكنك أن تقول كلمة طيبة عن أي إنسان كيفما كان نوعه دون أن تشير إليك الأصابع "هادا مالو؟ وشحال واخذ؟", فمابالك بملك البلاد؟ عبارات الاتهام بالتزلف الكاذب والنفاق المداهن ستكون جاهزة طبعا, وبسهولة كبرى, لكن لايهم. هناك حديث صحيح يقول "من لم يشكر الناس لم يشكر الله", وهذه الأسطر هي عبارة شكر صغيرة من مواطن بسيط باسم مواطنين آخرين يشبهونه يرون أنه من اللازم بين الفينة والأخرى أن نخرج من توافقنا على بعض الأمور من أجل تلافي سماع الكلام, لكي نقول جملا بسيطة وضرورية جدا, مثل جملة أو عبارة "شكرا جلالة محمد السادس". شكرا على كل مامضى حتى الآن, وشكرا على الأشياء الأخرى التي ستأتي. شكرا على المصالحة التاريخية بين الشعب وبين ماضيه الأليم. شكرا للإنصاف والمصالحة اللذان قدما درسا بليغا للعالم بأسره. شكرا للوصف الجميل الذي تحمله بكل افتخار "ملك الفقراء", والذي ترد به على المنتقدين الكثر الذين يقولون إن الحكام لايشعرون بآلام المحرومين. شكرا على لحظات التفاعل الإنسانية والبسيطة والرائعة مع مرضانا, مع فقرائنا, مع ذوي الاحتياجات الخاصة منا. شكرا على ماابتدأته منذ يوليوز 1999, وماتواصل القيام به اليوم, وماتنوي فعله للبلد في المقبلات من الأيام والشهور والسنوات. أجدها رغبة ملحة تجتاحني لقولها لأنني أعرف أن الآخرين لن يقولوها بهذا الشكل المباشر. نحن تعودنا على أن نحادث بعضنا بعضا في السر بالأشياء الجيدة والإيجابية, لكننا لانكتبها لقرائنا لئلا يقال عنا إننا "مداحون" أو مايشبه هذه المصطلحات التي تصح حين تكون وراءها الرغبة في شيء ما. أما حين تكون مجرد عبارة من مواطن باسم عدد كبير من مواطنيه يحسونها لكنهم يكادون يتهبيون قولها لأن "الموضة لاتسمح", فالأمر يضحي أكثر من مقبولة. شكرا على السنة الماضية الساخنة. وضعنا اليد على القلب ونحن نقول "والمغرب؟ والاستثناء المغربي؟ والملك؟ وقراره؟ وكل شيء؟". استجمعت الشجاعة السياسية التي عرفناها عنك, وخطبت يوم 9 مارس من سنة "إرحل" العجيبة تلك, وقلت للشعب "هاهي ديمقراطيتك بين يديك, إفعل بها ماتشاء". جاءت العدالة والتنمية إلى الحكم, جاءت معها أشياء كثيرة لم يكن الكثيرون يتوقعونها, مر المغرب بالهدوء الأكبر من الربيع العربي العاصف. خرج منتصرا يقدم نموذجه للعالم بأسره, ويقول لهم "نحن بدأنا الإصلاحات منذ 1999, ولم ننتظر سنة 2011". شكرا لشعبك معك. المغاربة أناس بسليقة جد نقية, يعرفون الصدق من الكذب, ويميزون بسرعة بين الضدين, لذلك وضعوك في القلب منذ اللحظة الأولى للمجيء, ورأوا في حيائك الجميل شعبة الإيمان الشهيرة التي حدثهم عنها رسول الإسلام الذي يعرفونه, وامتطوا معك القارب بالشعار الذي يحمل من المعاني الشيء الكثير "ملكنا واحد, محمد السادس", وقرروا أن إنقاذ البلد سيكون بك وبهم, أي سيكون بالجميع, وليس على حساب طر, ولفائدة طرف آخر مهما كان. شكرا على الاعتراف بالصعوبات الكبرى التي تنتظر البلد. من العسير أن تصلح ماتضرر لعقود عديدة في ظرف بضعة سنوات, لذلك لابد من المقاومة التي نعرفها, ولابد من سماع أصوات الراغبين في امتطاء كل شيء, وإن كانوا من ركاب الموجة السابقة, ولابد من تلقي الضربات من هنا ومن هناك. لكن ووسط كل هذا, تأتيك من بسطاء الناس, كلمة شكر تعرف يقينا حجم المهمة الملقاة على عاتقك, وتوقن أنك تريد حلا لكثير المشاكل الموجودة في البلد, وأن الأساسي هو أن الإصلاح انطلق, وأنك بعد الله أمل هذا البلد في أن يبقى موحدا لا ممزقا مثلما نرى الدول والبلدان الأخرى اليوم. هل من حاجة لكل هذا الكلام اليوم؟ نعم. هناك حاجة كبرى إسمها المغرب تفرضه, وتفرض علينا أن نقوله, فالقادمات ليست هينة بكل تأكيد, لكن الشعب وملكه قادران عليها دون أي ارتياب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق