الأحد، 26 غشت 2012

ولاء و"ولاء"

النقاش الذي أثير في المغرب حول حفل الولاء, نقاش يستحق الكثير من الاهتمام, وإن انتهى نهاية لاتليق ببلد مثل بلدنا تعود على كبير النقاشات دون كثير إشكال. اليوم السؤال يطرح نفسه بحدة وبصوت مرتفع, وأيضا بكل شجاعة: هل ينبغي الإبقاء على الطقوس المرافقة للاحتفال بعيد العرش كل سنة؟ بالنسبة للعديدين, هم ربما أغلبية هذا البلد, وكاتب هذه الأسطر منهم, الجواب هو نعم. لدينا تقاليدنا التي لم نر فيها في يوم من الأيام أي انتقاص من كرامة أو امتهانا لإنسانية أو آدمية, بل اعتبرناها من التوابل المرافقة للمشهد المغربي العام, تمتح كل جمالياتها من الألوان المرافقة لمشهدنا العام, والتي تأخذخا من هذا المشهد نفسه. عشنا في البلد لسنوات وسنوات على المشهد لانرى فيه أي عيب, ولم نتخيله منظر عبودية أو ارتفاع شخص عن آخرين, بل كان بالنسبة للمغاربة طقسا من طقوس بلدهم, يشبه الطقوس التي يرونها في البلدان الأخرى, حين يرتدي نواب بريطانيا باروكات الشعر مثلا, أو حين يقبل الروسيون بعضهم البعض من الأفواه, أو حينما يلتقي الخليجيون بالأنوف مع بعضهم البعض. اليوم هناك رأي ثان يعبر عن نفسه, انطلق مما وقع في العالم العربي لكي يقول إن مايقع في حفل الولاء عبودية وامتهان للناس, ويطالب بمنع الحفل أو إلغائه أو النقص من الطقوس المرافقة فيه. لنتفق أنه من حق أي كان أن يعبر عن رأيه, وأنه من المفروض اليوم أن نفتح هذا النقاش بصوت مرتفع بين الجميع, وأن ننصت لكل الآراء, وأن نتيح لأصواتنا المختلفة بأن تقول ماتريده, وأن لا نصادر حق بعضنا البعض في التعبير عن الرأي والرأي الآخر. معنى عدم المصادرة هو أن لانعتبر المدافعين عن بقاء واستمرار حفل الولاء "ممخزنين", أو "منبطحين" أو "راغبين في التسلق", وأن لانعتبر بالمقابل الراغبين في إلغاء الحفل أو النقص منه أعداء للوطن يبحثون عن منافذ لتسريب الفتنة إلى البلد. لا, العقل السليم يفترض أن ننصت للجميع, وأن نتيح للحوار أن يتم, وأن نتفادى ماوقع يوم الأربعاء من الجهتين: الجهة التي اعتبرت أن تنظيم وقفة احتجاجية من شأنه أن يمس حفل الولاء وأن يلغيه فعلا, والجهة التي اعتبرت أن الرد على الوقفة الاحتجاجية يكون بضرب المشاركين فيها وتفريقهم بالعنف لئلا يتمادوا في غيهم. المشهد كان مخجلا بالفعل يوم الأربعاء حيث تأكدنا أن ثمة رغبة من جهتين معا في تأزيم الوضع في بلد لا يقبل بهذا التأزيم, ولا يريده, ويعبر بكل ما يمتلك من قوة أنه يريد الإصلاح الديمقراطي كله, لكن يريده بسلم. الجهة الأولى هي جهة المعارضين للمسار العام التي لاتستطيع التعبير عن نفسها, والتي تعد أقلية بالفعل في البلد , ورغم ذلك تحرص على لأن تسمع صوتها بطرق متشنجة بعض الشيء, من أجل الوصول إلى هدف اتضح ويتضح كل يوم أنه غير ممكن في المغرب. الجهة الثانية تنسى أننا محصنون في المغرب ضد مايريده الأوائل, وتسعى إلى الرد على التشنج بتشنج أكبر منه, وتنتج لنا المشاهد التي تناقلها العالم أجمع لشرطتنا وهي تضرب صحافيا أتى ليغطي الوقفة, أو لبوليسنا وهو يردد عبارات سيئة في حق ناشطين سلميين مهما كانت مطالب هؤلاء الناشطين. لانحتاج في المغرب اليوم إلى شيء أكثر من احتياجنا للاعتدال في كل نقاشاتنا, وبالتحديد في هذا النقاش الهام, مثلما نحتاج إلى عدم الحديث باسم الشعب لأننا رأينا عدد من حضروا الوقفة يوم الأربعاء, وأيضا نحتاج إلى عدم شيطنة من يريدون التعبير عن رأيهم المعاكس لرأي أغلبية المغاربة ماداموا في طور التعبير السلمي عن الموضوع ككل. شيء آخر لابد من قوله في هذا الموضوع. المغاربة أسسوا لتاريخهم بطريقتهم الخاصة, وكونوا كثير العادات والتقاليد في تسيير شأنهم العام وشأنهم الخاص, وعلاقتهم بعرشهم وبملكهم. واليوم نستطع القول بكل شجاعة وافتخار أن الملك الحالي لايشبه من سبقوه لأن دلائل انفتاحه وإيمانه بالحرية وبالآراء المختلفة مسألة لم تعد تحتاج إلى برهان, وهي التي تتيح للبلد اليوم كل انتقالاته السلمية نحو الديمقراطية الفعلية التي يستحقها شعبنا, لذلك يجب أن يكون نضجنا كبيرا في التعامل مع هذه المسألة الإيجابية لئلا نفقدها كل الجوانب المضيئة فيها, وندفع نحو تأزيم لا حاجة لنا به نهائيا. ولاؤنا لهذا البلد. ولو وضعنا هذه المسألة نصب العين فعلا, لن نجد أي مشكل في تحديد علاقتنا بكل الولاءات الأخرى. هذا هو أس النقاش بالفعل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق