الجمعة، 29 أبريل 2011

مؤخرة شاكيرا و البرلمان

أول أمس الأربعاء اقتنعت بشيء واحد للمرة النهائية والأخيرة: نوابنا البرلمانيون لايصلحون في أغلبيتهم لأي شيء على الإطلاق. ابتدأ الأمر حين احتجوا على وصفهم من طرف الحبيب الشوباني من العدالة والتنمية بأنهم مرتشون, وأوقفوا جلسة عمومية "على قدها" يفترض أنها مخصصة لإلقاء أسئلة الشعب المغربي (الله يلعن الكذاب), فقط لكي يعود إليهم جزء من "كرامتهم المفقودة", ولكي تستأنف الجلسة أشغالها بعد حوالي الساعة إلا ربع من الموسيقى الأندلسية بدرس سخيف للغاية في اللغة العربية تولى إلقاءه علينا لحسن الداودي الذي أوضح لنا الفوارق الضوئية الكبرى بين ال الشمسية وال القمريةو مؤكدا مرة أخرى (الله يلعن الكذاب) أن الشوباني كمان يتحدث عن برلمانيين وليس عن كل البرلمانيين.
"نحيدو هادي" ونمر إلى الأخرى. مباشرة بعد هذا الفصل البايخ للغاية, انتقلنا إلى فصل أبوخ. فاطمة مستغفر من الحركة الشعبية (حزب أحرضان ومن سار على هديه إلى يوم الدين) وعمر حجيرة (خو توفيق والمنتمي لحزب عباس) بالإضافة إلى رضى بنخلدون من العدالة والتنمية (حزب البرلمانيين المرتشين حسب الشوباني أو حزب ال الشمسية وال القمرية حسب الداودي) يلقون سؤالا واحدا وموحدا حول ضرورة إلغاء موازين هذه السنة. والسبب "أخوتي وخواتاتي"؟ . الشعب مابغاش يشطح, الشعب بغا يخدم.
أعترف أنني في قرارة نفسي أحتقر تسعة وتسعين بالمائة من النواب الأشاوس, وهذا منذ قديم الزمن لأنني أعتبرهم المثال المضاد لكل ما ينبغي فعله في السياسة, أو النموذج الكامل لما ينبغي تجنبه, لكني عشية الأربعاء ازددت اقتناعا أكثر بصدق شعوري هذا وأنا أرى تلك المزايدة الرخيصة للغاية والساقطة على شعبب أصبح الكل يتحدث باسمه حتى الذين دخلوا البرلمان على ظهور أصواتنا الكاذبة, والذين احتلوا صدارة المشهد السياسي العليل دون أدنى استحقاق اللهم استحقاق المرض الذي يصيب السياسة السقيمة في المغرب.
وعلى من طرح الأشاوس السؤال؟ على بنسالم حميش الذي أجاب ببؤس قاتل للغاية أوضح للجميع لماذا يحس أغلبية المثقفين المغاربة بشعور سلبي تجاه الرجل. كنت أتمنى من السادة النواب الأشاوس الذين اكتشفوا فجأة أن الشعب يريد, وأن ّالمغاربة كيبغيو وماكيبغيونش", أن يتسلحوا بهذه الشجاعة للمطالبة بإيقاف موازين السنة الفارطة أو التي سبقتها. على الأقل كنا سنقول "لقد كانوا شجعانا بالفعل, وطالبوا بشيء غير مسبوق, ولو أن المطالبة بإلغاء مهرجان فني هي مسألة تدل على التخلف لا على أي شيء آخر, لكننا كنا سنكبر فيهم شجاعة الإقدام على الحماقة.
أما وقد انتظروا إلى أن أصبح مطلب إلغاء موازين مطلب "اللي يسوا واللي مايسواش", ولأسباب تختلف وتتفارق من التطرف الديني أوالعقدي إلى الحقد الشخصي على من ينظمون المهرجان, مرورا بالمغنين الغاضبين من عدم استدعائهم ووصولا إلى "اللي مساليين قبهم", ويريدون المطالبة بإلغاء أي شيء لكي يحسوا أنهم موجودون فليسمح لنا حجيرة ومستغفر وبنخلدون ومن صفقوا لهم بشكل بئيس للغاية دون نسيان وزير الثقافة الذي انخرط في الهجوم على المهرجان بشكل لاوصف له, لكننا نعتقد أنهم فعلا الوجه الأساس والأبرز لأزمة السياسة في المغرب بتصرفهم الأخرق هذا.
طيب آسيدي, لنلغ موازين. مالو ديالنا؟ ولننته من هذا الفصل البايخ, لكن بالمقابل على عمر حجيرة أن يقول للوجديين ما الذي صنعه وما الذي لم يصنعه لمدينتهم عوض التساؤل عن شاكيرا في قبة البرلمان. لتجبنا فاطمة مستغفر عما فعلته لدائرتها النيابية, أو عفوا هي ترشحت في اللائحة الوطنية لذلك صعدت إلى البرلمان, وليقل لنا رضى بنخلدون عن تحالفاته الكثيرة في الرباط التي لم يعد يفهم الرباطيون فيها شيئا عوض أن يزف لنا الخبر الذي صفق له البرلمانيون عن إلغاء دعم مجلس المدينة لموازين.
الحق الذي لامراء فيه هو أننا ابتلينا في هذه الأيام الأخيرة بداء العطالة السياسية لهؤلاء البرلمانيين الصالحين لكل شيء إلا لتمثيل الشععب. وهم اليوم بعد أن رأوا الشعب يطالب بأشياء كثيرة, أصبحوا يفهمون أن عليهم الركوب على الموجة وإلا فإن رقابهم توجد على كف عفريت. ومادامت الأشياء قد استحالت إلى لعبة مزايدات قاتلة مثل هاته, وماداموا توسلوا بشعار "الشعب يريد إلغاء موازين", فلايسعنا إلا أن نجاريهم في لعبتهم هاته, إذ البادئ أظلم, وسنرفع نحن أيضا شعارا من شعارات الشارع هذه الأيام "الحل الوحيد, من كل الحلول, حل البرلمان, وإسقاط الحكومة", وكملو من ريوسكم بقية الشعار.
للأسف الشديد, في الدول المتحضرة حقا يلعب السياسيون دور القادة لشعوبهم حين الضرورة. أما في دول التخلف فلايمكنك إلا أن تشاهد المشهد المحزن الذي رأيناه يوم الأربعاء الفارط لنواب برلمانيين تركوا كل الاهتمامات الحقيقية وركزوا مع مؤخرة شاكيرا. "هاد الشي ما عطا الله والسوق" لسوء حظ هذا الشعب الطيب والجميل, ذي الحظ العاثر فعلا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
المشهد المثير الذي أصبح يعيشه الشارع المغربي كل مرة لاعبت فيها البارصا الريال هو مشهد يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول قدرة الكرة على تجميع الناس ولو كانت كرة أجنبية عنا. المغاربة أصبحوا يتعاملون مع لقاءات الفريقين الإسبانيين الكبيرين بشكل يفوق تعاملهم مع منتخبهم المحلي, أو مع الشيء الذي يسمى منتخبهم المحلي الآن.
المغاربة لم يهربوا اعتباطا من كرة منصف وعلي إلى الكرة الجميلة. المغاربة ملوا القبح والرداءة, ويبحثون عن الجمال والمتعةو وهذا في الكرة, لكن أيضا في كل مجالات الحياة الأخرى.
إيوا عيق آلبريق.

الأربعاء، 27 أبريل 2011

بزيز ونبيل

مسألتان لابد من التنديد بهما وقعتا معا في نفس اليوم, أي الأحد الفارط, وفي نفس المناسبة أي تظاهرات 24 أبريل, لكن من طرف جهتين مختلفتين, معا تظلان مجهولتين وإن كانت الدلائل والمؤشرات معا واضحة على من يقف وراءهما. لاتهمنا هنا هذه الجهة التي وقفت وراء الحدثين بقدر مايهمنا التنديد بما فعلته, وإبلاغهما معا أن رسالتهما ضلت الطريق وأنها لاتعني المغاربة لا من قريب ولا من بعيد.
الحدث الأول مس الفنان الساخر أحمد السنوسي "بزيز", ونورده هنا مثلما حكاه أحمد لكاتب هذه السطور بالحرف "ونحن منشغلون في التظاهر ضمن المسيرة السلمية ليوم الأحد 24 أبريل, فوجئت باحتكاك غريب من طرف أشخاص مريبي الهيئة, سمعت بعض السباب والشتائم لكنني لم ألتفت إطلاقا وواصلت التظاهر لعلمي أن هناك العديدين ممن يرغبون في الصيد في الماء العكر هذه الأيام.
بعد مدة يسيرة من الزمن سمعت أحد هؤلاء الأشخاص يقول لي "رد غير الكريمة اللي عطاوك", التفت جهته لكي أقول له إن كل من يعرفونني يعرفون جيدا أنني لا أتوفر لا على كريمة ولا على أي رخصة أو ماشابه وأن هذه القصة قديمة وسبق لي أن فندتها مرارا وتكرارا كلما تم استلالها من الرف للرد على مطالبتي السلمية بتمكيني من حقي في ممارسة فني دون أي مضايقات".
يواصل الفنان السنوسي السرد ويقول "فوجئت بتصعيد في كلام الأشخاص الذين كانوا يتعمدون الاقتراب والابتعاد مني في المظاهرة وهدفهم كان هو استفزازي بشكل واضح ودفعي إلى اتخاذ موقف متطرف ما لكي يتم استغلاله ضدي. هذه المرة كانت الإشارات واضحة, أحدهم اقترب مني وبلهجة لاتقبل أي شك أو جدل قال لي "يلا بقيتي كتخرج فهاد المظاهراتة راك غادي تموت". سارع الشباب المحيطون بي من حركة 20 فبراير إلى ملاحقة قائل تلك الكلمات وظهرت لنا في محفظته التي كان يحملها سكين لم يستطع أن يخفيها بسبب خوفه من رد فعل المتظاهرين. غاب المهدد وسط الزحام, وانتهى الموضوع أو كاد أن ينتهي لأنني أعرف أن الرسالة كانت موجهة لي لكي أتوقف عن مساندة هذه الحركة الشبابية المباركة, لكنني أرد بالقول إنني متشبث بحقي في التظاهر سلميا رفقة أبناء شعبي الذين تضامنت مع طبقاتهم المسحوقة قبل هذا الزمن بكثير, وإن كنت أحمل المسؤولين اليوم مسؤولية أي شيء يمس حياتي الشخصية التي أصبحت أخشى عليها تماما مثلما أخشى على حياة إبنتي خيرة"
السنوسي يختم كلامه بالقول "أنا مستعد مرة أخرى لتوضيح مسألة الكريمة هاته التي نلناها ونحن ثنائي رفقة الحسين بنياز والتي تنازلت عنها منذ إثني عشر سنة ولم أتقاض منذ ذلك الحين درهما واحدا منها, كما أنني أكتري منزلا وسط الدار البيضاء أنا مستعد لإظهار وصل أداء واجب كرائه الشهري لكل من يرغب في ذلك فقط لكي تنتهي هذه الحكاية السخيفة التي يبدو واضحا من يقف وراءها ولماذا يتم استلالها كل مرة لتهديدي بها".
انتهى حادث بزيز في البيضاء, ولننتقل إلى الحادث الذي مس الزميل نبيل البردعي من القناة الثانية, أثناء تصويره لمسيرة الرباط. بعض المتظاهرين, وأنا أجزم أنهم ليسوا من روح 20 فبراير التي تحمي أرواح وممتلكات الناس والتي تتظاهر سلميا وحضاريا لإيصال مطالبها, حاصروا كاميرامان القناة الثانية, وتطاولوا عليه بالسب بل وباللمس الجسدي الذي كاد يتطور لما لا تحمد عقباه, علما أن زميلنا نبيل كان يمارس مهمته فقط, والاعتداء على الصحافيين هو همجية غير مقبولة سواء جاء الأمر من والي أمن البيضاء في 13 مارس وقد أدنا المسألة في حينها أو جاء على يد منتسبين (حقيقيين أو مزورين) لحركة 20 فبراير, وهانحن ندينها مرة أخرى وبكل القوة الممكنة.
شيء واحد نقوله للجهتين اللتان تورطتا في الفعلين الهمجيين ليوم الأحد الفارط ضد بزيز وضد نبيل: اللعب بالنار الذي يمارسه البعض, قد يوصلنا إلى أشياء لاقبل لنا بها, ونتصور أننا "حلوين كده" مثلما يقول المصريون, نخرج إلى الشارع نتظاهر دون أن يمسنا أحد, هذا بالنسبة لجهة, ونخرج إلى الشارع ولا نرفع أي شعار أحمق أو خارج عن السياق, وهذا للجهة الثانية.
رجاء ارحمونا من تقليد غباء الشرقيين, وارحمونا من يوم نراه بأعيننا إذا استمر هذا الهراء في تكرار نفسه, تصل فيه حركة 20 فبراير إلى إقرار قانونها الخاص في الشارع وهي مسألة لا حق لها فيها نهائيا, وتصل فيه الدولة إلى فرض حظر التجول علينا أو حرماننا من التظاهر وهذه أيضا لاحق لها فيها.
نعتقد أننا جميعا نعرف المآل إذا ماوصلنا إلى نقطة اللاعودة هاته, لذلك لابأس من بعض التهويل لأحداث قد تبدو بسيطة اليوم, "االلهم التهويل ولا نتسناو حتى تطيح الروح ونوليو فشي طاب وشي باقي خضر".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مثلما وقع يوم الأربعاء قبل الفارط في برنامج "مباشرة معكم" حول الأمازيغية الذي تحول إلى حلبة صراع لم يستفد منها المشاهد شيئا, لم يستطع الحاضرون لبرنامج "قضايا وآراء" الذي ناقش القضاء في المغرب يوم الثلاثاء الفارط أن يمنحوا المشاهد فرصة التقاط مايريدون قوله, إذ بادر كل منهم للدفاع عن موقفه أو موقف "جماعته" وتكررت مصطلحات لم يفقه منها المشاهد شيئا على ألسنتهم بشكل غريب, وبقي سؤال استقلالية القضاء الفعلية وإصلاحه رهين "الغوات" الذي شاهدناه, ورهين الحسابات الضيقة التي تحكمت في أكثر من كلمة وجملة خلال ذلك اللقاء. ما أصعب مهمة الحوار والإصلاح في هذا البلد فعلا

الصوت المرعب

الكل فرح على مايبدو هذه الأيام لإطلاق سراح معتقلي السلفية الجهادية. والكل يطالب بإطلاق سراح من تبقى من هؤلاء. الأمر طيب للغاية فهو يدل على روح تسامح عارمة همت المجتمع ككل, وخاصة الجسمين السياسي والصحافي منه, وجعلت الجميع يؤمن أن الإلقاء بالمنتمي لهذا التيار الديني في السجن كان تصرفا ظالما منذ البدء.
لابأس في المسألة على الإطلاق, ولكن لابأس أيضا من إنعاش الذاكرة ببعض البديهيات, خصوصا وأن "بعض المتحولين صحافيا" (على وزن المتحولين جنسيا) قد نسوا أو تناسو كل شيء وشرعوا في تهييء اللوائح السوداء و"التشيار" بها لمن ساند اعتقال السلفيين الجهاديين ولمن كتب مؤيدا لخطوات الحد من الإرهابين الفكري والمادي الذين مسا بلادنا في فترة من الفترات واللذان لازالا قادرين على المساس بها في أي لحزة مهما قال لنا "عباقرة النسيان" الجدد هؤلاء.
من يكتب أو يخطب في المنبر قائلا إن النظام الذي يحكم في المغرب نظام كافر, هو إرهابي مهما قال لنا العباقرة الجدد, وكلامه يهيء التربة الفكرية للإرهاب المادي, وليعذرنا "المتسامحون أكثر من اللازم", لكن التذكير بهذه البديهيات مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا.
من يعتقد أن من حقه دون أن يكون ولي أمرنا أن يغير المنكر بيده باسم الدين لا يختلف في شيء عن مجرم سلا الذي أمسك سيفا في يده في الفيديو الشهير وشرع في ضرب خصمه في كل مناطق جسده وتصوير كل تلك الجريمة وبعثها على الأنترنيت, وهما معا يمارسان بالنسبة لنا إرهابا لاقبل للمواطن المغربي بقبوله على الإطلاق.
من يتصور أن الأحزاب السياسية بدعة, وأن العمل السياسي الشرعي مساهمة في حكم الطاغوت, ومن ينتظر فقط أن تقوم القومة لكي يفيض علينا من "كل جنبات الوصلة" لأننا مسلمون "ناقصو إسلام" حسب تصوره, هو إرهابي إن لم يكن عمليا ففكريا وهو الآخر يهيئ المسار والطريق لكل مايمكن تصوره من الفظاعات التي وقعت في الدول العربية والإسلامية الأخرى.
من يعتقد أن حركة 20 فبراير هي حركة اندس إليها دخلاء ملاحدة يتصورون أن بإمكانهم الإفطار في رمضان جهرا, أو يعتقدون أن المجاهرة باختلافهم الجنسي هي مسألة ممكنة في المغرب اليوم, ويدعو لتطهير الحركة من هؤلاء, لا نجد له وصفا دقيقا, ولكننا نتجرأ ونقول إنه مضى بعيدا في قوله هذا لئلا يقول مرة أخرى مثلما قال في خرجاته الإعلامية كلها إننا ظلمنا وتحاملنا عليه, وإن كنت أتفق معه في مسألة واحدة هي أن المعلومات الخاصة بموارده المالية التي نشرت في وقت سابق كانت معلومات غير صالحة لشيء, خصوصا وأن المعركة معه هي معركة فكر لاينبغي أن تدخل إليها التسريبات المخابراتية الكاذبة, ولا ينبغي أن تتسلل إليها الدعوة إلى اعتقاله.
لنكن واضحين فيما نقوله. من حق السلفيين الجهاديين التمتع بالحرية طالما أنهم لم يهددوا أمن مواطن مغربي واحد. في حالة العكس هم يخرجون من طائفة الفكر السياسي إلى طائفة الإجرام ويسري عليهم قانون الحق العام أي القانون الذي يحاسب بموجبه المجرمون لا أقل ولا أكثر. حينها ليس لهم من مكان إلا السجن, وهذا في كل الأوطان وليس في وطننا فقط. وحينما نقول السجن, نقصد به البنايات المعترف بها والمتاحة الدخول أمام الجميع لا البنايات السرية التي تتسلل منها الأخبار المرعبة عن إجلاس الناس على القوارير, وعن أشكال أخرى من التعذيب كنا نعتقد أنها لم تعد تنتمي لعصر الناس هذا.
لماذا كل هذا التذكير بأشياء هي في حكم البديهيات للجميع؟ لأننا لاحظنا وسط حماس الفرحة بإطلاق السراح أن كثيرا من مفردات التطرف والتكفير قد بدأت تتسرب من جديد إلى الواجهة, وهذه يجب أن يقاومها الشعب ويحاربها تماما مثلما يريد أن يحارب الفساد. ولاتصدقوا من يفصل لكم بين المعركتين, فهو يلعب فقط على وتر الجهة الغالبة لاستمالتها, ولا قلب له على الوطن.
الحق الذي لامراء فيه اليوم هو أن معركة من نوع آخر ستبدأ الآن بالتحديد, فيها الكثير من التغليط, وغير قليل من الكذب والشيء اليسير من الصدق والصراحة. لذا وجب الانتباه, ووجب التساؤل عن أسرار بعض الصفقات اليوم بين جهات عديدة, ضمنها أطراف داخل الدولة, وضمنها جماعات دينية تلقت ضمانات دولية أن ثمة شيئا قادما للمغرب ستكون طرفا فيه, وضمنها مستفيدون مزمنون من كل أزمات البلاد يستعدون مجددا للاستفادة من نقلتها الجديدة هاته.
لانخون أحدا, ولا نتهم أحدا بشيء إلى أن تثبت كل الأشياء, لكن خوفنا على بلدنا أمر مشروع للغاية, ولن يمنعنا عنه ولا منه أناس يفكرون في مصالحهم الشخصية فقط, ولايكترثون بما يمكن أن يصيب البلد غدا أو بعد. وهذا بيان للناس لا يريد إلا قليل الإيضاح والتذكير, ومن يعش ير, و"صافي".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
خديجة الرويسي امرأة شجاعة تمتلك خصلة إلقاء الحجرة المناسبة باستمرار في البرك الراكدة وماأكثرها في البلد, لذلك كان عاديا أن يسبها نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح الذي دعا في وقت سابق إلى احتلال منصات مهرجان "موازين" فهي تمثل النقيض بالنسبة له ولحركته, ولذلك أيضا كان عاديا أن يتضايق من بيان بيت حكمتها الأخير العديدون وهي تتحدث عن ضرورة مواجهة من أفتى بجريمة جواز زواج إبنة السنوات التسع, أو من دعا إلى تطهير حركة 20 فبراير من آكلي رمضان ومن الملاحدة.
عادي جدا أن تتحالف الرداءة ضدك خديجة, فأنت نموذج للمغرب الذي يريدون هدمه بأي ثمن من الأثمنة اليوم

الخميس، 21 أبريل 2011

دمشق في القلب

لهذا الشعب مع من يحكمونه قصة تدعى قبل وبعد كل الأشياء حماة. دك حافظ بمعية أخيه رفعت ذات ثمانينيات على رؤوس أبناء شعبه المدينة كلها, قتل منهم الكثيرين ثم قال في الختام “لقد كانوا إخوانيين”. احتفظت الجميلة الشامية للسلالة بالثأر منذ ذلك الزمن, وقالت “لن نقبل العزاء في من رحلوا إلا بعد أن نثور على قاتليهم”. بين حماة وبين الثأر مرت مئات الجثث على مذبح نظام الحزب الواحد الأحد , وتكونت أنهار من دماء, ويوما بعد يوم أصبح للشعب أكثر من ثأر مع من سرقوا تاريخه إلى أن كان التوريث, وكان لسورية الوضع المضحك أن تركها رئيس لإبنه خلفه بعد الرحيل.
خرج السوريون أول مرة يصيحون “حرية, حرية, سلمية, سلمية”. اكتشف العالم مدينة تسمى درعا. قلنا نحن المغاربة إن المدن التي تتشابه في الإسم تتشابه في الجرح وفي بقية التفاصيل. تذكرنا مع درعا السورية درعة المغربية القابعة هناك على تخوم التهميش والنسيان وكل الآفات, وتذكرنا أن للسوريين قنيطرتهم التي تشبه القنيطرة المغربية, وتذكرنا أن جنودا لنا سيقوا ذات يوم إلى هناك لكي يقاتلوا العدو الإسرائيلي _ من يذكر شيئا إسمه العدو الإسرائيلي هذه الأيام _ دون أن يطلبوا ذلك, لكنهم وفي غمرة الالتحام بشعب سورية عاشوا اليومي الحميمي هناك, فتصادقوا مع سوريين كثيرين, وأجبوا سوريات كثيرات, والتقطوا في الجولان بعضا من ملامح الربيع العربي القادم إلى بلاد العربان بخطى السلحفاة منذ ذلك الزمان.
خرج شعب حمص ودرعا واللاذقية, بلد العيون الخضراء التي لم تعد ترف إلا للوطن, وخرج أهل حلب وناس دمشق, وترنموا مع المنشد السوري الشهير “أبو راتب” رائعته التي أرفض أن أقول عنها أغنية دينية أو أن أنسبها للإسلاميين فقط, ببساطة لأنها من الأغاني الوطنية حقا التي تدمي الفؤاد حين الإنصات إليها “دمشق في القلب, قلبي في هوى حلب, دمي حماة ونوح الجسر أغنيتي”. سمعناها في الجامعة المغربية ذات يوم فأبكتنا لكأنها كانت تغني عن وطن لنا لا نعرفه ولم يسبق أن التقينا به يوما إلا في الوجدان البعيد, وحين نستعيد كلماتها اليوم نجدها تقول مايجري في الميدان بالتحديد دليلا على أن للشعب الذاكرة التي لاتنسى, وأن الأشياء وإن ضاعت في زحمة الطريق التافهة, تأتي في يوم الجد لكي تستعيد كل ماصنع لها الألق الأول اللازم, الجدي, الباقي إلى الختام.
“سورية اليوم بركان ..سيول دم ..شام الرسول منار نار ملحمتي”, يغني أبو راتب, ويصدح بالصوت الرخيم الذي منحه الله إياه, قبل أن يصيح الغربة والبعد عن أرض الوطن “روحي فداؤك طال البعد يا وطني كفى ضراما بنفسي المعذبة 
 مالي اصطبار فراق الشام ألهبني ..أفديك أفديك هذا بعض أمنيتي”
يوم انتفضت مصر قلنا إنها استفاقة العالم العربي كله, ونسينا أنها استفاقة سورية قبل الجميع. أليست البلد الذي عانق يوما عبد الناصر في الوحدة التي لم تكتمل؟ أليست الشام التي قبل شعبها الانصهار مع دولة أخرى فقط لكي يكون للعرب يوما صوت أقوى من بحتهم التي يحتقرها العالم كله؟
بلى هي كل ذلك وأكثر, ويوم قرر حافظ الأسد الذي حكمها بالدم والدمار أن يتركها لطبيب العيون إبنه بشار, قال الكل “حرام”, وصاحت الصبية الشامية حزنها المكتوم, وبكت اغتصابها في واضحة النهار أمام الجميع, ثم أخفت الدموع, وقالت “سيأتي يوم آخر, سيأتي يوم بكل تأكيد”.
الآن في شوارع سورية, لا يصيحونها سلمية نهائيا, لايريدون منه الحرية, هم يقولونها له مباشرة ودون مواربة “زنكة, زنكة, دار ودار, راح نجيلك يابشار”. فقد مثل عليهم دور من لم يسمع جيدا نداءات الرغبة في التحرر من العبودية, وأطلق عليهم الرصاص الحي, قتل منهم مائتين حتى الآن فقط لأنهم أرادوا أن يعيشوا آدميين في بلادهم. تذكر ما فعله من سبقوه في حماة وأهلها, فأراد السير على نفس المنوال, لكن الظروف تغيرت تماما, وجيل اليوم يمتلك عينا جريئة للغاية, تخرج إلى الشارع مسلحة بقبضتها العارية وبانتكاسات جيل الآباء والأجداد لكي تأمر فيطيع الحاكمون. “الشعب يريد”. لم يعد الرجاء يرفع إلى الحاكم ممهورا بعبارات النفاق التي علمونا إياها منذ أتينا إلى الحياة.
أصبح الكلام أكثر جرأة, أكثر صدقا, أكثر حرية. واليوم وسورية تعيش انتقالها الحق من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل, يحق لشعبها علينا أن نتضامن معه, أن نتذكر الدم المشترك بيننا وبينه, وأن نشرئب بالأعناق تجاه الصبية الشامية نطمئن على عينيها الجميلتين من طبيب العيون السفاح أن يحاول حرمانهما من نعمة البصر نهائيا لئلا تحلم يوما بحرية هو لا يؤمن بحقها في الوصول إليها.
“باب الحارة” اليوم انفتح. ليس في قناة تلفزيونية خلال شهر الصيام, ولكن في أرض يخضبها أهلها بالدم من أجل الخلاص. حَقَ علينا أن نتابعهم اليوم بكل الإيمان الممكن تماما مثلما كنا نجلس أمام الشاشة خلال شهر رمضان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مرعبة هي العبارات التي بدأت ترد على لسان بعض السلفيين في اتجاه حركة 20 فبراير بين الفيزازي الذي يدعو لتخليص الحركة من الدخلاء والملاحدة, وبين المنشور الذي دعا الشباب للتظاهر ضد بيع الخمور.
شيء ما يدبر بليل لهذه الحركة الشبابية عليها أن تنتبه إليه وأن تصفي صفوفها ممن يرغبون في أمور أخرى غير الحرية للشعب المغربي.
على الأقل يجب حرمانهم من الاختباء في صفوف الحركة ووراءها.

الأحد، 3 أبريل 2011

مدن الملح

أعادني شريط فيديو شاهدته على الأنترنيت لمعطلين من الراشيدية وهم يحاصرون وزير العدل محمد الطيب الناصري أثناء زيارته "للبلاد", بالشعارات والهتافات ضد سياسة الحكومة وسياسة مسؤوليهم المحليين إلى تلك المنطقة, مثلما أعادني إليها تصريح قاله عدي بوعرفة من الحزب الاشتراكي الموحد يوم الخميس في برنامج القناة الأولى "أضواء", وهو يتحدث عن التقطيع الجهوي الجديد, ويتحدث عن الجهة التي تضم تافيلالت وزاكورة وبقية المنطقة الجنوبية (صحراوة ديال الحجر مثلما يسمون مقابل صحراوة ديال الرملة في الجهة الأخرى), ويقول "باستثناء الكرامة والخصال الإنسانية العريقة لا يوجد هناك إلا الشيح والريح".
أبناء الراشيدية الذين حاصروا وزير العدل, دون أن يكون لهم أي موقف شخصي منه, إلا أنه يمثل الحكومة التي لاتزورهم هناك إلا لماما, رددوا نفس الكلام الذي قاله عضو الحزب الاشتراكي, وهم يصيحون "الراشيدية منسية لا تشغيل لا تنمية". والمصيبة _ مثلما يقول آباؤهم اليوم _ هي أن هذه المدينة والمنطقة برمتها هي مهد انطلاق هذه الدولة التي نحيا عهدها, مايعني بالمنطق البراغماتي البسيط والأولي للأشياء أن تلك المناطق كان مفترضا أن تعيش بحبوحة العيش, وأن يحظى أبناؤها بالامتيازات في كل شيء, رغم أن الأمر مخالف للقانون, إلا أننا نعرف "خروب بلادنا" جيدا ونعرف كيف تسير المسائل في هذا البلد, غير أن الواقع هناك شيء آخر مخالف تماما.
نسيان تام لأبناء تلك الأرض, دفن بالحياة لكفاءاتها, دفع لهم للهجرة نحو المناطق المسماة "مدنية أكثر" من أجل الحصول على فرص تألق أفضل في كل ميادين العيش, أو استسلام للواقع الذي لايرتفع وبقاء بين الأهل, واختصار للمسار كله في وظيفة يتم تدبرها "بستة وستين كشيفة", أو باشتغال يدوي لدى أحد الأقارب, رغم الديبلومات الجامعية, ورغم الشهادات ورغم كل شيء.
هل الراشيدية وحدها تعيش هذا الوضع في المغرب اليوم؟ بالقطع لا. هناك شريط "حدودي" حقيقي يحيط بالبلد, يستثني عنه الدار البيضاء المركز, والرباط العاصمة, ومراكش "الفرنسية", وطنجة الصناعية المرحبة باليد العاملة الرخيصة, وأكادير التي تبيع نفسها ليل نهار لمن يدفع أكثر, ويجعل من البقية مدنا تعيش عزلتها الخاصة بها رغم كل الخطابات التي لا تكف عن طمأنتنا بأشياء لا نرى لها تحققا على أرض الواقع.
يجب أولا أن نقول إن وجود المدن المذكورة أعلاه ضمن لائحة "المغرب النافع" لايعني أن أبناءها يعيشون الرفاهية المطلقة. أغلبيتهم لا تجد ما تمضي به اليوم هم أيضا. قلة قليلة منهم تشتغل وتحاول رتق الشهر بالديون والمساعدات والأجرة الشهرية الهزيلة, و"جماعة" لا ترى بالعين المجردة تحصد الخيرات المتبقية الناتجة عن تمركز الكثير من الراغبين في الشغل في هذه المدن. لذلك تعد هذه المدن بمثابة "الثلث الناجي" نظريا فقط, أما مايعيشه أبناؤها فيشبه إلى حد بعيد ما يعيشه الآخرون في المدن التي لم يرد ذكرها.
ثم هناك البقية. مناطق على شساعة واختلاف البراح الجغرافي المسمى مغربنا تعيش ضنك الحياة وشظفها, تقاسي يوميا لكي لا تعلن الإفلاس النهائي, وترسل الأبناء باستمرار إلى المدن الناجية لكي يأتوا من هناك بالقليل مما يساعد على العيش, لكي يجربوا حظهم, ويروا إن كان النحس الذي يعتقد الآباء أنه لازمهم, هو رهين بالبقاء في المدينة ذاتها أم أنه تميمة معلقة في العنق تتبعك حيثما رحلت وارتحلت.
لذلك وأينما وضعت رجلك في مدينة أو قرية مغربية ستسمع شعارا يردده كل أبناء تلك المدينة أو القرية هو شعار "هاد القنت ماكيعطي غير للبراني". وهو في الحقيقة شعار يعبر عن حالة التيه التي تصيب أبناء المناطق حين يقارنون بين خيرات مناطقهم وبين وضعياتهم فيها, وحين يرون بعض الناجحين (وفيهم أناس نجحوا اعتمادا على قدراتهم وهؤلاء يستحقون التنويه, لكن فيهم من نجح اعتمادا على "السيستيم" الفاسد) ويتساءلون "كيفاش دارو ليها؟"
المغرب اليوم وهو يقطع جهويا مفاصله, عليه أن يضع في اعتباره هذا الشعار, وأن يضع نصب عينيه إعادة أبناء المناطق للإيمان بالأماكن التي ولدوا فيها, وأن يكون توزيع الثروات عادلا بين الجميع, لا بين القلة التي تحكم الجميع. علينا اليوم أن ننتهي من النكتة البايخة التي تقول إن "حوت الداخلة وأعالي البحار وفوسفاط خريبكة وبقية المناطق المنجمية كياكلوه رباعة ديال الناس فكازا والرباط, والبقية كتحنزز فيهم".
غير ذللك , راه غير التخربيق والمزيد من الإقصاء لمغاربة ومغربيات كثيرين لن يصبروا بالتأكيد مزيدا من الوقت على هذا الإقصاء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
هذا أول عدد بين أيديكم بالحلة الجديدة للأحداث المغربية, وهي حلة ليست نهائية, لأنها تظل قابلة للتطوير هي وأبواب الجريدة التي تكتشفونها هذا العدد وبقية أعداد الأسبوع. تطوير نعتمد عليكم بشكل شبه كلي لكي تسهموا معنا فيه بملاحظاتكم, وانتقاداتكم, حتى أكثرها لذاعة لأننا نعرف أن "من يحب جيدا, يعاقب جيدا" مثلما يقول الفرنسيون, وأملنا الوحيد هو أن يصل كل الجهد الذي صنعنا به هذا الشكل والمضمون الجديدين إلى أكبر قدر ممكن من القراء في مغرب يستحق بالفعل صحافة من نوع آخر.

خارجين ماخارجينش؟

هل يخرج المغرب غدا الأحد للتظاهر مجددا؟ السؤال مطروح في البلد اليوم والعديدون يفضلون عدم الإجابة عليه, وترك الشارع يفعل مايشاء. لذلك يحسن فعلا طرح السؤال بصوت مرتفع, والبحث له عن إجابات قد تفي بالغرض.
البعض يقول اليوم إن الخروج إلى الشارع أصبح غير ذا معنى. الملك تقدم بخطاب جريء جدا إلى الشعب, والخطوات الإصلاحية سائرة في طريقها, وبالتالي لا حاجة للنزول كل أحد للضغط لأن الأمر سيشبه في نهاية المطاف لعبا صبيانيا لا حاجة لنا به, كما أن اللعبة كلها في الختام تخدم مصالح متطرفين لايريدون الإصلاح ولكن يريدون أشياء أخرى لا يستطيعون التعبير عنها حاليا بالشكل المعلن الكامل.
رأي يحترم ولو أنه مهلهل في الحقيقة ولا يستند إلى أي أساس. النزول إلى الشارع اليوم أصبح أكثر حاجة من ذي قبل, فبعد الخطاب الملكي الذي حدد أنه لاسقف لكل الإصلاحات التي ستأتي بها لجنة مراجعة الدستور اكتشفنا أن الفرامل توضع من طرف أناس آخرين كان يفترض فيهم أن يقودوا التغيير لا أن يشرعوا من الآن في وضع العراقيل المختلفة أمامه.
هناك اليوم من يريد أن يضع سلطة العلماء فوق كل السلط في المغرب. هناك من يقول لا مساس بالملكية ولو على جثثنا, ولا حاجة لأي تغيير نحو ملكية برلمانية. هناك من يصرخ بأعلى صوته "الملك يجب أن يسود ويحكم, ومن يريدون سلبه كل اختصاصاته يسعون لأشياء أخرى", وهناك من يجلس في الظل ويقول علينا أن ندستر هيئة للعلماء نجعلها قادرة على تناول الكلمة الفصل في كل قضايا المغاربة في الختام.
أقوال كثيرة من حق كل مقتنع بها أن يطرحها في الساحة اليوم, لكنها كلها تجبرنا على ملاحزة أمر هام للغاية: العراقيل هذه المرة لن تأتي من الدولة ولكنها ستأتي من الجهات المحافظة كلها التي تريد الإبقاء على مصالحها بأي ثمن كان. في النهاية سنجد أنفسنا أمام مسلسل "مدونة الأسرة وإصلاحها" الذي انتهى تلك النهاية السخيفة, بإفراغ المشروع الثوري الأول من كل مضامينه, والتحول من خلال التوافق إلى الخلف, وترك كل المضامين التي حملتها المدونة أول الأمر على الرف.
الخشية اليوم مع "فالس" الأحزاب المغربية, ومع الأصوات المحافظة التي خافت على مصيرها والتي لم تعد تتردد في التعبير عن معارضتها لكثير من أشكال التغيير المرتقبة, هي أن يكون دستورنا الجديد مجرد فأر يتمخض عنه جبل كل هذا الكلام الذي نسمعه الآن. لذلك نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى لسماع ذلك الصوت الأول الذي دفع نحو كل هذا الضجيجو صوت الشارع.
يجب أن يبقى الصغار والكبار محافزين على طقس النزول الأسبوعي لكي يفهم كل من يهمهم الأمر أن صوت الشباب الذي ارتفع أولا مطالبا بالحرية والإصلاح لازال حاضرا ولا زال قادرا متى بدا له أن هناك رغبة في التمييع أو خلط الأوراق أو ربح الوقت, أو التوجه نحو النقيض مما طالب به الشارع المغربي, أن يصرخ بصوت أعلى من الصوت الأول, وأن يوضح لمن شاء ذلك أن هناك خيارات أخرى أمام الشارع, تماما مثلما توجد نفس الخيارات أمام الساسة.
لماذا نقولها هكذا وبكل صراحة؟ لأننا نسمع وسط الشارع صوت الشباب الخائف من إعادة المقلب السخيف الذي شربته أجيال من المغاربة على أيدي هؤلاء الساسة منذ الاستقلال وحتى الآن. "الدراري" يرفضون أن يجعلوها تمر عليهم مرة أخرى, وهم مستعدون لكل الأشكال النضالية المتاحة لكي يفهموا ساسة المغرب أن المسألة جيدة هذه المرة ولا تقبل أي لعب على عامل الزمن, ولا تتحمل أي توافق من التوافقات الزائفة التي قتلت الفعل السياسي المحلي وأفرغته من أي جدية, وجعلته بالنسبة للناس مجرد مرادف للانتهازية وتحقيق المطالب الشخصية والعائلية لمجموعة من الذين يعتبرون أنفسهم أذكى من بقية الخلق.
سيقول القائل إن العدل والإحسان تنزل مع النازلين إلى الشارع, وأنها تحشد قوتها داخل الوقفات والمسيرات, وتستعيد كل ماضاع منها في السنوات الأخرى. سيكون الرد واضحا على من يقول هذا الكلام: مادام العدليون ينزلون إلى الشارع ضمن مظاهرات فبراير بصفتهم مواطنين مغاربة يريدون الإصلاحو فلايمكن لأي منا أن يمنعهم, أو يقول لهم لا. من سيقوم بهذا الأمر سيكون أبعد خلق الله عن الديمقراطية, وماعلى الفرقاء السياسيين الآخرين إلا أن ينافسوا العدل والإحسان في استقطاب الناس عوض الاكتفاء بسبها "النهار وماطال", لأن السب والشتم لن يفلحا أبدا في حل أي إشكال.
معركة المغرب الكبرى اليوم هي ضد الفساد من أجل الحرية. ولا ينبغي على أي كان أن يتخيل أن الحرية تصلح لفئة دون بقية الفئات. الحرية تصلح لكل الآدميين وفعل المواطنة _ في انتظار ظهور دليل يثبت العكس _ هو من حق كل من يحملون الجنسية المغربية, بملامحها المختلطة الشهيرة, بلكناتها المختلفة, بلغاتها المحلية الموغلة في الانتماء إلى الأرض, بتصوراتها المتباينة للدين والحياة, وبكل ما صنع الإنسان في هذا البراح الجغرافي الذي يمتح عبقريته من كل هذا الاختلاف.
على الأقل هذا ما أفهمه اليوم من فبراير وماتلاها. البقية مجرد تفاصيل لاتعنيني كثيرا, قد يأتي أوان الوقوف عندها بعد هذاالزمن بكثير أو بقليل.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
نلتقي الإثنين في حلة جديدة, وإخراج جديد لجريدتكم "الأحداث المغربية". كتابة صحفية بأسلوب مغاير, أبواب جديدة ومبتكرة, عودة لبعض الأبواب التي صنعت مجد الجريدة وإقبال القراء عليها, وشعار اخترناه لكي يكون بوابتنا نحو الشكل الجديد: المغرب يتغير...الأحداث المغربية أيضا".
نرى أنه من العيب أن نظل على الحال ذاته وبلد بأكمله يدخل من الباب الكبير للتغيير, ونتمنى أن يكون كل ماهيأناه لكم على امتداد شهور قادرا على نيل رضاكم وإعجابكم خصوصا وأننا لازلنا على اعتقادنا أن القارئ المغربي يستحق بالفعل ماهو أفضل من الموجود حاليا في السوق. نلتقي الإثنين, وبعدها مرحبا بكل ملاحظاتكم على الشكل الجديد