السبت، 6 أكتوبر 2012

بين السينما والسياسة

طنجة. هبة نسيم لافح من جهة شرق لا أفهمه قرب البحر. فيلم متوسطي قصير أول وان وثالث. التماعة العين إذ تجد وسط الظلمة, ظلمة القاعات, حلاوة الفرجة الأولى مرة بعد المرة. نسرق الوقت من الوقت ونقرر أن الذهاب إلى مهرجان للسينما المتوسطية هو أفضل مايمكن القيام به وسط كل الضجيج المحيط بالعالم من كل مكان. شباط أمينا عاما لحزب الاستقلال. بنكيران محاطا بالمعطلين في كل مدينة. مزوار وتعويضاته. الوفا وقفشاته اللاتنتهي حول الإعداديات التي لا يمتلكها أوباما. الزاكي, الطاوسي, المنتخب, الهزائم, الخيبات تلو الخيبات. هزائم الرياضة, هزائم السياسة, وهزائم الاقتصاد, ثم الهزائم الشخصية الصغيرة تلك التي يقال إنها ملح طعام هذه الحياة, والتي لانفهم لماذا تصر على العودة كل مرة إلى الواجهة. لذلك يبدو الأفضل هو الهروب إلى السينما. ألا يقولون في المبتذل من الكلام "من يحب الحياة يذهب إلى السينما"؟. بلى, يقولونها, لذلك لنذهب. في طنجة هاته الأيام نجد سينما من نوع آخر. فيلم واقعي أكثر من اللازم. فيلم يقوم ببطولته حزبان: العدالة والتنمية من جهة, والأصالة والمعاصرة من جهة ثانية. نقرر مرة أخرى أن الفرجة فرض عين على كل مغربي أينما ذهب, وأينما حل وارتحل ونتابع التفاصيل, بلقطاتها المكبرة, والأخرى البعيدة. بالفلاش باك الضروري كلما تعلق الأمر بالسياسة في المغرب لئلا يعتقد أحد أنها إبنة اليوم أو أنها إبنة حرام لا أب لها. بالمشاهد الخلفة المصورة بالأسود والأبيض, وبالأخرى ذات الألوان الناصعة التي تعيدك إلى الزمن الحالي وتقنياته الرقمية التي غيرت شكل العالم كله, ولم تستطع تغيير جزء صغير من عقولنا. ما هو رهان المعركة اليوم بين الحزبين الأساسيين في البلد؟ الصومعة التي انهارت يوما على رأس البيجيدي وذكرت الكل أن لدينا رموزا دينية من اللازم "تركها في التيقار" إذا ما أردنا تجنب اللعب بالنار, هي صومعة لم نعلق في منتهاها أي حجام. تركناها هي الأولى معلقة, وقلنا "لنعد الانتخابات في طنجة وفي مراكش". مع الوقت, ومع بدء الروتين في التسرب إلى القلوب والعقول من نكت الوزير الأول, الذي لم يستطع أن يتحدى الملل رغم التنويعات الكثيرة التي قام ويقوم بها, أصبحت للمعركة وجوه أخرى غير الوجه الأول. ولو دارت هذه الحرب الانتخابية قبل أشهر فقط لكان الفوز فيها دون أي إشكال حليف العدالة والتنمية, لكن العجلة دارت وإخوتنا دخلوا دار الطاعة, ودخلوا دار تسيير الشأن العام, واكتشفوا حقيقة ماكانوا يتحدثون عنه عن بعد, ففهموا أن الأمور ليست مثلما كانت تتراءى لهم قبل الوصول. هنا لعب أهل الأصالة والمعاصرة اللعبة جيدا, وفهموا أنها فرصتهم الأولى قبل الانتخابات الجماعية _ التي لانعرف إن كانت ستجرى في تاريخ محدد أم أنها متروكة مثل بقية أشياء البلد للصدفة البحت _ لكي يزعزعوا بعضا من قلاع العدالة والتنمية, وفي مقدمها طنجة ومراكش, مع االأهمية التي للمدينتين إن على مستوى الحجم أو السكان, وإن على مستوى وجود التيار السلفي المتطرف بهما. معنى الكلام من الختام هو أن أي مقعد قد "يختطفه" البام من المدينتين إشارة قوية أن المعركة لم تنته بالنسبة إليه. ومعنى الكلام من الجهة الأخرى أن الفوز بنفس الاكتساح الذي حققته لائحة بوليف والصومعة في السابق من الانتخابات بالنسبة للعدالة والتنمية دليل عافية ودليل عدم تصدع رغم الحكومة ورغم الاحتجاجات, ورغم كل الأشياء. بالعودة إلى السينما, عندما تكتب سيناريو لفيلم ما, تجرك الشخصيات بملامحها وطباعها أو مايسميه أهل الحرفة "الكاراكتير" إلى منعرجات قد لاتتوقعها قبل البدء في الكتابة. تترك _ إذا كنت راغبا في تتبع الأمر إلى نهايته _ لهاته الشخصيات ولهاته المامح أن تكتب عوضا عنك الفيلم وتطوراته والعقدة فيه والنهاية. في السياسة المغربية الأمر لا يختلف كثيرا. الكتابة الأولى وضعت نصا ما, وتطورات الملامح التي تعيشها كل شخصية من شخصيات السيناريو الأول تفعل فعلها مثلما تريد ذلك, ملما تعيشه ومثلما يبدو لها أنه من اللائق للأحداث أن تتطور. وتماما مثلما يقع في السنما المغربية التي تنسى أن لديها جمهورا تتوجه إليه, تنسى السياسة وكتاب السيناريو لها في البلد أن متفرجين يريدون متابعة لا تدفع بهم إلى الجنون, لحكاية لها بداية ولها عقدة ولها نهاية. مشكلة من يكتبون لنا السيناريوهات _ في السينما وفي السياسة وفي كل الحياة _ هي أنهم يكتبونها وهم في "حالة غير طبيعية" باستمرار. لذلك نثمل كلما تابعناها, ونستفيق في اليوم الموالي مسائلين النفس "واش هاد الشي طرا ولا غير جاب ليا الله"؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق