الأحد، 27 فبراير 2011

أيامنا القادمة

كيف ستكون الأيام القادمة؟ الجواب علمه عند عالم الغيب بكل تأكيد, ولكن طرحه يخفي فقط التخوف من اللحظات المقبلة في المغرب. لانخشى زوال مجد مادي أو أدبي, وليست لنا ضيعات سيتم تأميمها في اليوم الموالي لنجاح الثورة, وفيما عدا المال الذي يأتينا نهاية الشهر نتيجة عملنا لانمتلك شيئا قد نخاف عليه. ومع ذلك تجدنا نحن البسطاء اليوم الأخوف على الوطن, ومع علمي أن كلمة الأخوف غير صحيحة عربيا لكنني أستعملها لأنني أراها الأقدر على التعبير عن الشعور الذي يخالج أكثر من مغربي وأكثر من مغربية هنا وهناك.
قال لي صديق معطل منذ سنة تخرجنا من الجامعة إلى الآن :" لا أريد للبلد أي سوء, لا أريد فوضى أو تخريبا, أريد ففقط أن يعبر هؤلاء الذين يطالبون بالكثير من الأشياء وأنا منهم بشكل سلمي عن مطالبهم, وأن تسمع الدولة المطالب وأن تنفذ الأقرب منها إلى العقل والمنطق والسلام".
أضاف صديقي "لدينا جميعا فرصة تاريخية لكي نقطع مع مرحلة ونبدأ مرحلة أخرى, ولدينا فرصة كبرى للغاية لكي نصل إلى توافق حقيقي بين شعبنا وبين من يحكمونه لا علاقة له بالتوافق القديم الذي نعرف جميعا كيفية الوصول إليه. ولو رأيت أين أعيش وكيف أعيش وأين وكيف أمضي اليوم بطوله, لقلت إنني أول من سيخرج إلى الشارع لكي يعربد فيه, ويسرق ويختلس ويخرب على الأقل لكي أنفس عن غيظي أنا الذي أمضيت كل تلك السنوات السحيقة في التحصيل العلمي, ووجدتني الآن أضطر للاشتغال سباكا أزيل عن البالوعات اختناقاتها, وأجد نفسي أحيانا أخرى معلقا في السطح أركب "لشي صكع البارابول", قبل أن يمنحني ما تيسر لكي أخفي عنه وجهي, لكنني لا أرى أي نفع في التخريب والتكسير, العكس هو ما أراه: من الممكن أن نقول بحضارة ما نريد ومن الممكن أن يسمعوا هم أيضا بحضارة هذا الذي نريده, ومن الممكن ختاما أن نتوج كل هذه الحضارة بالاستجابة لمطالب الشعب والسلام".
الصورة بهذا الشكل تبدو زاهية للغاية, ولا أعرف إن كان المغرب الحقيقي سيحضر في لحظة الاحتقان الكبرى هاته, لكي يفرض الخروج الحضاري هذا, أم أن تمثيل دور من لم يسمعوا شيئا ولم يفهموا معه أي شيء سيستمر لكي نجد أنفسنا في لحظة من اللحظات أمام أشياء لا نريدها نهائيا لهذا البلد مهما كان. لا أعرف ولا أحد منا يعرف كيف ستتطور الأمور, لكن من حقنا أن نصادق على كلام الصديق المعطل جميعا لكي نقول إننا فعلا أمام هنيهة تاريخية نادرة ليس من حقنا أن نضيعها أو نخلف معها الموعد.
اليوم على البلد أن يجد الوسيلة المثلى _ دون لي ذراع ودون أي تطاول على أي كان _ لكي يطوي صفحة ماض هو الآن في عداد الماضي حتى ونحن نحياه, ولكي يفتح صفحة جديدة تحمل مسمى مغرب الكرامة للجميع دون أي استثناء.
كيف ذلك؟ بسهولة مبالغ فيها رغم ماقد تقوله كل الظواهر: الناس الذين استفادوا من الوضعية القائمة في المغرب اليوم عليهم أن يستوعبوا أن الوضع لايمكن أن يستمر على ما هو عليه إلى ما لانهاية. لن يتمكنوا في المقبل من الأسابيع والأشهر والسنوات من الاستمتاع بنتائج استفادتهم, لأن المتضررين من الوضعية, وهم الأكثرية اليوم, قرروا أن كفى. وحتى وإن لم يقرروا ذلك فإن مايرونه اليوم في كل مكان من العالم العربي يشجعهم على المضي في الاتجاه ذاته: أن يصرخوا غضبهم من الميل الفاضح والظالم لكل الأشياء, وأن يطالبوا بكل الأشكال الحضارية الممكنة والسلمية المقتنعة بالسلم بأن يرتفع هذا الظلم, إن عاجلا أو...عاجلا.
لم يعد أمامنا وقت كثير, ولم يعد الصغار والأقل شبابا قادرين على انتظار المزيد من الوقت, ولم تعد الروح المسيطرة في البلد قادرة على منحنا مهلة إضافية أخرى, فقد كان أمام من يتحكمون في كل شيء متسع كاف من الوقت, واليوم أمامنا فعلا حيز ضيق علينا جميعا أن ننتهزه لكي نجنب بلدنا كل التطورات السلبية التي لاقبل لنا بها على الإطلاق.
هذه هي أمانة بلدنا اليوم في أعناقنا, وهذه هي الكلمة الحق التي ينتظرها منا في هذه اللحظات, وماعداها لن يكون إلا محاولات كاذبة لتزيين واقع بئيس, أو أخرى لامعنى لها لتصويره بشكل مزور نهائيا.
لحسن الحظ التزوير والكذب لم يعودا عملة مقبولة في زمننا المغربي الراهن, فقط تداولهما الكثير من الناس بينهم على حسابنا جميعا فترة طويلة من الوقت, وأتى الزمن الجديد الذي لاتقبل فيه الأجيال التي تحيا فيه إلا أن يقال لها كل شيء بوضوح, سواء كان ذلك الشيء إيجابيا أو سلبيا, وبعد ذلك سترى هي كيف سيكون موقفها من هذا الشيء.
تاريخ جديد بكل اختصار, يكفي أن نفهم جميعا هذا الأمر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات التي انطلقت يوم الخميس الفارط بخصوص التعديل الحكومي المرتقب هي دليل على أن المغاربة اليوم ينتظرون شيئا ما أو خطوة ما تكون ردا حقيقيا على ماوقع يوم العشرين من فبراير, وهي حجة على أن لشعبنا اهتماما حقيقيا بسياسة بلده, وهو اليوم في انتظار أن تثبت له الطبقة السياسية بالمقابل أنها هي الأخرى تتقن الإنصات لصوت الناس, وأنها تعي جيدا معنى تحول الإشاعات إلى حقيقة يروجها الناس باعتبارها وقعت بالفعل, وكانوا شهودا عليها أو سمعوا بها من مصادر مطلعة.
لسنا محتاجين للعيش مزيدا من الوقت في ظل هذا الارتباك الذي يخلق كل هذه الإشاعات بمختلف أنواعها يوميا وفي كل المدن المغربية في الوقت ذاته.

السبت، 26 فبراير 2011

أيامنا القادمة

كيف ستكون الأيام القادمة؟ الجواب علمه عند عالم الغيب بكل تأكيد, ولكن طرحه يخفي فقط التخوف من اللحظات المقبلة في المغرب. لانخشى زوال مجد مادي أو أدبي, وليست لنا ضيعات سيتم تأميمها في اليوم الموالي لنجاح الثورة, وفيما عدا المال الذي يأتينا نهاية الشهر نتيجة عملنا لانمتلك شيئا قد نخاف عليه. ومع ذلك تجدنا نحن البسطاء اليوم الأخوف على الوطن, ومع علمي أن كلمة الأخوف غير صحيحة عربيا لكنني أستعملها لأنني أراها الأقدر على التعبير عن الشعور الذي يخالج أكثر من مغربي وأكثر من مغربية هنا وهناك.
قال لي صديق معطل منذ سنة تخرجنا من الجامعة إلى الآن :" لا أريد للبلد أي سوء, لا أريد فوضى أو تخريبا, أريد ففقط أن يعبر هؤلاء الذين يطالبون بالكثير من الأشياء وأنا منهم بشكل سلمي عن مطالبهم, وأن تسمع الدولة المطالب وأن تنفذ الأقرب منها إلى العقل والمنطق والسلام".
أضاف صديقي "لدينا جميعا فرصة تاريخية لكي نقطع مع مرحلة ونبدأ مرحلة أخرى, ولدينا فرصة كبرى للغاية لكي نصل إلى توافق حقيقي بين شعبنا وبين من يحكمونه لا علاقة له بالتوافق القديم الذي نعرف جميعا كيفية الوصول إليه. ولو رأيت أين أعيش وكيف أعيش وأين وكيف أمضي اليوم بطوله, لقلت إنني أول من سيخرج إلى الشارع لكي يعربد فيه, ويسرق ويختلس ويخرب على الأقل لكي أنفس عن غيظي أنا الذي أمضيت كل تلك السنوات السحيقة في التحصيل العلمي, ووجدتني الآن أضطر للاشتغال سباكا أزيل عن البالوعات اختناقاتها, وأجد نفسي أحيانا أخرى معلقا في السطح أركب "لشي صكع البارابول", قبل أن يمنحني ما تيسر لكي أخفي عنه وجهي, لكنني لا أرى أي نفع في التخريب والتكسير, العكس هو ما أراه: من الممكن أن نقول بحضارة ما نريد ومن الممكن أن يسمعوا هم أيضا بحضارة هذا الذي نريده, ومن الممكن ختاما أن نتوج كل هذه الحضارة بالاستجابة لمطالب الشعب والسلام".
الصورة بهذا الشكل تبدو زاهية للغاية, ولا أعرف إن كان المغرب الحقيقي سيحضر في لحظة الاحتقان الكبرى هاته, لكي يفرض الخروج الحضاري هذا, أم أن تمثيل دور من لم يسمعوا شيئا ولم يفهموا معه أي شيء سيستمر لكي نجد أنفسنا في لحظة من اللحظات أمام أشياء لا نريدها نهائيا لهذا البلد مهما كان. لا أعرف ولا أحد منا يعرف كيف ستتطور الأمور, لكن من حقنا أن نصادق على كلام الصديق المعطل جميعا لكي نقول إننا فعلا أمام هنيهة تاريخية نادرة ليس من حقنا أن نضيعها أو نخلف معها الموعد.
اليوم على البلد أن يجد الوسيلة المثلى _ دون لي ذراع ودون أي تطاول على أي كان _ لكي يطوي صفحة ماض هو الآن في عداد الماضي حتى ونحن نحياه, ولكي يفتح صفحة جديدة تحمل مسمى مغرب الكرامة للجميع دون أي استثناء.
كيف ذلك؟ بسهولة مبالغ فيها رغم ماقد تقوله كل الظواهر: الناس الذين استفادوا من الوضعية القائمة في المغرب اليوم عليهم أن يستوعبوا أن الوضع لايمكن أن يستمر على ما هو عليه إلى ما لانهاية. لن يتمكنوا في المقبل من الأسابيع والأشهر والسنوات من الاستمتاع بنتائج استفادتهم, لأن المتضررين من الوضعية, وهم الأكثرية اليوم, قرروا أن كفى. وحتى وإن لم يقرروا ذلك فإن مايرونه اليوم في كل مكان من العالم العربي يشجعهم على المضي في الاتجاه ذاته: أن يصرخوا غضبهم من الميل الفاضح والظالم لكل الأشياء, وأن يطالبوا بكل الأشكال الحضارية الممكنة والسلمية المقتنعة بالسلم بأن يرتفع هذا الظلم, إن عاجلا أو...عاجلا.
لم يعد أمامنا وقت كثير, ولم يعد الصغار والأقل شبابا قادرين على انتظار المزيد من الوقت, ولم تعد الروح المسيطرة في البلد قادرة على منحنا مهلة إضافية أخرى, فقد كان أمام من يتحكمون في كل شيء متسع كاف من الوقت, واليوم أمامنا فعلا حيز ضيق علينا جميعا أن ننتهزه لكي نجنب بلدنا كل التطورات السلبية التي لاقبل لنا بها على الإطلاق.
هذه هي أمانة بلدنا اليوم في أعناقنا, وهذه هي الكلمة الحق التي ينتظرها منا في هذه اللحظات, وماعداها لن يكون إلا محاولات كاذبة لتزيين واقع بئيس, أو أخرى لامعنى لها لتصويره بشكل مزور نهائيا.
لحسن الحظ التزوير والكذب لم يعودا عملة مقبولة في زمننا المغربي الراهن, فقط تداولهما الكثير من الناس بينهم على حسابنا جميعا فترة طويلة من الوقت, وأتى الزمن الجديد الذي لاتقبل فيه الأجيال التي تحيا فيه إلا أن يقال لها كل شيء بوضوح, سواء كان ذلك الشيء إيجابيا أو سلبيا, وبعد ذلك سترى هي كيف سيكون موقفها من هذا الشيء.
تاريخ جديد بكل اختصار, يكفي أن نفهم جميعا هذا الأمر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات التي انطلقت يوم الخميس الفارط بخصوص التعديل الحكومي المرتقب هي دليل على أن المغاربة اليوم ينتظرون شيئا ما أو خطوة ما تكون ردا حقيقيا على ماوقع يوم العشرين من فبراير, وهي حجة على أن لشعبنا اهتماما حقيقيا بسياسة بلده, وهو اليوم في انتظار أن تثبت له الطبقة السياسية بالمقابل أنها هي الأخرى تتقن الإنصات لصوت الناس, وأنها تعي جيدا معنى تحول الإشاعات إلى حقيقة يروجها الناس باعتبارها وقعت بالفعل, وكانوا شهودا عليها أو سمعوا بها من مصادر مطلعة.
لسنا محتاجين للعيش مزيدا من الوقت في ظل هذا الارتباك الذي يخلق كل هذه الإشاعات بمختلف أنواعها يوميا وفي كل المدن المغربية في الوقت ذاته.

أيامنا القادمة

كيف ستكون الأيام القادمة؟ الجواب علمه عند عالم الغيب بكل تأكيد, ولكن طرحه يخفي فقط التخوف من اللحظات المقبلة في المغرب. لانخشى زوال مجد مادي أو أدبي, وليست لنا ضيعات سيتم تأميمها في اليوم الموالي لنجاح الثورة, وفيما عدا المال الذي يأتينا نهاية الشهر نتيجة عملنا لانمتلك شيئا قد نخاف عليه. ومع ذلك تجدنا نحن البسطاء اليوم الأخوف على الوطن, ومع علمي أن كلمة الأخوف غير صحيحة عربيا لكنني أستعملها لأنني أراها الأقدر على التعبير عن الشعور الذي يخالج أكثر من مغربي وأكثر من مغربية هنا وهناك.
قال لي صديق معطل منذ سنة تخرجنا من الجامعة إلى الآن :" لا أريد للبلد أي سوء, لا أريد فوضى أو تخريبا, أريد ففقط أن يعبر هؤلاء الذين يطالبون بالكثير من الأشياء وأنا منهم بشكل سلمي عن مطالبهم, وأن تسمع الدولة المطالب وأن تنفذ الأقرب منها إلى العقل والمنطق والسلام".
أضاف صديقي "لدينا جميعا فرصة تاريخية لكي نقطع مع مرحلة ونبدأ مرحلة أخرى, ولدينا فرصة كبرى للغاية لكي نصل إلى توافق حقيقي بين شعبنا وبين من يحكمونه لا علاقة له بالتوافق القديم الذي نعرف جميعا كيفية الوصول إليه. ولو رأيت أين أعيش وكيف أعيش وأين وكيف أمضي اليوم بطوله, لقلت إنني أول من سيخرج إلى الشارع لكي يعربد فيه, ويسرق ويختلس ويخرب على الأقل لكي أنفس عن غيظي أنا الذي أمضيت كل تلك السنوات السحيقة في التحصيل العلمي, ووجدتني الآن أضطر للاشتغال سباكا أزيل عن البالوعات اختناقاتها, وأجد نفسي أحيانا أخرى معلقا في السطح أركب "لشي صكع البارابول", قبل أن يمنحني ما تيسر لكي أخفي عنه وجهي, لكنني لا أرى أي نفع في التخريب والتكسير, العكس هو ما أراه: من الممكن أن نقول بحضارة ما نريد ومن الممكن أن يسمعوا هم أيضا بحضارة هذا الذي نريده, ومن الممكن ختاما أن نتوج كل هذه الحضارة بالاستجابة لمطالب الشعب والسلام".
الصورة بهذا الشكل تبدو زاهية للغاية, ولا أعرف إن كان المغرب الحقيقي سيحضر في لحظة الاحتقان الكبرى هاته, لكي يفرض الخروج الحضاري هذا, أم أن تمثيل دور من لم يسمعوا شيئا ولم يفهموا معه أي شيء سيستمر لكي نجد أنفسنا في لحظة من اللحظات أمام أشياء لا نريدها نهائيا لهذا البلد مهما كان. لا أعرف ولا أحد منا يعرف كيف ستتطور الأمور, لكن من حقنا أن نصادق على كلام الصديق المعطل جميعا لكي نقول إننا فعلا أمام هنيهة تاريخية نادرة ليس من حقنا أن نضيعها أو نخلف معها الموعد.
اليوم على البلد أن يجد الوسيلة المثلى _ دون لي ذراع ودون أي تطاول على أي كان _ لكي يطوي صفحة ماض هو الآن في عداد الماضي حتى ونحن نحياه, ولكي يفتح صفحة جديدة تحمل مسمى مغرب الكرامة للجميع دون أي استثناء.
كيف ذلك؟ بسهولة مبالغ فيها رغم ماقد تقوله كل الظواهر: الناس الذين استفادوا من الوضعية القائمة في المغرب اليوم عليهم أن يستوعبوا أن الوضع لايمكن أن يستمر على ما هو عليه إلى ما لانهاية. لن يتمكنوا في المقبل من الأسابيع والأشهر والسنوات من الاستمتاع بنتائج استفادتهم, لأن المتضررين من الوضعية, وهم الأكثرية اليوم, قرروا أن كفى. وحتى وإن لم يقرروا ذلك فإن مايرونه اليوم في كل مكان من العالم العربي يشجعهم على المضي في الاتجاه ذاته: أن يصرخوا غضبهم من الميل الفاضح والظالم لكل الأشياء, وأن يطالبوا بكل الأشكال الحضارية الممكنة والسلمية المقتنعة بالسلم بأن يرتفع هذا الظلم, إن عاجلا أو...عاجلا.
لم يعد أمامنا وقت كثير, ولم يعد الصغار والأقل شبابا قادرين على انتظار المزيد من الوقت, ولم تعد الروح المسيطرة في البلد قادرة على منحنا مهلة إضافية أخرى, فقد كان أمام من يتحكمون في كل شيء متسع كاف من الوقت, واليوم أمامنا فعلا حيز ضيق علينا جميعا أن ننتهزه لكي نجنب بلدنا كل التطورات السلبية التي لاقبل لنا بها على الإطلاق.
هذه هي أمانة بلدنا اليوم في أعناقنا, وهذه هي الكلمة الحق التي ينتظرها منا في هذه اللحظات, وماعداها لن يكون إلا محاولات كاذبة لتزيين واقع بئيس, أو أخرى لامعنى لها لتصويره بشكل مزور نهائيا.
لحسن الحظ التزوير والكذب لم يعودا عملة مقبولة في زمننا المغربي الراهن, فقط تداولهما الكثير من الناس بينهم على حسابنا جميعا فترة طويلة من الوقت, وأتى الزمن الجديد الذي لاتقبل فيه الأجيال التي تحيا فيه إلا أن يقال لها كل شيء بوضوح, سواء كان ذلك الشيء إيجابيا أو سلبيا, وبعد ذلك سترى هي كيف سيكون موقفها من هذا الشيء.
تاريخ جديد بكل اختصار, يكفي أن نفهم جميعا هذا الأمر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات التي انطلقت يوم الخميس الفارط بخصوص التعديل الحكومي المرتقب هي دليل على أن المغاربة اليوم ينتظرون شيئا ما أو خطوة ما تكون ردا حقيقيا على ماوقع يوم العشرين من فبراير, وهي حجة على أن لشعبنا اهتماما حقيقيا بسياسة بلده, وهو اليوم في انتظار أن تثبت له الطبقة السياسية بالمقابل أنها هي الأخرى تتقن الإنصات لصوت الناس, وأنها تعي جيدا معنى تحول الإشاعات إلى حقيقة يروجها الناس باعتبارها وقعت بالفعل, وكانوا شهودا عليها أو سمعوا بها من مصادر مطلعة.
لسنا محتاجين للعيش مزيدا من الوقت في ظل هذا الارتباك الذي يخلق كل هذه الإشاعات بمختلف أنواعها يوميا وفي كل المدن المغربية في الوقت ذاته.

الجمعة، 25 فبراير 2011

عودة الجزيرة إلى المغرب

تركنا عباس حائرين في 20 فبراير ومايليها وذهب إلى قطر لكي يعرب لأميرها عن كامل تقديره للتقدم الكبير الذي تعرفه قطر من كل النواحي. لا شأن لي بزيارات عباس, مثلما لاشأن لي بكل مايقوم به, فلم أصوت عليه ولا على حزبه لكي أسائله اليوم عما فعله من أجلي, مثلما لم أصوت على أي حزب آخر. لذلك يبدو لي عباس شخصا غريبا لو كانت لي إمكانية ما لما اخترته لكي يتكلف بأصغر ديوان وزاري, لكن أشياء أخرى أكبر مني بكثير جعلت من عباس وزير المملكة المغربية الأول منذ الانتخابات الفارطة, وهذا الأمر يدخل في "مكتاب الله" الذي لايرتفع, أو هذا على الأقل ماأقنع به نفسي لئلا أشغلها كثيرا بما يفوقها بشكل كبير.
لاشأن لي إذن بعباس, لكنني أتساءل فقط على سبيل التساؤل إن لم يكن من الأفضل له كوزير أول للبلد أن يكون معنا الآن, أن يحاور شباب العشرين من فبراير, أن يتباحث مع وزرائه عن طريقة ما لحل الإشكال, وأن يطرح على نفسه عشرات الأسئلة وفي مقدمتها السؤال الكبير : لماذا يعتبرني الناس الوجه الأبرز للأزمة التي يحيونها اليوم في المغرب؟
بالنسبة لبعض حواريي قطر في المملكة, عباس ذهب طالبا "التسليم" من الإمارة التي تمتلك وسيلة الإعلام الأقوى اليوم في العالم العربي, القناة التي تسقط الرؤساء, والتي تحدد عبر شبكتها البرامجية كل أسبوع إسم الزعيم العربي الذي يتوجب عليه أن يجمع "باكطاجه", وأن يتوكل على الله. لاأصدق هذا الكلام, ولا أتمنى أن يكون حقيقيا, فلو صدق, فهذا سيعني شيئا واحدا فقط هو أننا نحيا في بلد يخاف من قناة تلفزيونية, وقد أسست كل ماكتبته حتى الآن على مسلمة أعتنقها شديد الاعتناق مفادها أن المغرب لا يمكن أن يخاف قناة تلفزيونية مهما بلغ شأوها أو عظم.
لذلك وتجنبا لأي سوء تأويل كيفما كان نوعه أتمنى أن يظهر بلدنا أنه لايخشى هذا البعبع الجديد الذي أخرجته لنا قطر من حيث ندري ولا ندري, وأن يسارع لإظهار عدم خوفه هذا بشكل واضح لايقبل أي نقاش. كيف ذلك؟ إعادة فتح مكتب الجزيرة في الرباط.
أعرف أن في الدعوة لهذا الأمر تناقضا كبيرا مع ماسبق أن كتبته باستمرار عن دور هذه القناة وعن تكالبها على المغرب, وعن اشتغالها وفق أجندة معادية للوطن, واضحة المرامي, منزاحة _ بسبب انتماء أغلب صحافييها والمتحكمين فيها إلى الجزائر_ إلى أطروحة أعدائنا الترابية, راغبة في تمريغ أنف المغرب في التراب في المليئة والفارغة. لكنني ومع كل ماكتبته سابقا, أعتبر أنه من اللائق اليوم أن نفتح المجال لهذه القناة ولحوارييها لكي يفعلوا مايشاؤونه في المغرب لكي نرى إن كنا نحيا في بلد محصن ضد كل شيء, أم أننا نحيا في بلد في مهب الريح.
إلزامية إعادة فتح مكتب الجزيرة في الرباط تأتي أيضا استجابة لدعوات ارتفعت هنا وهناك في يوم 20 فبراير من طرف الكثيرين تقول إنه من اللازم للمغرب أن يقوم بهذا الأمر, وهي أيضا تأتي بعد مرور فترة من الزمن كافية لكي نفهم أن المغرب اكتفى بقرار الإغلاق ولم يقم بأي خطوة توازيه لملء الفراغ الذي خلفه إقفال المكتب الرباطي للقناة القطرية. بالعكس, وعوض أن يتم احتواء من كانوا يتوالون على المكتب إياه لكي يتحدثوا في مختلف برامج التلفزيون المغربي, وجدنا أن إخوتنا من مسؤولي إعلامنا العمومي قد أقفلوا على أنفسهم الأبواب واكتفوا بالتغني بالقرار السلطوي بإقفال باب قناة الجزيرة في الرباط, وهذه مسألة لم نتفق معهم عليها نهائيا.
العكس هو الذي قيل لنا أثناء الحديث عن التبرم من مكتب القناة, فقد تم إقناع المتتبعين أن المغرب يريد التأسيس لتلفزيون حقيقي يراعي التعددية السياسية الكبيرة الموجودة فيه, يفتح الباب لكل المؤيدين والمعارضين لكي يلتقوا فيه ويتحادثوا عبره حول كل مايخص بلدهم. قيل أيضا إن المغرب _ عبر قيادته الإعلامية التي أفترض أنها موجودة رغم أن كل الظواهر تقول العكس _ بأنه من الأفضل له أن يتبنى سياسة الانفتاح الإعلامية على كل مكوناته بما فيها تلك الأكثر شراسة في التعبير عن معارضتها, وذلك تفاديا لهروب هؤلاء باستمرار إلى القنوات الأجنبية, لكن شيئا من كل هذا لم يحصل, بل العكس تماما هو الذي وقع.
مولاي مصطفى أصبح أكثر اكتفاءا ببرنامجه وذاته, المطبلون للرسميين أصبحوا مكتفين بسب قناة الجزيرة التي أغلقنا مكتبها في عاصمتنا وكفى, وتلفزيوننا أصبح غير قادر على تقديم برامج أخرى غير برامج التأييد الكامل التي لايسمع فيها إلا صوت المونولوغ, وهو للأسف الشديد أسوء صوت يمكنك أن تسمعه في أيام الاختلاف الكبيرة هاته.
لذلك كله, وغيره كثير, أرى اليوم أنه من الأفضل للمغرب أن يفتح لهذه القناة ولغيرها من القنوات المجال للعمل مثلما كانت وأكثر, ذلك أنه سيكون مشرفا لبلدنا أكثر أن نعطي لهؤلاء منة السماح لهم بالاشتغال معنا وبيننا على أن ننتظر وقتا آخر يستبيحون فيه مجالنا السمعي البصري دون أن نستطيع أن نقول لهم أي شيء.
أكره هذه القناة وشعبويتها ولا مهنيتها, لكن أكره أكثر الإحساس الداخلي الذي يقول لي إن بلدي بجلالة قدره يعيش خائفا من قناة تلفزيونية. "هادا ماكان".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات الخطيرة التي تهز بلدنا هذه الأيام, والتي تجعل الناس تردد باستمرار قصصا وهمية عن مواجهات هنا ومظاهرات دموية هناك, هي أسوء مايمكن أن يقع لنا في هذه المرحلة. فالخوف وتهييء الجموع لتقبل أي شيء يمكن أن يحدث لها هي تقنية معروفة منذ القديم من أجل التحكم في هذه الجموع, لكن على من يسهرون اليوم على إطلاق هذه الإشاعات بهذا الشكل "الممنهج والمنظم" في بلدنا أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا التحكم في مسارها إذا ما أخذت أبعادا أخرى أخطر بكثير من مجرد تكرار كلام يقال هنا أو هناك. لنحذر فعلا هذه العدوى القاتلة

الثلاثاء، 22 فبراير 2011

مابعد 20 فبراير

هل فشلت 20 فبراير؟ الإعلام الرسمي يقول نعم,من وقفوا وراء التظاهرات يقولون لا. حققت 20 فبراير أهدافها وأوصلت إلى الحاكمين في المغرب الرسالة التي تقول إن شباب المغرب يريد أشياء كثيرة. قد نتحدى من يقولون إن المظاهرات وقفت عند حد معين ولم تتجاوزه بالقول إن الشباب أرادوا فقط إرسال رسالة أولى مفادها أننا تعبنا, وأنه من الممكن أن ننزل إلى الشارع متى أردنا ذلك, لكن المسألة في حد ذاتها لاتكفي
هناك أشياء عديدة كان المنظمون يرغبون في الوصول إليها من عشرين فبراير لم يتمكنوا من بلوغها, وهناك رسائل كانوا يبتغون إيصالها وقفت في الطريق لأن الكثيرين تصدوا لها ومنعوها من البلوغ. أهم العوائق التي وقفت دون بلوغ مسيرات 20 فبراير أهدافها هم الناس الذين استولوا عليها ورفضوا تركها للشباب. سبق لنا وأن قلنا إن جماعات سياسية لا وزن لها في الشارع المغربي لايجب أن تستولي على نضالات الشباب المغربي, وسبق لنا وقلنا إنه من اللائق للأحزاب التي لاوزن لها وللشخصيات التي لاشعبية لها من ولبقية الأطراف المعروفة بنزاعاتها مع السلطات المغربية أن تترك الحركة "فالتيقار".
لكن هؤلاء الناس رفضوا. هم اعتبروا أننا نستكثر عليهم جني أرباح نضال يرونه اليوم في التلفزيون ويعتقدون أنه قادر على أن يخترق الشاشات لكي يصل إلى الشارع المغربي, لذلك أصروا على أن تكون وجوههم القديمة هي التغليف الأفضل للوجوه الجديد التي دعت لتظاهرات العشرين. وحين أتى شعبنا لكي يستطلع ما الذي يقع وجد الوجوه الكالحة إياها التي فشلت في قيادة نضالات الشعب المغريي في االزمن القديم, وهي تحاول الاستيلاء على نضالات الصغار الجدد, فأقفل راجعا. وجد الشعارات ذاتها, والوجوه ذاتها والأعلام ذاتها, ووجد أساسا الرغبة ذاتها في السطو على كل شيء, لذلك أحس شعبنا أن لاجديد, وقرر أن يضرب صفحا عن الموضوع كله.
أحد الأصدقاء وهو مستقر خارج أرض الوطن كلف نفسه عناء التنقل إلى المغرب والاستقرار في فندق لمدة ثلاثة أيام لكي يشارك في العشرين من فبراير, وحين أتى الأحد وأطل إطلالة أولى على المسيرة في الرباط ورأى الوجوه إياها عاد إلى غرفته في الفندق, ومن ثمة قرر أن يتصل بالخطوط الجوية التي أتى على متنها لكي يطلب تسريع سفره يوم الإثنين. قلت له إنه يتسرع, أجابني "لقد أخطأت, اعتقدت أن المغرب تغير فعلا, لكن وعندما رأيت الديناصورات القديمة تستولي على الميكروفونات والواجهة, فهمت أن لاشيء تغير وأنه من العيب أن يناضل الجيل الجديد من أجل أن يصل الجيل القديم إياه إلى المناصب الجديدة في المغرب المغاير". تأملت في كلام الصديق طويلا ووجدت أنه كلام حق يراد به الحق فعلا, وأنه من الصعب أن تجادله فيه.
للأسف الشديد كانت تلك هي أول الأخطاء. بعدها كانت الكثير من الهفوات التي جعلت العشرين من فبراير يخرج بالشكل الذي رأيناه به. أساسها أن الناس رأت في الشاشات العربية شيئا ما يتم في دول أخرى فقالت إنه من السهل تقليده, وثانيها أن كثيرا من شعارات التظاهرات هي شعارات أكل عليها الدهر وشرب, ولم تعد تعني الشيء الكثير بالنسبة لأبناء شعبنا, ثالث الأخطاء أن الكثيرين اعتقدوا أن شعبنا كله يعرف شيئا إسمه الفيسبوك قبل أن يجدوا أنفسهم يوم الأحد أمام أناس لايعرفون ماذا يريدون, ويقفون لكي يرددوا شعارات يسمعونها في التلفزيون الرسمي, لا , بل إنني سمعت بأذني شابا في ساحة نيفادا بالبيضاء يقول وهو يلوح بالعلم المغربي "اللي جاي يشجع المغرب يشجع معانا واللي مابغاش يمشي بحالو".
سألت نفسي يومها أين الشعارات الكبرى التي تم الاتفاق عليها؟ وأين الإصلاحان السياسي والدستوري؟ وأين الشباب الذين عبروا عن مواقف متقدمة للغاية في السياسة والتصور السياسي للبلد ككل؟ وأين الروح التي رأيناها في مظاهرات ميدان التحرير بمصر ورأيناها في قرطاج بتونس؟ لا, بل أين من نظروا لنا للمغرب الجديد, وأقاموا لنا سرادق العزاء الكبير بخصوص الوضعية السياسية الحالية في البلد؟
أعترف أن صدمتي كانت كبيرة, وأنني ملزم اليوم بانتظار شيء كبير يخرج من وطني لكي أعود للاقتناع مجددا أن هناك أملا في أن تتحرك الأمور في الاتجاه الذي أراه سليما. حقيقة رأيت ابتسامة أصوليين يوم الأحد وهم يتصورون أن المغرب أصبح ملكا لهم, ورأيت أناسا آخرين يفصلون على المقاس بلدا لانعرفه لكي يضعونه في الجيب في الأيام المقبلة, لكنني لم أر الشباب الذين ضربت معم موعدا لكي أسلمهم قياد البلد. لم أر الفيسبوكيين, أو رأيت منهم فقط ملامحا باهتة غابت في خضم الكذب الذي اختلقه الكبار مجددا لكي يطيلوا به أمد استيلائهم على كل الأشياء
يوم الأحد الماضي, حين عدت قرابة الرابعة زوالا إلى ساحة نيفادا ووجدت فيها أناسا يتجولون, بعد أن أخلاها من كانوا صباحا ينادون بتغيير كل شيء, قلت لنفسي إن المسافة فعلا قصيرة للغاية بين الحلم وبين الكابوس, يكفي أن يتدخل سارقو الأحلام لكي يزيلوا نهائيا هذه المسافة ولكي يخلطوا بين كل الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
العنف الذي وقع يوم الأحد في أكثر من مدينة, هو أمر مدان جملة وتفصيلا كائنة من كانت الجهة التي وقفت وراءه. اتفقنا أننا سنخرج إلى الشارع سلميا, واتفقنا أن للمغاربة مطالب عادلة عليهم التعبير عنها بشكل حضاري لا همجي, واتفقنا على أن كل ممتلكات الشعب العامة والخاصة هي ممتلكات مقدسة لا ينبغي أن يمسها أصغر سوء.
من مروا في لحظة تحمس انفعالية إلى العنف أساؤوا فعلا إلى الموعد التاريخي, ومن الآن , وإلا فإن أشياء لا نريدها هي التي ستقع بكل اختصار. لا حق لنا في هذا الهراء.

السبت، 19 فبراير 2011

شباب 20 فبراير

ماقبل 20 فبراير لن يكون شبيها أبدا بما بعد 20 فبراير, أقولها بكل افتخار. لماذا أفتخر؟ لأن الشباب الذين دعوا للخروج في هذا اليوم نجحوا في أشياء خرافية للغاية كانت تبدو لنا من منظار المراقبين المحايدين مستحيلة في المدى القريب, ومن منظار الصحافيين المتابعين غير ممكنة لأسباب موضوعية وذاتية كثيرة, ومن منظور أبناء هذا الشعب, أي كمغاربة أشياء يلزمها الكثير لكي يستطيع شعبنا الانخراط بشكل واع ومؤطر ومنظم للمطالبة بها.
لذلك أشعر تجاه هذه الحركة بالفخر لا بأي شعور آخر. أجد صعوبة في لوم هؤلاء الشباب لأنهم يريدون إصلاح بلادهم. أجد مشكلا في سبهم أو وصفهم بأنهم يشتغلون لصالح أجندات أجنبية لأنني أعرف العديد منهم, وأعرف أن حدود تحركاتهم لا تتجاوز منازلهم وبعض المقاهي وقلة من التجمعات والوقفات هنا وهناك. أجد عيبا كبيرا في أن أصطف ضد أبناء شعبي لكي أردد مثل الببغاء كلاما لست مقتنعا به.
أنا أيضا ومثلي العديدون نرى أن الوقت قد حان لكي يباشر المغرب إصلاحاته الحقيقية. فعلا لم تكن لدينا أحزاب نثق فيها إلى درجة الانخراط والمطالبة بهذه الإصلاحات. ولم نفكر ولو لوهلة واحدة في الدخول إلى لعبة سياسية كانت تبدو لنا من قريب ومن بعيد مغشوشة إلى أقصى الحدود. ولم تغرنا التيارات الأصولية بل رأينا فيها الخطر الكبير على وطننا, وفقدنا في لحظة من اللحظات الأمل في أي إصلاح يأمر به الشعب.
فهمنا أو أفهمونا أن أي إصلاح قد يتم سيكون هدية في لحظة من اللحظات, وأن علينا أن نشكر الظروف كل مرة أتى فيها إصلاح جديد. وكنا بين فينة تبرم وأخرى, حين نحس بالحال وقد ضاق نقول إن الوقت قد تغير وإن المغرب بحاجة إلى أشياء أكبر. رفضنا تماما أن ننخرط في اللعبة التي دخل فيها العديدون. حين كانت إسبانيا وصحافتها ترغب في إعطائنا الدروس كنا نرفض ونذكرها بماضيها الاستعماري ونقول لها إن من هربوا إليها لكي يشتكوا وطنهم فيها هم أناس ناقصون, وهانحن نكررها الآن.
حين كان القطريون وجزيرتهم يستجدون منا تصريحا ضد الوطن لكي يضعوه في شريطهم العاجل ويحموا به جمرات حقدهم التاريخي على البلد, كنا نقول لهم "مشاكل المغرب نصفيها في المغرب بين المغاربة, أما أنتم فأصغر بكثير من أن تتطاولوا على بلد بحجمنا". حين كان الأمريكيون يرسلون إشارات الرغبة في التعاون والتمويل والمساعدة قصد بناء الديمقراطية المحلية كنا نقول لهم بصريح العبارة "الديمقراطية المغربية سيصنعها المغاربة أو لن تصنع أبدا".
في زمن ما, وفي لحظة ما بدأنا في الشك, قلنا لأنفسنا بعد أن تسرب إليها الكثير من الملل إن شيئا من كل هذا لن يقع وأن رهاننا على هذا الشعب لكي يصنع تاريخه بنفسه هو رهان غير عاقل بالمرة. طوينا الصفحة وانتظرنا المعجزة, وأتت أخيرا.
لايهمني كثيرا ماسيقع في 20 فبراير, وماسيقع بعد 20 فبراير. تهمني اليوم الروح التي لمستها عند شباب بسيط للغاية, يجهد نفسه لكي يشرح لي الآن بكل الوسائل أن مصير بلده يهمه. وهذه _ هذه وحدها _ تستحق منه أن نفخر به, أن نقول لأنفسنا إن الصغار في نهاية المطاف يحملون معنا جميعا هم بلد إسمه المغرب, وأنهم في غمرة كل ماتركناهم فيه منشغلين فهموا واستوعبوا أننا ركاب سفينة واحدة, إذا ماوقع فيها ثقب واحد ستغرق, وأن الممسكين ببعض قوارب النجاة القليلة وحدهم سيفلتون من الغرق, أما نحن, أما البقية الباقية فستذهب إلى زوال.
ومرة أخرى لابد من قولها: رأي مثل هذا لايمكنك إلا أن توافق عليه. تماما مثلما لايمكنك إلا أن توافق على نقد هذه الأحزاب السخيفة التي تحيط بنا من كل مكان, ومثلما لايمكنك إلا أن توافق على انتقاد تداخل السلطة والمال, وتماما مثلما لايمكنك إلا أن توافق على انتقاد الظلم والحكرة والفساد واغتناء المرتشين وتبلد الإعلام الرسمي والاعتداء على الفقراء الذين يطالبون بحقوقهم, وبقية الكوارث التي تعرفنا ونعرفها والتي نمضي وقتنا في التنديد بها بكل الأشكال.
لذلك قلت في البدء إني فخور بهؤلاء الصغار, وعاتب بل غاضب على من يسبونهم اليوم, ومن يختلقون لهم التهم الواهية التي لم يعد الزمن يتقبلها نهائيا. الشاب المغربي هو شاب يكره البوليساريو, ويحترم كل ثوابت بلده, ويعي جيدا معنى الحفاظ على الأمن العام, ومقتنع كل الاقتناع أن المغرب قطع أشواطا عديدة في كثير من الإصلاحات, لكنه في الوقت ذاته كائن يعرف أن بلده يستحق الأفضل, ويؤمن أن من حقه أن يعيش كريما في الرقعة الجغرافية التي ولدته وربته وأرسلته إلى المدرسة قبل أن ترسله بعدها إلى البطالة أو إلى مقاتلة الزمن.
الشاب المغربي الذي صنع هزة 20 فبراير هاته يستحق منا جميعا كل الاحترام. لذلك رجاء, أنصتوا لصوت هؤلاء, فهم لايقولون لنا أي شيء خارج عن المنطق والعقل والحياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم نسمع فنانا مغربيا واحدا يعبر عن تضامنه مع حركة 20 فبراير أو عن تنديده بها. من صنعوا الفن المغربي اليوم على المقاس, فرضوا على فنانينا أن يعيشوا خائفين, وأن يقدموا فنهم خائفين, وأن يرحلوا في الختام خائفين. وعندما نقارن الحال المغربي بالحال المصري أو التونسي حتى, ونرى كيف أن الفنانين هناك كانوا طرفا فاعلا في الأحداث سواء بالتأييد أو المعارضة, نعرف أننا فعلا نحتاج فعلا للبحث عن علاج سريع للكثير من علاماتنا الفنية والإبداعية التي لاتريد أن تشغل بالها بما قد يعود عليها _ في نظرها هي فقط _ بالوبال. ضوماج أيها الإخوة, ضوماج فعلا

الأربعاء، 16 فبراير 2011

مغربنا جميعا

لنهرب قليلا من أحداث مصر وماتلاها من تداعيات على العالم العربي لكي نلجآ إلى...أحداث مصر وماتلاها في العالم العربي، فعلى مايبدو لا مهرب هذه الأيام من الثورات التي تجتاح الدول العربية، ولا ملجأ أو منجى من هذه الريح التي تسري في المكان الذي كنا نعتقده تابوتا ممتدا من الماء إلى الماء قبل أن نفاجأ بأنه عرين حياة باقية، ومكان لعيش الكثيرين ممن وجدوا أنفسهم خارج السياق بفعل فاعل، قبل أن يقرروا أن الوقت هو وقت تغيير كبير سيمس العالم العربي كله ، ولن يستثني أي جزء من هذا المكان.
البعض قال لنا عبر رسائل في البريد الإلكتروني إنكم "استكثرتم على الأمير الأحمر -- أو هكذا يلقبه حواريوه على كل حال - أن يقول أن لا استثناء في العالم العربي للثورات التي تقع، وهاأنتم اليوم تقولون نفس الكلام بل وتمدحون ثورة مصر العظيمة". المشكلة البسيطة في العلاقة بيننا وبين الأمير هو أننا لسنا أمراء. نحن أبناء هذا الشعب ونقول مانقوله انطلاقا من أجندتنا الخاصة بنا تلك التي نؤسسها بناء على علاقتنا بأبناء شعبنا اليوم بطوله في الحواري والأزقة الشعبية. لم يسبق لن أن تكلمنا مع مختصين في معهد أمريكي كبير، ولم تعطنا فرصة التجول عبر الأمم المتحدة لكي يفهمنا عباقرة الزمن الأمريكي الجديد ماعلينا أن نقوله ونكتبه. ننطلق في كل ماتخطه أيدينا من رؤى العين ومشاهداتها في الشارع المغربي، ونعتبر أنه يحق لنا فعلا أن نتحدث بلسان بني جلدتنا أكثر من العديدين ممن يتلقون التعليمات أو الأوامر أو الإيحاءات بأن يكتبوا مايكتبونه هذه لأيام.
ثم لنتفق على أمر محدد للغاية: هذا البلد لم يعد حمل صراع قوى ومراكز نفوذ جديدة. يكفيه أن تصارع عليه منذ ١٩٥٦ العديدون وأوصلوه إلى ما أوصلوه إليه، مايفيد أننا اليوم جميعا -- خاصة الأكثر صدقا منا - ملزمون بالبحث له عن مخرج النجاة أكثر من بحثنا عن الأماكن أو المناصب التي سنضع فيها أنفسنا بعد أن يقع مايقع. وللأسف الشديد قلة من هي التي تشغل بالها بهذا الأمر في الوقت الذي تعيد فيه الأغلبية الغالبة إنتاج نفس النماذج المرضية من السياسيين أصحاب المصالح الذين أوصلوا البلد إلى الهاوية التي هو فيها اليوم.
ولقد شاهنا كثيرا من تحليلات اللحظة الراهنة, وليعذرنا أصدقاؤنا, لكننا مضطرون لقولها: الكثير من هذه التحليلات يعوزه الارتباط بالواقع المعيش. أغلبها يتحدث من صالونات مرفهة عن أحلام تراود الكبار ومن يدور في فلكهم. أكثريتها تحاول مداعبة من يوحون بها في اتجاه الزغب, ولا أحد منها يحاول أن يحلل منطقيا ماقد يقع, ويحاول ربطه بالثورة الكبرى التي شهدها العالم العربي مؤخرا. ذلك أن المحرك الأساس لكل مايجري الآن داخل منظومة الكبار وتباعهم هو التفكير في الغنائم التي قد يجنونها في لحظة قادمة, وهذه مسألة لانشغل بالنا بها كثيرا.
يهمنا أكثر ما يعتقده الوافدون الجدد من صغار هذا الوطن الذين يحملون همومه كلها. يهمنا أكثر أن نسمع صوت شعبنا ونبضه, وأن نحاول العثور على مايشكل اليوم اهتمامه الحقيقي لا المفتعل. يهمنا أساسا بعد أن تبرأت الأحزاب السياسية من هذا الأمر, وبعد أن تعبت الطبقة السياسية من تحمل تبعاته أن نوصل الصدى الذي يتردد في شارعنا عن كل اهتمامات الصغار والكبار لئلا نجد أنفسنا يوما خارج كل السياقات مع الناس الذين ينتمون إلينا وننتمي إليهم شئنا ذلك أم أبيناه.
ماوقع في تونس وماوقع في مصر بعدها ينادينا جميعا, ويطرح علينا أسئلة كبرى على طبقتنا الفكرية والثقافية والسياسية أن تفكر في إجابات لها, وحين رأيت وزيرنا في الخارجية يتحدث عبر القناة الأولى يوم الإثنين الماضي, ثم استمعت لوزيرنا في التعليم يتحدث عبر برنامج "مومو" في هيت راديو, وانتبهت إلى أن أحمد رضا الشامي التحق برفيقه في الحكومة منصف بلخياط في الإجابة على أسئلة مرتادي الأنترنيت عبر الفيسبوك, فهمت وفهمنا جميعا أن الرسالة وصلت بأن التواصل منعدم بيننا وبين من يتولون شؤوننا, وأنهم التقطوا الرسالة الأبرز في انعدام التواصل هاته, والتي تقول لهم إن عليهم أن يقتربوا أكثر فأكثر من الناس لكي يقولوا لهم كل شيء.
وعندما نرى الرئيس الفرنسي ساركوزي وهو يلجأ إلى خدمات التلفزيون العمومي لكي يتدبر أمر برنامج يتحدث فيه إلى الفرنسيين, نقول لأنفسنا إن على من يتولون شؤوننا أن يجدوا طريقة ما للحديث مع الناس, لإفهامهم أن أمرنا يهم المتحكمين فيه, وأن مايقع لدينا وبنا وفينا ومعنا وعنا, هو في نهاية المطاف شيء علينا جميعا أن نتذاكر حوله وأن نتفق حوله قبل أن يتم.
لامفر من الاقتناع بهذا الأمر, ولابأس في ذلك, ففي الختام نحن نحيا مشتركا جماعيا يسمى المغرب, علينا أن نجد له سبل الوصول إلى كل الأمان الممكن بكل الطرق المتاحة أمامنا, نحن أبناء هذا المغرب الذين سنبقى فيه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
هل شرع وزراؤنا في استيعاب معنى التواصل مع الناس؟ المسألة ابتدأت بشكل خجول, لكنها سائرة الآن في طريقها من خلال حديث منصف بلخياط باستمرار عبر الفيسبوك, ومن خلال انضمام أحمد رضا الشامي للأمر ذاته, ومن خلال حديث أحمد اخشيشن وزير التربية والتعليم مع الشباب من خلال برنامج مومو على "هيت راديو".
نتمنى أن يكون الأمر مدروسا ومفكرا فيه, وأن يستمر دائما, أي أن لايكون مرتبطا بما يعرفه العالم العربي الآن من تحركات فرضت خروج العديديدن من مواقعهم للتواصل مع الجموع. نتمنى لأن الزمن هو فعلا زمن تواصل, وإن كان بعضنا لم يفهم هذا الأمر إلا مؤخرا, مع الأمل ألا يكون الأوان قد فات.

الثلاثاء، 15 فبراير 2011

صورة فقط

من تابعوا أحداث مصر الأخيرة لم يتوقفوا عند كثير الصور الإعلامية التي صنعت المعركة كلها, والتي انتهت بانتصار ميدان التحرير على مبارك, وفرار هذا الأخير إلى مكان غير معلوم. هذه الصورة كانت في قلب الحرب كلها التي دارت على امتداد أيام الاعتصام, وشكلت السللاح الذي صارع به كل طرف الطرف الآخر إلى أن كان الانتهاء من الحرب كلها, ولا بأس بالنسبة لنا نحن الذين تجمعنا بالصور الإعلامية علاقة جد معقدة أن نتوقف قليلا عند الصور التي شكلت الصراع لقراءتها والاستفادة مما قد تحمله من دروس لكل غاية مفيدة.
أولى الصور الإعلامية البارزة التي حملتها هذه "الحرب" هي صورة ماسمي لاحقا "معركة الجمل". استطاع المتظاهرون في ميدان التحرير اعتمادا على صور لخيالة ولهجانة من راكبي الجمال أن يسوقوا صورة نظام عتيق للغاية لايملك أمام شباب يمضي الوقت كله أما حواسيبه مرتبطا بالفيسبوك والتويتر وبقية المواقع الاجتماعية الحديثة. تلقى مبارك ونظامه ضربة كانت القاصمة فعلا في هذه المعركة, وتبين بشكل واضح أن كل الإعلام الرسمي العمومي الذي يتحكم في زمامه الرئيس المصري السابق هو إعلام غير صالح لشيء أمام قوة المشهد وتأثيره على جموع لديها استعداد مباشر لتلقي صورة معينة هي التي تتحكم في موقفها من كل الأحداث.
الصورة الثانية القاسية التي تحكمت في مسار هذا الصراع, هي صورة سيارة مصفحة للشرطة قامت بصدم متظاهرين في طريقهم إلى ميدان التجرير. قناة الجزيرة التي تمتلك خبراء حقيقيين في فن الصور ومعاركها قامت منذ أن أخذت الصور عن اليوتوب ببث الصورة مالايقل عن عشرين مرة في اليوم الواحدو ما رسخ في أذهان المتتبعين والمشاهدين أن النظام المصري هو نظام لايتردد في سحق المتظاهرين سلميا, والدوس عليهم بسيارات شرطته المصحة ما أنتج تعاطفا لامثيل له للرأي العام العربي والعالمي مع المتظاهرين, وأنتج بالمقابل عداء واضحا للنظام المصري السابق.
من صور المعركة التي دارت بين مبارك ومعارضيه أيضا صورة ذلك المتظاهر الإسكندراني الذي تقدم بصدره المكشوف إلى قوات الأمن متحديا قوتهم, حيث لم يترددوا في إطلاق الرصاص عليه, وكان لسقوطه أمام عدسات الهواتف النقالة التي تكلفت بنقل المشهد الدموي إلى الأنترنيت ومن ثمة إلى القنوات التلفزية وقع خطير على تطور المعركة كلها, وتفضيل مبارك الهروب ختاما عوض الاستمرار في التشبث بموقفه الغريب من كل هذا الذي جرى في القاهرة على امتداد ثمانية عشر يوما.
صورة أخرى لامفر منها في الحرب الإعلامية التي دارت بين مبارك ومعارضيه هي صورة الحجارة المتبادلة بين مناصري مبارك ومعارضيه في ميدان التحرير. القناة التي تولت نقل الأحداث مباشرة أي قناة الجزيرة لم تقطع البث المباشر عن الساحة إلى أن انتهى المتصارعون من إلقاء الحجارة على بعضهم. من اعتقدوا أن الجزيرة قامت بهذا الأمر عبثا كانوا واهمين, فالقناة القطرية التي لم تخف انحيازها للمتظاهرين منذ بدء الأحداث كانت تعرف أن بثها لأربع وعشرين ساعة من هجوم مناصري مبارك على معارضيه سيرسخ فكرة أساسية في ذهن المشاهدين مفادها أن نظاما لايتورع عن إرسال عناصر من شعبه لكي تلقي الحجارة على عناصر أخرى من نفس الشعب هو نظام لايستجق البقاء في منصبه, وهو ماترسخ فعلا في كل الأذهان, وأعطة ثماره بعد ذلك بأيام.
بعد ذلك كان لصور مشرحة الإسكندرية والجثث المرصوصة فيها, ولمشهد الآباء والأمهات الباكين لأبنائهم القتلى, ولصور المعتصمين في الميدان وهم ينامون تحت الدبابات مباشرة لمنعها من التقدم نحو الميدان وقع قاتل على تطور الأحداث وانتهائها النهاية التي انتهتها. بالمقابل خاض النظام الرسمي المصري المعركة بغباء مريع للغاية خير تجسيد له الخطابات الثلاث للرئيس حسني مبارك والتي كانت فاشلة بالمعنى المهني للتواصل, وشكلت باستثناء أوسطها علامة فارقة ودالة على إفلاس الخطاب الإعلامي الرسمي الذي حاول مقاومة مد الصور عبر الأنترنيت والقنوات المساندة للثورة التي أذاحت فعلا بنظام مبارك بخطب اعتمدت مخاطبة المشاعر لا العقل, وحاول خلالها مبارك أن يتوسل للمصريين لكي يمنحوه مهلة إضافية حتى شهر شتنبر المقبل دون أن يملك أي ذريعة معقولة أو مقبولة إعلاميا لكي يحقق فلعا ماكان يريده.
المعركة الكبرى التي وقعت في مصر كانت معركة صور مع بعضها, والذين ينتقدون اليوم الإعلام الرسمي العمومي في الأنظمة الحالية, يعرفون أنهم يقومون بذلك لأن هذا الإعلام أضحى عاجزا عن مخاطبة الشباب الحالي, ولم يعد يمتلك أي ذرة تواصل مع الأجيال الراهنة. العكس هو الحاصل والخطاب الذي يروجه هذا الإعلام يحقق النقيض من المراد منه, ولنا أن نتخيل في المغرب مثلا شبابنا الحالي وهو ينصت لصوت الرسميين مصطفى العلوي أو غيره من الأبواق التي مل منها الناس وهو يخاطبهم. أي أثر لهذا الخطاب؟ وأي معنى له ؟
للأسف أصدقاؤنا من الرسميين لايطرحون مثل هذه الأسئلة رغم أن الرأي العام المحلي مل من طرحها, وبح صوته من ترديد أثرها القاتل والمريع. لكن من سينصت إلى هذا الكلام؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر جوابا قديما من هؤلاء, منذ الزمن "العتيق".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يتابع بعض المتتبعين لوزارة نزهة الصقلي بذهول كبير التحويل الخطير الذي تم لطلب عروض حول خبرة, رسا على خبيرة مغربية بخصوص مشروع حول صورة المرأة في وسائل الإعلام قبل أن يتحول بقدرة قادر إلى صديقين للوزيرة هما أمين المريني وربيعة الناصري, علما أن الخبيرة المعنية بالأمر رسا عليها الاختيار واشتغلت لمدة ستة أشهر على المشروع, بل تلقت من الوزارة العقد الذي تلقته لكي تقرأه وتوقعه, قبل أن تدخل منتمية لحزب الوزيرة إلى ديوانها, وتتدخل في الصفقة لكي تحولها إلى الإسمين المذكورين, وتغير إسمها تماما.
بعض التصرفات لانجد لها تبريرا إلا التخمين بأنها تتم دون علم بعض الوزراء, هذا مانتمناه على الأقل, أما إذا كان الأمر قد تم بعلم الوزيرة فالأمر يتطلب كلاما آخر بطبيعة الحال.

ثمانية عشر يوما

ثمانية عشر يوما أصبحت كافية في العالم العربي لكي يسقط الديكتاتور. ثمانية عشر يوما من ميدان التحرير, بحجارتها, ببلطجيتها, بثورتها, بفيسبوكها, بتويترها, بأغاني الثوار الجدد وحكاياهم, بإخوانها الراغبين في سرقة ثورة الصغار, بالخائفين على مصالحهم ممن يعرفون أن الريح إذا ما زأرت في الوطن ستعصف بكل ماراكموه من ثروات, بفقرائها الذين لمحوا في المكان القصي من الفؤاد الحلم فقرروا القبض عليه ولو بالموت حبا فيه يوم الختام, بنسائها الذاهبات ليلا إلى المنازل تحت حماية اللجان الشعبية لكي يهيئن للرجال زاد وعتاد اليوم الموالي, بأطفالها الذين اعتلوا هامات الآباء والأمهات وشهدوا يوم التغيير الكبير.
ثمانية عشر يوما فقط لاغير, بشعاراتها الموزونة بعناية المصري بالقافية واللحن, بنكتها الموغلة في الحزن التي تقص على الشعوب حكايات الطغاة الراغبين في توريث الناس للأبناء, بفولها المدمس في الشقاء, وبطعمية تحولت في لحظات على يد الإعلام العمومي إلى وجبات كنتاكي يحملها الأجانب إلى المعتصمين لكي يواصلوا اعتصامهم مثلما قيل كذبا ذات زمان.
ثمانية عشر يوما فقط, ثم يسقط مبارك ولا تسقط أم الدنيا, ذات الخمار المستلقي بكل الدلال على النيل ذي الأضواء. ثمانية عشر يوما بجزيرتها التي وجدت فيما يقع لشعب مصر العظيم الفرصة الملائمة لانتقام القزم من العملاق, بمحلليها ومحرميها الذين لايعرفون عم يتحدثون, لكنهم يتحدثون لئلا يقال إنهم صمتوا يوم كان ضروريا قول كل الكلام, بصعاليك الزمن الذين يقومون بالثورات على الورق, والذين يعتقدون أن الشعوب تنوب عنهم عبر التلفزيون لكي لاينزلوا هم يوما إلى الساحات.
ثمانية عشر يوما فقط, بالاستيهامات الكبرى التي اجتاحت العديدين وجعلتهم لايعرفون إلى أي وجهة عليهم أن يرسلوا الحوالات المالية التي تعودوا إرسالها إلى كل مكان, بحراميتها الذين تتشابه أشكالهم في كل الأوطان, بسيساسييها الذين لايملكون إلا كذب الكلمات, وبقية الارتباط بمن كان يمنحهم العون على الحياة, بمقربيها من السلطة الذين شعروا باليتم فجأة واكتشفوا أنهم ذات يوم خرجوا من الشعب, وأنهم إليه لن يعودوا, لأنهم أضاعوه في الطريق, وقرروا فجأة أن لاحاجة لهم به لأن من يحميهم يمنحهم كل الأمان.
ثمانية عشر يوما فقط, ببن علي الذي كان درسا أولا لم ينتبه إليه فرعون الكنانة الجديد, بوائل غنيم, هذا الفتى الذي لايستطيع مقاومة الدموع على الشهداء, لكن يستطيع مقاومة تعذيب النظام, بإسراء عبد الفتاح التي ذكرتنا أن مصر كانت دائما ولادة, بنوارة نجم التي ورثت من الفاجومي الإسم وجينات التمرد على كل الطغاة, بخالد سعيد الذي سقط لكي تنهض مصر, بقافلة من قتلوا لكي يبقى مبارك, وفي الختام بقيت مصر وانقرضت كل الأشياء.
ثمانية عشر يوما فقط, عشناها كأنها الدهر في كل الدول العربية الأخرى المصطفة على أريكة الخوف من المجهول, المترقبة لهؤلاء الصغار الذين حرمتهم من كل شيء, ولم تترك لهم إلا مصروف الجيب الذي يسمح لهم بالبقاء أسرى وراء الحاسوب, قبل أن يكتشفوا أنه من الممكن لهم أن يتحدثوا ويتواصلوا عبر هذه الأجهزة التي قيل لهم في البدء إنها تصلح للشات لالشيء آخر على الإطلاق. ثمانية عشر يوما تصلح درسا لكل الخائفين من الآتي, لكل الطامعين في البقاء على رقاب العباد, لكل الذين لايرون شيئا غير مصالحهم, لكل من يعتبر أنه من الممكن أن ترث شعبا بأكمله, لكل من يعتقد أنه يستطيع أن يتحول إلى إله صغير يعيش على الأرض, لكل من لايعني له البشر شيئا غير أنهم "بزاف وصافي", لكل من يستطيع أن يتلقى الدروس.
ثمانية عشر يوما فقط لاغير. هل هو قدر مصر أن تسري إلى التاريخ بعدد الأيام, بحسابها؟ أن تنتكس في حرب الستة أيام, أن تنتصر في استنزاف الشهور الطويلة, أن تموت على أيدي الديكتاتور ثلاثين سنة, قبل أن تقرر الانصراف. يغني لها الكينج, الملك منير " إزاي ترضيلي حبيبتي قد ماعشق فى إسمك وانتى عماله تزيدي في حيرتى وما انتيش حاسه بطيبتى إزاي ! مش لاقي في حبك دافع ولا صدقى في عشقك شافع إزاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي إزاي! ". ويقول لها نجم قبل الزمن بزمن طويل "صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر", وتقول لها شادية متغزلة مترنمة "ياحبيبتي يامصر", فترد عليهم الجموع التي صنعت لحنها الخاص بها في ميدان التحرير "مش هنمشي, هو يمشي".
يمشي الديكتاتور. ينصاع لرغبة الناس, يبدو عليه الهزال واضحا, وهو يرغب في كتابة نص الوداع. تبدو الكاميرا التي كانت تعبده في السابق, غير راغبة في الإنصات إليه. يتحدث عن تاريخه الشخصي في البلد, وينسى التاريخ العام, يقول للشعب إنه "عاتب عليه" لأنه أراد أن يغيره بعد ثلاثين سنة "خدمة فثانوي" كما كان سيقول عادل إمام. يضحك منه الشعب, يقول له "إجمع متاعك, وارحل. تكبد فقط عناء الرحيل, لانريد منك شيئا آخر".
ثمانية عشر يوما فقط بمصرها. تلك هي الحكاية بكل اختصار.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التجربة التي يشرع في خوضها اليوم مجموعة من الأصدقاء بقيادة الزميل أحمد نجيم لموقع "كود. ما" هي تجربة جديرة بكل انتباه (أنظر الخبر في الصفحة) لأنها تنتصر أصلا لقيم قد لايقع الإجماع حولها في مجتمع مثل مجتمعنا, لكنها القيم الوحيدة القادرة على إخراجنا من المأزق الذي نوجد فيه.
الأصدقاء في "كود. ما" لا يدعون أنهم سيشكلون تفردا عمن عداهم في الأنترنيت, لكنهم على الأقل فرضوا مهنية كل الذين سيكتبون أو يشتغلون في موقعهم, تفاديا للفوضى غير الخلاقة التي يعرفها عالم الويب المغربي حاليا. حظ سعيد, وديما كود مثلما تقولون في شعاركم.

الأحد، 13 فبراير 2011

توت عنخ مبارك

وانضاف مبارك لزين العابدين بن علي. صمد فرعون مصر قرابة العشرين يوما قبل أن يفوض سلطاته لنائب الرئيس, ويتنازل أمام شارع هادر, وجيش غير مستعد للمخاطرة أكثر, ودول غربية ذكرت الحكام من أصدقاء الغرب أن الاستعمال الوحيد لهم هو استعمال المنديل الورقي, أي العطس فيه, ثم التلويح به إلى أقرب قمامة. مبارك الذي أمضى العمر كله في خدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة وجد نفسه في نهاية عهدة أمام سلسلة من "النونوات" التي أشهرتها في وجهه أمريكا "لابد أن ترحل ناو, لابد أن تنقل صلاحياتك ناو, لا بد أن تذهب لحال سبيلك ناو".
هذه الناو أتى أوانها أخيرا رغم أن الجزيرة ومن والاها انتظروه منذ قرابة الأسبوعينو لكن مبارك والجيش المصري معه, وعلى عادة المسلسلات والافلام المصرية الشهيرة, اختار التمطيط, هذه المرة لا لكي يصل إلى ثلاثين حلقة مثلما تفرض ذلك البرمجة الرمضانية, ولكن لكي يعثر على طريقة مشرفة ما للخروج, علما أن الخروج المشرف الوحيد في مثل هذه الحالة هو أن ينتخب شعبك شخصا آخرا غيركو وتقوم بتسليمه السلطات في حفل داخل قصر الرئاسة والسلام.
الحاكم العربي يرفض هذا الأمر, لذلك اضطر شعب تونس للخروج إلى الشارع واضطر الجيش إلى مساندته, ثم عاد شعب مصر لكي يفعلها, وعادت القوات المسلحة المصرية لكي تسانده بالمثل, مايعني أن بقية الدول العربية ملزمة فعلا اليوم _ مع سقوط أم الدنيا ونظامها _ بالاستفادة من الدرس الكبير الذي جرىو وإعلان دخول أمة العربان المتبقية لعصر الحرية من أوسعع أبوابه, لا من الباب الخلفي الصغير. اليوم وبعد أن انتهى شعبان من بن علي ومبارك, ستكون لهبات الحرية على هذا العالم العربي السجين الكلمة الفصل من الآن فصاعدا.
لم يعد ممكنا أن تقبل الدول الأخرى وجود دول تسير بمنطق غير المنطق الذي يحكم العالم كله, والحكام العرب الذين لم يفهموا الأمر عن طيب خاطر, اضطروا اليوم لفهمه قسرا, وهم يرون مايحدث أمام أعينهم. وأتصور,بل نتصور جميعا أن ماسيحدث بعد اليوم لن يكون إلا تكرارا لما حدث في تونس ومصر بشكل أو بآخر. وبالقدر الذي تهمنا الدول العربية كلها ومصيرهاو بالقدر الأكبر الذي نهتم أكثر بمصير بلدنا والتطورات الممكن حصولها فيه.
ولن نكذب أو نمر إلى الأشياء من طرق أخرى غير الطريق الأقصر أي الطريق المستقيم لكي نقول إننا غير معنيين بما يحدث الآن, بل نحن في قلبه, وعلينا الاستعداد لكل تطوراته باليقين الذي ميزنا باستمرار في هذا البلد على أننا قادرون على مواجهة أي شيء بأكبر قدر من الهدوء. وقد تلقيت اتصالات كثيرة من قراء ومن قيادات حزبية مغربية ومن أصدقاء يقولون فيها إن على الدولة أن تتعامل اليوم مع المظاهرات التي تعرفها البلاد, أو التي ستعرفها بهدوء وسلمية, وأننا جميعا ملزمون بترك الشعب يعبر عن رأيه مما يقع من تضامن مع الشعبين المصري والتونسي, وأيضا بتركه يعبر عن مطالبه الاجتماعية أو الأخرى التي تريد إصلاح ما فسد في منظومتنا السياسية المحلية.
وأكثر هذه الاتصالات موضوعية وعقلا في نظري هي تلك التي قال فيها صاحبها إننا "غير مضطرين لتكرار الأخطاء التي ارتكبها الآخرون, والتي قلنا فيما بيننا أنها أخطاء كانت ممكنة التجاوز", قبل أن يضيف المتحدث "لاحاجة لنا بتوتر نحن الذين بدأنا عملية الإصلاح الكبرى في البلد منذ 1998 حين كلف الملك الراحل الحسن الثاني معارضا يساريا محكوما عليه بالإعدام مرتين لكي يقود حكومة التناوب, ثم أصبح الأمر أكثر وضوحا بعد اعتلاء جلالة محمد السادس العرش, وقيام جلالته بعملية مصالحة كبرى مع ماضي البلد, ومع ثغراته السوداء, حين رأينا على شاشة التلفزيون الرسمي ضحايا التعذيب وسنوات الرصاص يتحدثون عما وقع لهم في السنوات الكالحةو وأيضا مع تكليف وجوه من المعارضة السابقة ومن الحركة اليسارية بمناصب عديدة في الدولة".
مخاطبي أضاف "حقيقة وقعت أشياء تشبه الردة في العشر سنوات الاخيرة, لكنني أتصور أنه من الظلم مقارنة الحالة المغربية بحالات عربية أخرى, وإذا ماكنا نريد الركوب على موجة الإصلاحات القسرية أو الإرادية التي تقع اليوم في العالم العربي, فعلينا الاحتفاظ بخصوصيتنا المغربية, والانتباه إلى هذا الاستثناء المحلي الموجود قسرا رغم أن بعض الراغبين في أشياء أخرى غير تلك التي يعلنونها يقولون بأنه ليس هناك أي استثناء في أيدولة عربية".
تأملت كلام مخاطبي فلم أجد فيه _ والحق يقال _ إلا الكثير من المنطق, ووجدتني أردد إن درسا مغربيا ينتظرنا بالتأكيد وسط كل مايقع الآن في العالم العربي, لعله درس القدرة على الاستفادة طوعا من كل ماجرى, وتلافي الكثير من آيات العناد التي سقط فيها آخرون وجروا بها بلدانهم إلى الخراب, ولاشيء غير الخراب.
أما عن مصر فالأكيد أن أبناءها سيعالجون كل ماوقع فيها من أحداث ربما كانوا يأملون لها نهاية أفضل غير أن ينقلب الجيش على الجيش( لايجب أن ننسى أن مبارك كان طيارا) وأن تعتقد الجموع في الختام أن الديمقراطية تأتي على يد هذا الانقلاب.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضححك ومؤلم ذلك المشهد الذي رأيناه على الشاشات الغربية, حين سجدت الجماهير المصرية في الإسكندرية شكرا لله على تنحي الرئيس مبارك قبل أن يقدم هذا الأخير خطابه يوم الخميس الفارط. بعد الخطاب تناقلت وكاالات الأنباء العالمية مشهد الجماهير ذاتها التي سجدت بعد شائعة التنحي وهي تبكي وتصاب بالإغماء, وتصرخ وتولول لأن مبارك يرفض الذهاب ويفضل نقل صلاحياته لنائبه عمر سليمان.
علينا فعلا أن نفهم أن العواطف لاتصنع مستقبل الشعوب وأن على هذه الأخيرة إذا أرادت التقدم فعلا أن ترفع مستوى وعيها أولا وبعدها أن تغير ماشاءت من الرؤساء والحكام.
قبل هذا الأمر لاحق لنا في شيء على الإطلاق.

الخميس، 10 فبراير 2011

الشعب يريد...

الشعب يريد إسقاط الحكومة. هكذا ابتدأ الشعار في تونس عقب هروب زين العابدين بن علي, وتشكيل حكومة من بقايا نظامه, ثم تحول الشعار إلى "الشعب يريد إسقاط النظام" حين انتقلت العدوى إلى مصر, حيث حوله المصريون بسرعة إلى "الشعب يريد إسقاط الرئيس", نيشان ودون مواربة. الشعار ليس معقدا للغاية, بل هو بسيط جدا لكنه معبر للغاية ويقول كل شيء في عبارة من أربع كلمات لاتتطلب لحنا صعبا للحفظ, ولا تريد إلا بضع ثوان من أجل التمكن من ضبطها نهائيا.
الشعب يريد في الحقيقة أشياء كثيرة, لكن من يستطيع اليوم أن يقول لنا مايريد ه الشعب حقا؟ الكثرة الغالبة اليوم تقول إنها تعرف جيدا ماتريده شعوبنا, وتحدده في إسقاط كل الحاكمين والبدء من "الزيرو" من جديد. المسألة تبدو صعبة للغاية خصوصا وأن الشعب الذي يقال لنا اليوم إنه يريد, وأنه أضحى قادرا على فرض مايريدو هو شعب مشكل من طبقات شتى فيه قلة قليلة تقن تمييز الأمور عن بعضها, وفيها نصيب وافر من الناس _ ولا عيب في ذلك على الإطلاق بل هو العيب ذاته _ علاقتها بالقراءة والثقافة والوعي السياسي منعدمة, ما يمنعها من تشكيل أي قرار مستقبلي كبير لبلدانها بشكل يمكن الاطمئنان إليه.
لذلك من الصعب فعلا أن نقول اليوم إن الشعب يريد بوعي هذه الأمور التي يقول إنه يريدها. ولنطمئن بسرعة بعض الأذكياء ممن يقرؤون بين السطور أكثر من اللازم. نحن لانريد إطفاء أي ثورة كانت, فهذا ليس دورنا, ولا نريد أن نحبط العزائم, فهي محبطة "من عند الله", ولا تحتاج ليد المساعدة منا, خصوصا وأننا نعتقد جازمين أن على الصحافي أن يضع مسافة فعلية بينه وبين كل مايقع الآن وأن لايتحول مثل بعض مناضلي الساعة الخامسة والعشرين إلى منظرين للفوضى القادمة على أجنحة كثير من الجهل المحيط بنا من كل مكان.
مانريد قوله هو أنه لايمكنك أن تطلق الجموع غير الواعية في الشارع وأن توهمها بأنها ستحقق ثورات الديمقراطية الأخيرة, وأن ترتاح وأنت تردد الشعب يريد إسقاط النظام. الأمر أشبه مايكون بجريمة أخرى إضافية نرتكبها في حق أمة ارتكبت في حقها الكثير من الجرائم مذ السنوات العديدة, بدءا من جرائم التفقير التي مورست في حق أبنائها مقابل اغتناء حفنة صغيرة على حسابهم, مرورا بجريمة التجهيل التي يمكن اعتبارها السبب الرئيس في كل مايقع اليوم لنا من نكبات يومية, ووصولا طبعا إلى جريمة القمع التي جعلت العرب آخر الأجناس الموجودة على الأرض في مجال حرية التعبير والتفكير.
الجريمة الجديدة هي جريمة "الشعب يريد". فمن يصورون لنا اليوم مايقع في دولنا باعتباره مجرد انعكاس لإرادة الشعوب يجروننا من حيث يدرون أو لايدرون إلى هاوية من نوع جد متقدم, يريدون بها, المراهنة على الفوضى من أجل إيجاد أمكنة لأنفسهم. هم لايضعون في الاعتبار أن أمما مثل أممنا تضع الجهل عن يمينها والتطرف عن يسارها لايحق لها أن تغامر هذه المغامرة القاتلة. هم يفكرون فقط فيما يمكن أن يحمله لهم هذا الرهان من مكتسبات شخصية هي في النهاية بالنسبة لهم أفضل من بقاء الوضع على ماهو عليه.
ولكم أدهش الأمير المغربي مولاي هشام المستمعين إليه حين سقط في تناقض واضح وصارخ بين ماكان يقوله يوم الإثنين في برنامج "كلمات متقاطعة" من أن الثورة لن تستثني أي بلد عربي, قبل أن يقول في نهاية الحلقة "في المغرب سيكون هناك تطور ولن تكون هناك ثورة". الوزير الفرنسي لولوش التقط في نهاية الحلقة هذا التناقض الإرادي الذي فضل الأمير السقوط فيه, وقال لمولاي هشام "حسن جدا سموكم, في كل الدول سنكون هناك ثورات إلا في المغرب فسيكون هناك تطور, هذا أفضل لأننا نحتفظ بعلاقات جد طيبة مع المملكة".
لولوش كان يعرف لماذا قال تلك الكلمات بتلك الطريقة الساخرة للأمير, في الوقت الذي كان الأمير غير قادر على الهروب إلى الشعار الآني الشهير "الشعب يريد" بكل بساطة لأن الشعب هنا لم يكلفه بقول شيء, ولأن سموه يعرف أفضل من الآخرين أنه من الصعب بل المستحيل أن تقول اليوم إن الشعب يريد شيئا محددا دون أن تكون كاذبا. فمشكلة شعوبنا الكبرى اليوم هي أن الكل يقول إنها تريد شيئا ما لكن ولا أحد من الذين يتحدثون باسمها كلف نفسه عناء سؤال الشعب جديا : ماذا تريد أيها الشعب؟
الكل يخشى طرح السؤال حقا لأن الإجابة ستكون صادمة لنا جميعا. عوضها نفضل كلنا الهروب إلى ترديد الشعار باسم الشعب زورا وبهتانا دون أن نضع في اعتبارنا أننا إذا واصلنا سيخرج علينا الشعب يوما لكي يقول لنا بالعربية تاعرابت "الشعب يريد إخراس كل الأفواه التي تتحدث باسمه دون أن يطلب منها ذلك". وهذا اليوم لن يتأخر كثيرا في الوصول, ومن يرد الرهان فالمجال مفتوح أمامه بكل اطمئنان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعض حلقات البرنامج المسمى "حوار" هي التجسيد الأمثل لكل مانقوله باستمرار عن أزمة السياسة في المغرب: غياب أي قيمة فعلية لمايقال في الحصة التلفزيونية, استضافة لأسماء بدون حضور في الساحة واستجابة فقط لمنطق تناوب على الظهور التلفزي لا معنى له بين الأحزاب, انفصال تام عن مناقشة مايهم الناس وانخراط غبي للغاية في نقاشات عن انتخابات قال المغاربة باستمرار إنها لم تعد تهمهم مادامت تأتي بنفس الكائنات الانتخابية التي يعاديها شعبنا منذ القديم.
في الختام نتصور أن برامج من هذا النوع نجحت فعلا في هدفها: أن يكره الناس السياسة والسياسيين ومابينهما, وهذا حتى إشعار آخر "يعيقو فيه صحابنا" بأن الوقت تغير عنهم تماما

الشعب يريد...

الشعب يريد إسقاط الحكومة. هكذا ابتدأ الشعار في تونس عقب هروب زين العابدين بن علي, وتشكيل حكومة من بقايا نظامه, ثم تحول الشعار إلى "الشعب يريد إسقاط النظام" حين انتقلت العدوى إلى مصر, حيث حوله المصريون بسرعة إلى "الشعب يريد إسقاط الرئيس", نيشان ودون مواربة. الشعار ليس معقدا للغاية, بل هو بسيط جدا لكنه معبر للغاية ويقول كل شيء في عبارة من أربع كلمات لاتتطلب لحنا صعبا للحفظ, ولا تريد إلا بضع ثوان من أجل التمكن من ضبطها نهائيا.
الشعب يريد في الحقيقة أشياء كثيرة, لكن من يستطيع اليوم أن يقول لنا مايريد ه الشعب حقا؟ الكثرة الغالبة اليوم تقول إنها تعرف جيدا ماتريده شعوبنا, وتحدده في إسقاط كل الحاكمين والبدء من "الزيرو" من جديد. المسألة تبدو صعبة للغاية خصوصا وأن الشعب الذي يقال لنا اليوم إنه يريد, وأنه أضحى قادرا على فرض مايريدو هو شعب مشكل من طبقات شتى فيه قلة قليلة تقن تمييز الأمور عن بعضها, وفيها نصيب وافر من الناس _ ولا عيب في ذلك على الإطلاق بل هو العيب ذاته _ علاقتها بالقراءة والثقافة والوعي السياسي منعدمة, ما يمنعها من تشكيل أي قرار مستقبلي كبير لبلدانها بشكل يمكن الاطمئنان إليه.
لذلك من الصعب فعلا أن نقول اليوم إن الشعب يريد بوعي هذه الأمور التي يقول إنه يريدها. ولنطمئن بسرعة بعض الأذكياء ممن يقرؤون بين السطور أكثر من اللازم. نحن لانريد إطفاء أي ثورة كانت, فهذا ليس دورنا, ولا نريد أن نحبط العزائم, فهي محبطة "من عند الله", ولا تحتاج ليد المساعدة منا, خصوصا وأننا نعتقد جازمين أن على الصحافي أن يضع مسافة فعلية بينه وبين كل مايقع الآن وأن لايتحول مثل بعض مناضلي الساعة الخامسة والعشرين إلى منظرين للفوضى القادمة على أجنحة كثير من الجهل المحيط بنا من كل مكان.
مانريد قوله هو أنه لايمكنك أن تطلق الجموع غير الواعية في الشارع وأن توهمها بأنها ستحقق ثورات الديمقراطية الأخيرة, وأن ترتاح وأنت تردد الشعب يريد إسقاط النظام. الأمر أشبه مايكون بجريمة أخرى إضافية نرتكبها في حق أمة ارتكبت في حقها الكثير من الجرائم مذ السنوات العديدة, بدءا من جرائم التفقير التي مورست في حق أبنائها مقابل اغتناء حفنة صغيرة على حسابهم, مرورا بجريمة التجهيل التي يمكن اعتبارها السبب الرئيس في كل مايقع اليوم لنا من نكبات يومية, ووصولا طبعا إلى جريمة القمع التي جعلت العرب آخر الأجناس الموجودة على الأرض في مجال حرية التعبير والتفكير.
الجريمة الجديدة هي جريمة "الشعب يريد". فمن يصورون لنا اليوم مايقع في دولنا باعتباره مجرد انعكاس لإرادة الشعوب يجروننا من حيث يدرون أو لايدرون إلى هاوية من نوع جد متقدم, يريدون بها, المراهنة على الفوضى من أجل إيجاد أمكنة لأنفسهم. هم لايضعون في الاعتبار أن أمما مثل أممنا تضع الجهل عن يمينها والتطرف عن يسارها لايحق لها أن تغامر هذه المغامرة القاتلة. هم يفكرون فقط فيما يمكن أن يحمله لهم هذا الرهان من مكتسبات شخصية هي في النهاية بالنسبة لهم أفضل من بقاء الوضع على ماهو عليه.
ولكم أدهش الأمير المغربي مولاي هشام المستمعين إليه حين سقط في تناقض واضح وصارخ بين ماكان يقوله يوم الإثنين في برنامج "كلمات متقاطعة" من أن الثورة لن تستثني أي بلد عربي, قبل أن يقول في نهاية الحلقة "في المغرب سيكون هناك تطور ولن تكون هناك ثورة". الوزير الفرنسي لولوش التقط في نهاية الحلقة هذا التناقض الإرادي الذي فضل الأمير السقوط فيه, وقال لمولاي هشام "حسن جدا سموكم, في كل الدول سنكون هناك ثورات إلا في المغرب فسيكون هناك تطور, هذا أفضل لأننا نحتفظ بعلاقات جد طيبة مع المملكة".
لولوش كان يعرف لماذا قال تلك الكلمات بتلك الطريقة الساخرة للأمير, في الوقت الذي كان الأمير غير قادر على الهروب إلى الشعار الآني الشهير "الشعب يريد" بكل بساطة لأن الشعب هنا لم يكلفه بقول شيء, ولأن سموه يعرف أفضل من الآخرين أنه من الصعب بل المستحيل أن تقول اليوم إن الشعب يريد شيئا محددا دون أن تكون كاذبا. فمشكلة شعوبنا الكبرى اليوم هي أن الكل يقول إنها تريد شيئا ما لكن ولا أحد من الذين يتحدثون باسمها كلف نفسه عناء سؤال الشعب جديا : ماذا تريد أيها الشعب؟
الكل يخشى طرح السؤال حقا لأن الإجابة ستكون صادمة لنا جميعا. عوضها نفضل كلنا الهروب إلى ترديد الشعار باسم الشعب زورا وبهتانا دون أن نضع في اعتبارنا أننا إذا واصلنا سيخرج علينا الشعب يوما لكي يقول لنا بالعربية تاعرابت "الشعب يريد إخراس كل الأفواه التي تتحدث باسمه دون أن يطلب منها ذلك". وهذا اليوم لن يتأخر كثيرا في الوصول, ومن يرد الرهان فالمجال مفتوح أمامه بكل اطمئنان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعض حلقات البرنامج المسمى "حوار" هي التجسيد الأمثل لكل مانقوله باستمرار عن أزمة السياسة في المغرب: غياب أي قيمة فعلية لمايقال في الحصة التلفزيونية, استضافة لأسماء بدون حضور في الساحة واستجابة فقط لمنطق تناوب على الظهور التلفزي لا معنى له بين الأحزاب, انفصال تام عن مناقشة مايهم الناس وانخراط غبي للغاية في نقاشات عن انتخابات قال المغاربة باستمرار إنها لم تعد تهمهم مادامت تأتي بنفس الكائنات الانتخابية التي يعاديها شعبنا منذ القديم.
في الختام نتصور أن برامج من هذا النوع نجحت فعلا في هدفها: أن يكره الناس السياسة والسياسيين ومابينهما, وهذا حتى إشعار آخر "يعيقو فيه صحابنا" بأن الوقت تغير عنهم تماما

الشعب يريد...

الشعب يريد إسقاط الحكومة. هكذا ابتدأ الشعار في تونس عقب هروب زين العابدين بن علي, وتشكيل حكومة من بقايا نظامه, ثم تحول الشعار إلى "الشعب يريد إسقاط النظام" حين انتقلت العدوى إلى مصر, حيث حوله المصريون بسرعة إلى "الشعب يريد إسقاط الرئيس", نيشان ودون مواربة. الشعار ليس معقدا للغاية, بل هو بسيط جدا لكنه معبر للغاية ويقول كل شيء في عبارة من أربع كلمات لاتتطلب لحنا صعبا للحفظ, ولا تريد إلا بضع ثوان من أجل التمكن من ضبطها نهائيا.
الشعب يريد في الحقيقة أشياء كثيرة, لكن من يستطيع اليوم أن يقول لنا مايريد ه الشعب حقا؟ الكثرة الغالبة اليوم تقول إنها تعرف جيدا ماتريده شعوبنا, وتحدده في إسقاط كل الحاكمين والبدء من "الزيرو" من جديد. المسألة تبدو صعبة للغاية خصوصا وأن الشعب الذي يقال لنا اليوم إنه يريد, وأنه أضحى قادرا على فرض مايريدو هو شعب مشكل من طبقات شتى فيه قلة قليلة تقن تمييز الأمور عن بعضها, وفيها نصيب وافر من الناس _ ولا عيب في ذلك على الإطلاق بل هو العيب ذاته _ علاقتها بالقراءة والثقافة والوعي السياسي منعدمة, ما يمنعها من تشكيل أي قرار مستقبلي كبير لبلدانها بشكل يمكن الاطمئنان إليه.
لذلك من الصعب فعلا أن نقول اليوم إن الشعب يريد بوعي هذه الأمور التي يقول إنه يريدها. ولنطمئن بسرعة بعض الأذكياء ممن يقرؤون بين السطور أكثر من اللازم. نحن لانريد إطفاء أي ثورة كانت, فهذا ليس دورنا, ولا نريد أن نحبط العزائم, فهي محبطة "من عند الله", ولا تحتاج ليد المساعدة منا, خصوصا وأننا نعتقد جازمين أن على الصحافي أن يضع مسافة فعلية بينه وبين كل مايقع الآن وأن لايتحول مثل بعض مناضلي الساعة الخامسة والعشرين إلى منظرين للفوضى القادمة على أجنحة كثير من الجهل المحيط بنا من كل مكان.
مانريد قوله هو أنه لايمكنك أن تطلق الجموع غير الواعية في الشارع وأن توهمها بأنها ستحقق ثورات الديمقراطية الأخيرة, وأن ترتاح وأنت تردد الشعب يريد إسقاط النظام. الأمر أشبه مايكون بجريمة أخرى إضافية نرتكبها في حق أمة ارتكبت في حقها الكثير من الجرائم مذ السنوات العديدة, بدءا من جرائم التفقير التي مورست في حق أبنائها مقابل اغتناء حفنة صغيرة على حسابهم, مرورا بجريمة التجهيل التي يمكن اعتبارها السبب الرئيس في كل مايقع اليوم لنا من نكبات يومية, ووصولا طبعا إلى جريمة القمع التي جعلت العرب آخر الأجناس الموجودة على الأرض في مجال حرية التعبير والتفكير.
الجريمة الجديدة هي جريمة "الشعب يريد". فمن يصورون لنا اليوم مايقع في دولنا باعتباره مجرد انعكاس لإرادة الشعوب يجروننا من حيث يدرون أو لايدرون إلى هاوية من نوع جد متقدم, يريدون بها, المراهنة على الفوضى من أجل إيجاد أمكنة لأنفسهم. هم لايضعون في الاعتبار أن أمما مثل أممنا تضع الجهل عن يمينها والتطرف عن يسارها لايحق لها أن تغامر هذه المغامرة القاتلة. هم يفكرون فقط فيما يمكن أن يحمله لهم هذا الرهان من مكتسبات شخصية هي في النهاية بالنسبة لهم أفضل من بقاء الوضع على ماهو عليه.
ولكم أدهش الأمير المغربي مولاي هشام المستمعين إليه حين سقط في تناقض واضح وصارخ بين ماكان يقوله يوم الإثنين في برنامج "كلمات متقاطعة" من أن الثورة لن تستثني أي بلد عربي, قبل أن يقول في نهاية الحلقة "في المغرب سيكون هناك تطور ولن تكون هناك ثورة". الوزير الفرنسي لولوش التقط في نهاية الحلقة هذا التناقض الإرادي الذي فضل الأمير السقوط فيه, وقال لمولاي هشام "حسن جدا سموكم, في كل الدول سنكون هناك ثورات إلا في المغرب فسيكون هناك تطور, هذا أفضل لأننا نحتفظ بعلاقات جد طيبة مع المملكة".
لولوش كان يعرف لماذا قال تلك الكلمات بتلك الطريقة الساخرة للأمير, في الوقت الذي كان الأمير غير قادر على الهروب إلى الشعار الآني الشهير "الشعب يريد" بكل بساطة لأن الشعب هنا لم يكلفه بقول شيء, ولأن سموه يعرف أفضل من الآخرين أنه من الصعب بل المستحيل أن تقول اليوم إن الشعب يريد شيئا محددا دون أن تكون كاذبا. فمشكلة شعوبنا الكبرى اليوم هي أن الكل يقول إنها تريد شيئا ما لكن ولا أحد من الذين يتحدثون باسمها كلف نفسه عناء سؤال الشعب جديا : ماذا تريد أيها الشعب؟
الكل يخشى طرح السؤال حقا لأن الإجابة ستكون صادمة لنا جميعا. عوضها نفضل كلنا الهروب إلى ترديد الشعار باسم الشعب زورا وبهتانا دون أن نضع في اعتبارنا أننا إذا واصلنا سيخرج علينا الشعب يوما لكي يقول لنا بالعربية تاعرابت "الشعب يريد إخراس كل الأفواه التي تتحدث باسمه دون أن يطلب منها ذلك". وهذا اليوم لن يتأخر كثيرا في الوصول, ومن يرد الرهان فالمجال مفتوح أمامه بكل اطمئنان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعض حلقات البرنامج المسمى "حوار" هي التجسيد الأمثل لكل مانقوله باستمرار عن أزمة السياسة في المغرب: غياب أي قيمة فعلية لمايقال في الحصة التلفزيونية, استضافة لأسماء بدون حضور في الساحة واستجابة فقط لمنطق تناوب على الظهور التلفزي لا معنى له بين الأحزاب, انفصال تام عن مناقشة مايهم الناس وانخراط غبي للغاية في نقاشات عن انتخابات قال المغاربة باستمرار إنها لم تعد تهمهم مادامت تأتي بنفس الكائنات الانتخابية التي يعاديها شعبنا منذ القديم.
في الختام نتصور أن برامج من هذا النوع نجحت فعلا في هدفها: أن يكره الناس السياسة والسياسيين ومابينهما, وهذا حتى إشعار آخر "يعيقو فيه صحابنا" بأن الوقت تغير عنهم تماما

الأربعاء، 9 فبراير 2011

الفنانون والثورة

بين عمرو واكد الذي كان أول المساندين لثورة الفل في مصر, ومحسنة توفيق التي استعادت هذه الأيام دورها في الفيلم الخالد "العصفور", وبين صراع خالد يوسف وغادة عبد الرازق بين معارضة النظام ومساندته, يبرز دور الفنان المصري في الأحداث التي تعرفها أرض الكنانة في الآونة الأخيرة بشكل جد هام. الأمر ليس مستغربا, فمصر هي أكبر تجمع فني عربيو وهي البلد الذي يستطيع الادعاء أنه يتوفر في كل حي على فنان أو أكثر بالنظر إلى المسيرة الفنية المصرية الطويلة التي أسستها أسماء أصبح المشاهد العربي في كل مكان من عالمنا يحفظ أسماءها وأعمالها عن ظهر قلب.
مواقف الفنانين المصريين كانت الأكثر انتظارا من طرف الجميع, خصوصا وأن نظام مبارك دأب على التعامل مع الفن المصري تعاملا براغماتيا نفعيا مؤسسا على لقاء سنوي دائم مع ممثلي الساحة الفنية, وتبن كامل لأفراحها وأتراحها, وقيام بأعباء الفنانين المرضى أو الفقراء مما تكلف به علاء مبارك عوضا عن والده تاركا لجمال الاستعداد لرئاسة يبدو أنها لن تأتي أبدا. انتظار لم يطل طويلا, فبسبب الوعي السياسي المتقدم لدى الفنان المصري, وبسبب تخرج أغلبهم من الجامعات أو المعاهد المتخصصة في التمثيل التي تفرض دراسة أربع سنوات بعد الباكالوريا أو الثانوية العامة مثلما يسميها المصريون, يندر أن تجد فنانا وحيدا لايحتفظ بموقف سياسي خاص به, مبني على معرفة حقيقية, وعلى اطلاع واسع بما يجري في الساحتين الإقليمية والوطنية.
بل نجد في مصر عددا كبيرا من الفنانين الذين لم يسبق لهم أن ولجوا قاعات الدراسة مثل شعبان عبد الرحيم أو غيره ممن يحرصون على تقديم مواقف سياسية _ تسقط أغلب الأحايين في الكاريكاتير_ لكنها تظل على كل حال مواقف تعني التفاعل مع مايعيشه المجتمع من فورات وثورات. لذلك كان عاديا اليوم أن نجد الفنان المصري في مقدمة الصفوف سواء المؤيدة أو المعارضة للنظام وأن نسمع أراء موغلة في التسييس من طرف هؤلاء تساند ثورة الشباب بشكل عنيف وغير ملتبس مثل آسر ياسين الذي أقسم أنه لن يعود إلى التمثيل أبدا إلا إذا رحل مبارك, أو تصطف إلى جانب بقايا النظام وتعتبر أن ماقدمه الرئيس طيلة السنوات الثلاثين التي حكم خلالها بر المحروسة تفرض إخراجه بشكل غير مهين من الحكم مثل نقيب الفنانين أشرف زكي وزوجته روجينا وغير قليل من الفنانين الآخرين الذين اقتنعوا أو أقنعتهم جهة ما بهذا التوجه في هذا الذرف بالتحديد.
ونحن نتأمل المشهد الفني المصري في تفاعله مع مايقع في بلده, لايمكننا إطلاقا أن نقفز على مشهدنا الفني المحلي الذي نعرف أن علاقته بالسياسة تقف عند حدود سهرات الداخلية بالصيغة القديمة أو الجديدة, ولا تتجاوز هذا الحد لأن الفنان لدينا يعتبر أنه مجرد مسل للجموع, قد يقدم لها أغنية أو مسرحية أو عملا سينمائيا دون أن يفكر في تجاوز تقديم دوره الفني إلى القيام بدور تعبوي ينتهز شعبيته لدى الناس لكي يوصل إليهم رسائل أخرى أعمق بكثير من تلك التي قد تظهر من عمله مجردا.
الأمر في مصر لم ينتظر ثورة الشباب الحالية لكي يتمظهر, لئلا يقول لنا أحد إن مايقع لدى المصريين هو أمر جلل يفرض التعامل معه من طرف الكل فنانين أو غيير فنانين. ففي تلك البلاد جرت سنة الفن في أهله أن يكون لهم جميعا موقف مما يجري, عكس ماجرت عليه سنة الفن في خلقه المغاربة الذين جبلوا على الابتعاد عن "صداع الراس" الذي يعني السياسة بالمغربي, وتعودوا على الاستجابة فقط للدعوات التي يقف وراءها النافذون أو الأقوياء ممن يمكن أن يفتحوا لك باب تلفزة هنا, أو ييسروا لك أمر الحصول على مشروع هناك.
الأمر يمتد لكي يتجاوز الجانب الفني لهؤلاء لكي ينعكس على تصور الناس لهؤلاء الفنانين. ذلك أنه يندر أن تجد فنانين يحترمهم الجمهور المغربي لوعيهم السياسي والفكري العميق, ولانخراطهم في بعض من معارك هذا الشعب عن اقتناع, وهذا في الغالب الأعم, إذ لايجوز أن نعتد بالقلة القليلة ممن أثر اهتمامها السياسي على عملها الفني إلى أن أصبحت غير قادرة على ممارسة الفن نهائيا, بل تحولت إلى احتراف سياسي معيب. الحديث هنا هو عن الحفاظ على تلك الشعرة الرقيقة التي تفصل بين التزام الفنان بفنه, واحترامه لكل الفئات والمواقف التي قد تتشكل لدى كل جماهيره, وبين إيمانه بأفكار معينة تفرض عليه في لحظة من اللحظات أن يتجرد من حياده المزعوم وأن يعلن انتصاره لهذه الجهة أو تلك حسبما تفرض عليه مبادئه إذا ماكانت لديه مبادئ طبعا.
لكن وعندما نتأمل نوع الفن الذي يتم تشجيعه من طرف الرسميين, وعندما نلتفت إلى سهرات تلفزيوننا الأسبوعية باعتبارها التمظهر الأبرز لفنوننا, ونجد أن الأغنية الأكثر مرورا هي أغنية "آحا حا" التي يرددها كل مغنيي الشعبي دون أن نفهم نحن معناها, نستوعب شيئا واحدا أساسيا في كل هذا الموضوع, هو أن الشعب الذي يرقص على أغنية كلماتها تقول "آحا حا" هو شعب لايحتاج فنانين يكسرون له دماغه بأي حديث عن السياسة, أو مثلما قال الآخر رعاه الله لفنه وموهبته "أزيد سطير, تعيش مخير, آشعيبة شعيبة, ديما مبوق, وكاع مامسوق". رائع دون حاجة لأي إطناب.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
حلقة أخرى متميزة من "العاشرة مساء" لمنى الشاذلي, قدمتها مساء الإثنين, استضافت خلالها وائل غنيم الشاب الذي صنع الحدث باختطافه من طرف السلطات المصرية, والذي أجهش بالدموع عندما رأى صور الشهداء الذين سقطوا في ميدان التحرير, قبل أن يغادر الاستوديو على الهواء مباشرة, وقبل أن تحكي منى الشاذلي ماعانته مع وزير الإعلام أنس الفقي خلال الأيا م الأولى للثورة, حين فرض عليها أن تقول إن عدد المتظاهرين بالعشرات في ميدان التحرير عوض أن تقول إن الآلاف تملأ الميدان.
باختصار حلقة مصرية جديدة في حدث سينتهي قريبا لكنه طبع الزمان المصري والعربي إلى آخر الأيام بميسمه الخاص جدا

الثلاثاء، 8 فبراير 2011

النزول إلى الشارع

بعد جمعة الغضب، وجمعة الرحيل وآحد الشهداء، يبدو أن المصريين ملزمون بالبحث عن أسماء مبتكرة جديدة لثورتهم في ميدان التحرير خصوصا في ظل المتغيرات الكثيرة التي حدثت منذ أن اندلعت شرارة هذه الأحداث في أرض الكنانة يوم الخامس والعشرين من يناير الفارط، وحتى اللحظة التي تكتب فيها هذه الأسطر نفسها، والتي لايعرف أحد ما الذي سيحدث بعد كتابتها بقليل
علينا الاعتراف أن ماقام به الشباب في مصر هو أكبر من المتوقع وأن سقف مطالبهم فاق تفاؤل أكبر ثوري فينا، وأنهم حركوا العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه, وأن مفعول ثورة الياسمين في تونس ساعدهم على أن يعطوا دفقا كبيرا لحركتهم.
علينا الاعتراف أيضا أن ماوقع في أرض الكنانة حرك كثير الأشياء النائمة في بلاد العرب, وأن وقعه كان أكبر من وقع ماحدث في تونس, بالنظر لقيمة مصر في الوطن العربي, وبالنظر لحجمها وتأثيرها وكل ما تحتفظ به من علاقات متينة مع كل الدول العربية التي وإن رأت فيها الشقيقة المتعالية حينا, فإنها لاتزيل عنها صفة الكبرى, مايجعل كل الأعين والآذان تتوجه اليوم إلى القاهرة وبقية محافظات مصر لمعرفة علام سترسو الأمور.
علينا ثالثا الاعتراف أن العالم العربي المريض والنائم كان بحاجة لرجة من هذا النوع, تزيل عن حكامه وهم الاستقرار الكاذب, تعيد لشعوبه بعضا من أمل في التحرر, تسائل المثقفين الذين غابوا عن الشارع وأصبحوا أكبر من أن ينزلوا إليه, تعيد خلخلة كل اليقينيات التي يبدو أننا تسرعنا جميعا في الارتكان إليها واعتبارها قضاء وقدرا.
كل هذا جميل, ويبشر بأن الموت لم يعرف طريقه بالكامل لأمة العربان هاته, وبأن الأجيال الجديدة والرهان الدائن عليها هما في نهاية المطاف الشيء العاقل الوحيد الذي يمكن للمرء أن يقوم به داخل هذه الأمة المسطولة, لكن هناك دائما لكن مع هذه البلاد. وهذه "اللكن" ضرورية, ولا ينفع معها أن ننجر وراء الحماس لكي ننسى وضع الأسئلة الحقيقية لكل ماجرى ويجري الآن في الميدان, ميدان التحرير, لكن بقية الميادين العربية الأخرى المنتظرة لدورها بكل تأكيد كل حسب الحالة ودرجة استفحالها.
من قام بالثورة في مصر اليوم؟
البعض يقول شباب الفيسبوك. الأمر جميل من الناحية النظرية لكنه غير قابل للتطبيق من الناحية العلمية. الثورة دعا إليها على شكل مظاهرات بدائية في الأول شباب الأنترنيت, ثم تلقفها الشارع المصري بكل أطيافه, وبكل الراغبين في صنع شيء فيه, ثم أصبحت على امتداد الأيام صراعات مختلفة ومتنوعة بين تيارات عديدة إلى أن انتهت في يد التيار الأكثر تنظيما اليوم في الشارع المصري, وهو تيار الإخوان المسلمين.
البعض اعتبرها مجرد استعراض للقوة من طرف الإخوان.هم يعرفون أن الظرف ليس لهم, وأن منطق المغالبة الذي يضعونه في المرحلة الأخيرة من برنامجهم السياسي لم يصل بعد, لذلك لامفر من تفعيل المرتبة التي تسبقه أي منطق المشاركة.
غير أن مشاركة اليوم في مصر تختلف عن مشاركة ماقبل 2005. لايتعلق الأمر الآن بتقديم مائة نائب إخواني إلى انتخابات مجلس الشعب, لا, الكعكة أكبر بكثير هذه المرة. فنظام مبارك بالشكل القديم الذي كان عليه انتهى نهائيا. الحزب الوطني يلفظ أنفاسه الأخيرة. جمال لن يرث مصر, وأغلب القيادات السياسية المؤهلة لتولي منصب الرئاسة في المرحلة المقبلة هي قيادات فوق الستين, مايعني أن الاستقرار لن يعرف طريقه إلى بر المحروسة في القريب العاجل.
إذن هناك إمكانية للعب لعبة أكبر, وهو ماقام به تيار الإخوان المسلمين حين ميز نفسه من بين كل فعاليات ميدان التحرير, من خلال تنظيمه أولا, من خلال مواجهته للهجوم على الميدان ثانيا, ومن خلال رفضه الحوار في مرحلة أولى ثالثا.
الكل كان يعرف أن الإخوان سيشاركون في الحوار لأنها فرصتهم الأخيرة للجلوس ووضع بعض الشروط على الدولة في مصر, لكنهم كانوا ملزمين برفض هذا الحوار في مرحلة أولى لكي يوصلوا الرسالة إلى "ماما أمريكا" التي ترعى كل هذا الذي يجري الآن في المنطقة أنهم يريدون "قطعة أكبر من الكعكة", وهو الأمر الذي سيكون لهم بكل تأكيد بالنظر إلى كل ماحدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير.
نعود الآن إلى شباب الفيسبوك الذين أراد البعض تحميلهم مالاطاقة لهم به. أجمل شيء في صرخة هذا الجيل الجديد أنها صرخة وصلت إلى كل الآذان. حقيقة, التلقي اختلف بين الجهات والمصالح والمراد من الإنصات, لكن جيل اليوم أوصل رسالته التي قوامها : أننا تعبنا من عد الإنصات إلينا, وأن المستقبل ينبغي أن يضع في حسابه هذه الفئة الغالبة عدديا, غير الموجودة نهائيا في أي مخطط سياسي في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه.
ليس هناك تأطير سياسي لهذه الفئة, هذه حقيقة, ثبتت مجددا في أحداث مصر. ليس هناك تكوين سياسي فعلي, هذه أيضا حقيقة, وليست هناك قيادة موحدة لهذه الجموع الرقمية المنتشرة وراء الحواسيب, هذه هي الحقيقة الثالثة. لكن الحقيقة التي ستظل ملتصقة بهذا التاريخ إلى الأبد هي أن هؤلاء الصغار استطاعوا الدفع نحو فعل ماظل يخشاه العدد العديد من الكبار: النزول إلى الشارع, لكن بأي ثمن؟ ومن سيؤدي الفاتورة الختامية في نهاية المطاف؟ ذلك هوالسؤال المؤجل جوابه إلى حين.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
محمد حسنين هيكل الذي يقدم نفسه الآن باعتباره المساند الأكبر لثورة شباب مصر هو أكبر رمز لنظام مصر منذ 1952, وهو من أطلق على هزيمة 67 إسم النكسة الذي اشتهرت به, وكان المصريون يقولون في النكتة إن "هيكل بيدلع الهزيمة وبيسميها النكسة", وهو من ظل باستمرار مثقف النظام المصري قبل أن يكتشف أن الموجة اليوم تحتاج كلاما آخر يقال عبر "الجزيرة".
رعى الله بخير أحمد فؤاد نجم الذي كتب عن الأستاذ ميكي قبل هذا الزمن بكثير
في رائعته الشهيرة التي مطلعها " بصراحه يا أستاذ ميكى
انك رجعى وتشكيكى
قاعد لامؤاخذة تهلفط
وكلامك رومانتيكى
" لكن الزمن أراد هذه الانقلابات الخطيرة في كل شيء.

الاثنين، 7 فبراير 2011

الشعب مع الملك

هناك موضوع نحاذر جميعا من تلمسه هذه الأيام في بلدنا, محوره الأساس : هل سيقع لدينا في المغرب نحن أيضا ماوقع لدى التونسيين والمصريين؟ لحد الآن تمت ملامسة الموضوع بسطحية خرافية, إذ أن هناك جهتين تحاولان الاقتراب منه وفق مصلحتيهما معا. الجهة الأولى مأجورة من بعض نافذي الخارج الذين اختاروا لأنفسهم مسارا متفردا عن المسار العام للبلد منذ 1999, والجهة الثانية جهة مدافعة عن بقاء الوضع على ماهو عليه لأنها مستفيدة منه, و"أصحاب الحال" يطلبون منها أن تقول هذا الكلام الآن.
علينا أن نكون صرحاء جدا في هذه اللحظة العصيبة التي تمر منها المنطقة. الجهتان معا لاتمثلان الشعب المغربي. كل واحدة منهما تمثل نفسها "وبالسيف", مايعني أنهما معا غير مخولتين للحديث بسام شعبنا نهائيا, ومايفعلانه معا يشبه عملية سرقة الثورة التي تدور حاليا في تونس ومصر, مع فارق بسيط للغاية هو أننا نحن لم نبلغ بعد مرحلة الثورة, بل نحيا لحظة الخوف من عدواها فقط.
الجهة الأولى يعرفها الجميع وإن كانت الأغلبية تتحاشى الحديث عنها. جبهة داخلية خارجية تشكلت على امتداد العشرية الأخيرة, كانت في البدء أكثر المتحمسين لكل ماسيقع في البلد, وكانت تدفع في اتجاه إفهام شعبنا أن كل شيء على مايرام فقط لأنها كانت قريبة حينها من النظام, وكانت تنوي تصدر المشهد السياسي, وكانت ترى في نفسها أهلية قيادة ماسيقع في البلد من تطورات. هذه الفئة حين أحست بأن البساط سحب من تحت قدميها لجأت إلى النقيض الكامل لما كانت تقوله وتدعيه في البدء وأصبحت أشرس أعداء كل مايقع في المغرب من تطورات.
هناك فئة أخرى تحلقت حول إسم معين. هي تقول إنها ترفض عبادة الشخصية في المغرب, وتريد ملكية ديمقراطية حقيقية لكنها يف الوقت ذاته تتحلق حول شخصيتها الخاصة بها وتحلم بيوم لايشاطرها إياه الشعب المغربي نهائيا تستطيع أن تدفع بهذه الشخصية إلى مصاف أخرى غير مصاف الدراسة والبحث العلميين والإنسانيين في أمريكا والنواحي.
ثم هناك فئة ثالثة أضاعت مسارها السياسي كلها وبقيت على الهامش منذ البدء وحتى النهاية, وهذه الفئة لاتملك إلا معارضة كل شيء لأنها مستحيلة التموقع في أي إصلاح معقول في البلد, بسبب عدم قدرتها على مجاراة ماحمله العصر من متغيرات, وبسبب انعدام أي شعبية لها في المجتمع المغربي, وهي تلتقي في هذه النقطة بالتحديد (نقطة انعدام الشعبية مع الفئتين الساابقيتن: فئة الطماعة الذين انقلبوا وفلئة المتحلقين حول الشخصية إياها).
نأتي الآن إلى مكونات الجبهة الأخرى: فيها طبعا الخائفون على مصالحهم من مراكز قوى نافذة أكلت كل شيء في البلد في العقدين الأخيرين, وفيها الأحزاب السياسية التي لم تراهن يوما على الشعب وراهنت على الاقتراب من الماسكين بزمام السلطة باستمرار, وفيها العائلات المتنفذة التي تعتقد أن أي تغيير ديمقراطي كبير سيجلب عليها النقمة, وسيزيل عنها كل ما راكمته منذ عديد السنوات, وفيها المكلفون بمهمة الذين يقال لهم "دافعوا" دون أن يفهموا فينطلقون في الدفاع تماما مثل بلطجية الحزب الوطني في مصر مع فارق بسيط أيضا هو أن هؤلاء لن يستطيعوا في يوم من الأيام أن يمروا إلى الضرب بالحجارة والطوب لأنهم في الأصل وقبل وبعد كل الأشياء جبناء باالسليقة.
نأتي الآن إلى الجهة الثالثة بين الجهتين: الشعب المغرب. وهذه الجهة تنسى الفئة الأولى المنشغلة في صالوناتها الكبرى ونظرياتها الضخمة أن تتذكرها, مثلما ينسى المدافعون عن مصالحهم أن يلتفتوا جهتها, لذلك تظل وحيدة وغير مسموعة الصوت. والمفارقة هي أن هذه الجهة هي التي ينبغي أن ينصت إليها الجميع الآن في ظل كل هذا الذي يقع بيننا وأمام أعيننا الآن.
هذه الجهة في ظل عدم اكتراث المتقاتلين على مصالحهم بها, تجد أن الملاذ الوحيد المتبقي لها في البلد, دون أدنى نفاق هو الملك, وتفهم أن جلالته منذ لحظة البدء الأولى أتى لكي يصلح كل المصائب التي اقترفتها الجهتان معا على امتداد تاريخ المغرب, وعلى اختلاف الوجوه التي شكلت الضفتين معا. لذلك يضع الشعب المغربي اليوم كل رهانه على اللحمة الوحيدة الممكنة في البلد, تلك التي ستجمع الملك بشعبه في وجه كل الراغبين في الوصول إلى أهداف غير التي يعلنون عنها الآن وفي وجه الراغبين في إدامة زمن الأزمة أو الأزمات التي يحياها المغربي منذ سنوات.
الرهان الوحيد الذي يراهن عليه المغربي البسيط ليس رهانا على شخصية ما توزع المال يمنة ويسرة على الصحافيين وبعض الفاعلين المدنيين لكي يطبلوا لها ويخيفوا بها الماسكين بزمام الأمور, وليس رهانا على بقاء طبقة سياسية مترهلة أثبت الزمن أنها لم تعد تصلح لشيء.
رهان مغربنا اليوم هو على أن يستطيع شبابه إفراز قيادة جديدة من بين أوساطه, لاترتبط بأي أجندة كيفما كان نوعها اللهم الأجندة المغربية, وتلتقي برغبة الملك في مواصلة الإصلاح الكبير الذي بدأه منذ 1999, وهو إصلاح أضخم من كل الذي يجري في العالم العربي كله الآن. وهذا الالتقاء هو طريقتنا لقطع الطريق على كل من يحلمون لنا بمغرب آخر على مقاس طموحاتهم الشخصية هم فقط لاأقل ولا أكثر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق

تحدث صلاح عيسى الكاتب الصحفي أول أمس عبر "الحياة" عن منطقي المشاركة والمغالبة في فكر الإخوان المسلمين على هامش الحديث الرائج اليوم عن إدماج هؤلاء بطريقة أو بأخرى في الحياة السياسية المصرية. عمرو أديب علق ساخرا على المشاركة وطلب ضمانات من الإخوان بأنهم لن يغيروا الشكل السياسي الذي قامت عليه جمهورية مصر العربية إنهم "مستعدون للقسم بالله الآن أن لايفعلوا شيئا من هذا, لكن بعد تمكنهم من الأمور, ستحدث بالتأكيد أمور".
المصريون يضعون اليد على القلب اليوم خوفا على أم الدنيا من أن تصبح أم الظلام. كان الله في عونهم وعونها

الأحد، 6 فبراير 2011

كيف تودع شعبك

درس واحد من بين الدروس الهامة التي يتلقاها الحاكم العربي قبل أن يصعد إلى السلطة, تنسى الجهات المكلفة بذلك أن تلقنه لبعض حكامنا, هو درس: كيف تودع شعبك في خمسة أيام دون معلم, وأساسا دون أن تضطر لقتل هذا الشعب المسكين, إما بالرصاص الحي, أو المطاطي أو في حالة أخرى أكثر استعصاء مثل الحالة المصرية, إلى قتله بالفقصة, وهو يراك متمسكا بأهذاب الكرسي مهما وقع.
وفي النظر الشعبي السديد اليوم, لابد لأمريكا, التي يبدو أنها هي التي تمنح قبعات التخرج الشهيرة للرؤساء العرب قبل أن تضعهم على الرقاب, أن تشرع من الآن فصاعدا في صنع مقررات دراسية جديدة للحكام تضمنها أولا وقبل كل شيء هذا الدرس المهم والأساسي, درس الوداع الأخير.
من الممكن اقتراح بعض الجذاذات مثلما يقول آخوتنا رجال التعليم وهم يهيئون دروسهم لتلاميذهم, بخصوص هذا الرس الجديد, وقد يكون شكلها على الآتي: النقطة الأولى في الدرس: التوقيت. على الحاكم العربي أن يحس بالزمن الذي يتعب فيه منه شعبه بالتحديد. فبسبب غياب أي شكل من أشكال انتخاب رؤسائنا في المنطقة, وبالتالي غياب ولايات محددة لبقاء هؤلاء على الصدور, كأن يتولى لخمس أو لأربع سنوات محددة قد تجدد مرة واحدة وكفى, يرجى من الحاكم العربي أن لايعتمد على حدسه نهائيا. فهذا الأخير سيقول له باستمرار إن الشعب يحبه ولايريد له الرحيل. كما يرجى من الحاكم أن لايعتمد على المحيطين بهو فهؤلاء ولأنهم المستفيدون الأوائل من بقائه سيقولون له دائما إن الشعب لن يمل من سيادته.
الأساسي في النقطة الأولى من هذا الدرس أن يصيخ الحاكم العربي السمع جيدا للشارع, وحين يسمع كلمة "إرحل" عليه أن يفهم أنها تعني الرحيل وليس أي شيء آخر. على الحاكم أيضا أن يحترس جيدا حين يسمع بعض المقربين منه يقولون له إنه من الضروري إدخال بعض الإصلاحات, وعليه أن يفهم على الفور أنهم لايريدون أن يقولوا له مباشرة إن الشعب سيزحف قريبا على قصر الرئاسة, وأن عليه أن يرسل "مدام والوليدات" إلى الخارج الآن ودون أي إبطاء.
النقطة الثانية في الدرس هي المكان. على الحاكم العربي, خصوصا في مثل هذه الأيام العصيبة التي تعبر منها أمتنا البلهاء, أن يحدد مكان إقامته جيدا, هو الذي تعود تحديد أماكن إقامة الناس الآخرين لكن في الاتجاه الآخر. تحديد الحاكم لمكان إقامته أساسي للغاية في السويعات العصيبة, فهو لاينبغي أن يبقطن في وسط البلد لأنه لن يجد طريقة للهروب السريع من هناك, ولا ينبغي أن يظل في قصره لأن المتوقع الأول هو أن الشعب الغاضب سيزحف على القصر الرئاسي أولا, وعليه ثانيا أن يضع الكثير من الكيروزين في طائرته الخاصة ثالثا, لأنه "الوقت والزمان هادا", وهو لايعرف متى ستعطيه مصالح مطار الرياض أو جدة إذن السماح بالنزول, وشعوبا العربية, رغم أنها لم تر من أغلب رؤسائها إلا كل شر, لاتريد لهم لحظة "الشليت" أن يموتوا في طائرة خلت من الوقود, وأن ينزلزا من عل مشتتين إلى الأرض. شعوبنا لديها رحمة على كل حال, وهي لاتتمنى موتا مشوها لأي كان مهما كان الذي فعله بها هذا الأي كان.
الدرس الثالث من دروس "كيف تودع شعبك", هو درس الطريقة. بن علي اختار الهروب بعد أن قال "فهمتكم", قبله اختار تشاوشيسكو درس العناد والمكابرة قبل أن ينتهي هو وزوجته عند جدار برأسين مثقوبين بالرصاص, الملك فارق في مصر اختار يوما أن يغادر وشنبه مرفوع إلى أعلى والجيش يضرب له الأحد والعشرين طلقة تشريفية "ديال غير سير بحالك", مبارك اليوم اختار التوديع بطريقة الخيول والجمال الرائعة, وهذا يعني أن هناك طرقا عديدة للفرار, مايفرض التوصل إلى طريقة موحدة تعفي الشعوب من متابعة أفلام سخيفة للغاية ينتهي أغلبها في الدماء .
أفضل من هذا التخبط, يمكن إقناع الحاكم العربي باختيار طريقة أبسط للغاية وأحفظ لكرامته هي أن يقبل على نفسه الكريمة إجراء انتخابات في بلده. والانتخابات ليس شيئا خطيرا للغاية, وليست كارثة إنسانية وليست أي شيء من هذا القبيل على الإطلاق. الانتخابات _ ونحن نورد هذا التعريف البسيط لها للحاكم العربي لأنه لايعرفها ولم يسبق له أن سمع بها _ هي صناديق زجاجية عديدة توضع في كل المدن التي تخضع لسلطة سيادته, ويقوم الرعاع التابعون لحكم فخامته بوضع أوراق صغيرة فيها تتضمن إسم "مسخوط الوالدين" الذين يريدون له أن يسوسهم للخمس سنين أو الأربع سنين المقبلة, وحين تنتهي هذه الأخيرة تتكرر هذه اللعبة "ونتا غادي".
"بالذمة" مثلما يقول المصريون, أليس الأمر أفضل من مشهد الجمال والخيول وهي تضحك العالم علينا وعلى عروبتنا البئيسة وعلى كل مانشترك فيه مع هذا العالم العربي المجنون حقا لا بالقول فقط؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
معلومات خطيرة كشف عنها تحقيق لقناة "تي إف 1" الفرنسية بخصوص سير الأمور داخل ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة. ميليشيات الإخوان هي التي تتحكم في كل شيء, حتى المستشفى المقام هناك, والذي تظهره لنا "الجزيرة" باعتباره عملا شعبيا هو مستشفى يديره الإخوان, الذين وصلت بهم الوقاحة حد فرض ارتداء الحجاب على طبيبة علمانية أتت لكي تساعد من اعتقدتهم شباب الثورة, قبل أن تجد نفسها أمام تنظيم سياسي يستغل اندفاع وحماس الصغار لكي يصل إلى هدف ظل يحلم به منذ أنشأه حسن البنا .
للأسف "الجزيرة" وعرباننا لايهتمون بهذه التفاصيل الصغيرة التي يختفي فيها الشيطان. لتحيا الثورة إذن, فهذا ماتريد سماعه الجموع.

السبت، 5 فبراير 2011

كيف تودع شعبك

درس واحد من بين الدروس الهامة التي يتلقاها الحاكم العربي قبل أن يصعد إلى السلطة, تنسى الجهات المكلفة بذلك أن تلقنه لبعض حكامنا, هو درس: كيف تودع شعبك في خمسة أيام دون معلم, وأساسا دون أن تضطر لقتل هذا الشعب المسكين, إما بالرصاص الحي, أو المطاطي أو في حالة أخرى أكثر استعصاء مثل الحالة المصرية, إلى قتله بالفقصة, وهو يراك متمسكا بأهذاب الكرسي مهما وقع.
وفي النظر الشعبي السديد اليوم, لابد لأمريكا, التي يبدو أنها هي التي تمنح قبعات التخرج الشهيرة للرؤساء العرب قبل أن تضعهم على الرقاب, أن تشرع من الآن فصاعدا في صنع مقررات دراسية جديدة للحكام تضمنها أولا وقبل كل شيء هذا الدرس المهم والأساسي, درس الوداع الأخير.
من الممكن اقتراح بعض الجذاذات مثلما يقول آخوتنا رجال التعليم وهم يهيئون دروسهم لتلاميذهم, بخصوص هذا الرس الجديد, وقد يكون شكلها على الآتي: النقطة الأولى في الدرس: التوقيت. على الحاكم العربي أن يحس بالزمن الذي يتعب فيه منه شعبه بالتحديد. فبسبب غياب أي شكل من أشكال انتخاب رؤسائنا في المنطقة, وبالتالي غياب ولايات محددة لبقاء هؤلاء على الصدور, كأن يتولى لخمس أو لأربع سنوات محددة قد تجدد مرة واحدة وكفى, يرجى من الحاكم العربي أن لايعتمد على حدسه نهائيا. فهذا الأخير سيقول له باستمرار إن الشعب يحبه ولايريد له الرحيل. كما يرجى من الحاكم أن لايعتمد على المحيطين بهو فهؤلاء ولأنهم المستفيدون الأوائل من بقائه سيقولون له دائما إن الشعب لن يمل من سيادته.
الأساسي في النقطة الأولى من هذا الدرس أن يصيخ الحاكم العربي السمع جيدا للشارع, وحين يسمع كلمة "إرحل" عليه أن يفهم أنها تعني الرحيل وليس أي شيء آخر. على الحاكم أيضا أن يحترس جيدا حين يسمع بعض المقربين منه يقولون له إنه من الضروري إدخال بعض الإصلاحات, وعليه أن يفهم على الفور أنهم لايريدون أن يقولوا له مباشرة إن الشعب سيزحف قريبا على قصر الرئاسة, وأن عليه أن يرسل "مدام والوليدات" إلى الخارج الآن ودون أي إبطاء.
النقطة الثانية في الدرس هي المكان. على الحاكم العربي, خصوصا في مثل هذه الأيام العصيبة التي تعبر منها أمتنا البلهاء, أن يحدد مكان إقامته جيدا, هو الذي تعود تحديد أماكن إقامة الناس الآخرين لكن في الاتجاه الآخر. تحديد الحاكم لمكان إقامته أساسي للغاية في السويعات العصيبة, فهو لاينبغي أن يبقطن في وسط البلد لأنه لن يجد طريقة للهروب السريع من هناك, ولا ينبغي أن يظل في قصره لأن المتوقع الأول هو أن الشعب الغاضب سيزحف على القصر الرئاسي أولا, وعليه ثانيا أن يضع الكثير من الكيروزين في طائرته الخاصة ثالثا, لأنه "الوقت والزمان هادا", وهو لايعرف متى ستعطيه مصالح مطار الرياض أو جدة إذن السماح بالنزول, وشعوبا العربية, رغم أنها لم تر من أغلب رؤسائها إلا كل شر, لاتريد لهم لحظة "الشليت" أن يموتوا في طائرة خلت من الوقود, وأن ينزلزا من عل مشتتين إلى الأرض. شعوبنا لديها رحمة على كل حال, وهي لاتتمنى موتا مشوها لأي كان مهما كان الذي فعله بها هذا الأي كان.
الدرس الثالث من دروس "كيف تودع شعبك", هو درس الطريقة. بن علي اختار الهروب بعد أن قال "فهمتكم", قبله اختار تشاوشيسكو درس العناد والمكابرة قبل أن ينتهي هو وزوجته عند جدار برأسين مثقوبين بالرصاص, الملك فارق في مصر اختار يوما أن يغادر وشنبه مرفوع إلى أعلى والجيش يضرب له الأحد والعشرين طلقة تشريفية "ديال غير سير بحالك", مبارك اليوم اختار التوديع بطريقة الخيول والجمال الرائعة, وهذا يعني أن هناك طرقا عديدة للفرار, مايفرض التوصل إلى طريقة موحدة تعفي الشعوب من متابعة أفلام سخيفة للغاية ينتهي أغلبها في الدماء .
أفضل من هذا التخبط, يمكن إقناع الحاكم العربي باختيار طريقة أبسط للغاية وأحفظ لكرامته هي أن يقبل على نفسه الكريمة إجراء انتخابات في بلده. والانتخابات ليس شيئا خطيرا للغاية, وليست كارثة إنسانية وليست أي شيء من هذا القبيل على الإطلاق. الانتخابات _ ونحن نورد هذا التعريف البسيط لها للحاكم العربي لأنه لايعرفها ولم يسبق له أن سمع بها _ هي صناديق زجاجية عديدة توضع في كل المدن التي تخضع لسلطة سيادته, ويقوم الرعاع التابعون لحكم فخامته بوضع أوراق صغيرة فيها تتضمن إسم "مسخوط الوالدين" الذين يريدون له أن يسوسهم للخمس سنين أو الأربع سنين المقبلة, وحين تنتهي هذه الأخيرة تتكرر هذه اللعبة "ونتا غادي".
"بالذمة" مثلما يقول المصريون, أليس الأمر أفضل من مشهد الجمال والخيول وهي تضحك العالم علينا وعلى عروبتنا البئيسة وعلى كل مانشترك فيه مع هذا العالم العربي المجنون حقا لا بالقول فقط؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
معلومات خطيرة كشف عنها تحقيق لقناة "تي إف 1" الفرنسية بخصوص سير الأمور داخل ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة. ميليشيات الإخوان هي التي تتحكم في كل شيء, حتى المستشفى المقام هناك, والذي تظهره لنا "الجزيرة" باعتباره عملا شعبيا هو مستشفى يديره الإخوان, الذين وصلت بهم الوقاحة حد فرض ارتداء الحجاب على طبيبة علمانية أتت لكي تساعد من اعتقدتهم شباب الثورة, قبل أن تجد نفسها أمام تنظيم سياسي يستغل اندفاع وحماس الصغار لكي يصل إلى هدف ظل يحلم به منذ أنشأه حسن البنا .
للأسف "الجزيرة" وعرباننا لايهتمون بهذه التفاصيل الصغيرة التي يختفي فيها الشيطان. لتحيا الثورة إذن, فهذا ماتريد سماعه الجموع.

لك الله يامصر

رأينا مصر تحترق صباح ومساء الأربعاء. رأينا فيها احتراق نجيب محفوظ والروايات التي صنعت لغتنا العربية يوما. رأينا فيها احتراق أفلام يوسف شاهين التي خاطبت فينا العين والذهن يوما. رأينا فيها احتراق صوت أم كلثوم ومماويل الليل التي أسكرت كل العشاق. رأينا فيها احتراق كل من أحببناهم وجعلونا نحب الحياة في لحظة من اللحظات.
الكثيرون من الذين لايرون أبعد من أرنبة أنوفهم يهللون اليوم لما يقع ويقولون إن الشعب المصري يتخلص من ديكتاتوره والسلام. هم لا يقولون لنا من سيمسك بالحكم بعده؟ ومن سيقود هذه الجموع؟ ومن سيقول لها ادخلي إلى المنازل بعد أن تحقق المراد؟
الحجارة التي كان يتبادلها آبناء مصر بينهم يوم الأربعاء من أجل طبقة سياسية لاتساوي "جزمة" أصغر مصري هي حجارة كانت ترشقنا جميعا، وهي حجارة تقول لن المأزق الذي يوجد فيه العالم العربي الجريح، بعد أن انتفت عنا أية إمكانية للتفاهم بيننا بشكل ودي وحضاري مثلما يفعل الآخرون. ولكم كرهت الشيخ المتصابي يوسف القرضاوي مجددا وهو يطلب من منفاه المخملي بالدوحة من الشباب المصري الذي كنا نراه بأعيننا يتقاذف بالحجارة أن لايغادر ميدان التحرير.
نداء متوقع من شيخ المتطرفين, الذي يقطن في قصر فاخر في دوحة حمد والذي لم يساهم مع المصريين وثورتهم إلا ببعض الأدعية عبر قناة "الجزيرة" بأن يشد الله من عضدهم وأن ينصرهم على من عاداهم, قبل أن يستقل الطائرة هو الآخر بعد "نجاح الثورة" إلى القاهرة لكي يدخلها دخول الفاتحين, تماما مثلما فعل راشد الغنوشي قبله في تونس.
هل هي ثورة شعبية إذن حقا هاته التي نراها بأعيننا عبر التلفزيون؟ أم هي شيء آخر اختلط فيه الاحتقان الداخلي باليد الخارجية برغبة التنظيمات المتطرفة في بسط اليد على العالم العربي المريض, وكل ذلك ممتزجا بالإرادة العليا الأمريكية في إعادة توزيع الأدوار للفترة المقبلة من الزمن؟
لاتهمنا هنا الإجابات الكثيرة, خصوصا وأن المحللين السياسيين والمحرمين كذلك أصبحوا أكثر من الهم على القلب هذه الأيام, وبعضهم لايعرف هل ينبغي أن يكتب التحليل السياسي لقرائه أم عليه أن يكتب أمنياته وأحلام اليقظة التي تراوده في بلدان الناس, لكن أيضا في بلده دون أن يستطيع التعبير عن ذلك مباشرة ودون خوف من العواقب الكثيرة.
مايهمنا فعلا هو أن شعبا عظيما لبلد عظيم مثل شعب مصر وبلد مصر لايستحقان المشهد البربري والوحشي الذي شاهدناه يوم الأربعاء.
مصر التي في خاطري مثلما غنت المغنية منذ الزمن الفائت, والتي أسست في دواخل كل منا شيئا جميلا أساسيا, لا تستحق أن يضرب أبناؤها بعضهم بالطوب والحجارة, وأن يهدوا تلفزيون دولة بدوية متخلفة _ مهما بلغ ثراؤها البترولي _ مثل قطر فرصة التشفي الصغيرة التي تابعناها طيلة هذه الأيام على شاشة القناة إياها. مصر التي في خاطر كل واحد منا, والتي كانت تغيظنا أحيانا بتعاليها الحقيقي أو المتخيل علينا, والتي قهرتنا بمسلسلاتها الكثيرة وأفلامها اللاتنتهي واقتحامها لمنازلنا دون إذن, والتي اكتشفنا فجأة أننا نحبها أكثر مما كنا نعتقد ليست البلد الذي ينزل صغاره وكباره لكي يحطموا أرضيته ويصنعوا منها حجارة لضرب بعضهم البعض.
في ذلك الأربعاء الحزين, تذكرنا كل من نعرفهم من المصريين, وكنا مع كل وجه جديد نتذكره, نقول إن البلد أكبر من هذا الحضيض الذي نزل إليه. وبحثنا ونقبنا في التفاصيل الصغيرة القاتلة, ووجدنا التنظيم المتطرف إياه يبتسم بخبث بعد أن استطاع التسلل لدعوة صغار الفيسبوك, ومثل دور الراغب في الانخراط في الثورة الشعبية, قبل أن يكشر عن أنيابه يوم الثلاثاء الفارط, حين وزع منشوراته بين حضور المظاهرة المليونية, وحين قام بمنع النساء من الاختلاط بالرجال في المظاهرة, وحين رفضت قياداته السماح لهن بالصلاة مع الذكور في ساحة التحرير.
حقيقة تصدى الشباب من محركي الثورة للإخوان المسلمين حين قاموا بهذه التصرفات, لكن هل لازال الوقت ممكنا لتجنب سرقة ثورة الشباب العفوية من هذا التنظيم المتطرف؟
نعتقد متألمين أن الوقت قد فات, وأن مصر أسلمت زمام عقلها وقياد مستقبلها للفوضى وللظلام. ونتصور أن العالم العربي سيسير على خطى الأخت الكبرى أو الشقيقة الأولى, مثلما تعود فعل ذلك دائما. سنرى التنظيمات المتطرفة التي قررت أمريكا أن تلعب بها لعبة الزمن القادم تحتل المراتب الأولى في كل الترتيبات المقبلة, وسنفهم أن الغرب المسيحي المتطرف لايضيره في شيء أن يمنح الشرق المسلم المتطرف أيضا إمكانية الحكم شرط الحفاظ على المصالح وهو ماسيتم بكل تأكيد.
أما نحن الذين كنا نعتقد أن قيم حقوق الإنسان ومعاداة التطرف والرغبة في إدخال مجتمعاتنا إلى الحداثة والتقدم هي الأفكار التي تحرك الغرب فعلا, فكم كنا واهمين, يوم صدقنا كل ذلك, ونسينا أن "ماما أمريكا" بالتحديد لاتكترث بشيء أو بأحد أكثر من مصالحها.
لك الله يامصر مثلما كان المصريون يقولون دائما. ونعتقد أننا يجب أن نضيف "ولك الله أيها العالم العربي المريض" في الأيام القليلة المقبلة.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضحك موقف صديقنا رئيس اليمن علي عبد الله صالح. الرجل تذكر أن بلاده بحاجة للإصلاح الآن فقط, واستوعب أنه غير ملزم بترشيح نفسه للانتخابات القادمة سنة 2013 في بلده, وفهم أن إبنه لايصلح لخلافته عكس ماكان مقررا من قبل في مخيلته ومخطط المقربين منه الذين يحيطون به منذ إثنين وثلاثين سنة, هي زمن سيطرته على الحكم.
بعض حكامنا العرب _ عفا الله عنا وعنهم منهم _ هم سبب الكوارث التي تجتاحنا اليوم, إذ ما معنى أن يكم رجل شعبه 32 عاما ثم يتذكر بعد ما وقع في مصر أن عليه أن يشرع في الإصلاح؟ لامعنى, ولا حول طبعا ولا قوة...
.

الجمعة، 4 فبراير 2011

البكارة الإعلامية

قتل عمار الشريعي يوم الإثنين المشاهدين وهو يتحدث عبر قناة "دريم" عما يقع في مصر اليوم, ثم وهو يرسل الرسائل العديدة إلى كل الجهات التي تدخلت لكي توصل بر المحروسة إلى المأزق الذي تحيا فيه اليوم. وقد نشرنا أمس ورقة عن تدخل الموسيقار الكبير الذي أبكى مقدمة البرنامج منى الشادلي, وأبكى المشاهدين, بل وبكى هو نفسه أثناء حديثه الصادق خصوصا حين وصل إلى الحديث عن إضاعة جيل كامل لعمره "أونطة" مما تحدثنا فيه أمس ولا داعي للعودة له.
مايهمنا في ورقة اليوم هو ماذكره عمار عن تعامل التلفزيون العمومي المصري مع الأحداث, حيث أشار ساخرا إلى أن تلفزيون النظام كان يوم الجمعة الفارط أثناء اندلاع أحداث جمعة الغضب يبث صورا لوصول وزير الخارجية المصري أبو الغيط إلى أديس أبيبا, قبل أن يمر إلى تقديم فيلم كوميدي في الوقت الذي كان الشباب المصري يقدم أفضل فيلم يكن تصوره للرد على كل ماوقع لبلده خلال السنوات السالفة.
عمار كان يتحدث عن التلفزيون الرسمي المصري, لكن كثيرا من العرب, سيتذكرون تلفزيونات بلدانهم, وسيقولون "ماأشبه الشيء بالشيء". ولا أعرف حقيقة من هم هؤلاء العلماء الذين يسيرون إعلام دولنا العربية بهذه الطريقة التي لاتدفع إلا إلى احتقان الناس وغيظهم عوض أن تدفعهم للتفاعل مع ماتقدمه هذه التلفزيونات. بل أكثر من هذا تنفع مثل هذه التصرفات المتخلفة في دفع شعوبنا دفعا إلى القنوات التي نعتبرها معادية أو ذات أجندات خاصة جدا.
ولكم كان الفنان الكبير عمار الشريعي موفقا وهو يقول "أنا أكره قناة الجزيرة, وأعرف الفكر الذي يقف وراءها, ولا أحبها على الإطلاق بل أكرهها, لكن عندما أردت التعرف على أخبار بلدي ومايقع في بلدي ذهبت إلى قناة الجزيرة", قبل أن يطرح السؤال "لماذا لايقدم تلفزيوننا أخبار بلدنا بصدق ودون أجندة خاصة عوض دفع الناس إلى اعتناق هذه القنوات التي تلعب به وبفكره وعقله؟". طبعا لم يجب عمار عن السؤال لأننا جميعا من الخليج إلى المحيط لانعرف له جوابا, ولا نفهم لحد الآن _ خصوصا نحن الذين لانتوقف عن فضح قناة "الجزيرة" ونعتبر أنفسنا غير معنيين ببث دعوتها بين صفوف بني جلدتنا مثلما يفعل آخرون يتقاضون ثمن فعلتهم _ لماذا سيكون قدرا لي أنا المغربي مثلا أن أشاهد نشرة الأخبار تلك التي تقدم لي في الثامنة والنصف مساء دون أي ذنب جنيته اللهم أني مغربي.
نعتبر أننا نستحق أفضل من هذا المستوى, ونعتبر أن من أوجه الاستفادة الفعلية من كل مايقع في العالم العربي اليوم هو أن نفهم أن أول أوجه التغيير هي أن تهب رياح الحرية الحقيقية على الإعلام, أن لايضطر أي مواطن في أي بلد عربي إلى اللجوء الإعلامي يوميا إلى قنوات تطلقها دول رجعية بمباركة أمريكية إسرائيلية من أجل إعادة توزيع الرقعة وبيادق الرقعة في الوطن العربي الجريح.
وعندما نقول الإعلام نقصد أساسا التلفزيون لأنه وسيلة الاتصال الجماهيرية الأكبر التي تصل إلى القدر الوفير من الناس, والذين لايحتفظون للأسف الشديد بعلاقة طيبة مع القراءة, ويعتبرونها "رجسا من عمل الشيطان", لذلك يتجنبونها. هذا التلفزيون العربي المريض الذي يعتقد أنه يحسن للحاكم حين يمضي اليوم بطوله في مدحه بشكل ركيك للغاية, وبطريقة إنشائية مقيتة, تنفر الناس من كل شيء, عليه أن يفهم أنه من الأفضل له أن يعيد النظر في طريقته هاته عن طيب خاطر, عوض أن يجد نفسه مثل قنوات تونس التي كانت تسبح بحمد بن علي ليل نهار, والتي اضطرت بعد 14 فبراير إلى أن تصنع لها بكارة إعلامية جديدة, تقنع بها العريس الذي هو الشعب التونسي أنها "بنت بنوت" لم يلمسها بشر من قبل أو من بعد.
للأسف الأمر كان أكبر من أن يصدق, والتونسيون كانوا يشاهدون بسخرية هذاالانقلاب المفاجئ, وهذه الرغبة الكاذبة ممن مارسوا العهارة الإعلامية لثلاث وعشرين سنة, وهم يحاولو إقناع جمهورهم الجديد أن "دعارتهم" كانت قسرية أو أنها لم تكن دعارة كاملة بالمعنى المتفق عليه بين عموم الناس.
هل نحتاج للقول إن الأمر غير قابل للتصديق لأن الناس تعرف جيدا الفرق بين الكلام الذي كان يقال سابقا وبين الكلام الذي يحاول اليوم أن يجد له موطئ قدم بين الناس, مثلما تعرف أن من كان يمدح نفاقا والذي يهاجم اليوم خوفا, سيعود في الغد القريب أو البعيد لكي يغير جلدته من جديد. وهذا النوع من البشر بالتحديد لا يمكن ائتمانهم على شيء, وبالأساس لا يمكن الاطمئنان على حال الوطن معهم أو بهم.
حاجتنا كبرى اليوم إلى الثقة في شعبنا, وإلى معاملته بالنضج الكامل الذي يستحقه. وأولى علامات هذا النضج أن يتسع البراح الإعلامي لأصواتنا جميعا. أن ننصت فيه لكل رأي محلي, وأن نراه محل التقاء الآراء ببعضها حتى تلك التي لانتفق معها, بل وبالأساس تلك التي لانتفق معها, وأن نمنح العالم العربي المترقب درسا ينتظره من هذا البلد العظيم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سؤال هام للغاية: إذا تواصل سقوط الأنظمة العربية بهذا الشكل وواصلت الجزيرة بثها التهييجي بالشكل ذاته إلى حد انتهاء كل الأنظمة وبقاء نظام قطر وحده قائما, هل ستتعامل الجزيرة مع الأحداث هناك بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الأنظمة الفقيرة؟ أم أن حمار الشيخ حمد سيصل حتى ديرته وسيتوقف؟
يحق لنا طرح السؤال بعد أن اكتشفنا وجود وظيفة أخرى للعمل التلفزيوني قوامها التهييج لإسقاط الأنظمة "المعادية" لظام "مول التلفزيون", وبعد أن أصبحت القناة تهدد بلداننا واحدا بعد الآخر بالمصير ذاته. حقيقة يحق لنا أن نطرح هذا السؤال.

الأربعاء، 2 فبراير 2011

حزن لأجل الوطن

حزين لأجل الوطن. أنا الذي قيل لي يوم ولدت إنني أنتمي إلى كل هذا البراح المسمى عالما عربيا. صدقت ماقيل لي, ورغم الاختلاف, رغم التعالي, رغم نظرة الدونية التي لمحتها مرار اعتنقت الكذبة التي قيلت لي. اعتنقت المعارك كلها, صحت من أجل فلسطين. شتمت إسرائيل. غنيت للعراق. دندنت لكل ديكتاتور عبر المكان بالشعارات. رأيت في الجزائر ثورتي ولمحت في أعين المليون والنصف مليون شهيد إخوتي. عنى لي إسم فرحات حشاد الكثير في تونس منذ القدم. حفظت فيلم عمر المختار وإذلاله للإيطاليين في ليبيا. أعرف أسماء كل الرؤساء اللبنانيين, وأمسك عن ظهر قلب في ذاكرتي أسماء القادة السوريين.
فعلت بالتحديد ماقيل لي في المقررات الدراسية الكاذبة. "من مراكش للبحرين. شعب واحد مش إثنين", قلت آمين. أمة عربية واحدة, ذات رسالة خالدة. طأطأت الرأس موافقا. لاصوت يعلو على صوت المعركة. آمنت وقلت نعم رغم أنني لم أر أي معركة اللهم تلك التي كانوا يخوضونها ضدي. ثورة, ثورة حتى النصر, فرحنا وقلنا إنهم يثورون لأجلنا. كل الشعارات غنيناها, ولكننا اليوم ونحن نعيش هذا المشهد العجيب نكتتشف بكل بساطة فقط بلاهتنا, ولا شيء آخر غيرها.
حزننا عام لأن العالم كله يحيا اختلافاته بشكل عاد وطبيعي, إلانا نحن. وحدنا نقف عند ناصية شارع الزمن. نرفض التقدم لأنه ليس لنا. لانمتلك القدرة على التخلف, لأننا بلغنا مداه ولم نعد قادرين على الوصول إلى حضيض أكبر فيه.
البعض فرح لأنه يرى السقوط والدمار من حوله, لكن هل يستطيه هذا البعض أن يقول لنا "وماذا بعد؟". ذهب بنعلي, وسيذهب مبارك بكل تأكيد, لكن ماذا بعد؟
الشعب الذي يخرج جاهلا في الشارع يصرخ الموت فقط, هل هو المآل؟ هل أعددنا للمستقبل شيئا؟ بالتأكيد أننا نكتشف اليوم أننا نسينا أن هناك شيئا أصلا يسمى الزمن القادم. تركنا شعوبنا ترفل في نعيم الأمية القاتل, لاعتقاد الحاكم العربي أن الشعب الأمي لن يثور في وجهه أبدا قبل أن يكتشف أن الشعب الأمي إذا ماقام يوما لن يكتفي بمطالبته بإخلاء المكان, بل سيسرق, وسينهب, وسيهاجم المتاحف, وسيدلف إلى المتاجر, وسيثير الرعب والهلع فقط.
فرضنا على الناس أن تبقى فقيرة رغم ثروات البلدان, لكي نتمكن من تحديد الخرائط الانتخابية على المقاس اعتمادا على اشتراء أصوات الناس, وعلى التزوير إذا ماترددوا في قبلو الرشى, قبل أن نكتشف أن الجهل حين يسود ويسنده الفقر, لن يتوقف طويلا لكي ينتظر الانتخابات. سيضرب في كل مكان, وسيحاول فقط الانتقام من كل أيات الحرمان التي عاشها في مختلف الأزمان.
حزين لأجل هذه العروبة التي كنت أشك فيها دوما, وكنت أقول لنفسي أن لاعلاقة لي أنا المغربي بهذا العالم العربي المريض, العليل, السقيم, غير القادر إلا على المشي الحثيث نحو الموت, وغير ذلك لاشيء.
اليوم وبعد ماوقع في تونس, والفوضى التي دخلتها البلاد بعد رحيل ديكتاتورها, وبعد مايقع في مصر التي تنتظر زوال الفرعون في ظل غياب أي تصور لشكل المستقبل كيف سيكون, نجد أنفسنا على عتبة الرغبة فقط في مساءلة من يستطيع التوفر على جواب ما: شنو غادي يوقع دابا؟
"أصدقاؤنا" الغربيون يقولون لنا اليوم إنهم اقتنعوا أننا نستحق الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل نهائي. لكنهم لايقولون لنا السبب الذي جعلهم يقتنعون الآن فقط أننا نستحق هذا الترف. يغفلون عمدا اليوم عن كل التفاصيل, ويحرصون في خطبهم الكاذبة التي لاتعرف لمن ستنتصر في الختام على أن يقولوا لنا إنهم "يقدرون ويحترمون رغبات شعوبنا". نرى صورهم السابقة مع من يقولون عنهم اليوم إنهم حرمونا من الحرية لسنوات, فنكاد نرغب في صفعهم بالسؤال الآخر "ةشحال هادي فين كنتو؟"
لايهتم القطيع اليوم بالسؤال ولا بالجواب, فلاصوت يعلو على صوت المعركة مثلما كان يقول الشعار في الستينيات, ومثلما يقول اليوم في تطبيق سافر لغبائنا الذي يجعلنا نكرر التواريخ كلها, وليس التاريخ الصغير وحده. لذلك عذرا لكل الخائفين مثلي على ماسيحمله الغد من كوارث, لكننا لانرى شيئا غيرها على الإطلاق. لانستطيع أن نتبين ملمح شيء واحد جميل وسط كل مايقع, ولا نستطيع أن نقول إننا نريد لهذا الوضع المائل الحالي أن يستمر, ولا نستطيع في الوقت ذاته أن نطمئن لتصريحات الأصدقاء الموزعين كذبا هنا وهناك.
لانأتمن الحاليين على مصائرنا, ولا نأمن للقادمين ممن يهيئون لنا الأرض للممات, ولا نمتلك بين الضفتين أي دليل على أن خيارا ثالثا قد يعرض نفسه علينا في يوم من الأيام. لذلك يسود الحزن في كل مكان صادق اليوم في العالم العربي, بغض النظر عن كل التطورات. فقد كنا نأمل مسارا آخر لأمتنا, ومصيرا آخر لهؤلاء الصغار الذين يملؤون الساحات عوض أن يملؤوا الجامعات.
تجار الشعارات ومحترفو الثورات عن بعد سيغنون هذه الأيام, ومغيرو كتف البندقية من محترفي "القليب" المباشر ومطبقي شعار "الله ينصر من أصبح" سيعثرون على الكثير من الكلام الذي يصلح لأن يقال في هذه الأثناء. لكنني ومعي العدد العديد من بسطاء هذا الوطن الكبير والجريح ممن لايملكون القدرة على كل هذا التحليل السياسي العميق لانستطيع الآن إلا الحزن العميق.
غير هذه الغصة التي تعتصر في الدواخل, لاشيء نراه في هذه الآفاق.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عندما تقرأ عناوين عن تتويج الرداءة والتطبيع والابتذال في مهرجان طنجة الأخير, وتبحث في أفلام جميلة جدا توجت على رأسها الفيلم الذي فاز بالجائزة الكبرى "أشلاء" لحكيم بلعباسو تقول لنفسك إن الخلل بالتأكيد موجود في جهة من إثنتين: هو موجود إما لدى من يتعاملون بجدية مع من يكتبون مثل هذا الكلام, ويعتبر أن لديهم شرعية سينمائية وفنية حقا لقوله, أو أن الخلل موجود في هذا الفكر المرضي المصر على الخلط بين الأشياء, وعلى تصفية الحسابات الصغيرة بطريقة تبعث على الرثاء واالشفقة فعلا.
حقيقة, آن لنا أن نطرح السؤال: مامعنى كل هذه الحرب التي تشنها الرداءة في المغرب ضد فن الجمال والحياة المسمى سينما؟