الثلاثاء، 7 شتنبر 2010

في الواجهة - عمود الثلاثاء 7 غشت 2010

حديث الصباح والمساء
للأديب المصري العظيم نجيب محفوظ رواية أعظم تحمل من الأسماء عنوان "حديث الصباح والمساء", يرسم فيها الكبير جدا بقلمه اللامثيل له تتالي الأجيال والعصور والحقب, ولعبة الموت والحياة التي تجدد للإنسانية كينونتها وتمنحها هذه القدرة الكبرى على الاستمرار رغم الفناء المحيط بها في نهاية المطاف.
في المغرب لحسن الحظ أو لسوئه ليست لدينا قامة أدبية روائية تقترب من نجيب محفوظ, لكننا بالمقابل نتوفر على "حديث الصباح والمساء" الخاص بنا الدائر هذه الأيام على صفحات جريدتين مغربيتين تتبادلان الاتهامات بينهما بشكل يومي ومتواصل. يتعلق الأمر طبعا بزميلتينا "الصباح" والمساء", والجسم القارئ المغربي _ لئلا نقول الجسم المهني لأنه لاوجود لهذا الوهم _ يتتبع بإشفاق كبير, لكن باستمتاع تلصصي مفهوم هذه المعركة الفارغة الجديدة بين قطبي "الصحافة المستقلة" في البلد.
آش واقع بين الجريدتين؟ وما الذي يحدث بالتحديد؟ جرى العرف في مشهدنا الصحفي العجيب أن نتلافى التبئير على مشاكلنا الداخلية إلا حين تكون السيوف مشهرة بيننا, لكننا اليوم نحن سنحاول التنكر لهذه القاعدة, وسنحشر أنوفنا _ وفاء لفضولنا المعروف _ في المعركة الثنائية محاولين فهمها, ومحاولين شرح بعض بواطنها للقارئ المغربي المغلوب على أمره, والذي يظل "نية" على كل حال, والدليل الثقة التي يضعها أحيانا في بعض من لايستحقون الثقة إطلاقا ممن عليك أن تعد أصابعك فور السلام عليهم, لأنهم تعودوا عض اليد التي تمتد لهم بأي خير كيفما كان نوعه.
المشكلة ابتدأت ذات زمن بعيد منذ أن اخترع صحافي قيدوم _ له منا كل الاحترام على كل حال _ وصفا راق للكثيرين بخصوص جريدة "الصباح" التي سرحته, هو وصف "الجريدة التي تقتات على تشوهات المجتمع". يتعلق الأمر بالصحافي السوداني المقيم بالمغرب طلحة جبريل, والذي أوصلته جملته هاته, واحتفال "الصباح" بعيد ميلادها دون ذكر مروره منها تماما مثلما فعلت مع كاتب العمود بها سابقا رشيد نيني, إلى صلح وتوحد غريبين بين الرجلين أثمر كتابا أو حوارا أو شيئا من هذا القبيل ينشر في "المساء" هذه الأيام, ويحمل إسم أو وصف "صحافة تأكل أبناءها".
عندما وقفت "الصباح" على رجليها بعد أن كانت مجرد مشروع عربوفني تابع "لليكونوميست" انطلق للتاريخ من نموذج الجريدة الرائدة في مجال الصحافة المستقلة "الأحداث المغربية" (هذا الكلام ليس للتزويق ولكنه الواقع الذي يمكن أن نسرد قصته مثلما وقعت إذا ماتطلب الأمر ذلك) أصبح لها _ كما هو الحال في الانتصارات كلها _ عدة آباء. أصبح المشروع تجاريا مثمرا للغاية, وكبرت المجموعة الإعلامية التي تأسست حوله, وأصبحت للعديدين رغبة في الاغتناء منه أو الاستفادة من ثمار نجاحاته.
في عز الصعود المدوي للجريدة, وقعت متغيرات كبيرة فيها أبرزها الاستغناء عن طلحة جبريل وتعويضه بحسن العطافي الذي سيخرج من "الصباح" هو الآخر وسيصبح رئيس تحرير "شنو؟" سيصبح رئيس تحرير "المساء الرياضي" للصدفة الماكرة.ومن المتغيرات المهمة طرد الجريدة للصحافي وكاتب العمود بها رشيد نيني الذي صنع شهرته الكبرى في هذه الجريدة بالتحديد قبل أن يحلق بجناحيه بعدها.
ولهذا الطرد بعض الملابسات التي عشت قليلا منها, فيها ماهو صالح للسرد لفهم بعض الأشياء, وفيها ما أفضل تركه سرا حتى حين آخر سيأتي بكل تأكيد. كنت في أصيلة سنتها لقضاء عطلتي السنوية, فاتصل بي رشيد نيني على هاتفي النقال وفاتحني بعبارته الشهيرة "فين آلزعيم؟" قبل أن أتحول إلى واحد من أعدائه الذين يكرههم بشدة لأسباب ليس اليوم ولا الآن أوان تبيانها. قال لي رشيد نيني يومها إن "الصباح طردته وإنه باغي يكبرها وفين مابغات تخرج تخرج وأنه يعد مشروعا إعلاميا جديدا, وأنه باغيهم يزرعو فبلاصت العمود ديالو البصلة, وباغي نخرج فالأحداث المغربية بالضبط".(سأحكي لاحقا قصة باغي نخرج فالأحداث هذه ومغازيها)
أعماني تضامن إنساني معيب يومها عن الأصول المهنية ونشرت الحوار مع رشيد نيني ولم أعط للصباح حق الرد عليه, ثم تطورت الأمور, إلى أن وصلت إلى ماهي عليه اليوم: المساء أصبحت تمثل اتجاها معروفا داخل الأجهزة...الصحفية لكي لايشطح بكم خيالكم بعيدا, تنفذ مهاما متفقا عليها وفق اتفاق يمكن أن نعود إليه في وقت من الأوقات. والصباح التي تمثل بشكل معلن ومعروف التطور التاريخي الشرعي للصحافة المستقلة أصبحت اليوم هي الجريدة التي تقف في وجه هذا التيار الجارف, المشتغل مع أجهزة..."الصحافة".
الحكاية لكي تكتمل لديكم بعض أجزاء الصورة, وأنتم تتابعون "الشرشحة الصحفية" الدائرة بين الجريدتين هاته الأيام, لاعلاقة لها بأصول المهنة ولا الدفاع عنها ولا بأي من الشعارات الكبرى التي يلجأ إليها أول من ينتهك تلك الشعارات.
المسألة ومافيها مرتبطة بثلاث نقط لارابع لها: عمر أولا أي الفلوس أو الدينيرو أو الرزق خصوصا لمن أتاه الرزق بعد إملاق شديد, ثانيا خدمة الأجهزة...الصحفية إياها, ثالثا التنفيس عن كرب وعقد شخصية أتصور أن القارئ المغربي يستحق اليوم أن تصبح من همومه العامة طالما أنه يعطي ثقته "للي يسوا واللي مايسواش", وذلك موضوع آخر سنعود إليه لاحقا, و"عافاكم سمحو لينا على هاد الفضول, ولكن ماعندنا مانديرو ليكم". إنتهى, قلب على السطر وسير ليه.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
حلقة جميلة من "مسار" استضاف فيها بنشكير الأخوة ميكري جميعا من زمن الفن الجميل, والبحث الموسيقي الجاد, وأثثتها فقرات رائعة ضمنها فقرة الجميل مامون الذي أدى كلود فرانسوا الكبير بطريقة يتقنها وحده.
الإخوة ميكري: حكاية مغربية صميم عن فن لن ينمحي من ذاكرة الناس أبدا, طالما أنه يذكرهم بأن المغاربة هم السباقون باستمرار إلى التجديد. شكرا عتيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق