الثلاثاء، 31 غشت 2010

في الواجهة _ عمود الثلاثاء 31 غشت 2010

لحسن الحظ
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. البوطو الكبير الذي ظل أعمى لأشهر أصبح فجأة بعين ترى. أتى موظفو البلدية المساكين, وامتطوا الشاحنة الكبيرة التي يوجد في خلفها سلم طويل يصل حتى نهاية البوطو, وهناك وضعوا مصباحا براقا للغاية. فهم الناس أن ذلك البوطو هو عمود كهربائي كان مهيئا في البدء لإنارة الحي لهم قبل أن ينساه المسؤولون. قبل أن يصلح الناس البوطو الشهير, كان شباب الحي يتوسدونه في أيام عطالتهم الطويلة. هم كانوا يتصورون أن البلدية وضعته هنا بالتحديد لكي يجدوا شيئا ما يضعون عليه الظهر لتفادي آلام الرجل التي يسببها الوقوف الكثير.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. الحديقة الخلفية للحي, تلك التي كانت تلعب بشكل مؤقت دور "الزبالة", والتي كان يلقي فيها السكان بكل مايخطر لك على بال, عادت لكي تلعب دورها الأصلي: حديقة. بورود فعلية, وبأزهار فعلية, وببضعة شجيرات, ونخلتان توسطتا مدخلها الأساسي, ماجعل الصغار الذين لم يسبق لهم أبدا أن عرفوا معنى الحديقة يفغرون أفواههم دهشة, ويسألون آباءهم. هؤلاء الأخيرون وجدوا مشكلة كبرى في الشرح والتفسير. كيف تشرح لطفل صغير تربى داخل زبالة منط أن ولد ورأى النور معنى الحديقة؟
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. الطريق, ذلك الثعبان الأسود الذي كنا نلعب فيه الغولف يوميا, والذي تحولنا بموجبه إلى منافسين فعليين لتايغر وودس, في الغولف وليس في مغامراته الجنسية الكثيرة, أصبح فجأة لينا ينساب بعناية فائقة. كل الحفر اختفت. كل المطبات انتهت, حتى ظهر الحمار الشهير أو "الضوضان" الذي اشتكى منه مستعملو طريق أولاد زيان لأشهر عديدة, ومن حالة اللاتوازن التي يسببها لك حين تمر فوقه, وحالة الارتجاج الكاملة التي يخلفها في سيارتك, فجأة وجد له المسؤولون العفاريت الطريقة للإصلاح. وضعوا قليلا من الزفت في طرفيه من هنا ومن هناك, فلم يعد "ترومبلان" للقفز الهوائي المفتوح على كل الاحتمالات. صار "ضوضان" من "الضوضانات" التي يمكنك أن تمر فوقها دون أن تنطق بالشهادتين بالضرورة كل مرة.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. "الشفارة والنتافة صحاب البورطابلات" نقص عددهم بشكل واضح. هذا لايعني أن الشباب المغربي اغتنى ولم يعد مضطرا لنشل حقائب السيدات والآنسات المغلوبات على أمرهن واللائي لايملكن أي طريقة للدفاع عن أنفسهن. لا, كل ما في الأمر هو أن الصقور تحلق في المدينة بكثرة هذه الأيام, وكل أسلاك الشرطة "حاضية راسها" ماأجبر اللصوص الصغار على الاختفاء أو التقليل من حدة غاراتهم على الفقراء والفقيرات. "مزيانة لينا" على كل حال وإن كنا نتمناها باستمرار.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. المسؤولون الذين لم نر وجوههم منذ أن عينوا في مناصبهم, والذين يتقززون حين يضطرون للنزول من مكاتبهم المكيفة والوثيرة إلى صهد "كازا" القاتل, يجدون أنفسهم هذه الأيام في ملتقيات الطرق وفي الممرات. ملزمون هم بتبرير الرواتب السمينة التي يتقاضونها, ومجبرون هم على الوقوف تحت الشمس الحارة والرطبة للبيضاء عسى أن يمر "سربيسهم" على خير, فهم ليسوا حمل غضبة مثل تلك التي عصفت بزملاء لهم في الحسيمة. لذلك يقولون لأنفسهم هذه الأيام "ليذهب الإفطار إلى الجحيم, مافاطرينش آسيدي فديورنا, غير تدوز المسائل بسلام".
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. عندما يستوقفك شرطي بسبب مخالفة هذه الساعات, يبتسم في وجهك, يؤدي لك التحية "على حقها وطريقها", ويطلب منك أن تتنحى أن لاتعرقل السيرو ويتحدث معك بلباقة قل نظيرها. حين تفكر في "التفاهم" معه, يلتفت يمينا ويسارا, ويقول لك "الدنيا مخلطة هاد الأيام, تخلص المخالفة ولا نسيفط ليك البيرمي للكوميسارية". تؤدي المخالفة وأنت مسرور, تقول لنفسك "على الأقل الجميع سيؤدي هذه الأيام, وليس المغفلون فقط". ثم تمضي في طريقك فرحا أنك قمت بأداء ثمن فعلتك لكي لاتنساها مرة أخرى وتعيدها ثانية.
لحسن الحظ أن جلالة الملك بيننا هذه الأيام. هذا مايقوله المواطنون البيضاويون ليل نهار. مدينتهم تغير شكلها, أصبح للنظام معبر إليها, والفوضى الخرافية التي يعيشون في ظلها السنة كلها, أضحت بالنسبة إليهم أمرا قابلا للتجاوز رغم كل الظواهر التي كانت تقول العكس. هذا دليل على شيء واحد: مسؤولو هذه المدينة أو أغلبيتهم لكي لانعمم لايقومون بمهامهم إلا حين يكون جلالة الملك هنا. وهذا هو سر الحالة المزرية التي تكون عليها المدينة في الأيام "العادية" أي حين يكون جلالته في مدينة أخرى
جلالة الملك, رجاء إبق بيننا في البيضاء فهؤلاء المسؤولون المساخيط كيخافو ماكيحشموش. لكن المدن المغربية الأخرى كلها تعاني من نفس الإشكال. لذلك لامناص من الذهاب إليها كلها, على الأقل سيحس مواطنوها بما يحس به البيضاويون هذه الأيام: الدولة كاينة بالصح. شكرا جلالة الملك, ولا عزاء لنا في هؤلاء المساخيط الذين يسمون أنفسهم مسؤولين عن مدننا. فعلا لاعزاء...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كنا الوحيدين من بين الجرائد المغربية كلها الذين نشرنا خبر رحيل حسن عريس. انتظرنا اليوم الأول والثاني والثالث ثم انتظرنا بعد ذلك دون كثير اقتناع أن الزملاء لم ينتبهوا لوفاة هذا الفنان الشاب، أو أنهم اعتبروا أخبارا أخرى عن سياسيين كذبة أو عن فنانات تافهات أهم من خبر نعي عريس إلى جمهوره أو على الأقل إلى أحبته ومن تعرفوا على شخصيته وخبروها جيدا.
رحم الله حسن، رحيله رسالة بليغة إلينا جميعا أن لامكان لفنان نقي وخجول ومتواضع بيننا اليوم. خجلي من المهنة ومن المنتسبين إليها إلى آخر الأيام

الاثنين، 30 غشت 2010

في الواجهة - عمود الإثنين 30 غشت 2010

شفتي اللي مابغيناش
حتى بعد تفجر فضيحة حنيني رئيس بلدية ميدلت التابع لحزب العدالة والتنمية لم أصدق أن الأمر حقيقيز أصدقكم القول, ذهني ذهب إلى فبركة من الفبركات إياها. فلفرط ماقرأت للكثيرين وهم يؤكدون أن هذا الحزب المسكين يتعرض لحملات مغرضو ولعمليات ضرب تحت الحزام وأنه "مسيكين" مستهدف من الجهات إياها, أصبحت أشك في الأخبار السيئة التي تأتي بخصوصه.
لذلك وحين سمعت أن رئيس بلدية ميدلت الإخواني التابع للعدالة والتنمية قد ضبء متلبسا بجرم تتسلم رشوة من صحاب فضاء للألعاب في أحد المعارض التي يشرف عليها المجلس البلدي, قلت لنفسي "وابزاف, عيقو على هاد الناس مساكن". لم يوقظني من شكي هذا إلا شريط الفيديو الذي جال العالم بأسره, والذي ظهر فيه السيد الرئيس وهو يمسح حذاءه بعناية فائقة, ويتابع "غير بودنيه" الحوار الدائر بين الراشي وبين وسيط من أصحاب الحسنات كان يريد أن يرسي المبلغ على مليونين من السنتيمات, في الوقت الذي كان الراشي يريد إعطاء مليون فقط.
الأجمل في الشريط هو حين سيقرر الراشي في حركة مسرحية هائلة أن "يقسم الصبر معا الخوت", فيستل من جيب قشابته (ويلزم أن تكون قشابة البيجيديين واسعة جدا في هذا الموضوع) مبلغ ألفي درهم ليقسمها بين الرجلين ويواعدهما بأن يوافيهما بالمليون الموعود في الرابعة واالنصف زوالا.
بعد انتهائي من مشاهدة الشريط, قلت لنفسي "هاد العفاريت ديال المونتاج مشاو بعيد". فقد أتوا بالرجل, ووضعوا صوته على صورتهو وجعلوه ينحني أرضا لكي يمسح حذاءه مما علق به من تراب, وخططوا جيدا لكي لايبدو أي مشكل تقني يفضح تركيبهم للشريط. ثم عدت وقلت لنفسي "لعلهم استخدموا الفوطوشوب مثلما قال رئيس ميدلت دفاعا عن نفسه, علما أن الفوطوشوب لايستعمل إلا في "الفوطو" أي الصور الثابتة ولا يمتد أثره اللعين للصور المتحركة".
عدت لكي أشاهد الشريط عشرات المرات ولسان حالي يقول "مايمكنش, هوما دايرين لينا حالة فالبلاد: صومو, صليو, ماتمشيوش للمهرجانات, السينما حرام, استهداف الهوية المغربية, كيف كيف هاجمين, التطبيع معا إسرائيل خدام, بناتنا كلهم عاهرات, وزيد وزيد..." وفي الختام يتضح أن الأمر يتعلق برشايوية من الدرجة الدنيا, يمسكون بين أصابعهم مبلغ الألف درهم, ويعدونه رغم أن روقاته الخمس أصلا معدودة, ويجلسون في "الدورة" ينتظرون البقية أي المليون الموعود.
لو تعلق الأمر بصديقنا جورج القرداحي لقلنا "من سيربح المليون؟" لكن الأمر هنا لاعلاقة له بالتلفزيون ولو أن الكاميرا الخفية فعلت فعلتها اللعينة, وتركت "الباجدية"ّ حائرين. ويأتي في الختام أولئك التافهون في التلفزة لكي يقدموا لنا كاميرا خفية مرعبة لاأثر فيها للضحك, ونحن نتوفر على كاميرا خفية حقيقية وجميلة, ومهيأة بعناية نحسد عليها فعلا. حقيقة ماأحوجنا إلى الاستفادة من درس التصوير الهاوي هذا الذي فاق كل الدروس الاحترافية في الأثر.
أولى ردود الأفعال من أصدقائنا وحدها جعلتني أصدق الأمر الجلل. توقيف حنيني من مهامه الحزبية في العدالة والتنمية. خطوة أولى, ثم تصريح الداودي في "مدينة إف إم" "لانريد محاكمة سياسية لهذا السيد". "آش من محاكمة سياسية آلشريف, هادا راه خاصو محاكمة مالية", ولو أن المبلغ دون التوقعات, لكن "هاد الشي اللي عطا الله وداك مول قاعة الألعاب".
لنأت الآن إلى الدروس اللازم استخلاصها فورا: المرة "الجاية" حين يقف أمامكم مستشار من الباجدية عليكم أن تتحسسوا جيبكم. المفروض على الأقل أن تكون لديك ألف درهم لكي تمدها لسماحته قبل البدء في الكلام, وبعد ذلك عليكم أن تتدبروا أمر المليون الموعود لكي يبقى سيادته مرتاحا ولاتقع بينكم مشاكل إطلاقا. هذه واحدة, فما الثانية؟ الثانية هي أن هؤلاء عليهم أن يكفوا عن كسر رؤوسنا بحديثهم الفارغ عن الاستقامة والصلاح, وأن يقوموا بحملة تطهير (الله يرحم ادريس البصري ويغفر ليه) وسط صفوف حزبهم لتفادي مثل هذه المفاجآت غير السارة مستقبلا. الثالثة يجب أن ينسى هؤلاء المهرجانات والفن ورغبتهم في إصلاحنا من الفساد الذي نحن فيه وأن يلتفتوا لإصلاح أنفسهم من فسادهم.
ولكم أضحكتني افتتاحية "التجديد" بعض الفضيحة بأيام حين كتبت مايفيد أن "الحزب ديالنا مافيهش غير الملايكة". أيها السادة الأفاضل, الملائكة لاتوجد إلا في السماء, وحزبكم مثل الأحزاب الأخرى كلها, ومثل الناس جميعا فيه الصالح وفيه الطالح. والخطأ, بل الجرم الذي ترتكبونه هو أنكم وفي ظل عدم توفركم على برنامج سياسي حقيقي تنزلون به عند عباد الله, تستولون على دين بأكمله, تهربونه إليكم وتقولون في الانتخابات إنكم خير من يمثله.
"ها حنا تقنا بيكم", فكيف كانت النتيجة؟ ألف درهم لرئيسكم, ومليون موعود لن يصله أبدا. إيوا شفتي اللي مابغيناش؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
دون أي مبرر واضح هاجم رشيد غلام منشد العدل والإحسان المشهور الفنان أحمد السنوسي عبر جريدة القدس العربي واتهمه أنه يحتفي بممنوعيته وأنه ليس ممنوعا و"أنني الفنان الوحيد الممنوع في المغرب" حسب تعبير رشيد غلام .
رشيد غلام اختار لخرجته جريدة سبق وأن كتبت هذا الكلام عن السنوسي مايعن يأن جهة ما كلفته بقوله هذا الخطاب وانتقت له جريدة الجنرال عبد الباري عطوان لتمريره، علما أن غلام يحيي لحد الآن الحفلات الخاصة والعامة في تجمعات الجماعة دون أدنى إشكال

السبت، 28 غشت 2010

في الواجهة _ عمود السبت 28 غشت 2010

مكناس العطشى
قدرنا في هذا البلد أن نخرج في المسيرات الاحتجاجية إما لندب موتانا تحت الصوامع التي تنهار دون أدنى حماية مثلما وقع في باب البرادعيين, أو للصراخ بالصوت العالي "راه قتلنا العطش آعباد الله". بهذه النبرة الحزينة حادثني الأهل من مكناس, متسائلين عن محلهم من الإعراب في خارطة هذا الوطن هم الذين يعانون منذ قرابة الأسبوعين من عطش غريب في مدينة عرفت أصلا بمدينة الما الحلو, وبصهاريجها من أشهرها صهريج السواني الذي اخترعه مولاي اسماعيل في زمن سحيق لمواجهة أزمة الماء في المدينة ونواحيها إلى بقية العيون والصهاريج التي تحيط بالمدينة من كل جانب.
"ولينا كنشربو غير سيدي علي وسيدي حرازم وعين سلطان وعين سايس وعين إيفران. يقول أحدهم ضاحكا قبل أن يضيف, عندنا إحساس أن الدولة كتجرب فينا شي مخطط باش المغاربة كلهم يوليو يشربو الما المعدني. مشكلة وحدة اللي كاينة: خصنا الفلوس ديال الما المعدني وديك الساعة ماكاين حتى شي مشكل".
الأمر يشبه مقلبا من مقالب الكاميرا الخفية الحقيقة, وليس تلك "الباسلة" التي يقدمها لنا تلفزيوننا في رمضان من كل عام. مدينة بأسرها تضطر لكي تشتري الماء المعدني إذا ماأرادت إطفاء عطشها, ووكالة لتدبير أمر الماء تكتفي ببلاغ اعتذاري تتندر فيه من الساكنة وتوصي _ خصوصا بالنسبة للكبار والرضع _ بالحرص على اقتناء المياه المعدنية تفاديا لأمراض وأوبئة قد يتسبب فيها شرب مياه غير صالحة لهذا الغرض.
ونحن يافعون كانت تعتلي ساحة الهديم (أشهر ساحات مكناس للتذكير) لوحة تذكارية كنا نمر أمامها عشرات المرات يوميا. كتب فيها بعد الآية القرأنية "ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله...الأية", مايفيد أن هذه اللوحة وضعت في هذا المكان بالتحديد للتذكير بالشهداء الذين سقطوا في سنة 1937 في الحرب التي عرفت في الوجدان الشعبي المكناسي باسم "الكيرة ديال الما الحلو" في بوفكران والتي انتفضت فيها ساكنة مكناس في شتنبر من تلك السنة البعيدة الآن بعد أن قام المستعمر الفرنسي بتحويل المياه العذبة التي تأتي من المدينة الصغيرة بوفكران بين مكناس والحاجب إلى ضيعات المستعمرين بعد قرار وزاري صدر في نونبر من 1936 يأمر بالقيام بهذا التحويل.
في تلك السنوات القصية قام المكناسيون بتقديم عرائض الاحتجاج إلى السلطات الاستعمارية, واحتجوا شعبيا, وخرجوا في مظاهرات احتجاجية تقول بأن الماء هو عصب الحياة وأن حرمانهم منه يعني قتلهم, وأنهم لن يموتوا مجانا مهما كان الثمن. المستعمر لم يسمع ذلك الكلام, ليأتي يوم فاتح وثاني شتنبر (قبل فاتح القذافي بكثير) الذي سجل سقوط عدد كبير ممن يعرفون في الذاكرة المكناسية بوصف "شهداء الما الحلو", القادم من بوفكران وهو الماء الذي حبسه السلطان مولاي إسماعيل على مدينة مكناس.
سبعون سنة ويزيد بعد هذا الفصل البطولي يعيش الأهل هذه الأيام في الإسماعيلية أشياء لن نقول إنها شبيهة بأيام الاستعمار لأن الكلمة ستكون قاسية, لكنها تذكرهم أن الماء سيظل عنصر تجميع لهم ولا حتجاجاتهم باستمرار. ما الذي يقع بالتحديد في مكناس هذه الأيام بخصوص قضية الماء هاته؟
الذي يقع هو نتاج التسيير العشوائي للمدن الكبرى المغربية التي تسير "فيد الله", قبل أن يكتشف من يرث تسييرها من المسؤولين فداحة مافعله السابقون وتركوه فخا للاحقين. مدينة في منطقة تعرف تساقطات مطرية هامة لاتتوفر على مركز لمعالجة الماء قادر على الاستجابة لمتطلبات مايقارب المليون من سكانها. الأمر يشبه مزحة سخيفة, لكنه الحقيقة العارية في مكناس اليوم التي تجبر الناس هناك على العودة إلى الأيام الخوالي قبل التزود بالماء الشروب, وحمل القناني و"البوديزات" وملئها بماتيسر من المياه لمواجهة الحرارة ورمضان ومابينهما.
سنوات قليلة قبل هذا الأمر كان المكناسيون يتندرون من أنفسهم ومن مدينتهم التي لاتتوفر على أسطول للنقل الحضري بعد الفضيحة التي عرفتها وكالة النقل بمدينتهم والتي تمت لملمتها بسرعة وأدى الناس هناك ثمنها من خلال اضطرارهم لاستعمال "الكيران" في التنقل اليومي داخل مدينتهم. واليوم يعود المشهد البدائي ذاته إلى مكناس وناسها يحملون "البيدوايت والقراعي" ويقصدون الآبار والعيون لكي يملؤوا مايروي عطشهم في صيف الناس هذا. لذلك لامفر من طرح السؤال: من يريد لهذه المدينة هذا الشكل البدائي المخجل؟ وأي مسؤولية لجحافل المتتالين على تسييرها ممن لم ينجحوا إلا في زيادة أزماتها؟ وأي دور للمجالس البلدية التي تعاقبت عليها في تعميق هذه الأزمة وإيصالها إلى هذا الحد المزري الذي بلغته اليوم؟
في مكناس اليوم _ كما وقع بالأمس حين انهارت صومعة باب البرادعيين _ لاوقت لطرح كل هذه الأسئلة التي يمنحها لنا ترف التفكير عن بعد في المشكلة. الناس منشغلون _ تماما مثلما انشغلوا بعد فاجعة الصومعة بدفن موتاهم والبحث عن بعض عزاء فيهم _ بتدبر أمر قطيرات ماء تقيهم أمر العطش, وينتظرون أن ترتفع هذه الغمة ذات يوم, وأن يستفيقوا صباحا فيجدوا بعض الماء في صنابيرهم, في مغرب القرن الواحد والعشرين...للتذكير فقط.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الموت لذي تعانيه الحياة السياسية المغربية أمر نادر الحدوث في دول أخرى غير بلادنا. نحن فقط لدينا تحقق مفهوم العطلة السياسية دون أن يليها دخول سياسي حقيقي، حيث يتفرغ كل سياسيينا لشؤونهم الخاصة وينسون وهما إسمه تأطير المواطنين يقال في الدستور إنهم مكلفون به.
من يريد فهم أزمة السياسة في المغرب عليه أن يزور سياسيينا في فصل الصيف لكي يفهم جيدا مكمن الخلل. إنهم ينتظرون "شي حاجة، شنو هي؟" الله أعلم، لكنهم ينتظرون...

مكناس قطرة ماء رجاء

باب المنصور العلج, الرابعة صباحا, اليوم الثالث عشر من رمضان. أولاد المدينة القديمة يفترشون أرض الهديم. الجو خانق للغاية. الكارطة خدامة. الرامي والبلدية. لاحديث إلا عن الماء المقطوع. مكناس هي مدينة القطع بامتياز. من هنا مر الرأس المقطوع ذات يوم من بار الميتروبول بالتحديد. وضعه مجينينة على الكومتوار حين طالبته البارميطة بأن يؤدي ثمن مااحتساه من خمر.
قالت له "خلص عاد نزيدك" حين طلب مزيدا من الجعة, فاستل من حقيبة كان يحملها معه رأس غريمه وقال لها "هادا يخلص". منذ ذلك الحين أصبح مجينينة علامة مكناسية بامتياز يعرفها الجيل الجديد أكثر مما يعرف مولاي اسماعيل الملك الذي جعل مكناس عاصمة للمغرب في يوم من الأيام
في الإسماعيلية حنق غريب هذه الأيام. المدينة الإمبرالية تعيش العطش. صنابيرها لاتجود بالماء إلا بين السابعة والنصف صباحا والتاسعة. "خص بنادم يشد الصف ويبقا فايق باش يعمر الما القهوي اللي كينزل من الروبينيات
الفجر يقترب, صوت الجامع الكبير يصل إلى هنا واضحا بامتياز "المؤدن كيهلل, والمكناسيون يستعدون ليوم عطش جديد. حتى ولو لم يأت رمضان, كان المكناسيون سيتوقفون عن شرب الماء.
باب المنصور العلج, الخامسة صباحا, الفجر أذن, العديدون دخلوا إلى منازلهم لكي يناموا. وحده مولاي اسماعيل يجلس في مكان ما في الساحة الشهيرة يتأمل مدينته ويسألها "شنو بغيتي؟" ترد "قطرة ماء فقط. رجاء يامولاي". في السرداب المؤدي إلى سراك, يبتسم السور الإسماعيلي رغما عنه, يلتفت على امتداد طوله فيصل إلى صهريج السواني. تترنح المياه الآسنة القابعة في الصهريج الشهير.
السادسة صباحا نغادر المدينة نحو مدن أخرى في صنابيرها بعض الماء وفي قلبها قليل الحنان على من يقطنونها.
مكناسة, عذرا, هاد الشي اللي عطا الله, ". .

الجمعة، 27 غشت 2010

في الواجهة - عمود الجمعة 27 غشت 2010

بلد سيء السمعة
لم ننته بعد من المسلسل السخيف الذي اقترحناه على أنفسنا بمساعدة كويتية كريمة كنا في غنى عنها بخصوص ميخيات أبوقتادة وأبو نبيل, حتى طلعت علينا الفضائيات العربية والمصرية التي تبث مسلسل "العار" بمشهد لعاهرة يتصارع حولها بطل المسلسل وشخص خليجي قبل أن يتضح أن العاهرة...مغربية مرة أخرى.
أين يوجد المشكل بالتحديد؟ هل في الصورة النمطية التي أضحت للمغربيات اليوم عند العرب؟ أم المشكل موجود عند هؤلاء الفنانين العرب الذين يريدون "الإساءة" لنا بأي ثمن؟ أم أننا فعلا أصبحنا بلدا بهذه السمعة و"اللي عطا الله عطاه"؟
أعتقد أن القليل من النقاش الهادئ, الرصين, البعيد عن مصطلحات السباب التي لاتقدم ولا تؤخر أضحى أمرا مطلوبا لهذه القضية لكي نحسم فيها وننتقل إلى موضوع آخر. شتم الخليجيين وتذكير الكويت أن صدام حسين سطا عليها في دقيقتين ووصف أشقائنا في الخليج بكونهم "حوالا", بل والتساؤل "شكونا هي هاد الكويت كاع اللي غادية تهضر على المغرب؟ وشكونا هي هاد مصر اللي غادية تصور لينا بناتنا كلهم عاهرات؟" كل هذا لن يتقدم بنا خطوة واحدة في النقاش. بالعكس, هو يجرنا إلى الخلف ويمنح المترصدين بصورة هذا البلد الحق بل والرغبة في معاودة الكرة مرارا وتكرارا مادامت الضربة الأولى قد نجحت في إثارة أعصاب المغاربة إلى هذا الحد.
عوض "السبان" تعالوا إلى كلمة سواء نتناقش حولها ونطرح السؤال : من المسؤول عن هذه الصورة المخزية التي أصبحت ترتبط بفتيات المغرب في الدول العربية وفي بعض الدول الأوربية؟
المسؤول الأول والأخير هو المغرب. لايعقل أن تكون لدينا في العاصمة الأردنية عمان لوحدها أكثر من ثلاثمائة "فنانة" كلهن خرجن من الجمارك المغربية ببطائق وطنية وبجوازات سفر تحمل في خانة المهنة مهنة "فنانة". لايعقل أن تكون لدينا في كل الطائرات المتوجهة إلى السعودية أكثر من عشرين فتاة في مقتبل العمر كلهن عنت لهن فجأة فكرة العمرة وزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دون أن يسألهن أحد "كيفاش؟ وعلاش؟". لايعقل أن تكون كل "كوافوراتنا حراكات فالإمارات", ولا يعقل أن تكون كل ممتهنات التدليك الطبي والتمريض المعترف به دوليا في سوريا وفي البحرين متحدرات من كازا والرباط وخنيفرة وبقية المدن المغربية. لايعقل أن تطأ قدماك بيروت أول وهلة وأن تسمع فور جلوسك في أول مقهى في شارع الحمراء صوتا رخيما يناديك "فين أولد البلاد, خاصاك شي حاجة؟ راه بنات بلادك معمرين المكان".
"هضرو فينا وأجيو علينا", هكذا يقول المغاربة في مأثورهم الشهير, وهم يشيرون إلى ضرورة الحرص على التوازن في كل شيء. نعم قدم عنا هؤلاء الخليجيون وهؤلاء المصريون صورة نمطية مسيئة, لكن من السبب وراء انتشار هذه الصورة؟ من صنعها؟ وهل هي موجودة أم أنهم اصطنعوها اصطناعا؟ في المسلسلات والسلسلات الأمريكية التي نشاهدها بكثرة في بلادنا نجد باستمرار الإحالة على شبكاات الدعارة المنظمة القادمة من دول أوربا الشرقية السابقة. وفي تاريخ هذه السلسلات كلها لم نسمع أن أوكرانيا أو روسيا أو رومانيا تقدمت باستنكار عبر خارجيتها إلى الخارجية الأمريكية تقول فيه إن هذه السلسلات تسيء لسمعة الفتيات الرومانيات أو الأوكرانيات الطاهرات.
لم نسمع بذلك ولن نسمع به لأن الناس تعرف الفرق الموجود بين الواقع وبين التناول الفني للواقع. وإذا كنت قد تقبلت مجيئ السباب والشتم في النازلة الكويتية ممن لايعرفون فوارقا بين الواقع وبين نقله إلى السينما أو التلفزويون ممن سبق لهم أن انتقدوا "ماروك" واعتبروه "حتى هو" مسيئا للمرأة المسلمة المغربية, فإن صدمتي كانت كبيرة في أناس آخرين كنت أعتقد أنهم يعرفون أن التناول الفني للواقع لاحدود له, قبل أن أكتشف أنهم هم الآخرون انخرطوا في سب الكويت لأنها "أساءت للشعب المغربي ولبناته".
مسألة هامة للغاية يجب أن يعرفها هؤلاء : المغرب "بزاف على الكويت وعلى غير الكويت", ولكن المغرب يعرف أشياء ومشاكل كثيرة ليس من حقنا أن لانتناولها في إبداعاتنا أو أن نمنع الآخرين من تناولها. ليست هناك جهة واحدة في العالم تستطيع أن تقول لكاتب سيناريو أي لمبع ينطلق من مزج الواقع بخياله "ماعندكش الحق تكتب هادي". هذا الأمر يسمى الرقابة الغبية, وهو دليل ضيق أفق فعلي, وعدم تقبل للفن ولدور الفن خصوصا في حالة السخرية التي نتحدث عنها في نقد المجتمع وظواهره السلبية.
لذلك لابأس ببعض التريث في الموضوع, وعدم الانجرار مثل أي قطيع لايعرف أين هو سائر وراء عبارات سب وشتم لن تقدم شيئا, بل ستؤكد للأخرين كل السوء الذي قد يظنونه بنا, وستجعلهم يرددون فيما بينهم "المغرب بناتو كيجيو للخليج والناس ديالو ماكيرضاوش شي حد يقولها عليهم".
خايبة, حتى فالمعاودة.، فقد حولناإسم الفيلم الشهير "امرأة سيئة السمعة" إلى " بلد سيء السمعة" ولازلنا مصرين على المواصلة في نفس الاتجاه
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أخيرا سيتم وضع حد للمسلسل غير الشيق كثيرا الذي هم المعهد العالي للإعلام والاتصال عبر تنصيب لجنة ستشرف على اختيار مدير المعهد وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ أن غادرت لطيفة أخرباش مجال عشقها الأول إلى مجالات سياسية "آكثر نفعا".
الأمل اليوم الذي يردده أساتذة المعهد وطلبته بينهم هو أن ينجح كمال لحلو ومن معه في اللجنة في اختيار مدير في المستوى للمعهد وإن كان الكثيرون منهم يبدون من الإن يآسهم ويقولون "باينة من دابا". لننتظر رغم كل شيء

الخميس، 26 غشت 2010

في الواجهة - عمود الخميس 26 غشت 2010

أوباما المسلم
لكي يشوه معارضو الرئيس الأمريكي باراك أوباما سمعة رئيس دولتهم قالوا عنه إنه مسلم. لاأتصور أن هناك ما هو أقل دناءة من المستوى الذي أوصلنا إليه نحن المسلمون ديننا هذه الأيام. تصوروا معي أن يصبح دين عظيم مثل الإسلام سبة يدفعها باراك عنه بكل قوة, ويتشبث معارضوه بتثبيتها عليه لكي ينالوا منه مرة أخرى وأخيرة. ما السبب؟ كيف وصل الدين الإسلامي على يدنا نحن المسلمون إلى هذا الحد من الهوان؟
أصحاب نظرية المؤامرة بيننا وهم كثر والحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه, سيقولون إنه الاستهداف العادي لدين الإسلام من طرف هؤلاء الغربيين الملاعين. لكنه التفسير السهل, الساذج, البسيط, وأساسا هو التفسير الكاذب. شيء ما ليس على مايرام في علاقة المسلمين بالعالم بأسره اليوم, علينا كمنتمين لهذا الدين أن نعثر عليه إذا كان يهمنا أمر هذا الدين. علينا أن نقطع معه لئلا نصبح الأضحوكة العالمية الجديدة التي تتسلى بها بقية شعوب الأرض.
منذ أسابيع قليلة فقط ذكرنا من كان يحتاج إلى تذكير أننا "شجعان" حقا ولا نخشى الموت. فقد قتل بعض الإرهابيين منا في شمال مالي رجلا فرنسيا عجوزا تجاوز الثامنة والسبعين من العمر. فكر بعد تقاعده أن يهب ماتبقى من حياته لإفريقيا لكي يساهم في التخفيف من حدة مافعله حكام القارة بها. اختار قرية في النيجر, عاشر سكانها, منحوه الدفء الذي افتقده في بلده, فبادلهم حبا بحب. انخرط في جمعية هناك تتدبر أمر موارد مالية لهذه القرية, وعلم أطر تلك الجمعية كيفية استعمال الكومبيوتر, بل اشترى لهم واحدا من ماله الخاص وأحضره من فرنساو وشرع في تركيبه.
قبل أن يتم ميشيل جيرمانو تركيب هذا الكومبيوتر كان التنظيم الإرهابي المسمى القاعدة قد اختطفه واحنفظ به رهينة قبل أن يقوم بإعدامه بكل بساطة, وينشر خبر الإعدام عبر الفضائيات والأنترنيت, مبشرا أمة "الحمقى هاته" بنصر جديد "أضافه الله لانتصارات المسلمين عشية شهر الصيام وهو شهر الانتصارات بالنسبة للمسلمين. أي انتصار يوجد في قتل رجل عجوز أتى لكي يقوم بأعمال خيرية في نهاية حياته؟ أي دين هذا الذي يسمح بمثل هذه الفظاعات؟ وأي علاقة لهؤلاء المجرمين بالدين الإسلامي فعلا؟
تعلمنا في المغرب قبل أن يكون وجهة فضائيات الخوارج, وقبلة الكتب المتطرفة التي تزرع عقول وقلوب الشباب بكل ماهو قادر على تفجيرها أن رسول الإسلام (ص) بعث رحمة للعالمين. وشرح لنا أساتذتنا وفقهاؤنا في المساجد أيام كان المسجد بوابة تنوير لاغير أن العالمين تعني الكل, وتعني السماء والأرض ومابينهما. لم يقل لنا أحد أن هذا الدين أرسل لكي يصبح أداة إرهاب لأجناس على حساب أجناس أخرى, ولم يشرح لنا أحد أن الدين الذي ندين به والذي نعتبره ختم كل الديانات هو دين صالح لبث الرعب في قلوب الأخرين. فقط لاغير.
البعض فقد الأمل في إصلاح هذه الصورة. هي اليوم ثابتة علينا, منذ أن اتبهجت أغلبيتنا لمشهد عمارتين كبيرتين مليئتين بالأبرياء وهما تتهاويان بفعل ضىبة طائرتين طائشتين. منذ أن أصبحت المظاهرات تجوب الشوارع العربية متوعدة اليهود والنصارى ناسية أن من بيننا يهودا عربا ومن بيننا نصارى عربا. منذ أن تحول المسلم من الكائن الوديع الحامل لكتاب الله وسنة رسوله الراغب في نشر الحب بين الناس إلى المسلم المنتمي للقاعدة, لقاعدة الجهاد, لقاعدة المغرب الإسلامي, لقاعدة العراق, لكل القواعد الخارجة عن القاعدة السليمة التي ابتلينا بها في الزمن الأغبر والتي أصبحت تعني عند الآخرين الإسلام بكل اختصار.
نحن انزحنا من مكاننا. عندما أقول نحن, أقصد الأغلبية الصامتة على الحق, التي تلعب دور الشيطان الأخرس, وهي ترى دينا بأكمله يتم تهريبه لجماعة دون بقية المسلمين, فقط لأن تلك الجماعة امتلكت مايكفي من الوقاحة لكي تسطو على دين بأكمله. الأمر لايتعلق ببنك أو مصرف أو مال أو أرض قد نعتبر السطو عليها جريمة ومرت. الأمر يتعلق بديانة يدين بها أكثر من مليار شخص على وجه هذه الأرض. وكلهم أو أغلبيتهم سمحت لقلة قليلة بأن تحتكر هذا الدين, أن تصبح ناطقة رسمية باسمه رغم أن لاأحد كلفها بهذا الأمر.
واليوم وعندما نرى أوباما يدفع عنه "تهمة الإسلام" كما لو أن الأمر يتعلق بوباء, نستشعر فداحة ماوقع لديننا بأيدينا ونفهم أنه لم يتبق لنا إلا القليل من الوقت ومن الذكاء لكي نصنع شيئا نعيد به أنفسنا إلى العالم الحديث, لأن الوتيرة التي تسير بها الأمور اليوم تقول إن الآخرين سيصبرون علينا مزيدا من الوقت, وفي لحظة معينة سيقررون أن الأفضل هو أن يغلقوا عليهم أبوابهم, وأن ينتهوا تماما من خرافة إسمها إمكانية التعايش في يوم من الأيام معنا.
أخشى أن لانكون الآن بصدد الحديث عن خيال علمي لن يتحقق. أخشى أن نكون بصدد الحديث عن الغد القريب.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عادت صورة المغربيات والدعارة لكي تحتل شاشات رمضان بعد الاعتذار الكويتي عما وقع في مسلسل "بوقتادة وبونبيل"، إذ أدرج مسلسل "العار" المصري لقطة ليلة الإثنين لعاهرة في ملهى ليلي بالقاهرة اقترب منها بطل المسلسل مصطفى شعبان وعندما تحدث معها أجابته بالمغربية "شنو كتقول؟ أنا راني مغربية".
هل نعتبر أن المصرين يستهدفون السمعة المغربية مثلما فعلنا مع الكويتيين أن نسأل أنفسنا عن السبب الحقيقي الذي يجعل هذه الصورة تلتصق ببعض المغربيات دون غيرهن من جنسيات أخرى؟

الأربعاء، 25 غشت 2010

في الواجهة - عمود الأربعاء 25 غشت 2010

شعب الكريتيك
أتصور أن واحدة من اللحظات الجميلة في التلفزيون المغربي خلال شهر الصيام الحالي، هي اللحظة التي قدم فيها الموهوب حقا لا ادعاء حسن الفد ضمن برنامجه "الفد تي في" تلك الفقرة الرائعة عن رياضة "الكريتيك" التي يمارسها تسعون في المائة من المغاربة، في الوقت الذي تفضل فيه العشرة في المائة المتبقية "الدخول سوق رأسها" حسب تعبير الفد. حلقة جميلة التقطت هذه "الموهبة الربانية" التي حبانا بها اللهو والتي تسمح لنا بالإدلاء بسطولنا في كل المجالات دونما قدرة على التفريق بينها، ودونما قدرة على احترام التخصصات التي قد لانفهم فيها "الذي بعث".
الأساسي بالنسبة للمغربي اليوم هو أن يعطي رأيه. والأكثر أساسية هو أن يكون معارضا لكل شيء يتم القيام به في البلد، و"الحلاوة كاع" هي أن يجد التفسير المؤامراتي الخطير للظواهر التي يعيشها. ولعلنا الشعب الوحيد في العالم الذي يسند كل مايحل به من كوارث لجهة غير معلومة نتحدث عنها جميعا في صيغة الجمع دون أن يمتلك أي "منطيح" منا في يوم من الأيام القدرة على تحديد هذه الجهة "ديريكت". فتجدنا نقول "راهم قطعو علينا الضو، وراهم باغيين فينا الخدمة، وراهم دايرينها لينا بلعاني".
بل الأكثر من ذلك، وأنا أجد هذه المسألة رائعة للغاية، نحن الشعب الوحيد في العالم الذي يعتقد أن جهة ما وضعت له في الماء شيئا غريبا لكي تتحكم فيه. أما بخصوص النقد فحدث ولا وجود للحرج إطلاقا. وإن كنت أنسى فلن أنسى ماحييت "زميلا" لنا بلغ من الطرافة حدا لايمكن تصوره كنا نلتقي به في الندوات الصحفية التي تعقب عرض الأفلام في مهرجان مراكش السينمائي، كان يبدأ كل مداخلاته بجملة "بادئ ذي بدء", وينهيها بعبارة "والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"و وكان يقدم دروسا فعلية للمخرجين الكبار الذين يأتون لمناقشة أفلامهم، بل كان يقترح عليهم التيمات الممكن أن يناقشوها، وكان لايتورع عن اقتراح تخريجات للأفلام ولتطورها الدرامي، بأن يقول مثلا "كنت أتمنى أن يقوم المخرج بإدخال البطلة من هذا الباب وليس من الباب الخلفي".
طبعا كان المخرجون يحملقون في قدرة هذا "الزميل" الرائعة على اقتراح أشياء غبية عليهم، وينسون أمره بعد الخروج مباشرة من الندوات، أو يجعلونه أضحوكة الجلسات الخاصة التي تجمعهم ببعضهم، علما أن القاعة كانت تضج ضحكا على زميلنا إياه لكنه لم يكن يكترث وفي اليوم الموالي يكون أول المطالبين بحقه في "التخربيق" أو حقه في الكلام والأمر سيان على كل حال.
الأمر على طرافته في حالة زميلنا يبدو مقبولا، لكنه أخذ أبعادا أخرى بعد دخول آفة "الكريتيك الجماعية" هاته إلى صحفنا. أصبح مطلوبا منك إذا أردت أن تكون مقبولا من الجميع أن تسب الجميع. لاحظ المفارقة، لكي يقبلك الجميع عليك أن تسب الجميع. الحكومة لايوجد فيها وزير واحد قادر على أداء مهامه. المسؤولون المغاربة كلهم شفارة. الاقتصاد بيد أناس لايفهمون فيه شيئا. منتخب الكرة ضحية مخططات استعمارية قديمة. التلفزيون المحلي وكر للعقارب وللأذرع المكسرة ولاوجود فيه لنقطة ضوء واحدة. المستشارون الجماعيون من طنجة إلى الكويرة أميون لم يحصلوا على الشهادة الابتدائية بعد. الصحافيون مرتشون يكتبون بعد أن يتلقوا أوامر يومية من المخزن. وقس على هذا النحو كل مجالات الحياة.
الأمر عادي؟ ليس إلى هذا الحد. فعندما يتحول التشكيك إلى ملة تحكم المجتمع وعندما يصبح الارتياب هو العقيدة التي تجمعنا ببعضنا البعض، يحق لنا أن نتساءل عن هويتنا المجتمعية، عن الكيان الجماعي الذي يجمعنا ببعضنا البعض، عن السقف المشترك الذي يسمى مجتمعنا والذي يعد الحاضن لنا جميعا. الكثيرون سيقولون إنه تحميل لأشياء لاتحتمل أكثر من قدرتها. لكنني أرى أن السخرية الحقيقية هي تلك التي تدفعنا إلى التفكير في خلفياتها وماأرادت قوله، وليس السخرية التي تنتهي فور انتهاء ضحكات الجمهور المسجلة فوقها.
لذلك أعتبر أن حسن الفد ينجح يوميا في التقاط مكامن البسمة في عدد من قضايا المغاربة البسيطة والأخرى الأكثر تعقيدا، ويقدمها بشكله الخاص به، المعتمد على انزياج كامل أو "ديكالاج" لهواة الكلمات المتعالمة _ وماأكثرهم في البلد _ مايتيح له المضي بعيدا في عبثه التلفزيوني الجميل معنا ومع قضايانا وبنا وبقضايانا خلال الشهر الفضيل. وأتخيل مرة أخرى ولو أنني أعرف شبه الاستحالة أن التفكير في برنامج ساخر من هذا الشكل يقدمه حسن على امتداد السنة لن يكون ترفا لانستحقه كمغاربة، وأعرف أن سليم الشيخ مدير عام دوزيم يمتلك كثيرا من الانفتاح في ذهنه لكي يفكر في المسألة جديا.
نحن نحتاج بالفعل إلى كوة سخرية يومية منا ومن قضايا مجتمعنا، ونحتاج إلى أن نؤسس لهذا التقليد القائم على رؤية عيوبنا في المرآة وتقديمها بشكل ساخر حقا ومرح فعلا، من أجل الانتباه إليها والعمل على التقليل منها إن لم نكن قادرين على القطع معها نهائيا.ولكي نربط هذا الكلام بما قلناه أمس عن برنامج القناة الكويتية الذي أثار زوبعة الفنجان الشهيرة لدينا، أتخيل أن المغرب لن يشغل باله مستقبلا بما يقدمه الآخرون في تلفزيونهم إذا ماتوفر له في تلفزيونه ما يعادل مايقدمه الآخرون أو يقترب منهم مع مراعات الفوارق المادية الهائلة الموجودة بيننا وذلك موضوع آخر بطبيعة الحال.
ملحوظة : لاعلاقة لها بماسبق
لماذا يتحول المغاربة في ساعات الصوم الأخيرة في شوارعنا العامة إلى كائنات وحشية حقيقية تتخلى عن آدميتها وتعتنق كل الألفاظ الساقطة وكل الرغبات في القتال والصراع الضاريين؟ متى تغير المجتمع المغربي من المجتمع المتسامح الذي كانه باستمرار إلى هذا المجتمع/ المسخ الذي نرى تفاصيله يوميا أمامنا؟ كيف أصبحت الجرائم أسهل شيء يقوم به المغربي في ساعات الغضب أو ساعات التخدير؟ وكيف حولنا شبابنا إلى هذه الوحوش الآدمية التي تسير معنا في نفس الطرقات وتسرق وتقتل وتعتدي دون أدنى إشكال؟
علينا طرح السؤال على أنفسنا فعلا

الثلاثاء، 24 غشت 2010

في الواجهة - عمود الثلاثاء 24 غشت 2010

ماكنبغيوش الحق!
ثورة حقيقية في الأنترنيت هذه الأيام. مصطلحات عزة وكرامة "غير كتتشتت", تهديدات ووعيد للكويتيين ولحكامهم ولقنواتهم التلفزيونية. غضب مغربي عارم من برنامج "بوقتادة وبونبيل" الذي تبثه قناة "الوطن" في الكويت خلال الشهر الفضيل. سبب الضجة؟
حلقة من البرنامج تطرقت لفتح الأندلس تناول فيها كتاب الحلقة بشكل ساخر العلاقة التي تجمع الخليجيين بالمغرب وأساسا بالمغربيات. مالذي طرحته الحلقة وأثار كل هذا الحنق المغربي؟ في الحقيقة لاشيء مما يمكن اعتباره جديدا أو كشفا حديثا عن أشياء خطيرة. يأتي الكويتيون إلى المغرب, يتوزعون بين طنجة وأكادير والدار البيضاء, يرشون ضابط الأمن في المطار الذي لايتحدث إلا لغة "الألفين درهم". يلتقي إثنان منهم بمغربيتين, يصطحبانهما إلى المنزل, وتحت أنظار أمهما تقوم المغربيتان بوضع السحر في الشاي الذي يقدمانه للكويتيين لكي يتزوجا بهما.
بااختصار كليشيهات من تلك المعروفة عن الخليجيين وعلاقتهم بعالم الليل في المغرب, وهو عالم موجود وأصغر طفل في بلدنا يعرف عنه الشيء الكثير مما لايمكن أن نحجبه بعبارات السب والشتم والاحتجاج. أكثر من هذا الأمر يتعلق ببرنامج ساخر, فكاهي, ضاحك, كوميدي, والفكاهة أو الكوميديا لاتستقيم إلى إذا ضحكت من كل شيء, وأساسا من الأشياء المثيرة للجدل, من الدين, من الجنس (مثل حلقة بوقتادة وبونبيل) ومن السياسة. وكان الأولى بنا أن نتوفر في تلفزيوننا على برنامج ساخر مماثل نخصص حلقة منه _ إذا رأينا أن ذلك أمر مهم للغاية _ لكي نسخر بدورنا من تصرفات إخوتنا الخليجيين في بلادنا الذين نطلق عليهم دون أدنى حرج وصف "الحوالا" ومريضنا ماعندو باس.
لكننا للأسف الشديد ابتلينا بعقلية رقابة غريبة, ترى الإساءة في كل مكان, وتعتقد أن الحل الأفضل هو قطع الألسن ولجمها, وعدم السماح للآخرين بالضحك مثلما يمنع الضحك لدينا. أتحدث هنا عن الضحك الحقيقي, لا الضحك المسموح به من طرف عباقرة إعلامنا البصري. ولنا اليوم أن نطرح السؤال فعلا: كيف يعقل وهل يعقل أن تكون لدولة الكويت وهي دولة محافظة مقارنة مع المغرب حصة تلفزية للسخرية اللاذعة تثير كل هذا الاحتجاج في العالم العربي, ولا نستطيع نحن عبر تلفزيوننا إلى تقديم الرداءات الفارغة واعتبار "الشاف جواج" قمة الكوميديا في زمننا المغربي الرديء؟
علينا فعلا أن نستفيد من درس البرنامج الكويتي هذا لكي نطرح على نفسنا سؤال "الإعاقة التلفزيونية" الذي نعيشه, ولكي نسائل ذواتنا حول مانفعله نحن في هذا المجال الذي قطع فيه الآخرون مسافات شاسعة عنا وتركونا للبكاء والنحيب والعويل "راهم كتبو علينا خايب, راهم دارو ععلينا برنامج مامزيانش فالجزيرة, راهم ضحكو علينا فالقناة الكويتية, راهم شوهونا فمجلة فرانساوية". طيب, هم قاموا بكل هذا ويزيد, فما الذي فعلناه نحن كفعل وليس كرد فعل؟ أين تلفزيوننا من حرب السمعة هذه؟ أين الإضافة التي تقدمها كل القنوات المغربية مجتمعة لكي تقدم لمشاهدها المحلي مايغنيه عن مشاهدة الأجانب وسبهم بعد المشاهدة؟ أين السخرية الذاتية من مشاكلنا ومن همومنا ومن القضايا المجتمعية التي نعرفها جميعا في تلفزيوننا؟
للأسف الشديد لايوجد, غائب, ماكاينش. في تلفزيوننا من الممكن أن يلبس الذكور لباس الإناث, ومن الممكن أن نقدم قصصا تفتقد لكل الروابط بينها عن عائلات وهمية تتصارع حول الرياضات, أو حول جيران يأتون من هولندا إلى المغربو أو حول تفاهات من هذا القبيل ضحك منها العالم بأسره في الستينيات والسبعينيات وانتهى منها تماما, والتفت لكوميديا الموقف, ولكوميديا الواقع السياسي والاجتماعيو وللكوميديا التي تخاطب في الناس ذكاءهم لا أشياء أخرى نحن لانعرفها بكل تأكيد.
هذا الانفصال بيننا وبين عالم اليوم هو الذي يخلق لنا مثيل هذه النقاشات المضحكة التي تابعناها بعد برنامج قناة "الوطن" الكويتية". "وبيناتنا دابا" من حق المواطن المغربي أن يحس بالغضب لرؤية مثل هذه البرامج على شاشات أجنبية, لا لأنها تمس كرامته أو كرامة بناته مثلما تقول الأسطورة الكاذبة, ولكن لأنه لايتوفر على تلفزيون قد يقدم له بعض التوازن المفروض. أن يحس بأن لديه شيئا قد يرد به على مايراه عند الأجانب إذا ماأراد ذلك.
هذا هو المشكل الحقيقي بيننا وبين تلفزيوننا: أنه يعطينا الإحساس أننا لاظهر لنا يحمينا من الأجانب إذا ماأرادوا يوما بهدلتنا على افتراض أن ماقامت به قناة الوطن هو فعل بهدلو لهذا الشعز لذلك نرى المغاربة يحتدون حين يرون "الجزيرة" القطرية تركز على مساوئ بلدهم فقط. لذلك أيضا يغضبون حين يشاهدون في قناة فرنسية أو أمريكية أو إيطالية روبرتاجا مهنيا فعليا وتلفزيونيا حقيقيا حول ظاهرة من ظواهر بلدهم كان من الممكن أن يتناولوها همو لكن مسؤولينا تركوها للأجانب لكي يفعلوا بها مايريدون.
مشكلتنا إعلاميا اليوم إحساسنا كشعب أننا بلا ظهر يحمينا. وهذا الشعور, "خايب بزاف". هذا كل مايمكن قوله الآن على الأقل....
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
نقلت بعض مواقع الأنترنيت خبر عبارة وردت على لسان أحد حراس جلالة الملك لشاب من مدينة سلا من الذين يترقبون مرور جلالته لكي يسلموه طلبات ورسائل مما يعرفه الخاص والعام في المغرب. العبارة التي قالت مواقع أنترنيت إن حارس جلالته قد قالها للشاب هي عبارة "تحرك لمك من هنا"، وهي تضاف لعبارة سبق أن استعملها حارس آخر في حق سيدة تبعت سيارة ملكية فكان نصيبها هو وصفها من طرف الحارس بوصف شائن للغاية يمس شرفها.
حراس جلالة الملك يجب أن يراعوا خصوصية مهنتهم، وأن لايقعوا في استعمال عبارات مخلة بالحياء أو غير مؤدبة لأن مكانتهم لاتسمح لهم بذلك إطلاقا..

الاثنين، 23 غشت 2010

في الواجهة - عمود الإثنين 23 غشت 2010

فيسبوكيات رجل مجنون
أضحكني كثيرا رد فعل أحد الصغار المنتمين لحركة "مالي...يانا ماعندي زهر" المعروفين اختزالا لدى الشعب المغربي باسم "وكالة رمضان" بخصوص ملاحظة عابرة آدرجتها سابقا وقلت فيها إن نقاش إفطار رمضان هو ترف فكري ليس من حق شعب مثل شعبنا لديه من مشاكل الكون الحقيقية مايكفيه لكي يدخل في نقاش حول من يريد ملء بطنه والاستجابة لشهوة فرجه في نهارات رمضان.
صديقنا، وأنا أقول هنا صديقنا مجازا لأنني لاأعرفه، كتب ينصحني بأن "أحشم" مؤكدا أن "عهد المقالات المملاة عبر الهاتف قد انتهى"، وأن "المخزن ماأن ينتهي مني حتى سأصبح عالة على المجتمع ولن أجد من سيؤدي لي ثمن بيرة سبيسيال في الماجيستيك" "علاش سبيسيال بالتحديد؟ وعلاش الماجيستيك؟ مانعرف"، وأضاف على سبيل الختم غير الموفق كثيرا أنني "اشتغلت موظفا في مكتب الاتصال الإسرائيلي وأنني صحافي دابا فالأحداث". انتهى كلام صديقي الجديد.
مامعنى كل هذالهراء؟ معناه أن النقاش الحر والمفتوح والمنفتح والمتفتح لازال بعيدا عن أرنبة أنوفنا في هذا المجتمع المسكين إلى أجل غير مسمى. هؤلاء شباب يخرجون على المجتمع بحركة يقولون عنها إنها مجتمعية، ويتبنون أفكارا غاية في الحداثة من خلال شعاراتها لكنهم يسقطون في أول امتحان عملي وصغير في نقيض أقوالهم، ويرسبون في امتحان القبول بالرأي والرأي الإخر، ويكشفون عن وجه مظلم وظلامي فعلا لأن الظلامية ليست رسما تجاريا خاصا بالأصوليين، بل هي ماركة فكرية قد تلتصق بكثير من الحداثيين المزعومين الذين يتبنون الشعارات فقط من الحداثة ولايعرفون عنها شيئا على الإطلاق.
لن أفعل مثلما فعل الشيخ عبد الباري الزمزمي حين وصف هؤلاء في الجزيرة القطريرة بأنهم "حالات مرضية" ، لأنني لاأؤمن بهذا النوع من الحوار. بالمقابل لاأجد أي حرج في الرد عليهم وإعادتهم إلى حجمهم الطبيعي لأن "التروينة" التي انخرطوا فيها وهم يعتقدون أنهم يمارسون التدوين الإلكتروني، والتفات البعض إليهم في لحظة من اللحظات جعلهم يعتقدون أنهم آشخاص مهمون وأنه يمكنهم أن يسبوا من أرادوا واتهامه متى شاؤوا ذلك مستغلين رحابة صدر الشبكة العنكبويتة التي تنشر لأغلبهم بعد أن رفضت الصحف والمجلات التي تحترم نفسها وتخضع لضوابط وأعراف مهنية أن تحتضن ترهاتهم.
بالنسبة لي - وسمحو لينا على هاد الغرور عاوتاني - لامشكل لدي أن يسبني هؤلاء وأن يقولوا عني إنني اشتغلت موظفا في مكتب الإتصال الإسرائيلي، علما أنه من الممكن ببساطة أن أذهب إلى أرخص محامي موجود في المملكة "مايكونش عندو حتى البيرو"، وأكلفه برفع دعوى ضد الشخص الذي كتب هذا الكلام مطالبا إياه بإثبات ماكتبه على موقعه في الفيسبوك وسأفعل به حينها ماأشاء لأن الأمر كاذب، لكنني من النوع الذي لايحبذ الذهاب إلى المحاكم في الرد على البوليميك.
عوضها أفضل أن أجيب رجلا ل...رجل، وأن أدفع بالتي هي أحسن وأحيانا مع أمثال الصديق المذكور بالتي هي أسوء فإذا الذي بيني وبينه عداوة كأنه ولي حميم أو كأنه من النوع الذي تلقمه حجرا كلما عوى.
لذلك أقول لصديقنا وعبره لكل أصدقا'نا في الحركة الشهيرة باسم وكالة رمضان إن المشكل الأساسي الذي يعاني منه المغرب ليس صوم شهر رمضان، ولكنه صوم بعض الناس الذين لايميزون بين أفعالهم، والذين يحملون من الأوصاف عند العامة والخاصة وصف "المسطيين".
ما الذي سيضيفه للمغرب والمغاربة أكل رمضان أو صومه؟ ما الذي سيغيره من حالة شعبي الفقير العاطلل المستباح المهلوك والمغلوب على أمره أن ينتزع لنا هواة المعارك الغبية والدنكيشوطية انتصارا جديدا يسمح لهم بالقص خلال نهار رمضان؟ أعرف بعض الخبايا الصغيرة عن المعركة التي خاضها هؤلاء السنة الفارطة، وسبق وأن كتبت إن من حق "أي منطيح" أن يفعل في نفسه ومعتقداته مايشاء، وأن نقاش الحريات الفردية هو كل لايتجزأ. لكنني اكتشفت أن الأمر لايعلق بنقاش حريات فردية ولا بأي هراء من هذا القبيل. المسألة ومافيها هي صبيانيات صغيرة لامعنى لها استلها البعض في لحظة من اللحظات لكي يلعب بصغار الحركة لعبته قبل أن يختفي وبقي بعض المهابيل مثل صديقنا ممن لايجدون مايفعلونه في أوقات فراغهم الطويلة ، بل والطويلة جدا ، مقتنعين أن الأمر يتعلق بمعركة فعلية وكبرى عليهم أن يخوضوها لكي يغيروا شكل مجتمعنا.
إلى هنا لاإشكال، "دراري كيلعبو وصافي" فأين تبدأ الخطورة إذن؟ تبدأ حين تتلقى وسائل إعلام تبحث للمغرب عن "سبايبو" مثل الجزيرة أو غيرها اللقمة سائغة وتقرر أن تلعب بهؤلاء لعبتها المفضلة: آن تنقل للعالم العربي صورة غير حقيقية عن بلدنا جعلت أصدقاء لنا في الخليج يسائلوننا "هل يوجد بالمغرب اليوم معركة من أجل إفطار رمضان علنيا؟" بعد أن وصلتهم أصداء هذا النقاش الكاذب الذي لاوجود له على أرض الواقع نهئيا.
هنا بالتحديد نشرع في طرح السؤال عن حدود العقل والحمق فيما يقوم به البعض، ونضطر لكي نقول لأنفسنا إن أعمال العقلاء التي تصان عن العبث تلزمنا ختاما بأن نبحث عن حل ما.
الحرية نعم، لكن السفه لاأحد يستطيع القبول به، خصوصا عندما يتحول السفه إلى مدونة إلكترونية تنز (آي تسيل باش يفهمها صاحبنا ) على رؤوسنا جميعا بذاءات وحماقات وأشياء أخرى من نفس القبيل.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
صراع وهمي جديد تدخله مسلمة مع جهاز تشتغل به بسبب لباسها من خلال القصة المضحكة المبكية لإيمان بودلال الموظفة المغربية بديزني لاند التي خلقت الجدل بسبب إصرارها على وضع سترة رأسها. متى ستفهم بعض المسلمات أن الحركات المتطرفة تلعب بهن لعبة مقيتة من خلال دفعهن إلى معاداة العالم وخلق مواقف كراهية معه بسبب لباس لم يرد أي نص قطعي بخصوص وجوبه في القرآن الكريم أو السنة النبوية؟ متى؟ الله أعلم حقا.
في انتظار ذلك مرحى بالمزيد من الحروب الفارغة

السبت، 21 غشت 2010

في الواجهة _ عمود السبت 21 غشت 2010

شيء يستحق...فقط
شيء ما ليس على مايرام في مسألة الضحك الرمضاني القسري المفروض على المغاربة كل شهر صيام. "شنو هو؟" بالنسبة لفنان مغربي صديق, المسألة واضحة تماما. "ماخصكومش تبقاو تنتقدو هاديك الأعمال_ يقول في اتصال هاتفي _ انتقادكم ليها كيعطيها حياة ماعندهاش أصلا عند الناس, وكتعطيو الشرعية للتلفزيون يواصل بنفس الطريقة حيت كيقولو ماليه المغاربة باقيين مككلخين وكيناقشو وكنيتقدو هاد الشي اللي كنعطيوهم".
استفزني فعلا تحليل الفنان الصديق, فسألته عن المزيد, فقال "غياب استراتيجية عمل تلفزيونية حقيقية هو سبب سوء التفاهم الكبير هذا بين الناس وبين تلفزيونهم. هل تتصور أن مسؤولي التلفزيون المحلي يتوفرون فعلا على استراتيجية يسيرون بها القطاع؟ قطعا لا, هم يدبرون الأزمة فقط بكل أوجهها: أزمة الإبداع, أزمة النص, أزمة التخييل, أزمة الرقابة التي لاتسمح لكل المواضيع بالمرور في التلفزيون, أزمة العلاقة مع الفنانين الحقيقيين, وأزمة الرغبة في صنع قالب موحد ينسج على منواله كل الفنانين, أزمة عدم القبول بالأصوات المخالفة. هل يمكن لتلفزيون الأزمات أن ينتج للمغاربة شيئا جيدا حقيقيا؟ لاأتصور".
كلام صديقنا يبدو موغلا في العدمية, وهو يقفل الباب نهائيا أمام أي محاولة إصلاح, لكنه في نهاية المطاف يعبر عن رأي عدد كبير من الناس فقدوا الأمل في رؤية شيء يستحق على شاشة تلفزيونهم. الأمر لايقتصر على فكاهة رمضان. لو كان مقتصرا عليها لهانت المسألة, ولقلنا إنه شهر واحد من السنة, علينا أن ننسى فيه تلفزيوننا "وراه عطا الله التلفزيونات". الأمر أعقد بكثير وأشمل بكثير وهذا هو أس البلاء.
اليوم لدينا أزمة تلفزيون فعلية اتضح أن كل المحاولات الترقيعية التي تم القيام بها لم تنفع في حلها. جربنا التحرير المتحكم فيه, وجربنا إطلاق القنوات المتفرعة عن القناة الأصل, وجربنا التحكم في القناة الثانية التي كانت صوتا مغايرا بدرجة معينة, وكل مافعلناه نجح فقط في تأكيد إحساس لدى المشاهد المغربي أنه لاتلفزيون لديه في هذا البلد, ولا مسؤولين لديه قادرون حقا على صنع هذا التلفزيون.
ازداد الأمر استفحالا بدخول دول شقيقة وصديقة لنا إلى هذا القطاع, وبالأخص في الخليج الذي كنا نسخر منه ومن قدرة أهله على مسايرة ركب الزمن الحديث, قبل أن نستفيق على وهمنا الكبير ونحن نكتشف أننا "حنا اللي ماقادرين نسايرو والو". الدول الخليجية الصغرى أو التي كانت توصف بالصغرى تمكنت من تأسيس إمبراطوريات تلفزيونية بكثير المال, نعم, لكن بكثير الذكاء أيضا. فهم الناس هناك أن الحل ليس سحريا, ولكنه ينبني على معادلة بسيطة للغاية مفادها ضخ المال لإنشاء قنوات تلفزيونية والاستعانة بالأجانب القادرين على منح الفائدة الفعلية لا الأجانب الراغبين في الاغتناء والهروب فقط, ثم تقديم كل شيء وفق مايمليه عصر الصورة الحديث, لا مثلما تمليه الاعتبارات السياسية المتخلفة.
رب قائل يقول إن التلفزيونات العمومية الخليجية تشبه تلفزيوننا الرسمي هي الأخرى. قول سديد فعلا, لكن ما الذي يمنعنا من تقليد الآخرين تماما؟ أن نترك لتلفزيوننا المحنط رغبته في البقاء خارج الزمان والمكان المعاصرين, وأن نطلق قنوات عصرية وحديثة تنافس مانراه في العالم اليوم مع التحكم في خطها السياسي الكبير, في عناوينها الرئيسية لئلا يعتقد البعض أننا نطالب بإنشاء قنوات ستقيم لنا الثورات في البلد.
حقيقة المسألة أصبحت مستعجلة ولا تقبل أي تأخر, لأن الأمر يتعلق بصورة البلد الذي ننتمي إليه, والذي يضرنا أن نراه متخلفا في ميدان مهم مثل هذا الميدان. معركة الصورة هذه اللحظة هي أهم من كل المعارك الدونكيشوطية التي نخوضها في مجالات أخرى دون أن يكون لها أي نفع قد يعود على بلدنا, والمغرب _ بشهادة أهل القطاع أولا _ مؤهل لكي يطون قائد تجىبة تلفزيونية عربية لامثيل لها. يكفي فقط أن يؤمن من بيدهم الحل والعقد أن الأمر ممكن فعلا, لأننا لانصدق أن البلد الموجود على مفترق طرق العالم بأسره بين هواء أوربا البارد, ولفحات إفريقيا الحارة, و انتماءات العالم العربي التاريخية, والذي يتشكل من الفسيفساء الناردة التحقق في مكان آخر من كل الهويات والأجناس والديانات والأعراقو والذي يعيش ربيعا سياسيا لامقارنة له في العالم العربي إلا بمصر ولبنان هو بلد عاجز عن الريادة التلفزيونية التي تعني في الزمن الحديث الريادة الحقيقية.
شيء ما يمنعني من تصديق هذه البديهية التي تقول إن قدرنا هو هذا المستوى. شي ما يقول لي إن المغاربة يحق لهم أن يلتقوا في إعلامهم البصري مع شيئ يستحق المشاهدة فعلا, لا اللعنة فقط..
"غير شي حاجة تستاهل". هذا مايطالب به شعبنا اليوم في تلفزيونه لا أقل ولا أكثر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بلغت تحويلات المهاجرين المغاربة إلى بلادهم المليارين من الدراهم في ظرف خمسة أشهر فقط. رقم يقول كل شيء عن الإضافة الفعلية التي يقدمها هؤلاء للوطن, وتشعرنا بضرورة مراجعة تلك الصورة السلبية التي نحملها في المتخيل الجمعي عنهم.
ههؤلاء مغاربة يفهمون معنى الانتماء الحقيقي للمغرب, وليسوا مثل عدد ممن يسكنون معنا في البلد, لكن البلد لايسكنهم, وكل خيراته التي يسطون عليها يحولونها إلى الخارج.
فارق واضح تماما

الجمعة، 20 غشت 2010

في الواجهة عمود الجمعة 20 غشت 2010

نور الدين...صاحبي
اليوم سيلتئمون حول جثتك. اعذرني, لن أتمكن من المجيء. كلهم سيكونون هناك, سيبكونك, سيرثونك, سيتحدثون عن مناقبك بل فيهم من سيقول فيك شعرا. اعذرني, لن أكلف نفسي عناء سماع كل هذا الهراء. أعرف أن أغلبيتهم تتحرك من منطلق إنساني جميل, تريد به أن تبقي ذكراك حية بيننا, لكن النية الجميلة وحدها لاتكفي. عوضها ماأحلى الفعل الجميل.
كنت أتمنى أن تكون حيا الآن. أن تشاهد تفاهات رمضان معنا. أن نتندر جميعا من المستوى "العالي" الذي بلغناه هذه السنة أيضا والذي حطمنا به مستويات السنوات الفارطة. كنات أتمنى أن أسمع صوتك عبر الهاتف مجددا "مختار, غادي تجي للافون بروميير, ولا غادي تسيفط لينا شي واحد من الدراري؟" قبل أن تختمها بلازمتك الجميلة والساخرة "تواضع شوية آبنادم".
أما وقد اختارتك الحياة لكي تضعك في البرواز الحزين, والوشاح الأسود يتدلى يسارا منها, فاعذرني صاحبي, لكنني لن أستطيع المجيء. لم تعد لدي كلمات رثاء جديدة لفرط ماكتبت عن الراحلين (بحال شي حانوتي لايجد من يدفنهم فيمضي الوقت كله في تعداد مناقب من رآهم يسبقونه إلى الحفرة الشهيرة تلك التي سندخلها واحدا بعد الآخر) ولم أعد أستطيع التملي في وجوه عدد من الناس الذين يكرهون الأحياء المتميزين, وفور الوفاة, فور الرحيل, فور التأكد أنهم لم يعودوا معنا هنا, وأنهم لم يعودوا قادرين على شيء, يتحول الكره إلى حب, والحقد المجاني إلى إعجاب "لم يتسن لهم التعبير عنه حين الحياة".
هؤلاء أكرههم _ نور الدين _ وأنت تعرف أنني مثل بقية الجنوبيين نحمل معنا في ركن قصي من الذات "واحد التعكيسة" لامثيل لها قد تدفعنا في لحظة من اللحظات لقول الحقائق مثلما هي خصوصا إذا كان حجم الكذب كبيرا. لذلك سامحني, لكنني لن أحضر أربعينيتك.
ثم دعني أصارحك بشيء صغير. عوض الاحتفال بك وبأربعينيتك واستحضارك أنت الذي ذهبت بكل تأكيد دون عودة, حبذا لو ذهبنا جميعا لكي ندق كل الأبواب لكي يبقى للصغار منك تذكار ملموس, مادي. تذكار ينفعهم لما تبقى من مشوار الحياة. حبذا لو ضغط كل واحد منا من موقعه لئلا يبقى الصغار وحدهم في اليم المسمى الحياة. يرفعون التحدي تلو التحدي, وحين ينهزمون أمامها يقولون "أين أبي؟" ليس على عادة السلسلة المكسيكية المدبلجة التافهة, ولكن على عادة من لايجد عونا له في هذه الحياة, فيستكين في الظل طلبا للدموع عسى أن تهديه طهارتها بعض قدرة على مقاومة الرداءة والرديئين.
اسمح لي نور الدين, لن أكون هناك الليلة. أنا فضلت منذ أن جاء نبأ رحيلك الغريب في بداية الصيف, أن أجعل قليل الصور ويسير اللحظات التي اشتركناها معا ملكا لذاكرتي, أستلها حين الضرورة لكي نروي قفشة هنا, أو حادثة وقعت وعلقت بالذهن إلى الأبد هناك. ثم دعني أصارحك مجددا أنني حين قرأت لزميل يكشف أنك كنت تريد بطاقة صحافة في نهاية حياتك, شعرت بكره غريب لتلك التي أحملها في حافظة نقودي وأوراقي, وقلت لنفسي إنك حملت معك هذا الحلم الصغير إلى هناك دلالة شيء ما كنت تريد أن تقوله لنا لكننا لم ننصت إليه.
اعتراف من كنت تريد يانور الدين بتلك البطاقة؟ وشهادة من كنت تروم, أنت الذي سبقت أغلبنا إلى الحرفة اللعينة التي لم تعطك مقابل التعلق بها إلا الجحود؟ هل تعرف نور الدين أن البطاقة التي كنت تريدها يتوفر عليها المجرمون وأصحاب السوابق و"الطفلات" ممن يمكنك أن تصطحب أي واحدة منهن لكي تفعل بها ومعها ماتشاء مقابل بعض الدريهمات المعدودة؟ اعتراف من كنت تريده من خلال تلك البطاقة نور الدين؟
سأقول لك على سبيل الكلام المبتذل لاغير: يكفيك اعتراف زملائك بك. لكن هذا الأمر لايكفي, وهو يبدو مثل الكذب "المفروش". أغلب زملائك لم يعترفوا بك إلا بعد الرحيل, كعادتنا نحن الذين نأبى الاعتراف بالمتميزين منا وهم على قيد الحياة. "كنتسناوهم يموتو" لكي نخبرهم كم كنا نحبهم. ماأغبانا وماأقدرنا على النفاق صاحبي.
ومع ذلك نور الدين دعنا نجد للماء طريقا يمر منه. دعنا نلتمس للأغلبية أعذارها في هذا الزمن الصعب, ودعنا نقول إن أصدقاءك الحقيقيين الذين وقفوا وراء هذه المبادرة يستحقون الشكر لأصدقهم, لأولئك الذين يريدون بها أن تبقى الذكرى منك حية بيننا, ومن يريدون من خلال المبادرة أن يذكروا من بيدهم حل وعقد مشهدنا النقدي السينمائي الإعلامي التلفزيوني أن ناقدا متميزا كان يسمى قيد حياته نور الدين كشطي قد رحل عنا بداية هذا الصيف في حادث سيارة غبي وأن عائلته تستحق منا جميعا بعض الالتفات, وأن أربعينيته اليوم ستنعقد ذكراها في الدار البيضاء.
إذا نجحوا _ صاحبي _ في الوصول إلى هذا الهدف: أن يذكروا بعض مسؤولينا بذكراك, سأسحب كل كلامي, وسأقيم لذكرى كل الراحلين قبلك ومعك وبعدك ألف قداس.
اعذرني نور الدين على الكلام القاسي ليلة أربعينيتك, لكن البلد علمتنا فقط نسيان العابرين منها من الأبناء وتذكر الإمعات, وترداد ذلك المثل الكريه "كيت اللي جات فيه", ثم الانزواء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سحب دول جديدة من دل الكاراييبي بلغ عددها الأربعة لاعترافها بجمهورية الوهم انتصار جديد للقضية الوطنية من اللازم توظيفه بشكل جيد، والحرص على استثماره إعلاميا في مواجهة الخصوم الثلاثة للوحدة الترابية المغربية: الجزائر، الصحافة الإسبانية ثم البوليساريو أخيرا<
ذلك أنه وعلى مايبدو أصبح هذا الترتيب هو الترتيب الحقيقي لأعدائنا في قضية الصحراء، واتضح فعلا أن الوصف الذي كان يستعمل سابقا في حق البوليساريو والمرتبط بالارتزاق ليس خاطئا تماما مثلما اعتقدنا في لحظة من اللحظات

الخميس، 19 غشت 2010

في الواجهة عمود الخميس 19غشت 2010

تأشيرة للكرامة
الكثيرون لم يرقهم أن تتشدد السعودية في منح "فيزات" العمرة لفتيات مغربيات, والكثيرون اعتبروا الأمر علامة استهتار بالعلاقات الأخوية بين المملكتين, وإهانة إضافية لاتستحقها المرأة المغربية, ولا تحتاجها هي التي تعاني صورتها من آثار مدمرة على امتداد العالم العربي كله. نتفهم أن يجرح الإجراء شعور البعض, لكن ماينبغي فعلا أن يجرحنا جميعا هو السبب الفعلي الذي جعل صورة نسائنا تتحول إلى هذا المنحى الرهيب.
شيء ما اشتغل لسنوات لكي يصور لنا المرأة في بلدنا مرادفة فقط للدعارة, ولكي يقدم لنا رحلاتها إلى الخليج باعتبارها رحلات ذات اتجاه واحد, وهدف واحد: بيع الجسد, والعودة من هناك بأقصى مايمكن من المال.
هل هي صورة كاذبة؟ قطعا لا, هل هي الصورة الوحيدة؟ مرة أخرى, قطعا لا.
هناك فتيات مغربيات يشتغلن في الخليج في مهن الدعارة بمختلف مسمياتها, لكن هناك معهن نساء مغربيات يشتغلن هناك بشرف. هناك مافيا حقيقية تشتغل في المغرب ترسل باستمرار إلى الإخوة العرب حاجتهم ويزيد من "اللحم المغربي الرخيص", لكن هناك أيضا شركات كبرى ومحلات تجارة وغيرها تستقدم يدا عاملة مغربية رخيصة لكي تمتهن مهنا شريفة في الخليج. لذلك علينا أن نتوقف عن التعميم, وأن نتناول كل حالة لوحدها, وأن لانطبق _ في هذه بالتحديد _ المثل المغربي الشهير "حوتة وحدة كتخنز الشواري", لأن الأمر يهم سمعة بنات وعائلات مغربيات كثيرات هاجرن إلى هناك بغرض آخر غير غرض بيع الجسد.
ومع ذلك لابأس من الاعتراف بأن المافيا التي تورد اللحم المغربي الرخيص نجحت في تصوير بلدنا في مختلف الدول العربية باعتباره فقط البلد الذي يصدر فتياته إلى العرب, والذي يقبل كل ذكوره العمل سماسرة أجساد. وللمتسائل عن أسباب هذه الصورة يمكن أن نقول إن جزءا رئيسيا منها سببه وجود الظاهرة بالفعل, وأن الأسباب الأخرى تتحدد أساسا في تركيز صحافة معينة على ترويج هذه الصورة لوحدها دون بقية الصور عن بلدنا.طبعا الصحافة تنقل جزءا ضروريا من الصورة, لكن حين يصبح نقل الصحافة للصورة متمحورا فقط حول هذا الجزء هنا يبدأ المشكل حقا.
لكن لنطرح السؤال واضحا وصريحا: من السبب؟
القول بأن الفتيات اللائي يهاجرن إلى الخليج هن سبب الصورة سيكون ظالما للغاية. القول إن العائلات التي ترسل بناتها إلى هناك هو السبب سيكون الظلم بعينه. السبب الحقيقي هو هذه الحرب التي نخوضها ضد كل نقي في دواخلنا بكل الوسائل إلى أن وصلنا الحد الذي لارجعة منه والذي يقول إنه من الأفضل لعائلة مغربية أن تبيع الذهب الذي تمتلكه لكي تشتري لابنتها "كونترا" تذهب بموجبها إلى الخليج لكي تشتغل "حلاقة". (على قلة الكوافورات تماك؟) . السبب الحقيقي يكمن في هذه النزعة المادية التي تمكنت من الجميع, والتي جعلت عبارات مثل الشرف والكرامة وغيرها من مرادفات الزمن الجميل تعني بكل بساطة الغباء في زمننا هذا.
السبب الحقيقي يكمن في استحالة العيش على نفس الرقعة بين من تمضي الشهر كله ترتدي نفس الحذاء, وبين من تصرف أكثر من عشرين أو ثلاثين ألف درهم في اليوم في سهرة تافهة لاتدوم إلا سويعات قليلة. السبب الحقيقي يكمن في أن الهواء لايكفي للعيش من تستفيق في السادسة صباحا لكي تشتغل في "لوزين" حتى الثامنة ليلا, في الوقت الذي تستفيق فيه بالتحديد تلك التي ستبدأ ليلتها الإضافية نحو آفاق أخرى لاتنتهي ستصرف فيها أضعاف أضعاف ما تتلقاه شهريا العاملة البسيطة التي تستعد للنوم.
السبب الحقيقي يكمن في أن البلد "خرج من الخيمة مايل", وحكم على أبنائه بالسقوط المدوي بين حريك الذكور وبين دعارة الإناث في كل بقاع العالم, دون الحصول على التأشيرة الأهم: تأشيرة الكرامة. قالت لي فتاة مغربية التقيتها ضمن "وفد" من العاهرات المغربيات في بيروت "ساهلة الهضرة الخايبة على البنات, ولكن اللي صعيب تقول ليا يلا دخلت للمغرب شنو ندير. أنا كنضبر على راسي بالمزيان هنا, حسن ماندير نفس الشي فالمغرب...وفابور".
هل من كلمات تصمد أمام هذا المنطق السليم وهذا الكلام المتراص فعلا رغم بؤس المشهد العام؟
أتصور أنه من الأليق لنا أن نبحث عن طريقة أخرى لتناول هذا الموضوع, وستلاحظون دون شك أن هذا العمود لم ينتصر لموقف من المواقف كلها التي ترتبط لهذا الموضوع, بكل بساطة لأن الانتصار لأحدها سيكون ظلما حقيقيا, ولأن المشكلة أعقد من أن تناقشها في مكتب مكيف وأنت تفكر مليا فيها دون أن تكون معنيا بها حقا وبملابساتها. "المخبوطات" بمزود هذه الآفة اللعينة وحدهن يحق لهن الحديث عنها وعن سب الخلاص يوما من دوامتها. غيرهم لايملك إلا أكل الهواء: أن يردد كلاما لايعرف معناه عن قضية لا يحس بثقل مرارتها الحقيقي, ويكتفي بترديد مايسمعه عنها هو الآخر, لا أقل ولا أكثر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضحكة أصبحت حكاية القزابري والصحافة في رمضان: "الجورنان اللي حرافت لو", ينجز روبرتاجا عن اصطفاف المصلين بالمئات وراء القزابري في مسجد الحسن الثاني. الأمر كان مقبولا في السنوات الأولى لظهور هذا المقرئ النجم, أما وقد أصبح عاديا ومتداولا ويعرفه الخاص والعام فإن تناوله باستمرار يعني أننا "مالاقيين مانكتبو". ورغم ذلك "نتخاطرو العام الجاي", ستقرؤون مجددا في جريدة ما : المئات يصلون خلف القزابري في تراويح رمضان.
الله يتقبل, "شنو بغيتونا نديرو ليهم"؟
.

الأربعاء، 18 غشت 2010

في الواجهة عمود الأربعاء 18 غشت 2010

إحزن أيها المغرب !
تحت عنوان مستفز هو "لاتحزن أيها المخزن", كتب الصحافي الجزائري أنور مالك في جريدة "الشروق" الجزائرية وفي موقعه على الأنترنيت تكذيبا لما نشرته جريدة العلم بخصوص مانشرته سابقا الجريدة الجزائرية عن رحلة أنور مالك إلى الداخلة التي عاد منها بمقالات مدفوعة الأجر انتصر فيها للأطروحة الجزائرية, وأطروحة البوليساريو وهما معا وجهان لعملة واحدة بطبيعة الحال.
مالك أثنى على مهنية "الشروق" وقال إنها نشرت بالحرف ماأرسله إليها, وعنونته بشكل احترافي وأخرجته إخراجا تقنيا متميزا, وأن مانشرته جريدة حزب الوزير الأول في المغرب ونسبته إلى جمعية الطاوجني "الصحراء المغربية" هو كلام عار من الصحة, وهو أمر خطير خصوصا وأن العلم عبر بيان الجمعية تحثدت عن عدم تمكن أنور مالك من الرد على الشروق لأنه كان نزيل أحد المستشفيات, وهو الأمر الذي نفاه الضابط الجزائري الذي ينتحل في أوقات فراغه صفة صحافي, مؤكدا أنه يتحمل مسؤولية كل سطر نشره عن الصحراء المغربية وزيارته لها.
فور انتهائي مما كتبه أنور مالك وهو ينصح المخزن ألا يحزن, وجدتني أردد "المخزن ربما, لكن المغرب يجب أن يحزن بعمق". فبلدنا المسكين الذي ابتلي بمسؤولين يقدسون الصحافة الأجنبية كان في غنى عن هذا الفصل البايخ جدا الذي أتحفنا به هذا النكرة الذي لايعترف به إلا المغرب. وبلدنا الذي خبر لسنوات طويلة أيام ادريس البصري أن الأغلفة الإشهارية ودفع الملايين من الفرنكات الفرنسية لمجلات فرنسية أو إسبانية أو أمريكية أو لمجلات إفريقية مستقرة في أوربا لكي تقوم بتلميع صورة المغرب على صفحاتها, هي عملية خاسرة من بدئها إلى الختام, لأن القارئ الذكي يعرف أن الأمر يتعلق بحملة إشهارية أولا, ولأن أصحاب تلك المجلات يغيرون كتف البندقية فور انتهاء أثر المال الذي يتلقونه من بلادنا, ويشرعون في عملية ابتزاز حقيرة مفادها "أعطونا عاوتاني وإلا سنفتح الباب أمام أعدائكم, (هذا البلد) كان من المفروض عليه أن يستفيد من كل هاته الدروس وأن يتعامل مع الأجانب من الصحافيين تعاملا مهنيا رصينا لامجال فيه .
تعامل قوامه "مرحبا بكم للعمل في بلادنا بكل حرية مع احترام ثوابت وأسس هذا البلد, تماما مثلما تفعلون في كل الدول التي تذهبون للعمل فيها, لاأقل ولا أكثر". عوض ذلك نجد للأسف الشديد تعاملا قوامه الأول والأساس البسطيلة, وصور الكارت بوسطال الكاذبة التي يعرف الصحافيون الأجانب أنها تعد خصيصا لهم, لذلك لايضعونها في اعتبارهم. بالمقابل يحرصون على أن يستمتعوا بإقامات العمل التي تتحول إلى لحظات سياحة واستجمام مدفوعة الأجر من طرف كل الجهات. وقد حكى لي زميل فرنسي من مجلة متخصصة في أخبار المشاهير, أتى لكي يغطي مهرجان مراكش السينمائي أنه لم يعد قادرا على الاستجابة لكل الدعوات التي تأتيه على امتداد النهار, والتي تنتهي كلها بهدايا ثمينة, في الوقت الذي يمضي فيه الصحافيون المغاربة الوقت متسقطين أخبار أنشطة يعرفون أنها تقام في مكان ما لكن لايعرفون إليها سبيلا.
وبمواجهة كل هذا الاحتفاء بالأجنبي الذي يرد لنا الصاع صاعات عدة, ولايحفظ خيرا ولا معروفا, بل يستغل سذاجة المسؤولين المغاربة الذي يعتقدون أنهم قادرون على التأثير على الصحافة بهذه الأساليب البدائية, نجد التعامل الغريب والقاسي مع الصحافة المغربية, التي تذهب إلى "أ ف ب" أو "لومند" أو غيرهما لكي تعثر على حوارات وتصريحات حقيقية فيها بعض المادة المهنية لمسؤولين مغاربة عن قضايا هامة للغاية تخص المغاربة. بل يحدث لنا غير مامرة أن نأخذ خبرا حيويا يخص قضية وحدتنا الترابية من صحف أجنبية أو من وكالات دولية اعتبر وزير من وزرائنا أو مسؤول يقل عنه أو يزيد أنه من الأليق والأفيد أن يمنحها هي السبق وأن يترك لصحافة بلده أن تسرق منها أو تنقل عنها مع سرد المصدر أو دونه لأن الأمر لايهم كثيرا في نهاية المطاف.
لذلك وحين تأتي هذه الصفعات من أنور مالك أو من الكتيبة الإعلامية الإسبانية أو من أصدقاء فرنسيين لنا لانتوقع مجيء الضربات منهم, نكتفي نحن بتحريك رؤوسنا دلالة أننا كنا نعرف هذا المآل, فيما يخرس مسؤولونا الذين يفتحون المجال رحبا أمام النكرات من الصحافيين الأجانب, ويوصدونه نهائيا أمام أبناء البلد, خصوصا إذا كان الصحافيون المحليون من غير ذوي الارتباطات. وهذا موضوع آخر لن يسعه بكل تأكيد حيز هذا العمود, بل تلزمه المجلدات تلو المجلدات, مما يمكن أن يكشف لكم لو اطلعتم عليه أن الكراكيز التي تحركها الخيوط الشهيرة في اللعبة الأشهر, ليست مجرد ترفيه عابر لاوجود له إلا في خيال صانعيه. هي أحيانا تكون أصدق من الصدق, وأكثر وجودا من الواقع. لذلك قلناها في البدء ونعيدها دون ملل هنا : إحزن أيها المغرب, فقد ابتلاك الله بأكثر قوم الله غباء لكي يفعلوا فيك مايريدون...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أن تأخذ إسبانيا على محمل الجد تبرم المغرب من تصرفات عنصرية تكاثرت في الآونة الأخيرة، وترسل وزير داخليتها إلى المغرب لتدارس الأزمة الأخيرة بينها وبين بلدنا أمر يحمل دلالات عدة أبرزها أن في إسبانيا عقلاء يعرفون أنه ليس من مصلحة أي من البلدين أن تتوتر الأجواء بينهما، لأن المستفيد من التوتر سيكون هو الإرهاب والهجرة السرية وتجارة المخدرات.
بعض العقل يننفع أحيانا بين الجيران لكي تستمر جيرتهم على أحسن مايرام.

الثلاثاء، 17 غشت 2010

في الواجهة عمود الثلاثاء 17 غشت 2010

دروسنا الحسنية
أعترف أنني لاأفهم في بعض الأحيان في بعض المواقف "ّالذي بعث". أظل أحملق فيها وأحاول عبثا أن أعثر على منطق سليم يبررها. فكرة ما تضيف إليها بعض التفسير, أو قليل تحليل يعيد لها المعنى لكي تكون, فلاأجد. قرأت في عدد "التجديد" الأسبوعي تعليقا من جريدة التوحيد والإصلاح على ماورد في جريدتنا في ركن "من صميم الأحداث" بخصوص الدروس الحسنية. ما الذي قلناه نحن بخصوص هذه الدروس, وماهو التعليق الذي ساقته "التجديد"؟
قلنا نحن بالحرف التالي في ركن "من صميم الأحداث", التالي: مع انطلاق شهر الصيام الفضيل تنطلق بالمغرب سنة دينية جميلة تحمل من الأسماء إسم "الدروس الحسنية" ومن الأوصاف وصف التقاء علماء ديار الإسلام من كل مكان في المغرب بلد تعايش الأديان. الكثيرون يعتبرون الدروس الحسنية طقسا رسميا عاديا يمر كل شهر صيام وكفى لكن العارفين قليلا بمجريات الأمور يدركون أن تلك الدروس هي رد المغرب على التطرف الذي يجتاح العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه.
ففي هذا الحدث الديني المعبر يجلس ملك البلاد أرضا ويجلس العالم الذي سيلقي الدرس فوق كرسي مرتفع لكي يعطي من خلال الإشارة الرمزية الأولى الهدف والمغزى من هذه الدروس, وهو الهدف الذي يتضح أكثر من خلال تعاقب كبار الفقهاء المتنورين على كرسي محاضراتها, ومن خلال حرص أجلة العلم في العالم الإسلامي على عدم إخلاف الموعد معها الذي يكاد يصبح بالنسبة لهم فرض عين لايسقط عن واحد منهم, بل يلزمهم جميعا بالحضور.
وقد التقطت جهات أمريكية مغازي هذه الدروس هذه السنة, واعتبرتها علامة على وعي المغرب بما يمكن أن يقدمه التفسير المتنور للدين لا التفسير الظلامي, وبقدرة إمارة المؤمنين في المغرب على جمع كل أطراف المذاهب والتصورات في ديننا ودفعها إلى الانصهار في بوتقة نقاش هادئ يعبر فعلا عن جوهر هذا الدين العظيم الذي ننتمي إليه.
ذلك رد المغرب على المتطرفين, وذلك رد المغرب على فوضى الإفتاء الكاذبة التي تجتاح عالمنا الإسلامي, وذلك تصور المغرب بكل بساطة لدينه الحنيف". هنا انتهى كلام "من صميم الأحداث", فما الذي قالته "التجديد" تعليقا على كل هذا الكلام؟ اصطفى إخوتنا في جريدة حركة الحمداوي التابعة لحزب بنكيران فقط نقطة التنويه الأمريكية بالدروس الحسنية لكي يكتبوا بالحرف " هل يحتاج المغاربة إلى تزكية أمريكا لوعيهم ومزايا هذه الدروس؟"
طبعا نفهم أن في الركن الكثير مما أثار حفيظة الإخوة لأنهم أحسوا بنفسهم مقصودين بأغلبه, فالدروس الحسنية رسالة تسامح موجهة ضد التطرف الذي يشجعونه, والدروس الحسنية مكان التقاء لعلماء أجلاء نحترمهم نحن فيما يصفهم أصحاب حركة التوحيد والإصلاح في جلساتهم الخفية بعلماء السلطان, والدروس الحسنية هي دليل على أن المغرب بلد الإسلام أولا وقبل كل شيء, وليس بلد الفساد والماخور المفتوح مثلما تحاول إقناعنا بذلك كتابات التوحيد والإصلاح والحزب التابع لها أو التابعة له العدالة والتنمية. والدروس الحسنية هي الدروس التي أتاح فيها جلالة محمد السادس لامرأة أن تجلس فوق كرسي العلم والإلقاء لكي تقول بين يدي ملك البلاد ونخبة من علماء الإسلام قولها في الدين والفقه مما لم يزدرده أهل التوحيد والإصلاح إلى يومنا هذا. لا, بل إن الدروس الحسنية حظيت "بالطلعة البهية" لواحد من قيادات التنظيم هو أحمد الريسوني يوم تم تيسير الأمر له قبل فراره الأخير من بلده إلى السعودية, بعد أن تراكمت أخطاؤه "الاستراتيجية" في نظر الإخوة ومنظريهم الكبار.
هذا عندنا أما عند التنظيم فالدروس الحسنية مثلما قال عنها قيادي إخواني أواسط التسعينيات لجريدة "الشعب" الناطقة باسم جزء من الإخوان المسلمين في مصر "هي خطة خطيرة من ملك المغرب لسحب البساط من تحت أقدام أبناء الصحوة, لذلك وجب علينا تسفيهها ووصف العلماء المشاركين فيها بكونهم علماء السلطان الذين ورد فيهم المأثور النبوي الشهير ""
إن في جهنم وادياً تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة، أعده الله للقراء المرائين في أعمالهم وإن أبغض الخلق إلى الله عالم السلطان ". وجاء هذا الكلام في معرض الرد على سؤال لقارئ مغربي أرسله إلى الجريدة المصرية يستفتيها في جواز الإنصات ومتابعة هذه الدروس التي تبث على التلفزيون مباشرة
لذلك كله, نفهم أن يزعج تنويهنا بالدروس الحسنية واستمرارها الإخوة هناك, وأن يختاروا من كل ماكتبنا التنويه الأمريكي بهذه الدروس لكي ينالوا منها بشكل خفي, ويرسلوا عبر انتقادهم لما كتبناه نحن, الرسالة التي تقول إن "الميريكان راضيين على المغرب تماما, وهاكو الدليل".
لدينا اقتناع كامل أن اللعب الخطير الذي يتقنه أهل الإسلام السياسي لن يؤدي ببلدنا إلى خير إطلاقا, ووقوفنا المرة بعد الأخرى عند هذه المنزلقات الدالة إنما هو من باب "وذكر" لأننا في نهاية المطاف مؤمنون بأنه ليس في القنافذ أملس. ونترك للراغبين في المقامرة بالبلد ومستقبله أن يؤمنوا هم الآخرون بما يريدون.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يبدو والله أعلم من خلال الإطلالة السريعة على البرامج التي اقترحتها علينا القناتان في الشهر الفضيل أن "دوزيم" سجلت تفوقا حقيقيا على الأولى في تنويع فقرات الفترة التي تسبق أو تلي الإفطار, وهي الفترة التي يعول عليها كثيرا أهل التلفزيون باعتبارها برايم تايم رمضان.
يبدو _ ولانريد هنا استباق حكم _ أن سليم الشيخ ماض نحو تفرد فعلي على حساب الأولى التي اكتفت باستنساخ ماقدمته السنة الفارطة بشكل غير مفهوم إطلاقا.

الاثنين، 16 غشت 2010

في الواجهة عمود الإثنين 16 غشت 2010

الورثة ودارهم
البعض انتقد كتابتنا السبت عن سيتكوم دار الورثة, واعتبر أن العمود ينبغي أن يظل "للقضايا الكبيرة". أعتذر بشدة, لكنني ضد هذا الرأي تماما, وأنا من المقتنعين تماما أن أهم المواضيع الكبرى في عالم اليوم هو التلفزيون والبرامج التي يقدمها التلفزيون. فقد أصبحت لهذا الجهاز سطوة تفوق حدود التصور, وأضحى متحكما فعليا في تسيير الجموع, خصوصا إذا كانت هذه الجموع "مامبلياش بالقراية", وتفضل مثلما هو حال المجتمع المغربي أن تتصفح كل الجرائد المغربية مجتمعة في المقهى بثمن المشروب الذي تحتسيه, وكل الكتب التي تشتريها هي الكتب المدرسية التي يفرضها المعلمون والأساتذة على التلاميذ والطلبة إبان كل دخول مدرسي.
من هذه الناحية لا التباس, والتلفزيون من خلال البرامج التي يعطيها الواجهة في شبكاته يعطينا تصورا عن نوع المواطن المشاهد الذي نتحدث عنه وإليه, ويمكننا من التعرف على من نتوجه إليهم أو من نكتب عنهم باستمرار. قلنا في عمود السبت إن السيتكوم الذي جعله تلفزيوننا المحلي نجم الأعمال الرمضانية هذه السنة قد استوفى منذ السنة الماضية كل مواضيعه, مايعني أن منحه الجزء الثاني هذه السنة, كان مغامرة غير مأمونة العواقب, دخلتها التلفزة بتوريط من مسؤولين فيها بغرض عدم البحث عن جديد حقيقي يستحق البث هذه السنة في ذروة فترات المشاهدة في رمضان.
المشكلة الحقيقية هي أن التكامل الذي أنشئ القطب العمومي من أجل الوصول إليه تم فهمه بشكل مغلوط تماما. ففي الوقت الذي يتم فيه بث "دار الورثة" على "الأولى" تبث القناة الثانية "ياك حنا جيران", والغرض هو فسح المجال بشكل نهائي وغير مهني للقناة الأولى لكي تحقق نسبة مشاهدة أفضل من الثانية. المنطق يقول إن التكامل التلفزيوني بين قنوات القطب الواحد هو منح طبق متعدد الأذواق والمذاقات للمشاهد لكي يختار فيما بين المتوفر فيه. بمعنى آخر أكثر وضوحا, المنطق السليم يقول إنه في اللحطة التي تبث فيها القناة الأولى ماتصفه بالسيتكوم الفكاهي من الممكن لدوزيم أن تقدم مسلسلا دراميا إذا كانت ترغب في الابتعاد تماما عن مجال الفكاهة الرمضانية القسرية مثلما قرر ذلك منذ السنة الماضية مديرها سليم الشيخ .
لكن مانلاحظه لاعلاقة له بتكامل من خلال تقديم كل الأطباق للمشاهدين لكي يختاروا بينها, ولكن له العلاقة فقط بتقديم عمل لن يشاهده الناس فقط من أجل تمكين العمل الذي يبث في القناة الأخرى من أكبر نسبة مشاهدة ممكنة. لفهم المسألة جيدا يمكن إعطاء مثال "للا لعروسة" الذي تم إفراغ الفترة الزمنية التي يبث فيها على القنوات الأخرى من أي شيء يمكن أن يثير المشاهد المغربي, والهدف هو أن تقول الإشهارات الكاذبة التي يتم توزيعها على كل من يقول "آمين" إن البرنامج حقق أعلى نسبة مشاهدة في تاريخ التلفزيون المغربي.
بهذه الوتيرة لن نحل الإشكال الذي يعانيه تلفزيوننا. بهذه الوتيرة سنزيد المشكل تعقيدا, وسنجد أنفسنا في لحظة معينة ملزمين بمنع القنوات العربية والأجنبية التي تبث برامجها تجاه بلدنا فقط من أجل أن نصل إلى نسبة مشاهدة كاذبة ومنفوخ فيها, ولا تعكس حقيقة الوضع التلفزي في البلد. ذلك أننا إذا كنا نستطيع لي يد وعنق الحقيقة في بلادنا وإجبار مسؤولي القناة المنافسة والتابعة في الآن ذاته للقطب على رمي "الفوطة", وإعلاء الراية البيضاء إيذانا باستسلامهم, فإننا لانستطيع القيام بشيء مع القنوات العربية التي تلتقط برامجها في بلدنا.
هؤلاء أناس مقتنعون تماما بأن البقاء للأصلح, وبأن البرنامج الجيد يطرد البرنامج الرديء, والسلسلة الضاحكة حقا تقتل بسرعة السلسلة المرتجلة والتي تم إعدادها بشكل مشوه للغاية, والمسلسل الدرامي المكتوب والذي تلعب بطولته الأسماء الكبرى في المشهد التلفزيوني العربي سيتمكن بسهولة من المسلسل الدرامي الغائب أصلا وغير الحاضر في تلفزيوننا المحلي. لذلك مع هؤلاء لاسبيل للتفاهم إلا بإعداد برامج جيدة, وتطبيق مثل المغاربة الشهير "كون سبع وكولني". أما عدا ذلك فسيتعرض تلفزيوننا للهزيمة الشهيرة التي يتعرض لها كل شهر صيام, والتي نخفيها جميعا بالتركيز على نسب المتابعة والمشاهدة خلال ساعات مابعد الإفطار دون أن نضع في اعتبارنا أن المشاهد المغربي يمضي بقية ساعات النهار كلها في التلفزيونات الأجنبية.
في لقاء سابق حول التلفزيون وبرامجه قال أحد المتدخلين إن التلفزيون مجرد مرآة للمجتمع, لذلك عليكم قبل أن تشرعوا في سب وانتقاد برامج رمضان أن تتأملوها جيدا, لأن من يخططون لكم مشاهداتكم يعتقدون أنهم يقدمون لكم وجهكم الحقيقي عبرها. ولكم أنتم طبعا واسع النظر في أن تقبلوا بحكمهم هذا وتعتبروه صادقاو أو أن تعلنوا تمردكم على هذا الرأي, ولو بتغيير المحطة حين بثها لرداءة ما, عوض التفرج عليها وسبها رغم ذلك...ستكونو شبيهين حينها بورثة يتصارعون حول دار لن يملكها أي منهم في يوم من الأيام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الأمر الذي أصدره العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز بقصر الفتوى على هيئة كبار العلماء ثورة صغيرة لكن حقيقية في المملكة، لكنه أيضا أمر يمس كل الدول المنتمية للعالم الإسلامي التي يريد الكثيرون فيها أن ينقلوا إلينا حمى الإفتاء التي لاتستند على أساس والتي تجعل العالم كله يضحك منا حين يمسعنا نفتي بجواز قتل ميكي ماوس، أو جوز إرضاع الكبير أو جواز شرب بول البعير، وقس علر ذلك ماتشاء.
ربما فهم البعض هنا معنر القرار السعودي الأخير، وقرر أن يترك هذه المهمة لمن توكل عليهم عن حق لا عن "سنطيحة" ممن يعرفهم الجميع

الأحد، 15 غشت 2010

ذكرى

شيخ المشايخ الحسين التولالي
كم مرت اليوم على الذكرى الحزينة؟ سبع سنوات أو يزيد، بل قل عشرا وأضف إليها من الأرقام مايبديها موغلة في القدم والعتاقة إلى حد الرعب الكبير. من يتذكر اليوم رجلا كان يسمى قيد حياته الحسين التولالي غير شلة الأهل الصغيرة والأقارب وبعض الأصدقاء، وحفاظ الملحون وقليلا من عشاقه المنقرضين؟
من يتذكر رنة تافيلالت هاته التي نزلت إلى مكناس لكي تطرب أذنها بالدارج المغربي إذ يضحي شعرا، وترافقه النغمات فيتحول إلى فن يسمى الملحون لايتذوق أريج عطره إلا الراسخون في الانتماء لهذا المكان المسمى مغربا،ولهذا الزمان المكنى الآن.
القليلون القليلون، وأسرة الحسين التولالي - شيخ مشايخ الملحون - تعيش اليوم ضنك الحال ولاتطلب شيئا سوى أن لايكون لمرور الذكرى كل سنة لامعناها الأبدي إلى أن لاتعود قاددرة على تذكر شيئ على الإطلاق، وتتحول إلى رقم عادي في السنة لايؤرخ لرحيل آخر أهرام فن الملحون في بلدانا في غياب أي اهتمام أو مايشبه دليل القدرة على التذكر وعلى الوفاء وعلى عدم النكران
كانت للحسين التولالي الذي ولد سنة ١٩٢٤ صدفة عجيبة مع فن الملحون الذي التقاه - هو الذي بدأ حياته يبيع النعناع في ضواحي مكناس وبالضبط في تولال التي أخذ عنها كنيته - على ناصية مقهى شهير بالعاصمة الإسماعيلية لم يكن يرتاده التولالي لأنه لايملك ثمن كأس الشاي فيه، ولكن يجلس على بابه للإنصات إلى فن سرى في عروقه بشكل غريب، واستهواه إلى درجة إدمان تلك الجلسة من أجل الحفظ ومن أجل ضبط الإيقاع ومن أجل المزيد من الاستممتاع بذلك الفن الجميل
وكان لانتقال التولالي إلى محل لبيع الحلوي يملكه شيخ الملحون الكبير العربي الحلوي الأثر الثاني في ضبط الذائقة الفنية للشيخ الذي أضحى مأسورا تماما بفن الملحون يردد "الميزان فالذات خلوق".
هذا الفن الذي كان المقابل الذي اختاره الصنايعية والكادحون للفن الآخر المقتصر على الأغنياء أي فن الطرب الأندلسي، والذي يعتبر تحويرا لما أدخله الموريسكيون معهم من الأندلس، وإن كانت النشأة ثابتة على تافيلالت التي جعلت الأندلسي يتحول إلى ملحون (من لحن الكلام أي الخطأ فيه) قبل أن ينزل إلى الحواضر الكبري وفي مقدمتها مكناس وفاس ومراكش وسلا
ظل التولالي رغم تقدمه في هذا الفن ووصوله إلى درجة شيخ الملحون الأول في القصر الملكي متواضعا زاهدا في الدنيا، وكنا - ونحن صغار في درب أجانا بالصباغين - نطل على بيته ونرى رجلا يرتدي سترة رياضية زرقاء ويحرص يوميا على ممارسة الرياضة، وتشير إليه الأصابع الأجنبية وتقول "هاهو"، دون أن ندرك نحن معنى مجاورتنا لهذه المعلمة الكبرى، فقد كان مجرد جار عادي لم يعطنا في يوم الإحساس بأنه المغني الذي بدأنا فيما بعد نرى صوره في التلفزيون، ونسمع عنه في الإذاعة.
بقي التولالي حبيس ذلك الدرب إلى أن توفي في يوم من شهر دجنبر من سنة ١٩٩٨ وكانت له قبيل وفاته - هو الذي طلب منه الحسن الثاني أن يطلب شيئا فطلب رضا الملك فقط - حكايات مع لصوص الذاكرة وسراق الأشياء الجميلة الذين حرصوا على التباهي بتنظيم التكريمات الكاذبة له لجمع الأموال التي لم تعرف يوما الطريق إلى منزل الحاج التولالي، بل وصلت الرداءة مستواها الأعلى يوم سرق من داخل المستشفى الذي رقد فيه التولالي رقدة مرضه الأخير ظرف مالي جاء من الأميرة للا أمينة لمساعدة الشيخ على تجاوز محنته الصحية القاتلة.
أما بعد أن مات الشيخ فقد "نبت" الكثيرون من العدم لكي يقولوا إنهم كانوا تلامذته وهو منهم براء، ويقولوا بأنه ترك لهم الملحون وصية وهذا الكذب وواضح، ويقولوا بأنهم لن ينسوا أبدا ذكرى الشيخ وسيظلون أوفياء لها ماداموا أحياء...
أما اليوم وأرملة الشيخ وإبنته الوحيدة نجاة يتلفتون فلايجدون إلا الخلاء الروحي قربهم وذكرى الرجل العظيم وبعضا من عتاده ومتاع دنياه القليل، فإن الصورة السوداوية تكتمل حقا، وتقول لنا كل ماتقوله عن مغرب مؤسف للغاية ليس جيدا فيه أن تكون فنانا عبقريا وعصاميا تصنع نفسك بنفسك، بل الأفضل أن تكون تاجر مخدرات أو غنيا من أغنياء حرب الفقر الت يتنخر البلد، وأن تترك لأنجالك شيئا يقتاتون منه ويعيشون في رفاه بفضله عوض أن تترك لهم فنا في بلد لااعتبار فيها للفن إطلاقا...
رحم الله الشيخ، ورحم معه الفن المغربي الذي يتقن الموت فقط...

تلفزيون رمضان

دار الورثة
لم أرغب كثيرا في الدخول في النقاش المغلوط الذي أثير حول "دار الورثة" السلسلة التلفزيونية التي تقدمها القناة الأولى في شهر رمضان الحالي, خصوصا وأن النقاش ظل حبيس اختيارات البرمجة الخاصة بالقناة وهذا شأن داخلي لاعلاقة لنا به, وكذا حبيس كواليس منح الإنتاج والجزء الثاني من هذه السلسلة وغيرها من الأعمال لشركة بعينها مما أعتبر نفسي غير قادر على الإحاطة بكل تفاصيله.
بالمقابل انتظرت حتى مشاهدة الحلقة الأولى والثانية من السلسلة للتأكد من تصوري التلفزيوني حولي, وتقديم بعض المعطيات الخاصة بها تلفزيونيا هذه المرة ودونما أدنى علاقة بالكواليس وبمن ينتجها أو لماذا ينتجها وبقية التفاصيل التي أثارت الجدل الشهير الخاص بهذه السلسلة. ويمكن إجمالا تلخيص المعطيات النقدية والتقنية الخاص بهذا العمل في التالي:
ابتداء من عنوان العمل هناك مشكل حقيقي: دار الورثة, الأمر يفترض موت صاحب الدار, لكن صاحبها باكبور حاضر في السلسلة, وفاعل رئيسي بها. لماذا اختيار هذا العنوان؟ ربما لعجز عن العثور على عنوان آخر يفي بفكرة العمل. ربما لاستسهال استعمال كلمة شائعة عند المغاربة هي "دار الورثة" واللعب عليها من أجل إثارة انتباه الناس. ربما لعدم التفكير أصلا في ارتباط العنوان برسالة العمل أو موضوعه, على افتراض أنه من الصعب أن نجد رسالة حقيقية في العمل باستثناء الفكرة الرئيسية التي انبنى عليها والتي تقول إن الحفاظ على ماتركه لنا الأجداد هو أمر جيد, مع الشك في أن تكون هذه الفكرة هي التي حركت كتابة الحلقات.
شخصيات العمل تعاني مشكلا رئيسيا بدورها, كتاب السلسلة, على اعتبار أن لدى هذه السلسلة كتابا, وليست حلقاتها نتاج ارتجال سريع ومشوه في البلاتو أثناء التصوير يعتمد ماتم خطه سابقا من خطوط للشخصيات ويعيد تركيب لعبها على حوارات إما متفق على مواضيعها الأساسية دون كتابتها, أو متفق على الجمل الأولى فيها, مع ترك الاختيار لكل الممثلين في إتمامها بما يرونه مناسبا, أو ملئها بما يبدو لهم قادرا على إثارة ضحك الناس, قلنا إن شخصيات العمل تعاني تمزقا حقيقيا في بنائها الدرامي. البطل الرئيس أو من يفترض أنه البطل الرئيس يكتفي بلعب حده الأدنى من خلال الجلوس مراقبا _ لعدم قدرة الممثل الرئيسي على الحراك الكثير _ ويؤثث فضاءات "لعبه" بكلماته المعتادة التي يكررها أو مايعرف ب"لي تيك" من قبيل "تررر" وغيرها. بقية الشخصيات تعاني مما يمكن تسميته أزمة العثور على النفس داخل النص.
ليس هناك بين كل الشخصيات الأخرى شخصية بطلة مايعطي للمشاهد الإحساس أنها تتنازع فيها بينها أدوار العمل ومساحاته المختلفة. المهنيون يسمون هذا الأمر ب"الشوفوشمون" خصوصا في الحوار حين لاتكتمل الجمل, ويدخل حوار الممثل الأول في حوار الممثل الثاني, خصوصا إذا لم تكن السلسلة متوفرة من البدء على نص حوار مضبوط يلتزم به الممثلون ويحفظونه ويقدمونه. النتيجة هي أن "صراع البطولة الثانية" هذا يؤثر فعلا على أداء الممثلين, ويمنح الشعور للمتلقي أنه بصدد التفرج على صراع حول من سيفوز بالبطولة في كل حلقة, وليس على حلقات رسمت شخصياتها قبل البدء, وتحدد لها القالب الذي ستلعب فيه مختلف تطورات العمل.
مواضيع الحلقات هي الأخرى تطرح مشكلا حقيقيا للسلسلة إذا ماأردنا مناقشتها تقنيا, فالسنة الفارطة مثلا استنفذ طاقم السلسلة كل المواضيع التي يمكن أن يتناولها داخل رياض يرفض ربه الأساسي أن يبيعه. بل إنه من الممكن القول دون تجن على السلسلة ومؤلفيها أنه باستثناء هذا الموضوع الكبير أو التيمة الرئيسية سقطت أغلب الحلقاتالأخرى في التناول التهريجي للمواضيع التي تطرقت لها, ولم تستطع النفاذ بذكاء إلى أي منها, إلى الحد الذي جعل أفق انتظار المشاهد من العمل في كل حلقة هو انتظار لازمة البطل الأساسي "تررر" أو انتظار قيام الممثلين بالتنكر في لباس نساء, أو انتظار بعض الأغاني المقحمة دون أدنى تبرير درامي في العمل.
الأمر ازداد كارثية بإقحام ممثلين غير متجانسين مع بعضهم لاعتبارات إنتاجية, وليست فنية, جعلت اللهجة المراكشية تلتقي في نفس الرياض بلهجات رباطية وبدوية بشكل غير مفهوم وغير مبرر, ولم يكلف أصحاب العمل أنفسهم عناء شرحه للمشاهدين من خلال لقطة أو لقطات تفسر سبب هذا التهجين اللغوي غير المقبول, ناهيك عن الاستعانة غير المبررة بمغنية لاتعرف من التمثيل شيئا ظهرت بشكل مريع في السلسلة رغم كل المحاولات الإنقاذية التي تم القيام بها معها, وتم الاعتماد عليها مجددا في الجزء الثاني, رغم أنها غير مؤهلة إطلاقا لاقتحام هذا المجال. ومادمنا قد ذكرنا عبارة "الجزء الثاني" فيمكننا القول باطمئنان إنه لم تكن هناك أدنى حاجة تقنية أو موضوعاتية لهذا الجزء طالما أن السلسلة استنفذت نفسها السنة الفارطة في خمس أو ست حلقات واكتفت بعد ذلك بالدوران في حلقة مفرغة دون تقديم أي جديد.
لماذا تم إذن إعطاء حياة جديدة لسلسلة توفيت السنة الفارطة في حلقاتها الخمس الأولى؟ لايمكننا أن نجيب, فنحن نترك حديث الكواليس لأصحابه, ونكتفي بنقد مانراه, إذ نحكم بالظاهر, و"العارفون ببواطن الأمور", يعلمون السرائر...
الإثنين نكمل هذا الحديث خصوصا وأننا نحن "مافكرشنا عجينة" ، عكس الكثيرين ممن "سيحبون" هذه السلسلة هذه السنة بشكل يدفع فعلا إلى الارتياب
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أصبحت المطالبة بإعادة النظر في الطريقة التي يتم بها اعتماد الصحافيين الأجانب ببلادنا مطروحة بحدة بعد الموقف الغريب الذي وقفته الصحافة الإسبانية مجتمعة من ندوة ولد سيدي مولود. اليوم نقابة الصحافة تطالب بهذا الأمر, والمهنيون المغاربة يطالبون بهذا الأمر, والمسؤولون المغاربة عن الاتصال يطالبون بهذا الأمر, لذلك وجب فعلا إفهام هؤلاء أنهم أمام بلد له سيادة حقيقة, وأن الاختيار واضح بين من يريد ممارسة السياسة وبين من يريد امتهان الصحافة.
الفرق واضح, يكفي أن نظهره لهم بكل الحزم الممكن.

السبت، 14 غشت 2010

محاضرة عن التلفزيون والصحافة المكتوبة في كلية المحمدية

التلفزيون والنقد التلفزي: التكوين والتواصل
على امتداد عشر سنوات مما أسميه "تمارة الإعلامية" وصلت اليوم فعلا لطرح السؤال الأساسي في نظري: أي نقد لأي تلفزيون أو بدارجتنا المغربية الصميم: واش عندنا شي حاجة سميتها تلفزيون؟ وواش عندنا شي حاجة سميتها نقد تلفزيوني؟
في الحقيقة الراغب في اختزال النقاش إلى هذا الحد والباحث له عن إجابات سهلة سيقول :ماعندناش تلفزيون وماعندناش نقد ونبينا عليه السلام. لكن بالنسبة لي هذا الاختزال معيب جدا وهو دليل على عدم رغبة أو قدرة على البحث الفعلي عن إجابات حقيقية. لذلك يبدو لي أن لقاءات مثل لقاء اليوم هي أدوات مساعدة لإعادة طرح هذا السؤال بشكل جماعي والبحث له عما يمكن أن يكون إجابات أكثر رصانة وأكثر استنادا إلى معطيات حقيقية
في المغرب نعاني من مسألة هامة تؤثر على العلاقة بين النقد التلفزيوني وبين هذا التلفزيون هي علاقة سوء الفهم الحقيقي: بلدنا انطلق في العمل التلفزي دون كثير إعداد له في بداية الستينيات واعتمد أساسا على أناس قادمين من المسرح ومن الإذاعة لكي يصنع بهم النواة الأولى للتلفزيون لدينا. وماتأسس على باطل يقول الفقهاء بالتأكيد لن يكون إلا باطلا, فإذا ماكنا نفهم سبب اقتصار لحظة البداية التلفزيونية على الاستعانة برواد المسرح والإذاعة الوطنية الذين دخلوا عالم التلفزيون الأول في المغرب دون سابق إعداد أو دراية فإننا بالمقابل لانفهم سبب عد إقدام المغرب على فتح مدارس ومعاهد عليا لتكوين المهن التلفزيونية المختلفة بعد ذلك
وحين نتحدث اليوم عن مستوى التلفزيون المحلي ونقارنه بمستويات التلفزيونات في الدول الأخرى ونعتبر إن حقا أو كذبا أننا لازلنا دون مستوى الآخرين فإننا لانقف عند السبب الرئيسي في ضعف المستوى هذا وهو بالتأكيد غياب معاهد متخصصة في تدريس المهن التلفزيونية.
لذلك لااستغراب أن ينسج النقد التلفزيوني في بلادنا على المنوال ذاته وأن يفتح المجال للجميع لكي يقدم آراءه في التلفزيون دون التكوين الشهير الذي تحدثنا عنه بالنسبة للتلفزيونيين, والذي لاتوجد أي نسبة منه بالنسبة لأغلب من يمارسون النقد التلفزي.
النتيجة المذهلة لعملية التجرؤ هاته على ميدانين شاقين وعصيبين مثل التلفزيون والنقد التلفزيوني هو أننا استطعنا في البلد أن ننتج تلفزيونا دون أن يكون لدينا تلفزيونيون واستطعنا أن ننتج نقدا تلفزيا دون أن يكون لدينا نقاد تلفزيون, وحيم نعاين اليوم الخسائر الموجودة في الميدانين معا بسبب انعدام التكوين هذا نصل إلى خلاصة أساسية وضرورية تقول إن علينا أن نتدارك الأمر عاجلا بفتح أذهاننا أمام فكرة بسيطة للغاية أسس عليها الآخرون في دول العالم المتقدم تلفزيونيا ونقديا تفوقهم هي التكوين في المجالين معا.
عندما نحاول أن نرصد أسس العلاقة القائمة بين النقد وبين التلفزيون في البلد نجد أنه من الصعب التخلي عن نقطة الانطلاق هاته لأنها هي سبب كل المشاكل التي تقع بين ميدانين يفترض أنهما يكملان بعضيهما, ويفترض أنهما يسيران معا بنفس الخطى إذ لاوجود لنقد تلفزي دون تلفزيون حقيقي يقدم له مادة تلفزيونية رصينة في كل المجالات ترفيهية و إخبارية وثقافية وتخييلية وبالمقابل لاوجود لتلفزيون دون كتابة نقدية تواكبه وتقدم أخطاءه تحاول تصحيحها, وتنوه بإيجابياته وتحض عليها وتقدم _ وهذا أهم ما في المسألة في نظري _ للمشاهد الطريقة المثلى للمشاهدة التي لانتوفر عليها إلى حد الآن.
ذلك أن مشاهدات المغربي التلفزيونية هي مشاهدات يمكن أن نطلق عليها "مشاهدات متوحشة" لاترتكز على أي أساس ثقافي أو علمي أو تربوي محدد. المغربي قد يشاهد "الجزيرة" و"العربية" و"العالم" الإيرانية و"تي إف أن" الفرنسية دفعة واحدة دون أن يقدم لك تفسيرا لمشاهداته لأنه يعتبر أنه غير مطالب بتقديم هذا التفسير. وحين طرحنا في مجلة تلفزيونية متخصصة ركنا خاصا بالشبكات البرامجية يعتمد وفق التصور العلمي الحديث طريقة الزابينغ أو التنقل بين القنوات التي يفترض أن يسير عليها المشاهد المغربي كانت النتيجة فشلا ذريعا. علاش؟
لأن المغربي يريد أن يظل حرا في مشاهداته أو يريد على الأقل أن يمتلك وهم إحساس الحرية هذا بعد كل سنوات الحصار الإعلامي الذي مورس عليه.هنا نصل لبعض التفسيرات التي قد تصلح لفهم المشكل كله. التلفزيون في المغرب انطلق دعائيا وواصل العمل بهذه الصفة لأنها تصنع لعبة من يقفون وراءه, والمغربي الذي ظل لسنوات يتمنى على تلفزيونه أن يتخلى عن صفة الدعائية هاته وصل إلى خلاصة نهائية هي أنه لاحياة لمن تنادي فاختار بالتالي ماأسميناه قبل قليل هذه المشاهدات المتوحشة كرد فعل على عدم احترام اختياراته الفرجوية المتعددة. والنتيجة التي تلي هذه النتيجة هي أن نقدنا التلفزي أصبح يلعب دورا ليس دوره نهائيا هو دور "تغيير المنكر" أي الصراخ والصياح بمناسبة وبدونها من أجل الرفق بالمشاهد وعدم الإكثار عليه باختيارات تلفزيونية لاتهمه في نهاية المطاف وهي التي تدفعه دفعا للحريك عند تلفزيونات الآخرين.
هل هو نقد تلفزي أم هي جمعية للرفق بالمشاهدين ؟
أطرح عليكم السؤال ولاأتوفر على إجابة عنه لكنني متأكد أننا في نقاشنا هذا اليوم قد نجد بعض الممكنات لفتح كوة في سماء جدل معقد جدا مثل جدل التلفزيون والنقد التلفزي في المغرب اليوم. شكرا لكم على الإصغاء.
تم إلقاء هذه الكلمة ضمن لقاء نظمه طلبة وحدة الوساطة الثقافية بكلية آداب المحمدية الخميس الفارط شارك فيها الصحافي والمخرج رشيد زكي والممثل ومقدم البرامج يوسف بريطل بالإضافة إلى كاتب الأسطر أعلاه.

في مملكة الدارجة

في مملكة الدارجة


أنا واحد من رعايا صاحبة الجلالة الدارجة. رضعتها في صدر أمي, سمعتها في الأذن أذانا بعد الميلاد مباشرة, والتقطت منها مسام الحياة, فالتقطت مني مسام كل كلمة أقولها منذ أن جئت وإلى أن أذهب ذات يوم.
شفتها فالملحون كلمة صغيرة مكمولة, شفتها فغوات الزنقة. فلعب الكورة. كلت بيها كنبغيك أول مرة, ورخيت ليها سدول السمع من النهار الأول. بيها غنيت, وبيها بكيت, وبيها شكيت وحكيت. وليها شحال من مرة ترنمت بالحيدوس, والعيوط, وسيد الفنون الملحون, وشحال من هيت.
بدأت الكتابة بالدارجة منذ الصغر, لكن أحدا ماقال لي إنه من العيب أن أضيع الفصاحة التي منحانيها الله في اللغة العربية الفصحى في الكتابة بلهجة لاتستطيع في يوم من الأيام أن تصبح لغة كاملة. صدقت أستاذي, ودفنت دارجتي. كنت أتذكرها فقط حين إنسانيتي, حين أريد الغناء بلغتي. في قمة مشاعري الإنسانية لم أكن أستطيع الغناء بالعربية الفصحى أو بأي لغة أخرى شبيهة. كنت أغني بالدارجة وأجد فيها راحتي, وكنت أتساءل دائما "لماذا ينبغي أن أكتب بلغة غير لغتي لكي أبدو للآخرين مهما؟" ولم أكن أعثر على الجواب.
عيط ليا عشيري وسولني وقال "مال كلام المغاربة؟ مال زين القول ماقادر يكول؟" جاوبت وقلت لو "ناسنا ماقادرين يفهمو أنه هو الحل ليهم, بيه يدويو, يتفاهمو, يوصلو لبعضياتهم الهضرة. ماشي شي يشرق شي يغرب". قال ليا عشيري "وشنو الحل؟", قلت ليه "شي نهار تضوي فاللسان المغربي شعالة, تقول ليه (ماندوي غير بالمغربية)", قال ليا "وقتاش يجي داك النهار؟" قلت لو "نهار المغربي يفهم شنو هو المغرب, مايبقاش عايش بعينيه معلقين فالشرق تيكول (ياربي شي نهار يشوفو فيا)
في المكتوب العالم اليوم في المغرب, إذا أردت أن ينظر إليك الناس بجدية عليك أن تحدق فيهم مليا بتجهم, أن تزيل الضحك والابتسام عن وجهك وأن تشرع في الرطن بلغة قديمة جدا. لايهم أن يفهمك الناس أو أن لايفهموك. الأهم هو أن تبدو جادا وجديا, وأن يعرف من تتحدث إليهم أنك تتقن لغة ليست في متناول العموم. هل هذه هي كلمة السر لفهم نقاش اللغة في بلدنا الآن؟ أن لايفهمك إلا عدد قليل من الناس, أن تظل المعلومة والفكر والأدب واكل ماسيرتقي بالناس في ملك أشخاص محددين. أن لايفهم الشعب مما يقال له إلا النزر اليسير؟
كلسات حدايا مرا كبيرة, شافتني كنقرا الجورنان. سولاتني "شنو كاتبين آولدي فالكازيطة", كلت ليها " داويين على السياسة آميمتي, وعلى الفلوس وعلى الكورة وعلى شوية ديال السوليما والغنا", قال ليا "كول ليا شوية من داكشي اللي مكتوب", بديت نقرا ليها بالفصحى, حلات فمها, بدات كتفوه, شوية وهي تغلبها الضحكة. كالت ليا "بلا ماتاخدها مني قلة الصواب, والله مافهمت كلمة من هاد الشي اللي كلتي آولدي". سولت راسي ديك الساعة "لمن كتكتبو حنايا ؟ ومعا من حنا داويين؟"
هل يحق لنا اليوم أن نطرح السؤال عن حق شعبنا في الحديث بلغة يفهمها ويتحدث بها في كل حياته؟ من يتوهمون أن هذا السؤال هو اليوم ترف لاحاجة لنا به, يهربون فعلا من النقاش. يفضلون أن تبقى المسائل على حالها, وأن لايأتي من يخدش لهم توافقهم الزائف حول لغة يفرضون علينا الحديث بها وإن كان أغلبنا لايفهمها. "هي لغة القرآن" يقولون. نعم, ولكننا نريد فقط أن نتحدث مع بعضنا بلغة نفهمها جميعا تتيح لنا التواصل الحقيقي, ولانريد الآن الصلاة. فما الذي زج بالقرآن في هذا المقام؟
كال ليا صاحبي "دابا نتوما باغيين تردونا للور. الناس اللي باغيين الدارجة تولي هي اللغة الأولى فالمغرب خدامين مع البراني, بغاو يطيحو لينا الهوية ديالنا". كلت ليه "ياك هويتي وهويتك الأولى هي لغتنا؟" كال ليا "إيه", كلت ليه "نهار هضرو معاك والديك أول مرة هضرو معاك بالدارجة ولا بالفصحى؟" شاف فيا وبقا ساكت, سولتو "اللغة الأم ديال المغربي واش هي اللي كتولد معاه ولا الأخرى اللي كيبدا يعرفها حتى للتحضيري؟" بقا ساكت, زدت سولتو "شنو لغتك الأم نتا؟ شكونا هي مك فاللغات؟" بقا تيشوف فيا وتيفكر, كلت ليه "صعيبة بزاف ماتكونش عارف الواليدة ديالك ؟ خايبة بزاف ماتعرفش لغتك شنو هي وتبقا تالف بحال هاكا". شاف فيا مزيان وعاود كال ليا "واخا هاكاك نتوما باغيين فينا الخدمة, ماعرفتش كيفاش, ولكن باغيين فينا الخدمة".
كان مفروضا لهذه الكلمة أن تلقى في ندوة "لغات, اللغات" السبت الفارط, لكن ظروفا شخصية قاهرة حالت دون حضوري, ومع الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الندوة بشكل مشوه بدا لي مهما أن أنشرها تعبيرا عن تضامني مع كل من تم تكفيرهم فقط لأنهم شاركوا ندوة حول الإشكال اللغوي في المغرب. هذه الكلمة هي فقط لكي نقول للخائفين إن الدارجة وحدها ستكون مسارنا ومصيرنا المغربي بكل تأكيد. "عقلو فين كلناها ليكم".

blog du journaliste el mokhtar larhzioui

bienvenue dans le blog du journaliste el mokhtar larhzioui