الثلاثاء، 31 يوليوز 2012

محمد السادس

13 سنة مرت منذ تلك اللحظة العصية على الوصف. أنصتنا كل واحد منا في مكانه لمصطفى العلوي ينعي الملك الوحيد الذي عرفناه جميعا, أو الذي عرفته أغلبيتنا, وانتظرنا التحول الكبير الذي سيطرأ على ولي العهد أو سميت سيدي, وشرعنا في اكتشاف الإسم الجديد. في البدء كان محمد بن الحسن, ثم تعودنا الإسم الرسمي محمد السادس. بعد ذلك سنقول لأنفسنا كل مرة فوجئنا فيها مفاجأة سارة جديدة, إننا ربما لم نعرف ملكا آخر غير هذا الملك. هل يحق اليوم المدح في الرجل؟ في الحقيقة المسألة جد معقدة. ففي بلد مثل البلد لايمكنك أن تقول كلمة طيبة عن أي إنسان كيفما كان نوعه دون أن تشير إليك الأصابع "هادا مالو؟ وشحال واخذ؟", فمابالك بملك البلاد؟ عبارات الاتهام بالتزلف الكاذب والنفاق المداهن ستكون جاهزة طبعا, وبسهولة كبرى, لكن لايهم. هناك حديث صحيح يقول "من لم يشكر الناس لم يشكر الله", وهذه الأسطر هي عبارة شكر صغيرة من مواطن بسيط باسم مواطنين آخرين يشبهونه يرون أنه من اللازم بين الفينة والأخرى أن نخرج من توافقنا على بعض الأمور من أجل تلافي سماع الكلام, لكي نقول جملا بسيطة وضرورية جدا, مثل جملة أو عبارة "شكرا جلالة محمد السادس". شكرا على كل مامضى حتى الآن, وشكرا على الأشياء الأخرى التي ستأتي. شكرا على المصالحة التاريخية بين الشعب وبين ماضيه الأليم. شكرا للإنصاف والمصالحة اللذان قدما درسا بليغا للعالم بأسره. شكرا للوصف الجميل الذي تحمله بكل افتخار "ملك الفقراء", والذي ترد به على المنتقدين الكثر الذين يقولون إن الحكام لايشعرون بآلام المحرومين. شكرا على لحظات التفاعل الإنسانية والبسيطة والرائعة مع مرضانا, مع فقرائنا, مع ذوي الاحتياجات الخاصة منا. شكرا على ماابتدأته منذ يوليوز 1999, وماتواصل القيام به اليوم, وماتنوي فعله للبلد في المقبلات من الأيام والشهور والسنوات. أجدها رغبة ملحة تجتاحني لقولها لأنني أعرف أن الآخرين لن يقولوها بهذا الشكل المباشر. نحن تعودنا على أن نحادث بعضنا بعضا في السر بالأشياء الجيدة والإيجابية, لكننا لانكتبها لقرائنا لئلا يقال عنا إننا "مداحون" أو مايشبه هذه المصطلحات التي تصح حين تكون وراءها الرغبة في شيء ما. أما حين تكون مجرد عبارة من مواطن باسم عدد كبير من مواطنيه يحسونها لكنهم يكادون يتهبيون قولها لأن "الموضة لاتسمح", فالأمر يضحي أكثر من مقبولة. شكرا على السنة الماضية الساخنة. وضعنا اليد على القلب ونحن نقول "والمغرب؟ والاستثناء المغربي؟ والملك؟ وقراره؟ وكل شيء؟". استجمعت الشجاعة السياسية التي عرفناها عنك, وخطبت يوم 9 مارس من سنة "إرحل" العجيبة تلك, وقلت للشعب "هاهي ديمقراطيتك بين يديك, إفعل بها ماتشاء". جاءت العدالة والتنمية إلى الحكم, جاءت معها أشياء كثيرة لم يكن الكثيرون يتوقعونها, مر المغرب بالهدوء الأكبر من الربيع العربي العاصف. خرج منتصرا يقدم نموذجه للعالم بأسره, ويقول لهم "نحن بدأنا الإصلاحات منذ 1999, ولم ننتظر سنة 2011". شكرا لشعبك معك. المغاربة أناس بسليقة جد نقية, يعرفون الصدق من الكذب, ويميزون بسرعة بين الضدين, لذلك وضعوك في القلب منذ اللحظة الأولى للمجيء, ورأوا في حيائك الجميل شعبة الإيمان الشهيرة التي حدثهم عنها رسول الإسلام الذي يعرفونه, وامتطوا معك القارب بالشعار الذي يحمل من المعاني الشيء الكثير "ملكنا واحد, محمد السادس", وقرروا أن إنقاذ البلد سيكون بك وبهم, أي سيكون بالجميع, وليس على حساب طر, ولفائدة طرف آخر مهما كان. شكرا على الاعتراف بالصعوبات الكبرى التي تنتظر البلد. من العسير أن تصلح ماتضرر لعقود عديدة في ظرف بضعة سنوات, لذلك لابد من المقاومة التي نعرفها, ولابد من سماع أصوات الراغبين في امتطاء كل شيء, وإن كانوا من ركاب الموجة السابقة, ولابد من تلقي الضربات من هنا ومن هناك. لكن ووسط كل هذا, تأتيك من بسطاء الناس, كلمة شكر تعرف يقينا حجم المهمة الملقاة على عاتقك, وتوقن أنك تريد حلا لكثير المشاكل الموجودة في البلد, وأن الأساسي هو أن الإصلاح انطلق, وأنك بعد الله أمل هذا البلد في أن يبقى موحدا لا ممزقا مثلما نرى الدول والبلدان الأخرى اليوم. هل من حاجة لكل هذا الكلام اليوم؟ نعم. هناك حاجة كبرى إسمها المغرب تفرضه, وتفرض علينا أن نقوله, فالقادمات ليست هينة بكل تأكيد, لكن الشعب وملكه قادران عليها دون أي ارتياب.

الجمعة، 27 يوليوز 2012

أنت حر..ولكن (+)

حرية التعبير "مضمونة" في المغرب. لا أدل على ذلك من قضية عبد الله نهاري الأخيرة. انتقلنا فجأة من الحديث عن الحرية إلى ضرورة الحديث عن إلزامية الدفاع عن حق من تحدث عن هاته الحرية في الحياة. المشهد خرافي فعلا, ويؤكد لنا أننا نحن الذين اعتقدنا أن حرية التعبير هي مسألة تقنية من الممكن أن نضمنها بدستور جديد, وبالاتفاق بيننا في الصالونات المكيفة والمغلقة على احترامها مهما كان الثمن, أخطأنا تماما في الاعتقاد, وأننا ملزمون بالبدء من جديد إذا ما أردنا فعلا احتراما ولو صغيرا لحرية التعبير هاته في البلد. حرية التعبير "مضمونة" في المغرب. مضمونة ضمانة مؤقتة. لم نعد بحاجة إلى قوانين زجرية غاية في القسوة, ولا إلى عقوبات حبسية من تلك التي يسميها أهل الصحافة على سبيل الدلع "السالبة للحريات" لكي نحد من حرية التعبير هاته. لا, المسألة "أرقى" اليوم بكثير. في القوانين المكتوبة كل شيء يقول إن الحرية مضمونة, لكن على سبيل التطبيق يكفي أن نطلق في الشارع العام رجلا يقول عن نفسه إنه داعية لكي يكفر ويأمر بالقتل, أو أن نفتح المساجد التي تخضع لرقابة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لكي تحدد خلال خطب الجمعة من المسلم الصالح ومن الذي يجب أن نؤلب عليه الرأي العام وجموع المصلين الذين يفترض أنهم أتوا إلى الجامع من أجل أمنهم الروحي والمزيد من الضمان له, لا من أجل سماع خطب الفتنة المبنية على سماع نصف الكلام, وعدم السماح لمن نوجه له الاتهام بأن يدافع عن نفسه, لاستحالة المهمة نهائيا, إذ كيف تتصورون أن يطوف المرء على كل مساجد المملكة لكي يوقع بيان الحقيقة الساخر هذا الممهور بالرغبة فقط في الحفاظ على انتمائه لهذا الدين قبل أن يجرده السادة الخطباء الأفاضل منه؟ منحتنا الضجة الكبرى التي وقعت مؤخرا في المغرب حول الحريات الفردية, وضمنها حقوق العزاب الجنسية وحقوق احترام الشعائر الدينية, وما إلى ذلك الفرصة لكي نشاهد أنفسنا في المرآة جيدا: مجتمعنا لايقبل حرية التعبير نهائيا, وهو مستعد في سبيل دفاعه عن حريته في عدم قبول هذه الحرية للوصول إلى الحد الأقصى المسموح به: أي التكفير والدعوة إلى القتل وتشويه السمعة, والاتهام بكل الأوصاف الممكن تصور وجودها على سطح الأرض. هل نلوم المجتمع على ذلك؟ طبعا نوجه له جزءا غير يسير من اللوم, لكننا نلوم أولا وقبل كل شيء نظامنا التعليمي الذي ينتج لنا هذه الطريقة في التفكير العاجزة تماما عن تصور وجود رأي مخالف لها, من الممكن أن يلجأ لتعبيرات قد تصدمها, لكنها ملزمة بقبولها مهما بلغت حدة هذه الصدمة, لأن هذا القبول هو الفرق في الختام بين الحضارة والجهل, بين التقدم وبين التخلف, بين المدنية التي نريد الوصول إليها وإلى جعلها الفيصل في حل كل خلافاتنا, وبين التشنج الذي لايمكنه في يوم من الأيام أن يكون حلا لأي شيء, لأنه مشكل وسيبقى مشكلا إلى أن نجد له حلا ذات زمن قد يكون قريبا, وقد يكون بعيدا. الدولة أيضا لها نصيب وافر من المسؤولية تجاه ضمان حرية التعبير هاته. من غير المعقول ولا المقبول أن نتيح لمن يريد ذلك أن ينهش لحم الناس وأعراضهم, فقط لأن هؤلاء الناس عبروا عن فكرة أو رأي لم يرقه. المجتمع الذي نصفه بالديمقراطي الحداثي الذي نريد بناءه في المغرب, والذي لانكل كل يوم من تكسير آذان مواطنينا بالقول إننا متشبثون به, هو مجتمع يضمن لكل التعبيرات حقها في الوجود. وعندما نرسب في أول امتحان بسيط, ونلمس أن هناك نوعا من القبول من طرف الدولة بهذا التضييق على حرية التعبير لأنه يسير في اتجاه مصلحتها, هي التي تريد أن تكون الشيئين معا: ضامنة حرية التعبير وضامنة عدم احترام حرية التعبير, حينها نفهم أن المسألة معقدة جدا ويلزمها غير قليل من الوقت لكي تجد لنفسها أو لكي نجد لها نحن _ إذا ما فهمنا مسؤوليتنا التاريخية تجاه بلدنا _ هذا الحل العجيب والمنشود. أخيرا وعلى سبيل المثال الذي يوضح المقال مثلما يقول النحويون, قال لي مسؤول خلال الأزمة الأخيرة التي خلقتها فتوى نهاري "حطيتونا فموقف محرج, حنا معا حقكم تقولو اللي بغيتو, ولكن يلا درنا لو شي حاجة غادي ينوض علينا الرأي العام, وغنتسماو موافقينكم على داكشي". بالنسبة لي هذه الجملة لوحدها تقول لنا الشيء الكثير عن وضعية حرية التعبير في المغرب, وعن المسافات التي يجب أن نقطعها من أجل الوصول إليها في يوم من الأيام, إذا ماكنا جادين طبعا في الوصول إلى هذا الوهم الجميل الذي يسير الدول المتحضرة حقا لا قولا فقط. (+) كلمة ألقيت الإثنين في ندوة "بيت الحكمة"عن حرية التعبير والتفكير في المغرب
لقاء في الرباط حول حرية التعبير من تنظيم بيت الحكمة يوم الإثنين 23 يوليوز 2012

الثلاثاء، 24 يوليوز 2012

بنكيران في إسرائيل؟

استطاع حزب العدالة والتنمية من خلال استضافته لناشط إسرائيلي خلال مؤتمره الأخير أن يجر المجتمع المغربي إلى نقاش التطبيع مع "العدو الإسرائيلي", أو "الكيان الصهيوني الغاصب" مثلما كانت تقول التسميات القديمة, وأن يطرح السؤال كبيرا: وماذا لو كان فعلا هذا هو الحل؟ اليوم لم يستضف حزب علماني أو تقدمي أو محسوب على التيار الآخر ناشطا إسرائيليا وفق مايمكن أن نصفه بأنه "تطبيع مرفوض" والسلام. لا. حزب يعتمد المرجعية الإسلامية, ويعتمد التصور الإخواني للصراع العربي الإسرائيلي الذي يقوم على أن الصراع بيننا وبين أبناء العمومة هو "صراع وجود لا حدود", وعلى أن النهاية ستكون في البحر من خلال "إلقاء كل الإسرائيليين هناك", وتحرير تراب فلسطين كل فلسطين من لا أدري إين إلى لا أدي أين, هو الذي قام بالخطوة هاته المرة. لنعترف أن الأمر يعد تطورا أساسيا وحاسما في تاريخ علاقات الأحزاب الإسلامية بدولة إسرائيل, خصوصا وأن نفس الناشط الإسرائيلي تعرض لحملة شعواء يوم حل ببلادنا ضيفا على معهد أماديوس من طرف نفس الأشخاص الذين استضافوه اليوم في مؤتمرهم, مايعني أن هناك تطورا في النظر إلى الموضوع ككل, لن تنفع كل بيانات الشجب والاستنكار, وكل البلاغات الصادرة عن مختلف الأجهزة التابعة للحزب وللحركة الدعوية المنخرطة ضمنه أو المنخرط ضمنها في حجبه ولا في حجب الواقع الجديد الذي يمثله. واقع يقول إن حزب رئيس الحكومة الذي استضاف أحد زعماء حماس في الخارج خالد مشعل, واستضاف أيضا الناشط الإسرائيلي يعتقد أن الحل لمشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لن يكون إلا بجلوس الأطراف المتدخلة في اللعبة وأساسا الطرفين المعنيين بها وجها لوجه وبحثهما معا عن نهاية لائقة لصراع لايمكن أن يدوم إلى آخر الأيام. اليوم السؤال الذي ينبغي أن يطرح بشجاعة هو سؤال العلاقة مع إسرائيل دون الكليشيهات المصاحبة التي أكل عليها الدهر وشرب, ودون الاتهامات الجاهزة التي يستلها من العدم أناس لم يسبق لهم أن قدموا لفلسطين شيئا اللهم الكذب عليها, والمتاجرة باسمها, وبناء المسارات الشخصية غير المستحقة على ظهر شهدائها ودماء أبنائها. فلسطين اليوم, ونحن نرى الوضع الدولي غير المساعد إلا على قليل الأشياء, تكاد تندثر وسط زحمة الأخبار المتلاحقة. وقد مضى عليها ذلك الزمن الذي كانت تتصدر فيه عناوين النشرات الإخبارية في كل الدول العربية, وأصبحت اليوم عنوانا لاينبغي بالضرورة أن يمر يوميا لأن عناوين أخرى, في مقدمتها تصفية الشعوب العربية لوضعها الخاص بها, أصبحت تسابقها في هذه الصدارة بل وتنتزعها منها. اليوم لا أحد ينتبه لشأن فلسطين فعلا إلا الفلسطينيون, والتيارات الدينية وغير الدينية التي نجحت في تقسيم السلطة الوطنية الفلسطينية, وتقسيم فلسطين قبل أن تتحرر, إلى دويلات عدة, تحكم حماس غزة منها, وتحكم بقايا منظمة التحرير الضفة, ويحكم حزب التحرير الإسلامي بعض أحيائها, وتحكم الجماعة الإسلامية أماكن أخرى, ويحكم من لا نعرفهم مالانعرفهم من بقعها المتلاشية, (هذه التيارات) تعرف هي الأولى أن الوقت اليوم هو للتفاوض حول ماتبقى من فلسطين قبل أن تنتهي أصلا هذه الحكاية, ولا يعود ممكنا إلا القبول بتفريق هذا الشعب المسكين على البلدان التي تكون مستعدة لاستقبالهه مثلما وقع في سنوات فارطة. نأتي الآن إلى الشأن المغربي واستضافة عبد الإله بنكيران وحزبه للناشط الإسرائيلي الشهير. المعتقد اليوم هو أن الحركة في حد ذاتها شجاعة سياسية تحسب للعدالة والتنمية, ولن أصدق نهائيا أن الأمر لم يكن مقصودا, بل أعتقد أنه كان حركة سياسية واضحة, وموجهة بعناية إلى كل من يهمه الأمر, والتبئير عليها إعلاميا واستلالها من بين زحمة المؤتمر وفعالياته لكي تصبح العنوان الأبرز للقاء البيجيديين ببعضهم, كان فعلا مرادا وصلت رسالته ومعناه بشكل واضح. وأولى أسطر هاته الرسالة تقول إن العدالة والتنمية اليوم حزب دولة, يعرف جيدا الرهانات الموضوعة على عاتقه, ويعرف أنه ملزم بالكثير من التوافقات التي تسير الشأن المغربي إن داخليا أو خارجيا. عبد الإله اليوم, وهو في موقع المسؤولية, يعلم أفضل من غيره أن الكثير من الأشياء تسير مع بعضها البعض, وأن كثيرا من السند الدولي الذي يلقاه المغرب لقضاياه كلها من السياسي فيها إلى الاقتصادي, هو سند يأتي من الاعتدال الذي ميز المغرب دائما في مختلف القضايا العالمية, وفي مقدمها قضية الصراع في الشرق الأوسط. الحسن الثاني رحمة الله عليه كان سباقا في المجال, ولو أنصت له العرب يوما لحلت قضية فلسطين من زمان. ترانا ننتظر يوما زيارة رسمية لعبد الإله بنكيران إلى أراضي إسرائيل؟

الاثنين، 16 يوليوز 2012

اعتذار عام

أعتذر للشعب المغربي الهمام لأنني جرحت مشاعره. أعتر لأنني دافعت عن الحرية وقلت بالحرف "أحترم حرية أمي وأختي وابنتي في أن يفعلن ما يلائم حريتهن". أسحب هذه الجملة فورا وأتبنى جملة أخرى لكي يرضى الشعب العظيم "أنا لا أحترم حرية أمي وإبنتي وأختي، ومستعد لكي أرفع في وجوههن العصا والسيف بل وربما المسدس والبندقية إذا فعلن شيئا لا يروق لسيادتي". أعتذر لأنني قلت في الحوار الشهير مع قناة "الميادين" إن "الحرية حل وليست مشكلا ولن تكون أبدا". العكس هو الحقيقي، الحرية لاتصلح لنا. نحن عباد وعبيد ومستعبدون، ومن الأفضل لنا أن نبقى هكذا، ولا يجب نهائيا أن نحلم بيوم نتحرر فيه من أي شيء. ما الذي يمكن أن تضيفه لنا هذه الحرية اللعينة في نهاية المطاف؟ "والو، ناضا، نييت، حتى حاجة". لذلك لا حاجة لنا بها قطعا. لتذهب الحرية إلى الجحيم،وطبعا ليذهب وراءها إلى نفس المكان كل المطالبين بها. أعتذر لشعب الفيسبوك الخالد اكتشفت قدرة كبرى على السباب والشتم عند أغلبية المسلمين الذين انتقدوا تصريحي في قناة الميادين. رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإسلام الذي أعرفه أنا يقول في الحديث الصحيح : "ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا البذيء". لكن المسلمين الغيورين على دينهم أو الذين يدعون ذلك لم يتركوا كلمة واحدة من ألفاظ الطعن واللعن والفحش من القول لم يستعملوها معي، لذلك مرة أخرى أعتذر لكل هؤلاء الطعانين اللعانين الفاحشين البذيئين. أنا أخطأت ومن اعترف بذنبه فلاذنب عليه. أعتذر لسي عبد الله نهاري. من حق الرجل أن يكذب علي مثلما شاء، ومن حقه أن يصفني بالديوث، بل من حقه أن يفتي بقتلي. من أنا لكي أحتج على قرار مثل هذا؟ هذا القرار نزل من علم من أعلام الفقه والدين في البلد، الحبر الفهامة والعالم العلامة سيدي عبد الله نهاري رضي الله عنه وأرضاه، فكيف أجرؤ على احتجاج أو على ماشابه من إبداء الضيق والتبرم؟ الأليق بي هو أن أنفذ القراربيدي أي أن أنتحر وأدخل الجنة لأنني بذلك سأكون قد نفذت فتوى عبد الله ومن معه من مشايخ السلفية الأجلاء، ورغم أنني أعلم بأن الانتحار يذهب بصاحبه مباشرة إلى جهنم، فإن الشق الآخر من العملية أي تنفيذ الحد سيذهب بي إلى الجنة،والله أعلم على كل حال. أعتذر لكل من وصفتهم بأنهم منافقون. أنا أسحب هذه الكلمة. نحن لسنا شعبا منافقا. نحن شعب معصوم من الخطأ، لا نرتكب أي معصية. نصلي الأوقات في زمنها، لا نأتي أي منكر من القول أو الفعل. لانشرب خمرا، ولا ندخن مخدرات، ولا نكذب ولا نسرق، ولانزني ولا نفعل الكثير من الفواحش التي نصفها في السر بأنها "لذيذة"، وفي العلن بأنها معاصي خطيرة. نحن باختصار شعب ملائكي، ولا أريد أن أقول بأننا "ّ"شعب من الملائكة" لئلا يأتي من يصفنا بالتجديف والمساس بهاته المخلوقات النورانية وتشبيه أنفسنا به. أعتذر لكل من يرى أنني يجب أن أعتذر إليه. أعتذر أساسا لمن لم يشاهد الفيديو الأول للميادين لكنه اكتفى بالسب واللعن. أعتذر لمن لم يشاهد لا الفيديو الأول ولا الفيديو الثاني، لكنه أيضا اكتفى بالسب. أعتذر لمن شاهد ولم يفهم حرفا واحدا مما قلته لكنه أيضا التحق بكوكبة السب، وأعتذر لمن شاهد وفهم لكنه أصر لنية خبيثة دفينة فيه على التحوير, وعلى المضي قدما نحو السب. أنا لا ألوم المحورين للكلام. أنا ألومني لأنني تكلمت في بلد قرر أن يمنع الكلام. أعتذر للأمهات والأخوات والخالات والعمات والبنات والصبيات والجدات والحفيدات. أعتذر لكل نون النسوة المغربيات. أتذكر معهن عبارة سعيد صالح الشهيرة اليوم "الشرف يا بنت…الشرف". أبتسم بمرارة لأن ماوقع كاد يفقدني الابتسام، وأتذكر فقط أنني ملزم بالمزيد من الاعتذار. أعتذر لكل من انتهى من مضاجعة صديقته في الحرام وأتى إلى الفيسبوك لكي يسبني. أعتذر لكل من شرب قطرة أو قطرتين من الخمر، وبدوت له في القنينة طريقة لمصالحة ضميره وغسل بعض الذنوب. وأعتذرلكل من يعرف أنه مليء بالكثير من السيئات وأنه من أجل إقناع نفسه بأنه صالح "مائة في المائة" يجب أن يسب هذا الشخص الذي قال كل هذا الكلام. أعتذر حتى لمن لايستحق اعتذار. أنا أذنبت بالفعل وأخطأت. اعتقدت أنني أتحدث في بلد يسمح فيه بالكلام، واعتقدت أن الحرية لاتخيف فعلا إلا المستعبدين، واعتقدت أنه من الممكن أن نصارح بعضنا البعض بقليل الحقائق التي نعرفها جميعا. لكنني كنت واهما. نحن نحب هذا النفاق ونعيش فيه، وسنواصل العيش فيه إلى ماشاء الله، لذلك - معشر المعصومين ومعشر المعصومات أيضا - "سمحوا ليا بزاف،والله مانعاود". تراكم تقبلون الاستغفار مثلما يقبله رب العباد؟ أم أنني ملزم بصياغة ثانية تكون أكثر وضوحا أيها السادة "الأفاضل الأتقياء الأنقياء"؟

الخميس، 12 يوليوز 2012

غبار بن لادن

المختار لغزيوي إلى غبار بن لادن في المغرب. تعبدون أسامة، قتيلكم، ونعبد الله. تعبدون القاعدة وتطرفها، وارتكاباتها التي لا تنتهي، ونعبد الواحد القهار. تعبدون التطرف وانحرافاته، وتبحثون في القواميس القديمة عما يسند كلام الخوارج الذين يتبعونكم، ونعبد البارئ جل وعلا. تفهمون الإسلام عبارة عن قتل وذبح وترويع للآمنين، وفتاوى تطلقونها عن الجهل كله، ونفهمه دينا سمحا أرسله رب العزة رحمة للعالمين، لا نقمة عليهم مثلما تفعلون أنتم اليوم والتضييق يذهب بكم كل المذاهب التي لا مخرج منها. لاتفقهون في غير لغة إخافة الناس، لاتستطيعون الابتسام، ولا تعرفون من أين تبدأ الحياة، بل فقط أين تنتهي. ونفهم الدين دعوة صريحة من خالق الحياة الذي قدسها للجميع أن مزيدا من التقديس. ترتعدون خوفا ورعبا وهلعا من كل صارخ بحقه في الحياة لأنكم ميتون منذ القديم، منذ أن قيل لكم في الحجرات المغلقة إن الإسلام هو إسلامكم، ونعيش الحياة بالطول والعرض، مقتنعين بأن رحمته _ جل وعلا _ وسعت كل شيء، وأنه _ سبحانه وتعالى _ قال لنا نحن معشر المسرفين على أنفسهم ألا نقنط من رحمته لأنه يغفر الذنوب جميعا عكسكم تماما، ياخوارج العصر الجديد. تستلون الكلم من مواضع غير مواضعه، تحرفونه، وتضيفون إليه من عنديات من شرحه لكم بهذا الشكل البئيس. ترومون قتلنا جميعا لكي تحيوا أنتم. ونضع الكلام المقدس الذي أتانا من الله سبحانه وتعالى في المكان اللائق به، في المسجد، عنوانا لديننا، ولمعاملاتنا مع بعضنا، ونفهم المساحات الكبرى التي تركها لنا ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم من أجل الاجتهاد، ثم الاجتهاد، ثم الاجتهاد، لأن الإسلام أتى إلى أناس بعقلهم، يعرفون معنى التفكير، عكسكم أنتم تماما، يامن لاتعرفون إلا التكفير. تحسون بأنفسكم اليوم أقوياء، وقد دانت الأمور في غير البلاد إلى من هم على شاكلتكم، وتعتقدون أن ساعتكم قد دنت، لذلك تخرجون اليوم من الجحور، تضربون بكل المراجعات عرض الحائط، وتعودون إلى هوايتكم البئيسة المفضلة: تكفير المسلمين بغير وجه حق. ونحس بأنفسنا أقوى منكم بكثير، لأن عبارة الاستثناء المغربي التي نقولها نؤمن بها حق الإيمان، ونعرف أن هذا البلد لن يسقط مثلما سقطت البلدان الأخرى بين يدي تطرفكم وجهلكم. تبتسمون في الرحلات المشبوهة نحو الوجهات إياها وأنتم تمنون أنفسكم بيوم يأتي فيه على المغرب زمن يصبح هو الآخر رهينة تطرفكم، وقتلكم، وشريعة الغاب _ لاشريعة ربنا معاذ الله _ التي تفعل فعلها في كل مكان من تابوت العرب والمسلمين اليوم. ونبستم أكثر منكم، ونحن نؤمن بعد الله سبحانه وبعد النبي الكريم أفضل الصلوات عليه، بالبلد العظيم الذي نحيا تحت ظله. نعرفه قادرا على حمايتنا منكم، ومن جهلكم، ومن تعسفكم ومن غلوكم، ومن كل الترهات. تشهرون في وجهنا اليوم فتاوى القتل، ونشهر في وجوهكم كلام العقل. تكذبون، وتزورون، وتلفقون، ونقول الحقيقة البسيطة العارية، لذلك نغلبكم. تريدون احتكار الدين، ولن نتركه لكم. نحن جئنا فرضعناه منذ الصغر من أثداء الحرائر اللائي ربيننا، وسمعناه أذانا ملء الإصاخة، مباشرة بعد الميلاد، مرتلا بالقراءة المغربية الصميم، لا قراءة البشتون، وغيرهم من قوم الجهالة العمياء، لا قراءة البترودولار يوم كان يمول أسيادكم في أفغانستان، لا قراءة البنا أو قطب أو بقية الإخوان. سمعناه منذ البدء وحفظناه منذ المجيء، قراءة مغربية صميما، تشعرك بالأمان وبالرغبة في كل الحياة، عكس قراءتكم القاتلة التي لاتشعر المرء إلا بالمزيد من الإرهاب. تعتقدون أنكم كلما تكالبتم أكثر كلما كنتم أقوى، ونعتقد أن كل مغربية وكل مغربي قادران لوحدهما على أن يواجها الفلول منكم مهما اختفيتم، ومهما هيأتم لنا من القوة التي تفهمونها خطأ لكي ترهبوا بها من ليس عدوا لله، لكنه قد يكون عدوكم. تدعون شيئا وتفعلون شيئا آخر. تقولون إنكم تقبلون المجتمع، لكنكم تكفرونه. تتخيلون أنفسكم أولياء للأمر، وتصدرون الأحكام والفتاوى. ونتصوركم خوارج عن الطريق، لم يعرفوا إلى أين هم سائرون، فهداهم الجهل إلى أن يضعوا على الرؤوس منا سيوف الإخافة يوميا لكي يحسوا ببعض الوجود، رغم أنكم في نهاية الأمر بعيدون تماما عن هذا الوجود، وعن رب هذا الوجود. >أيا غبار بن لادن، أيا بقية الجثة وحراسها، أتعتقدون حقا أنكم قادرون على إخافة المغرب؟ بئس الاعتقاد الصغير هو.< هذا البلد أكبر منكم بكثير. هذا البلد أعظم من أن يعبد غبار بن لادن. هذا البلد يعبد الواحد القهار، وحده دون من سواه. سيحوا في الأرض، إبحثوا لكم عن بلد آخر، خائف رعديد، يكون قابلا للشعور بالرعب منكم. أما هنا " ياغبار بن لادن" فأنتم لا تخيفون حتى أصغر طفل بيننا. سالينا الهضرة.