السبت، 19 مارس 2011

20 مارس

شهر كامل مضى على موعد 20 فبراير تساءلنا قبله إلى أين يسير المغرب؟ يتذكر الكثيرون أننا عكس من ركبوا على التيار فيما بعد , قلنا إن لشباب 20 فبراير قبل الوقفة الشهيرة إياها الفضل كل الفضل في تحريك كل الأشياء الراكدة. اليوم, وبعد أن وقع ماوقع, وبعد أن استمعنا إلى عبد الحميد أمين يقول في التلفزيون المغربي, وعند جامع كلحسن شخصيا أي عند سميرة سيطايل أي عند فؤاد والبقية إن "الخطاب الملكي كان ناقصا"’ دون أن ينقطع البث, دون أن ينطفئ التيار الكهربائي, دون أن يحمل أمين من بلاتو دوزيم إلى مكان ما لانعرفه يستحق الشباب مجددا التحية, ويستحق موعدهم المقبل الأحد 20 مارس أن نكون جميعا من الحاضرين فيه.
منذ يومين استضاف والي أمن البيضاء الموزوني الصحافيين الذين اعتدى عليهم رجال الأمن في وقفة الأحد الفارط, وقدم لهم اعتذارا واضحا في كأس شاي دعاهم إليه. لولا 20 فبراير لكان ممكنا للموزوني أن يقول للصحافيين "اللي كلاو العصا": "تكبرو وتنساوها", ولأخرج لهم اللسان ضاحكا وربما اشتكاهم إلى القضاء وتقدم ضدهم بعض رجال الأمن بشكاوى بدعوى أنهم عرضوا أجسادهم للعصي دون ترخيص بذلك.
لذلك أعتقد أن لشباب العشرين دينا في أعناق الكثيرين عليهم بموجبه أن يتقدموا باعتذار واضح, وسيكون أفضل لو كان الاعتذار هو المشي يوم 20 مارس مع الشعب المغربي نحو مستقبله, فلاخيار لنا اليوم إلا التأكيد على أننا متشبثون بمطالبنا, بحريتنا, بمستقبلنا المشترك الذي يبدو أنه ممكن فعلا, والذي يبدو أكثر إشراقا مما عشناه لحد الآن.
نقول المشي غدا على سبيل المجاز لأنه سيكون محزنا فعلا أن يسير معنا البعض ممن نعرف اليوم أنهم يريدون فقط تصيد أماكن في مغرب الغد. هناك بعض الأذكياء ممن يشتمون رائحتها "وهي طايرة", وهم التقطوا قبل هذا الزمن بكثير أن الريح دارت دورتها لذلك أصبحوا يرددون كلاما لاعلاقة لهم به إطلاقا. وبالقدر الذي أفهم فيه أن يتحدث شاب من حي شعبي فقير عن ثورة العشرين من فبراير باعتبارها خلاصا له من كثير من الأشياء, وبالقدر الذي أقبل من شباب متعلم ثري يعرف أن بلده تعرض للتفقير والتجهيل وكل أنواع الجرائم, بالقدر الذي يستعصي فيه علي نهائيا أن أفهم السبب الذي يجعل بعض "الدوماليين الفاسدين" ممن صنعوا ثرواتهم في السنوات الأخيرة من الانخراط في "نظام صنع الغنى السائد حاليا", ينضمون اليوم للتيار السائد.
هؤلاء لا أجد لهم أي وصف حقيقة اللهم النفاق, والرغبة في الاستيلاء على الزبدة ومال الزبدة, فهم كانوا من المستفيدين باستمرار من اقترابهم من مراكز القرار, وهم اليوم لايجدون أي غضاضة في التعبير عن تذمرهم من المصادر ذاتها, وعن تعرضهم حسبما يدعونه لمضايقات شتى لم يكن ممكنا أن يذكرونها في وقت سابق لكن أتى اليوم أوان التصريح بها بكل اطمئنان. هؤلاء لهم وصف واحد هو النفاق, وليعذرونا فعلا لكننا نجد أنه من الصعب بالفعل ابتلاع كذباتهم الكثيرة هاته بخصوص هذا الاصطهاد المزعوم.
الاضطهاد "يهضرو عليه ولاد حريبكة ولا جرادة واليوسفية", أو من الممكن أن تتحدث عنه قبائل أيت باعمران التي تعرضت في سيدي إيفني للانتقام الدائم. الاضطهاد سيكون ملائما للصفريويين الذين كلما تحدثوا أشبعتهم الهراوة تأديبا وتقريعا, وقد يكون مسموحا لسكان الصحراء أن يعبروا عنه بوضوح هم الذين يجدون أنفسهم ملزمين بالاختيار بين وجهتين: الانبطاح أو تهمة الانفصال الجاهزة. الاضطهاد مقبول سماع تفاصيله من مجاز تخرج في التسعينيات ولازال يجد كل صعوبات الكون في أن يطلب من أبيه المسن ثمن الذهاب إلى الحمام أو المقهى, أما أن يتحدث عن الاضطهاد الاقتصادي أناس كنا نراهم باستمرار في المقدمة يقطفون كل شيء, ويتحدثون عن الجو الآمن المطمئن الذي يشتغلون فيه, وفجأة _ سبحان الله العظيم _ اكتشفوا أنهم كانوا مضطهدين واكتشف كل واحد منهم أن جينة من جينات تشي غيفارا تجري في دمائه منذ القديم دون أن يعرفها ودون أن يشك في وجودها أي كان, ففي المسألة سخرية من شعب بأكمله.
ومع ذلك دعنا نكن عاقلين بعض الشيء ولا نقلد عبد الحميد أمين الذي أرعب الناس وهو يتحدث عن لوائح بأسماء الجلادين الإعلاميين توجد لديه هي ولوائح أخرى توعد بها الناس بعد نجاح الثورة يوم الأربعاء الفارط في دوزيم. لا أحد يريد الانتقام من أحد في المغرب, ولا أحد يستكثر على أحد أن يقول ما يريد اليوم, شرط أن يقال هذا الشيء باحترام للناس ولذكاء الناس.
ولكم أعجبني _ بل قل أطربني _ ادريس اليزمي الذي تحدث في الحلقة إياها عن الحظ الذي نمتلكه نحن في المغرب لقدرتنا على النقاش, وهي القدرة التي يموت من أجلها الكثيرون اليوم, على حد تعبير اليزمي. وهذه القدرة على النقاش هي مانريد أن نزرعه بين الناس بأكبر كمية ممكنة وإلى ختام كل الأشياء. نريد أن نسمع صوت الجميع, نريد أن نفهم أن المغرب القادم يتقبل الجميع, نريد أن يتسع البراح المسمى مغربنا للكل, لكي نثبت لمن كانوا يستكثرون علينا الكلام أنهم كانوا مخطئين.
علينا اليوم أن نثبت لمن أقفلوا علينا الأبواب منذ الاستقلال أنهم "حكرونا" يوم اعتقدوا أننا شعب من القاصرين لايستحق إلا الإقامة الإجبارية. بفضل روح العشرين من فبراير, اليوم عليهم أن يفهموا كم الإساءة التي ارتكبوها في حق البلد يوم اعتقدوا هذا الاعتقاد الغاشم, شرط أن لايأتي مكانهم أناس راغبون فقط في تقليدهم لكن بأسلوب جديد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أمنيتنا التي لن نكف عن ترديدها هي أن تتوقف الماكينة الأمنية المحافظة عند هذا اليوم وأن تحتفظ لنفسها بمفاجآتها من العيار الثقيل التي لايقبلها المغاربة, ولا يريدون بها أي دليل إضافي على أن جهة ما تريد اللعب ببلدهم والمقامرة به.
أمنيتنا أن تمر 20 مارس في ظروف حضارية وأن يتجنب الشباب كل الأسباب التي قد تؤدي إلى استفزازهم, وأن يعبر الأمنيون عن تحضرهم وفهمهم للحظة التاريخية التي يمر منها المغرب.
لن يقبل أي واحد منا أي تطور استفزازي قد يتحول إلى مالاتحمد عقباه, وليعلم من قد يفكر في الدفع نحو هذا الاتجاه أن المغرب لن يسامحه أبدا طال الأجل أم قصر.

الجمعة، 18 مارس 2011

فوسفاطيون ولكن

في خريبكة يقطنون. لهم من سمة الانتماء الأسنان التي يضعون فوقها اصفرار الحياة, ولهم من المسوغات للذهاب إلى الطبيب كل مرة العلامات الدالة على أن التلوث يسكن منهم كل مسام الذوات, ولهم في الختام الوهم الذي يحملونه باستمرار كلما عبروا مدينة ما أنهم هم من يحملون للمغرب خيره الكبير: الفوسفاط. مشهدهم شبيه بمن يعيش في مدينة بترولية دون أن يكون له من علامات البترول إلا السواد العالق في الأيادي. ماعدا ذلك لا شيء.
يمضون اليوم بطوله في الأحياء الفقيرة, يبحثون عن بوشعيب الذي ذهب منذ عشرين سنة إلى إيطاليا وعاد منها بمال كثير. يتحدثون عن المصطفى الذي باغ الغبرة في ميلانو, وعن محمد الذي عاد ميتا في "باطيرات الرعب المخجلة والقاتلة". تتراءى أمام أعينهم قصة فتيحة الفتاة التي كانت فتاة ذات يوم وكانت جميلة ذات زمن, والتي لم تجد ماتبيعه يوم خرجت من خريبكة غير الجسد البض الذي كان يحرك خيال الشبان. هي اليوم في مكان ما بين فرنسا وإيطاليا تترأس فريقا من شبيهاتها ممن لم يجدن شيئا يبعنه غير لحمهن الرخيص,تعود صيفا على متن سيارتها ذات الدفع الرباعي, تقيم الأعراس لمن تعرفه ولمن لاتعرفه, تمثل دور الفرحة المبتهجة بما خبأته لها الحياة, ثم تختفي ذات يوم بحثا عن مزيد من المال, مزيد من بيع الذات.
عندما تتحدث إليهم عن الفوسفاط يسخرون منك. يقولون لك إن الخير الذي يحمل للمغرب مئات الملايين من الدراهم سنويا لم يحمل لهم إلا الانتظار. في سنوات أخرى قيل لهم "من حقكم أن تجلسوا في منازلكم, وسيأتيكم ريعه". بقوا لسنوات جالسين في المنازل دون أن يأتي ريع أي شيء. بعد ذلك قيل لهم "سنوظف الأبناء منكم مكان الآباء, نحن نعرف أنكم عانيتم كثيرا واليوم لكم الحق في أن تأكلوا قليلا من خيرات المنطقة التي توجدون فيها". بقوا ينتظرون هذا التوظيف الكاذب إلى اليوم. في يوم آخر قالوا لهم بصراحة جارحة "أنتم غير مؤهلين للاشتغال في أي مكان من الأمكنة, أنتم تصلحون للحريك فقط, لذلك رجاء تدبروا أمر 15000 درهم, واغربوا عن ناظرينا, ويوم يصبح ممكنا لكم أن تعودوا بكثير من المال إلى أرض الوطن ستجدوننا في انتظاركم نغني لكم بداية موسم العبور مرحبا بكم في بلادكم".
طبقوا النصيحة بالحرف. اختاروا بيع الأثاث البسيط الذي بقي عن الآباء والأمهات, ودفنوا في مكان ما يصعب الوصول إليه شهادات الدراسة التي ارتكبوها ذات يوم ورحلوا.
البقية الباقية التي ظلت في البلد كان أمرها أكثر استعصاء. في الصباح يكون لديك الخيار بين أن تشحذ أسنانك بعود بري التقطته من الأرض, أو أن تبقى نائما حتى الثالثة زوالا. في المساء لديك الخيار الكامل بين أن تسكن في الخمارة التي توجد قرب منزلك, أو أن تتبع دخان "الجوانات" إلى حيث قد يحملك. الفتيات لهن مصير آخر, هن يحملن ماتبقى من زينتهن ويخرجن: الواحدة صوب المحليين الباقين, والأخرى صوب مهاجر ضل طريقه في غير موسم الأعراس إلى البلد, والباقيات الصاالحات يقطنن في المنزل لايخرجن منه إلا إلى المصانع البئيسة التي لم يعد لها وجود, أو إلى الوجهة الأخرى التي تخفي الناظر تماما عن الأغراب والأقربين.
لذلك حين انتفضوا كان السؤال الأول الذي طرحه العديدون هو : لماذا تأخرتهم في الاستفاقة؟ كنا ننتظر أن تهب خريبكة واليوسفية وجرادة قبل الآخرين. هي مدن الموت التي حكم عليها بالفناء, وحكم على أبنائها أن يكونوا نجوما "بالزز عليهم" في القنوات الإيطالية: أن تظهر جثثهم باستمرار على الشاشة لكي يفوز بيرلوسكوني بالانتخابات, أو أن يلقى عليهم القبض ويدانوا ثم يساقوا إلى البد الذي كان بخيلا عليهم منذ لحظة الميلاد, والذي اختار لهم المسار الحزين الذي ينتهي على ضفاف المدن الإيطالية الباذخة لكن في الهوامش دوما أو بين صفوف المافيات.
الفوسفاط بالنسبة لهم نكتة سخيفة لم يعد الجيل الجديد قادرا على حكيها لمن يتلوه. أصبحت بطعم كريه للغاية وبرائحة تشبه رائحة الموت المنتشر في كل مكان, ويوم الثلاثاء كانوا يجربون فقط وهم يواجهون قوات الأمن بالعصي والحجارة وقنابل المولوتوف معنى أن تصرخ الموت ببطء يوميا لكي ينتفع الأسياد من خيرات الأرض التي ولدت فيها. أعترف أنني بحثت بعيني وبأذني وبكل الحواس الأخرى وبأصدقائي الكثر وبأقاربي المسجونين في تلك المدينة عن أثر مبرر لللدمار الذي رأيته غير ما أعرفه عنها منذ قديم الزمان فلم أجد.أنا أيضا قلت المتطرفين, وقلت أصحاب الأجندة الخارجية, وقلت من يريدون الصيد في المياه العكرة, لكنني في الختام تذكرت قريبا لي أمضى هناك بعض العام أو يزيد ثم فر هربا من وظيفته العمومية إلى زواج أبيض في أوربا وإلى أوهام أقل استعصاء من أوهام البلد العاق بأبنائه.
قال لي يومها وهو يرحل "وحده الروج والحشيش يوجدان في هذه المدينة, غيرهما لايوجد أي شيء, من حكموا على مدن الفوسفاط بالموت لكي تحيا الحواضر الكبرى بخيراته مجرمون سيؤدون الثمن إن آجلا أو عاجلا".
تذكرت كلامه يوم الثلاثاء الفارط وصادقت عليه, ولم أختلف معه إلا في تفصيل صغير: المجرمون من أغنياء الأزمة لن يؤدوا الثمن. الفاتورة الغالية كلها سيؤديها الوطن وحده دون أي معين.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
من هو الوزير المغربي الأكثر ابتعادا عن الواقع المعيش؟ هو منصف بلخياط بكل امتياز. مومو مثلما يناديه الحميميون لم يجد خيرا من هذا الوقت الذي تغلي فيه الأرض المغربية بمن فيها لكي ينظم المعرض الدولي للرياضة بمراكش.
يبدو الأمر مثيرا للكثير من السخرية ومنصف وإعلاميوه منشغلون بمعرض مراكش وليالي مراكش, في الوقت الذي يشغل شباب المغرب _ الذي يعد مومو وزيره نظريا _ بالتحضير ل 20 مارس ولأجواء الحرية التي يريد الدخول إليها عوض البقاء أسير سياسة تأتي بأمثال منصف إلى مواقع المسؤولية في الختام.
"ديكونيكطي", هذه هي الكلمة بلغة الفرنسيين, منصف.

الأربعاء، 16 مارس 2011

دوزيم بين البارح واليوم

آلمني كثيرا المشهد الذي رأيت فيه زملائي في القناة الثانية يوم الأحد الفارطز أشفقت لحال الزميل بلحميدي وبقية الطاقم الذي أرسلته مديرية الأخبار لكي يغطي الأحداث المؤسفة التي كان يعرفها يومها مقر الحزب الاشتراكي الموحد والتي انتهت بحفلة تعذيب سادية من طرف رجال الأمن في حق المحتجين والمتظاهرين والصحافيين الذين كانوا قبالة المقر يومها. رفض المحتجون السماح لدوزيم بالتصوير وتهجموا على الطاقم الذي أرسلته للوقفة واتهموه بأنه تلفزيون مخزني لن يمرر إلا الصور التي تخدم مصالح الواقفين وراءه, ولن يتعامل بمهنية مع الوقفة, بل سيسبها وسيسب الواقفين وراءها, وسيتخذ منهم موقفا هو موقفه المسبق أصلا.
هل كذب المتظاهرون يومها على دوزيم؟ للأسف الشديد لا. مضى ذلك العهد الذي كانت فيه القناة الثانية ملجأ وملاذ المظلومين في مغربنا. مضى ذلك الزمن الذي كان المغاربة يلجؤون فيه لدوزيم لكي تمرر مشاكلهم قبل اللجوء إلى الجهات الوصية. وأتى اليوم زمن أصبحت دوزيم مضطرة فيه إذا ما أرادت الدخول إلى المدن والقرى المغربية بسياراتها أن تزيل علامة القناة أو "اللوغو" لئلا يراه الناس ويشبعوا سيارات القناة حجارة وسبا وشتما.
علاش؟ ما الذي وقع وغير القناة من النافذة التي فتحها الحسن الثاني يوما لكي يطل منها المغاربة على نخبة جديدة لكي تصبح النافذة المغلقة التي لايطل منها إلا المرضي عليهم, ممن يقدمون فروض الولاء والطاعة صباح مساء؟ شنو وقع لدوزيم أو "الدوزيام" مثلما يسميها المغاربة بالتحديد؟
وقع لها ماوقع لغيرها من قنوات الرسميين المتكلسة, الموغلة في الغباء, غير القادرة على معرفة إلى أين يسير اتجاه الرياح. من خططوا لدوزيم مسارها الحالي قالوا لها : ارقصي, غني, قدمي البرامج الترفيهية, واصمتي. برامجك الثقافية لا نريدها, البرامج التي تلامس واقع المغاربة الحقيقي لا الواقع المراد ترويجه لا مكان لها في شبكتك البرامجية, البرامج السياسية أو الحوارية يجب أن تكون هكذا بالتحديد, وأن لايحضر فيها إلا من يقول القول الواحد الوحيد. اختيارات القرب من المشاهد المغربي يجب أن تكون هي اختيارات القرب من الجريمة, من المجرمين, من الحوادث العابرة والمتفرقة التي تقع. لا تفكري يوما في تغطية نشاط سياسي حقيقي. إياك أن تمر إلى ذهنك فكرة تنظيم نقاشات حقيقية حول المغرب, ثم احذري أساسا أن يغضب منك أصحاب الحال.
تذكري باستمرار أنهم "مالين الشي", الناس الذين يمدونك بأوكسيجين البقاء. ألم يفكرروا يوما في بيعك بحجة الإفلاس, يوم أصبحت مشكلة لهم ولما يعتقدون أنه الإعلام البصري في نظرهم؟ بلى وهم مستعدون متى فكرت في الخروج عن الطوع للقيام بالمثل, لذلك لا استغراب أن يعادي اليوم الشعب القناة, أن يعتبرها لا تمثله ولا تعني له شيئا, بل وأن يعتبر حضورها للوقفات الاحتجاجية طريقة لإخراج اللسان له أو بالعربية تاعرابت "للتفلية عليه".
يوم السبت الفارط, والمغرب يعيش نقاش التعديل الدستوري يومين فقط بعد الخطاب الملكي اتصل بي صديق يشتغل معنا في الميدان, وقال لي "غير المحطة الآن, تحول إلى دوزيم". كانت الساعة تشير إلى قرابة الواحدة إلا خمس دقائق, أي أن القناة كانت تبث حينها نشرة أخبارها الزوالية. توقعت أن أجد نقاشا حول التعديل الدستوري, تدخلا من أحد الفقهاء القانونيين الكبار في المغرب أو العالم, مداخلة سياسية جريئة لأحد المعارضين أو المؤيدين. تصوروا ما الذي كانت تبثه القناة بالضبط حينها؟ روربتاج حول تنكافت التي دخلها العنصر الذكوريو حيث كانت تقدم لنا سيدا يقول عن نفسه إنه نكاف ويشرح لنا كيفية القيام بتنكافت "على حقها وطريقها". مباشرة بعده أسلمت دوزيم الميكروفون لممون حفلات تحدث عن التعاون بين النكافة أو النكاف (والأمر سيان) وبين ممون الحفلات, وأكد لنا أن ممون الحفلات اليوم ليس مجرد جزار يأتي باللحم إلى الأعراس والسلام. لا, ممون الحفلات هو أهم من هذا الأمر بكثير.
أين نحن ؟ ومع من نحن؟
يعز علي أن أبدو فعلا متحاملا على قناة أعرف ثلاثة أرباع العاملين فيها, وأعرف قيمتهم المعرفية والمهنية, وأعرف مايمكن أن يفعلوه في التلفزيون لو تركوا هم والتلفزيون دون وسطاء :الخير" الذين يشوهون كل شيء تمتد ‘ليه أيديهم. لكن يعز علي أكثر أن أشاهد القناة وقد تحولت عن وظيفتها الإعلامية إلى أشياء أخرى لا أريد ذكرها لكن من يحضرون للوقفات الاحتجاجية يعرفونها جيدا, ويعرفون أين تنتهي صورهم والتصريحات التي يدلون بها والتي لا تمر في التلفزيون ولا يعرف بالتحديد مآلها الأخير.
في مسيرات العشرين من فبراير كان المتظاهرون كلما لاحت لهم كاميرا القناة الثانية يصيحون "الجزيرة الفضاحة, دوزيم الشطاحة". هل نسأل هؤلاء الصارخين غضبا لم يصفون القناة بهذا الوصف؟ أم نتغاضى ونقول إنهم عدميون متطرفون يريدون أشياء لانعرفها؟ أم نسائل القناة ومسؤوليها عن مآلها اليوم, ونرفع في وجههم البطاقة الصفراء أو الحمراء أو التوقيف النهائي مدى الحياة, لأنهم حولوا التلفزيون الذي كان ملاذ وملجأ المغاربة أيام زمان إلى التلفزيون الذي يسبه المغاربة كلما رأوه عابرا أمامهم؟
هانحن اليوم نمتلك مايكفي من الهدوء لكي نطرح السؤال, أما الشارع فقد قرر إجابته, وقرر بعدها وقبلها شكل تعامله من الآن فصاعدا مع هذا "الإعلام" ومع هذا "التلفزيون".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
وماذا لو لم يسقط العقيد القذافي؟ الكثيرون أصبحوا اليوم يطرحون السؤال بعد المقاومة الشرسة التي أبداها معمر, وبعد عودته لانتزاع مدن عديدة من بين أيدي الثوار وهو مااعتبره العديدون دلالة قدرة الديكتاتور الليبي على تحدي العالم بأسره رغم أن كل الظواهر كانت تقول في وقت سابق إن مسألة سقوط معمر هي مسألة وقت ليس إلا.
العديدون أيضا يضعون أيديهم على قلوبهم خشية عودة القذافي بقوة بعد أن تنكر له من كان يعتبرهم أصدقاءه, وهم يطرحون اليوم السؤال الكبير: وماذا لو عاد؟ ماذا سنقول له؟ وبأي وجه سنلاقيه بعد كل ماقلناه في حقه إلى حد الآن؟

الثلاثاء، 15 مارس 2011

عنف غير مقبول

كنا مجموعة من الصحافيين يوم الأحد الفارط في ساحة الحمام وبعدها في مقر الاشتراكي الموحد. نعترف أننا لم نفهم سبب الإنزال الأمني المكثف ذلك الصباح, ونعترف أننا لم نفهم سبب الحدة التي تدخلت بها قوات الأمن ضد الجميع. لم يستثن رجال الموزوني والي أمن البيضاء الذي كان يقود العمليات في عين المكان أي شخص. اعتدوا على امرأة حامل, اعتقلوا صغارا قاصرين, ضربوا صحافيين, سرقوا (أقول سرقوا ولم ينتزعوا) آلات تصوير العديد منهم, استعرضوا عضلاتهم في الأزقة الجانبية لساحة الحمام وفي كل محيط زنقة أكادير, قبل أن يقرروا قرابة الثالثة زوالا تفريق اعتصام قاده المناضل النقي محمد بنسعيد آيت يدر للمطالبة بإطلاق سراح المحتجين سلميا ذلك الصباح الذين تم اعتقالهم, والذين تم الإعلان قرابة الثانية عشرة زوالا بأنهم قاربوا المائة وعشرين معتقلا ومعتقلة.
في تدخل مابعد الزوال كانت الصورة أشد وضوحا. بنسعيد وهو يتحدث لرجال الأمن ومسؤوليهم لم يعن لهم شيئا, الساسي وحفيظ ودعيدعة والشافعي وبقية قيادات الاشتراكي الموحد لم تملأ عين المسؤولين الأمنيين الذين كانوا يفكرون فقط في إيصال رسالة سيئة لنا جميعا مفادها أنهم "ماقفلو والو فالخطاب الملكي الأخير". ملك البلاد يخطب الأربعاء لكي يعبر عن إنصاته لصوت شعبه, ويقرر إجراء تعديل دستوري شامل, وقوات الأمن تعتدي الأحد الموالي في كبرى المدن المغربية على المحتجين سلميا في إطار الوقفات الحضارية التي دشنت منذ 20 فبراير والتي تقرر لها أن تتواصل إلى غاية 20 مارس, للتأكيد على أن الشعب المغربي متشبث بالمطالب الإصلاحية التي قدمها, والتي تمت الاستجابة لجزء منها ولازالت البقية تنتظر.
الاستجابة أو بداية الاستجابة لأننا لازلنا في طور الخطاب, ومافعله الأمنيون الأحد أعادنا بالفعل بسهولة غبية إلى ماقبل الخطاب. قال لنا مسؤول أمني لكي يفسر عنف التدخل إن الأمر يتعلق "بالعدل والإحسان", شرحنا للمسؤول الأمني زوالا أن العدل والإحسان لاتحمل هراوات ولا عصيا اليوم, وأنها تحتج سلميا رفقة شباب أطاك, ورفقة شباب 20 فبراير, ورفقة شباب باراكا, ورفقة شباب أحزاب مغربية أخرى.
قال لنا المسؤول "لا, العدل هي الأقوى, وهم يجندون الآن كل أتباعهم لكي ينزلوا إلى الشارع". مرة أخرى قلنا له إن المغرب الذي يريد الكل بناءه اليوم يجب فعلا أن يتسع للجميع, وإذا ماكان العدليون قادرين على تدبر موطئ قدم لهم بين الناس, وبين الحركة المطلبية التي تزهر في مغرب اليوم, فلا حق لأحد في منعهم, ولن ينفع المنع في أن يوقف زحفهم إذا كانوا نازلين. أقول هذا الكلام والكل يعرف موقفي من جماعة ياسين, لكن موقفي أشرس من تقليد الأنظمة الغبية التي رأيناها تسقطط أمامنا في تونس ومصر وهي تتهاوى اليوم في ليبيا.
موقفي أشرس من قمع الشعب, ولا أرى أي سبب يجعل قوى الأمن تتدخل بعنف مبالغ فيه لتفريق وقفة سلمية لم ترفع فيها أسلحة, لكن رفعت فيها شعارات فقط, لم يطالب فيها أحد بأي شيء خارج القانون, بل كانت كل مطالباتها تتمحور حول الرغبة في إسقاط الاستبداد.
وليسمح لنا من ينظرون لكل هذا العنف ضد العدليين بكونه استباقا لعنف أقوى تمارسه الجماعة باستمرار لكي نقول لهم إن مايفعلونه هو زرع للريح وأن الحصاد معروف وهو العاصفة. وأضيف أنني التقيت العديدين يوم الأحد ممن أعرف معارضتهم للعدل والإحسان وعداءهم لمفهوم الدولة الدينية الذي يحمله هؤلاء, وهم يعبرون عن تعاطفهم مع الجماعة فيما تتعرض له, ثم وهم يقولون إن "الرسميين اليوم يصنعون من الجماعة خصمهم الرئيسي, يهمشون شباب الحركة, ويصنعون وهم الزعامة لها في الشارع", باختصار هم يشتغلون ضد مايقولون إنهم يشتغلون لصالح تحقيقه, وهذا الأمر ليس له إلا وصف واحد هو: الغباء.
الغباء لن يتقدم بنا قيد أنملة إلى الأمام, واالغباء لن يعطينا الوقت لكي نقنع شعبنا أن إرادات الإصلاح الفوقية هي إرادات فعلية. شعبنا سيقارن بين مايقال له في التلفزيون وعلى صفحات الجرائد وبين مايراه من تنكيل للأمنيين بالناس في الشوارع, وسيختار ضفته بسرعة, سيقول "هادو كيكدبو علينا والمعقول هو اللي كاين فالزنقة, المعقول هو الضرب اللي داير والاعتقالات ديال الناس".
صراحة أعود إلى النقطة التي بدأت منها كلامي أعلاه: لم نفهم سبب كل هذا العنف, وسبب كل تلك الرغبة في تكسير وهم جميل عشنا على إيقاعه منذ الأربعاء الفارط. ذلك أننا الأحد كنا مضطرين للقول أن الفرحة الصغيرة التي عشناها لم يدم زمنها أكثر من أربعة أيام, ومن أصروا على أن ينغصوا علينا هذه الفرحة عليهم أن يستعدوا للأسوء إذا لم يتم إيقافهم عند حدهم. ففي نهاية المطاف العنف لا يولد إلا العنف, وغدا لن يلوم أحد جماعة نزلت سلميا إلى الشارع إذا ما استعد أنصارها بشكل غير سلمي لمواجهة أي عنف قادم.
ليحذر من يلعبون بالنار في وطننا مما سيورطوننا فيه جميعا, فالإنصات لصوت الناس وهم يطالبون بالإصلاح سلميا أفضل بكثير من الإنصات لصوتهم وهم يطالبون بأشياء أخرى بطرق أخرى مخالفة تماما.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
زملاؤنا أوسي موح لحسن وسعد داليا ومحمد عدلاني وحنان رحاب كان لهم حظ وافر الأحد من "السليخ ديال البوليس". تلقينا في البداية تطمينا من وزارة الداخلية أن من اعتدوا على صحافيينا لن يسلموا من العقاب, ثم تلقينا مايشبه الاعتذار من الإدارة العامة للأمن الوطني, لكننا في المساء فهمنا أن الأمر مجرد رفع للعتب.
عوض الاعتذار والوعد بتحقيقات لن تتم, كان ممكنا أن يتفادى رجال الأمن ضرب الصحافيين وضرب المحتجين سلميا, ومن الآن نقولها لمن أصدروا تلك الأوامر: من الصعب علينا أن نتعاطف مع من يضرب أبناء شعبنا ومن الصعب علينا أن نجد له أي مسوغ من المسوغات. عومو بحركم أيها الضاربون لشعبنا, أو تداركوا ماارتكبه بعضكم من أخطاء.

الجمعة، 11 مارس 2011

ملك ينصت لشعبه

وجدت صعوبة في النوم ليلة الأربعاء الخميس. فرحا وابتهاجا وسرورا. أقولها بكل فرح، وبكل فخر أنني مغربي. سمعت ملكا ينصت لصوت أبناء شعبه، ورأيت كل من سبوا حركة ٢٠ فبراير قبل هذا الوقت، ومن اتهموا الشباب أنهم عملاء للبوليساريو ومأجورون لدى الخارج وتساءلت "اليوم وبعد أن أنصت ملك البلاد لهؤلاء الشباب، ما الذي سيقولونه ياترى؟" بالتأكيد سينخرطون في جوقة المدح الجماعية وسينقلبون على أنفسهم مائة وثمانين درجة، وسيؤكدون أنهم كانوا باستمرار من أنصار الحركة، ومن أنصار التغيير في المغرب.
يوم الأربعاء الفارط عرفت سببا إضافيا يجعل الشعب المغربي يتعامل مع محمد السادس تعاملا مختلفا تماما عن التعامل الذي تعامل به مع غيره من الملوك العلويين. يوم الأربعاء الفارط فهمت لماذا تحب امرأة مسنة وغير متعلمة في الأطلس المتوسط أو في أقصى منطقة شرقية في البلد أو في أبعد منطقة في الجنوب الملك الذي لاترى صوره إلا في التلفزيون..
يوم الأربعاء الفارط كانت لدي القناعة الأخيرة أن لدينا ملكا ينصت لصوت شعبه.
العديدون حاولوا أن يصوروا لنا أن تعاطفنا المبهم مع حركة عشرين فبراير في نظرهم هو شيء غير معقول. كانوا يقولون لنا "نحن لسنا تونس ولا مصر ولا ليبيا، لذلك رجاء توقفوا". كنا نرد عليهم "لأننا لسنا مصر ولا تونس ولا ليبيا علينا ألا نتوقف. من حق الشعب المغربي أن يطالب بالإصلاح وليس من حق أي كان أن يمنع عن شعبنا هذاالحق. والشعب سيقوم بواجبه في انتظار أن يقوم المسؤولون بواجبهم"، وهو الأمر الذي تم الأربعاء الفارط .
لعله الخطاب الملكي الأكثر انتظارا في تاريخ حكم الملك محمد السادس، بل هو بالفعل الأكثر انتظارا، ولعله الخطاب الذي أخرج الناس عن هدوئها المعتاد بعد الخطب لكي تصفق، لكي تغني النشيد الوطني في المقاهي، لكي تطلق لأبواق السيارات عنان التعبير عن الفرح بشيء واحد لايجب أن نستهزى به أو نسخر منه أو أن نعتبره عاديا: لدينا ملك ينصت لصوت شعبه.
ستصبح هذه هي كلمة السر بالنسبة لي وللعديدين. الأنظمة العربية الأخرى التي تمثل دور الطرشان مع شعوبها إلى أن تقع الفأس في الرأس هي أنظمة غبية، وهي أنظمة غير صالحة للتقليد لدينا. وحين يستوعب المسؤولون في الدولة على أعلى مستوى أن الشباب المغربي لا يريد أي سوء بالمغرب، لايريد قلب نظام الحكم، لايريد تغيير أي شيء نعتبره امتدادا تاريخيا لنا، الشعب يريد الإنهاء مع الاستبداد، فقط لاغير، هنا يحصل لدينا الاقتناع الكامل أننا سائرون في الطريق المستقيم نحو تحقيق مانريده جميعا للبلد.
طبعا هي البداية فقط، لكنها بداية قوية للغاية. وأعترف أنني مثل غيري من المغاربة كنت خائفا يوم الأربعاء ألا يحمل الخطاب إلا خبرا عن الجهوية الموسعة بعبارات تقنية فضفاضة وبجمل يصعب على الناس العاديين أن يفقهوا معناها، لكنني وبعد أن انتهيت من الإنصات للخطاب التاريخي الأكثر انتظارا في عهد محمد السادس تنفست الصعداء مثلما تنفسها المغاربة الغيورون على هذا البلد في كل مكان.
"دارت الماكينة" ولم يعد ممكنا اليوم أن تعود إلى الوراء. عجلة الإصلاح الحقيقية ابتدأت وشعار الملكية البرلمانية يبدأ خطواته الأولى نحو التحول العملي لكي يفهم المغربي أنه حين يتقدم بمطالبه بشكل سلمي وحضاري وموغل في التقدم لايمكن للصدى إلا أن يعود له حاملا الجواب المنتظر والفعلي والمتميز.
من قالوا إن الملك أسقط النظام أمس كانوا يبحثون فقط عن كلمات براقة تثير الناس دون أن تعني شيئا. المملك يوم الأربعاء الفارط أنصت للشعب . هذه هي الخلاصة، ماعداها كلام فارغ لايعني لي أي شيء. الملك أصاخ انتباهه صوب البسطاء من أبناء شعبه الذين خرجوا يوم ٢٠ فبراير يكتبون لافتة رائعة للغاية خطوا عليها "إننا نحبك ياجلالة الملك، أنقذنا".
النداء وصل لأنه كان خارجا من القلب، من عمق الانتماء المغربي لهذه التربة التي نستكثر عليها أن تسيل فيها قطرة دم واحدة دفاعا عن مطالب مشروعة في الختام علينا جميعا أن نستوعب أنها تريد الإصلاح للبلد لا أقل ولا أكثر، واليوم على هذا البلد كله أن يشمر عن ساعد الجد لكي يشتغل. الكل بدءا من الحكومة التي ستصرف ماتبقى من زمن في انتظار الدستور الجديد، مرورا بالأحزاب التي ينبغي عليها أن تصبح أحزابا حقيقية لكي تكون انتخاباتنا المقبلة فعلا نزيهة وغير مزورة، وصولا إلى كل مغربي ومغربية في مكانهما البسيط، لكي يقطعا مع أي تصرف سلبي نقوم به رغم صغر هذا التصرف، ولكي نقتنع أن البلد لن ينصلح حاله الكبير إذا لم نصلح حالنا الصغير نحن أولا.
لعلها الفرصة التاريخية الأبرز في تاريخ الدولة المغربية الحديثة أن ننطلق من البدء نحو مجتمع نستحقه بالفعل، نحو نظام حكم نستحقه بالفعل، نحو تسيير مشترك لهذه الصورة الجماعية المسماة مغربنا وهو تسيير نستحقه بالفعل.
ولا حق لنا بعد أن ننتهي من حماس الفرحة بهذ البداية المبشرة أن نخلف الموعد مجددا مع التاريخ. جميعا، لا حق لنا في أن نكون أغبياء وأن لانعض بالنواجذ على هذه الفرصة الكبرى التي فتحت أذرعها لنا.
المغرب اليوم ينادي كل أبنائه الحقيقيين المخلصين، أبناء البطن الحلال. "ماشي ولاد الحرام"، الذين استنزفوا الخيرات والذين أعلنوا يوم "حماض الشغل" أنهم سيكونون أول الفارين من هذا البلد.
المغرب لن يبنيه إلا أبناؤه الشرعيون، اللقطاء لهم مزبلة التاريخ، وقد حان الوقت لكي نتخلص من الكثير منهم ممن عرقلوا مسيرة هذا الإصلاح في هذا البلد منذ السنوات البعيدة. المغرب لن يبنيه بعد اليوم إلا "ولاد الحلال" هكذا وبكل اختصار يقول كل شيء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كلمة إضافية لابد منها في هذا المقام تهم آراء بعض أصدقائنا وزملائنا في الخطاب الملكي ليوم الأربعاء. على الإنسان أن يقرأ جيدا تفاصيل ماقيل وأن لاينجر وراء بعض الحماس الذي قد لايبدو مقبولا اليوم خصوصا بالنسبة لممتهني المعارضة الفارغة ممن لايملكون غيرها رسما تجاريا يضعونه على الرؤوس.
ملك البلاد أنصت لصوت شعبه، وأعطى الدليل على أنه يريد الإصلاح مع الشباب، ومن يرغبون في آمور أخرى لاقبل للمغاربة بها عليهم أن يفهموا أن الزمن اليوم هو زمن عمل لازمن مزايدات فارغة على وطن بأكمله. لابد من قولها وإن أغضبت هؤلاء. إذ أصلا من يهتم لغضبهم ؟

الخميس، 10 مارس 2011

معجزة إسمها 20 فبراير

رأيت التلفزيون المغربي يناقش مشكلة التشغيل في البلد. كان المذيع جادا وهو يقول إن على الحكومة أن تشغل الشباب وأنه يشعر بالشفقة لهؤلاء "المساكين" الذين لم يجدوا شغلا يمضون فيه يومهم. رأيت في القناة الأخرى نقاشا للشباب حول المطالب، وسمعت فتاة صغيرة تقول عبر الشاشة "تقادو ولا خويو البلاد, راحنا داويين معاكم". سمعت وزير الداخلية يقول للمحتجين إن رسالتكم وصلت وإن الوقفات التي تتم في البلد سلمية وهي شكل حضاري من أشكال التعبير, وسمعت زميله في الحكومة خالد الناصري يقول إن المغرب متعود على الوقفات الاحتجاجية و "ماعندو مناش يخاف"
منصف بلخياط الفتى الذي أتى للسياسة من العدم, والذي كتب في الفيسبوك على موقعه هناك إن شباب 20 فبراير عملاء للبوليساريو, غير موقفه مائة وثمانين درجة مثل الكثيرين, وأصبح يوجه الاعتذار والتحايا لهؤلاء الصغار الذين استطاعوا تحرير اللسان المغربي بوقفة ولافتتين و"جوج شعارات". البام أصبح حزبا عاديا مثل بقية الأحزاب والأكثر تفاؤلا من بيننا أصبحوا يتحدثون عن حله مثلما كنا نتحدث عن حل حزب العدالة والتنمية بعد 16 ماي 2003. سبحان مبدل الأحوال من حال إلى حال..
نجاة عتابو أنجزت أغنية أهدتها إلى شباب 20 فبراير تدعو فييها الشباب المغربي إلى الدفاع عن حقهم هي التي ألفت أن تغني الأغاني المنحطة فقط، ومن كانوا لايفتحون أفواههم أبدا إلا عند "الدونتيست" أصبحوا اليوم من كبار المدافعين عن حق الناس في التعبير عن مطالبها.
منير الماجدي سيترك شركاته الكثيرة، وسيتفرغ لمهامه الرئيسية في الكتابة الخاصة لجلالة الملك مثلما أخبر بذلك نور الدين عيوش الجميع. والهولدينغ الملكي بصدد ترك مواقعه في شركات كبرى من أجل الاستجابة دائما لصوت الشباب, وعباس الفاسي لن يصل حتى 2012 بحكومته العرجاء التي لانفهم سبب تسلطها على البلاد والعباد.
المجلس الاتصادي والاجتماعي رأى النور، وشبيبات الأحزاب "ديال بلعاني" أصبحت تعقد الاجتماعات الدورية من أجل تدارس الوضع والتعرف على مكانها من بين شباب العشرين من فبراير. الاتحاد الاشتراكي تذكر أن لديه قواعد يعود إليها ومجلسا وطنيا هو بمثابة برلمان الحزب يعقده متى شاء ذلك والخلاصة التي خرج إليها الحزب كانت فرجوية للغاية: أصلحوا البلد وإلا سنغادر الحكومة.
وحتى وإن كان الاتحاديون يقولون هذا الكلام من أجل التهديد فقط, فيجب فعلا الترحيب بها لأنه دليل على أن الاتحاد تذكر بعضا من قاموسه القديم الذي دفنه يوم أصبحت قيادته تقبل على نفسها الحقائب الوزارية الفارغة فقط من أجل عيون الحقائب الوزارية الفارغة.
العدالة والتنمية أصبح أكثر شراسة من السابق، ولم يعد يتردد في القول إن ثورات الياسمين والفل وبقية الأعشاب البرية التي تنبت في العالم العربي المريض وحده كانت ذات أثر مباشر على المغرب, وأنه حان الوقت لإطلاق أبو حفص والكتاني ورفع اللثام عما جرى حقا يوم 16 ماي 2003 وعن ضرورة إطلاق بلعيرج ومن معه والاعتذار لقادة البديل الحضاري عن كل مامسهم من سوء.
العدل والإحسان أصبحت تخرج إلى الشارع بمناسبة وبدونها. أتباع ياسين استفادوا من تجربتهم السابقة في تنظيم الوقفات والمظاهرات في الجامعات المغربية، وعرضوا على شباب الحركة خدماتهم كلها. النتيجة هي أن شعارات العشرين من فبراير لم تعد تسمع وعوضها أينما وقفت في المغرب تسمع دعاء العدليين على من يعتقدون أنه ظلمهم "بفضلك مولانا جد علينا واهلك من طغى وتجبر علينا". عمن هم متحدثون بالفعل؟
في الشارع أصبح "المخازنية" أكثر رأفة بالناس والحيوانات, بل وبالجماد أيضا. رأيت عنصرا من القوات المساعدة بأم عيني في حي شعبي يساعد رجلا مسنا يبيع الخضر في الأرض على الوقوف. قال له المخازني وعيناه تقطران شفقة ورحمة "الله يحسن العوان". في أيام أخرى وفي ساعات أخرى كان من الممكن أن يوجه إليه قذفة أرض أرض أو أرض جو حسب المزاج الذي يتحكم في القايد ذلك الصباح، وكان من المقبول أن يحمل معه الخضر إلى منزل القايد وأن يحتفظ بالميزان في بيته.
الشرطة بدورها أصبحت أكثر لطفا وأضحت تتقن التعامل مع الناس، "صباح الخير آسيدي، الوريقات عافاك"،حين يعثرون عليك متلبسا بمخالفة مرورية ما، أما حين ينشب خلاف بين إثنين في الشارع فعبارات "لعنو الشيطان" هي التي تسمع، غيرها من اقتياد الكل إلى الكوميسارية وفرض "الحلب" عليهم جميعا دون استثناء لم تعد ممكنة هذه الأيام.
الولاة والعمال أصبحوا من هواة شرب الشاي مع المحتجين في أماكن الاعتصام، وقبالة البرلمان المكان الذي احتضن كل العصا المغربية الموجهة إلى "القاريين بسبب قرايتهم" أضحى يشبه هايد بارك مع بعض الاختلافات القليلة. هناك تعثر على النهج يحاور العدل والبام يحاور البيجيدي والاستقلال "يحنزز" فيهما معا ويتساءل "شنو باغيين يديرو هاد المساخط؟"
في النهاية لا أثق كثيرا في المعجزات باستثناء الربانية منها، لكنني مضطر للقول إن ماوقع يوم 20 فبراير كان معجزة بشرية بكل المقاييس. والأجمل في هذه المعجزة العصرية المعاصرة هو أن ثمارها لن تتوقف عند حد على الإطلاق، هي سائرة في طريقها تحمل إلى المغاربة المزيد.
"فين غادية توقف؟" هذا هو السؤال الذي لا يجرؤ إلا القليلون على طرحه اليوم، لكنه بالتأكيد مطروح إلى أجل غير مسمى. مرحى شباب العشرين, هل تعلمون ما الذي صنعتموه لهذا البلد؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
احتفال قناة "فرانس 2" باليوم العالمي للمرأة كان الأفضل من بين القنوات الفرنسية التي تلتقط في المغرب. القناة اختارت القيام بلعبة تلفزيونية غاية في الطرافة قوامها ترك رجال في المنزل لمدة أسبوع كامل دون نساء, وتصوير النتيجة وتقديمها للمشاهدين الذين تعرفوا على كل ماتقوم به المرأة بالإضافة إلى اشتغالها خارج المنزل.
بعد ذلك استدعت فرانس 2 لنقاش جد متميز بيرنار هنري ليفي وفاعلات نسائيات كثيرات للحديث عن "نساء في المقاومة" والمناسبة كانت سانحة للحديث عن ربيع الديمقراطية العربي بامتياز. باختصار ليلة متميزة مع قناة أحسنت الاحتفاء بالحدث

الأربعاء، 9 مارس 2011

الفزاعة الإسلامية

بعض الجاهزين لتحليلات آخر ساعة ممن اكتشفوا الماء الدافئ شرعوا منذ سقوط مبارك وبن علي في ترديد مسلمة غريبة بغباء شديد عن سقوط فزاعة الإسلاميين، وعن وجود استعداد اليوم في كل مكان من العالم العربي لتقبل هذه الحساسية السياسية وإدماجها دون عناء في أي شكل مستقبي من أشكال الحكم وتسيير الأوطان في بلداننا. مبرر هؤلاء المحللي الأشاوس هو أن الٌسلاميين أبرزوا في مصر وفي تونس قدرتهم عل ىالنصهار وسط الشباب وقابليتهم لقيادة كل التحركات الشعبية، وإمكانية تكلفيهم بأمر أي ثورة قادمة في الوطن العربي لكي يوصلوها هي ومن تحملهم على متن عرباتها إلى المحطة الأخيرة بكل أمان.
معذرة على لعب دور الراغب في "ترياب الحفلة"، ولكن هذا الكلام ليس هراء فقط، هذا الكلام هو الهراء بعينه. أمريكا لها الحق اليوم في أن توزع صكوك الغفران على من تشاء، وكلينتون الخارجة من فضيحة زوجها الجنسية ذات زمن فارط إلى وزارة الخارجية وتسيير الأوطان بالريموت كونترول في عهد باراك أوباما تستطيع أن تتحدث إلى غاية الغد عن شكل المستقبل الذي تريده للمنطقة بإسلامييها ويسارييها وبكافة الملل والنحل الأخرى التي تريدها، لكن للأوطان العربية وللأهالي "ليزانديجين" الذين يقطنونها كلمتهم الفصل في الموضوع بكل تأكيد.
من يتحدثون اليوم عن الفزاعة الإسلامية التي سقطت لا يشرحون لنا كيف سقطت ومتى سقطت ومن أسقطها. هم يقولون فقط إن بن علي ومبارك كانا يخيفان الغرب بالإسلاميين، واليوم الغرب فتح عينيه على إمكانية جديدة بعد سقوطهما هي أنه من الممكن التحكم في العالم العربي بإسلامييه شرط تمكينهم من قليل من السلطة فقط لاغير.
المسألة موغلة في البساطة حد البلاهة، وهي ضحك على الذقون يتجاوز التندر لكي يدخل في إطار الاستهزاء منا جميعا وترديد مقولات لامعنى لها ولا أدلة تؤكدها عمليا وماديا. بل تكتفي هي ومن يقولونها بإلقاء نفسها في الهواء الطلق عسى أن تجد من بين المتوثبين لما يحدث في العالم العربي اليوم من يستطيع ابتلاعها رغم ضخامة الكذبة فيها وجسامة ماتحمله من مغالطات.
من يتذكر اليوم كيف بدأت الثورة الإيرانية؟ القليلون بكل تأكيد، لذلك لابأس من إنعاش الذاكرة بقليل تفاصيل تقول إن الثورة في سنة 79 لم تكن خمينية أبدا. هي كانت ثورة مجتمع ليبرالي متقدم للغاية على ملك طاغية اعتقد في لحظة من اللحظات أنه يشبه الله في كثير من المسائل، فأسمى نفسه الشاهنشاه وقال أنا ملك الملوك. لكن هذه الثورة تحولت بعد أشهر قليلة من نجاحها إلى لحظة نزول ملتسبة للغاية لرجل يسمى آية الله الخميني من طائرة "إير فرانس" الشهيرة التي حملته من منفاه الباريسي وحملت معه الملالي إلى حكم إيران بمبدأ ولاية الفقيه الذي انتهى بأحمدي نجاد مهددا العالم كله بحرب نووية إذا ما مسه أي سوء.
في العالم العربي اليوم لااختلاف نهائيا. الإخوان بمختلف تمظهراتهم التي لانميز بينها لأنه لاوجود لهذا التمييز يضعون العين على الحكم في العالم العربي بمختلف دوله دونما استثناء، منذ سنوات عديدة. وهم في سبيل الوصول إلى هذا الهدف جربوا كل أنواع الثورات الممكنة غير الممكنة. قتلوا السادات في حادث المنصة الشهير، رتبوا الانقلابات الفاشلة، اخترقوا الجيش في أكثر من بلد، تسلحوا بالصبر في الدول التي تبدو لهم أنظمتها أقوى منهم بكثير، وقالوا النهج التربوي إلى حين، اختاروا في دول أخرى العمل السياسي والدخول إلى البرلمان مع الاحتفاظ بالمسافة التي تمكنهم من الخروج متى شاؤوا ذلك من اللعبة كلها وذلك عبر اختلاق أسباب الصراع باستمرار والادعاء أنهم مستهدفون وأنهم يشكلون حصنا ضد التطرف وأنهم يدخلون اللعبة فقط لأنهم مجبرون على ذلك.
باختصار هؤلاء قوم جربوا كل شيء ولم يستطيعوا الوصول إلى هدفهم, ولم يبق لهم اليوم إلا أن يركبوا موجة الفيسبوك والتويتر التي تجتاح العالم العربي. في المغرب عشنا المسألة بوضوح شديد حد الوقاحة. الأحد 20 فبراير كانوا قلة فقط أتوا إلى الساحات المغربية التي شهدت الوقفات واطلعو على الوضع، واستوعبوا إلى أين سيسير الاتجاه العام. ويوم الأحد الفارط 6 مارس أخرجوا أولى طلعاتهم من الجحور, وقالوا بالعربية تاعرابت "نحن هنا".
وللأسف الشديد, الشباب من حركة 20 فبراير لن يستطيعوا التحكم بعد اليوم في مسار الأشياء. هم سيكتفون بالفرجة ومعاينة الخسائر. قد يحلو لهم في لحظة معينة أن يمثلوا دور الراغبين في التنسيق مع مختلف ألوان الطيف الإسلاموي في الوقفات والمظاهرات, لكن حتى ولو لم يقبلوا المسألة اليوم تجاوزتهم بالفعل, والحركة ومختلف أنشطتها سقطت بين أيدي الإسلاميين, اللهم إلا إذا...
اللهم إلا إذا كان للشباب وضوح كامل في التعبير عن موقفهم من الظاهرة الأصولية, والتأكيد على أننا نريد القضاء على الاستبداد بكل أشكاله, بما فيها الشكل الديني الذي "يبشرنا" به الراغبون في حكمنا بجزء من القرآن يلائم تصوراتهم وأفكارهم الحركية. هكذا وبكل وضوح.
لنعد الكلام من البدء : لم تسقط أي فزاعة إسلامية في أي بلد من بلدان العالم العربي. سقط رئيسان عربيان, وبقي الاختيار الموضوع أمامنا في هذا التابوت الممتد من الماء إلى الماء مرعبا بالفعل: إما أن نقبل باستمرار وضعية أصبحنا جميعا نعبر عن رفضها, أو أن نقبل الارتماء في المجهول رفقة هؤلاء المبتسمين منا ممن يضعون اللحى والحجاب على العقول قبل أن يضعوها على الذقون أو فوق رؤوس النساء.
هذه هي الحكاية بكل اختصار, ومن يقول لكم شيئا مغايرا, "وحق الله العظيم يلا كذاب أشر".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الاتهامات التي نسمعها هنا وهناك بالعمالة و"بيع الماتش" التي توجه للصبار بعد تعيينه في المجلس الوطني لحقوق الإنسان سمعها قبله ادريس بنزكري يوم تولى مسؤولية المجلس الاستشاري, وسمعها أحمد حرزني خلف بنزكري في المجلس, وسيسمعها كل من سيبادر بطريقة مغايرة للطريقة التي تريد الجموع فرضها للإصلاح من موقع مغاير للمواقع التي يفترض أنها "نضالية ونقية ومحافظة على المبادئ".
أحيانا نجد أنفسنا مجبرين على طرح السؤال حول تقدم فكرنا قليلا وخروجه من ثنائية الخيانة والوفاء التي لم تعد الأشياء تسير وفقها خصوصا في مجال برمال متحركة مثل السياسة.
من لايشتغلون وحدهم يسلمون من النقد في نهاية المطاف

الثلاثاء، 8 مارس 2011

يتامى البام

هل مات حزب الأصالة والمعاصرة؟ هل قتلت حركى 20 فبراير الحزب السلطوي, الأغلبي, حزب الدولة, حزب صديق الملك إلى آخر التسميات التي جادت بها قريحة المتتبعين للسياسة مثلما تقترف في المغرب؟ كل المؤشرات تقول نعم. المنتمون إلى البام خوفا من الهمة أو تقربا وتزلفا له أصبحوا أكثر الراغبين في الهروب من البام خوفا من الهمة والبقاء معه في هذه الأيام التي تهب فيها رياح ثورية على المنطقة العربية ككل.
كنا نعرف ونحن نشاهد حشد الحشود السياسية من كل التنظيمات أن أغلب هؤلاء لن يصمدوا كثيرافي الحزب إذا مافارقه مؤسسه, لكننا لم نكن نتخيل أن يتسرب الوهن بهذه السهولة وهذا اليسر إلى التنظيم القوي فور أن ترتفع في الشارع شعارات قليلة يوم 20 فبراير وبعده تقول بأن حزب الدولة لم يعد له مكان في العالم اليوم. ومع ذلك, ولأن السياسة في المغرب استثناء فعلي علينا أن نتحفظ قليلا في استباق كل النتائج التي يمكن أن نتخيلها, وعلينا أن نترك خط رجعة لنا مع كل هذه السياسة وكل هؤلاء السياسيين.
للتملي في حجم المفارقات المضحكة المبكية في سياسة المغرب, يكفي أن نتأمل هذا المشهد لوحده: البعض كان يتحدث عن استوزار قريب مباشرة بعد انتهاء استحقاقات 2012, البعض كان يضع نفسه في المؤسسة العمومية التي تحلو له, البعض كان يتحدث عن تطبيق الدولة حرفيا لكل التنظيرات التي يضعها, والبعض الرابع كان يكتفي بتحريك رأسه والابتسامة في وجه محدثيه ولسان حاله يقول "دابا تشوفو شنو قلت ليكم".
السياسة لحسن الحظ أو لسوئه في العالم الآخر, عالم الناس المتحضرين لم تعد تصرف بهذا الشكل نهائيا. أصبحت لديها برامج محددة وأحزاب بمناضلين حقيقيين, وبشعوب تأتمر بكلمتها هي التي تقرر لها متى ستخرج إلى العلن, متى ستؤسس نفسها, متى ستعقد مؤتمراتها, من ستنتخب من قياداتها, ماهي تحالفاتها الحالية والمستقبلية, وماهي الأشياء التي تعد أولويات فعلية بالنسبة لها, وما هي الأمور الثانوية التي يليق تأجيلها إلى حين. باختصار الحزب ليس نزوة ولن يكون أبدا كذلك.
ومع ذلك دعنا لا نشبه أولئك الذي لايحلو لهم إطلاق النار إلا على سيارات الإسعاف. دعنا نجد للبام في أيام ذهابه هاته (أو مايبدو أنها أيام ذهاب له) بعض الحسنات التي حملها معه إلى المشهد السياسي المغربي هو الذي يقول خصومه السياسيون إنه لم يأت إلا بالسلبيات.
أولى حسنة صنعها البام لهاته السياسة المترهلة في وطننا هي أنه أعاد للسياسيين المغاربة رغبتهم في النقاش. علينا أن نعترف أنه وقبل خلق أو إحداث أو تأسيس أو الأمر بتأسيس البام, كان المشهد السياسي الوطني رتيبا للغاية, يخرج منه المحجوبي أحرضان لكي يقتحمه عبد الواحد الراضي, باختصار ملل يذهب وروتين يأتي. بعد البام أصبحت هناك بعض التنويعات. انشغل المتتبعون أو تم أمرهم بالانشغال طويلا بالعلاقة التي تجمع فؤاد عالي الهمة بالحزب, وهل هو صاحبه أم هو مجرد مؤتمن عليه, أم هو عرابه, أم هو شيء آخر عصي على التحديد تربطه بهذا الحزب علاقات وأواصر أقوى من كل ماقلناه حتى الآن.
بعد تأسيس البام, اكتشف المغاربة قدرة النفوذ على إقناع الناس بالعودة إلى السياسة. بعضهم, وفيهم أناس كنا نعتقد أن لديهم موقفا واضحا من الديمقراطية الحزبية, ومن الديمقراطية ككل, أصبح فجأة متحمسا لقيادة الجهة نحو النصر في الانتخابات المقبلةو واستل من حيث لاندري عبارات الصراع السياسي الحزبي بعد أن كان يقول لنا لسنوات إن الحزبية في المغرب هي دليل إفلاس لا أقل ولا أكثر.
بعد بناء البام فهمنا أن المشكل لا يوجد في السياسة في المغرب ولكنه يوجد في السياسيين بالتحديد. عندما كنا نرى عمليات الترحال الكبرى من الفرق إلى الفريق الجديد, وعندما كنا نلمح مشاهد سوريالية لأحزاب تنام في الليل مالكة لعدد من النواب, وتستيقظ في الواحدة صباحا وهي لا تتوفر إلا على عضوين, أحدهما كان نائما ولم يتسن للبام الاتصال به لاستقطابه والثاني نسي هاتفه النقال مقفلا مما ضيع عليه هذه الفرصة التاريخية هو الآخر.
بعد مجيئ البام إلى الحقل السياسي المغربي تعرفنا على إلياس العماري, الرجل الذي يبدو قادرا على فعل كثير من الأشياء في مغرب اليوم. شاهدنا حكيم بنشماس في جلسات مجلس المستشارين كل ثلاثاء, وتعرفنا على آخرين وأخريات كلهم كانوا يقولون لنا إنهم كانوا مختفين في مكان ما في انتظار رجة حقيقية تعيد للمشهد السياسي المحلي قيمته وهاهي أتت الآن, لذلك هم عادوا, وجميعهم كانوا يحرصون كلما تحدث إليهم أحد أن يقولوا أن لاعلاقة إطلاقا للهمة بانخراطهم في الحزب الجديد, وأنه لو لم يكن هناك فيه هذا الرجل لتملكهم نفس الحماس الذي أبدوه لنا تلك الأيام.
والآن؟ ما الذي سيقع بالتحديد؟ أمنيتي الأكثر صدقا هو أن يخرج من بين هؤلاء من يتشبث اليوم بحزبه بغض النظر عن كل مايقال, وأن يقنعنا بأنه فعلا لم يذهب إلى البام تزلفا أو طمعا أو انتهازا لشيء ما, بل ذهب عن اقتناع وسيبقى فيه اليوم عن اقتناع حتى مع الكلام الذي يقال في كل مكان الآن عن ضرورة حل هذا الحزب ورفع يد الدولة عن التدخل السافر في الحقل الحزبي.
سنرى وسنتابع ماسيقع, وبعد ذلك سنحكم, دون أن ننسى أن "كلها كيجبد على أصلو", وهذا في السياسة وفي كل مناحي الحياة.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لاأفهم حقيقة موقف سعيد بن جبلي الذي يقول عن نفسه إنه أول من أسس صفحة 20 فبراير على صفحات الفيسبوك. الشاب المنتمي إلى العدل والإحسان يريد "باللي كاين" أن ينسب إلى نفسه زعامة لا أحد يواففقه عليها, والمشكلة هي أنه يريد القيام بهذا الأمر في حركة تأسست أصلا على قتل مفهوم الزعامة والكفر بكل من يعتبرون أنفسهم زعماء.
على بن جبلي إذا أراد البقاء في حركة 20 فبراير دون أن يضطر الشباب كلهم إلى التبرؤ منه أن ينسى وهم أول من أسس والمطلق الرئيسي للحركة, لأن الحركة في عمقها لم يطلقها أي كان بل تجمع حول دعوتها شباب المغرب الذين أصبحوا يحملون اليوم إسم "شباب عشرين فبراير". وما على من يحلم بقيادتهم إلا أن يغادر هذا الوهم لأنه غير قابل للتحقق نهائيا.

الاثنين، 7 مارس 2011

الجيل الملعون

نحن من جيل منتصف الطريق. لسنا من جيل من يمنون علينا يوميا أنهم سبب كل الخيرات التي يعيش فيها البلد, وأنهم المناضلون الذين عانوا لكي نصل إلى مانحن فيه من قدرة على الكلام دون خوف من شيئ, ولسنا كذلك من الجيل الجديد الذي يريد تكسير كل المعابد على رؤوس كل الشمشونات لكي يعثر على دليلته الخاصة به والذي يعتقد أن الكل إما "باع الماتش" أو "باع الطرح" أو باع الوطن بكل اختصار.
ميزة الانتماء لجيل الوسط هاته هي أنها تعطيك القدرة على التحديق مليا في الجيلين السابقين لكي تقول لهما حقيقتهما معا دون أن تفكر كثيرا في العواقب والتبعات. الجيل الأول الذي لايتعب حاخاماته من ترديد جملة "شفتي أنا؟ عمرك كامل دوزتو حباسات", هو جيل قدم ماعليه والسلام. النضال لم يكن في يوم من الأيام فرض عين على أحد. النضال اختيار أولا وأخيرا, والمناضل الحق لا يناضل لكي يصل إلى أرذل العمر قادرا على التمتع بالحقيبة الوزارية الفارغة من كل محتوى إلى أن تنعيه يوما القناة الأولى الرسمية بعباراتها الإنشائية المسكوكة ببلادة غريبة من معجم خشب الصندل العتيد.
المناضل الحقيقي يناضل لكي يصل ببلده إلى موقع ما, وحين ينجح في الوصول بالبلد إلى ذلك الموقع يعتبر أنه قدم ماعليه وينزوي, ينسحب أو يواصل النضال حسب الظروف. هو لايقول لكل من يتحدث معهم باستمرار إنه صاحب فضل على كل الأجيال التي ستأتي بعده, وأن الجرح الذي يحمله في كتفه, أو "البونية" التي أكلها ذات يوم في دار المقري أو مولاي الشريف أو الكوربيس هي دين علينا جميعا أن نستمر في تأديته إلى أن تنتهي كل الأيام.
هذا الأمر لايسمى نضالا. هذا الأمر يسمى وضع وديعة في بنك الزمن ومطالبة الأجيال باستمرار بأداء الفوائد عليها إلى أن تنقرض هذه الأجيال. وأعتقد أننا وصلنا في المغرب اليوم إلى المرحلة التي ينبغي فيها علينا أن نحترم تاريخ الناس دون أن يطلب منا هؤلاء الأخيرون ذلك تحت التهديد بأنهم سيغضبون منا, وسيندمون على كل يوم نضال قضوه دفاعا عن قضاينا نحن الذين لانستحق كل هذا الهراء.
الجيل الثاني, هذا الذي نبت الآن, له طريقة مشابهة في التفكير لكن في الاتجاه الآخر. هو يعتقد أن الجميع بلا استثناء مشتركون في مؤامرة على الجميع. أطراف المجتمع وأطيافه تلتم يوميا من أجل التخطيط لشيء غامض, والراغبون في الحديث بصوت هادئ هم مناورون باعوا كل لقاءات الدوري الوطني, ويبحثون عن "ماتشات" من دوريات عالمية أخرى لكي "يعيدوا فيها البيع مجددا".
من ميزات بعض الجيل الجديد أيضا هذا الاكتفاء الذاتي المرعب الذي يحيا فيه. ألتقي بشباب في العشرين أو دونها اليوم في الفيسبوك, يبادرك الواحد منهم بالسلام, ثم يشرح لك أنك أنت وماتكتب وماقرأته على امتداد سنوات عمرك كلها لاتعنون له شيئا. "علاش آحنيني؟", لأنك ممخزن أنت وكل من يكتب في الصحافة المغربية اليوم. تشكره وتتمنى له ليلة سعيدة, وتقفل حسابك الفيسبوكي نهائيا, ثم تلعن الشيطان وتقول إن عليك أن تسمع صوت الجيل الجديد, لكي تعرف مع من تعيش ومن هم مجايلوك بالتحديد.
تخرج لك من الجنب فتاة صغيرة في السادسة عشر, تبدؤك بالسلام (بعدا مربيين هاد الدراري), ثم تطلب منك أن تتوب عن غيك وأن تدخل إلى دين الإسلام. تذكرها بأن المسألة حسمت منذ خمسة عشر قرنا في شبه الجزيرة العربية, وأنها حسمت أيضا في بلدك منذ أيام إدريس الأول والأمازيغ الباحثين عن ملك إلى آخر الرواية التاريخية التي تحفظها دون أن تكون متأكدا من صحتها. تستمع إليك الشابة الصغيرة, ولاتقتنع ختاما بل تنهي محادثتها معك بالقول بكل بساطة : أيها العلماني لعنك الله".
تردد في دواخلك "آمين", فأنت من اختار المحادثة في نهاية المطاف, وأنت من ينبغي أن يدفع عواقبها وكل الضرائب التابعة لها.
بين الجيل الأول والجيل الثالث يوجد جيل ثان, خير تجسيد له لمن يبحث عن تجسيد هم هؤلاء الكهول الذين يسجلون أنفسهم اليوم في العمالات والأقاليم بعد أن قيل لهم إن هناك وظائف في انتظارهم بعد سنوات طويلة من الحرمان. هذا الجيل الوسط لم يعش سنوات الرصاص مثل الجيل الأول, ولم يعش سنوات الفيسبوك والتويتر مثل الجيل الثاني. هذا الجيل عاش سنوات الخيبة العالقة في أعين الأمهات, ولحظات الغصة الكثيرة التي علقت بغير قليل من الآباء, وعاش مرارة "الشمتة" يوم أنهى دراسته بتفوق وقالوا له "إذهب أنت وشهادتك, فاجلسا أمام البرلمان, إنا هاهنا متفرجون".
هذا الجيل التائه بين مناضلي العهود القديمة وبين مناضلي الفيرتيال الجدد, يستحق بعد كل "التخربيق" الذي وجد نفسه فيه منذ البدء وحتى الختام, أن يحيا متأرجحا بين الجيلين, فلا هو هنا ولا هو مع الهناك. له اللعنة التي اعتنقها منذ أتى, وله بالتأكيد يوم سيرحل, المزيد من اللعنات.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يبدو أن صديقنا معمر سيناضل طويلا ضد أبناء شعبه, وسيقاوم رغبتهم في إزالته ولو اضطره الأمر لقتلهم جميعا وقتل نفسه معهم في الختام إذا تعذرت عليه المغادرة الطوعية. البعض ممن يسبون معمر هذه الأيام لا حق لهم في ذلك. هم كانوا مستفيدين من خيرات بترول الجماهيرية إلى أقصى مدى, وكانوا على العكس مما يفعلونه الآن ومما يفرضه المنطق السليم, يسبون من ينتقد معمر ويتهمونه بأنه يريد توتير الأجواء بين المملكة والجماهيرية.
أمثال هؤلاء عليهم أن يكتفوا بإخراج اللطيف هذه الأيام لكي ينتصر معمر وعياله, فيما عدا ذلك لايبدو لي أن أحدا يريد الإنصات لرأيهم في هذا الموضوع بالذات

الأحد، 6 مارس 2011

20 مارس

تحولت 20 فبراير إلى 20 مارس, وضرب الشباب موعدا مع الديمقراطية والحرية لكي يروا إن كانت الرسالة قد وصلت بالفعل يوم تم تقديمها بشكل حضاري للغاية في العشرين من الشهر الفائت, رغم كل المحاولات الإرادية واللاإرادية التي تمت من أجل إفساد اليوم التاريخي بالمغرب. كل المؤشرات تقول إن الاستثناء المغربي سيظل حاضرا: القصر أعطى علامات دالة وقوية على أنه معني بكل الإصلاحات التي يريدها الشباب, مستشار جلالة الملك قال للنقابات إن موجة إصلاحات ستعرف طريقها إلى المغرب, الأحزاب السياسية انتفضت من صدمتها الأولى ومن نفاقها السياسي المعهود لكي تتبنى بشكل أو بآخر مطالب الشباب, الحكومة غيرت طريقة تواصلها مع الناس إن لم تكن قد غيرت طريقة عملها على الأقل, الإدارة المغربية الأقرب إلى المواطنين أي الشركة وغيرها من تمظهرات السلطة أصبحت أكثر انتباها لتعاملها مع خلق الله.
كل هذا وغيره من العلامات الدالة على أن رسالة 20 فبراير وصلت جزئيا, أمر طيب للغاية, لكن شبابنا يريد المزيد. أو للتدقيق أكثر هو يريد جعل هذه الإصلاحات أمرا واقعا لن يعود أبدا للارتفاع, عبر المرور إلى الإصلاح الدستوري والسياسي المنشود, وعبر جعل الانتخابات المقبلة ل2012 أول انتخابات يخوضها المغرب والمغاربة بأحزاب حقيقية, وبسياسيين حقيقيين, وبرغبة حقيقية في القطع مع الماضي, كل الماضي بشكل نهائي للغاية.
لن يستكثر أحد على شعبنا هذه المطالب, ولدينا في المغرب حظ جيد للغاية لأن أعلى السلطة مقتنع تمام الاقتناع بضرورة القيام بكل هذه الإصلاحات, لكن علينا فعلا أن نمر إلى مرحلة التطبيق. التردد أو أخذ الوقت الكافي وربما أكثر من الكافي من شأنه أن يعطي للشباب الإحساس فقط بأن ثمة تحايلا والتفافا على مطالبهم يلعب على الوقت, ويحاول العثور على التخريجات المناسبة لكل شيء. وهنا ينبغي أن نقولها كما هي: لقد تجاوزنا زمن التخريجات المعيبة, ووصلنا إلى زمن الإنصات لنبض الشارع وتنفيذ مايريده دونما إبطاء, خصوصا إذا التقى هذا الذي يريه الشارع بما تريده القيادة.
لا عذر لنا حينها في أي تأخر إضافي, سوى أننا نريد إقناع الشباب بأنهم غير مؤهلين لتقديم مطالب بهذا الحجم, وهذه مسألة لا يمكن القبول بها نهائيا. ولقد شاهدنا كيف ارتبكت كل الأحزاب السياسية من العدالة والتنمية إلى الاتحاد الاشتراكي إلى الاستقلال الحاكم, دون نسيان الأحزاب الأخرى بمن فيها "أحزاب بلعاني" جراء حركة 20 فبراير, وكيف فاجأ سقف المطالب التي نزلت إلى الشارع قيادات هذه الأحزاب التي ظلت متكئة لسنوات على توافقات جد محدودة يختزلها شعبنا في الحصول على مناصب الترضية لهذه الأحزاب ولقياداتها ولأبنائها مقابل الإبقاء على الوضع على ماهو عليه.
اليوم لدينا معطى جديد في الساحة, سواء اقتنعت هذه الأحزاب بضرورة الاعتراف به أم لا. لدينا شباب لارابط بينهم إلا الأنترنيت وحب المغرب, يضربون لأنفسهم الموعد تلو الموعد من أجل تغيير حال بلدهم, وينطلقون من مسلمة سهلة للغاية هي أن البلد ينتظر منهم أن يكونوا في الموعد, وهم قرروا أنهم لن يخلفوا أبدا هذا التاريخ.
البقية, مجرد تفاصيل قد نختلف وقد نتفق على بعضها, لكنها تظل شيئا نافلا لامعنى له وسط الحراك الشعبي والشبابي الكبير الذي يقع. ويؤسفنا هنا أن نخبر الأحزاب السياسية المغربية التي حاولت جر نفسها بشكل أو بآخر للحركة أن مطالب 20 مارس ستكون أعلى قليلا من مطالب 20 فبراير بكل بداهة, وأن من اعتقدوا أنهم ركبوا الحركة بعد مرور يومها وشذبوا مطالبهم لكي تصبح مشابهة بعض الشيء لمطالب الشباب, عليهم أن يبذلوا جهدا إضافيا لكي يلتحقوا بمطالب العشرين من الشهر الحالي. وهذه في حد ذاتها مزية جديدة تحسب للشباب, فقد دفعوا هؤلاء المترهلين السياسيين إلى بذل بعض الجهد في الإبداع السياسي بعد أن أصبح كل جهدهم في السنوات الأخيرة يسير نحو التخطيط لتوريث الأنجال المواقع الحزبية والسياسية.
على الأقل اليوم يجتمعون في اجتماعات حقيقية وصاخبة, ويكشفون أوراق بعضهم البعض, ويهددون بالانسحاب الكاذب من الحكومة, أو يعدون على عجل المذكرات الإصلاحية لكي لايطردهم شباب المغرب من مفكرته نهائيا هو الذي طردهم جزئيا منذ سنوات عديدة من تفكيره, واعتبرهم مجرد عالات سياسية ورثها من سنوات الرصاص ويجب عليه أن يجد طريقة ما للتخلص منهم إن آجلا أم عاجلا.
هذه الأيام التاريخية التي نحياها وهذا المنعطف الكبير الذي منحتنا الصدفة الرائعة فرصة عيشه مسألتان لاينبغي إطلاقا أن نخطئ طريقة التعامل معهما, لأننا لو فعلنا ذلك سنجد أنفسنا أمام أمور لاقبل لنا بها على الإطلاق في بلد مستعد للغاية لكي يتأرجح من الأمن الكامل إلى الفوضى الكاملة دون سابق إشعار أو إنذار. واليوم علينا جميعا أن نتذكر أن أمن البلد في أعناقنا, وأن إصلاحه بيدنا, وأن الموعد المضروب يوم 20 مارس لن يكون شبيها بموعد 20 فبراير إلا في بعض التفاصيل الصغيرة, الأهم سيكون بعمق أكبر بكل تأكيد, ومن يعش ير...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أهلنا في ليبيا يرددون كلاما خطيرا للغاية عن عدم وجود أي وسائل تواصل معهم في محنة حصارهم هناك, وجلهم يستنكرون حديث الرسميين عن تخصيص أرقام يتصل بها النازحون المغاربة, مثلما يستنكرون الدور الخفي جدا الذي تقوم به سفارتنا هناك.
أهلنا في ليبيا المحاصرين وأهلهم في المغرب يستحقون من وزارة خارجيتنا في هذه الأيام تجندا كاملا لئلا نتركهم هناك دون مساعدة ودون إحساس بأن البلد لن يتخلى عنهم مجددا بعد أن تخلى عنهم مرة أولى ودفعهم إلى الغربة واعتناق ذلها من أجل العيش الكريم.

الجمعة، 4 مارس 2011

نداء تمغربيت

لازال القذافي قادرا على لفت أنظار العالم وانتباهه وكل حواسه إليه, ولازال حاكم طرابلس يمتلك في الجراب السحري الذي يستل منه خطبه العجيبة المزيد من الكلمات القادرة على إضحاك الناس أولا, ثم تحسيسهم بالكثير من الألم وهم يرون هذا الشكل من الحكام يسوسون المنطقة العربية.
ومعذرة على الشوفينية, وعلى الرد على من يقولون اليوم إننا نحس بالفخر لأننا عرب, لكنني لا أستطيع الإحساس بنفس الشعور بسب الثورات هنا وهناك. العكس هو الذي يتملكني حين أرى القذافي يقول لقناة أمريكية "شعبي يحبني", والعكس يتملكني حين أرى علي عبد الله صالح وهو يقول إن أمريكا تحقد على الديمقراطية اليمنية. قلبي يؤلمني حين أرى زين العابدين يقول بعد ثلاثة وعشرين عاما من قهر شعبه "لقد فهمتكم", وأحاسيسي كلها تتعطل حين أرى حسني مبارك يواعد شعبه بأن ينفذ له كل مايريده شرط أن لايطرد من الحكم ولو إلى شهر شتنبر القادم على الأقل.
حقيقة أعاد لنا الصغار الذين خرجوا إلى الشوارع بعضا من أمل في حياة هذه الأمة, لكن الأمر لا يكفي, إذ هو سيشبه خدعة مماثلة لتلك التي ابتلعها الأجداد والآباء يوم اقتنعوا أنهم فعلا ينتمون إلى "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة", اليوم علينا أن نستوعب الدروس التي مضت في كل بلد على حدة, أن نحترم إرادات الشعوب في التحرر من ديكتاتورياتها, وأن نفكر في مآل بلدنا لوحده, وأن نضغط على وتر "تمغربيت" اليوم أكثر من أي وقت مضى بكل قوة قد نملكها وقد لاتواتينا البتة.
السؤال الأكبر الذي لايطرحه اليوم أحد ممن يسخرون من القذافي ومن نكته البايخة, هو "كيف صبر الشعب الليبي على رجل مجنون لمدة إثنين وأربعين سنة؟", الجواب واحد من إثنين إما أن الليبيين كانوا أكثر جنونا منه لذلك ولوه أمرهم, وإما أن الجبن كبل منهم كل الحواس, وجعلهم لايبدون أي رد فعل إلى أن أتت الظرفية العالمية الحالية التي هبت على منطقتنا العربية, ونضجت الحركات الأصولية في القطر الليبي بما فيه الكفاية لكي تغتنم الهبة وتقود الناس هناك نحو الثورة على "الأخ العقيد".
وليعذرنا مجددا أولئك الذين لايرون إلا الجزء المليء من كأس هذه الثورات "المباركة", لكننا اليوم ونحن نعاين صبر شعوبنا على كثير من البلاءات, نعاين أيضا الخسائر التي ستصاب بها هذه الأوطان في أفق بنائها مجددا علما أنها ليست أوطان قوية اقتصاديا بل هي منتمية _ بكل فخر _ إلى العالم الثالث مايعني أن أمامها زمنا طويلا جدا لكي تعود للوقوف على ركبتيها أما القدمان فلم تقف عليهما في يوم من الأيام.
هل يستطيع أحد أن يقول لنا اليوم كم ستمضي مصر بين القيادة العسكرية التي تحكمها وبين بقايا مبارك الذين لازالوا في كل مواقع المسؤولية وبين الشباب الراغب في العثور على موطئ قدم, وبين الإخوان الذين يضعون العين على الثورة ويريدون اختطافها قبل أن يبدأ البلد في التحرك من جديد؟ هل يستطيع أيضا شخص ما أن يقول لنا إلى أين تسير تونس, وإلى أين سيسير اليمن السعيد بجهل رئيسه وقات شعبه؟ أما عن ليبيا فلا داعي نهائيا للسؤال, إذ لا أحد يرى مصيرا لهذا البلد المسكين إلا الحرب الأهلية ختاما أو عملية انتحار درامية للقذافي ونظامه على أعتاب الإمارات الإسلامية التي أصبحت تعلن عن نفسها في كل مكان هناك.
لذلك يبدو لنا جميعا اليوم أنه من الضروري أن نعود "لشوفينيتنا" المغربية الجميلة, أن نقفل علينا الباب, وأن نستفيد من دروس هؤلاء العرب الحمقى, لكي نتفادى كل أخطائهم, ولكي نستفيد من الأشياء الإيجابية التي حققوها, ولعل النداء الواضح الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ساركوزي في ختام خطابه الأخير الأحد الفارط, وهو يشير إلى الاتحاد من أجل المتوسط الذي كان المغرب بلد إنشائه, هو نداء يهمنا أكثر مما تهمنا خطب القذافي المضحكة وبهلوانيات نظام بنعلي السابق, وحماقات عسكر وإخوان بر المحروسة.
اليوم _ وهذا كلام أشعر به بكل صدق _ شرعت في استيعاب المسافة التي وضعها المغرب بينه وبين العالم العربي وقممه المتتالية التي لامعنى لها, والتي كان كثير من أبناء الجلدة هنا يلومون قيادة بلدنا بسبب عدم ذهابها إليها, قبل أن يتضح اليوم أن أفضل شيء كان المغرب يفعله هو وضع هذه المسافة بينه وبين هذه القمم المضحكة, مع التركيز على علاقات ثنائية مع بلدان بعينها نستفيد منها فعلا ولا تكتفي بقذفنا بالخطب الفارغة كل ساعة وكل حين.
ربما هو موقعنا الجغرافي, ربما هو البعد عن هؤلاء العرب, ربما هي الصدفة, ربما هو حسن حظنا كمغرب أن اللحظة التاريخية منحتنا فرصة التفرج على كل ما يحدث الآن بدءا من تونس ومرورا بمصر ووصولا إلى ليبيا عسانا نمتلك ما امتلكه المغاربة منذ القديم, حسن الفطنة الذي سيسمح لنا بالاستفادة من كل مايقع من أخطاء أمام أعيننا, كي لانعيش نهائيا مايعيشه هؤلاء القوم مما عاشوه باستمرار وكنا الأكثر استعصاء على السقوط فيه على امتداد التواريخ والأيام.
أتمنى أن لايخلف بلدي الموعد الفاصل مع التاريخ, دون أي خسائر على الإطلاق, فدمنا المغربي أغلى من بقية الدماء, وترابنا أغلى بالتأكيد من بقية البلدان, وهذا كلام نقوله بكل شوفينية نتحمل منها كل النتائج وكل الخلاصات.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كيف ابتدأ الحديث عن التعديل الحكومي؟ وكيف انتهى؟ أين الصحف التي وضعت مصطفى التراب مكان عباس الفاسي منذ أسبوع أو يزيد؟ ولم توقفت عن لوك الكلام الذي نقلته لها مصادرها المطلعة بخصوص تعديل وشيك تم استدعاء الفاسي على عجل من أجل القيام به من قطر إلى مراكش؟
للأسف الشديد, لازلنا في البلد مضحكين على مستوى تداول المعلومة الحقيقية في صحافتنا, ولا زال بعضنا يسقط في فخ من يريدون الإيقاع به دون حرفية أو مهنية رغم ترديد الشعارات الكبيرة باستمرار. قارنوا حالنا بحال الصحافة الفرنسية التي كانت تعرف تعديل ساركوزي الأخير بحذافيره وستعرفون كل شيء.

الخميس، 3 مارس 2011

اللي دوا يرعف

تحدث حسن أوريد الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي ووالي مكناس تافيلالت سابقا في ندوة الزميلة "أخبار اليوم المغربية" حول الثورات التي يشهدها العالم العربي, وقال كلاما صريحا للغاية لا يمكن إلا الترحيب به عندما يصدر عمن كان مثل أوريد قريبا من المحيط الملكي, راغبا في خدمته حقا, معروف الأهداف وواضح المرامي, لكن رد الفعل الذي صدر عن بعض أطراف السلطة كان بدائيا للغاية. خرجت "ضوسيهات" وليست ملفات من العدم عن أراض وممتلكات باسم حسن أوريد توجد في كل مكان من المملكة, بشكل يدفع للتساؤل فعلا : كيف تخرج هذه الملفات يومين فقط بعد حديث أوريد في الندوة المذكورة التي قال فيها إن "من يحب الملك يجب أن يقول له الحقيقة كما هي"؟
تحدث في الندوة إياها كريم التازي رجل الأعمال المشهور والمعروف بعصاميته وبكونه واحدا ممن صنعوا ثورتهم بأيديهم اعتمادا على أنفسهم. التازي قال كلاما يردده الجميع اليوم عن استحالة الجمع بين السلطة وبين المال, وهو كلام ينبغي في المقام العادي والمعهود أن نرحب به لصدوره عن رجل أعمال لا يمكن لأحد أن يتهمه أنه يريد قلب النظام أو أي شيء من هذا القبيل, لكن العكس هو الذي حصل. خرجت "ضوسيهات" عن والدة كريم التازي وعن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, وعن ضغطه عبر الصحف للوصول إلى مآربه الشخصية والتجارية. مرة أخرى طرح الناس السؤال: كيف تخرج هذه الملفات يومين فقط بعد أن قال التازي ماقاله في الندوة المذكورة.
هل نواصل؟ أم نتوقف؟ مولاي حفيظ العلمي الذي يتعرض اليوم لحملة بشعة للغاية يختلط فيها السب بالقذف بالتشهير, بنشر الكلام دون وثائق, هو الآخر الكثيرون يتساءلون عن سبب خروج ضوسيهاته اليوم إلى العلن وعبر الوسيلة إياها التي أصبحت متخصصة في تقديم هذا النوع من الخدمات دون أدنى حياء أو خجل, إلى الحد الذي يفسر الكثير من الأشياء, بدءا من الأحكام المخففة, مرورا بتعطيل الأحكام الكبرى, ووصولا ختاما إلى الأحكام القاسية ضد الخصوم.
ما الذي يقع بالتحديد؟ أو بدارجتنا الواضحة : شنو هو هادا؟ واش عارفين هاد الناس آش كيديرو؟ ولا غير كيشيرو وصافي؟" هل يعتقدون أن قمع النقاش حول الحرية في المغرب اليوم سيتم بهذه الطريقة, طريقة " اللي دوا يرعف"؟ تتحدث ياأوريد عن الإصلاح في ندوة إعلامية, طيب تعال هنا: أنت استوليت حين كنت واليا على مكناس على الأراضي الفلانية والعلانية. طيب أين كنتم من قبل؟ لم لم تخرجوا هذه الملفات إلا الآن؟ الواضح أن مصلحة البلد لاتهمكم, والصالح العام لايعني لكم شيئا, الأساسي هو الاحتفاظ بالملفات والاشتغال بها حين اللزوم. تحدثت يا كريم عن الإصلاح الاقتصادي, تعال هنا, هذا ملف والدتك مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نخرجه لك لكي تعرف أننا نعرف كل شيء, لكننا نتغافل بإرادتنا إلى أن يأتي الوقت المناسب.
آسفون لقولها, ولكن الاشتغال بمنطق العصابات هذا لم يعد صالحا للزمن الحديث. من الممكن أن تخرج لشخص أو إثنين أو ثلاثة ماتريد من الملفات المخابراتية, لكن المستحيل أن تخرج لشعب بأكمله ملفات مشابهة, واليوم الكلام الذي يقوله أوريد والتازي وغيرهما قاله الشعب قبلهما بكثير, هما فقط يلحقان أو يحاولان اللحاق بطلبات الشباب المغربي التي تجاوزت سقف سياسيينا بكثير.
نعتذر مجددا, لكن من يفكرون بهذا المنطق الأخرق أناس تجاوزهم الزمن بكثير, والصحافة التي تلعب معهم هذه اللعبة هي ليست صحافة في نهاية المطاف, هي تشتغل وفق مهمتها التي أنشئت من أجلها والتي عبدت لها للوصول إليها كل الطرق, وهذه أشياء نعرفها في الميدان دون حاجة لجمع "ضوسيهات" عن أي كان لأننا نكتوي يوميا بطريقة الاشتغال هاته التي تريد إقناع المغاربة أن كل من ينادي بالإصلاح بينهم هو "شفار" لايحق له أن يتكلم أو يفتح فمه. وماذا بعد؟ لاشيء, الإبقاء على الوضع على ماهو عليه, والمزيد من تكفير النماس بالسياسيين وبالنخبة الاقتصادية التي قد تقدم نفسها بديلا لنخبة وصل الآن زمن انهيارها واختفائها من الوجود سواء وافقت على هذا الأمر أم رفضته لأن المسألة ليست باختيارها.
كان ممكنا لمن يفضلون الاشتغال بتفنية الملفات المخابراتية هاته أن يفتحوا التلفزيون لدقائق, أن يشاهدوا قنوات بلد يسمى مصر, وأن يسألوا أنفسهم أين رئيس النظام المخابراتي العتيد الذي بناه مبارك على امتداد سنوات؟ كان ممكنا أن يفتحوا تلفزيون تونس وأن يسألوا أنفسهم عن مصير بنعلي الذي أسس لمخابرات بوليسية لا مثيل لها في العالم كله, وكان ولازال ممكنا أن يتوجهوا صوب الجماهيرية التي اعتقد العقيد أنه قطع الهواء والماء عن ساكنيها بنظام الملفاتي, قبل أن يجد نفسه مثل المخبول هذه الأيام يضحك بعصبية وهو يردد "شعبي يحبني", دون أن يكون قادرا على تصديق ماوقع له على الإطلاق.
أعرف أن من يقررون الاشتغال بهذه التقنية يعرفون أمورهم أفضل منا بكثير, لكن ليسمحوا لنا في هذه أن نقول لهم إن سياسة "اللي دوا يرعف" التي انطلقوا فيها لن تنتج لنا في الختام إلا رعافا كثيرا, ونزيفا من كل الأنوف, وليس فقط من أنوف من يتم لكمهم هذه الأيام. والنظر السديد لهم قبل وبعد كل الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
اكتشفنا مع هبات الحرية المنعشة التي هزت العالم العربي أن الهواية الثانية للحكام في المنطقة بعد الحكم المزمن هي هواية وضع الأموال في الأبناك الأجنبية, والمشكلة هي أنه كلما سقط حاكم جديد منهم يكون الأبناك الأجنبية هي الأسعد بسقوطه لأنها تصادر الممتلكات وتخرج لسانها للجميع بذريعة تنفيذ العقوبات والتضامن مع الشعوب المقهورة.
حكام يودعون أموالهم في البنوك الأجنبية, ويطالبون المواطنين في خطبهم بأن يتضامنوا مع الوطن وأن يضحوا بالنزر اليسير من المال الذي يتقاضونه لكي يحيا البلد حرا وكيرما وعزيزا. ولاد الحرام, هكذا يقول المغاربة عمن كان بهذه الطبيعة وهاته الصفات

الأربعاء، 2 مارس 2011

أفضال 20 فبراير

اكتشفنا فجأة أن للاتحاد شعبا ينتظر موقفا منه. يعتقد قطعا أن الحزب ليس ككل الأحزاب وأنه قادر اليوم على أن يتخذ شكلا أشكال السياسة يجعله مغايرا للآخرين ممن أدمنوا الفعل السياسي المحلي وجعلوه وسيلة لللنيل من البلادوالعباد. أنا الذي كنت أتوقع أن الناس فقدت الأمل في السياسة والسياسيين اكتشفت أنه لازال بعض من أمل في بعض من سياسيينا وأن القوم منا ينتظرون علامة تدل على أنه لازالت للسياسة بعض من نظافة وبعض من موقف حقيقية مجسدة في بعض من أحزاب
أعترف أن الاكتشاف راقني أنا الذي نظرت لموت السياسية والسياسيين واعتبرت أن الأحزاب لم تعد ذات جدوى بيننا, وأعترف الآن أن ماوقع حرك في بعضا من رغبة في العودة إلى السياسة وإلى معترك الخوض فها, ومع القرار الذي اتخذه الاتحاديون أخيرا, بترك المجال مفتوحا أمام الخروج من الحكومة أو البقاء فيها مما لم أفهمه, فإن ما لمسته من ردود الفعل لدى الناس القريبين أو البعيدين من السياسة ومعتركها أعاد لي بعضا من إيمان في كل مايجري الآن.
من قالوا إن 20 فبراير لم تكن ذات جدوى عليهم أن يتأملوا فيما فعلته في الأحزاب السياسية لدينا, ومن ادعوا أن الحركة كلها كانتا حركة صغار غير واعين لا انتماء سياسي لديهم, ولا وعي يؤهلهم لكي يقودوا المجتمع المغربي عليهم فعلا أن يسائلوا الحزب الذي كان الأول في البلد قبل أن تفعل اليد إياها كل الأفاعيل لكي تجعله مجرد تابع من التابعين, عن المآل الأخير لكل ما وقع بعد التاريخ إياه.
حقيقة لم يكن رد فعل الحزب عند انتظار من توسموا فيه خيرا, وحقيقة لم يستطع الاتحاديون فهم موقف الشعب المغربي الذي كان يتوقع منهم شيئا أكبر من موقف غير واضح الأبعاد, ملتبس الأهداف, غامض الرسائل. لكن الأهم بالنسبة للعديدين كان هو الاقتناع بأن شيئا ما عاد للتحرك في المستنقع السياسي المغربي الآسن. شيئ ما يقال له الآمل ماكان أحوجنا إليه نحن الذين لم نعد ننتظر من هذه الأحزاب إلا المظيد من الخيبات, والكثير من الإخفاقات وغير قليل من محبطات الأمل.
اليوم على من يحترفون السياسة في البلد أن يفهموا أن هناك أناسا _ هم شعبنا في نهاية المطاف _ لازالوا على الوهم الأول الذي حرطهم قادرين على الاقتناع بأن الأحزاب كلها ليست سواء رغم أن العقلية إياها اشتغلت على إقناعنا بالأمر ذاته لسنوات وعقود. واليوم على من يجعلون من السياسة مهنتهم الأساسية أن يقتنعوا بأن الناس تنتظر منهم شيئا أكبر من التوافقات الزائفة ومن الالتباسات التي يسمونها توافقاتهم, والتي يهيؤون لها أماكنها وكل الطروف المحيطة بها في الأماكن التي لانعرفها نحن.
ماأحوجنا فعلا إلى وضوح في الفعل السياسي كله, ما أحزجنا إلى أناس من محترفي هذه السياسة قادرين على الخروج على ناسنا بقرارت مفهومة, معللة باختيارات واضحة, قابلة للشرح لأهلنا, وغير مضطرة للانتظار سنوات طويلة قبل أن تبدو لنا أهميتها وقيمتها. ذلك أن الذين نراهم في البلدان الأخرى لا يفعلون مثلما يفعل سياسيونا. هم يتخذون مواقف مبنية على القاعدة التي أوصلتهم إلى الحكم أو حكمت عليهم بالبقاء في المعارضة. أما لدينا فنحن لانعرف إن كنا السبب في بقاء من نعتقدها أحزابنا في موقع الحاكمين أو في مقوع المعارضين.
البعض يسمي مانحييه الانتقال الديمقراطي, لكن شعبنا يفضل تسميته الالتباس الديمقراطي ذاك الذي لايسمح لما بالتمييز بين من ينتمون فعلا لنا من السياسيين وبين من ينتمون لأنفسهم وتحركهم مصالحهم فقط, ويريدون من خلال احتراف كل هذه المسارات أن يحققوا الأهداف التي يسعون إليها لا تلك التي يحلم شعبنا بالوصول إليها يوما. لذلك علينا فعلا أن نشكر اللحظة الراهنة تلك التي سمحت لنا بأن نرى الكثيرين على حقيقتهم العارية: من تنكروا لحزب الدولة الأغلبي بعد أن كانوا من السباقين لطلب وده, من اعتنقوا مطالب الشباب رغم أن تنظيماتهم هي الأبعد نظريا وعلميا عن الشباب وروحه, من عادوا إلى الحياة السياسية بعد أن فارقوها من تنظيمات التطرف التي لا موطئ للقدم لديها بين الناس, من عادوا للاقتناع أن الشارع هو الكان الأفضل لطرح المطالب كلها وانتظار الرد عليها, من عجزا عن إقناع المخزن بالحاجة إليهم ووجدوا في 20 فبراير الوسيلة المثلى للتحسيس ببعض ضرورتهم, من كانوا قاب قوسين أو أدنى من إقفال حوانيتهم ودكاكينهم السياسية لكنهم عثروا الآن على شكل من أشكال العودة إلى الحياة, من قاوموا لفترات معينة ثم اقتنعوا أنهم ماتوا وأن الأفضل بالنسبة إليهم هو انتظار زمن قد يأتي وقد لايأتي, وهاهو قد أتى, لكي يمنجهم صغار الفيسبوك كل أسباب البقاء.
كل هؤلاء وغيرهم كثير يدينون لحركة 20 فبراير بغير قليل من الفضل لكنهم لن يستطيعوا يوما الاعتراف أن هؤلاء الصغار كانوا وحدهم القادرين على صنع كل هذه الأفاعيل بهم وبسياستهم التي اعتقدناها قد ماتت. أفلا يستحق الوافدون الجدد _ على وزن الوافد الجديد كذبا _ كل التحية, وكل الاحترام؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الفرق واضح بين التظاهرات السلمية التي تتم في ظروف جيدة وترفع شعارات واضحة، وبين التظاهرا ت التخريبية التي تتخذ لها هدفا واحدا هو إشعال نار الحرائق في الوطن عبر مختلف مدنه. وبالقدر الذي نطالب فيه بالاحترام الكامل للمظاهرات السلمية للشباب والتعامل بنضج مع مطالبهم بالقدر الذي نطالب فيه بالحزم مع المخربين والضرب على أيديهم بقوة لأن أمن الوطن لا يقبل التلاعب به نهائيا.
المواطن الذي يحتج سلميا وبشكل حضاري هو أول المطالبين بهذا الأمر لأن المخرب لا يترك له حتى المجال للتظاهر السلمي ويحرمه من حقه الأساسي في إيصال مطالبه بشكل مقبول ومنتم لعصر الناس هذا

الثلاثاء، 1 مارس 2011

فيشل العرايسي

لانصيب لي في اختراع هذه الكلمة التي تعد لعبا على الحروف بخصوص الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة فيصل العرايشي, بل براءة الاختراع هي لرجل برع في الصنف يسمى أحد السنوسي زاوج في الكلمة بين فشل فيصل العرايشي في الوصول بالقطب العمومي المغربي إلى بر الأمان, وبين الهوس الملحوظ على تلفزيوننا منذ أن حل على رأسه المواطن المذكور بالأعراس وبرامج "للا لعروسة" و"الهودج" لكأن الشيء الوحيد الذي ينقص المغاربة في تلفزيونهم هو الاحتفال بالأعراس الحقيقية والوهمية إلى يوم الدين.
تذكرت الللقب ونحن نتابع الغياب الكلي لقطبنا العمومي أو لما يسمى قطبنا العمومي عن أحداث البلد الجسام التي نحياها حاليا, وتذكرت أنه قد مرت منذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها العرايشي مقاليد الإذاعة والتلفزة المغربية, ثم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة مايربو عن الأحد عشر سنة هي كافية لكي تسمح لنا بإقامة مايشبه التقييم لعمل الرجل الذي يعد عمليا المسؤول الأول عن كل مايشاهده المغاربة في تلفزيوناتهم, وماينصتون إليه في إذاعاتهم.
أحد عشر سنة. مدة طويلة بحساب الزمن, لكنها بحساب التلفزيون مدة خرافية للغاية, إذ هي تتيح للعرايشي لو كان يتوفر على استراتيجية لتسيير القطب العمومي وقبله التلفزيون فقط أن يظهر "حنة يديه", وأن يترك بصمته على المجال ككل, لكن للأسف الشديد ماسيتركه العرايشي لتلفزيوننا هو قليل للغاية مقارنة مع اللحظة التاريخية التي تسلم فيها "حكم التلفزيون", ومقارنة مع الميزانية الهائلة التي وضعت تحت تصرفه, ومقارنة مع إطلاق يده بكل حرية لكي يفعل مايشاء في القنوات التلفزيونية منذ 2000 وحتى الآن.
المقربون من العرايشي _ ويعلم الله أنني أعرف منهم الكثيرين _ يقولون إن الرئيس المدير العام وضع استراتيجية القطب العمومي, أطلق القنوات التلفزيونية المتنوعة, تدبر أمر ميزانياتها, هيأ تقنيا الانتقال نحو الرقمي في كل القنوات التابعة لشركته, والبقية, أي ملء الشبكات البرامججية بما يرضي المشاهد المغربي هي مسألة ليست من اختصاصه ولكنها من اختصاص المدراء العامين المسؤولين عن كل قناة من القنوات التابعة له.
لن نناقش هذا الأمر بالنسبة لكل قناة على حدة, سنكتفي بنموذج واحد: قناة "المغربية", هل يعقل أن يتم التفكير في تحويل القناة التي كانت عبارة عن "فيديوتيك" لإعادة البرامج إلى قناة إخبارية تنافس بشكل أو بآخر الجزيرة والعربية, وأن يتم تكليف شاب صغير لايتجاوز الرابعة والعشرين بالتنسيق بين برامجها فقط لأنه إبن الوزير الأول؟
البعض سيقول لا للشخصنة, ونعم لانتقاد المنتوج وأفكاره مع الابتعاد عن الأشخاص. ياسيدي آمين, لكن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه, ومناقشة منتوج أنجزه فريق تحت إمرة الشاب المذكور هي مسألة تدخل في إطار "الاستهبال" أكثر من دخولها تحت أي مسمى آخر. لننتقل الآن إلى أهم انتقاد يوجه إلى التلفزيون العمومي الرسمي المغربي: الأخبار. انتظرنا سنوات طويلة أن يعفو الله علينا وعلى المغاربة من الإنشاء في نقل الأنشطة الرسمية, وأن يتجاوز تتلفزيوننا تلك العقدة الغريبة التي يفهم بموجبها كل المشتغلين داخله أن عليهم أن يظهروا فقط الأشياء الإيجابية التي تحدث في البلد, وأن يشغل هذا التلفزيون باله يوما بمشاكل الناس, بمشاغلهم, أن يحيا معنا على نفس القارة المسماة مغربنا, أن لايشطح به الخيال باستمرار نحو الكوارث المسماة روبرتاجات حسب فهمه للروبرتاج, والفضائح المسماة تقارير صحفية حسب تصوره لها, والزلات الكبرى التي تحمل وصف التحقيقات وفق منظوره.
انتظرنا وانتظرنا وانتظرنا, ثم فهمنا أن الأمور ستسير على هذا المنوال. النشاط الرسمي بالإنشاء الركيك أولا, ثم التغطية على أخبار الناس الحقيقية عوض تغطيتها, والالتزام بمايريده "مالين الشي" بلا زيادة ولا نقصان", وإخراج اللسان للمغاربة كلما انتقدوا أو قالوا كلمة سيئة عن هذا التلفزيون.
حينما كنا نكتب عن هذا الجهاز العجيب _ ويعلم الله أن العبد لله أصبح يخجل من الكتابة عن هذا الموضوع لفرط إطنابنا فيه _ كنا نسمع الصدى بشكل مقلوب "خليهم يكتبو حتى يعياو, دابا يخوا ليهم الستيلو". كنا نقول, لمن يريد أن يوصل لمن يقولون هذا الكلام, فكرة واحدة صغيرة هي أن العالم لم يعد يكتب "بالستيلو" منذ عشرات السنين, وأن من يفكر هذا التفكير هو إنسان تجاوزه العصر نهائيا حتى وإن كان يبدو ظاهريا "ولد الوقت". كنا نقول لهؤلاء "نحن لانريد شيئا منكم, نريد فقط تلفزيونا يستحقه المغاربة عوض التخلف الذي تقدمونه لنا". لكنهم كانوا يجيبون "بقاو تنبحو", ولحسن الحظ أو لسوئه وصلنا الآن إلى زمن أصبح فيه ل"نباحنا" بعض الأثر وبعض الصدى, لكن بعد ماذا؟ بعد أن فات الأوان.
شيء واحد بقي لهؤلاء لم يفعلوه بعد في خضم إنجازاتهم الكثيرة التي اقترفوها , هو أن يرحلوا, أن يتركوا الجمل بما حمل, أن يستقيلوا أو يقالوا, أن يقولوا للمغاربة "لقد فشلنا في صنع تلفزيون يستحق أن تشاهدوه, وهانحن الآن نمضي بملاييرنا, بلوبياتنا, بأصدقائنا الذين أغدقنا عليهم المشاريع الفاشلة تلفزيونيا, المدرة للمال الكثير ماديا, لكننا ماضون, فسامحونا".
متأكد أنا أن شعبنا _ لطيبوبته الساذجة _ سيسامحهم, فقط عليهم أن ينسحبوا قبل أن يفوت الأوان مجددا, ويشرع الناس في المطالبة بأشياء أخرى غير رحيلهم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كنت أعتقد أن الناس لم يعودوا ينتظرون من الاتحاد الاشتراكي شيئا إلى أن جاء الأحد الفارط, واكتشفت أن عددا كبيرا ممن أعرفهم ينتظرون موقفا حازما يعيد الاتحاد إلى شعبه, ويعيد للسياسة في المغرب بعضا من نظافتها وقليلا من قدرتها أحيانا على الضرب على الطاولة.
للأسف أو لحسن الحظ اتخذ الاتحاديون القرار الذي يعتقدونه ملائما لهم أكثر, وبالنسبة لمن انتظر منهم موقفا أكثر شجاعة, فهم غير مسؤولين بالتأكيد عن حسن ظن الناس فيهم. هذا ماأقوله لنفسي منذ الأحد الفارط على سبيل التفسير والمواساة.