الثلاثاء، 6 دجنبر 2011

السي محمد ورشدي

يعرف الأول أني أحبه. ويعرف الثاني أن المغاربة كلهم يحترمون فيه المسار الغني الذي كتبه على امتداد السنوات، وتعرف مراكش من خلال تكريم الرجلين معا هذه السنة أنها تنجز الواجب اللابد منه، وأنها تنحني إجلالا في يوم ما للعبقرية التشخيصية المغربية إذ تحمل الإسمين معا: السي محمد بسطاوي ورشدي زم.
للأول قصة كبري مع تمغربيت في أبهى الملامح المكتوبة على تقاسيمها. أرى السي محمد فأرى المغربي. لاأستطيع الفكاك عن هذا الشعور. في الحركات، في طريقة الكلام، في الإقبال الكامل على الحياة، في العيش خلف الأشياء، في القبض على تفاصيل العيش كلها ، في السير الحثيث في ظل الأمور، غير راغب في شيء إلا في :"تدواز السربيس بخير وعلى خير".
متى بدأ بسطاوي التمثيل؟ منذ القديم، منذ السنوات الأولى لهذا الفن الصعب والعسير. من لايعرف المهنة جيدا يقول عنها إنها مهنة سهلة للغاية. "فيها الماكياج وشوية ديال الضو وكتحفظ ولا كاع بلا ماتحفظ الدور، وصافي".
لكن من يعرفون مهنة الممثل جيدا، ومن يقدرونها حقا يعرفون أنها جهنم بكل اختصار. هي المهنة الوحيدة في العالم التي ينبغي لك إن كنت صادقا فيها أن تنزع عنك مئات المرات في اليوم الواحد رداء شخصية لكي تلبس رداء شخصية أخرى، ويلزمك - مرة أخرى إذا كنت صادقا - أن تموت وتحيا فيها آلاف المرات، وأن لايرى منك الآخرون إلا الوجه الظاهر، الجميل، المشرق، المبتسم على الدوام.
السي محمد هو خريبكة أيضا، وهو هذه المدن المغربية المختفية التي لانتذكرها إلا نادرا نحن المهووسون بالمركز وبمدنه العملاقة، والتي ننسى أنها هي التي أنجبت لنا كل عظمائنا في الختام.
السي محمد هو تلك اللحية الكثة المستعصية على النظام، هو الفوضوي حد تنظيم كل الأشياء في ذهنه، هو القادر على أن يحمل معه مشاهده والمتفرج معه إلى آخر المسافات وحدود المدى الأول والتالي للأمور، ثم يعود به إلى البدايات الأولى للتمثيل باعتباره فن كل هاته القدرة على الجمع بين كل المتناقضات.
نادرا ماتكون لدينا نحن الصحافيون الفرصة لكي نقول شيئا جميل عن فنان محلي. نفضل في أغلب الوقت أن نترصد الهفوات، أن نكتب بقسوة غير مبررة في كثير من الأحايين إلا برغبتنا في أن نرى شيئا جميلا على شاشتنا يشبهنا، ولإحساسنا بأن أهلنا قادرون على التميز، لكنهم يخطئون المسار. لذلك أغتنم فرصة تكريم مراكش لمحمد بسطاوي هذه السنة لكي أكسر قليلا القاعدة، ولكي أقول إن لدينا عباقرة في التشخيص- هذا واحد منهم بكل تأكيد - كان ممكنا لهم أن يبلغوا المبالغ الكبرى من التألق في المجال لو كان لدينا مجال أصلا.
لكن لا يهم. مراكش تسدي لنا حسن الصنيع اليوم وهي تفعلها، وتذكرنا أنه من الممكن بين أجنبي وأجنبية نحتفي بهم باسم السينما التي لاتعترف بجنسية أن نعود إلى الدواخل الأصيلة والأصلية فينا لكي نستل منها رجلا مثل السي محمد بسطاوي يستحق كل الخير، ويستحق فعلا أن تقال له كلمة "شكرا المغربية" بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالتحديد.
رشدي الآن. في ملامحه صورتي وصورتك وصورة كل المغاربة الذين ذهب الآباء منهم يوما إلى أوربا بحثا عن لقمة الخبز الصعبة، والذين كانوا يقولون وهم ذاهبون إلى هناك إنهم "عائدون بعد سنوات قليلة"، وأنهم لن "يعيشوا العمر كل في فرنسا أو غيرها من دول المهجر". لكن، حين وصلوا فهموا للمرة الأولى والأخيرة أنهم لن يعودوا أبدا.
أخذتهم الحياة إلى كل مجراتها، وعاشوا التمزق الكبير والدائم بين وطن تحبه لكنك تعرف أنه من المستحيل أن تحيا فيه بكرامة، وبين بلد يستقبلك ويوفر لك الشغل والزاد والقدرة على الحياة، لكن يرمقك شزرا كل يوم ويذكرك أنك غريب مهما اندمجت فيه، ومهما حاولت أن تتعلم لغة الجفرافيا والانتماء هناك، فأنت في كل الحالات وحتى آخر الأيام معهم من جنسيتهم لكن مع تذكيرك بالأصل دائما والتركيز على الملامح المختلفة التي تحملها معك في المسام.
رشدي المغربي يحمل معه هذه المسام الأصلية فينا ويدور بها في كل مكان صارخا الافتخار بالأصل، والافتخار بالمسار الذي دشنه الآباء، مثله في ذلك مثل جمال الدبوز وكاد المالح وهؤلاء المغاربة الناجحين في الخارج الذين يلزمك أن تجالسهم وأن تنصت إليهم وهم يتحدثون عن المغرب لكي تعرف كل الحب الذي يحملونه في الأحشاء منهم لهذا البلد العظيم الذي يمكنه لوحده أن ينجب أمثالهم.
رشدي السائر بتؤدة لكن بيقين كبير نحو عالمية يستحقها وجه آخر لافتخارنا بهذا البلد الذي لم يكن عاقرا في يوم من الآيام، والقادر على إدهاشنا حتى آخر الأيام.
بأمثال الرجلين نعرف أننا ننتمي إلى البلد المناسب في اللحظة المناسبة. هذا فقط ما أردت قوله. بقية الأشياء مجرد تفاصيل صغيرة لاتهم نهائيا ولامكان لها في إعلان الحب الصادق هذا الممتد من الآن وحتى آخر الأيام

الاثنين، 5 دجنبر 2011

أنا ماشي صحافي

حنا المغاربة علماء كبار فترياب الحفلة. عوض أن يكون محور حديث صحافتنا عن افتتاح مركب موروكو مول التجاري الضخم حديثا عن هذا التألق المغربي في المجال, وعن الاستقرار السياسي الذي يدفع رأس المال الخليجي والأجنبي بصفة عامة للقدوم إلى بلدنا, تم اصطناع نقاش ولا أتفه حول تعامل صاحبة المول مع الصحافيين المغاربة وسمعنا كلاما غريبا عن "الإهانة" و"العنصرية" والتعامل المذل" إلى غير ذلك من الكلمات الكبيرة والفارغة في نفس الآن.
ليسمح لي زملائي من الصحافيين الذين يعتبرون أنهم قد تمت إهانتهم, لكنني أرى موقفهم جد تافه, للأسباب التالية, ومعذرة على الإزعاج مثلما نقول كل مرة, لكننا نعتقد أنه ينبغي في كثير من الأحيان إيقاف بعض التفاهات في مهدها لئلا تمتد وتتواصل إلى مالانهاية
حين الحديث عن الفرق في التعامل بين الصحافة المغربية والصحافة الأجنبية علينا دائما أن نضع في اعتبارنا أن هناك صورة معينة يريد أصحاب منتوج معين إيصالها إلى الخارج أكثر مما يريدون أن تصل إلى الداخل, حينها يكون عاديا أن يهتموا بالصحافة العالمية, وأن يجدوا أنه من المفيد أكثر لهم ولبضاعتهم أو منتوجهم أن تكتب عنه "باري ماتش" أو "نيوزويك" أو "دير شبيغل" من أن تكتب عنه "الأحداث المغربية" أو غيرها من الجرائد أو وسائل الإعلام الوطنية.
المسألة عادية جدا وليس فيها أي احتقار, ولا حظوا أننا قلنا "الأحداث المغربية" لئلا يحس أي كان بأنه مستهدف من هذا الكلام. المسألة ومافيها هي أن هناك فرقا فعليا في المستوى المهني والإشعاع والانتشار بين هاته الصحافة وبين صحافتنا, فإذا ماتم الاهتمام أكثر بالصحافة الأجنبية فالأمر يمكن تفهمهم وقبوله وعد خلق "فيلم فارغ" حوله مثلما وقع هاته الأيام.
هذه واحدة, أما الثانية فهي عملية الإنزال التي تمت لبعض الصحافيين من الحافلة التي كانت تقلهم لحفل جينيفر لوبيز. هنا أيضا يجب أن يقال بعض الكلام وإن أغضب من يرون الأمور بشكل بسيط وشعبوي للغاية: اللائحة التي كانت مدعوة لحفل جينيفر لوبيز كانت مهيأة من قبل, وبعض المدراء أو رؤساء تحرير الجرائد أرسلوا صحافيين نيابة عنهم, علما أن الحفل كان مخصصا للفئة الأولى, وهنا قام المكلفون بالتنظيم, بطلب نزول كل من لايرد إسمه في هذه اللائحة. حقيقة بدا الأمر مهينا في الوهلة الأولى, لكنه من الناحية التنظيمية الصرف مفهوم إلى حد كبير, بل هو مجرد تطبيق لتعليمات تلقاها المسؤولون عن التنظيم ليلتها.
نأتي الآن إلى بيت القصيد. ما الذي أثار فعلا غضب بعض الصحافيين المغاربة من كل ما وقع في افتتاح موروكو مول؟
للأسف الشديد, أثار غضبهم الحديث الذي قيل عن منح الصحافيين الأجانب هدايا قيمة وثمينة والاكتفاء بمنح الصحافيين المغاربة ألبوما رقميا. هنا بالتحديد نمسك رأسنا بين أيدينا ونقول "آش واقع آعباد الله؟". المطالبة بالهدايا التي تعد في حكم الرشوة أصبحت علنية في البلد إلى درجة الاحتجاج على الفرق بين هدية وأخرى أو بين رشوة وأخرى؟
أعترف أن مثل هاته الممارسات تجعلني أكره هذه الحرفة في البلد, وأكره حضور اللقاءات أو الندوات التي تكون مخصصة لتقديم أي شيء للصحاافيين, لأن الإحساس الذي أصبح سائدا لدى أغلب من ينظمون هاته اللقاءات أن "الناس جاية غير تاخد وتمشي". والمصيبة هي أن هذا الإحساس انتقل إلى الصحافيين أنفسهم, حيث تجد عددا كبيرا منهم يتوجه إلى هاته اللقاءات وهو يمني النفس بهدية ما أو باستفادة معينة غير الاستفادة التي يفترض أن يحملها معه إلى الوسيلة الإعلامية التي يمثلها أو التي يمثل عليها دور الصحافي, مادام يتحول في هاته الحالة إلى "نتاف" كبير لافرق بينه وبين النتافين الصغار الذين يسرقون محافظ السيدات وهواتفهم النقالة من على ظهر الدراجات النارية.
أشياء كثيرة يجب أن يعرف هذاالمشهد الصحفي المعتل, المسكين, المريض, المحتقر لنفسه ولرسالته الفعلية أن عليه أن يصلحها في نفسه قبل أن يطالب الآخرين بإصلاح عيوبهم. ومن هاته الأشياء النبرة التي يكتب بها ويتحدث بها العديدون عما وقع في افتتاح موروكو مول, والحملة التي تستهدف سيدة ناجحة للغاية هي سلوى أخنوش كان يفترض أن ننوه بها جميعا للعمل الذي قامت به تجاه البلد, فإذا ببعضنا يتحول إلى شيء لايمكن وصفه تجاهها فقط لأنها لم تلب له ما يريده.
لا أعرف هذه السيدة لا من قريب ولا من بعيد, ولم أتلق "أيباد" مثلما قيل عن بعض مدراء الجرائد منها, ولا صلة لي بعالم المال والأعمال إلا من بعيد, أرمق الناجحين فيه فأغبطهم وأنا أعرف أنهم ينجزون أعمالا لا أستطيع القيام بها, ولا يمكنني أن أتفوق فيها أبدا أنا الذي لا أعرف كيف أسير ميزانية بيت صغير, فأحراك أن أسير ميزانيات ضخمة مثل الأرقام التي يتحدثون عنها, لكنني أجد نفسي ملزما بالاصطفاف مع هذه السيدة في وجه هذا الهجوم, لأنني أعتقد أن من يأتي بفرص عمل إلى هذا البلد, ومن يقدم عنه صورة جيدة مثل صورة هذا المركز التجاري الضخم, يستحق أن نشكره لا أن ننتقده لأن من يشتغلون معه "نزلوني من الكار, ولا ماعطاونيش كاضو", أو غير هاته الأشياء من التوافه.
عندما ستكبر صحافتنا المحلية في تعاملها, سيكبر تعامل الآخرين معها. ماحدها صغيرة وهي تقاقي وتزيد فالبيض مثلما قال الآخر. وسمحو ليا أنا راني غير داوي, كيف العادة, وصافي.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
المشهد الجميل والتعبيري والراقص والفني, والحامل لكل الأوصاف الجميلة الذي قدمته ساحة جامع الفنا مع الفنان الهندي الشهير شاروخان, مشهد يقول كل شيء عن هاته الروح التي يتقن القبض على تفاصيلها الجمهور المغربي لوحده. من جهته كان الممثل الهندي الأشهر في مستوى اللحظة الرائقة التي أهداها له شعب مراكش وشعب مهرجانها.
درس في التلقائية جدير بأن يتلقاه الكثير ممن لايجدون مايفعلونه حين لحظات تكريمهم أو الاحتفاء بهم غير ترديد كلام لا معنى له أو القيام بحركات غير مفهومة. وتلك الصور التي تناقلها العالم أجمع لشاروخان وهو يرقص في جامع الفنا رفقة المراكشيين ستظل حتى ختام كل الأيام, دليلا على كثير الأشياء الجميلة في هذا البلد.

الثلاثاء، 29 نونبر 2011

الهزيمة في الانتصار

توقعت بعد إعلان النتائج الخاصة بانتخابات الجمعة ٢٥ نونبر مباشرة أن أسمع زعيم الاتحاد الاشتراكي عبد الواحد الراضي، على افتراض أن الراضي هو فعلا زعيم الاتحاد اليوم، يعلن استقالته هو و القيادة الجماعية للحزب، ويفتح المجل لنقد ذاتي كبير في الحزب ولصعود قيادة جديدة تستطيع السير بالحزب إلى ميدان آخر غير ميدان الخسائر الانتخابية التي أصبح عاديا أن يمنى بها هذا الحزب الذي كان كبيرا في وقت من الأوقات.
لكنني رأيت يوم السبت في نشرة الأخبار الراضي وقد وضع على رأسه طاقية تقيه برد الوقت، وذهب عند عباس الفاسي لكي يبحث عن سبل الدخول إلى اللحكومة الملتحية التي سيشكلها بنكيران ومن معه في الأيام القليلة المقبلة.
فهمت حينها أن السياسة في المغرب أصيبت بداء غير قابل للعلاج. عضال مثلما يصفه أصحاب العربية حين الرغبة في الحديث عن الداء الذي لايمكنه الارتفاع أبدا، إسمه داء الهروب إلى الأمام والتفكير فقط في الحقائب الوزارية والبقاء في مواقع السلطة والقرار دون أدنى انتباه للمبادئ السياسية التي صنعت - شئنا ذلك أم أبيناه - مجد السياسة في المغرب الآخر الذي لم نعد نرى له أثرا هذه الأيام.
هل من حاجة حتى للتساؤل : لماذا عاقب الناس الأحزاب التقليدية المغربية وصوتوا بأريحية وبختيار كامل على العدال والتنمية؟
لانعتقد، فكل مافعلته هاته الأحزاب، والحديث هنا عن الأحزاب التي تصف نفسها بالديمقراطية الوطنية أو التقدمية أو ماشئت من الأوصاف التي لاتكلف صاحبها شيئا لأنها متوفرة في السوق ودن ثمن أي مجانا, ( كل مافعلته هاته الأحزاب) هو أنها أقنعت المغربي على امتداد سنوات وجودها وخصوصا بعد عملية تغيير الجلد التي قامت بها في السنوات الأخيرة أنها أحزاب تجمع بعض المسارات الشخصية الطموحة لا أقل ولا أكثر.
المبادئ الكبرى، الالتزام الفكري، الإيمان بأفكار معينة، وغيرها من العبارات المسكوكة التي اتضح أن الأغبياء فط هم من يؤمنون بها كلها عبارات أخلت الطريق لكي تمر عوضها عبارات أخرى أقل نضارة لكن أكثر إقناعا لهؤلاء وأتباعهم: النضال من موقع المسؤولية الحكومية، التغيير من داخل مراكز القرار، الحفاظ للحزب على إشعاعه واقترابه من مركز السلطة، وغيرها من الجمل التبريرية للرغبة في البقاء في الحكم ليس إلا.
لذلك كان أغلب مرشحي هاته الأحزاب مضطرين هاته المرة لكي يفوزوا أن يمروا إلى الخزينة وأن يعدوا الناخبين بأشياء كثيرة يعرفون أنها لن تتحقق، وكانوا محتاجين لكثير "الدفعات" هنا وهناك لكي يصلوا بر النجاة. عكسهم تماما كان مرشحو العدالة والتنمية مطمئنين إلى خطابهم يقولونه وهم يعرفون أن الناس ستصدقهم وستطبق ما يطلبونه منها لأن الحزب استطاع إلى حد الآن وقبل أن يتحمل المسؤولية الحكومية أن يحافظ على عذريته وأن يثبت أنه ليس مليئا بالحربائيين الذين نراهم في الأحزاب الأخرى التي تكذب وهي تصف نفسها بالديمقراطية والوطنية وغيرها من الأوصاف التي أصبحت مضحكة ومبكية للغاية اليوم.
ثم لنترك عنا هذه العموميات ولنتحدث بصراحة: هل رأيتم بعض مرشحي حزب مثل الاتحاد الاشتراكي؟
المنتمون الحقيقيون لهذا الحزب, وا لمنتمون أساسا لأفكاره أو لما كان أفكاره, صدموا حين سمعوا أسماء بعض المرشحين مع هذا الحزب، وتساءلوا "كيف؟" لكن الجواب لم يأتهم لأن المغاربة أخرجوا هذ الحزب من دائرة حساباتهم ولم يعودوا يتعاملون معه بجدية نهائيا. وغدا أو بعد غد إذا مادخل فعلا للحكومة بهذه الطريقة العجيبة التي يريدها الآن سينتظر في الانتخابات المقبلة هزيمة أنكى، وسينتظر في أي استحقاق مقبل الكثير من لعنات الناس لا أصواتهم.
وحزين جدا - أقولها بل صدق - وأنا أكتب هذا الكلام ، لكنها حقيقة المغرب اليوم، والواقع الذي لن يرتفع بمجرد إدخال بعض الرتوشات التجملية عليه: البلد بدأ رحلة سقوط الكبرى بين الإخوانيين، بالديمقراطية أو بغيرها الأمر لايهم. الأهم منه أن الرحلة ابتدأت وفي كل التجارب التي سبقتنا يقال إن خط لنزول في هذا النوع من الرحلات لايعود إلى الارتفاع أبد.
الأخطر هو أن هذا النوع من الرحلات إلى التطرف وعوالمه السفلية يمتح كل حجمه في المغرب من انعدام أي قوة مضادة لهذا النزول, بل ورغبة حتى من يفترض أنهم خصوم فكريون للصاعدين الجدد, في مساندة الحكومة الجديدة, والتحالف معها من أجل البقاء في الحكم خلال الفترة المقبلة من تاريخ البلاد.
الاتحاد والعدالة والتنمية في حكومة واحدة. صدق أو لاتصدق, وحتى إذا لم تصدق, لا أحد اليوم في المغرب يكترث بالاصطفافات المنطقية لأنه لامنطق فعلا في البلد, لذلك لا حق لنا في الاحتجاج على هؤلاء وحدهم, فكل ما يحيط بنا يسير في نفس المسار.
المغاربة أرادوا العدالة والتنمية خلال هذه الانتخابات. ترى بماذا سيطالبون في الانتخابات المقبلة؟ لنترك السؤال وإجابته للسنوات المقبلة, فبالتأكيد سنجد الكثير من المعطيات المساعدة على هذا الأمر, الجواب أعني, وليس أي شيء آخر...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
ربما هي الصدفة, ربما هي أشياء أخرى لكن الكثيرين توقفوا عند ظهور صحافيتين محجبتين في القناة الثانية يوم الجمعة الفارط لأول مرة في تاريخ هذه القناة بالتزامن مع فوز العدالة والتنمية في التشريعيات المغربية الأخيرة.
البعض ضحك من الصدفة المحض, والعض تندر وقال إن مديرية الأخبار بالقناة أرادت إرسال رسالة واضحة لحكومة المغرب الجديدة "النهار الأول", والبعض الثالث لم يعلق إطلاقا, وقال إن المغرب بلد لايجب التركيز كثيرا على مثل هاته التفاصيل فيه, فأغلبها يتم بالصدفة العمياء فقط, وتحميله ما لايحتمل يدخل بنا غالبا في خانات "الهبال" العام أكثر من دخوله في أي نطاق آخر.
ربما, وربما لا, فنحن في المغرب في نهاية الطاف.

الاثنين، 21 نونبر 2011

مجرد رموز ليس إلا (1)

الاثنين 21 نونبر 2011 - 14:34



غادي نصوت عل الفروج. يروقني فيه إيمانه وفحولته. الفحولة نعرفها جميعا حين نرى مايفعله بالدجاجات العديدات الموضوعات معه في نفس المحل آناء الليل وأطراف النهار, والإيمان نسمعه من خلال استفاقته صباحا كل فجر لكي ؤطن فينا ويدعونا للصلاد مثلما يقول المسلمون ولو كان فروجا هنديا, وهذا أجمل ما في الموضوع. لا أتذكر الحزب الذي اختار هذا الرمز دليلا على عنوانه, لكنه يمتلك بالفعل حظوظا كبرى في أن ينال صوتي يوم الجمعة القادم.

غادي نصوت على الكار. هذا الرمز هو رمز المغاربة كل تأكيد. ليس هناك مغربي واحد لم "يتكرفس" في الكار يوما واحدا في حياته. وعندما نسمع وزارة غلاب تطلق تلك الحملات المضحكة عن ضرورة توفير النقل في العطل لكل المواطنين وخصوصا خلال عطلة عيد الأضحى التي يتحرك فيها المغرب من المغرب إلى المغرب, نضحك كثيرا ونتذكر قصصنا مع الحافلات المهترئة التي تجوب البلد وتقتل الناس وتنقل في بعض الأحيان ونضحك. لذلك هذا الحزب أيضا له حظوظ كبرى في أن "نرمي عليه" جميعا يوم الاقتراع.

غادي نصوت على الروبيني. الماء في المغرب بالإضافة إلى الكهرباء قد يكونان سبيل الثورة الوحيد للوصول إلى البلد. الناس في بلدي لاتهتم بالسياسة كثيرا, لكنها تهتم بما يضر بجيبها ويضربها يوميا في مقتل ويحرم الصغار من كثير الأشياء التي يريدونها. وفي مقدمة الأشياء التي تفعل بنا الأفاعيل فاتورتا الماء والكهرباء اللتان لازالتا عاجزتين في بلد كالبلد عن العثور على من يستطيع قراءتهما قراءة سليمة واضحة تشرح لك كيف أنك تتوفر على "لمبة" واحدة في المنزل تشتغل بالغاز ورغم ذلك تؤدي ألف درهم شهريا لإحدى وكالات الماء أو لإحدة شركات التدبير المفوض, خوفا من أن يأتوا إلى منزلك لكي ينزعوا "الجهاز" مثلما يقول الساخر الكبير عادل إمام في المسرحية ذائعة الصيت, لذلك يرتقب أن يشمل أصحاب الروبيني عطف كبير من المغاربة الجمعة القادمة

غادي نصوت على السبع. لأسباب لا علاقة لها بزيان الذي أعتبره شخصيا أفضل متحدث بهلواني في التلفزيون, ولكن لها علاقة بالصورة التي أجملها في ذهني عن أسد الأطلس الذي انقرض, وعن أسد صندوق الوقيد الذي داعب الطفولة منا بتلك العبارة الكاذبة عن دعم الاقتصاد الوطني, وبالأسد رمز المنتخب الذي كان والذي نحلم له بالرجوع, وبالسبع الذي يعني في الموروث الشعبي كلمة تحيل على "بزاف ديال العظمة" خصوصا حين تسمع أن "فلان تبارك الله سبع", وتدقق جيدا فيه, فتجد أنه سبع فعلا لكن سبع يعاني من نقص في كل الفيتامينات الموجودة على سطح الأرض. لذلك بحال والو المغاربة كلهم يوليو سبوعا نهار الجمعة الجاية.

غادي نصوت على المظل. ليس فقط لأن أحد قياديي هذا الحزب أتى إلى التلفزيون وقال ضمن الحملة الانتخابية "صوت على المظل تبقا فالظل", وأنا من كبار الراغبين في البقاء في الظل "حتى يدوز سربيسينا على خير", ولكن أيضا لإيماني العميق أن الإنسان في بلد مثل المغرب يلزمه بالفعل التوفر على مظلة إذا ما أراد الخروج كل صباح من منزله دون خوف من شيء ما, بل ربما أًصبح التوفر على المظلات ضروريا حتى داخل المنازل, حيت ماعرفتيش الوقت شنو تقدر تجيب؟ هذا الرمز أيضا مؤهل لحيازة الكثير من الأصوات من كل المغاربة المساكين الذين يحسون أنهم بدون مظلة في هاته الحياة المغربية القاسية.

غادي نصوت على الطيارة. لسبب واضح جدا يعرفه كل من فكر يوما في الحريك, وأعتقد أن الأمر يهم ثلاثين مليون مغربي على الأقل, فالطائرة ظلت ذلك الحلم الذي يناجي ويدغدغ أذهان العباد وقلوبهم بالسفر بعيدا, والعودة يوما ذات حملة تلفزيونية ترحب بالمهاجرين وبعملتهم الصعبة القادمة معهم, بعد أن تم طرد نفس المهاجرين يوما من البلد بتهمة أو بداعي أن المغرب لايمكنه أن يتسع للجميع, أو مثلما يقولونها في الإعلام بكل ديبلوماسية "حيت مابقاش الوظيف فالدولة". الطائرة تمتلك حظوظا وافرة للطيران فعلا يوم الاقتراع.
غادي نصوت على السبولة. القضية فيها آية قرآنية أولا مثلما حرص على تذكيرنا بذلك كل من أتوا إلى التلفزيون للحديث باسم هذا الحزب حين يشيرون إلى الحبة ذات السبع سنابل التي أنبتت ما أنبتته, وأعجب لهم كثيرا حين يقولون إن على العدالة والتنمية أن يبتعد عن توظيف الدين في السياسة, ثم المسألة مرتبطة بالأرض وبالبيت الشعري الساذج الذي حفظناه مذ كنا صغارا عن ملئى السنابل التي تنتحني بتواضع والفارغات رؤوسهم شوامخ إلى آخر ذلك العجب العجاب الذي حفظناه في المدارس ولم نجد أي سبيل إلى اليوم لتطبيقه في أرض الواقع. لذلك بحال والو السبولة تديرها.

غادي نصوت على الفيل. هذا الحيوان مظلوم للغاية. مظهره الكبير وخرطومه الطويل وتلك الأرجل العجيبة التي ابتلاه الله بها, تعطي الإحساس للناس أنه فتاك وغادر ومتوحش وكل شيء, لكن المسكين يخشى من الفأر, وهذا التناقض الكبير بين المشهد الخارجي وبين الحقيقة الداخلية يروقني لأنه يعبر عن طبيعة مائة في مائة من المغاربة الذين يعتكمدون في حياتهم على "التوجيهة الخارجية" أو "الفيترينة" فيما الدواخل لايعلم بها إلا الباري سبحانه وتعالى. هذا التشابه بين الفيل وبين طبيعة شعبنا قد يكون حاسما يوم الانتخابات والله أعلم عاوتاني. وغدا نكملو الخرين باش الهاكا ماتقول لينا والو

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الهزيمة الصغيرة التي عاد بها الفاسيون من تونس, هي هزيمة قابلة للتدارك شرط لعب لقاء ذكي في العودة أمام النادي الإفريقي, وكل المؤشرات تقول إن فريق العاصمة العلمية سيتمكن من الثأر للوداديين الذين هزمهم الترجي في ملعب رادس نفسه, منذ مايفوق الأسبوع. في كل الحالات الفاسيون صنعوا موسما استثنائيا بكل المقاييس, وإن كان مدربهم قد اشتكى بطريقة ذكية للغاية من "تكالب" الجامعة الكروية على الفريق هي التي لم تمكنه إلا من 72 ساعة من الراحة بسبب برمجة لقاء نصف الكأس قبل نهاية الكأس الإفريقية بثلاثة أيام.
الماص دخلت التاريخ رغم كل شيء. هذه هي الخلاصة

السبت، 19 نونبر 2011

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق ليوم السبت

كلام ساقط للغاية, وشتائم نابية, وتهديد بالقتل, كلها ردود أفعال أعقبت مقال "مجرد كلمة حق" حول ماوقع لبعض جماهير الوداد في ملعب رادس بتونس خلال نهاية عصبة الأبطال ضد الترجي التونسي.
عندما سيفهم بعض المحسوبين على الجماهير الرياضية في بلدنا أن التطرف في تشجيع الفريق وعدم القبول بالرأي المخالف مهما كان صدق هذا الرأي, مسألتان لايمكنهما إلا الضرر بالفريق الذي يشجعونه, حينها سنتمكن من الخروج من الشغب الذي يهدد كرتنا في مقتل.
في انتظار ذلك أنا حزين للغاية, لأن فريقا كبيرا مثل الوداد يشجعه أناس صغار مثل هؤلاء الجبناء.

الجمعة، 18 نونبر 2011

مجرد كلمة حق

كنبغي الوداد, وأهوى فيها ثقلها التاريخي الكبير الذي لايتوفر لأندية مغربية أخرى, تحاول وتحاول لكنها تظل باستمرار دون مستوى "وداد الأمة" وما تشكله وداد الأمة للمغاربة ككل وليس للبيضاويين أو لمحبي الوداد فقط. لذلك نستطيع أن نتحدث عن الوداد بكل اطمئنان ودون أن يقال إننا نستهدفها أو أننا نكتب ضدها, خصوصا في موضوع مثل الذي حدث في تونس, حين تسببت عناصر مشاغبة محسوبة على جمهور الوداد في تدخل أمني عنيف من طرف القوات التونسية التي نعرف جميعا حساسية الوضع الأمني ببلدها, ودرجة التأهب الكبرى التي توجد عليها باستمرار تلافيا لكل ما من شأنه أن يمس الأمن في جمهورية أسسها السابق بن علي على الأمن أولا وقبل كل شيء.

الذي وقع يوم السبت الماضي هو أن عناصر مشاغبة اعتقدت أن ماتقوم به في شوارع الدار البيضاء باستمرار هو أمر ممكن في تونس العاصمة. وقد تلقت الرد مباشرة وبسرعة من طرف القوات الأمنية التونسية أن لا مجال للمقارنة بين البلدين نهائيا. هنا يمكنك أن تكسر كل زجاج الحافلات التي تمر أمامك, وأنت تغادر الملعب, دون ان تخشى اعتقالا أو إحالة على النيابة العامة, وهناك لايمكنك أن تحدق مليا في أعين رجل أمن إلا والصفعة تهوي على خدك مباشرة بعدها.

تذكروا أن البوعزيزي أحرق نفسه يوما لأن شرطية تونسية صفعته, وتذكروا أن مشاهد مثل مشاهد الحرب التي رأيناها بين الرجاويين والوداديين في شارع 2 مارس منذ أيام هي مشاهد لايمكنك أن تراها في أي بلد يحترم نفسه, باستثناء سوريا واليمن اليوم لاعتبارات تهم البلدين ومايقع فيهما. أما لدينا فقد رأينا التراشق بالحجارة وبالشهب النارية, ولمحنا بأعيننا مشهد حي بأكمله يحاصره المشاغبون ويعيثون فسادا في سيارات وممتلكات الناس دون أن تقول لهم أي جهة أي شيء.

لذلك علينا التريث كثيرا قبل أن ننجر وراء اللعبة التي أراد الإعلام الرسمي جرنا إليها والتي تقول إن "قوات الأمن التونسية اعتدت دون أي مبرر مقبول أو معقول على الجمهور الودادي بالضرب وبالغازات السامة". علينا أيضا أن نتساءل عن السلامة العقلية لكل المسؤولين المغاربة الذين صدرت عنه التصريحات التي تقول إن "البوليس التونسي هاجم بشكل غير مفهوم الجمهور المغربي". علينا ثالثا أن نتساءل إن لم يكن بعض المحسوبين على الجمهور المغربي الذي تحول إلى تونس لمؤازرة الوداد هم من يتحملون مسؤولية أعمال الشغب والتخريب التي حدثت في ملعب رادس وفي مطار تونس العاصمة, وهم من اضطروا قوات الأمن في تونس لكي تتعامل بحزم معهم للحد من شغبهم, والحرص على فض الاشتباك بينهم وبين جمهور الترجي على خير.

أكره ما أكرهه هو أن نتحول نحن أيضا إلى مقلدين من الدرجة العاشرة للمصريين يوم أرادوا تحويل مباراة عادية في كرة القدم بينهم وبين الجزائريين إلى "موقعة القرن", وإلى "حرب أم درمان", وإلى أشياء تدل على التخلف ولا تدل على أي شيء آخر. وأتمنى أن يمتلك المسؤولون الذي رافقوا الوداد إلى تونس وففي مقدمتهم وزير الشباب والرياضة الشجاعة اللازمة لقول ماحدث هناك, ولتحمل مسؤولية الشغب الذي قامت به عناصر ودادية أو محسوبة على الوداد هي التي دفعت في الختام الأمن التونسي إلى التدخل العنيف.

ذلك أنه سيكون مثيرا لكل أنواع الاستغراب والدهشة أن يلجأ البوليس التونسي إلى ضرب كائنات وديعة حضرت لكي تشجع فريقها بكل روح رياضية, وتقبلت الهزيمة في الأخير بصدر رحب, وكانت تصفق على جمهورها وأدائه الرجولي, وتصفق في الآن ذاته للفريق المنتصر بكل أريحية, لكنها فوجئت بهراوات الأمن وبالقنابل المسيلة للدموع تنهال عليها من كل جانب من طرف القوات الأمنية التونسية التي أرادت اصطناع أزمة ديبلوماسية مع المغرب "غير هاكاك".
يلا كان اللي تيهضر أحمق, اللي تيسمع يكون بعقلو. هكذا يقول المثل, وإذا كان بعض المسؤولين عن الرياضة المغربية يريدون البحث عن مشجب لإخفاق الوداد في النهاية ولو عبر اختلاق أحداث غير حقيقية, فالواجب عليهم هو أن يتحلوا بفضيلة الاعتراف بالحقيقة, والاعتذار على الأكاذيب التي روجوها, والبحث عن السبب الذي يجعل الشغب اليوم رديفا لأي مباراة يحضرها أي عدد من الجماهير المغربية مهما كثر أو قل هذا العدد.

مشكلة الكرة المغربية اليوم هي الشغب المجاني الذي أصبح يسير معها بتواز كامل, وكارثة لقاءاتنا الكروية خصوصا تلك التي تجمع فرقا لديها جماهير كبيرة, هي أن المدن التي تحتضن لقاءات هذه الفرق أصبحت تخشى انعقاد المباريات على أرضها, بل لقد سمعنا عن مدن ترفض سلطاتها استقبال فرق معينة للعب فيها بسبب هذه الكارثة الخطيرة المسماة شغبا والتي أصبحت تجتاح الوطن كله اليوم.

لنرب جماهيرنا عوض أن نبحث عن تصدير مصائبنا إلى البلدان الأخرى, واصطناع الأزمات الديبلوماسية معها, ولو دون أي وجه حق أيها الإخوان.

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
رفض التونسيون الدعوة التي وجهها حزب النهضة الإسلامي لأمير قطر لحضور المجلس التأسيسي التونسي معتبرين الأمر دليل تدخل أجنبي غير مقبول, مهما كن الدور الإيجابي الذي قامت به قطر في مساندة ثورة الياسمين في تونس.

موقف التونسيين يأتي لكي يؤكد تشبث أهل هذه البلاد بحريتهم, مهما كان الثمن, خصوصا وأنهم فعلوا المستحيل لكي يتخلصوا من ديكتاتورية بن علي وتمكنوا من ذلك, وهم لايريدون السقوط في فخ أي ديكتاتورية أخرى كيفما كان نوعها.
درس بليغ آخر من تونس الخضراء

الثلاثاء، 23 غشت 2011

معمر القذافي: رجل حكم ليبيا بالطزطزات !

سيتذكر عنه التاريخ عبارة "طز" التي كان يواجه بها أعداءه، وسيتذكر عنه عنترياته الفارغة، وسيتذكر عنه العبارات الأكثر إثارة للضحك والسخرية. لكن ستتذكر عنه ليبيا أنه كان مجنون الحكم بها ، والرجل الذي استطاع على مدى واحد وأربعين سنة من الحكم أن يقتل عشرات الآلاف من الليبيين، وكل مرة تحت مبرر جديد، وبمسوغات لاعلاقة لها بالمسوغات التي قبلها.
سيتذكر عنه الحكام العرب أنه كان كابوسهم الحقيقي. رجل من عالم وكوكب آخرين أتى إلى سدة الحكم لكي يحكم، فقرر في لحظة من اللحظت أن يجعل الحكم لعبة يتسلى بها، تخضع لمزاجه المتقلب، يفعل بها الأفاعيل ويجر بها بلده كل مرة إلى "جرة" جديدة لاتخرج منها البلاد التي أسماها الجماهيرية على خير.
أطلق عليه السادات لقب "الواد المجنون بتاع ليبيا"، وكان يخافه أشد الخوف تماما مثل حسني مبارك الذي كان يقول لمقربيه إن أسوأ كابوس يزوره في المنام هو أن يستيقظ يوما فيجد العمالة المصرية في ليبيا التي تقدر بعشرات الآلاف قادمة إليه بعد أن يطردها معمر من جنته.
ملك السعودية عبد الله بن عبد العزيز يحتفظ عنه بأسوأ الذكريات الممكنة. في البدء حاول قتله وهو لازال وليا للعهد. تدبر أمر طريقة ما للوصول إلى قلب الديوان الملكي السعودي لكي يطلق الرصاص على الأمير عبد الله آنذاك الذي كان ولي عهد شقيقه الملك فهد بن عبد العزيز.
حين أخفقت خطته في قتل عبد الله بقي على كرهه لآل سعود، وفعل المستحيل لكي يصل إلى المعارضة الشيعية في المنطقة الشرقية بالعربية السعودية، واقترح عليها التمويل الكريم الكافي، ولكنها رفضت خوفا منه وتحسبا من مزاجه المتقلب الذي لايمكن أن تؤسس معه أي اتفاق كيفما كان نوعه.
في الختام جمعت الرجلين معركة طريفة في مؤتمر العرب الأخير في الدوحة، حين قال القذافي للملك عبد الله وهو يشاهده في نفس القاعة "إنت صنيعة الآمريكان"، قبل أن يضيف في جملة من جمله الغريبة "لكنني سامحتك الآن ويمكن أن أزورك وتزورني، فأنا ملك الملوك وعميد الحكام العرب، ولايمكن أن أنزل إلى مستواك".
مع حمد بن خليفة الذي يحكم قطر كانت له حكاية ثانية مخالفة تماما. الأمير القطري الذي تعتلي الآن صورة كبيرة من صوره الساحة الكبرى لبنغازي، بعد أن اعتبره الثوار محررهم الأول بسبب الدعم المادي والإعلامي لهم عبر قناة الجزيرة، ظل يحتفظ بعلاقات جد مثالية مع العقيد، وظل يخاطبه "ب"آخوي معمر" في الوقت الذي ظل القذافي على حذره منه وهو يردد لمقربيه "حمير الخليج هادول لاثقة فيهم". حمد ظل على علاقته بالقذافي الذي فتح لقناة الجزيرة الباب ومكن لها "الاستيطان" الإعلامي في طرابلس وبنغازي وبقية المدن الليبية الأخرى إلى أن دقت "ساعة الزحف"، وقرر الأمير القطري الكشف عن وجهه الفعلي تجاه العقيد وتجربة حكمه الغريبة التي انتهت هذه النهاية التي كان الكل ينتظرها.
مع الراحل الحسن الثاني كانت له حكاية من نوع آخر. الملك المغربي الراحل هو الوحيد الذي استاع في الختام ترويض القذافي، واستطاع أن يحرك جنونه في اتجاه خدمة المغرب ولو مرحليا في عديد اللحظات.
ينبغي هنا التذكير أن معمر مول بكل الكرم الليبي المعروف انفصاليي البوليساريو بل وحارب إلى جانبهم غير مامرة ضد المغرب في إطار ماكان يصفها بأنه حربه "ضة الملكيات وضد الرجعيات". لكن الحسن الثاني استطاع أن يجد له الطريقة المثلى للتعامل. صبر عليه طويلا، وفي الختام جمع بينهما اتحاد عربي إفريقي صوت عليه الشعبان في المغرب وفي ليبيا ، بل وذهب الحسن الثاني الذي كان معروفا عنه أنه لايحب التدشينات الكبرى في البلاد الأجنبية إلى النهر الصناعي العظيم على متن باخرته مراكش لكي يحضر تدشين الوادي الذي صنعه القذافي من عبقريته المجنونة لليبيين.
في قمة الجزائر وصل القذافي إلى المطار مرتديا قفازا أبيض في يده اليمنى تفاديا للسلام على الحسن الثاني بسبب زيارة شيمون بيريز للمغرب ذلك العام. قال الحسن الثاني للعقيد بعد أن لاحظ القفاز الأبيض في يده "أخي معمر، ألا تريد أن تصافحني؟". اضطرب القذافي من رد فعل الحسن الثاني الذي انخرط في تفسير لقائه بشيمون بيريز. في الختام لم يكتف القذافي بمصافحة الحسن الثاني بل ضمه إلى صدره وهو يقول له "لقد فعلت كل مابوسعي لكي أسقط نظامك، لكنني لم أستطع"، فرد عليه الحسن الثاني معترفا لأول مرة بسر ظل يحبسه في مكنون صدره "وأنا كذلك".
عرف عن بومدين أو القذافي ولعه بكل الغرائب الممكنة في الحياة. كان عاشق نساء متيم، لكنه كان ذميما للغاية، لذلك صنع له عيادة تجميل تصحبه أينما حل وارتحل، وكانت له - على شاكلة من عداه من الحكام المستبدين - الرغبة الفورية في مضاجعة أي أنِثى يراها أمامه، لذلك صنع مع الصحافيات اللائي فكرن يوما في القدوم إلى خيمته لكي يحاورنه أساطير حقيقية انتهت في آغلبها بترضيات مالية مجزية للغاية للصحافيات وبوعود لاتنقطع بالعودة كل مرة إلى سرير العقيد.
حكايته مع الممرضات الأوكرانيات اللائي كن يرافقنه في حله وترحاله ستظل للتاريخ، مثلما ستظل حكاية الحارسات النساء اللائي كن يصحبنه ملحا آخر إضافيا ستحكيه الأسطورة العربية عن رجل من الزمان الليبي الخطأ حكم ليبيا باسم الثورة، وانتهى يقول عن نفسه إنه ملك اللملوك وكبير حكام العالم.
أبناؤه ورثوا عنه جينات العظمة اكاذبة، والأنانية القاتلة. وحده محمد إبن زوجته المطلقة ظل خارج السرب، وظل يقول لإخوته إن كثيرا من الأمور ليست على مايرام. لذلك لم يكن مستغربا أن يسلم نفسه للثوار دون قتال، في الوقت الذي ذاب سيف الإسلام - الإبن الوريث - قتاللا ودفاعا عن أبيه، ونسي الساعدي حكايات الكرة الفاشلة اشتراء الأندية الإيطالية بالمال الوفير لكي تمكنه من اللعب لدقائق في صفوفها، والتحق بالجبهة دفاعا عن ملك والده وعن عشرات المصال الاقتصادية التي راكمها آل القذافي في ليبيا المسكينة.
اليوم وليبيا تسقط بين يدي جهات متعددة من حلف الناتو إلى قطر إلى الحركات المتطرفة إلى بعض المتحررين من أبناد شعبها، يبدو الشاب الذي أتى إلى الحكم عبر انقلاب عسكري مفاجئ ضد الملك السنوسي السبب الرئيسي في وصول أغنى دولة في المغرب العربي إى حالة الفوضى العارمة التي توجد عليها، وتبدو طزطزات القذافي الذي راكم على امتداد سنوات عمره حوادث الإرهاب العالمي، وانتهى بالاعتراف باقترافه لجريمة لوكربي وأداء ثمن غال من رزق الليبيين للعائلات وللدول الأوربية وأمريكا لكي يبقى الذريعة لأساس التي وجدها كل أعدائه للدخول مجددا إلى بئر نفط عرب جديد، تماما مثلما فعل صدام حسين للعراق يوم هرب إلى الشعارات الكبرى قبل أن يترك العراق مشتتا بعده بين الملل والنحل.
تراها لعنة العربان القديمة التي تجعلهم يفسدون أي قرية دخلوها؟ أم تراها الديكتاتورية بكل اختصار؟ تلك التي تجعل إنسانا عاديا يعتقد في لحظة من اللحظات أنه مصطفى من جهة علوية خفية لكي يفعل بالبلاد والعباد مايشاء؟
لاجواب، لكن الكثير من التأمل في مسار رجل استطاع على امتداد واحد وأربعين سنة، أن يحكم بلدا بأكمله ب"الطزطزات".

الأحد، 31 يوليوز 2011

من شابه أباه

بشار على خطى أبيه حافظ, مقتل أكثر من خمسين سوريا ليلة أمس في حماة التي خبرت في بداية الثمانينيات القتل على يد آل الأسد عبر مجزرة حافظ وأخيه في أهاليها. من قال إن جينات القتل لاتمر عبر الوراثة؟

السبت، 30 يوليوز 2011

حدث عيد العرش

الكل كان ينتظر تحديد موعد الانتخابات من خلال خطاب العرش اليوم, إلا أن الملك لم يعلن التاريخ الموعود. بالمقابل الحدث الأبرز كان هو توشيح عبد اللطيف الحموشي مدير "الدي إس تي" كتعبير عن امتنان المغرب لهذا الجهاز بعد تفجيرات أركانة التي تم التوصل إلى مرتكبيها بسرعة, وكذا التنويه بطريقة اشتغال رجال الظل في غمرة انتقادهم من طرف العديدين عن حق أو باطل
بالنسبة للانتخابات الأشياء كلها تقول إننا سائرون نحو مارس المقبل, وأن موعد أكتوبر يبتعد شيئا فشيئا

دستور يا سيادنا

مر الدستور, وانتقلنا إلى مرحلة مابعده. هل لدينا طبقة سياسية قادرة على تنزيله؟ لا أعرف, لكن تعجبني كلمة التنزيل التي اكتشفها الكل هذه الأيام, وأصبح يرددها. عادتنا نحن المغاربة هي هذه بالتحديد. عندما نكتشف كلمة ما نكتشفها جميعا, دفعة واحدة, قاطبة, دون أي استثناء. وقع لنا الأمر ذاته أيام المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
جميعا اكتشفنا أن هناك حاجة ماسة لمبادرة تكون وطنية تضع نصب عينها تنمية البشر في هذا الركن السعيد. البعض حول هذه المبادرة إلى مبادرة شخصية لتنمية حسابه الشخصي, وبعض الجمعيات جعلتها بقرة حلوبا تدخل بموجبها غير قليل من الفوائد إلى كل المنتمين إليها وعلى رأسهم رئيس أو رئيسة الجمعية شخصيا. لكن كل هذا لايهم. الأهم منه أننا جميعا أصبحنا وأمسينا على الكلمة ذاتها لكأن أحدا أوحى لنا بها وتركها بيننا كلمة سر أو رمزا سريا أو ماشابه.
الأمر ليس غريبا علينا, فمنذ بداية الخليقة كنا القوم الذين يفتحون جميعا المحلات لبيع الحرشة إذا ما نجحت هذه التجارة, ثم أصبحنا القوم أنفسهم الذين نفتح "التيليبوتيكات" في كل مكان إلى الدرجة التي أًصبح فيها السؤال مطروحا بالفعل "لمن كيعيطو كاع هاد المغاربة؟", ثم كنا القوم الذين نفتتح بين مقهى ومقهى...مقهى ثالثة, لذلك لاعجب على الإطلاق أن نحفظ نفس الكلمة في نفس اللحظة وأن نشرع في الترديد.
تنزيل, تنزيل, ماعلينا. لكن علينا اليوم فعلا أن نطرح السؤال الآخر: من سينزل علينا الدستور الجديد؟
أحزابنا بكل تأكيد. الكثيرون _ ونحن نتبع هواهم في بعض الأحايين _ يقولون إن هذه الأحزاب غير صالحة لشيء على الإطلاق, وأن الفرصة أتتها مرارا وتكرارا لكي تثبت أن بها نبض حياة أو شبهة عيش, لكنها لم ترد المصادقة على الأمر. فضلت عوضه أن تبقى حبيسة الأوامر والتعليمات واتفاقات الكواليس من تلك التي لايفهمها شعبنا نهائيا, من قبيل المصحف الذي يقال لنا إلى اليوم إن عبد الرحمان اليوسفي أقسم عليه يوما والسلام.
مرة أخرى كل هذا لايهم. الأهم منه اليوم تنزيل هذا الدستور الجديد, والأهم من التنزيل هذه القوانين التنظيميية العديدة التي يلزمها ختاما دستور آخر من أجل أن تكون ذات معنى بالفعل.
المتحزبون منا يقولون "لابديل, ليست هناك ديمقراطية حقيقية دون أحزاب كيفما كان نوع هذه الأحزاب". نقول لهم آمين في الجزء الأول من الكلام "بالفعل ليست هناك ديمقراطية حقيقية دون أحزاب", ونتوقف لكي نقول لهم في الجزء الثاني إنهم واهمون "مامتافقينش على قضية أحزاب كيفما كانت". اليوم المغربي أصبح بشروط كثيرة, مواطنا متطلبا للغاية, وله الحق في ذلك وله أيضا كثير العوامل المساعدة على "الفشوش".
عالمنا العربي الإسلامي يغلي. ماما أمريكا تقول لمن يريد أن يسمعها أو لايريد إنها تساند دمقرطة هذا الركن, بل هي مستعدة لفرض هذه الدمقرطة بالقوة, والدول التي فهمت هذا الكلام هي التي انخرطت في عملية إصلاح نفسها, والأحزاب لاتمتلك إلا المثيل لكي تفعله أو تمتلك معه خيارا آخر ثانيا ووحيدا غيره هو خيار الانقراض.
في أكتوبر المقبل أو في مارس الذي يليه, حسبما تنتهي إليه كل المشاورات اليوم, سنكون مدعوين لانتخابات أخرى. لن يكون الرهان يومها من سيفوز بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية لكي يفرض أكبر عدد من مستوزريه مثلما تعتقد أحزابنا اليوم. الرهان الأكبر لدى المغرب هو كيف ستمر هذه الانتخابات؟ من سيتقدم إليها ؟ هل ستعرف مجددا السباق المحموم بين "مالين الشكارة" لكي يصلوا إلى مواقع فرض القرار الذي يساير أهواءهم المالية ومصالحهم الشخصية؟ هل ستبدع أحزابنا برامج سياسية حقيقية بينها فوارق فعلية, ولا تكتفي بعبارات "غادي ندوزو عليكم الواد الحار" التي ولدنا وعشنا ويبدو أننا سنرحل على إيقاعها؟ هل سنرى وجوها جديدة بالفعل تقدم لنا خطابا سياسيا مغايرا؟ أم ترانا سننتكس ونصاب بخيبة الأمل الكبرى ونحن نرى الوجوه المصائب ذاتها وهي تحاول مرة أخرى وإضافية أن تخدع البلد بنا وأن تخدعنا بالبلد وأن تخرج "عاوتاني" هي المنتصرة بعد كل هذا الهراء؟
من يتخيلون أننا مدعوون لانتخابات, المسائل التقنية من النزاهة إلى احترام إرادة الناخبين وحدها ستتحكم فيها, يخلفون الموعد تماما مع مستقبل هذا البلد. ميعادنا المقبل هو مع أن نجعل كل الكلام الذي تداولناه بيننا في الأيام الماضية حقيقة, أو أن نعلن لشعبنا أنه الوهم فقط, وأن على الناس إذا ما أرادت رؤية نفسها ممثلة في سياسة بلدها فعلا أن تبحث عن طريق آخرغير طريق الانتخابات, وغير طريق الأحزاب.
الكرة بكامل محيطها اليوم في ملعب هذه الأحزاب, وغدا إذا ما أخلفنا مجددا هذاالموعد, لن نلومها فقط, سنبحث عن طريقة أخرى لمعاقبتها. هذا مايقوله المغاربة اليوم, وهذا مايتمنون تفادي قوله مرة أخرى. تسالات الهضرة. "بس خلاص", مثلما يقول شعبولا الذي يبدو وحده قادرا اليوم على فهم كثير الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تصحيح ضروري نبهنا إليه صديقنا حسن مرزاق الفاعل الرياضي المعروف بخصوص ماذكرناه عن عدم تكافؤ الفرص بين الفريقين الذين لعبا نهاية كأس العرش, بعد برمجة لقاء نهضة بركان في مدينة وجدة, حيث أشار مرزاق إلى أن قرار احتضان القاعة المغطاة الجديدة لوجدة للقاء النهاية كان مقررا قبل معرفة الفريقين المتأهلين لخوض غمار هذه المباراة, ولاعلاقة لتأهل بركان ببرمجة اللقاء في مدينة قريبة إليها.
تصحيح في محله وبه وجب التنويه, رغم أن الفريق المنافس وأهله يعتبرون أنه كان ممكنا تغيير هذا الاختيار حفاظا على تكافؤ الفرص من كل ناحية بين الفريقين.

فضائح بلخياطية

شاهدت مثل آخرين غيري لقاء مارسيليا وليل الذي لعب بملعب طنجة الكبير بدون سبب واضح نهائيا, بالنسبة لي أنا على الأقل الذي أعتبر أننا يجب أن نستفيد من علاقتنا بالكرة الفرنسية أكبر من مثل هذه "الاستفادات" الغريبة التي يأتي بها منصف بلخياط وصحبه. في السنة الماضية لعبت الجامعة الفرنسية لكرة القدم نفس المباراة بين بطل الكأس وبطل الدوري الفرنسيين في ملعب رادس بتونس, تحت رعاية شخصية من سليم شيبوب صهر الرئيس التونسي المخلوع الذي كان يقنع بن علي أن مثل هذه المبادرات هي علامات صداقة لا تنتهي ولن تنتهي وهي الدلائل على أن فرنسا لن تتخلى عن بن علي أبدا.
في الخختام اتضح أن سليم شيبوب رئيس الترجي التونسي وأحد أباطرة الرياضة في تونس بن علي كان يطعم الرئيس المخلوع أكاذيب كبيرة لكي يمرر مشاريعه التجارية والاقتصادية لا أقل ولا أكثر, واتضح أن فرنسا لا تهتم بإقامة مباريات فرقها على أرض دول أجنبية قدر ماتهتم بمصالحها السياسية والاقتصادية الكبيرة خصوصا حين يكون الأمر جدا, بل "وجد الجد كمان" مثلما وقع للرئيس التونسي السابق.
نحن لاعلاقة لنا بالوضع بتونس لا من قريب ولا من بعيد, ولكن هناك شيئا فاضحا لايمكن للعين المجردة أن تخطئه في عملية تنظيم لقاء كأس الأبطال على الأرض المغربية هو أن درجة الاستفادة منه مغربيا هي صفر على الشمال وعلى اليمين وعلى كل الاتجاهات الممكنة. لنسر بالمهل, مثلما نفعل حين نريد أن نأكل "بودنجال" مثلما يعلمنا مثلنا الدارج البليغ, لكي نفهم سر عدم الاستفادة هاته, ولكي نفهم من هم العلماء الكبار الذين سخروا هذه اللعبة التجارية لكي تصب في مصلحتهم, والتي انقلبت عليهم بفعل انعدام الخبرة في الميدان الذي يقال لهم في المغرب اليوم: سيروه.
منذ لحظة اللقاء الأولى بين الفرنسيين وبين شركة خليل بنعبد الله التي أصبحت المتعهدة الرسمية للملاعب الكبرى التي تبنيها الدولة المغربية, من ملعب مراكش الكبير إلى ملعب طنجة الجديد, وصولا إلى الملعب المزمع افتتاحه في أكادير وإلى كل الملاعب التي قد يفكر المغرب يوما في بنائها, كان الاتفاق واضحا: الشركة تعهدت للفرنسيين بأن يكون الملعب ممتلئا عن آخره, لأن "المغاربة يحبون الكرة الفرنسية ويحبون بالتحديد فريق مارسيليا", بل وأضاف أصحاب الشركة حينها من توابلهم الشيء الكثير حين قالوا إن المهاجرين المغاربة المستقرين في فرنسا والذين يقضون عطلتهم في المغرب سيتوجهون كلهم إلى الملعب لمشاهدة مارسيليا, وهو مايعني إقبالا جماهيريا منقطع النظير.
ثلاثة أيام قبل اللقاء الذي تم الإعلان عنه منذ أشهر عديدة, لم يكن ربع التذاكر المخصصة له قد نفذ بعد, وكانت الفضيحة التي تنتظر سونارجيس شركة بنعبد الله هي مشهد الملعب فارغا والذي سيتم نقله إلى كل أنحاء الدنيا أو بالتحديد إلى قناة "كنال بلوس" الفرنسية, وهو المشهد الذي لم يكن ممكنا السكوت عنه بالمرة. ما الحل؟ تم اللجوء للعملية المغربية إياها, وتم إهداء التذاكر بالمجان لكل من يريد الدخول ذلك الأربعاء لمشاهدة لقاء لاعلاقة لنا به لا من قريب ولا من بعيد يتم خوضه على أرضنا, وهذه ثاني الفضائح التي تورط يها مسؤولونا الرياضيون "تبارك الله عليهم".
البعض سيقول إن الأنتر وأسي ميلان سيخوضان الكأس الممتازة الإيطالية في ملعب "عش الطائر" بالعاصمة الصينية بكين . الرد جاهز على من سيقارن بين الصين وبين المغرب بالقول إن الشركات الصينية الخاصة هي التي استقدمت الناديين الإيطاليين العملاقين إلى هناك, وهي التي تكفلت بكل شيء, من تذكرة السفر إلى اكتراء الملعب, إلى تسديد حقوق النقل التلفزيوني. فمن الذي استقدم الفريقين الفرنسيين إلى طنجة؟ من أدى الفاتورة المملحة لفنادق المدينة؟ ومن تكلف ب"رش" الصحافيين الفرنسيين المرافقين للناديين القادمين من ليل ومن مارسيليا؟
لا جواب لدينا نحن, إذ نكتفي بطرح الأسئلة مثل أي صحافيين مجتهدين ونترك للخبراء الكبار في مجال الرياضة والاقتصاد و"الماركوتينغ الرياضي" أن يجيبونا على كل شيء. دون أن ننسى شيئا آخر هاما للغاية هو الرد على من يقولون إن لقاء مثل هذا هو فرصة لكي نظهر أننا نعيش في أمن وأمان في المغرب وأنا قادرون على احتضان أي شيء وكل شيء لكي نثبت للعالم أجمع أننا "بخير وعلى خير".
أصحاب مثل هذا التفكير يجب أن يحجر عليهم. المغرب في أمنه وأمانه هذه مسألة لانقاش عليها, وأول من يجب أن يقتنع بهذا الأمن والأمان هم المواطنون المغاربة قبل وبعد الآخرين, كل الآخرين. أما أصدقاؤنا الفرنسيون, فنعرف معدنهم جيدا, ولقد خبرناهم مجددا حين قالت وزيرة خارجية المقالة أليو ماري إن "على فرنسا أن ترسل خبرتها في محاربة الفوضى لمساندة الصديق بن علي في وجه شعبه", قبل أن نسمعهم أياما قليلة بعد سقوط بن علي يعتذرون ويقولون إنهم "لم يكونوا على علم بالفظاعات التي كان يرتكبها في حق شعبه".
بلاد بحال هادي عمرك ماتعول عليها, واخا ينظمو عندك الديفيلي ديال 14 يوليوز كاع, ماشي غير ماتش دالكرة
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التهديد الذي تلقاه المواطن قاسم الغزالي بعد تجديده لنداء الحريات الفردية, ومطالبته بإلغاء الفصل 222 من القانون الجنائي الذي يعاقب المفطر جهارا في رمضان, هو تهديد يجب أخذه بعين الاعتبار وبكل الجدية الممكنة. قد لانتفق مع رأي قاسم ولا مع مايدعو إليه ومايطالب به, لكننا ملزمون بالتضامن معه في وجه التهديد باالقتل الذي وجه إليه من غير ما جهة وعلى لسان أكثر من منتقد في صفحات الأنترنيت.
قوة المغرب هي في قدرته على تحمل كل الآراء حتى أكثر بعدا عن الحكمة والعقل. "هادا ماكان"

الأربعاء، 18 ماي 2011

يافؤادي...لاتسل

لهذا الرجل قصة حقيقية مع المغرب الحديث. يقول عنه الشعب المغربي إنه "الوحيد اللي كيسوق بيه الملك الطوموبيل". في النكتة الشعبية المبنية على صور فؤاد التي جالت أكثر من جريدة من المقربين ومن المبعدين, الكثير من الإحالة على مايقال عن صديق الملك الذي أصبح زعيما سياسيا ذات صيف, بعد أن كان إبن المربع الصغير السلطوي.
أتى التعيين في العمل الحزبي بعد غضبة مضرية في باب سبتة استعمل خلالها فؤاد كل العبارات التي يعرفها للتدليل على غضبه. قال القائل يومها "لقد غضبوا عليه". قال الآخرون "المخزن عمرك ماتفهم شنو باغي يدير, لذلك تسناو". وقالت الأغلبية الصامتة من الشعب الذي يوصف بالمغربي "شغلهم هاداك".
جرت سنة الله في خلقه من المغاربة ألا نحشر أنفسنا كثيرا في "شغل الناس الكبار". نحن نعتبر أنهم كبار, وبناء عليه يعرفون مصلحتهم ومعها مصلحتنا أحسن من الجميع, لذلك لاندقق كثيرا. والصغار من بيننا الذين يحاولون حشر الأنف وبقية أعضاء الذات البشرية الأخرى في مثيل هذه النقاشات سرعات ماتتم إعادتهم إلى حجمهم الطبيعي, لذل فهم الشعب أن عليه أن يتابع هذا الفيلم المسمى فؤاد علي الهمة من بعيد, دون أن يفكر ولو ثانية واحدة في الاقتراب منه أكثر من اللازم.
تعرفون تلك اليافطة العجيبة التي يضعونها في الميادين التي يشتبه في احتوائها على قنابل "خطر قنابل, ممنوع الاقتراب". كان الأمر شبيها إلى حد ما بالمسألة سوى أن الكل لم يكن على نفس الرأي منذ اللحظة الأولى. قلة قليلة من الناس قالت "مايمكنش". أن تأتي إلى السياسة من الفوق معناه أن تفرغ السياسة من معناها كله, وكن على يقين أن الناس لن تصدقك مهما قلت لها من شعارات تقارنها مباشرة بالفعل الأول فتنفي عنك كل الأشياء.
كانت حجة البسطاء ببسيطة مثلهم تماما : الناس تعتبرك صديق الملك, كيف يمكن أن يكون مغربي واحد خصما لك؟ ألم تسمع تلك العبارة العجيبة عدو صديقي عدوي؟ مايمكنش. ثم كان كل ذلك الإقبال. كدنا نصدق أن السياسة في المغرب عاد لها بريقها, وكدنا نقول لأنفسنا في لحظة كذب مكشوفة على النفس: ياكما هادا هو الحل؟
لكننا رأينا جحافل الإخوة تنخرط في الحزب إياه: فيهم القادم من الأحزاب الإدارية البائدة. فيهم الهارب من الأحزاب التي لم تمنحه التزكية. فيهم أيضا النقي المصدق للخدعة كلها والمؤمن أنها قد تكون حلا فعليا في يوم من الأيام.هناك بدأ المغاربة يقولون "وابزاف عاوتاني". شيء ما ليس على مايرام في كل هذا ويجب أن يتم وضع الحد له قبل فوات الأوان.
نعمو كانت تلك الأسطوانة التي تدغدغ مشاعر من كان مثلنا خائفا على المغرب من الظلاميين. أسطوانة محاربة أسلمة المجتمع. لكن لنطرح على أنفسنا السؤال بكل وضوح: هل يمكن أن نحارب أسلمة المجتمع بالتيلكوماند؟ هل يمكن للهاربين بمصالحهم من أحزاب أكل عليها الدهر وشرب إلى حزب يبدو هو صاحب الكلمة الفصل اليوم أن يشكلوا فعلا نوعا من أنواع الحلول للمغرب ولمشاكله؟ أم تراهم لن يكونوا إلى مشكلا إضافيا يزيد لاستعصاءاتنا كلها استعصاء جديدا نغرق في وحله إلى ماشاء الله من الأيام؟
أمس أو أول أمس شرعت الأنباء في النزول: الهمة يغادر مهامه القيادية في الأصالة والمعاصرة, العماري يغادر منصبه كمسؤول عن مقر الحزب, الوديع يخرج في موقع إلكتروني مقرب من الحزب لكي يقول كلاما جديدا. هل نعتبرها بداية صحوة السياسة مثلما ترتكب في المغرب من سكرة فكرة سيئة للغاية. كل المظاهر تقول نعم. لكننا تعودنا في المغرب على عدم الاستغراب من المفاجآت غير المتوقعة, لذلك سننتظر لكن بحذر, وسنقول إن الصغار الذين حركوا المشهد المغربي العام بهذا الشكل الثوري للغاية, نجحوا في مسعاهم الرئيس: أن يدخلوا الكثير من الشك إلى اليقينيات الزائفة التي أسست نوعا مرعبا من ديكتاتورية الأمر الواقع علينا جميعا.
في زمن آخر, لعله الانتخابات الأخيرة التي لم نشارك فيها كمواطنين أو الانتخابات الأخرى التي سبقتها, قدمت لنا جرائد كثيرة الجرار بمختلف علاماته وهو يجر المغرب إلى مستقبل زاهر وكبير. كنا نقول "بحال المسطيينط حينها إن المغرب أكبر من أن يجره مجرد "تراكتور". كانوا يردون علينا بالاقتراب أكثر فأكثر ممن اعتبروه حينها مركز القرار. كانوا ببساطة يهيئون المستقبل السياسي الذي قيل لهم إنهم صانعوه.
اليوم أتمنى منهم شيئا واحدا: أن لايسبوا الرجل الذي تحولوا إلى حوارييه حينها. ألا ينقلبوا انقلاب المائة وثمانين درجة الشهير. أن يبقوا على الكلمة التي قالوها في وقت سابق. إذا كانت ذاكرتهم عاجزة عن التقاط التفاصيل كلها, نبشرهم أن هناك أرشيفا قادرا على الاحتفاظ اليوم بكل شيء.
بالنسبة لفؤاد أخيرا, لا نعتقد أن هناك مشكلا ينتظر المسار الآخر. في النهاية, عندما تختارك الحياة وأنت في بدايتها لكي تلعب دورا هاما وأساسيا مثل دور فؤاد, من الأكيد أنها ستسعفك في المنتصف بشيء مكمل ومساعد على الإتمام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التحقيق أو الاستطلاع للتدقيق أكثر الذي قدمته القناة الأولى عن حادث أركانة يقدم لنا نموذجا حقيقيا لما يمكن أن يفعله تلفزيوننا إذا أراد أن يواكب بالفعل مايقع في بلادنا, مع ملاحظة لابد منها هي أنه من الممكن تسريع وتيرة إنجاز مثل هذه البرامج مباشرة بعد وقوع الحادث لئلا تفقد مايمزها من سخونة.
في فرنساو ونعتذر عن المقارنة الظالمة لكنها آثار البارابول الجانبية, يمكن لحدث استثنائي أن يزعزع البرمجة التلفزيونية في اليوم ذاته. لكن فرنسا تظل فرنسا والمغرب يظل المغرب في نهاية المطاف. ماعندنا مانديرو

الاثنين، 16 ماي 2011

بن لادن فالمغرب

يصعب على من يتتبع الجاري اليوم في المشهد المغربي ألا يتوقف عند نفوذ الإشاعات وسطوتها على الناس. بين بن لادن الذي استوطن الفنيدق هاربا من القصف الأمريكي في الباكستان, وبين سفاح النساء الذي يزور المدن المغربية بالتتالي, حيث حل بتطوان مؤخرا بعد أن مر على البيضاء منذ أشهر, وزار طنجة قليلا, وبين الإشاعات الكبرى التي تمس القضايا الحيوية للمغرب من تفجير أركانة الذي "لم يقع, ولكن المخابرات فبركته" مثلما تقول الإشاعة إلى 16 ماي التي لم تحدث إلا في خيالنا نحن الذين طعمناه بالكثير من العناصر الكاذبة, نحيا بالفعل في مجتمع يصعب عليه أن يصدق الواقع فيهرب الهروب العادي والطبيعي إلى الاختلاق.
لماذا؟ علماء السوسيولوجيا سيقولون استجابة لحاجة نفسية تجد صعوبة في عيش الواقع كما هو لذلك تهرب إلى صنيع الخيال. البسطاء من أمثالنا سيقولون "بالسيف, الإنسان يشق عليه اليوم أن يحيا دون وضع بعض البهارات على مشهد عام علينا الاعتراف أنه ناقص ملح وناقص دسم". مشهد لايت يصلح لأصحاب الحمية في كل شيء. مفتقر للإبداع, وغني بالمقابل بالمتوقعات وما أكثرها. لذلك يجد المغربي نفسه ملزما بإعمال خياله الخصب, وتحريك كل مكامن الإبداع في ذاته لتفجير أشياء غير متوقعة تصلح لنح هذا المشهد قليلا من الإمكانية للمتابعة دون ملل كبير.
أكثر ما يروق في هذه الإشاعات هو قدرة سارديها على حكيها بكل الاطمئنان الممكن لها وبكل الإيمان القطعي بها. امرأة منذ أيام تتحدث عن سفاح النساء الذي انتقل إلى تطوان وتقسم لنساء أخريات عند بائع ملابس نسائية أنه مر قربها وأنها أحست أن تحت النقاب النسائي الذي يرتديه رجلا, خصوصا عندما لمسها نصل السيف البتار الذي كان يحمله. لإضفاء المزيد من لاصدقية على الحكاية تبرز السيدة لبقية المستمعات لها جرحا صغيرا يكاد يندمل في يدها, وتقول إنه أثر السيف البتار الذي كان يحمله المنقب الهارب ذلك اليوم في القيسارية حيث صادفته.
"زفيفيطة" ستقولون أو ستلطفونها بعض الشيء لكل تستعملوا بالعربية الفصحى كلمة تدل على مبالغة هذه السيدة في الحكي. الأمر عادي جدا. نحن نعيش في مجتمع يحترف الكذب. سياسيوه نراهم باستمرار وقد حولوا كل التواريخ إلى فاتح أبريل, وسمكة كذبهم لاتريد الغرق يوما,بل لاتريد الاختناق حتى حينما يخرجونها من الماء. مثقفوه يلعبون دور أكبر كذبة يمكن تخيل وجودها على سطح الأرض. يضعون النظارات الطبية السميكةو ويطلقون لحيهم بشكل كث وفوضوي, ويبدأون كل كلامهم بعبارة "أعتقد في نظري المتواضع", ولاينهون الكلام لأن الأهم هو أن تبدأ الحديث, أما كيف تصل إلى "القفلة", وكيف نخرس إلى مالانهاية فذلك أمر لايهم كثيرا.
اقتصاديونا أيضا محترفو كذب من الطراز الأول. لو قمنا بعد المخططات الخماسية والسباعية والسداسية التي تربينا عمرنا كله على أنها ستدخل بالمغرب إلى جنان الازدهار لما أنهينا العد. والنتيجة أننا لازلنا نبحث إلى يوم الناس هذا عن مخطط حقيقي يقينا المزيد من الانهيار في بورصات الحياة التي قست على المغغربي البسيط, فأحالته هذا البينوكيو الذي يكذب اليوم بطوله لكي يحيا, دون أن ينتبه إلى أن أنفه يزداد طولا وأن الكل يعي جيدا أنه يكذب لاأقل ولا أكثر.
بسطاؤنا أيضا يعشقون هذا التماهي مع الخيال, أو لنقلها كما هي يعشقون الكذب. يروق للكثيرين مشهد "بخ" الجماعي الذي يرتكب في أماكن الالتقاء الكبرى مثل القطارات مثلا. إذا جلست في مكان في محطة قطار مغربية وراقبت لمدة زمنية قصيرة الأفواج التي تتحرك قبالتك ستؤمن إيمانا قطعيا أن المغاربة ينافسون السويسريين على لقب أسعد الناس في العالم: سرعة لامثيل لها في التحرك, جهد حقيقي على مستوى اللباس والمظهر, أكسسوارات مصاحبة من كل الأنواع بدءا من علامات الهواتف الراقية, من أيفون وغيره وصولا إلى ماركات اللباس العالمية, مرورا بتلك الطريقة الغريبة والمضحكة في الإسراع للحاق بموعد غير موجود إطلاقا اللهم في مخيلة الراكض الذي يعتقد أن المحطة كلها خشبة مسرح يتحرك عليها تحت أنظار المتتبعين, دون نسيان الرطن بكل لغات العالم المتخيلة من الفرنسية في نسختها العربية إلى اللغات الحية الأخرى التي تدل على شيء ما في ختام الختام.
هل نستغرب بعدها أن يقسم مغربي أنه رأى بن لادن في الفنيدق هذه الأيام؟ قطعا لا. الاستغراب الحقيقي مرده عدم تحدث أي مغربي لحد الآن عن الزيارات التي يقوم بها باراك أوباما باستمرار لحديقة الحيوان في عين السبع. لقد رأيته بأم عيني هناك منذ ثلاثة أيام عندما كنت أتعشى مع أنجلينا جولي دون علم زرجها براد بيت, وهذه ليست المرة الأولى. "إيوا حيدوها لي من فمي". يا الله.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعين متأسفة للغاية أتابع مايجري اليوم في قناة الرياضية, وأتذكر حماس الانطلاق لها وأتذكر الأحلام الكبرى التي كانت تقال حول هذاالمشروع, ثم أقارن كل هذا يما يقع اليوم فأقول إننا بلد ابتلاه الله بمسؤولين يتقنون إفساد كل الأحلام الجميلة, ويبرعون بالفعل في تمرير القبح إلى كل المجالات التي يمسونها بأيديهم.
الكارثة هي أن لا أحد يفكر في تغييرهم, لكأننا "ٍرضينا بالهم والهم مارضا بينا" مثلما يقول المغاربة في دارجهم واقتنعنا نهائيا أن الرداءة هي قدر لامفر منه للمغاربة في كل المجالات

مسعود المغربي

إسمه مسعود وايزمان, يبلغ من العمر 32 سنة, أو للتدقيق أكثر كان يبغ من العمر إثنين وثلاثين سنة. مغربي الأصل والهوى. يعشق البلد الذي يتحدر منه منذ آلاف القرون, وكان يقول باستمرار لزوجته الكندية الأصل "أنا قادم من بلد كبير, أعظم مما تتصورين".
زوجته الكندية الأصل إسمها ميشال. بدورها لا يفوق سنها الثلاثين, أو للتدقيق أكثر مرة أخرى لم يكن يفوق سنها الثلاثينز لفرط ماسمعت عن المغرب وعن هوى المغرب من مسعودو اقتنعت أنه جنة الله على أرضه, وآمنت أن نموذج الأندلس الذي تغنى به الأجداد رحا غير يسير من الزمن خلال العصر الوسيط قد تحقق في هذا البلد البعيد الذي أهدى لها من بين ما أهدى زوجها وشريك عمرها الذي تعتبر أنه أفضل شيء تلقته من الحياة.
أبريل الماضي, اجتمعت كل الأسباب لكي يأتي الزوجان إلى هذا...المغرب, لكي تكتشفه ميشال, لكي يعود فيه مسعود إلى "الدار الكبيرة" في الدار البيضاء حيث تجتمع العائلة, ولكي يخلدا "البيساح" أو عيد الفصح اليهودي, ولكي يمكنا الصغير دافيد يوسف (ثلاث سنوات) من الالتقاء مع جديه, ومع جذوره المغربية الأولى.
25 أبريل الماضي كان الزوجان ودافيد الصغير وبقية العائلة في الدار البيضاء يحتفلون بالعودة إلى المغرب, ولم ينتبهوا نهائيا إلى شيء يسمى تهديد القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي للمغرب بأن تتعرض أرضه لهجمات إرهابية. كانت سعادة الزوجين والعائلة أكبر من أن تهددها منظمة مجهولة غير موجودة على الواقع أو هذا على الأقل ماحاول الكل أن يقنع به نفسه تلك الأثناء.
ثم كانت تلك الرحلة إلى مراكش. قرر الزوجان بعد تفكير طويل أن يفعلانها. سيتركان دافيد يوسف مع جديه في الدار البيضاء, وسيذهبان لوحدهما إلى مراكش لكي يحتفلا هناك بعيد ميلاد مسعود الثاني والثلاثون, لكي يستعيدا بداية الحياة الزوجية يوم كانا وحيدين, هما اللذان صنعا حياتيهما في شنغهاي الصينية, واستطاعا أن يشكلا النموذج الناجح الذي يغبطه الجميع.
وصل مسعود وميشال إلى مراكش يوم 28 أبريل. في الفندق الذي حجزا إحدى غرفه قرب ساحة جامع الفنا, كانت مفاجأة في انتظارههما: الغرفة ليست مهيئة بعد. الزبائن الذين كانوا يشغلونها قبلهما لم يخرجوا في الوقت القانوني, لذلك تطلب الأمر من العاملين في الفندق وقتا إضافيا لكي يهيؤوا الغرفة للزوجين القادمين للاحتفال.
مسعود لم يكن ليترك حدثا عارضا مثل هذا ليؤثر على مخططه للفرح بالعودة لبلاده. اقترح على ميشال أن ينزلا إلى جامع الفنا ريثما ينتهي العاملون في الفندق من تهيئة الغرفة. هناك عاد إلى مسعود كل ألقه وهو يلتقي ألوان ورائحة الساحة الشهيرة. كان سعيدا إلى آخر مدى بأن يدهش ميشال بهذه الساحة التي لاوجود لها في أي مكان آخر إلا في المغرب. إسمها جامع الفنا, وكنيتها ساحة الفنون, وشهرتها أنها تدهش العابر فيها ذات يومو فتحيله إلى محب للمكان لايستطيع عنه فكاكا.
عندما تعب الزوجان قليلا من التجول تحت الشمسس الحارقة, ومن مشاهدة العروض الغريبة التي كانت تبدأ ذلك الصباح أولى استعداداتها ليوم حار وشاق من العمل الفرجوي العجيب, اقترح مسعود على ميشال وأو اقترحت ميشال على مسعود _ لاأحد سيعلم حتى ختام الأيام من اقترح على الآخر تلك الخطوة الإضافية الزائدة والمأساوية_ أن يصعدا إلى مقهى أركانة. أن يشربا هناك عصيرا باردا أو مشروبا من نوع آخر, وأن يستمتعا بالمنظر البانورامي الساحر الذي تقترحه المقهى على روادها لمجموع الساحة من فوق.
دخلا. جلسا. طلبا مشروبهما أو لم يكفهما الوقت لذلك. كان سائح هولندي يجلس في المقهى مثلما كتبت مجلة فرنسية رسمت بورتريها مدهشا للزوجين. رمق سائحا بشكل غريب. يضع على شعره الطويل قبعة ويختفي وراء نظارتيه الشمسيتين. قرب ذلك السائح الغريب, كانت هناك حقيبتان رياضيتان, تبدوان ثقيلتين للغاية. وضعهما وطلب مشروبه بكل هدوء. غادر السائح الغريب المكان تاركا وراءه الحقيبتين الرياضيتين. دقائق بعد ذلك, كان دافيد يوسف ذو الثلاث سنوات قد أصبح يتيم الأب والأم دفعة واحدة.
هو لن يعرف أبدا أخاه أو أخته الصغير أو الصغيرة الذي أو التي كان أو كانت في بطن ميشال الحامل في شهرها الخامس. هو أيضا لن يعرف الألم الكبير إلا بعد أن يكبر. سيسأل الكثيرين عن أبيه وأمه. سيقال له إنهما ماتا في حادث أركانة.
الواجب اليوم, دافيد يوسف, أن نقول لك إن أباك مسعود المغربي وأمك ميشال الكندية استشهدا حبا في المغرب. هكذا وبكل اختصار ربما لن تستوعبه اليوم, لكنك ستدركه كاملا فيما سيأتي من أيام.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قبل أن تخرج نتائج أشغال لجنة مراجعة الدستور شرع العديدون في الرجم بالغيب وتحليل ما ستأتي به قبل أن تأتي به أصلا. هذا الأمر يسمى الاستشراف, وفي دارجنا المغربي العميق يسمى "تشوافت" ومكانه هو جامع الفنا وغير من ساحات المملكة الفولكلورية وليس أماكن التحليل السياسي الرصينة.
لحظتنا المفصلية الهامة التي نمر منها في المغرب اليوم تفرض علينا جميعا أن نلتزم بالحد الأدنى من الجدية والمعقول وأن نتجنب إدخال أفاعيل الصغار فيما يتم رسمه من مسارات لبلدنا, إذا كان يهمنا فعلا

الأحد، 8 ماي 2011

موازيننا الغبية

وهذا نقاش مغلوط جديد تماما يفرضه علينا البعض سامحهم الله مثلما يفعلون كل سنة في مثل هذا التوقيت . هل علينا أن نلغي موازين لكي يبدو المغرب دولة تستجيب لمطالب بعض أبنائها و لو كانت هذه المطالب غير معقولة؟ أم أن علينا أن ننظم مهرجان موازين بأي ثمن لكي لا يقال إن الدولة تنازلت وقبلت هذا الضغط الذي كثر عليها من جواب عديدة الموحد الأساس بينها كره هذا المهرجان لاعتبارات شتى؟ ثم هناك السؤال الآخر الذي يذهب بتواز مع السؤالين السابقين: هل نحتاج اليوم لاستفتاء نجريه بين الشعب المغربي لكي نعرف من منهم مع موازين ومن يعارض هذا المهرجان؟
في المسألة بكل صدق الكثير من الاستخفاف بنا خصوصا وأن البعض يريد أن يقنعنا أن أكبر مشكل نعانيه في بلدنا هو...موازين وهذه مسألة غبية وأعتذر لكل الأصدقاء الذين يرون العكس لكنني لا أرى نباهة كبيرة في مطلب فاشي مثل هذا. ذلك أنني أعرف عددا كبيرا من المغاربة يريدون لهذه المهرجانات أن تستمر ويريدون للبلد أن يحافظ على روحه المنفتحة هاته التي تسمح له دون من عداه من دول المنطقة باستقبال أكبر قدر معين من الفنانين المرموقين والعالميين. وأعرف بالمقابل عددا آخر من المناهضين للمهرجان الذين يرددون قولة "آش خصك آلعريان؟ مهرجان آمولاي", والذين يقولون إن آخر هموم المغاربة هي هذا المهرجان, فماهو المعمول ياترى في حالة مثل هذه الحالة؟
المعمول به في كل دول العالم المتحضرة هو أن يتولى الإعلام العمومي خصوصا منه المرئي مهمة مناقشة هذه النقط وطرحها بشكل واضح بين المعارضين والمؤيدين, ومع النقاش وتواليه سيتضح من هي الجهة الغالبة وحينها علينا أن ننصاع لأمرها. هذا هو الحل الوحيد الممكن, وغيره لايبدو لنا إلا نكتا سنخترعها لكي نضحك علينا أمة سيدنا محمد وأمة الأنبياء الآخرين معه في كل مكان.
هل نحتاج اليوم لاستفتاء حول المهرجان؟ هل ينبغي أن ننظم اتتخابات تحسم عدد المؤيدين وعدد المعارضين؟ أم أنه ينبغي علينا أن نجلس بكل الهدوء الممكن وأن نطرح وجهات نظرنا وحينها من الممكن تكوين تصور معين ومحدد حول هذا المهرجان دون الوصول إلى فخ القطيعة الغبي هذا الذي يتم بناؤه بين الناس؟
ثم لنتحدث بصراحة ولو مرة واحدة على الأقل حول هذا الموضوع: هل المطلوب اليوم هو رأس الرجل القوي الذي يقف خلف موازين؟ إذا كان الجواب بنعم, فرد الفعل الأول والمنطقي يقول : إبحثوا للرجل عن شيء سياسي تمسكونه منه, واتركوا عنكم مهرجانا أصبح ذا إشعاع كبير في البلد وفي غير البلد في السنوات الأخيرة. أما إذا كان المطلوب هو المهرجان في حد ذاته باعتباره فعلا يتيح ترويج صورة تزعج العديدين عن المغرب باعتباره بلدا متفتحا وقادرا على احتضان أجنا فنيية عديدة دون أدنى إشكال فهنا سنكون أمام معى آخر له علاقة بالفاشية التي ترغب في فرض منعها على الناس بأي ثمن ثم تريد في الختام على سبيل المفارقة الماكرة أن تتحدث باسم هؤلاء الناس.
نتذكر جميعا السنة الفارطة النقاش المخجل الذي أثير حول موازين. كان "الإشكال" حينها هو استقدام إلتون جون للغناء. وكانت الأسطوانة المشروخة التي تم استعمالها للنيل من المهرجان هي أسطوانة "هاد خينا راه فشكل وماخصناش نجيبوه لبلادنا". كتبنا وكتب غيرنا لكي نقول إن تصرفات هذا السيد الشخصية تهمه وأن اختياراته الفنية ههي التي تهم محبيه من المغاربة, وهي التي استدعت استقدامه للمهرجان. مرت حفلة إلتون جوم ولم يتأثر المغاربة بميوله الجنسية المختلفة ولم نسمع عن نزوح جماعي من الميل العادي والسوي لدى أغلبية أبناء شعبنا من النساء نحو الرجال ومن الرجال نحو النساء إلى ميول إلتون جون المرعبة مثلما قيل لنا على سبيلالتخويف السنة الفارطة, واعتقدنا أن الأمر سيشكل صدمة وصفعة ودرسا لمعارضي الكمهرجان الذين يتصيدون الفرص للمطالبة بشريعة المنع لكي تكون لها الكلمة الفصل في بلادنا.
غير أننا بالفعل كنا واهمين: إخوتنا وجدوا هذه السنة مبررات جديدة, وبالتأكيد سيجدون في السنوات المقبلة مبررات أخرى وهكذا دواليك. هذه السنة مبررهم هو أننا نحيا سنة تعديلات دستورية وحراكا شعبيا كبيرا لاينبغي أن نشوش عليه بأي شيء كييفما كان نوعه. المبرر الآخر يقول إن شعوبا عربية ومسلمة أخرى تقتل اليوم من طرف حكامها وبالتالي من العيب أن نرقص نحن ونغني في الوقت ذاته الذي يفعل فيه القذافي وبشار الأسد وعلي عبد الله صالح الأفاعيل في شعوبهم. أما المبرر الثالث فهو أن شعبنا فقير جدا ومن غير اللائق أن نستدعي فنانين مشاهير بمبالغ مالية هائلة دون أن نراعي شعور الفقراء الذين تتكون منهم غالبية أبناء شعبنا.
لنتفق على أنها مبررات واهية فالحراك الشعبي لا يتناقض مع سهرات الغناء والرقص, والحداد الذي يراد فرضه علينا بسبب مايقع في الدول العربية الأخرى ينبغي أن يكون عاما أو لا يكون بمعنى أن علينا أن نلغي حتى حفلاتنا الخاصة وأعراسنا خلال هذه السنة إلى أن يقضي رب الديكتاتورات أمرا كان مفعولا, أما مبرر الفقر فمزايدة فقيرة تفتقر فعلا للخيال لدى أًحابها خصوصا وأن المهرجان لايمول من المال العام ولكن من أموال شركات خاصة.
أقول كل هذا رغم أنني لاعلاقة لي بهذا المهرجان لا من قريب ولا من بعيد, لكنني لاأستطيع حيين رؤية الغباء وهو يحاول أن يفرض نفسه أن أصرخ بكل ماأملك من قوة "لبلادة لاينبغي أن تسود ولا أن تحكم". في حالة العكس سننقرض وهذا البلد في نظري المتواضع لايستحق الانقراض, وللموضوع ألف صلة وصلة بكل تأكيد
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سرعة الوصول إلى منفذي عملية أركانة هي سرعة لايمكن إلا التنويه بها والاستبشار بيقظة مصالح الأمن التي علمت أن المغاربة لن ينتظروا طويلا من أجل التعرف على من استهدف أمنهم, خصوصا وأن كل المؤشرات هذه المرة تقول إن التحقيقات تمت دون شطط في استعمال السلطة ودون اعتقالات عشوائية قد تؤددي إلى تكرار الانتقادات التي رافقت اعتقالات 16 ماي 2003.
المنتظر الآن هو أن يسير التحقيق بكل الوضوح الممكن وأن يتم إخبار شعبنا أولا بأول بما يتم التوصل إليه من معلومات, فأمن هذه البلاد وأمان ساكنيها مسألة تهمنا جميعا بنفس القدر ونفس الدرجة دون أدنى استثناء.

الأحد، 1 ماي 2011

رشيد نيني الذي أعرفه

أتضامن تضامنا مطلقا مع رشيد نيني الذي أعرفه. الفتى الطيب القادم على أجنحة الخجل من مدينته الصغيرة إلى مشهد إعلامي مليء بالحيتان الكبرى والذي لايملك إلا موهبة الكتابة اللاذعة التي منحه الله إياه والتي لايستطيعع أحد أن يزيلها عنه. أتضامن مع رشيد الذي عرفته منذ جريدة العلم كاتبا ليوميات مثيرة للغاية تصدر كل إثنين إن كانت الذاكرة لازالت صالحة لشيء، وتروي بأسلوب قاتل يجمع بين السخرية المبدعة وبين الحرقة المعيشة قصة الحريك التي بناها رشيد أسطورة حول شخصه، وهي اليوميات التي جمعها فيما بعد في كتاب "يوميات مهاجر سري".
أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه، والذي قلت له ونحن داخل "دوزيم" ذات يوم من سنة 2002 وهو متوقف عن الكتابة "لماذا لاتكتب الآن؟" أجابني "لأن عملي في القناة الثانية يتعارض مع ماأكتبه في الصباح". أجبته على الفور وأنا أعرف أن الصحافيين لايقولون هذا الكلام لبعضهم "اكتب، فإن العديدين وأنا منهم ينتظرون بشغف قراءة ماتكتبه كل يوم".
أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه قادما بفعل موهبته لا بفعل أي شيء آخر لكي يمنح المغاربة أفق لقاء جديد مع الصحافة المكتوبة بالعربية. كنت وفي عز الخلاف مع الفتى أقول للزملاء إننا بحاجة لمن يستطيع أن يتحول إلى نجم في حرفتنا، وهو سيفتح المجال فقط لنجوم آخرين قادمين، لذلك لاترتعبوا كثيرا من قدر نجاحه فهو في نهاية المطاف نجاح لكم جميعا.
آعرف ويعرف رشيد ويعرف آخرون أن آعداء النجاح كثر، وأنك تلاقي بمجرد أن تأتي أعزلا من مكان بعيد مشهرا موهبتك فقط في الكتابة أو في أي ميدان آخر أن "أنصاف الموهوبين" لن يتحملوا وجودك وسيسبونك وسيبحثون لك عن شتى الذرائع والمصائب لكي ينفروا الناس منك، لذلك ظللت معجبا برشيد نيني الذي أعرفه حتى سنة انقطاع الاتصال بيننا نهائيا.
هنالك بدأ رشيد نيني الذي لا أعرفه. تحول الفتى إلى مسخ مشوه، ساهم العديدون في نفخه وأخلت الموهبة المكان للأنا المتضخمة لكي تنوب عنها، وبدأت أكتشف على صفحات جريدة رشيد نيني الذي لا أعرفه سبابا متواصلا لأناس محترمين الجامع بينهم هو أنهم بالفعل محترمون: سب عبد اللطيف اللعبي، وسب حسن أوريد وسب نور الدين الصايل وسب أحمد رضا بنشمسي، وسب خديجة الرويسي وسب العديدين ممن ظللت أحمل في دواخلي الاحترام التام لهم، والذين ظللت أرقبهم بنفس العين التي كنت أشاهدهم بها قبل أن أدخل هذا الميدان وقبل أن تجمعني مع بعضهم صداقة شخصية أعتز بها للغاية.
كان سؤالي الدائم هو : لماذا؟ و من يدفع رشيد لكل هذا الحقد على أناس أعرف أن فيهم الكثيرين ممن مدوا له يد العون في لحظات حاسمة من حياته؟
لم أكن أتوفر على الجواب وحتى حين بلغ الكذب بنيني مبالغه وقال إنني اشتغلت في مكتب الاتصال الإسرائيلي أحسست فقط بألم داخلي صغير وقلت "سير عالله" كالعادة وطويت صفحا عن الموضوع كله، بل حتى عندما كتب عن "الأحداث المغربية" منذ أسبوعين فقط يتهمنا نحن وتيل كيل والقناة الثانية والعنيكري أننا صنعنا 16 ماي 2003 اكتفينا بفتح الفم اندهاشا واستغرابا لقوة لتهمة وضربنا صفحا ومضينا.
هذا النيني لا يهمني. أنا اليوم أتضامن مع رشيد نيني الذي أعرفه. والذي بلغت به طيبوبته يوما أن كتب إلي بعد نقد إيجابي لبرنامجه "نوستالجيا" على صفحات هذه الجريدة التي يسبها اليوم ويصفها بأقذع الأوصاف "أنت لست ناقدا فقط، أنت شاعر". ضحكت لفرط المبالغة واحتفظت بالإس إم إس لأنني أرتاب من المبالغات كلها وأتصور أنها تستطيع أن تتحول إلى النقيض بين عشية وضحاها، وكذلك كان.
اليوم من خلال تضامننا مع رشيد نيني ومن خلال مطالبتنا بإطلاق سراحه "بالرغم من كل شيء"، نتضامن مع المغرب الذي لانريد له أن يسجن صحفيا واحدا كتب معلومة أو رأيا أو خبرا مهما بلغ حمق هذا الرأي أو الخبر أو التعليق.
أتضامن ونتضام في هذه الجريدة مع الرجل رغم أنه لم يفعلها أبدا معنا، ورغم أنه تشفى في "الجريدة الأولي" يوم أقفلت وفي "لوجورنال" يوم اضطر بوبكر الجامعي لتصفيته، وتشفى في رفيق "المساء" توفيق بوعشرين يوم أقفلت جريدته بل وبحث له في الصور والأسطر عن التهم الثقيلة التي كان يعتقد أن أصحاب الحال يبحثون عنها لكي ينهوا فيلم بوعشرين نهائيا.
اليوم أصحاب الحال اهتدوا إلى حل آخر: أن يعتقلوا رشيد نيني نفسه وأنا أكيد أنه الآن يراجع كثيرا من الحسابات التي أخطأ فيها بينه وبين نفسه، لكن هذه اللحظة ليست لحظة محاسبة له ولا تذكير بما فعله من كوارث لميداننا.
لحظة اليوم هي للمطالبة بإطلاق سراحه، وبرفع هذ الحيف عن الصحافي الذي لاينبغي أن يعتقل إلا إذا كان بالفعل ضالعا في جريمة حق عام واضحة، أما التعبير عن الرأي أو تقديم الخبر وإن كان مغلوطا فسنطالب حتى ختام الأيام في بلد مثل المغرب يستحيل فيه الوصول إلى المعلومة بأن يظل حسن النية هو الحكم بيننا وبين الجميع إلى أن يظهر العكس
أطلقوا سراح رشيد نيني الذي نعرفه. الآخر، الذي صنعتموه أنتهم وشوهتم لانعرفه وأنتم أدرى به وبارتباطاته.
أطلقوا سراح "الدري" الذي أدهش المغرب بموهبته في الكتابة قبل أن يتحول إلى ناسخ للملفات السرية وللتقارير المخابراتية التي أودت به إلى هذاالاعتقال المهين

الجمعة، 29 أبريل 2011

مؤخرة شاكيرا و البرلمان

أول أمس الأربعاء اقتنعت بشيء واحد للمرة النهائية والأخيرة: نوابنا البرلمانيون لايصلحون في أغلبيتهم لأي شيء على الإطلاق. ابتدأ الأمر حين احتجوا على وصفهم من طرف الحبيب الشوباني من العدالة والتنمية بأنهم مرتشون, وأوقفوا جلسة عمومية "على قدها" يفترض أنها مخصصة لإلقاء أسئلة الشعب المغربي (الله يلعن الكذاب), فقط لكي يعود إليهم جزء من "كرامتهم المفقودة", ولكي تستأنف الجلسة أشغالها بعد حوالي الساعة إلا ربع من الموسيقى الأندلسية بدرس سخيف للغاية في اللغة العربية تولى إلقاءه علينا لحسن الداودي الذي أوضح لنا الفوارق الضوئية الكبرى بين ال الشمسية وال القمريةو مؤكدا مرة أخرى (الله يلعن الكذاب) أن الشوباني كمان يتحدث عن برلمانيين وليس عن كل البرلمانيين.
"نحيدو هادي" ونمر إلى الأخرى. مباشرة بعد هذا الفصل البايخ للغاية, انتقلنا إلى فصل أبوخ. فاطمة مستغفر من الحركة الشعبية (حزب أحرضان ومن سار على هديه إلى يوم الدين) وعمر حجيرة (خو توفيق والمنتمي لحزب عباس) بالإضافة إلى رضى بنخلدون من العدالة والتنمية (حزب البرلمانيين المرتشين حسب الشوباني أو حزب ال الشمسية وال القمرية حسب الداودي) يلقون سؤالا واحدا وموحدا حول ضرورة إلغاء موازين هذه السنة. والسبب "أخوتي وخواتاتي"؟ . الشعب مابغاش يشطح, الشعب بغا يخدم.
أعترف أنني في قرارة نفسي أحتقر تسعة وتسعين بالمائة من النواب الأشاوس, وهذا منذ قديم الزمن لأنني أعتبرهم المثال المضاد لكل ما ينبغي فعله في السياسة, أو النموذج الكامل لما ينبغي تجنبه, لكني عشية الأربعاء ازددت اقتناعا أكثر بصدق شعوري هذا وأنا أرى تلك المزايدة الرخيصة للغاية والساقطة على شعبب أصبح الكل يتحدث باسمه حتى الذين دخلوا البرلمان على ظهور أصواتنا الكاذبة, والذين احتلوا صدارة المشهد السياسي العليل دون أدنى استحقاق اللهم استحقاق المرض الذي يصيب السياسة السقيمة في المغرب.
وعلى من طرح الأشاوس السؤال؟ على بنسالم حميش الذي أجاب ببؤس قاتل للغاية أوضح للجميع لماذا يحس أغلبية المثقفين المغاربة بشعور سلبي تجاه الرجل. كنت أتمنى من السادة النواب الأشاوس الذين اكتشفوا فجأة أن الشعب يريد, وأن ّالمغاربة كيبغيو وماكيبغيونش", أن يتسلحوا بهذه الشجاعة للمطالبة بإيقاف موازين السنة الفارطة أو التي سبقتها. على الأقل كنا سنقول "لقد كانوا شجعانا بالفعل, وطالبوا بشيء غير مسبوق, ولو أن المطالبة بإلغاء مهرجان فني هي مسألة تدل على التخلف لا على أي شيء آخر, لكننا كنا سنكبر فيهم شجاعة الإقدام على الحماقة.
أما وقد انتظروا إلى أن أصبح مطلب إلغاء موازين مطلب "اللي يسوا واللي مايسواش", ولأسباب تختلف وتتفارق من التطرف الديني أوالعقدي إلى الحقد الشخصي على من ينظمون المهرجان, مرورا بالمغنين الغاضبين من عدم استدعائهم ووصولا إلى "اللي مساليين قبهم", ويريدون المطالبة بإلغاء أي شيء لكي يحسوا أنهم موجودون فليسمح لنا حجيرة ومستغفر وبنخلدون ومن صفقوا لهم بشكل بئيس للغاية دون نسيان وزير الثقافة الذي انخرط في الهجوم على المهرجان بشكل لاوصف له, لكننا نعتقد أنهم فعلا الوجه الأساس والأبرز لأزمة السياسة في المغرب بتصرفهم الأخرق هذا.
طيب آسيدي, لنلغ موازين. مالو ديالنا؟ ولننته من هذا الفصل البايخ, لكن بالمقابل على عمر حجيرة أن يقول للوجديين ما الذي صنعه وما الذي لم يصنعه لمدينتهم عوض التساؤل عن شاكيرا في قبة البرلمان. لتجبنا فاطمة مستغفر عما فعلته لدائرتها النيابية, أو عفوا هي ترشحت في اللائحة الوطنية لذلك صعدت إلى البرلمان, وليقل لنا رضى بنخلدون عن تحالفاته الكثيرة في الرباط التي لم يعد يفهم الرباطيون فيها شيئا عوض أن يزف لنا الخبر الذي صفق له البرلمانيون عن إلغاء دعم مجلس المدينة لموازين.
الحق الذي لامراء فيه هو أننا ابتلينا في هذه الأيام الأخيرة بداء العطالة السياسية لهؤلاء البرلمانيين الصالحين لكل شيء إلا لتمثيل الشععب. وهم اليوم بعد أن رأوا الشعب يطالب بأشياء كثيرة, أصبحوا يفهمون أن عليهم الركوب على الموجة وإلا فإن رقابهم توجد على كف عفريت. ومادامت الأشياء قد استحالت إلى لعبة مزايدات قاتلة مثل هاته, وماداموا توسلوا بشعار "الشعب يريد إلغاء موازين", فلايسعنا إلا أن نجاريهم في لعبتهم هاته, إذ البادئ أظلم, وسنرفع نحن أيضا شعارا من شعارات الشارع هذه الأيام "الحل الوحيد, من كل الحلول, حل البرلمان, وإسقاط الحكومة", وكملو من ريوسكم بقية الشعار.
للأسف الشديد, في الدول المتحضرة حقا يلعب السياسيون دور القادة لشعوبهم حين الضرورة. أما في دول التخلف فلايمكنك إلا أن تشاهد المشهد المحزن الذي رأيناه يوم الأربعاء الفارط لنواب برلمانيين تركوا كل الاهتمامات الحقيقية وركزوا مع مؤخرة شاكيرا. "هاد الشي ما عطا الله والسوق" لسوء حظ هذا الشعب الطيب والجميل, ذي الحظ العاثر فعلا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
المشهد المثير الذي أصبح يعيشه الشارع المغربي كل مرة لاعبت فيها البارصا الريال هو مشهد يدفع إلى طرح الكثير من الأسئلة حول قدرة الكرة على تجميع الناس ولو كانت كرة أجنبية عنا. المغاربة أصبحوا يتعاملون مع لقاءات الفريقين الإسبانيين الكبيرين بشكل يفوق تعاملهم مع منتخبهم المحلي, أو مع الشيء الذي يسمى منتخبهم المحلي الآن.
المغاربة لم يهربوا اعتباطا من كرة منصف وعلي إلى الكرة الجميلة. المغاربة ملوا القبح والرداءة, ويبحثون عن الجمال والمتعةو وهذا في الكرة, لكن أيضا في كل مجالات الحياة الأخرى.
إيوا عيق آلبريق.

الأربعاء، 27 أبريل 2011

بزيز ونبيل

مسألتان لابد من التنديد بهما وقعتا معا في نفس اليوم, أي الأحد الفارط, وفي نفس المناسبة أي تظاهرات 24 أبريل, لكن من طرف جهتين مختلفتين, معا تظلان مجهولتين وإن كانت الدلائل والمؤشرات معا واضحة على من يقف وراءهما. لاتهمنا هنا هذه الجهة التي وقفت وراء الحدثين بقدر مايهمنا التنديد بما فعلته, وإبلاغهما معا أن رسالتهما ضلت الطريق وأنها لاتعني المغاربة لا من قريب ولا من بعيد.
الحدث الأول مس الفنان الساخر أحمد السنوسي "بزيز", ونورده هنا مثلما حكاه أحمد لكاتب هذه السطور بالحرف "ونحن منشغلون في التظاهر ضمن المسيرة السلمية ليوم الأحد 24 أبريل, فوجئت باحتكاك غريب من طرف أشخاص مريبي الهيئة, سمعت بعض السباب والشتائم لكنني لم ألتفت إطلاقا وواصلت التظاهر لعلمي أن هناك العديدين ممن يرغبون في الصيد في الماء العكر هذه الأيام.
بعد مدة يسيرة من الزمن سمعت أحد هؤلاء الأشخاص يقول لي "رد غير الكريمة اللي عطاوك", التفت جهته لكي أقول له إن كل من يعرفونني يعرفون جيدا أنني لا أتوفر لا على كريمة ولا على أي رخصة أو ماشابه وأن هذه القصة قديمة وسبق لي أن فندتها مرارا وتكرارا كلما تم استلالها من الرف للرد على مطالبتي السلمية بتمكيني من حقي في ممارسة فني دون أي مضايقات".
يواصل الفنان السنوسي السرد ويقول "فوجئت بتصعيد في كلام الأشخاص الذين كانوا يتعمدون الاقتراب والابتعاد مني في المظاهرة وهدفهم كان هو استفزازي بشكل واضح ودفعي إلى اتخاذ موقف متطرف ما لكي يتم استغلاله ضدي. هذه المرة كانت الإشارات واضحة, أحدهم اقترب مني وبلهجة لاتقبل أي شك أو جدل قال لي "يلا بقيتي كتخرج فهاد المظاهراتة راك غادي تموت". سارع الشباب المحيطون بي من حركة 20 فبراير إلى ملاحقة قائل تلك الكلمات وظهرت لنا في محفظته التي كان يحملها سكين لم يستطع أن يخفيها بسبب خوفه من رد فعل المتظاهرين. غاب المهدد وسط الزحام, وانتهى الموضوع أو كاد أن ينتهي لأنني أعرف أن الرسالة كانت موجهة لي لكي أتوقف عن مساندة هذه الحركة الشبابية المباركة, لكنني أرد بالقول إنني متشبث بحقي في التظاهر سلميا رفقة أبناء شعبي الذين تضامنت مع طبقاتهم المسحوقة قبل هذا الزمن بكثير, وإن كنت أحمل المسؤولين اليوم مسؤولية أي شيء يمس حياتي الشخصية التي أصبحت أخشى عليها تماما مثلما أخشى على حياة إبنتي خيرة"
السنوسي يختم كلامه بالقول "أنا مستعد مرة أخرى لتوضيح مسألة الكريمة هاته التي نلناها ونحن ثنائي رفقة الحسين بنياز والتي تنازلت عنها منذ إثني عشر سنة ولم أتقاض منذ ذلك الحين درهما واحدا منها, كما أنني أكتري منزلا وسط الدار البيضاء أنا مستعد لإظهار وصل أداء واجب كرائه الشهري لكل من يرغب في ذلك فقط لكي تنتهي هذه الحكاية السخيفة التي يبدو واضحا من يقف وراءها ولماذا يتم استلالها كل مرة لتهديدي بها".
انتهى حادث بزيز في البيضاء, ولننتقل إلى الحادث الذي مس الزميل نبيل البردعي من القناة الثانية, أثناء تصويره لمسيرة الرباط. بعض المتظاهرين, وأنا أجزم أنهم ليسوا من روح 20 فبراير التي تحمي أرواح وممتلكات الناس والتي تتظاهر سلميا وحضاريا لإيصال مطالبها, حاصروا كاميرامان القناة الثانية, وتطاولوا عليه بالسب بل وباللمس الجسدي الذي كاد يتطور لما لا تحمد عقباه, علما أن زميلنا نبيل كان يمارس مهمته فقط, والاعتداء على الصحافيين هو همجية غير مقبولة سواء جاء الأمر من والي أمن البيضاء في 13 مارس وقد أدنا المسألة في حينها أو جاء على يد منتسبين (حقيقيين أو مزورين) لحركة 20 فبراير, وهانحن ندينها مرة أخرى وبكل القوة الممكنة.
شيء واحد نقوله للجهتين اللتان تورطتا في الفعلين الهمجيين ليوم الأحد الفارط ضد بزيز وضد نبيل: اللعب بالنار الذي يمارسه البعض, قد يوصلنا إلى أشياء لاقبل لنا بها, ونتصور أننا "حلوين كده" مثلما يقول المصريون, نخرج إلى الشارع نتظاهر دون أن يمسنا أحد, هذا بالنسبة لجهة, ونخرج إلى الشارع ولا نرفع أي شعار أحمق أو خارج عن السياق, وهذا للجهة الثانية.
رجاء ارحمونا من تقليد غباء الشرقيين, وارحمونا من يوم نراه بأعيننا إذا استمر هذا الهراء في تكرار نفسه, تصل فيه حركة 20 فبراير إلى إقرار قانونها الخاص في الشارع وهي مسألة لا حق لها فيها نهائيا, وتصل فيه الدولة إلى فرض حظر التجول علينا أو حرماننا من التظاهر وهذه أيضا لاحق لها فيها.
نعتقد أننا جميعا نعرف المآل إذا ماوصلنا إلى نقطة اللاعودة هاته, لذلك لابأس من بعض التهويل لأحداث قد تبدو بسيطة اليوم, "االلهم التهويل ولا نتسناو حتى تطيح الروح ونوليو فشي طاب وشي باقي خضر".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مثلما وقع يوم الأربعاء قبل الفارط في برنامج "مباشرة معكم" حول الأمازيغية الذي تحول إلى حلبة صراع لم يستفد منها المشاهد شيئا, لم يستطع الحاضرون لبرنامج "قضايا وآراء" الذي ناقش القضاء في المغرب يوم الثلاثاء الفارط أن يمنحوا المشاهد فرصة التقاط مايريدون قوله, إذ بادر كل منهم للدفاع عن موقفه أو موقف "جماعته" وتكررت مصطلحات لم يفقه منها المشاهد شيئا على ألسنتهم بشكل غريب, وبقي سؤال استقلالية القضاء الفعلية وإصلاحه رهين "الغوات" الذي شاهدناه, ورهين الحسابات الضيقة التي تحكمت في أكثر من كلمة وجملة خلال ذلك اللقاء. ما أصعب مهمة الحوار والإصلاح في هذا البلد فعلا

الصوت المرعب

الكل فرح على مايبدو هذه الأيام لإطلاق سراح معتقلي السلفية الجهادية. والكل يطالب بإطلاق سراح من تبقى من هؤلاء. الأمر طيب للغاية فهو يدل على روح تسامح عارمة همت المجتمع ككل, وخاصة الجسمين السياسي والصحافي منه, وجعلت الجميع يؤمن أن الإلقاء بالمنتمي لهذا التيار الديني في السجن كان تصرفا ظالما منذ البدء.
لابأس في المسألة على الإطلاق, ولكن لابأس أيضا من إنعاش الذاكرة ببعض البديهيات, خصوصا وأن "بعض المتحولين صحافيا" (على وزن المتحولين جنسيا) قد نسوا أو تناسو كل شيء وشرعوا في تهييء اللوائح السوداء و"التشيار" بها لمن ساند اعتقال السلفيين الجهاديين ولمن كتب مؤيدا لخطوات الحد من الإرهابين الفكري والمادي الذين مسا بلادنا في فترة من الفترات واللذان لازالا قادرين على المساس بها في أي لحزة مهما قال لنا "عباقرة النسيان" الجدد هؤلاء.
من يكتب أو يخطب في المنبر قائلا إن النظام الذي يحكم في المغرب نظام كافر, هو إرهابي مهما قال لنا العباقرة الجدد, وكلامه يهيء التربة الفكرية للإرهاب المادي, وليعذرنا "المتسامحون أكثر من اللازم", لكن التذكير بهذه البديهيات مسألة حياة أو موت بالنسبة لنا.
من يعتقد أن من حقه دون أن يكون ولي أمرنا أن يغير المنكر بيده باسم الدين لا يختلف في شيء عن مجرم سلا الذي أمسك سيفا في يده في الفيديو الشهير وشرع في ضرب خصمه في كل مناطق جسده وتصوير كل تلك الجريمة وبعثها على الأنترنيت, وهما معا يمارسان بالنسبة لنا إرهابا لاقبل للمواطن المغربي بقبوله على الإطلاق.
من يتصور أن الأحزاب السياسية بدعة, وأن العمل السياسي الشرعي مساهمة في حكم الطاغوت, ومن ينتظر فقط أن تقوم القومة لكي يفيض علينا من "كل جنبات الوصلة" لأننا مسلمون "ناقصو إسلام" حسب تصوره, هو إرهابي إن لم يكن عمليا ففكريا وهو الآخر يهيئ المسار والطريق لكل مايمكن تصوره من الفظاعات التي وقعت في الدول العربية والإسلامية الأخرى.
من يعتقد أن حركة 20 فبراير هي حركة اندس إليها دخلاء ملاحدة يتصورون أن بإمكانهم الإفطار في رمضان جهرا, أو يعتقدون أن المجاهرة باختلافهم الجنسي هي مسألة ممكنة في المغرب اليوم, ويدعو لتطهير الحركة من هؤلاء, لا نجد له وصفا دقيقا, ولكننا نتجرأ ونقول إنه مضى بعيدا في قوله هذا لئلا يقول مرة أخرى مثلما قال في خرجاته الإعلامية كلها إننا ظلمنا وتحاملنا عليه, وإن كنت أتفق معه في مسألة واحدة هي أن المعلومات الخاصة بموارده المالية التي نشرت في وقت سابق كانت معلومات غير صالحة لشيء, خصوصا وأن المعركة معه هي معركة فكر لاينبغي أن تدخل إليها التسريبات المخابراتية الكاذبة, ولا ينبغي أن تتسلل إليها الدعوة إلى اعتقاله.
لنكن واضحين فيما نقوله. من حق السلفيين الجهاديين التمتع بالحرية طالما أنهم لم يهددوا أمن مواطن مغربي واحد. في حالة العكس هم يخرجون من طائفة الفكر السياسي إلى طائفة الإجرام ويسري عليهم قانون الحق العام أي القانون الذي يحاسب بموجبه المجرمون لا أقل ولا أكثر. حينها ليس لهم من مكان إلا السجن, وهذا في كل الأوطان وليس في وطننا فقط. وحينما نقول السجن, نقصد به البنايات المعترف بها والمتاحة الدخول أمام الجميع لا البنايات السرية التي تتسلل منها الأخبار المرعبة عن إجلاس الناس على القوارير, وعن أشكال أخرى من التعذيب كنا نعتقد أنها لم تعد تنتمي لعصر الناس هذا.
لماذا كل هذا التذكير بأشياء هي في حكم البديهيات للجميع؟ لأننا لاحظنا وسط حماس الفرحة بإطلاق السراح أن كثيرا من مفردات التطرف والتكفير قد بدأت تتسرب من جديد إلى الواجهة, وهذه يجب أن يقاومها الشعب ويحاربها تماما مثلما يريد أن يحارب الفساد. ولاتصدقوا من يفصل لكم بين المعركتين, فهو يلعب فقط على وتر الجهة الغالبة لاستمالتها, ولا قلب له على الوطن.
الحق الذي لامراء فيه اليوم هو أن معركة من نوع آخر ستبدأ الآن بالتحديد, فيها الكثير من التغليط, وغير قليل من الكذب والشيء اليسير من الصدق والصراحة. لذا وجب الانتباه, ووجب التساؤل عن أسرار بعض الصفقات اليوم بين جهات عديدة, ضمنها أطراف داخل الدولة, وضمنها جماعات دينية تلقت ضمانات دولية أن ثمة شيئا قادما للمغرب ستكون طرفا فيه, وضمنها مستفيدون مزمنون من كل أزمات البلاد يستعدون مجددا للاستفادة من نقلتها الجديدة هاته.
لانخون أحدا, ولا نتهم أحدا بشيء إلى أن تثبت كل الأشياء, لكن خوفنا على بلدنا أمر مشروع للغاية, ولن يمنعنا عنه ولا منه أناس يفكرون في مصالحهم الشخصية فقط, ولايكترثون بما يمكن أن يصيب البلد غدا أو بعد. وهذا بيان للناس لا يريد إلا قليل الإيضاح والتذكير, ومن يعش ير, و"صافي".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
خديجة الرويسي امرأة شجاعة تمتلك خصلة إلقاء الحجرة المناسبة باستمرار في البرك الراكدة وماأكثرها في البلد, لذلك كان عاديا أن يسبها نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح الذي دعا في وقت سابق إلى احتلال منصات مهرجان "موازين" فهي تمثل النقيض بالنسبة له ولحركته, ولذلك أيضا كان عاديا أن يتضايق من بيان بيت حكمتها الأخير العديدون وهي تتحدث عن ضرورة مواجهة من أفتى بجريمة جواز زواج إبنة السنوات التسع, أو من دعا إلى تطهير حركة 20 فبراير من آكلي رمضان ومن الملاحدة.
عادي جدا أن تتحالف الرداءة ضدك خديجة, فأنت نموذج للمغرب الذي يريدون هدمه بأي ثمن من الأثمنة اليوم

الخميس، 21 أبريل 2011

دمشق في القلب

لهذا الشعب مع من يحكمونه قصة تدعى قبل وبعد كل الأشياء حماة. دك حافظ بمعية أخيه رفعت ذات ثمانينيات على رؤوس أبناء شعبه المدينة كلها, قتل منهم الكثيرين ثم قال في الختام “لقد كانوا إخوانيين”. احتفظت الجميلة الشامية للسلالة بالثأر منذ ذلك الزمن, وقالت “لن نقبل العزاء في من رحلوا إلا بعد أن نثور على قاتليهم”. بين حماة وبين الثأر مرت مئات الجثث على مذبح نظام الحزب الواحد الأحد , وتكونت أنهار من دماء, ويوما بعد يوم أصبح للشعب أكثر من ثأر مع من سرقوا تاريخه إلى أن كان التوريث, وكان لسورية الوضع المضحك أن تركها رئيس لإبنه خلفه بعد الرحيل.
خرج السوريون أول مرة يصيحون “حرية, حرية, سلمية, سلمية”. اكتشف العالم مدينة تسمى درعا. قلنا نحن المغاربة إن المدن التي تتشابه في الإسم تتشابه في الجرح وفي بقية التفاصيل. تذكرنا مع درعا السورية درعة المغربية القابعة هناك على تخوم التهميش والنسيان وكل الآفات, وتذكرنا أن للسوريين قنيطرتهم التي تشبه القنيطرة المغربية, وتذكرنا أن جنودا لنا سيقوا ذات يوم إلى هناك لكي يقاتلوا العدو الإسرائيلي _ من يذكر شيئا إسمه العدو الإسرائيلي هذه الأيام _ دون أن يطلبوا ذلك, لكنهم وفي غمرة الالتحام بشعب سورية عاشوا اليومي الحميمي هناك, فتصادقوا مع سوريين كثيرين, وأجبوا سوريات كثيرات, والتقطوا في الجولان بعضا من ملامح الربيع العربي القادم إلى بلاد العربان بخطى السلحفاة منذ ذلك الزمان.
خرج شعب حمص ودرعا واللاذقية, بلد العيون الخضراء التي لم تعد ترف إلا للوطن, وخرج أهل حلب وناس دمشق, وترنموا مع المنشد السوري الشهير “أبو راتب” رائعته التي أرفض أن أقول عنها أغنية دينية أو أن أنسبها للإسلاميين فقط, ببساطة لأنها من الأغاني الوطنية حقا التي تدمي الفؤاد حين الإنصات إليها “دمشق في القلب, قلبي في هوى حلب, دمي حماة ونوح الجسر أغنيتي”. سمعناها في الجامعة المغربية ذات يوم فأبكتنا لكأنها كانت تغني عن وطن لنا لا نعرفه ولم يسبق أن التقينا به يوما إلا في الوجدان البعيد, وحين نستعيد كلماتها اليوم نجدها تقول مايجري في الميدان بالتحديد دليلا على أن للشعب الذاكرة التي لاتنسى, وأن الأشياء وإن ضاعت في زحمة الطريق التافهة, تأتي في يوم الجد لكي تستعيد كل ماصنع لها الألق الأول اللازم, الجدي, الباقي إلى الختام.
“سورية اليوم بركان ..سيول دم ..شام الرسول منار نار ملحمتي”, يغني أبو راتب, ويصدح بالصوت الرخيم الذي منحه الله إياه, قبل أن يصيح الغربة والبعد عن أرض الوطن “روحي فداؤك طال البعد يا وطني كفى ضراما بنفسي المعذبة 
 مالي اصطبار فراق الشام ألهبني ..أفديك أفديك هذا بعض أمنيتي”
يوم انتفضت مصر قلنا إنها استفاقة العالم العربي كله, ونسينا أنها استفاقة سورية قبل الجميع. أليست البلد الذي عانق يوما عبد الناصر في الوحدة التي لم تكتمل؟ أليست الشام التي قبل شعبها الانصهار مع دولة أخرى فقط لكي يكون للعرب يوما صوت أقوى من بحتهم التي يحتقرها العالم كله؟
بلى هي كل ذلك وأكثر, ويوم قرر حافظ الأسد الذي حكمها بالدم والدمار أن يتركها لطبيب العيون إبنه بشار, قال الكل “حرام”, وصاحت الصبية الشامية حزنها المكتوم, وبكت اغتصابها في واضحة النهار أمام الجميع, ثم أخفت الدموع, وقالت “سيأتي يوم آخر, سيأتي يوم بكل تأكيد”.
الآن في شوارع سورية, لا يصيحونها سلمية نهائيا, لايريدون منه الحرية, هم يقولونها له مباشرة ودون مواربة “زنكة, زنكة, دار ودار, راح نجيلك يابشار”. فقد مثل عليهم دور من لم يسمع جيدا نداءات الرغبة في التحرر من العبودية, وأطلق عليهم الرصاص الحي, قتل منهم مائتين حتى الآن فقط لأنهم أرادوا أن يعيشوا آدميين في بلادهم. تذكر ما فعله من سبقوه في حماة وأهلها, فأراد السير على نفس المنوال, لكن الظروف تغيرت تماما, وجيل اليوم يمتلك عينا جريئة للغاية, تخرج إلى الشارع مسلحة بقبضتها العارية وبانتكاسات جيل الآباء والأجداد لكي تأمر فيطيع الحاكمون. “الشعب يريد”. لم يعد الرجاء يرفع إلى الحاكم ممهورا بعبارات النفاق التي علمونا إياها منذ أتينا إلى الحياة.
أصبح الكلام أكثر جرأة, أكثر صدقا, أكثر حرية. واليوم وسورية تعيش انتقالها الحق من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل, يحق لشعبها علينا أن نتضامن معه, أن نتذكر الدم المشترك بيننا وبينه, وأن نشرئب بالأعناق تجاه الصبية الشامية نطمئن على عينيها الجميلتين من طبيب العيون السفاح أن يحاول حرمانهما من نعمة البصر نهائيا لئلا تحلم يوما بحرية هو لا يؤمن بحقها في الوصول إليها.
“باب الحارة” اليوم انفتح. ليس في قناة تلفزيونية خلال شهر الصيام, ولكن في أرض يخضبها أهلها بالدم من أجل الخلاص. حَقَ علينا أن نتابعهم اليوم بكل الإيمان الممكن تماما مثلما كنا نجلس أمام الشاشة خلال شهر رمضان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مرعبة هي العبارات التي بدأت ترد على لسان بعض السلفيين في اتجاه حركة 20 فبراير بين الفيزازي الذي يدعو لتخليص الحركة من الدخلاء والملاحدة, وبين المنشور الذي دعا الشباب للتظاهر ضد بيع الخمور.
شيء ما يدبر بليل لهذه الحركة الشبابية عليها أن تنتبه إليه وأن تصفي صفوفها ممن يرغبون في أمور أخرى غير الحرية للشعب المغربي.
على الأقل يجب حرمانهم من الاختباء في صفوف الحركة ووراءها.

الأحد، 3 أبريل 2011

مدن الملح

أعادني شريط فيديو شاهدته على الأنترنيت لمعطلين من الراشيدية وهم يحاصرون وزير العدل محمد الطيب الناصري أثناء زيارته "للبلاد", بالشعارات والهتافات ضد سياسة الحكومة وسياسة مسؤوليهم المحليين إلى تلك المنطقة, مثلما أعادني إليها تصريح قاله عدي بوعرفة من الحزب الاشتراكي الموحد يوم الخميس في برنامج القناة الأولى "أضواء", وهو يتحدث عن التقطيع الجهوي الجديد, ويتحدث عن الجهة التي تضم تافيلالت وزاكورة وبقية المنطقة الجنوبية (صحراوة ديال الحجر مثلما يسمون مقابل صحراوة ديال الرملة في الجهة الأخرى), ويقول "باستثناء الكرامة والخصال الإنسانية العريقة لا يوجد هناك إلا الشيح والريح".
أبناء الراشيدية الذين حاصروا وزير العدل, دون أن يكون لهم أي موقف شخصي منه, إلا أنه يمثل الحكومة التي لاتزورهم هناك إلا لماما, رددوا نفس الكلام الذي قاله عضو الحزب الاشتراكي, وهم يصيحون "الراشيدية منسية لا تشغيل لا تنمية". والمصيبة _ مثلما يقول آباؤهم اليوم _ هي أن هذه المدينة والمنطقة برمتها هي مهد انطلاق هذه الدولة التي نحيا عهدها, مايعني بالمنطق البراغماتي البسيط والأولي للأشياء أن تلك المناطق كان مفترضا أن تعيش بحبوحة العيش, وأن يحظى أبناؤها بالامتيازات في كل شيء, رغم أن الأمر مخالف للقانون, إلا أننا نعرف "خروب بلادنا" جيدا ونعرف كيف تسير المسائل في هذا البلد, غير أن الواقع هناك شيء آخر مخالف تماما.
نسيان تام لأبناء تلك الأرض, دفن بالحياة لكفاءاتها, دفع لهم للهجرة نحو المناطق المسماة "مدنية أكثر" من أجل الحصول على فرص تألق أفضل في كل ميادين العيش, أو استسلام للواقع الذي لايرتفع وبقاء بين الأهل, واختصار للمسار كله في وظيفة يتم تدبرها "بستة وستين كشيفة", أو باشتغال يدوي لدى أحد الأقارب, رغم الديبلومات الجامعية, ورغم الشهادات ورغم كل شيء.
هل الراشيدية وحدها تعيش هذا الوضع في المغرب اليوم؟ بالقطع لا. هناك شريط "حدودي" حقيقي يحيط بالبلد, يستثني عنه الدار البيضاء المركز, والرباط العاصمة, ومراكش "الفرنسية", وطنجة الصناعية المرحبة باليد العاملة الرخيصة, وأكادير التي تبيع نفسها ليل نهار لمن يدفع أكثر, ويجعل من البقية مدنا تعيش عزلتها الخاصة بها رغم كل الخطابات التي لا تكف عن طمأنتنا بأشياء لا نرى لها تحققا على أرض الواقع.
يجب أولا أن نقول إن وجود المدن المذكورة أعلاه ضمن لائحة "المغرب النافع" لايعني أن أبناءها يعيشون الرفاهية المطلقة. أغلبيتهم لا تجد ما تمضي به اليوم هم أيضا. قلة قليلة منهم تشتغل وتحاول رتق الشهر بالديون والمساعدات والأجرة الشهرية الهزيلة, و"جماعة" لا ترى بالعين المجردة تحصد الخيرات المتبقية الناتجة عن تمركز الكثير من الراغبين في الشغل في هذه المدن. لذلك تعد هذه المدن بمثابة "الثلث الناجي" نظريا فقط, أما مايعيشه أبناؤها فيشبه إلى حد بعيد ما يعيشه الآخرون في المدن التي لم يرد ذكرها.
ثم هناك البقية. مناطق على شساعة واختلاف البراح الجغرافي المسمى مغربنا تعيش ضنك الحياة وشظفها, تقاسي يوميا لكي لا تعلن الإفلاس النهائي, وترسل الأبناء باستمرار إلى المدن الناجية لكي يأتوا من هناك بالقليل مما يساعد على العيش, لكي يجربوا حظهم, ويروا إن كان النحس الذي يعتقد الآباء أنه لازمهم, هو رهين بالبقاء في المدينة ذاتها أم أنه تميمة معلقة في العنق تتبعك حيثما رحلت وارتحلت.
لذلك وأينما وضعت رجلك في مدينة أو قرية مغربية ستسمع شعارا يردده كل أبناء تلك المدينة أو القرية هو شعار "هاد القنت ماكيعطي غير للبراني". وهو في الحقيقة شعار يعبر عن حالة التيه التي تصيب أبناء المناطق حين يقارنون بين خيرات مناطقهم وبين وضعياتهم فيها, وحين يرون بعض الناجحين (وفيهم أناس نجحوا اعتمادا على قدراتهم وهؤلاء يستحقون التنويه, لكن فيهم من نجح اعتمادا على "السيستيم" الفاسد) ويتساءلون "كيفاش دارو ليها؟"
المغرب اليوم وهو يقطع جهويا مفاصله, عليه أن يضع في اعتباره هذا الشعار, وأن يضع نصب عينيه إعادة أبناء المناطق للإيمان بالأماكن التي ولدوا فيها, وأن يكون توزيع الثروات عادلا بين الجميع, لا بين القلة التي تحكم الجميع. علينا اليوم أن ننتهي من النكتة البايخة التي تقول إن "حوت الداخلة وأعالي البحار وفوسفاط خريبكة وبقية المناطق المنجمية كياكلوه رباعة ديال الناس فكازا والرباط, والبقية كتحنزز فيهم".
غير ذللك , راه غير التخربيق والمزيد من الإقصاء لمغاربة ومغربيات كثيرين لن يصبروا بالتأكيد مزيدا من الوقت على هذا الإقصاء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
هذا أول عدد بين أيديكم بالحلة الجديدة للأحداث المغربية, وهي حلة ليست نهائية, لأنها تظل قابلة للتطوير هي وأبواب الجريدة التي تكتشفونها هذا العدد وبقية أعداد الأسبوع. تطوير نعتمد عليكم بشكل شبه كلي لكي تسهموا معنا فيه بملاحظاتكم, وانتقاداتكم, حتى أكثرها لذاعة لأننا نعرف أن "من يحب جيدا, يعاقب جيدا" مثلما يقول الفرنسيون, وأملنا الوحيد هو أن يصل كل الجهد الذي صنعنا به هذا الشكل والمضمون الجديدين إلى أكبر قدر ممكن من القراء في مغرب يستحق بالفعل صحافة من نوع آخر.

خارجين ماخارجينش؟

هل يخرج المغرب غدا الأحد للتظاهر مجددا؟ السؤال مطروح في البلد اليوم والعديدون يفضلون عدم الإجابة عليه, وترك الشارع يفعل مايشاء. لذلك يحسن فعلا طرح السؤال بصوت مرتفع, والبحث له عن إجابات قد تفي بالغرض.
البعض يقول اليوم إن الخروج إلى الشارع أصبح غير ذا معنى. الملك تقدم بخطاب جريء جدا إلى الشعب, والخطوات الإصلاحية سائرة في طريقها, وبالتالي لا حاجة للنزول كل أحد للضغط لأن الأمر سيشبه في نهاية المطاف لعبا صبيانيا لا حاجة لنا به, كما أن اللعبة كلها في الختام تخدم مصالح متطرفين لايريدون الإصلاح ولكن يريدون أشياء أخرى لا يستطيعون التعبير عنها حاليا بالشكل المعلن الكامل.
رأي يحترم ولو أنه مهلهل في الحقيقة ولا يستند إلى أي أساس. النزول إلى الشارع اليوم أصبح أكثر حاجة من ذي قبل, فبعد الخطاب الملكي الذي حدد أنه لاسقف لكل الإصلاحات التي ستأتي بها لجنة مراجعة الدستور اكتشفنا أن الفرامل توضع من طرف أناس آخرين كان يفترض فيهم أن يقودوا التغيير لا أن يشرعوا من الآن في وضع العراقيل المختلفة أمامه.
هناك اليوم من يريد أن يضع سلطة العلماء فوق كل السلط في المغرب. هناك من يقول لا مساس بالملكية ولو على جثثنا, ولا حاجة لأي تغيير نحو ملكية برلمانية. هناك من يصرخ بأعلى صوته "الملك يجب أن يسود ويحكم, ومن يريدون سلبه كل اختصاصاته يسعون لأشياء أخرى", وهناك من يجلس في الظل ويقول علينا أن ندستر هيئة للعلماء نجعلها قادرة على تناول الكلمة الفصل في كل قضايا المغاربة في الختام.
أقوال كثيرة من حق كل مقتنع بها أن يطرحها في الساحة اليوم, لكنها كلها تجبرنا على ملاحزة أمر هام للغاية: العراقيل هذه المرة لن تأتي من الدولة ولكنها ستأتي من الجهات المحافظة كلها التي تريد الإبقاء على مصالحها بأي ثمن كان. في النهاية سنجد أنفسنا أمام مسلسل "مدونة الأسرة وإصلاحها" الذي انتهى تلك النهاية السخيفة, بإفراغ المشروع الثوري الأول من كل مضامينه, والتحول من خلال التوافق إلى الخلف, وترك كل المضامين التي حملتها المدونة أول الأمر على الرف.
الخشية اليوم مع "فالس" الأحزاب المغربية, ومع الأصوات المحافظة التي خافت على مصيرها والتي لم تعد تتردد في التعبير عن معارضتها لكثير من أشكال التغيير المرتقبة, هي أن يكون دستورنا الجديد مجرد فأر يتمخض عنه جبل كل هذا الكلام الذي نسمعه الآن. لذلك نحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى لسماع ذلك الصوت الأول الذي دفع نحو كل هذا الضجيجو صوت الشارع.
يجب أن يبقى الصغار والكبار محافزين على طقس النزول الأسبوعي لكي يفهم كل من يهمهم الأمر أن صوت الشباب الذي ارتفع أولا مطالبا بالحرية والإصلاح لازال حاضرا ولا زال قادرا متى بدا له أن هناك رغبة في التمييع أو خلط الأوراق أو ربح الوقت, أو التوجه نحو النقيض مما طالب به الشارع المغربي, أن يصرخ بصوت أعلى من الصوت الأول, وأن يوضح لمن شاء ذلك أن هناك خيارات أخرى أمام الشارع, تماما مثلما توجد نفس الخيارات أمام الساسة.
لماذا نقولها هكذا وبكل صراحة؟ لأننا نسمع وسط الشارع صوت الشباب الخائف من إعادة المقلب السخيف الذي شربته أجيال من المغاربة على أيدي هؤلاء الساسة منذ الاستقلال وحتى الآن. "الدراري" يرفضون أن يجعلوها تمر عليهم مرة أخرى, وهم مستعدون لكل الأشكال النضالية المتاحة لكي يفهموا ساسة المغرب أن المسألة جيدة هذه المرة ولا تقبل أي لعب على عامل الزمن, ولا تتحمل أي توافق من التوافقات الزائفة التي قتلت الفعل السياسي المحلي وأفرغته من أي جدية, وجعلته بالنسبة للناس مجرد مرادف للانتهازية وتحقيق المطالب الشخصية والعائلية لمجموعة من الذين يعتبرون أنفسهم أذكى من بقية الخلق.
سيقول القائل إن العدل والإحسان تنزل مع النازلين إلى الشارع, وأنها تحشد قوتها داخل الوقفات والمسيرات, وتستعيد كل ماضاع منها في السنوات الأخرى. سيكون الرد واضحا على من يقول هذا الكلام: مادام العدليون ينزلون إلى الشارع ضمن مظاهرات فبراير بصفتهم مواطنين مغاربة يريدون الإصلاحو فلايمكن لأي منا أن يمنعهم, أو يقول لهم لا. من سيقوم بهذا الأمر سيكون أبعد خلق الله عن الديمقراطية, وماعلى الفرقاء السياسيين الآخرين إلا أن ينافسوا العدل والإحسان في استقطاب الناس عوض الاكتفاء بسبها "النهار وماطال", لأن السب والشتم لن يفلحا أبدا في حل أي إشكال.
معركة المغرب الكبرى اليوم هي ضد الفساد من أجل الحرية. ولا ينبغي على أي كان أن يتخيل أن الحرية تصلح لفئة دون بقية الفئات. الحرية تصلح لكل الآدميين وفعل المواطنة _ في انتظار ظهور دليل يثبت العكس _ هو من حق كل من يحملون الجنسية المغربية, بملامحها المختلطة الشهيرة, بلكناتها المختلفة, بلغاتها المحلية الموغلة في الانتماء إلى الأرض, بتصوراتها المتباينة للدين والحياة, وبكل ما صنع الإنسان في هذا البراح الجغرافي الذي يمتح عبقريته من كل هذا الاختلاف.
على الأقل هذا ما أفهمه اليوم من فبراير وماتلاها. البقية مجرد تفاصيل لاتعنيني كثيرا, قد يأتي أوان الوقوف عندها بعد هذاالزمن بكثير أو بقليل.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
نلتقي الإثنين في حلة جديدة, وإخراج جديد لجريدتكم "الأحداث المغربية". كتابة صحفية بأسلوب مغاير, أبواب جديدة ومبتكرة, عودة لبعض الأبواب التي صنعت مجد الجريدة وإقبال القراء عليها, وشعار اخترناه لكي يكون بوابتنا نحو الشكل الجديد: المغرب يتغير...الأحداث المغربية أيضا".
نرى أنه من العيب أن نظل على الحال ذاته وبلد بأكمله يدخل من الباب الكبير للتغيير, ونتمنى أن يكون كل ماهيأناه لكم على امتداد شهور قادرا على نيل رضاكم وإعجابكم خصوصا وأننا لازلنا على اعتقادنا أن القارئ المغربي يستحق بالفعل ماهو أفضل من الموجود حاليا في السوق. نلتقي الإثنين, وبعدها مرحبا بكل ملاحظاتكم على الشكل الجديد

السبت، 19 مارس 2011

20 مارس

شهر كامل مضى على موعد 20 فبراير تساءلنا قبله إلى أين يسير المغرب؟ يتذكر الكثيرون أننا عكس من ركبوا على التيار فيما بعد , قلنا إن لشباب 20 فبراير قبل الوقفة الشهيرة إياها الفضل كل الفضل في تحريك كل الأشياء الراكدة. اليوم, وبعد أن وقع ماوقع, وبعد أن استمعنا إلى عبد الحميد أمين يقول في التلفزيون المغربي, وعند جامع كلحسن شخصيا أي عند سميرة سيطايل أي عند فؤاد والبقية إن "الخطاب الملكي كان ناقصا"’ دون أن ينقطع البث, دون أن ينطفئ التيار الكهربائي, دون أن يحمل أمين من بلاتو دوزيم إلى مكان ما لانعرفه يستحق الشباب مجددا التحية, ويستحق موعدهم المقبل الأحد 20 مارس أن نكون جميعا من الحاضرين فيه.
منذ يومين استضاف والي أمن البيضاء الموزوني الصحافيين الذين اعتدى عليهم رجال الأمن في وقفة الأحد الفارط, وقدم لهم اعتذارا واضحا في كأس شاي دعاهم إليه. لولا 20 فبراير لكان ممكنا للموزوني أن يقول للصحافيين "اللي كلاو العصا": "تكبرو وتنساوها", ولأخرج لهم اللسان ضاحكا وربما اشتكاهم إلى القضاء وتقدم ضدهم بعض رجال الأمن بشكاوى بدعوى أنهم عرضوا أجسادهم للعصي دون ترخيص بذلك.
لذلك أعتقد أن لشباب العشرين دينا في أعناق الكثيرين عليهم بموجبه أن يتقدموا باعتذار واضح, وسيكون أفضل لو كان الاعتذار هو المشي يوم 20 مارس مع الشعب المغربي نحو مستقبله, فلاخيار لنا اليوم إلا التأكيد على أننا متشبثون بمطالبنا, بحريتنا, بمستقبلنا المشترك الذي يبدو أنه ممكن فعلا, والذي يبدو أكثر إشراقا مما عشناه لحد الآن.
نقول المشي غدا على سبيل المجاز لأنه سيكون محزنا فعلا أن يسير معنا البعض ممن نعرف اليوم أنهم يريدون فقط تصيد أماكن في مغرب الغد. هناك بعض الأذكياء ممن يشتمون رائحتها "وهي طايرة", وهم التقطوا قبل هذا الزمن بكثير أن الريح دارت دورتها لذلك أصبحوا يرددون كلاما لاعلاقة لهم به إطلاقا. وبالقدر الذي أفهم فيه أن يتحدث شاب من حي شعبي فقير عن ثورة العشرين من فبراير باعتبارها خلاصا له من كثير من الأشياء, وبالقدر الذي أقبل من شباب متعلم ثري يعرف أن بلده تعرض للتفقير والتجهيل وكل أنواع الجرائم, بالقدر الذي يستعصي فيه علي نهائيا أن أفهم السبب الذي يجعل بعض "الدوماليين الفاسدين" ممن صنعوا ثرواتهم في السنوات الأخيرة من الانخراط في "نظام صنع الغنى السائد حاليا", ينضمون اليوم للتيار السائد.
هؤلاء لا أجد لهم أي وصف حقيقة اللهم النفاق, والرغبة في الاستيلاء على الزبدة ومال الزبدة, فهم كانوا من المستفيدين باستمرار من اقترابهم من مراكز القرار, وهم اليوم لايجدون أي غضاضة في التعبير عن تذمرهم من المصادر ذاتها, وعن تعرضهم حسبما يدعونه لمضايقات شتى لم يكن ممكنا أن يذكرونها في وقت سابق لكن أتى اليوم أوان التصريح بها بكل اطمئنان. هؤلاء لهم وصف واحد هو النفاق, وليعذرونا فعلا لكننا نجد أنه من الصعب بالفعل ابتلاع كذباتهم الكثيرة هاته بخصوص هذا الاصطهاد المزعوم.
الاضطهاد "يهضرو عليه ولاد حريبكة ولا جرادة واليوسفية", أو من الممكن أن تتحدث عنه قبائل أيت باعمران التي تعرضت في سيدي إيفني للانتقام الدائم. الاضطهاد سيكون ملائما للصفريويين الذين كلما تحدثوا أشبعتهم الهراوة تأديبا وتقريعا, وقد يكون مسموحا لسكان الصحراء أن يعبروا عنه بوضوح هم الذين يجدون أنفسهم ملزمين بالاختيار بين وجهتين: الانبطاح أو تهمة الانفصال الجاهزة. الاضطهاد مقبول سماع تفاصيله من مجاز تخرج في التسعينيات ولازال يجد كل صعوبات الكون في أن يطلب من أبيه المسن ثمن الذهاب إلى الحمام أو المقهى, أما أن يتحدث عن الاضطهاد الاقتصادي أناس كنا نراهم باستمرار في المقدمة يقطفون كل شيء, ويتحدثون عن الجو الآمن المطمئن الذي يشتغلون فيه, وفجأة _ سبحان الله العظيم _ اكتشفوا أنهم كانوا مضطهدين واكتشف كل واحد منهم أن جينة من جينات تشي غيفارا تجري في دمائه منذ القديم دون أن يعرفها ودون أن يشك في وجودها أي كان, ففي المسألة سخرية من شعب بأكمله.
ومع ذلك دعنا نكن عاقلين بعض الشيء ولا نقلد عبد الحميد أمين الذي أرعب الناس وهو يتحدث عن لوائح بأسماء الجلادين الإعلاميين توجد لديه هي ولوائح أخرى توعد بها الناس بعد نجاح الثورة يوم الأربعاء الفارط في دوزيم. لا أحد يريد الانتقام من أحد في المغرب, ولا أحد يستكثر على أحد أن يقول ما يريد اليوم, شرط أن يقال هذا الشيء باحترام للناس ولذكاء الناس.
ولكم أعجبني _ بل قل أطربني _ ادريس اليزمي الذي تحدث في الحلقة إياها عن الحظ الذي نمتلكه نحن في المغرب لقدرتنا على النقاش, وهي القدرة التي يموت من أجلها الكثيرون اليوم, على حد تعبير اليزمي. وهذه القدرة على النقاش هي مانريد أن نزرعه بين الناس بأكبر كمية ممكنة وإلى ختام كل الأشياء. نريد أن نسمع صوت الجميع, نريد أن نفهم أن المغرب القادم يتقبل الجميع, نريد أن يتسع البراح المسمى مغربنا للكل, لكي نثبت لمن كانوا يستكثرون علينا الكلام أنهم كانوا مخطئين.
علينا اليوم أن نثبت لمن أقفلوا علينا الأبواب منذ الاستقلال أنهم "حكرونا" يوم اعتقدوا أننا شعب من القاصرين لايستحق إلا الإقامة الإجبارية. بفضل روح العشرين من فبراير, اليوم عليهم أن يفهموا كم الإساءة التي ارتكبوها في حق البلد يوم اعتقدوا هذا الاعتقاد الغاشم, شرط أن لايأتي مكانهم أناس راغبون فقط في تقليدهم لكن بأسلوب جديد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أمنيتنا التي لن نكف عن ترديدها هي أن تتوقف الماكينة الأمنية المحافظة عند هذا اليوم وأن تحتفظ لنفسها بمفاجآتها من العيار الثقيل التي لايقبلها المغاربة, ولا يريدون بها أي دليل إضافي على أن جهة ما تريد اللعب ببلدهم والمقامرة به.
أمنيتنا أن تمر 20 مارس في ظروف حضارية وأن يتجنب الشباب كل الأسباب التي قد تؤدي إلى استفزازهم, وأن يعبر الأمنيون عن تحضرهم وفهمهم للحظة التاريخية التي يمر منها المغرب.
لن يقبل أي واحد منا أي تطور استفزازي قد يتحول إلى مالاتحمد عقباه, وليعلم من قد يفكر في الدفع نحو هذا الاتجاه أن المغرب لن يسامحه أبدا طال الأجل أم قصر.

الجمعة، 18 مارس 2011

فوسفاطيون ولكن

في خريبكة يقطنون. لهم من سمة الانتماء الأسنان التي يضعون فوقها اصفرار الحياة, ولهم من المسوغات للذهاب إلى الطبيب كل مرة العلامات الدالة على أن التلوث يسكن منهم كل مسام الذوات, ولهم في الختام الوهم الذي يحملونه باستمرار كلما عبروا مدينة ما أنهم هم من يحملون للمغرب خيره الكبير: الفوسفاط. مشهدهم شبيه بمن يعيش في مدينة بترولية دون أن يكون له من علامات البترول إلا السواد العالق في الأيادي. ماعدا ذلك لا شيء.
يمضون اليوم بطوله في الأحياء الفقيرة, يبحثون عن بوشعيب الذي ذهب منذ عشرين سنة إلى إيطاليا وعاد منها بمال كثير. يتحدثون عن المصطفى الذي باغ الغبرة في ميلانو, وعن محمد الذي عاد ميتا في "باطيرات الرعب المخجلة والقاتلة". تتراءى أمام أعينهم قصة فتيحة الفتاة التي كانت فتاة ذات يوم وكانت جميلة ذات زمن, والتي لم تجد ماتبيعه يوم خرجت من خريبكة غير الجسد البض الذي كان يحرك خيال الشبان. هي اليوم في مكان ما بين فرنسا وإيطاليا تترأس فريقا من شبيهاتها ممن لم يجدن شيئا يبعنه غير لحمهن الرخيص,تعود صيفا على متن سيارتها ذات الدفع الرباعي, تقيم الأعراس لمن تعرفه ولمن لاتعرفه, تمثل دور الفرحة المبتهجة بما خبأته لها الحياة, ثم تختفي ذات يوم بحثا عن مزيد من المال, مزيد من بيع الذات.
عندما تتحدث إليهم عن الفوسفاط يسخرون منك. يقولون لك إن الخير الذي يحمل للمغرب مئات الملايين من الدراهم سنويا لم يحمل لهم إلا الانتظار. في سنوات أخرى قيل لهم "من حقكم أن تجلسوا في منازلكم, وسيأتيكم ريعه". بقوا لسنوات جالسين في المنازل دون أن يأتي ريع أي شيء. بعد ذلك قيل لهم "سنوظف الأبناء منكم مكان الآباء, نحن نعرف أنكم عانيتم كثيرا واليوم لكم الحق في أن تأكلوا قليلا من خيرات المنطقة التي توجدون فيها". بقوا ينتظرون هذا التوظيف الكاذب إلى اليوم. في يوم آخر قالوا لهم بصراحة جارحة "أنتم غير مؤهلين للاشتغال في أي مكان من الأمكنة, أنتم تصلحون للحريك فقط, لذلك رجاء تدبروا أمر 15000 درهم, واغربوا عن ناظرينا, ويوم يصبح ممكنا لكم أن تعودوا بكثير من المال إلى أرض الوطن ستجدوننا في انتظاركم نغني لكم بداية موسم العبور مرحبا بكم في بلادكم".
طبقوا النصيحة بالحرف. اختاروا بيع الأثاث البسيط الذي بقي عن الآباء والأمهات, ودفنوا في مكان ما يصعب الوصول إليه شهادات الدراسة التي ارتكبوها ذات يوم ورحلوا.
البقية الباقية التي ظلت في البلد كان أمرها أكثر استعصاء. في الصباح يكون لديك الخيار بين أن تشحذ أسنانك بعود بري التقطته من الأرض, أو أن تبقى نائما حتى الثالثة زوالا. في المساء لديك الخيار الكامل بين أن تسكن في الخمارة التي توجد قرب منزلك, أو أن تتبع دخان "الجوانات" إلى حيث قد يحملك. الفتيات لهن مصير آخر, هن يحملن ماتبقى من زينتهن ويخرجن: الواحدة صوب المحليين الباقين, والأخرى صوب مهاجر ضل طريقه في غير موسم الأعراس إلى البلد, والباقيات الصاالحات يقطنن في المنزل لايخرجن منه إلا إلى المصانع البئيسة التي لم يعد لها وجود, أو إلى الوجهة الأخرى التي تخفي الناظر تماما عن الأغراب والأقربين.
لذلك حين انتفضوا كان السؤال الأول الذي طرحه العديدون هو : لماذا تأخرتهم في الاستفاقة؟ كنا ننتظر أن تهب خريبكة واليوسفية وجرادة قبل الآخرين. هي مدن الموت التي حكم عليها بالفناء, وحكم على أبنائها أن يكونوا نجوما "بالزز عليهم" في القنوات الإيطالية: أن تظهر جثثهم باستمرار على الشاشة لكي يفوز بيرلوسكوني بالانتخابات, أو أن يلقى عليهم القبض ويدانوا ثم يساقوا إلى البد الذي كان بخيلا عليهم منذ لحظة الميلاد, والذي اختار لهم المسار الحزين الذي ينتهي على ضفاف المدن الإيطالية الباذخة لكن في الهوامش دوما أو بين صفوف المافيات.
الفوسفاط بالنسبة لهم نكتة سخيفة لم يعد الجيل الجديد قادرا على حكيها لمن يتلوه. أصبحت بطعم كريه للغاية وبرائحة تشبه رائحة الموت المنتشر في كل مكان, ويوم الثلاثاء كانوا يجربون فقط وهم يواجهون قوات الأمن بالعصي والحجارة وقنابل المولوتوف معنى أن تصرخ الموت ببطء يوميا لكي ينتفع الأسياد من خيرات الأرض التي ولدت فيها. أعترف أنني بحثت بعيني وبأذني وبكل الحواس الأخرى وبأصدقائي الكثر وبأقاربي المسجونين في تلك المدينة عن أثر مبرر لللدمار الذي رأيته غير ما أعرفه عنها منذ قديم الزمان فلم أجد.أنا أيضا قلت المتطرفين, وقلت أصحاب الأجندة الخارجية, وقلت من يريدون الصيد في المياه العكرة, لكنني في الختام تذكرت قريبا لي أمضى هناك بعض العام أو يزيد ثم فر هربا من وظيفته العمومية إلى زواج أبيض في أوربا وإلى أوهام أقل استعصاء من أوهام البلد العاق بأبنائه.
قال لي يومها وهو يرحل "وحده الروج والحشيش يوجدان في هذه المدينة, غيرهما لايوجد أي شيء, من حكموا على مدن الفوسفاط بالموت لكي تحيا الحواضر الكبرى بخيراته مجرمون سيؤدون الثمن إن آجلا أو عاجلا".
تذكرت كلامه يوم الثلاثاء الفارط وصادقت عليه, ولم أختلف معه إلا في تفصيل صغير: المجرمون من أغنياء الأزمة لن يؤدوا الثمن. الفاتورة الغالية كلها سيؤديها الوطن وحده دون أي معين.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
من هو الوزير المغربي الأكثر ابتعادا عن الواقع المعيش؟ هو منصف بلخياط بكل امتياز. مومو مثلما يناديه الحميميون لم يجد خيرا من هذا الوقت الذي تغلي فيه الأرض المغربية بمن فيها لكي ينظم المعرض الدولي للرياضة بمراكش.
يبدو الأمر مثيرا للكثير من السخرية ومنصف وإعلاميوه منشغلون بمعرض مراكش وليالي مراكش, في الوقت الذي يشغل شباب المغرب _ الذي يعد مومو وزيره نظريا _ بالتحضير ل 20 مارس ولأجواء الحرية التي يريد الدخول إليها عوض البقاء أسير سياسة تأتي بأمثال منصف إلى مواقع المسؤولية في الختام.
"ديكونيكطي", هذه هي الكلمة بلغة الفرنسيين, منصف.

الأربعاء، 16 مارس 2011

دوزيم بين البارح واليوم

آلمني كثيرا المشهد الذي رأيت فيه زملائي في القناة الثانية يوم الأحد الفارطز أشفقت لحال الزميل بلحميدي وبقية الطاقم الذي أرسلته مديرية الأخبار لكي يغطي الأحداث المؤسفة التي كان يعرفها يومها مقر الحزب الاشتراكي الموحد والتي انتهت بحفلة تعذيب سادية من طرف رجال الأمن في حق المحتجين والمتظاهرين والصحافيين الذين كانوا قبالة المقر يومها. رفض المحتجون السماح لدوزيم بالتصوير وتهجموا على الطاقم الذي أرسلته للوقفة واتهموه بأنه تلفزيون مخزني لن يمرر إلا الصور التي تخدم مصالح الواقفين وراءه, ولن يتعامل بمهنية مع الوقفة, بل سيسبها وسيسب الواقفين وراءها, وسيتخذ منهم موقفا هو موقفه المسبق أصلا.
هل كذب المتظاهرون يومها على دوزيم؟ للأسف الشديد لا. مضى ذلك العهد الذي كانت فيه القناة الثانية ملجأ وملاذ المظلومين في مغربنا. مضى ذلك الزمن الذي كان المغاربة يلجؤون فيه لدوزيم لكي تمرر مشاكلهم قبل اللجوء إلى الجهات الوصية. وأتى اليوم زمن أصبحت دوزيم مضطرة فيه إذا ما أرادت الدخول إلى المدن والقرى المغربية بسياراتها أن تزيل علامة القناة أو "اللوغو" لئلا يراه الناس ويشبعوا سيارات القناة حجارة وسبا وشتما.
علاش؟ ما الذي وقع وغير القناة من النافذة التي فتحها الحسن الثاني يوما لكي يطل منها المغاربة على نخبة جديدة لكي تصبح النافذة المغلقة التي لايطل منها إلا المرضي عليهم, ممن يقدمون فروض الولاء والطاعة صباح مساء؟ شنو وقع لدوزيم أو "الدوزيام" مثلما يسميها المغاربة بالتحديد؟
وقع لها ماوقع لغيرها من قنوات الرسميين المتكلسة, الموغلة في الغباء, غير القادرة على معرفة إلى أين يسير اتجاه الرياح. من خططوا لدوزيم مسارها الحالي قالوا لها : ارقصي, غني, قدمي البرامج الترفيهية, واصمتي. برامجك الثقافية لا نريدها, البرامج التي تلامس واقع المغاربة الحقيقي لا الواقع المراد ترويجه لا مكان لها في شبكتك البرامجية, البرامج السياسية أو الحوارية يجب أن تكون هكذا بالتحديد, وأن لايحضر فيها إلا من يقول القول الواحد الوحيد. اختيارات القرب من المشاهد المغربي يجب أن تكون هي اختيارات القرب من الجريمة, من المجرمين, من الحوادث العابرة والمتفرقة التي تقع. لا تفكري يوما في تغطية نشاط سياسي حقيقي. إياك أن تمر إلى ذهنك فكرة تنظيم نقاشات حقيقية حول المغرب, ثم احذري أساسا أن يغضب منك أصحاب الحال.
تذكري باستمرار أنهم "مالين الشي", الناس الذين يمدونك بأوكسيجين البقاء. ألم يفكرروا يوما في بيعك بحجة الإفلاس, يوم أصبحت مشكلة لهم ولما يعتقدون أنه الإعلام البصري في نظرهم؟ بلى وهم مستعدون متى فكرت في الخروج عن الطوع للقيام بالمثل, لذلك لا استغراب أن يعادي اليوم الشعب القناة, أن يعتبرها لا تمثله ولا تعني له شيئا, بل وأن يعتبر حضورها للوقفات الاحتجاجية طريقة لإخراج اللسان له أو بالعربية تاعرابت "للتفلية عليه".
يوم السبت الفارط, والمغرب يعيش نقاش التعديل الدستوري يومين فقط بعد الخطاب الملكي اتصل بي صديق يشتغل معنا في الميدان, وقال لي "غير المحطة الآن, تحول إلى دوزيم". كانت الساعة تشير إلى قرابة الواحدة إلا خمس دقائق, أي أن القناة كانت تبث حينها نشرة أخبارها الزوالية. توقعت أن أجد نقاشا حول التعديل الدستوري, تدخلا من أحد الفقهاء القانونيين الكبار في المغرب أو العالم, مداخلة سياسية جريئة لأحد المعارضين أو المؤيدين. تصوروا ما الذي كانت تبثه القناة بالضبط حينها؟ روربتاج حول تنكافت التي دخلها العنصر الذكوريو حيث كانت تقدم لنا سيدا يقول عن نفسه إنه نكاف ويشرح لنا كيفية القيام بتنكافت "على حقها وطريقها". مباشرة بعده أسلمت دوزيم الميكروفون لممون حفلات تحدث عن التعاون بين النكافة أو النكاف (والأمر سيان) وبين ممون الحفلات, وأكد لنا أن ممون الحفلات اليوم ليس مجرد جزار يأتي باللحم إلى الأعراس والسلام. لا, ممون الحفلات هو أهم من هذا الأمر بكثير.
أين نحن ؟ ومع من نحن؟
يعز علي أن أبدو فعلا متحاملا على قناة أعرف ثلاثة أرباع العاملين فيها, وأعرف قيمتهم المعرفية والمهنية, وأعرف مايمكن أن يفعلوه في التلفزيون لو تركوا هم والتلفزيون دون وسطاء :الخير" الذين يشوهون كل شيء تمتد ‘ليه أيديهم. لكن يعز علي أكثر أن أشاهد القناة وقد تحولت عن وظيفتها الإعلامية إلى أشياء أخرى لا أريد ذكرها لكن من يحضرون للوقفات الاحتجاجية يعرفونها جيدا, ويعرفون أين تنتهي صورهم والتصريحات التي يدلون بها والتي لا تمر في التلفزيون ولا يعرف بالتحديد مآلها الأخير.
في مسيرات العشرين من فبراير كان المتظاهرون كلما لاحت لهم كاميرا القناة الثانية يصيحون "الجزيرة الفضاحة, دوزيم الشطاحة". هل نسأل هؤلاء الصارخين غضبا لم يصفون القناة بهذا الوصف؟ أم نتغاضى ونقول إنهم عدميون متطرفون يريدون أشياء لانعرفها؟ أم نسائل القناة ومسؤوليها عن مآلها اليوم, ونرفع في وجههم البطاقة الصفراء أو الحمراء أو التوقيف النهائي مدى الحياة, لأنهم حولوا التلفزيون الذي كان ملاذ وملجأ المغاربة أيام زمان إلى التلفزيون الذي يسبه المغاربة كلما رأوه عابرا أمامهم؟
هانحن اليوم نمتلك مايكفي من الهدوء لكي نطرح السؤال, أما الشارع فقد قرر إجابته, وقرر بعدها وقبلها شكل تعامله من الآن فصاعدا مع هذا "الإعلام" ومع هذا "التلفزيون".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
وماذا لو لم يسقط العقيد القذافي؟ الكثيرون أصبحوا اليوم يطرحون السؤال بعد المقاومة الشرسة التي أبداها معمر, وبعد عودته لانتزاع مدن عديدة من بين أيدي الثوار وهو مااعتبره العديدون دلالة قدرة الديكتاتور الليبي على تحدي العالم بأسره رغم أن كل الظواهر كانت تقول في وقت سابق إن مسألة سقوط معمر هي مسألة وقت ليس إلا.
العديدون أيضا يضعون أيديهم على قلوبهم خشية عودة القذافي بقوة بعد أن تنكر له من كان يعتبرهم أصدقاءه, وهم يطرحون اليوم السؤال الكبير: وماذا لو عاد؟ ماذا سنقول له؟ وبأي وجه سنلاقيه بعد كل ماقلناه في حقه إلى حد الآن؟