الجمعة، 27 غشت 2010

في الواجهة - عمود الجمعة 27 غشت 2010

بلد سيء السمعة
لم ننته بعد من المسلسل السخيف الذي اقترحناه على أنفسنا بمساعدة كويتية كريمة كنا في غنى عنها بخصوص ميخيات أبوقتادة وأبو نبيل, حتى طلعت علينا الفضائيات العربية والمصرية التي تبث مسلسل "العار" بمشهد لعاهرة يتصارع حولها بطل المسلسل وشخص خليجي قبل أن يتضح أن العاهرة...مغربية مرة أخرى.
أين يوجد المشكل بالتحديد؟ هل في الصورة النمطية التي أضحت للمغربيات اليوم عند العرب؟ أم المشكل موجود عند هؤلاء الفنانين العرب الذين يريدون "الإساءة" لنا بأي ثمن؟ أم أننا فعلا أصبحنا بلدا بهذه السمعة و"اللي عطا الله عطاه"؟
أعتقد أن القليل من النقاش الهادئ, الرصين, البعيد عن مصطلحات السباب التي لاتقدم ولا تؤخر أضحى أمرا مطلوبا لهذه القضية لكي نحسم فيها وننتقل إلى موضوع آخر. شتم الخليجيين وتذكير الكويت أن صدام حسين سطا عليها في دقيقتين ووصف أشقائنا في الخليج بكونهم "حوالا", بل والتساؤل "شكونا هي هاد الكويت كاع اللي غادية تهضر على المغرب؟ وشكونا هي هاد مصر اللي غادية تصور لينا بناتنا كلهم عاهرات؟" كل هذا لن يتقدم بنا خطوة واحدة في النقاش. بالعكس, هو يجرنا إلى الخلف ويمنح المترصدين بصورة هذا البلد الحق بل والرغبة في معاودة الكرة مرارا وتكرارا مادامت الضربة الأولى قد نجحت في إثارة أعصاب المغاربة إلى هذا الحد.
عوض "السبان" تعالوا إلى كلمة سواء نتناقش حولها ونطرح السؤال : من المسؤول عن هذه الصورة المخزية التي أصبحت ترتبط بفتيات المغرب في الدول العربية وفي بعض الدول الأوربية؟
المسؤول الأول والأخير هو المغرب. لايعقل أن تكون لدينا في العاصمة الأردنية عمان لوحدها أكثر من ثلاثمائة "فنانة" كلهن خرجن من الجمارك المغربية ببطائق وطنية وبجوازات سفر تحمل في خانة المهنة مهنة "فنانة". لايعقل أن تكون لدينا في كل الطائرات المتوجهة إلى السعودية أكثر من عشرين فتاة في مقتبل العمر كلهن عنت لهن فجأة فكرة العمرة وزيارة قبر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم دون أن يسألهن أحد "كيفاش؟ وعلاش؟". لايعقل أن تكون كل "كوافوراتنا حراكات فالإمارات", ولا يعقل أن تكون كل ممتهنات التدليك الطبي والتمريض المعترف به دوليا في سوريا وفي البحرين متحدرات من كازا والرباط وخنيفرة وبقية المدن المغربية. لايعقل أن تطأ قدماك بيروت أول وهلة وأن تسمع فور جلوسك في أول مقهى في شارع الحمراء صوتا رخيما يناديك "فين أولد البلاد, خاصاك شي حاجة؟ راه بنات بلادك معمرين المكان".
"هضرو فينا وأجيو علينا", هكذا يقول المغاربة في مأثورهم الشهير, وهم يشيرون إلى ضرورة الحرص على التوازن في كل شيء. نعم قدم عنا هؤلاء الخليجيون وهؤلاء المصريون صورة نمطية مسيئة, لكن من السبب وراء انتشار هذه الصورة؟ من صنعها؟ وهل هي موجودة أم أنهم اصطنعوها اصطناعا؟ في المسلسلات والسلسلات الأمريكية التي نشاهدها بكثرة في بلادنا نجد باستمرار الإحالة على شبكاات الدعارة المنظمة القادمة من دول أوربا الشرقية السابقة. وفي تاريخ هذه السلسلات كلها لم نسمع أن أوكرانيا أو روسيا أو رومانيا تقدمت باستنكار عبر خارجيتها إلى الخارجية الأمريكية تقول فيه إن هذه السلسلات تسيء لسمعة الفتيات الرومانيات أو الأوكرانيات الطاهرات.
لم نسمع بذلك ولن نسمع به لأن الناس تعرف الفرق الموجود بين الواقع وبين التناول الفني للواقع. وإذا كنت قد تقبلت مجيئ السباب والشتم في النازلة الكويتية ممن لايعرفون فوارقا بين الواقع وبين نقله إلى السينما أو التلفزويون ممن سبق لهم أن انتقدوا "ماروك" واعتبروه "حتى هو" مسيئا للمرأة المسلمة المغربية, فإن صدمتي كانت كبيرة في أناس آخرين كنت أعتقد أنهم يعرفون أن التناول الفني للواقع لاحدود له, قبل أن أكتشف أنهم هم الآخرون انخرطوا في سب الكويت لأنها "أساءت للشعب المغربي ولبناته".
مسألة هامة للغاية يجب أن يعرفها هؤلاء : المغرب "بزاف على الكويت وعلى غير الكويت", ولكن المغرب يعرف أشياء ومشاكل كثيرة ليس من حقنا أن لانتناولها في إبداعاتنا أو أن نمنع الآخرين من تناولها. ليست هناك جهة واحدة في العالم تستطيع أن تقول لكاتب سيناريو أي لمبع ينطلق من مزج الواقع بخياله "ماعندكش الحق تكتب هادي". هذا الأمر يسمى الرقابة الغبية, وهو دليل ضيق أفق فعلي, وعدم تقبل للفن ولدور الفن خصوصا في حالة السخرية التي نتحدث عنها في نقد المجتمع وظواهره السلبية.
لذلك لابأس ببعض التريث في الموضوع, وعدم الانجرار مثل أي قطيع لايعرف أين هو سائر وراء عبارات سب وشتم لن تقدم شيئا, بل ستؤكد للأخرين كل السوء الذي قد يظنونه بنا, وستجعلهم يرددون فيما بينهم "المغرب بناتو كيجيو للخليج والناس ديالو ماكيرضاوش شي حد يقولها عليهم".
خايبة, حتى فالمعاودة.، فقد حولناإسم الفيلم الشهير "امرأة سيئة السمعة" إلى " بلد سيء السمعة" ولازلنا مصرين على المواصلة في نفس الاتجاه
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أخيرا سيتم وضع حد للمسلسل غير الشيق كثيرا الذي هم المعهد العالي للإعلام والاتصال عبر تنصيب لجنة ستشرف على اختيار مدير المعهد وهو المنصب الذي ظل شاغرا منذ أن غادرت لطيفة أخرباش مجال عشقها الأول إلى مجالات سياسية "آكثر نفعا".
الأمل اليوم الذي يردده أساتذة المعهد وطلبته بينهم هو أن ينجح كمال لحلو ومن معه في اللجنة في اختيار مدير في المستوى للمعهد وإن كان الكثيرون منهم يبدون من الإن يآسهم ويقولون "باينة من دابا". لننتظر رغم كل شيء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق