الجمعة، 20 غشت 2010

في الواجهة عمود الجمعة 20 غشت 2010

نور الدين...صاحبي
اليوم سيلتئمون حول جثتك. اعذرني, لن أتمكن من المجيء. كلهم سيكونون هناك, سيبكونك, سيرثونك, سيتحدثون عن مناقبك بل فيهم من سيقول فيك شعرا. اعذرني, لن أكلف نفسي عناء سماع كل هذا الهراء. أعرف أن أغلبيتهم تتحرك من منطلق إنساني جميل, تريد به أن تبقي ذكراك حية بيننا, لكن النية الجميلة وحدها لاتكفي. عوضها ماأحلى الفعل الجميل.
كنت أتمنى أن تكون حيا الآن. أن تشاهد تفاهات رمضان معنا. أن نتندر جميعا من المستوى "العالي" الذي بلغناه هذه السنة أيضا والذي حطمنا به مستويات السنوات الفارطة. كنات أتمنى أن أسمع صوتك عبر الهاتف مجددا "مختار, غادي تجي للافون بروميير, ولا غادي تسيفط لينا شي واحد من الدراري؟" قبل أن تختمها بلازمتك الجميلة والساخرة "تواضع شوية آبنادم".
أما وقد اختارتك الحياة لكي تضعك في البرواز الحزين, والوشاح الأسود يتدلى يسارا منها, فاعذرني صاحبي, لكنني لن أستطيع المجيء. لم تعد لدي كلمات رثاء جديدة لفرط ماكتبت عن الراحلين (بحال شي حانوتي لايجد من يدفنهم فيمضي الوقت كله في تعداد مناقب من رآهم يسبقونه إلى الحفرة الشهيرة تلك التي سندخلها واحدا بعد الآخر) ولم أعد أستطيع التملي في وجوه عدد من الناس الذين يكرهون الأحياء المتميزين, وفور الوفاة, فور الرحيل, فور التأكد أنهم لم يعودوا معنا هنا, وأنهم لم يعودوا قادرين على شيء, يتحول الكره إلى حب, والحقد المجاني إلى إعجاب "لم يتسن لهم التعبير عنه حين الحياة".
هؤلاء أكرههم _ نور الدين _ وأنت تعرف أنني مثل بقية الجنوبيين نحمل معنا في ركن قصي من الذات "واحد التعكيسة" لامثيل لها قد تدفعنا في لحظة من اللحظات لقول الحقائق مثلما هي خصوصا إذا كان حجم الكذب كبيرا. لذلك سامحني, لكنني لن أحضر أربعينيتك.
ثم دعني أصارحك بشيء صغير. عوض الاحتفال بك وبأربعينيتك واستحضارك أنت الذي ذهبت بكل تأكيد دون عودة, حبذا لو ذهبنا جميعا لكي ندق كل الأبواب لكي يبقى للصغار منك تذكار ملموس, مادي. تذكار ينفعهم لما تبقى من مشوار الحياة. حبذا لو ضغط كل واحد منا من موقعه لئلا يبقى الصغار وحدهم في اليم المسمى الحياة. يرفعون التحدي تلو التحدي, وحين ينهزمون أمامها يقولون "أين أبي؟" ليس على عادة السلسلة المكسيكية المدبلجة التافهة, ولكن على عادة من لايجد عونا له في هذه الحياة, فيستكين في الظل طلبا للدموع عسى أن تهديه طهارتها بعض قدرة على مقاومة الرداءة والرديئين.
اسمح لي نور الدين, لن أكون هناك الليلة. أنا فضلت منذ أن جاء نبأ رحيلك الغريب في بداية الصيف, أن أجعل قليل الصور ويسير اللحظات التي اشتركناها معا ملكا لذاكرتي, أستلها حين الضرورة لكي نروي قفشة هنا, أو حادثة وقعت وعلقت بالذهن إلى الأبد هناك. ثم دعني أصارحك مجددا أنني حين قرأت لزميل يكشف أنك كنت تريد بطاقة صحافة في نهاية حياتك, شعرت بكره غريب لتلك التي أحملها في حافظة نقودي وأوراقي, وقلت لنفسي إنك حملت معك هذا الحلم الصغير إلى هناك دلالة شيء ما كنت تريد أن تقوله لنا لكننا لم ننصت إليه.
اعتراف من كنت تريد يانور الدين بتلك البطاقة؟ وشهادة من كنت تروم, أنت الذي سبقت أغلبنا إلى الحرفة اللعينة التي لم تعطك مقابل التعلق بها إلا الجحود؟ هل تعرف نور الدين أن البطاقة التي كنت تريدها يتوفر عليها المجرمون وأصحاب السوابق و"الطفلات" ممن يمكنك أن تصطحب أي واحدة منهن لكي تفعل بها ومعها ماتشاء مقابل بعض الدريهمات المعدودة؟ اعتراف من كنت تريده من خلال تلك البطاقة نور الدين؟
سأقول لك على سبيل الكلام المبتذل لاغير: يكفيك اعتراف زملائك بك. لكن هذا الأمر لايكفي, وهو يبدو مثل الكذب "المفروش". أغلب زملائك لم يعترفوا بك إلا بعد الرحيل, كعادتنا نحن الذين نأبى الاعتراف بالمتميزين منا وهم على قيد الحياة. "كنتسناوهم يموتو" لكي نخبرهم كم كنا نحبهم. ماأغبانا وماأقدرنا على النفاق صاحبي.
ومع ذلك نور الدين دعنا نجد للماء طريقا يمر منه. دعنا نلتمس للأغلبية أعذارها في هذا الزمن الصعب, ودعنا نقول إن أصدقاءك الحقيقيين الذين وقفوا وراء هذه المبادرة يستحقون الشكر لأصدقهم, لأولئك الذين يريدون بها أن تبقى الذكرى منك حية بيننا, ومن يريدون من خلال المبادرة أن يذكروا من بيدهم حل وعقد مشهدنا النقدي السينمائي الإعلامي التلفزيوني أن ناقدا متميزا كان يسمى قيد حياته نور الدين كشطي قد رحل عنا بداية هذا الصيف في حادث سيارة غبي وأن عائلته تستحق منا جميعا بعض الالتفات, وأن أربعينيته اليوم ستنعقد ذكراها في الدار البيضاء.
إذا نجحوا _ صاحبي _ في الوصول إلى هذا الهدف: أن يذكروا بعض مسؤولينا بذكراك, سأسحب كل كلامي, وسأقيم لذكرى كل الراحلين قبلك ومعك وبعدك ألف قداس.
اعذرني نور الدين على الكلام القاسي ليلة أربعينيتك, لكن البلد علمتنا فقط نسيان العابرين منها من الأبناء وتذكر الإمعات, وترداد ذلك المثل الكريه "كيت اللي جات فيه", ثم الانزواء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سحب دول جديدة من دل الكاراييبي بلغ عددها الأربعة لاعترافها بجمهورية الوهم انتصار جديد للقضية الوطنية من اللازم توظيفه بشكل جيد، والحرص على استثماره إعلاميا في مواجهة الخصوم الثلاثة للوحدة الترابية المغربية: الجزائر، الصحافة الإسبانية ثم البوليساريو أخيرا<
ذلك أنه وعلى مايبدو أصبح هذا الترتيب هو الترتيب الحقيقي لأعدائنا في قضية الصحراء، واتضح فعلا أن الوصف الذي كان يستعمل سابقا في حق البوليساريو والمرتبط بالارتزاق ليس خاطئا تماما مثلما اعتقدنا في لحظة من اللحظات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق