الأحد، 31 أكتوبر 2010

بعبعة خرفان !

لاخيار أمام الدول العربية إلا أن يحكمها ديكتاتور دموي مثل صدام حسين، أو أن تتعرض لاحتلال فوضوي غاشم مثل الاحتلال الأمريكي. هذا مايقوله الوضع اليوم في العراق، وهذا ماتقوله الوثائق التي نشرها موقع "ويكيليكس" المتخصص في كشف الأوراق والوثائق الرسمية الصادرة عن البنتاغون الأمريكي والذي قام بضربة العمر حين نشر وثائق رسمية تثبت قيام الجيش الأمريكي بتعذيب عراقيين مناهضين للاحتلال الأمريكي وبالقيام بالنقيض تماما مما قالت الولايات المتحدة إنها قادمة للقيام به في العراق الجريح.
لنعد الحكاية من البدء، ولنتذكر أن أمريكا قالت إنها تريد تحرير العراق من ديكتاتورية صدام، وتريد نشر الديمقراطية فيه، وتريد تمكين شعوب المنطقة المحيطة بالعراق من العيش في سلام دون تهديد بأسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها الرئيس العراقي المطاح به والمشنوق ذات عيد أضحى شهير. مرت الآن كم سنة تقريبا على كل هذا الكلام؟ لم نعد نتذكر عددها بالتحديد، لكننا نتذكر أن الكلام قيل لنا بحدة وتأكيد شديدين جعلانا نقتنع تماما أنه صدق حقيقي ولا يمكن إلا أن يكون صدقا.
لذلك صفق الكثيرون لتدخل الأميركان في العراق، وقالوا إن الحاكم العربي الذي يعتبر شعبه قطيعا من الخرفان من الممكن أن يضعه قربه لسنوات طويلة منذ الاستيلاء الأول على الحكم، والذي لايؤمن بديمقراطية انتخابات، ولا بتداول على السلطة ولا بأي شيء آخر من هذا القبيل هو حاكم يستحق أن تنكل به دولة كبرى وضعته في مكانه ذاك فترة من الوقت، ثم قررت أنه لم يعد صالحا لها على الإطلاق.
سوى أن الصورة لم تكتمل بهذا الشكل أبدا. الفوضى الخلاقة التي وعدتنا العزيزة كوندي (من يتذكر الآن كوندوليزا رايس؟) بأنها ستكون بوابة المنطقة العربية للدخول إلى جنان الديمقراطية الكبرى اتضح أنها فوضى فعلية، لكنها غير خلاقة نهائيا. هي بالعكس من ذلك فوضى قاتلة، وضعت المنطقة كلها أمام شيء لم نكن نتبينه بهذه الصراحة الجارحة إسمه تنظيم القاعدة اكتشفنا منذ انهيار العراق / الدولة أنه تنظيم يوجد لدينا جميعا، وأن كل دولة عربية لديها منه بعبع صغير يخيف الأبرياء الذين يقطنونها، و تضعه جهة ما (لايمكن أن تكون هي ماما أمريكا؟) على رأس الحكام في تلك البلاد، تقول لهم به إن البديل جاهز عنهم، وأن المطلوب هو تنفيذ التعليمات كلها بأقصى الصمت الممكن ، والانسحاب فور الأمر بذلك.
وفلسطين في كل هذا؟ السؤل لم يعد مطروحا. عوضه أصبح السؤال هو: وإسرائيل في كل هذا ؟ العديدون في الغرب الأوربي أو الأمريكي ممن يعتبرون أنفسهم تقدميين ملزمين بقول الحقيقة يشيرون إلى أن المستفيد الأكبر من كل هذا الصراع الضاري الذي وقع في المنطقة هي الدولة العبرية. هي التي كانت تقول إن نظام صدام حسين يهددها، هي التي لم تنس أبدا أن الديكتاتور العراقي قصفها بسكوداته الشهيرة في حرب الخليج الأولى، وهي التي تعيش اليوم بحبوحة فعل كل ماتريده وتشتهيه بالفلسطينيين دون أن يرتفع ولو صوت صغير بالاحتجاج لأن الاحتجاج أضحى عملة ممنوعة في عالم عربي شاهد بأم عينيه في الفيديوهات وفي وسائل الإعلام كلها كيف يمكن لأمريكا أن تشنق رئيسا عربيا كان يعتبر نفسه الأقوى في المنطقة، ومتى؟ يوم العيد الكبير.
لهشام الجخ الشاعر المصري الشاب قصيدة بالدارجة المصرية الجميلة، (تلك التي لم تجعل المصريين ينسون في يوم من الأيام لغتهم العربية الجميلة هي الأخرى، عكس مايقوله الخائفون من دارجتنا المغربية، وهذا موضوع آخر) أسماها "تلات خرفان وحكاية" يتحدث فيها عن خراف تعيش خائفة من بعضها، وتلجأ لذئب لكي يحميها من الخرفان الأخرى، ولأنها خرفان" فهي تصدق أن الذئب سيحميها بالفعل، وفي الختام يأكل هذا الذئب كل هاته الخرفان لأنها...خرفان. ولا أعرف حقيقة العلاقة بين ذبح الرئيس العراقي يوم عيد نذبح فيه الخرفان، وبين القصيدة، لكننا ملزمون بالاعتراف أن التشبيه جائز، بل قوي ومستفز إلى درجة تدفع إلى الذهول فعلا
هل نقول بصريح العبارة إننا أصبحنا خراف المنطقة؟ البعض سيرفض وسيقول لا. والبعض سينحو باللائمة على الحكام، وسيقول "هم الذين أوصلونا إلى هذه الحالة. لكني من النوع الذي لاينحو باللائمة في أي سوء وقع له إلا على نفسه، وفي حالة عالم الخرفان الذي نعيش فيه، لا أجد من ألومه سوى هذه الشعوبة الثملة، الفرحة بمصيرها الميت، والمصرة على القتال يوميا من أجل ضمان موتها في "أفضل الظروف الممكنة" .
من يصيخ السمع جيدا في العالم العربي الذي أسماه الراحل الماغوط قبلنا جميعا "التابوت الممتد من الماء إلى الماء" لن يسمع إلا "التبعبيع". وحده صوته لايعلو على شيء عداه. وفي تابوت ليس فيه إلا صوت الخراف، من يجرؤ على تكذيب أننا نعيش داخل حظيرة؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
وعد السيد غيريتس المحيطين به من الحواريين وأتباعهم ومن تبعهم باعتداء على الكرة إلى يوم الدين أنه سيجلب للمغرب الكثير من الألقاب، وقال في تصريح للصحافة المحلية إن اختياره لبلدنا كان "اختيار القلب". ونحن نفهمها جيدا لأننا لازلنا لم نستوعب بعد كيف ترك غيريتس كل تلك الملايير السعودية وأتى إلى جامعة علي الفاسي الفهري المغلوبة على أمرها.
كل هذا الكلام طيب ، لكن يلزمه شيء صغير واحد فقط: أن يشرع السيد في التطبيق، وأن نرى النتائج على أرض الواقع. في انتظار ذلك "ماعندنا غير الهضرة ندوزو بيها الوقت" في انتظار الجزائر.

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

العيون عينيا !

ماذا يقع في العيون؟ الصوت الذي وصل إلينا مؤخرا ممن أضحوا يسمون أنفسهم "الأسر النازحة" يطرح علينا جميعا هذا السؤال: ماالذي يقع بالتحديد في العيون؟
هناك الجزء الظاهر من جبل الجليد هذا : أناس معدمون في أغلبيتهم يعتبرون أنهم لم ينالوا حقهم من تجزئات سكنية وزعت على آخرين دون استحقاق، ويعتبرون أن هذا المطلب الذي لم تستجب له السلطات المحلية انضاف إلى مجموعة مطالب كانت لهم في السابق تعامل معها مسؤولوهم المحلين باستخفاف كبير، وبترويع لها لإخراجها من الطابع الاجتماعي، وإرهاب كل من يتجرأ على رفع العقيرة بالاحتجاج إلى أن وصلت إلى ماوصلت إليه اليوم.
"الله يرحم ادريس البصري ويغفر ليه" يقول الكثيرون اليوم، وهم يدينون التعامل مع سكان تلك المناطق الذي دشنه وزير الداخلية الأسبق، وسار على خطاه مسؤولون كثر أغلبيتهم مرت من مطابخ الداخلية يوم كان البصري عرابها، ماجعلها تحافظ على نفس النهج في التعامل وتحول مطالب بسيطة اجتماعيا من الممكن أن تحرج للمطالبة بها كل المدن المغربية إلى"مطالب يختفي وراءها "مناصرون للأطروحة الانفصالية" مثلما كا يأتي باستمرار في كل التقارير التي تبعث من هناك إلى هنا، ماجعل السلطات المركزية تتعامل مع سكان ذلك الإقليم باعتبارهم جميعا من "المؤلفة قلوبهم" أي الذين لايسكتون إلا إذا تم مدهم بمقابل سكوتهم، وهو التعامل الذي أنتج لنا الوضع المتفجر هناك والذي ينذر بالمزد.
أرعبني يوما أحد المسؤولين الأصدقاء وهو يقول لي "سكان داك القنت عطيهم لحلقهم ينساو اللي خلقهم". قلت في نفسي حيها إن هذا المسؤول يتعامل مع هذا الملف بهذه العقلية، ومن الأكيد أنه سينقل إلى رؤسائه المباشرين وإلى مرؤوسيه أيضا هذه العقلية، لذلك سيبدو لهم كل سكان تلك الأرض أناسا يبحثون عن المصلحة المادية فقط، ويضعون المغرب باستمرار أمام ابتزاز رخيص للغاية: "ديرو لينا اللي بغينا ولا غاديين نمشيو للبوليساريو."
لحسن الحظ الأهل هناك ليسوا على هذه الشاكلة، وقد اقتنعت مؤخرا بأن عددا من المسؤولين الذين تعاقبوا على المنطقة الجنوبية من مغربنا كانو يحرصون على الكذب في هذه النقطة بالتحديد لكي يطيلوا أمد بقائهم في منطقة يعجزون تماما عن التعامل معها بذكاء لازم وضروري.
بالعكس، هذه المرة كان الأهل في العيون أذكياء جدا وقطعوا الطريق على البوليساريو الذي يحاول الآن استغلال قضيتهم، وقطعوا الطريق أيضا على المتخاذلين من مسؤوليهم المركزيين الذين يحولون أي حركة احتجاجية بسيطة إلى طريقة مقنعة لمناصرة الانفصاليين. أهلنا في العيون اليوم يحملون الرايات الحمراء والخضراء، رايات بلادنا أولا وصور جلالة الملك لكي يؤكدوا أنهم مغاربة وأن هذا النقاش غير ذي موضوع بالنسبة إليهم وهو ليس حتى مسألة للجدال. وبالمقابل يطالبون بأن يتم الاستماع لمطالبهم، تماما مثلما يفعل أهلنا في بوعرفة، وتماما مثلما فعل أهلنا في صفرو ذات سنة سابقة، وتماما مثلما انتفض أهلنا في سيدي إيفني ذات لحظة فارطة.
المغربي لم يكن في يوم من الأيام ذليلا لكي يرى الظلم ينزل عليه ويبقى ساكتا. المغربي هو كائن حي يحب بلده ويحب أن يعيش في بلده بكرامة، لذلك على دولتنا أن تفهم أن هذه الحركات الاحتجاجية لتي تراها في غير مامكان من المغرب هي دليل حب للبلد أولا، ودليل رغبة في العيش فيه وفق مايحلم به المغربي، لا وفق مايفرض عليه.
ولنعترف هنا أن مايفرض على شعبنا قاس بعض الشيء وأن البون شاسع بين أغنياء الأزمة وبين بقية الشعب، وأن أقل من واحد في المائة من أهلنا يعيشون في بحبوبحة مبالغ فيها ماأنزل الله بها من سلطان وأن التسعة وتسعين في المائة المتبقية تكابد لكي تتعايش، أو مثلما يقول المغاربة شي عايش شي مخبي فيه".
أمر لاينبغي له أن يدوم بهذا الشكل الصارخ. وهنا لاأحد يطالب بإزالة الثروات عن القلة القليلة من الأغنياء، لكننا جميعا نطالب بتمكين الفقراء من العيش بكرامة فوق هذا التراب. لامعنى لمغرب اليوم يفصل بين أبنائه بهذا الشكل المحزن والمهين، ولا معنى لمغرب اليوم فيه أناس يبحثون عن لقمة العيش في "صناديق القمامة" . لامعنى اليوم لمغرب تصرخ فيه أسر بعشرة أفراد ويزيد، مطالبة فقط بقبر للحياة لايتعدى الخمسين مترا، ومعنا مسؤولون يراكمون الفيلات في زمن توليهم لمسؤولياتهم، والمفارقة هي أن الهراوة تنزل على رأس الأسرة التي طالبت بسكن لائق، وتنسى تماما المسؤول الذي أحسن اللعب جيدا فلم يترك وراءه أي آثر.
هذا البراح الشاسع المسمى وطني قادر على احتمالنا جميعا، وعليه أن يثبت لنا ذلك، مثلما يطالبنا باستمرار أن نثبت له حبنا، وأن نثبت له قبل الحب وبعده أن حبنا له هو بدون مقابل. وهذا أهم مافي الموضوع.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم أفهم هذا الأسبوع لماذا قدمت "دوزيم" سهرة باذخة للغاية مثل "شذى الألحان" في توقيت ظالم للغاية يوم الجمعة، وهي لاتتوفر على سهرة ليوم السبت، إذ اكتفت بتقديم أقوى فقرات الجرة التي يعرفها برنامج "سهران معاك الليلة".
حين يكون البرنامج متوفرا مرحبا، لكن عندما لاتكون هناك حلقة جديدة أو تكون "مشاكل" قد أِثرت على تصويره ورغم ذلك تقدم منه أفضل اللقطات ويقصى برنامج جيد إلى وقت ظالم، حينها علينا أن نطرح فعلا السؤال.
"الدراري فدوزيم، آش واقع بالتحديد فهاد الشي ديال المنوعات؟"

الاثنين، 25 أكتوبر 2010

آيتنا المغربية !

لاأعرف ماهو شعور والدي الطفلة آية التي نشرت الزميلة "الصباح" قصتها, لكنني أعرف أن القصة التي قرأتها منذ يومين هي قصة مخجلة إذا صحت كل التفاصيل التي رواها والدا الطفلة للجريدة. الحكاية ومافيها هي أن آية التي تعاني من وزن زائد وجدت نفسها محرومة من الدراسة في مدرسة عادية بسبب وزنها, ووجدت نفسها فوق هذا وذاك وهي تتعرض للسب والشتم بعد أن طالب مسؤولو المدرسة والديها بإدخالها إلى "مدرسة ديال المعوقين".
جملة واحدة تقول لنا كل شيء عن حالة نظامنا التعليمي الذي يعتبر أولا أنه من الممكن جرح طفلة في بداية حياتها بهذا الشكل المهين, والذي يضرب ثانيا كل الخطابات الرسمية حول إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في البلد مادام مسؤولو هذه المدرسة اعتبروا أن إرسال طفلة سليمة ولا تعاني من أي مرض عقلي إلى ماوصفوه ب"مدرسة ديال المعوقين" هو عقاب لها لأنهم يعتبرون هذا النوع من المدارس معزلا يرسل إليه الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي يتم إخفاؤهم فيه, لا لكي يتم تأهيلهم حسب قدرات كل واحد منهم للخروج من الحالة التي حكمت عليهم الظروف بها.
الأنكى في حالة آية أنها لاتعاني من أي مرض عقلي أو تخلف ذهني يفرض هذا الإرسال, لكن عقلية التخلف الفعلية التي تعاملت بها المدرسة معها هي التي فرضت هذا النموذج المخجل والمهين في التعامل الذي يؤكد لنا أن الهيئة التعليمية ببلدنا قد تسلل إليها في غفلة منا جميعا أناس لاعلاقة لهم بها جعلوها على الشكل الذي هي فيه اليوم.
ولعله سيكون حسنا لو قارنا _ مادمنا قد قاربنا هذا الموضوع اليوم _ بين التعامل الملكي مع فئة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وبين تعامل أخر موجود في المجتمع نلاحظ للأسف الشديد آثاره المدمرة على الصغار وعلى أسرهم, وعلى المحيط العام الذي يعيشون فيه إلى الدرجة التي تجعلنا نحكم على هؤلاء بالموت منذ اليوم الأول لاكتشاف مرضهم أو حالتهم, ونفترض أننا ابتلينا بما يجب إخفاؤه, وعدم إطلاع الناس عليه, ما ينتج لنا في الختام تأزما حقيقيا لوضعية الطفل المعني بهذه الحالة الذي نحرمه حتى من محاولة عيش حياته وفق القدرات التي قد تكون متوفرة له ولا نشتبه نحن في توفرها لأننا انطلقنا منذ البدء من مسلمة أنه لن يكون قادرا على شيء إطلاقا.
المسألة لاتنفع معها الحملات التحسيسية الضيقة, ولا بعض المبادرات الشخصية هنا وهناك, ولكنها تتطلب منا تأهيلا فعليا لمجتمعنا الذي يمكن اعتباره مجتمعا ذا احتياجات خاصة لكي يفهم ماتريده هذه الفئة وما يتطلبه التعامل معها من مرونة كبرى, ومن تدقيق للوقوف عند التفاصيل الصغرى التي تصنع حكاية كل واحد من هؤلاء شخصيا رفقة أسرته ورفقة المحيط العام الذي يحيا فيه.
وفي هذا الصدد يمكن الاستفادة من تجارب متقدمة جدا في دول أخرى لاتحكم على هؤلاء الصغار منذ اللحظة الأولى بالإعدام, بل تفتح لهم المجال لإبراز مالديهم, وبعدها تتم متابعة حالة كل واحد منهم حسب تطوراتها وحسب قدرته على التأقلم مع وضعيته. بل إن دولا مثل الدول الاسكندنافية ذهبت بعيدا في المجال وهي تفرض في السنوات الأولى وضع هؤلاء الأطفال مع الأطفال الذين يوصفون "بالعاديين" من أجل منحهم أكبر قدر ممكن من محاولة الاندماج في المجتمع, وهو أمر لايمكن تخيله في مجتمع مثل مجتمعنا لازال مريضا بالشتائم الرخيصة التي يوجهها لهؤلاء دونما ذنب جنوه.
لا, بل إننا قد تجاوزنا مرحلة سب صغارنا أو كبارنا من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي ندخل اليوم مرحلة توصف فيها طفلة سليمة تماما بأنها تعاني من تخلف ذهني فقط لأنها سمينة بعض الشيء وهو مايظهر لنا المسافات الكبرى التي علينا أن نقطعها بالعقل المغربي لكي نخرجه من حال إلى حال إذا ماأردنا لهذا الموضوع التي تعيشه المئات من الأسر المغربية في صمت حلا ذات يوم.
وإذ أنسى, لن أنسى منظر أب شاب التقيته منذ حوالي الشهرين عند طبيب صديق رفقة صغيره الذي يعاني من مرض التوحد. قال لي ذلك الأب إن "على وسائل إعلامنا التي تشغل بالها بالتوافه أن تخصص لهؤلاء في إعلامنا السمعي البصري أي الذي يصل إلى أكبر قدر من الناس فقرات خاصة لتحسيس الأسر بما يجب فعله ومايجب تفاديه عندما يكون لديها طفل يتطلب بعض العناية الإضافية", مضيفا أن رب الأسرة لايعرف لمن يتوجه إذا ما كان لديه طفل من هذه النوعية أو من نوعية مشابهة من الحالات الخاصة وأن رد الفعل الطبيعي الذي يلجأ إليه هو أن يخفي إبنه عن الناس, منتظرا شيئا سيئا للغاية : أن يختفي ذلك الطفل, لأن المجتمع الذي نحيا فيه لايعطي لهؤلاء أي اختيار آخر في الحياة.
هذه هي القضايا التي ينبغي فعلا أن تشغلنا على هذا المغرب الذي نعيش فيه: أن يصبح بلدنا قادرا على احتضاننا جميعا بخصوصياتنا كلها, وأن يمنحنا القدرة على الحلم فيه بإمكانية العيش حتى ولو كانت البداية غير مشجعة كثيرا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عينت الجزائر سفيرا جديدا لها في المغرب هو أحمد بن يمنية عوضا للججنرال العربي بلخير الذي توفي مطلع السنة الجارية بعد صراع مرير المرض. تعيين سفير جديد عادة هو فرصة لمساءلة العلاقات الثنائية بين البلدين موضع التعيين، وهو لحظة يترجى فيها البلدان معا أن يضيف ذلك السفير شيئا ما لخصوصية العلاقات مع الدولة التي عين فيها.
وهذا طبعا في الحالات العادية، أما في حالتنا مع جارتنا هاته، فاللحظة هي لحظة وضع اليد على القلب وترقب الأسوء، فللأسف الشديد لم يعد يأتينا من شرقنا إلا مايدمي الفؤاد ويكبده كثير الخسائر

الأحد، 24 أكتوبر 2010

مرتاحو مهنة المتاعب !

اطلعت مؤخرا عبر الأنترنيت على مقال للباحث الإعلامي الصديق يحيى اليحياوي يتحدث فيه عن مهنة الصحافة ويقول إنها في المغرب لاتخضع للتوصيف الذي يطلق عليها في الغرب باعتبارها مهنة للمتاعب.
دليل صديقنا اليحياوي هو أن الصحافي المغربي لايشغل باله بالتحقيق أو الاستطلاع الحقيقي أو غيرهما من الأجناس النبيلة في الصحافة، بل يكتفي باقتعاد مكتبه والإبحار في الأنترنيت لغرضين إثنين: الشات والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي أولا، ثم أخذ الأخبار وفق تقنية "القص واللصق" اللعينة لتي ابتليت بها الحرفة منذ زمان، وكانت بداية تقهقرها بعد أن اقتنع الناس أن بإمكانهم الذهاب قدما إلى الأنترنيت وقراءة مايريدونه فيه عوض دفع ثلاثة دراهم في جريدة تأخذ أخبارها من نفس الأنترنيت.
من زاوية المعالجة هاته لايمكن إلا الاتفاق مع صديقنا اليحياوي في طرحه، خصوصا وأننا نستطيع أن نضيف إليه المزيد مما نعايشه بحكم الاحتكاك اليومي بالحرفة وأهلها مما يؤكد طرحه ويكرسه. لكن النظر إلى المسألة من هذه الجهة فقط يتركها ناقصة بعض الشيء، إذ بغض النظر عن هذا الجانب التقصيري الفظيع في عمل صحافتنا على الأجناس الكبرى، وهو تقصير تتحمل مسؤوليته إدارات التحرير بجرائدنا الوطنية، ويتحمل مسؤوليته الصحافيون، لكن يتحمل القارئ الكريم أيضا جزءا لابأس به من المسؤولية فيه، أعتقده الأساسي بعد أن اقتنعت الحرفة بأن القارئ المغربي لايهتم بتحقيقات أو استطلاعات كبرى ولا يمكنه أن يجعلها سبب اقتنائه للجريدة التي يقبل عليها، مقابل اهتمامه بأجناس ثانية من حقه طبعا أن يوليها كل الاهتمام، ومن حق الصحافي أن يضع في اعتباره أنها هي التي تلقى القبول ولو اضطره الأمر ختاما إلى نسيان مهنته الأصلية وممارسة تفرعات وتنويعات عنها، إذا ما دقق فيها جيدا سيجد أن لاعلاقة لها بالصحافة.
(بغض النظر عن كل هذا ) الصحافة في المغرب هي مهنة المتاعب وأكثر، والمتاعب تنضاف إذا ما علمنا بطريقة الحصول على الخبر في بلدنا الأمين.
ذلك الوهم الكبير المسمى الحق في الوصول إلى المعلومة دونه الجبال. والخبر عندنا حالتان لاثالث لهما إلا في بعض الاستثناءات القليلة التي تعد في حكم الشاذ الذي لايقاس عليها نهائيا: إما جهة تصفي حسابا مع جهة "فتتطوع" لكي تعطيك ماتشاء من الأخبار التي تهدم صروح الجهة المراد تحطيمها، وإما جهة يهمها أن يخرج ذك الخبر في ذلك اليوم وفي ذلك التاريخ وبذلك العنوان وبتلك الصيغة بالتحديد لأغراض تهمها قد لاتبدو للصحافي، لكنها تكون مسطرة في عقل من قام بتسريبها أو إيصالها إلى الصحافة.
وللأسف الشديد، ورغم كثير الفقاعات الإعلامية العابرة للمجال، ورغم العديد من المحاولات الجادة بالمقابل التي يعرفها ميداننا والتي تحاول التأسيس لصحافة استقصاء وتحقيق، لانتصور أن الصحافة المغربية بارحت مكانها الأول، بل ربما تراجعت في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة أكثر عما شهدته بداية الألفية الجديدة من نزوع نحو الشغب الصحفي الحقيقي: شغب البحث عن مكامن الغموض في كثير مجالات تهم المجتمع، لا البحث فقط عما يثير أعصاب الحاكمين مما تخصصت فيه صحافة وصلت اليوم إلى حتفها النهائي.
أكثر من هذا تبدو المحاولة التي قد تقوم بها جرائد جادة اليوم لتأسيس صحافة راقية تحقق وتستقصي فعلا محاولة أشبه ماتكون بالانتحار وسط مناخ صحفي يتم العمل بكل قوة على تمييعه قدر الإمكان، وجعله ساحة "المناقرة والسباب" المعروفة التي يعاين الكل خسائرها اليوم مما لم نعد قادرين على مجاراته أو الدخول في حيثيات استراره وبقائه.
هذا عن الخبر أما في مجال الرأي فالمسألة أفظع. تصور أنه من الممكن أن تقرأ يوميا لصحافيين يكتبون من وحي عقلهم وملاحظاتهم ومايفكرون هم فيه فقط هو تصور أضحى ينقرض يوما بعد يوم. عوضه أصبحت كتابة الرأي في الصحافة الوطنية في الغالب الأعم نقلا لتقارير استخباراتية، أو تصفية حسابات من الدرجة الدنيا، أو هرطقات ماأنزل الله بها من سلطان تعرض كاتبها ومن سمح له بنشرها للمساءلة القضائية لو كان للميدان رب يحميه.
لكنها بحمد الله ورعايته "سداح مداح". ومن الممكن أن تخلق فيها وتختلق ماتشاء من أجناس جديدة دون أن تخشى لومة لائم مما أنتج لنا "سنوات الضياع" المغربية التي تعيشها صاحبة الجلالة المسكينة لدينا. ألا يلقبون الصحافة في البلدان الأخرى بهذا اللقب الغريب والعجيب؟
بلى يفعلون ذلك، وهم يعرفون لماذا. أما لدينا فمن الممكن اختيار ألقاب أخرى تكون أقرب إلى الصحة وأبعد عن التمشخير الذي نحسه جميعا عندما يقول لنا شخص ما إنكم تشتغلون ضمن رحاب صاحبة الجلالة.
هي مهنة متاعب فعلا، لكن المتاعب لايحس بها إلا من كان مؤمنا بهذه الحرفة فعلا. أما "النجارة" فيحسون بالارتياح الكامل فيها، وهي تعيد لهم في ظروفها الحالية الراحة براحة أفضل منها.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
"دابا عاد بدا المعقول" فيما يخص غيريتس وعلاقته بنخبتنا. الآن لم نعد قادرين على ابتلاع الآكذوبة التي تقول إن غيريتس منقسم قسمين بين منتخبنا وبين الهلال، ولم نعد متقبلين للكلام الطيب الذي يروم طمأنتنا على نخبتنا ويحاول تطويل أمد الصبر عليها وعلى نتائجها السلبية.
ماانتظرناه طويلا وقع وتم الآن وغيريتس هو اليوم بين يدي جامعتنا ومنتخبنا، والأمل أن لايكون دهاقنة جامعتنا بصدد البحث عن مشاجب جديدة لتعليق القادم من الأفعال عليها..

الخميس، 21 أكتوبر 2010

موتى والله أعلم

أتابع هذه الأيام النقاش الدائر في التلفزيون الفرنسي حول عدد من الإصدارات الأدبية الجديدة وفي مقدتمها الجزء الثالث من كتاب سامويل بنشتريت "chroniques de l'asphalte" وأجدني أتساءل باتمرار: متى سيآتي اليوم الذي سيتقن فيه التلفزيون المغربي لعبة تحبيب القراءة إلى مشاهديه عبر برامج خفيفة، غير ثقيلة، ومرحة غير قاتلة، وثقافية فعلا غير مملة تتحدث عن الكتب ومع كتابها، وتفتح مجال متعة المطالعة أمام شعب يحتاجها فعلا؟
لاأجد الجواب، ولكنني أجد التفسير في غياب هذا النوع من البرامج عن تلفزيوننا لكثير المشاكل التي نحياها على مستوى تواصلنا فيما بيننا، وعلى مستوى تقبلنا أو فهمنا لكثير من الأمور الإبداعية التي قد تقع في بلدنا.
طبعا لست حالما ولا واهما، وأعرف أننا بلد يعيش بقسط أمية كبير تحافظ عليه الطبقة الستفيدة بكل ماأوتيت من قوة لأنه سبب بقائها في "بلاصتها"، لكنني في الوقت ذاته غير قادر على منع نفسي من المقارنة، وغير قادر على عدم التحسر على المآل الذي يراد لشعبنا في هذا المجال: مآل التجهيل، والدفع نحو التافه من الأمور وتصويرنا جميعا باعتبارنا أناسا نهتم فقط بما نزدرده وونهضمه ثم نرسله، أي أناسا لافارق بيننا وبين الحيوانات إلا في بعض الفاصيل القليلة التي لاتقيم فارقا حقيقيا في نهاية المطاف.
وبنفس الحماس نتابع جميعا النقاش الدائر في فرنسا بين نقاباتها وبين حكامها حول قانون رفع سن التقاعد، ونرى كيف أن الصغار من أبناء الرابعة عشرة والخامسة عشرة قد نزلوا إلىالشارع يبحثون عن معركتهم الشخصية التي سيؤثثون بها القادم من الآيام، مثلما أسس أسلافهم لمعركتهم الشخصية ذات ماي 1968 ، وأسمع للطبقة السياسية الفرنسية كلها يمينا ويسارا وهي تتحدث عن معركة الشارع الفرنسي مع رئيسه ومع حكومته، ونتابع النقاش الحيوي الدائر هناك، فننقل - لعن الله البارابول الذي فتح أعيننا هكذا - النقاش إلى البلد، ونبحث عن شخص واحد قادر على أن يقوده فلانجد إلا ضبابا كبيرا، ورغبة في تعويم كل شيء، وعدم قدرة على فتح أي ملف من أجل مناقشته.
حالة موت حقيقية، لا مثقفون يشغلون بالهم بما يهم شعبهم، فينتفضون ضد حالة الركود ويبحثون عن السبل الملائمة لمس الناس وإعادة نبض الحياة لهم، لا صحافيون يمتلكون فعلا الحاسة اللازمة للضرب حيث يوجع الألم الصحفي، والبحث عن مواضيع تنقذ الناس من حالة السب الشاملة التي اعترت الوطن، ولا طبقة سياسية قادرة أن تعطينا الإحساس أنها طبقة فعلا، وأنها سياسية ثانيا، ولا فنانون يشغلون البال هم الآخرون بالبحث عن الجديد المفيد لإبداعنا وذائقتنا وحسنا الفني، بل الأنكى والأمر لارياضيون يرفعون معك وبك "المورال" قليلا، ويرفعن راية البلد في محفل دولي أو إثنين ننسى بهم بؤس انهزامنا الكامل.
كل م في الأمر غرفة كبرى إسمها المغرب، تحيا الليل والنهار بطولهما علي إيقاع السيار اليومي المبتذل، تعيش "آوجور لوجور" مثلما يقول الفرنسيون، وشعارها "كل نهار برزقو" و"يدوز هاد النهار ومن بعد يحن الله". هله هي صورة متشائمة "بزاف"؟
لاأدري، وأعرف أنني أبعد الناس عن التشاؤم في هذا البلد، لكن المقارنة الظالمة لعنها الله تدفع العقل إلى شواطئه الأكثر تطرفا، وتحث عليه بالسؤال "علاش الخرين وحنا لا؟":
قديما قالها الكواكبي وشبع العرب منه ضحكا يوم طرح السؤال "لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن؟" قبل أن يجيب في طبائع الاستبداد أن "الاستبداد أس كل بلية" لكن الأجداد لم يسمعوا له مثلما لم يسممع له من أتوا بعدهم، فحولنا القولة إلى "المعدة أصل كل داء"، وجعلنا من الأكل الشرب وبقية العادات الحيواينية الأولى مبلغ علمنا الأخير، ماحولنا إلى هذه الكا'نات الصعب توصيفها اليوم.
ومع ذلك لامفر من قليل أمل لئلا نعتنق مذهب الموت حلا لكل هذا البوار. هناك بالتأكيد حل ما لكل هذا، هناك منفذ علينا أن نسلكه لكي نخرج من هذه الحالة التي لاتسر عدوا ولا صديقا، وعلى مايبدو لن يكون المرج إلا من بواب مابدأنا به هذا العمود: أن نعود للقراءة جميعا، أن نقلد السابقين في عصور انحطاطهم حين فهموا أن الل هو أن يترجموا وأن يزدردوا الكتب والمؤلفات، وأن يعيدوا بناء شخصيتهم الثقافية والحضارية من جديد، لأن الشخصية الثقافية والحضارية القديمة ماتت أو تكاد.
عدا ذلك ستجدنا فعلا "خير" أمة أخرجت للناس ذات تخلف، تأمر بالتطرف، وتنهى عن العلم والتقدم، وترى الشر محيطا بها من كل جانب أتتها منه أمور لاتعرفها، فالمرء عدو مايجهل، ومشكلتها هي أننا نجهل كل شيء ماجعلنا في الختام أعداء كل شيء، وهذه حالة لاتوصف حقا إلا بحالة الموت والله أعلم على كل حال. و"سمحو لينا على الديرانجمون" في كل الأحوال.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تعيش العيون مثل بوعرفة تماما حالتي غليان اجتماعي مفهومتين فالغلاء يقبض بيده من حديد على رقاب الناس، والأجور الهزيلة التي يتقاضاها المغاربة في أغلبهم غير قادرة على الاستجابة لاحتياجات هذا الزمان، سوى أن المشكل بين العيون وبوعرفة يختلف تماما.
ففي العيون لدينا انفصاليون يرغبون في تسييس هذا الغليان الاجتماعي وتصويره باعتباره أمرا له علاقة لما يقع في تندوف والحق أنه غليان يشبه غليانا. علينا نحن فقط أن لانقع في الفخ

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

تصرفيقة فلسطينية !

صفعة حقيقية وجهها جلالة الملك لكل المزايدين على دفاع المغاربة عن قضية فلسطين ممن تلقفوا الخبر القائل بأن جلالته سيستقبل الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز . الموقف الملكي كان واضحا للغاية: مرحبا ببيريز في المغرب...لكن بعد وقف بناء المستوطنات.
موقف ينخرط فيه المغرب باستمرار، ويؤكد تناغمه مع ذاته باعتباره بلدا يؤمن بأن السلام هو الحل لقضية الصراع في الشرق الأوسط مهما علا صوت السلاح وتجبر، لكن المؤمن أيضا أن على إسرائيل أن لاتساعد المتطرفين في الجانب الفلسطيني على إضعاف القدرات التفاوضية للسلطة الوطنية الشرعية في فلسطين التي تجد نفسها وحيدة ومعزولة في وجه كل مايقع للقضية الفلسطينية من تطورات.
وقد أدهشني فعلا موقف أحد الأصدقاء وفتح عيني على حقيقة تاريخية لاأعتقد أننا في المغرب فكرنا فيها يوما وهي المتعلقة بموقف الفلسطينيين منا ومن الاحتلال الموجود في بلدنا. قال لي ذلك الصديق "تخيل، أننا لم نسمع في يوم من الآيام أي تشكيل من التشكيلات السياسية الفلسطينية يعبر عن تضامنه مع المغرب في وجه الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية". بقيت صامتا أتأمل وجه ذلك الصديق، قبل أن يضيف "بل إنهم لم يتجرؤوا أبدا على معارضة الجزائر فيما تفعله بالمغرب في صحرائه، ولم يفتحوا فمهم يوما لكي يقولوا لحكام الجار إن ماتفلعونه بالمغرب سيء للغاية، ويدل على أنكم لاتريدون مغربا عربيا هادئا في يوم من الأيام".
اختلقت الكثير من الأعذار لكي أرد على ذلك الصديق نها أن الفلسطينيين مشغولون بما هو أهم، أي تحرير أرضهم، وبعدها لكل حادث حديث، ومنها أننا لايمكن أن نطالب شعبا يموت كل يوم عشرات المرات على يد إسرائيل بأن يتضامن مع شعب يعيش في أرضه بهناء وطمأنينة، ومنها أننا إذا أردنا أن نطاع علينا أن نأمر بما يستطاع، وواضح هنا أن الإخوة في فلسطين ليست لديهم القدرة - خصوصا في تاريخ وزمان آخرين - على قول لا للجزائر التي كانت تحتضن مؤتمرات منظمتهم، وكانت تعطيهم الكثير من المال.
ذكرني صديقي أن بيت مال القدس الذراع المالي لوكالة القدس هو الجهة الوحيدة لتي بقيت منتظمة في أداء الواجبات لصالح فلسطين، وأن الاعتراف أتى من طرف الأعداء قبل الأصدقاء بأن المغرب لم يمل ولم يكل من مساندة الكفح الفلسطيني، وأنه بقي البلد الوحيد عربيا الذي لم يربط يوما بين مزايدات سياسية وبين دعم لامشروط للعشب الفلسطيني ونضاله العادل. وفعلا أفحمني ذلك الصديق ووجدتني أردد الكلام المغربي الشهير "حنا المغاربة دايرين بحال هاكا، ماعندنا مانديرو".
كلام لم يمنعني بعد فراق ذلك الصديق من التفكير مليا فيما قاله، وتذكر ذلك الخطاب الشهير للراحل الحسن الثاني عن الفلسطينيين يوم اصطفوا إلى جانب الليبيين والجزائريين ونددوا بالمغرب (الدولة التي استضافتهم ورحبت بهم دون منة أوتفضل) ويومها قالها الحسن لثاني رحمه الله مدوية وكان يقصد بها أبا عمار رحمه الله هو الآخر "اللي عاود ذكر ليا الفلسطينيين..." والتتمة يتذكرها من استمعوا لذلك الخطاب أو من تابعوا قليلا من التاريخ المرتبط به.
تذكرت أيضا عدد المزايدات الفارغة التي أدخل إليها الكثيرون بلدنا باتهامه بالتطبيع السري مع إسرائيل، واتهامه بالتعاون معها لإدخالها إلى العالم العربي، واتهامه بأنه سبب كثير البلاءات التي مست الجسم الفلسطيني رغم أننا بعيدون جدا عن فلسطين وكان من الممكن أن نمثل دور من لايسمعون عنها إلا في نشرات الأخبار بين الفينة والأخرى، لكن المغرب اختار الحل الأصعب فعلا: أن يكف عن التفرج في الدم الفلسطيني وهو يسيل وأن يبذل قصارى جهده لكي يجد لهذه القضية حلا سليما هو الذي يدوم في نهاية المطاف.
طبعا هناك محترفو "الغوات" من عبدة المظاهرات الذين يتمنون أن لاتتوقف نافورة الدم الفلسطيني عن السيلان، والذين يعتبرون فلسطين رسما تجاريا يزايدون به على الجميع كل مرة. هؤلاء لايريدون حلا سلميا لأنهم لايتصورون شكلهم بعد حل قضية فلسطين، لايعرفون أي شعار سيحملونه حينها، وأي صراخ سينخرطون فيه، مثلما لايتخيلون وجود العالم دون قضية بعيدة عنهم لايتضررون من آثارها المدمرة لكنهم يستغلونها لكي يبقوا على قيد الحياة السياسية.
هؤلاء و أمثالهم وهم موجودون لدينا في المغرب ومنتشرون في كل مكان من العالم العربي، وقد وجد الرئيس الفلسطيني أبو مازن الرد المفحم عليهم في قمة سرت الأخيرة حين خاطب الرئيس السوري بشار الأسد الذي يدعي أنه يقود تيار "الممانعة" وقال له في صفعة فعلية "إذا كانت الدول العربية تريد الحرب فلتعلنوها ونحن سنكون معكم، لكن رجاء لاتقاتلوا بنا، كفاكم قتلا لنا"
فعلا ماأحوج شعبنا الفلسطيني اليوم لقولها للكثيرين "لاتقاتلوا بنا وكفاكم قتلا لنا". أيها الكاذبون
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
من رأوا لقاء الترجي التونسي والأهلي المصري والمجزرة التحكيمية التي حدثت فيه وأهدت للترجي تأهلا غير مستحق للنهاية ومن رأوا الحكم الذي قاد لقاء الفت الرباطي والصفاقسي التونسي وهو يختال في الملعب "بكرشه الكبيرة" ويجد صعوبات كبرى في متابعة أطوار المباراة أو الوقوف قرب الموقع الذي توجد فيه الكرة، فهموا أن مسارات كبرى تنتظر الكرة في قارتنا الإفريقية من أجل العثور على موطئ قدم في الخارطة الكروية العالمية.
سنظل لسنوات مقبلة منجما لتصدير المواهب الكروية للآخرين، فقط لاغير، وهذا بفضل مافيا السيد عيسى حياتو ومن معه. هكذا وبكل اختصار

الاثنين، 18 أكتوبر 2010

واش ممكن نتناقشو؟

لم أستغرب كثيرا حجم وحدة الردود التي صاحبت مقال "أحرار ولكن" (عدد الخميس الفارط), لأنني مقتنع تمام الاقتناع أن التيار الغالب في المغرب اليوم ليس هو التيار الظلامي, أو الإخواني أو المتطرف, ولكنه التيار الغبي, الذي يردد كلاما دون أن يفقه أي معنى من معانيه. وبمجرد مارأيت مقال "أحرار ولكن" - الذي خصصناه للدفاع عن الفنانة لطيفة أحرار وحريتها في تقديم فنها بالشكل الذي تريده دون وصاية متخلفة من أحد - وقد وضع في موقع "هسبريس" من طرف "أصدقاء" أستغل الفرصة لكي أشكرهم على "تقديرهم" المبالغ فيه لشخصي المتواضع, حتى علمت أن آلة الشتم ستشتغل من جديد, وأنها لن تترك فردا من أسرنا المسكينة لن تطاله برداءتها.
ومع ذلك لابأس. لنقل إنها ضريبة الحديث بلغة غير تلك التي يحب القطيع سماعها, ولسنا مستعدين لتغيير الديدن في هذه المسألة تحديدا, ولسنا ممن يداعبون "بنادم" في اتجاه الزغب أبدا. نحن نعتبر أن مهمة الرأي هي أن يكون حقيقيا, وصادما, وحرا, وجريئا, عساه يحرك العقول النائمة, ويخرجها من كسلها ولو بالسب والشتم. الأساس هو أن تتحرك قليلا, وأن تشغل المادة الرمادية التي لاتشك أنها موجودة بالفعل داخل دماغها. لذلك مجددا لابأس بكل السب والتجريح الذي قرأناه, ونكتفي مثلما يوصينا بذلك ديننا الحنيف بقول "سلاما" في وجه كل الجاهلين الذين خاطبونا.
سلام لايمنعنا مجددا من العودة إلى نص الموضوع وفكرته الرئيسية: من يخاف حرية الفن في المغرب اليوم؟ ومن يريد أن يوهم المغاربة أن أي جرأة فنية في إبداعهم هي رغبة في النيل من الهوية, ومؤامرة من جهات مختلفة لمس دينهم والإساءة إليه؟
واهم من سيظن أن الآلية التي تحركت ضد لطيفة أحرار في عرضها الأخير "كفر ناعوم" هي ألية اعتباطية حركتها غيرة بضعة معلقين في الأنترنيت هنا وهناك على مااعتبروه شرفهم المشترك كمغاربة. لو كان الأمر هكذا لهان, ولقلنا إنها حرية تعبير علينا احترامها فعلا, وهي إشارة من مجتمعنا لما يريده ويقبله, وعلينا أن نتحرك مستقبلا وفقها إما بالاقتناع أننا سنجلب علينا كل اللعنات إذا ما سرنا ضدها, وإما بتغيير الفكر والنظرية والالتحاق بالتيار القطيعي الذي يتحدث باسم المجتمع دون أن يكلفه هذا الأخير بهذا الأمر أبدا.
المسألة أعقد وأخطر بكثير. المسألة مرتبطة بتوجيه عام للشكل الذي ينبغي أن يكون عليه مجتمعنا في نظر جهات معينة. فيها من ينتمي لتيار الإسلام السياسي, وهو بالتالي يهيء لمستقبل البلد به, ويجب أن يقتل إن فعليا أو رمزيا كل من يشكلون النقيض له. وفيها المتسترون وراء جهات داخل الممسكين بزمام السلطة ممن يتساءلون عن هذه الجرأة التي يعيشها فننا المغربي, وأين ستقف بالتحديد, مدركين ولا شك أن من تجرأ على مساءلة التوافق الجنسي الكاذب في مجتمع يعاني من كل الأمراض المرتبطة بهذا المجال (من الاغتصاب إلى زنا المحارم مرورا بكل ماتريدونه من مظاهر الأعطاب الجنسية), ومن ساءل التدين المظهري السائد والمبني على النفاق في مجمله (من صلاة التراويح المراسيمية إلى احترام "ربعين يوم ديال شعبان" قبل شهر الصيام) سيسائل بكل تأكيد الفراغات السياسية الكثيرة الموجودة في البلد.
لذلك يبدو لهؤلاء أن إيقاف النقاش عند هذا الحد: حد سب من يعبرون عن رأي مخالف, واتهامهم بأنهم "ملاحدة زنادقة, والتلويح بارتباطهم بأجندات غربية أو أجنبية", كافيا لقتل النقاش في مهده تخوفا من أن يصبح كل هذا النقاش حوارا مجتمعيا فعليا حول شكل ديننا وجنسنا وسياستنا, وحول هذا الثالوث المقدس الذي يراد له أن يظل على وضعه الحالي دون أدنى مساس به, لأن في بقائه بالشكل الراهن بقاءا لكل المستفيدين منه.
وإذا كان لمسرحية "كفر ناعوم" من حسنة فهي حسنة فتح هذا النقاش بهذه الحدة اليوم. ولقد كنت مقتنعا على الدوام أن صورة ممثلة شبه عارية في مسرحية ستكون أكثر قدرة على إثارة النقاش في مجتمعنا من مئات المحاضرات والمقالات التي قد نكتبها أو نلقيها في تجمعات محدودة. لذلك أعتبر الفرصة ذهبية فعلا لنقاش حقيقي حول حرية الفن في بلدنا, وحول المسموح به فيه, وحول الممنوع أو الحرام أو المحرم . وأتمنى فعلا من الإخوة المعارضين أن يذهبوا إلى قرارة تفكيرهم وأن يعبروا عن تصورهم لهذه الحرية, وهل يريدون لها بعض الحدود المفهومة, أم يريدون إبادتها كلية.
سنفترض استمرار وجود بعض العقلاء معنا, وسنفترض أن الدعوة لنقاش مثل هذا في زمننا المغربي ليست ترفا لانستحقه, وسننتظر أن نقرأ في هذه الجريدة أو في مواقع الأنترنيت "الصديقة والشقيقة" أو في جرائد أخرى أفكارا تناقش "حرية الفن في المغرب اليوم", وتقنعنا أن المغاربة لازالوا قادرين على النقاش مهما بدا ذلك مستحيلا.
هذا هو الأهم في نظري المتواضع "بزاف", أما الشتائم فمثلما يقول زعيم الكوميديا العربية عادل إمام في "الواد سيد الشغال" ضاحكا: "على العموم, الشتيمة بتلف بتلف وبترجع لصاحبها". "هادا ماكان آلخوت".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أرسلت الجزيرة زميلينا أنس بنصالح ومحمد البقالي على التوالي إلى لبنان والسودن حسبما أخبرتنا بذلك جريدة "أخبار اليوم المغربية". إرسال يأتي لكي يضع حدا للصراع الذي جمع الصحافيين مع الدولة المغربية بسبب تصورهما لطبيعة العمل الصحفي، وبسبب عدم رضا وزارة الاتصال على مايقوم به الصحافيان خصوصا بنصالح الذي أثارت مشاركته في ندوة حول الإعلام باعتباره ناشطا السؤال حول التداخل بين مهمته كمراسل لقناة وبين صفته الجديدة كحقوقي.
"فصل السلط" لم يعد مطلبا يوجه إلى الدولة، بل أضحى مطلبا يوجه إلينا جميعا.

الأحد، 17 أكتوبر 2010

الجزيرة "المغربية" 2/2

تركناها أمس عند سؤال أساسي في قضة الجزيرة وعلاقتها بالمغرب يتعلق بمناطق الظل الكثيرة والفراغات التي طبعت "صفقة" تسليم مكتب للقناة القطرية لكي تضع فيه أوزارها. تلك الفترة الفاصلة بين ٢٠٠٤ و٢٠٠٦ عرفت الكثير مما يجب أن نعود إليه اليوم بتأن كامل لكي نفهم إن كانت الخطوة فعلا حسنة وإيجابية تحسب لبلدنا وللانفتاح المعروف عنه عربيا، أم أنها كانت مغامرة غير محسوبة العواقب وغير مأمون الجوانب، اتضح في ختامها أن المغرب خسر فيها أكثر مما ربح بشكل أكيد.
حضر اقتناع في تلك السنوات أن على المغرب أن يؤكد الخير الذي يقال عنه بخصوص انفتاح العهد الجديد على الإعلام وعلى الصحافة، ووجد الرأي من يدعمه داخ لالسلطة بضرورة البحث عن منفذ عربي للمغرب يطلع عبره الأشقاء على "الثورة الهادئة" الت ييعرفها البلد ويكون بمثابة كوة الضوء التي تسلط على الإنجازات السائرة بيقين لدينا، لكن يكون أيضا عيننا على المشرق وعين المشرق علينا. باختصار تصور رفيع بنية سليمة للغاية من الجانب المغربي وبنية يصعب تحديدها من الجانب القطري الذي أعطى الموافقة والضوء الأخضر "للنزول عند طلب الأشقاء المغاربة دون تردد".
طريق جهنم المحفوف بالنوايا الحسنة سيفتح مجالات عبوره للمغرب، ومباشرة بعد مرور الفترة لأولى لشهر العسل القصير جدا اكتشف المسؤولون الإعلاميون المغاربة الذين تكلفوا بأمر هذه القناة ومكتبها أنهم نسوا في غمرة حماسهم المشروع أن يقفوا قليلا عند التفاصيل.
اكتشفوا أنهم لم يتفقوا مع القطريين وقناتهم حول شكل النشرة المغاربية التي ستبث من بلدنا ، وهل ستكون عبارة عن نشرة تشتغل وفق القانون المغربي أم أنها ستكو نشرة تابعة للقانون القطري الذي يحكم صالة التحرير الرئيسية في الدوحة. الأمر لاعلاقة له بالرقابة أو مايشبهها، ولنه متعلق أساسا بالخط التحريري للقناة. اتضح بعدها أن النشرة كانت مجرد خطوة أولى حولها المسؤولون القطريون ومسؤولو القناة إلى مكتب مغاربي للقناة وهو ماكان يعني منذ البدء الإخلال بالاتفاق الرئيسي الذي جمع الطرفين، وهو الاتفاق الذي كان يقول بالسماح لقناة الجيرة القطرية ببث نشرة مغاربية لها بأمر من وزير الاتصال آنذاك نبيل بنعبد الله واتفاق مع الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات المعروفة ب"الأ إن إر تي" . أكثصر من هذا الجزيرة لم تدخل إلى بلدنا بوثيقة مكتوبة لكي نعرف حجم الهواية في تصرفات مسؤولينا. الأمر كله كان عبارة عن اتفاق شفه بموجبه وضعت القناة القطرية رجلها في المغرب وبعدها كان ماكان .
عندما نتابع اليوم طريقة إنجاز دفاتر التحملات الخاص بمتعهدي السعي البصري في المغرب، عندما نسمع عن الملايير التي يضعونها من أجل إعداد ملفات متكاملة تحظى بقبول الهاكا، عندما نعرف السراط المستقيم وغير المستقيم الذي يمرون منه لكي ينتهوا بإذاعة خاصة صغيدة تخاطب مائة ألف شخص على الأكثر في اليوم، ونقارن هذه المساطر العقدة بالمسطرة السهل والبسيطة جدا التي سلكتها الجزيرة التي تخاطب ثمانين مليون مشاهد يوميا ، وهي المسطرة التي انتهت باتفاق شفهي يسمح لها باالعمل فوق أرضنا،، ويتغافل عن تحويلها لنشرتها المغاربية إلى مكتب قائم لوحده في العاصمة، نتساءل فعلا : شكون فينا الغالط بلادنا ولا الجزيرة؟
القناة القطرية وجدت أمامها مجالا مشرع على كل الاحتمالات، فاشتغلت فيه بكل بساطة ودون أدنى اعتبار للقوانين الجاري بها العمل فوق هذه الأرض، لأنها اعتبرتها أرضا خلاء أو "نو مانز لاند".
لذلك وحين كان المغرب يشغل نفسه بإعداد ترسانة قانونية معقدة في السياسة، تقف بالنقطة والفاصلة عند تفاصيل الاشتغال الخاصة بالتلفزيون، وتعطي ٣٠ بالمائة للحكومة ومثلها للأغلبية ومثلها للمعارضة والعشر المتبقية للأحزاب غير الممثلة في البرلمان وهذا خارج فترة الاقتراع. وحين كان يشغل باله بوضع الضوابط الدقيقة لمرور الأحزاب السياسية خلال الانتخابات بحساب الدقائق والثواني، كانت الجزيرة تفتح أبوابها بالدقائق الطوال لأحزاب هي تعتبر أنها أقرب إلى خطها التحريري من الآخرين، وحينها كان السؤال يطرح لدى من أعطوا الموافقة على دخول القناة إلى المغرب "ناري، شنو درنا عاوتاني؟"
للأسف الشديد مثل هذا السؤال يعد أمرا غير مقبول من طرف السياسي الناجح، لأن هذا الأخير يعرف قبل الإقدام على خطوة ما تبعاتها ونتائجها، ولاينتظر بداية هذه النتائج والتبعات لكي يتنصل من خطوته. لذلك أيضا وحين اضطر المغرب لتحجيم عمل "الجزيرة" فوق أرضه لكي يجبرها على الأقل على احترام القانون الساري به العمل هنا، تماما مثلما تججبر قطر القنوات المشتغلة فوق أرضها على احترام قانون الديرة (وإن كانت قطر مْهْنية من هاد الناحية)، سمعنا كثرا من الضجيج لإن "الجزيريين ومن والاههم" صدقوافعلا أن المغرب هو بلد بدون قانون وتلك هي الطامة الكبرى.

الجزيرة "المغربية"_ 1/ 2

أفهم أن يلجأ زميلانا محمد البقالي وأنس بنصالح إلى المحكمة الإدارية بالرباط للطعن في قرار عدم تجديد اعتمادهما للعمل صحافيين في بلدهما. الأمر مفهوم للغاية، وهو يندرج في إطار المطالبة بحق مشروع ألا وهو حق الصحافي العمل والوصول إلى الخبر الصحيح والحقيق البعيد عن تصفية الحسابات، أو خدمة الأجندات الخارجية أو الداخلية أو ماشابه، مما يطالب به زميلانا ونساندهما فيه بقوة ونطالب بتمكينهما من إنهائه.
لكنني لاأفهم نهائيا أن يتنصب المجلس الإداري لقناة الجزيرة الفضائية لكي يقيم دعوى ثانية إلى جانب دعوى الزميلين يطالب فيها بنفس الأمر. هنا ليسمح لنا الإخوة في الديرة القطرية العزيزة على قلوبنا، ولكن لنا بعض الكلام اللازم قوله وإن أغضبهم مجددا: المجلس الإداري لقناة الجزيرة القطرية يعني الأسرة الحاكمة في قطر. هكذا وبكل اختصار. وأن ترفع الأسرة الحاكمة في الديرة القطرية دعوى ضد وزيرنا الأول اللطيف عباس الفاسي وضد وزيرنا في الاتصال الألطف خالد الناصري فالمسألة فيها نظر فعلا، وهي تعني عداءا واضحا للبلد لم نعهده بين الأشقاء العرب إلا في عهد حمد وقناة حمد لنشر الديمقراطية في العالم العربي.
ومع ذلك لابأس. الإخوة الحاكمون في قطر يريدون رفع دعوى قضائية ضدنا وعلى أرضنا. مرحبا، هذا ديل آخر من أدلة حرية التعبير والتحرك في البلد، مثلما نعرف جيدا أن منح ٨٠٠ تصريح بالتصوير وهو العدد المضبوط للتصاريح التي تمنحها وزارة الاتصال المغربية في السنة فقط للقنوات الأجنبية لكي تصور برامج خاصة بالأخبار فقط هو رقم يقول لنا كل شيء عن حرية العمل الصحفي في بلادنا.
وليسمح لي هنا إخوتنا المهووسون بالجزيرة والمبهورون بأدائها، لكنني لاأتصور أن لقطر القدرة على منح ٨٠٠ تصريح بالتصوير داخل قطر لقنوات أجنبية مختلفة على امتداد السنة. قد تنشئ قطر قناة تمولها بمال الغاز الطبيعي الموجد بكثرة هناك _ اللهم لاحسد _ وقد تجلب لها خيرة صحافيي العالم العربي الذين يهربون من بلدانهم لظروف مادية أولا وأخيرا_ اللهم لااعتراض _ وقد تتوسط زوجة حاكم قطر لديه لكي ينشئ مركز ا لحرية الإعلام يضع على رأسه روبير مينار الرئيس السابق لمنظمة "مراسلون بلا حدود" قبل أن يتم طرده بطريقة مهينة منه_ اللهم لاشماتة _ لكن أن تصل الديرة القطرية إلى حدود منح ٨٠٠ ترخيص لقنوات أجنبية داخل قطر لكي تصور مايحلو لها وتبثه بعد ذلك في الفضائيات فالأمر مستحيل تماما، عكسنا نحن في المغرب، "ماكاين مشكل".
الآن علينا أن نصل مع أصدقائنا في الجزيرة وفي قطر إلى حل ما. ولنأخذ كمثال قضية مصطفى سلمة ولد سيدي مولود. كنا نتنمنى بل كنا ننتظر أن الجزيرة ستحاول اقتحام "غوانتنامو المغرب العربي" أي تندوف, لكي تكتشف لنا الظروف التي يعيش فيها المختطف الشهير. لكن على مايبدو الجزيرة "موالفة غير على المطارات ديال لاس بالماس" حيث تقبع أميناتو حيدر حين ترغب في أداء المسرحيات الرديئة، أما حينما يتعلق الأمر بعمل مهني فعلي يتطلب من "الجزيرة" أن تتحرك طواقمها المهنية الكبيرة التي نراها باستمرار في الآخبار إلى تندوف، وأن يفرضوا على الجزائر وأزلامها في تندوف أن يفتحوا الباب أمام الجزرة لكي تأتينا بصورة واحدة من هناك فالأمر ليس ممكنا ولا يتطلب أن ترفع الجزيرة من أجله الدعاوى ولا أن يتباكوا على حرية التعبير من أجله.
وحدنا هنا في المغرب نبدو لهم قابلين لكل أنواع الإهانة, لأننا أخطأنا ذات يوم خطأ لايغتفر, وقمنا بالسماح لقناة أجنبية بفتح نشرة مباشرة لها من بلادنا. نشرة وليس مكتب, وهذه فضيحة لم يساءل عليها أحد إطلاقا في عهد وزير الاتصال السابق نبيل بنعبد الله, الذي لم يتصرف من تلقاء نفسه وهو يمنح الجزيرة حق إطلاق نشرة مباشرة من الرباط, هذا أكيد, لكنه يتحمل المسؤولية السياسية المباشرة عن هذا الخطأ الجسيم.
هذه أول مرة لاتفاوض فيها دولة قناة حول خطها التحريري وحول ماتريد القيام به في البلد قبل أن تمنحها نشرة مباشرة هي النشرة المغاربية التي تحولت بقدرة قادر إلى مكتب الجزيرة في الرباط, وأصبحت "مسمار جحا" الموضوع لنا داخل البلد بشكل غبي ومريع.
البعض يقول لنا إن علامة انفتاح المغرب الكبيرة هي أنه سمح بهذه النشرة التي تحولت إلى مكتب بمدير هو عبد القادر الخروبي الذي لاتحمل بطاقة اعتماده من وزارة الاتصال إلا وصف "مراسل", والذي غادر المغرب منذ يونيو الفارط. لكننا نقول إن للانفتاح حدودا, خصوصا حين أحتاج لرؤية مهنية هذه القناة اليوم في قضيتي الوطنية فأجد "الضباب" والغياب الدال والكامل, مقابل الامتثال لأوامر جنرالات المخابرات العسكرية الجزائرية. فهل يحق لي بعد كل هذا أن أنتظر مهنية أو انفتاحا من هذه القناة؟
غدا نكمل تفاصيل وكواليس فتح نشرة تحولت إلى مكتب تحول إلى كابوس إعلامي في المغرب الجديد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أعجبني دفاع كريم غلاب على مدونة السير طيلة فترة هذا الصراع الذي مر, وإصراره يوم الأربعاء مثلا في البرلمان على الحفاظ على نفس حماسه لمشروعه. قد لانتفق مع غلاب في كثير من النقط, لكن لايمكنك إلا أن تنوه بقدرته على الإيمان بمشروع قاده وسجل باسمه, واستطاع الآن إيصاله إلى مرحلة التطبيق.
لو توفرت لكل وزرائنا خصلة الإصرار هاته, وتوفر لهم الدعم الضروري لمواصلتها لمرت قوانين أخرى بشكل أفضل, من يتذكر الآن الوزير الشجاع سعيد السعدي ومدونة الأسرة ومعركتها؟

الخميس، 14 أكتوبر 2010

أحرار ولكن !

أتابع منذ فترة غير هينة الفنانة الرقيقة لطيفة أحرار، وأعرف عنها هوسها بكل ماهو فني حقا . تنحت لطيفة في الصخر فعلا في بلد مثل المغرب، وتشغل بالها بالتنقيب عن الأشياء التي ستضيف للفن الذي تقدمه شيئا، ولاتهرب إلى التافه الرخيص أبدا، أو لنقل بعض اأحايين تحت مسميات اضطرار كثيرة. لذلك وحين رأيتها في "كوميديا" فهمت أنها تستوعب الفكرة المؤسسة للبرنامج والقائمة على اكتشاف مواهب شابة، وهذا أمر جيد، لكنني لم أفهم اصطفافها إلى جانب الرداءة التطبيقية التي كنا نراها في ذلك البرنامج، مثلما لم أفهم إلا قليلا مشاركتها في سيتكوم منذ سنتين على القناة الثانية، إن كنت مقتنعا أن الفنان ملزم بأن يعيش، وبالتالي هو ملزم بأن يشتغل ولو أن هذا النقاش ذو حديث فعلا.
لذلك أحتفظ عن لطيفة بشكل عام بتصور راق للغاية، وأعتبرها واحدة من الفنانات اللائي استطعن المزاوجة بين تكوينهن الأكاديمي الراقي وبين ماتفرضه الحرفة وظروف ممارساتها في المغرب. وحين علمت منذ زمن أن لطيفة بصدد الاشتغال على نص الشاعر المغربي ياسين عدنان "رصيف القيامة" فرحت كثيرا لسببين أولهما أن المسرح المغربي التفت مجددا إلى الشعر المغربي يجد فيه السند والعون على الرداءة القاتلة المحيطة به من كل مكان، والمتسربلة في شتى الرداءات، وثانيهما أنني كنت أظن باستمرار أن الشاعر والفنانة خلقا لكي يتفاهما - لكي نتذكر واحدة من الأعمال المسرحية المغربية التي لم يكتب لها كثير انتشار رغم الفكرة النبيلة التي حركتها - وأنه ليس هناك ماهو أفضل من ركح مسرحي لكي يمتشق فيه الشعر مكتوبا للمسرح صهوة كل الحكي، وصهوة كل الممكنات في القول والستحيلات.
هذا نظريا، لنمر الآن إلى التطبيقي، والعملي. كنا نعرف أن المسرحية حين ستعرض، "غادية تنوض القوق للخوانجية". ولطيفة كانت متأكدة من الأمر لأنها أسست لعرض قائم على التعبير الجسدي - ـوالتعبير الجسدي مادة فنية قائمة لوحدها تدرس في كل معاهد التكوين المسرحي لعلم المتطرفين - وقد عمدت لكي تمتص صدمة التلقي الأولى لبث صور تدريباتها المسرحية، وكان واضحا أن جسدها سيحضر في العمل لأنه من المستحيل ومن المضحك أيضا تخيل عمل قائم على التعبير الجسدي دون استعمال الجسد فيه
لكن عندما عرضت المسرحية وجدنا أن كل هذا الكلام النظري وكل هذه التهييئات التي قدمت لم تنفع في منع المتطرفين من التصريح بما يتقنونه أكثر من أي شيء آخر في الكون: تحريمهم للفن. خرج علينا النابحون من كل مكان معتبرين أن لطيفة أحرار ارتكبت جرما غير مقبول وقالت حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية في منشورها "التجديد" كاذبة إن "لطيفة أحرار تعرت أمام الجمهور، علما أن مفهوم لتعري يتطلب بعض التدقيق لأننا لانعتبر المغربيات اللائي يذهبن إلى الشاطئ والمسبح في الصيف عرايا، واحتد المهاجمون في الأنترنيت والمواقع المشبوهة وكالوا لأحرار مايريدونه من التهم، كاشفين عن شيء واحد لاثاني له : هو أن معركتنا الحقيقية ليست ضد التطرف. هي ضد ماينتج التطرف أي ضد الجهل.
لو كان من انتقدوا لطيفة والعرض المسرحي التعبيري الذي قدمته يعرفون معنى التعبير الجسدي لما وصلوا إلى هذا الحد من الرداءة في تعليقاتهم واتهاماته لها، ولو كان من نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق الكاذبة في هذا البلد يشاهدون قليلا من المسرحيات العالمية، أو لو كانوا على الأقل يديرون "الطبسيل" الذي يلتقط لهم برامج القنوات الفضائية جهة قناة "آرتي" الفرانكو ألمانية، لشاهدوا "العجب" من هذه الناحية، لكننا نتحدث هنا عن أناس لايقرؤون ولا يشاهدون، ولايسمعون، ولا يستمتعون، كل مايعرفون فعله هو التحريم والمنع.
معنا أناس يقولون كلما حرموا فيلما أو أغنية أو مسرحية إنهم لم يشاهدوها، وأنهم فخورون بعدم مشاهدتها وعدم الاستماع إليها، وأنهم لايجدون غضاضة في الأمر ولايجدون أي مشكل في انتقادها بل وتحريمها رغم عدم الاطلاع عليها. ما الذي يمكنك أن ترد به على شخص يقول لك إنه لم يشاهد المسرحية أو الفيلم أو العمل الذي ينتقده ولكنه رغم ذلك متأكد أنه يسيء للهوية ويحمل قيما مناهضة لها؟ وما الذي يمكنك أن تقوله لشخص تقدم له ممثلة عرضا من عروض التعبير الجسدي في قالب مسرحي رفيع، ويحكم حكما واحدا على العمل بالقول إن "لطيفة أحرار تتعرى أمام الجمهور في مراكش"؟ طبعا لارد إطلاقا.
كل ما في الأمر هو أننا يجب أن نلتزم أكثر فآكثر بهذه المواقع القليلة التي أضحت للراغبين في التعبير عن أنفسهم وعن إبداعاتهم دون حجر أو وصاية، وعلينا أن نفهم أن واحدة من أهم معارك المغرب اليوم هي معركة الحرية الفكرية والإبداعية لأن من يضربون في هذا الجانب الآن يعلمون علم اليقين أنها البوابة الوحيدة للانعتاق من تخلفهم الذي لايريد عنا فكاكا.
علينا نحن فقط أن نمتلك مايكي من الوضوح الفكري لكي نعرف أن وقت الصمت عليهم قد فات، وأن من يسكت اليوم هو متواطئ معهم دون أدنى جدال.
لطيفة، شكرا لكل لأنك كنت سبب خروجهم من الجحور مرة أخرى.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم يتأخر رد المغرب على التصريحات الاستفزازية لرئيس فريق الهلال عبد الرحمان بن مساعد الذي هدد باللجوء لما أسماه "وسائل أخرى" لإجبار الجامعة المغربية على عدم استقدام غيريتس إلى المنتخب، حيث قال منصف بلخياط إن غيريتس سيلتحق فعليا بالفريق الوطني يوم ١٥ نونبر المقبل واضعا بذلك حدا لهذا المسلسل الكاريكاتوري الذي عاشه المغاربة على امتداد شهور.
في حالة العكس، أي في حالة عدم قدوم غيريتس في هذا التاريخ، تعرف جيدا سيد منصف ماعليك أن تفعله. أليس كذلك؟

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

عشاق البراني

تلقينا خبر تعيين جون مالكوفيتش رئيسا للجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش عن طريق الصحافة الأجنبية, وبالتحديد عن طريق صحافيين فرنسيين اتصل بهم مسؤولون عن المهرجان وأعطوهم هذا السبق لكي يهتموا به في صحفهم. الجميل أو المحزن أو الطريف أو المثير للسخرية هو أن الصحافيين الأجانب الذين تلقوا الخبر لم يحتفوا به إطلاقا, بل اعتبروه عاديا وأدرجوه في صفحاتهم الداخلية معتبرين أنه خبر عادي عن مهرجان ينظم في المغرب والسلام.
السؤال اللامفر منه الآن هو : لماذا يلجأ مسؤولو الاتصال في مهرجاناتنا الفنية الكبرى إلى هذا التعامل مع صحافتنا الوطنية؟ جميعنا مر في يوم من الأيام من مهرجان سينمائي عالمي أو عربي, وجميعنا شاهد كيف يتعامل مسؤولو تلك المهرجانات مع صحافة البلد أولا, ثم مع الصحافة الأجنبية ثانيا. في كان مثلا التي تحتضن أكبر تجمع سينمائي عالمي كل شهر ماي من كل سنة عبر مهرجانها الدولي, لايمكن أن تتخيل انعقاد المهرجان دون أن تكون للقنوات الفرنسية الأولوية في الوصول إلى كل المعلومات والأخبار المتعلقة بذلك المهرجان. لايمكن أيضا تخيل انعقاد الحدث دون أن تكون للجرائد والمجلات الفرنسية أولا وبعدها يأتي الأمريكان والقادمون من كل مكان في العالم الأسبقية في الحصول على الخبر المتعلق بالمهرجان.
الأمر ذاته ينطبق على المهرجان السينمائي الدولي بالقاهرة لئلا يقال لنا إننا نقارن مراكش بكان, والعياذ بالله من المقارنات الظالمة. المصريون أولا, وصحافة الأشقاء قبل الكل ثم يأتي الدور بعدها على الصحافة العربية والصحافة الأجنبية. بل إن مهرجانات صغرى ولدت بعد مهىجان مراكش بكثير مثل أبو ظبي أو دبي تحرص هي الأخرى على أن تكون لصحافة البلد المنظم الأسبقية في كل شيء يهم المهرجان, وليس في الأمر أي سر أو شوفينية أو تعصب للبلد.
المسألة ومافيها هي أن اهتمام صحافة البلد بالحدث الذي يحتضنه البلد هو اهتمام مفهوم, ولن تهتم صحافة أي بلد آخر مهما استدعينا صحافييها, ومهما "أكرمناهم" بذلك الحدث أكثر من الصحافة المحلية مهما "بهدلنا" هذه الصحافة المحلية. الأمر له علاقة بأولويات كل صحافة. فبالنسبة للفرنسيين مثلا الذين يأتون إلى مراكش كل سنة, المهرجان لايعدو كونه فرصة "للديبيزمون" أو تغيير الجو مثلما يقولون هم باستمرار.
قلة قليلة منهم تتعامل مع المهرجان باعتباره فرصة لمراجعة حقيقية لشكل المهرجانات السينمائية التي تنظم في العالم العربي أو إفريقيا, وقلة قليلة تؤمن أن المهرجان يحمل في طياته بوادر مهرجان سينمائي حقيقي. الأغلبية تعتبر الدورة نشاطا سياحيا لايختلف في شيء عن موسم إملشيل للزواج أو عن تظاهرة للإبل أو تربية الماعز في الجبال. علينا فعلا أن نفهم هذا الأمر, وأن يتوقف مسؤولو الاتصال في مهرجاناتنا _ وعلى رأسها المهرجان الأكبر والأهم أي مهرجان مراكش _ عن التعامل مع صحافتنا المحلية باعتبارها صحافة تأتي لكي تستجدي "العراضات" في مهرجان مراكش, مع الصحافة الأجنبية على أساس أنها الصحافة التي تستطيع تقديم كل العون والمساعدة للمهرجان.
ومع ذلك "هضرو فينا وآجيو علينا" فالسنة الماضية أحسست بإحساس رديء عندما علمت أن كل الضيوف المغاربة للمهرجان تم إجبارهم على توقيع ورقة يلتزمون فيها بأداء فواتير مايأكلونه وأساسا مايحتسونه في غرفهم من أكل وشراب خارج عن مصاريف الفندق التي تتكلف بها إدارة المهرجان مما يعرف ب"الإكسترا". رفضت التوقيع على هذه الورقة لأنني أقوم بالمسألة آليا في كل فندق أنزل فيه سواء كنت مدعوا أم لا, ولم أر أي داع يجعلني أقبل إهانة مثل هاته, لكن تفسيرات المسؤولة عن الاستقبال أقنعتني بعذ ذلك وهي تحكي لي العشرات من الحكايات عن صحافيين "مرموقين" وفنانين مشاهير يهربون قبل اليوم الختامي من المهرجان لئلا يؤدوا فاتورة "ويسكياتهم وقناني جعتهم" التي يزدردونها في غرفهم.
تعامل مثل هذا يدفع دفعا إلى احتقار صحافتنا المحلية, ويجعل صورتها في الحضيض أكثر وأكثر, لكن هذا الأمر تتحمل مسؤوليته الأولى والأخيرة إدارة المهرجان التي تعتمد أيا كان لتغطية فعالياته, دون أن تطلب منه على الأقل ثلما تفعل المهرجانات العالمية كتيبا يضم تغطياته السابقة للمهرجان للتأكد مما يأتي لكي يفعله في هذه التظاهرات, مثلما تتحمل مسؤولية لاتقل جسامة الجرائد التي ترسل صحافييها ولاتعرف بالتحديد لماذا أرسلتهم ولاتعرف ما الذي ذهبوا لكي يقترفونه في ذلك المهرجان.
كل هذا يعيدنا إلى نقطة الصفر في كلامنا: صحافتنا عليها أن تعطي صورة أخرى عن نفسها, صورة فيها بعض "الهيبة" وبعض الكبر لكي يتعامل معها الآخرون على أساس أنها كبيرة,وليست مجرد تابع فتات في المآدب والحفلات. ومسؤولو مهرجاناتنا _ ومرة أخرى على رأسها المهرجان الأهم مراكش_ ملزمون باحترام صحافة البلد أولا وقبل كل شيء, ثم التفكير فيما بعد في كيفية التعامل مع الصحافة الأجنبية التي يعتبرون أنهم يقيمون مهرجان مراكش كله لأجلها هي فقط, وهذا موضوع آخر قد يأتي أوان تبيانه بعد حين.

الدارجة والعربية عاوتاني

دعا إعلان دمشق إلى حماية اللغة العربية من العاميات, واحتفى الكذبة من أدعياء الدفاع عن العربية الفصحى بمختلف استعمالاتها بهذا النداء, واعتبروا أنه أتى في وقته لكي يضع حدا لتطاول "العاميات" على اللغة المقدسة. نقاش فارغ للغاية, ويكشف أن الخوف من التقدم اللغوي أضحى هاجسا فعليا يشغل بال العديدين, ويفرض عليهم الرغبة في التحنيط في قالب ميت لايريدون عنه فكاكا بدواع مختلفة أكثرها هشاشة هو أن اللغة العربية هي لغة القرآن, وبالتالي هي لغة مقدسة على كل المسلمين أن يحافظوا عليها وعلى استعمالها.
طيب ياسيدي, مقدسة مقدسة, فما الذي يمكننا أن نفعله بإخوتنا المسلمين الأندونيسيين الذين لايعرفون من العربية إلا الفاتحة و"قل هو الله أحد"؟ ما الذي سنفعله بأخوتنا الماليزيين الذين يكتفون من العربية بإضافة حرفي الياء والراء لأسمائهم الأصلية قصد أسلمتها بعض الشيء؟ بل ما الذي يمكن أن نفعله بإخوتنا من أهل طالبان أي بالأفغان الذين يعتبرهم المتطرفون أكثرنا حفاظا على الإسلام, وهم أناس لايعرفون من العربية الذي بعث؟
لاحل, سوى أن نتعامل معهم باعتبارهم غير مقدسين أو مدنسين ماداموا عاجزين عن الحديث باللغة المقدسة التي يعتبرها العرب هكذا, وانتهى الأمر. ومع ذلك يبقى الإشكال مطروحا: أليس من حقنا الدفاع عن إمكانية كتابتنا وإبداعنا وتواصلنا أفضل بدارجاتنا؟
نحن المغاربة لدينا أفضلية على العاميات الأخرى, أو على اللغات الأم الأخرى, هو أن كثيرا من دارجتنا مأخوذ مع العربية الفصحى , ولدينا قدرة كبرى على تطويع الاستعمال بين اللغتين, ولدينا عدد كبير من المغاربة ممن لايتقنون استعمال العربية الفصحى ولا يفكون طلاسمها, وهم يعبرون باستمرار عن رغبتهم في تطوير أنفسهم وأدائهم اللغوي, وفي التعامل بشكل أفضل مع قضاياهم لو تمكنوا من تواصل يحترم مايعرفونه, ويساعدهم في التعرف على مالايتقنونه.
بهذا الشكل النقاش محسوم, لكن الوجه الآخر للمشكلة يظل مختفيا باستمرار, ولا أحد من هؤلاء الذين يتصدون "من تلقاء أنفسهم" للدفاع عن العربية المقدسة يكلف نفسه عناء شرح السبب الحقيقي لكل هذا الدفاع المحموم: الرغبة في الاستفراد بالمعلومة, والمعرفة, وترك الآخرين, الأغلبية في جهلها لأن الجهل وعدم التواصل معها يصنع صفقة المتحكمين في رقاب العلم.
من يقولون إن اللوبيات الفرانكوفونية هي التي تدفع في اتجاه الدفاع عن الدارجة حفاظا على مصالحها, ودفاعا عن "حزب فرنسا", يتوقفون عند "ويل للمصلين", ولا يقولون لنا إن "اللوبيات العربوفونية" هي الأخرى تدفع في اتجاه ترك المعرفة لديها وحدها, وأن مخاطبتها في موضوع تبسيط العدل والتعليم بدارجة المغاربة هي مخاطبة لن تستقر على حل لأنها تعرف أن فتح المجال لتداول المعلومة بين الجميع بالقدر ذاته من الفهم معناه سقوط أوهام وأصنام كبرى في المجتمع لاتمتلك سوى رطانتها المتحجرة لكي تمثل بها دور المهمين جدا.
الكثيرون من بين هؤلاء يعيشون على الوهم الذي صنعوه بداية الاستقلال حين كان من يمتلك الشهادة الابتدائية وبعض الكفاءة من المشرق قادرا على أن يتحول إلى مدير لمؤسسة عمومية أو لوزير حتى. وحين نخاطبهم بلغة مغاربة اليوم الذين راكموا الشهادات الجامعية من كل الدول, والذين يتحثون بأربع لغات على الأقل, والذين يريدون _ وهذا هو الأجمل _ أن يجعلوا لغتهم المغربية تاجا على رأس كل اللغات التي يتحدثونها: عربية, فرنسية, إنجليزية, إسبانية وغيرها...نجد أن الكلام لايمر بين الطرفين, إذ أنهم يعتبرون أن أحدا, جهة ما, لوبيا ما, يريد تجريدهم من الرمزية الكاذبة التي راكموها على امتداد كل القرون التي عاشوا معنا فيها.
هؤلاء لا أمل فيهم إطلاقا في أن يفهموا يوما معنى الدعوة إلى وضع لغتنا المغربية لغة تواصل رسمية لنا جميعا. هؤلاء الذين يرون المؤامرات في كل مكان, والذين يعتبرون أن جهات خفية كثيرة تترك كل مهامها وتتفرغ فقط لتدمير هويتنا, وقيمنا, ولغتنا وحضارتناو هم أناس "مامعاهم هضرة", لأن الكلام معهم مضيعة للوقت بشكل نهائي وتام.
الأمل يوجد في مكان آخر بكل تأكيد. الأمل الفعلي في التوصل إلى حل فعلي لمشكلة التواصل هاته يوجد في الوافدين الجدد, في أبنائنا وإخوتنا الصغار, هؤلاء الذين تجاوزونا بكثير, ومروا من مرحلة الحديث عن مشكل اللغة إلى مرحلة الإبداع بلغتهم, الغناء بتمغربيت ديالهم, التمثيل بها, الكتابة والإبداع بها, التواصل عبرها, والذين رفعوا "البارة" عالية في وجه المتحجرين الذين يعرفون اليوم أكثر من أي وقت مضى أن لاحل لهم في التوصل إلى أي اتفاق مع هؤلاء الصغار.
الأمل كل الأمل في هذه الروح الجديدة. أما قدامى التحجر فلاعزاء لهم سوى أن يلاحظوا بأعينهم المتغيرات, وأن يعرفوا أنها سائرة بهم أو بدونهم, وذلك أهم ما في الأمر في نهاية المطاف.

الاثنين، 4 أكتوبر 2010

ضوماج نيشان

علمت بخبر إقفال مجلة "نيشان" الجمعة عن طريق صديقين, اتصلا في الوقت ذاته عقب انتهاء اجتماع مساهمي المجلة المغربية الأولى لكي يخبراني بالنبأ. أحسست بألم شديد أعترف بذلك, لا لأني أكتب في "نيشان" زاوية أو عمودا بالدارجة, ولكن لأنني كنت قارئا وفيا لها منذ عددها الأول, وحتى العدد الأخير, أو مايفترض أنه الأخير.
الإحساس الذي يساورك عندما تسمع نبأ إقفال جريدة أو مجلة تتابعها هو إحساس عرفته من قبل لأنني من المدمنين على القراءة الصحفية منذ الصغر, لكن أسوء ذكرياتي في هذا المجال هي تلك المتعلقة بخبر إقفال جريدة "المحرر" الباريسية, وهي جريدة لاعلاقة لها ب"المحرر" المغربية التي تحولت إلى "الاتحاد الاشتراكي". كانت الجريدة الباريسية صحيفة ساخرة تصدر كل أسبوع, وتصل بيومين متأخرين إلى المغرب. وكانت تحفل بقدر غير يسير من الضحك من كل شيء, وفي العالم العربي المريض بكل أنواع المرض, كان قراء "المحرر" يعتبرونها نوعا من التفريغ لكل الضغط الذي تمارسه عليهم حكوماتهم.
كان البعض يقول إن نبيل مغربي مدير "المحرر" يلعب لصالح أنظمة عربية معينة, لكن قراء الجريدة كانوا يعشقون سخريتها وكفى. وحين توقفت الجريدة ذات أحسوا بيتم كبير خصوصا عندما كان يأتي الأربعاء ويتفقدون الأكشاك فلايجدون جرعة السخرية التي تعودوها.
قبل ذلك أو بعده عشت تجربة مماثلة مع مجلة "الصقر" الرياضية المتخصصة. كنت أتابعها كل خميس على ماأتذكر, وحين نشرت آخر أعدادها بعنوان واضح تقول فيه إنه الأخير أحسست بإحساس لم أعد لتذكره إلا مع ماوقع لمجلة "لوجورنال" ثم ل"نيشان" الآن.
وماذا بعد؟
لاشيء. فقدت الساحة الصحفية المغربية صوتا مغايرا أزعج, ناوش, شاغب, وخلق جدالات عديدة. أدى ثمن شغبه المرة تلو الأخرى, أو مثلما كتب أحمد رضا بنشمسي في بيان نعي "نيشان" "سلسلة من عمليات التضييق انتهت بالتضييق الإشهاري ماأدى إلى الإقفال النهائي". البعض وأنتم تعرفونهم جيدا, سيعبرون عن فرحهم لخنق صوت صحفي جديد, سيجدون صعوبات كبرى في إخفاء شماتتهم, وسيجدون من خلال تعابير خبيثة بالتأكيد مبررات شتى لاعلاقة لها بالمبررات الحقيقية التي تمسك بالصحافة المغربية اليوم وتجبرها على الاصطفاف في صف واحد أو...الموت.
لكن هذه الشماتة لاينبغي أن تخفي عنا الوجه الآخر للعملية: إذا سرنا على هذا المنوال, ستنجو جريدة واحدة في المغرب من "هولوكوست" الصحافة (دعونا نقلد الرميد في مصطلحاته وتشبيهاته "شي مرة"), وهي الجريدة التي يعرف الكل خفايا الحدب عليها بعد الصفقة الشهيرة. لكن هل يستحق المغرب أن يتحول إلى بلد الجريدة الواحدة والوحيدة؟ هل يستحق المغرب أن نختصر حريته والإيمان بالانفتاح فيه بعبارة "سبعيام ديال الباكور" التي يبدو أنها انتهت فعلا؟
أتصور أنه من العيب فعلا أن ندفع في هذا الاتجاه, وأعتقد أنه من الإجحاف في حق بلدنا أن نجلس متفرجين على هذه المقصلة وهي تقطع الرأس الصحفي تلو الرأس وأن نفرح لأن من نعتبرهم "مشاغبين" أو "مغايرين" سكتوا, صمتوا, سجنوا, أفلسوا, غيروا المهنة, غيروا الخط التحريري لكي يصبحوا مقبولين, أو هاجروا هربا من بلدهم, هربا من بلد لم يعد قادرا على الاتساع لكي تشمل رحابته الجميع.
شعور سخيف هو ذاك الذي يساور أي متتبع نزيه ومحايد لهذا الذي يجري في ساحتنا الإعلامية, وأنا لاأجد له وصفا, لكننا جميعا نشتم رائحته غير الطيبة كثيرا, ونرى الترتيبات الجارية لدفن كل صوت مغاير أو مختلف وترك المجال لمن يجيدون العزف على النوتة الموحدة إياها. وعلى المهنة, أو ماتبقى من المهنة, وعلى شتاتها أن يتدارك الأمر وإن كنت أعتقد أننا أضعف اليوم من أن نقف في وجه هذا المد الجارف, لكن علينا على الأقل أن نصرخ معارضتنا له, وأن نقول إنه يؤشر لأشياء أخطر نتمنى أن لانصل إليها أبدا, حتى وإن كانت المؤشرات تقول إننا ذاهبون إليها بكل تأكيد.
بالنسبة للزملاء في "نيشان" الذين قاسمتهم ذات أيام خميس عابرة طاولة الاجتماعات, لا أجد كلاما قد يصلح سلوانا, لأن ماوقع كان قاسي للغاية. لكنني أكيد أن ذلك الطاقم بالروح التي كانت تنبض فيه, وبالحياة التي يحملها في دواخله, وبرغبته في التعبير عن مغربيته بطريقته سيجد أكثر من طريقة للالتقاء مجددا في "نيشان" أو في شكل آخر من "نيشان". أما الأجمل في كل هذا فهو أن التجربة تركت أثرا واضحا على المشهد الصحفي والعام بشكل واضح للغاية, ومن الصعب اليوم حتى مع التوقف النهائي أو المؤقت أن نمحو ذلك الأثر.
تذكروا "كلمة" وتذكروا "أنفاس". مرتا من نفس المسار لكن تركتا الأثر الكبير. تلك هي الرسالة في الختام. أن يبقى الأثر, أما العناوين على اختلافها فمجرد وسيلة لترك هذا الأثر. ضوماج "نيشان", وإلى لقاء بكل تأكيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم أفهم من قالوا إن الرد بقوة على العدالة والتنمية وتصريحات بنكيران هو اغتيال للديمقراطية. هؤلاء إما يؤمنون فعلا أن الإسلاميين يعترفون بشيء إسمه الديمقراطية, وهذه يلزمها كثير البلاهة لتصديقها. وإما أن لحساباتهم الخاصة معايير أخرى تدفعهم دفعا للكذب علينا فقط للدفاع عمن تلتقي معهم مصالحهم اليوم.
في الحالتين لاحاجة لنا فعلا لتصديق هذا الهراء, والشعار الشهير "لاديمقراطية مع أعداء الديمقراطية" يبدو اليوم قابلا للتطبيق أكثر من أي وقت مضى.
صراحة ودون كثير نفاق. و"اللي بغا يغضب. شغلو هاداك".

السبت، 2 أكتوبر 2010

آخر زاوية من زوايا "بالدارجة تاعرابت" التي كانت تصدر ضمن "نيشان" المتوقفة بسبب الإشهار السياسي

فاتحة للمغرب
ناضت عاوتاني بين البيجيدي والداخلية. بنكيران دار خطاب حيح فيه مزيان, وقال داكشي اللي كيفكر فيه. ورد الدولة ماتعطلش, والتهمة هاد المرة كبيرة بزاف: "حددو موقعكم _ماشي موقفكم _ من الإرهاب".
هنا السكات ما عندو حتى معنى, حيت المسألة خطيرة: إما أن الدولة عارفة البيجيدي عندو موقع داخل الإرهاب وساكتة عليه, وهادي مايمكنش لينا نقبلوها كاملين. وإما أن الدولة داخلة فبوليميك معا حزب وكتطلق الهضرة بلا معنى, وهادي أخطر من الأولى.
يلا كانو الباحدية بالصح عندهم شي موقع فخارطة الإرهاب المحلي, خصنا نعرفو هاد الموقع, وخص الداخلية اللي خرجات داك البيان الناري توريه لينا. ويلا كان هاد الشي كلو غير رد على بنكيران, فالمسألة فيها نظر كبير.
الأمن ديال المغرب مايمكنش يكون أداة ديال البوليميك. هادي خص يعرفها البيجيدي, ولكن خص تعرفها الداخلية واللي كتبو داك البيان قبل منو. الأمن ديال المغاربة, والقدرة ديالهم على العيش المشترك فشارعهم العام, هي مكتسبات ديال هاد البلاد, ويلا بغينا نقلبو على شي حاجة نعطيوها القداسة (مادمنا مهووسين بالقداسة فهاد البلاد) فهادي هي مسائلنا اللي خصها تكون مقدسة: حق المغربي أنه يعيش.
من غير هاد الشي, يلا دخلات شي جهة فلعبة البوليميك بالأمن ديال المغربي, خصنا نقراو فاتحة لهاد البلاد, ونقولو "مابقا مايتقال". ضد الإرهاب. إيه. ولكن ضد اللعب بيه فنفس الوقت.

الجمعة، 1 أكتوبر 2010

اسمحوا لنا أن نشكك

أن تقارن وطنك بإسرائيل, أن تقول فقط لكي ترد عنك تهمة الإرهاب إن المغرب سيحول 16 ماي 2003 إلى هولوكوست جديد, أن تجعل بلدا يبلغ من العمر مئات القرون شبيها ببلد تأسس في 1948 على أنقاض شعب وبلد آخر. أن لاتحس بالزلة في كلامك إلا بعد أن ترتكبها. أن تعرف أنك "قفرتيها" وقلت كلاما لايقوله العقلاء, وأنك في غمرة الدفاع عن قبيلتك السياسية محوت بلدا بأكمله من الوجود.
أن لاتجد غضاضة في أن تقول للمغاربة إن بلدهم هو مثل بلد المجرمة إسرائيل, أن تعيد إلينا عقارب الساعة بشكلها المقلوب عقارب حقيقية هذه المرة وثعابين سامة تنفث في وجوهنا جميعا السم الذي لم نكن نتخيل وجوده بيننا فعثرنا عليه. المغرب مثل إسرائيل, وهو يريد أن يجعل من 16 ماي 2003 هولوطوست جديدة يرعب بها من يرغبون في الحديث عنهذاا الموضوع. هكذا تحدث الرميد, وليس نيتشه, لأن نيتشه صمت منذ زمن طويل. الحكمة اليوم ومحبتها أصبحت تأتي على لسان المتسربلين بعباءات طالبان في عقولهم, لذلك يحق علينا أن نقول لهم بعض الكلمات التي لن يسمعوها في مكان آخر غير هذا المكان, فالكل هان, والكل يختفي اليوم وراء الشعارات الكاذبة وحقوق الإنسان لكي يقنعنا أن سيلان الدم المغربي لم يعد حراما ولم يعد أمرا تقشعر له الأبدان.
لنذكر الرميد ببعض الأشياء, وله بعد ذلك أن يقول عن المغرب إنه إسرائيل جديدة, وعن 16 ماي إنها هولوكوست جديدة. له أن ينخرط في المسار الذي بدأه بنكيران بدقة وتخطيط حين استل في الجلسة الأخيرة إياها الوريقات من جيب السترة وقال كلمته التي سيكون لها مايليها بكل تأكيد "حنا شاكين فداك الشي ديال 16 ماي" . طيب ياسيدي الشك جيد. بل هو معنى الوجود كله مثلما قالوا لنا في زمن سابق. لكن لنشك في كل الأشياء اعتمادا على هذا المبدأ إذن.
اسمحوا لنا أن نشك في انتمائكم للمغرب ككل, ماتقولونه وماتفعلونه يقول لنا باستمرار أنكم منتمون لتنظيم ولستم منتمين معنا للوطن ذاته, وأن التنظيم عندكم يفوق في حجمه وفي قدره الوطن.
اسمحوا لنا أن نشك في أن كثيرا من دماء الناس التي رحلت في ذلك اليوم الحزين من سنة 2003 هي في رقابكم إلى يوم الدين. كتبتم وقلتم لهم الكثير, وحين اقتنع أولئك الأغرار مروا إلى مرحلة التطبيق وهم يعتقدون اعتمادا على ماكذبتم به عليهم أنهم سيدهبون مباشرة إلى الجنة فقط لو قتلوا منا أكبر العدد الممكن.
اسمحوا لنا أن نشك في مغربيتكم. أنتم إخوانيون, إسلاميون, إسلامويون, ولاد الحركة الإسلامية مثلما تقولون عن أنفسكم, كل وصف يشبه هذه الأوصاف, لكنكم بالتأكيد تعطوننا الإحساس أنكم "ماشي مغاربة", أو أنكم مغاربة فقط بالقدر الذي يسمح لكم بإكمال مخططكم لهذا البلد.
اسمحوا لنا أن نشكك في إيمانكم بالشكل المجتمعي الذي نعيش فيه. أنتم تعتبرون أننا غير قادرين على الاستجابة لكل تطلعاتكم في مغرب بشكل آخر, يشبه المشرق المريض في نخلفه, يكون حراما على القن, وحراما على السياسة إلا ماتخونج منها, وحراما على الحياة, وحراما على الحب, وحراما على كل علامات العيش. ونحن نريد مغربا آخر لاعلاقة له بمقاساتكم الغريبة التي لم نسمع عنها إلا بعد أن "قطر بكم السقف".
اسمحوا لنا أن نشكك في جدية كلامكم حين تقولون لنا إنكم تؤمنون معنا بما نؤمن به, وأن إمارة المؤمنين هي تاج على رؤوسنا جميعا, وأن الديمقراطية هي الحل لنا جميعا, وأن التعددية هي الخيار الذي لن نعود عنه جميعا, وأن الانفتاح هو القدر الذي ينتظرنا جميعا.
اسمحوا لنا أن نشكك في صلاحية وجودكم بيننا. لانرى داعيا لذلك. أنا ولدت مسلما, علمني أبي تجويد القرآن وأنا دون الخامسة, وحفظت منه ماحفظت دون أن أدرك أن الحركة الإسلامية أو المسماة هكذا تريد مني ذلك. عرفت ديني مثلما عرفه المغاربة كلهم عبر المساجد لاعبركم, وتفقنا فيه النزر اليسير أو الكثير عبر العلماء الحقيقيين لاعبركم, وحين كبرنا اكتشفنا أن هناك من يستعمل الدين الذي نقدسه نحن فعلا إلى مطية لكي يصل بها إلى البرلمان أو لكي يبكي بها في سيدي بنور من أجل قافلة طبية لأخيه.
اسمحوا لنا أن نشكك اليوم في كثير من الأشياء. أنتم فتحتم باب جهنم كل هذا التشكيك, والأمر يحق لكم. لكن بالمقابل لاحق لكم في حرماننا من التشكيك نحن أيضا في كل مانراه منكم من علامات على ضيقكم بالعيش معنا على نفس البراح.
اليوم تشككون في دماء أهلنا التي سالت, وتقولون عن بلدكم إنه إسرائيل جديدة. وغدا ماذا؟
غدا ماذا أيها المسلمون زيادة عن المسلمين العاديين؟ فعلا, غدا ماذا؟