الأربعاء، 29 شتنبر 2010

هاكا ولا ماشي هاكا؟

طرحت قضية المذيع عبد العزيز ريباك وتريث الهاكا في إصدار موقف حولها إلى حين تبين الأمر جيدا, نقاشا كبيرا داخل الحقل الإعلامي يتعلق بالسلطات الفعلية التي تمتلكها الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري على القطاع. لايتعلق الأمر مثلما أشار إلى ذلك مازحين زملاءؤنا في الصفحة الساخرة حين كتبوا قائلين إن "أحمد الغزالي يخاف من فيصل العرايشي لذلك لم يصدر قرارا ضد قناته إلى حد الآن"و ولكن يتعلق بالسؤال الجاد والجدي حول قدرة الهاكا فعلا على فرض صوتها داخل المشهد الإعلامي العمومي سمعيا وبصريا.
وصلنا اليوم حسب العديدين إلى المرحلة التي كان ينبغي فيها على قنوات القطب العمومي أن تكون قادرة على فرض آليات تقنين ذاتية خاصة بها لاتلزمها كل مرة بانتظار قرارات الهاكا إثر كل نازلة وقعت أو استجدت. فالأمر يتعلق بقناة أم بلغت الأربعين من عمرها وتجر وراءها تجربة لايستهان بها كان من المفروض أن تكون قاطرتها نحو الحسم مع عدد من القضايا والنوازل التي تقع لها. لكن مانلاحظه اليوم هو العكس تماما: المتتبعون لازالوا ينتظرون من الهاكا التعبير عن موقفها, والقيام بعمليات ضبط وربط داخل الجهاز الإعلامي العمومي, والقناة الأولى وقنواتها المتفرعة عنها لازالت عاجزة عن تقنين نفسها بنفسها, مع احترام كل الصلاحيات المخولة للهيئة ولوضعيتها.
أكثر من هذا _ وهذه مسألة يعرفها المتتبعون جيدا _ تطرح العلاقة بين القطب العمومي وبين الهاكا أسئلة عديدة على مستوى قضايا أكبر بكثير من قضية عبد العزيز ريباك التي لاتعد إلا خطأ بشريا عابرا لايمكن تحميله أكثر مما يحتمل. مثلا في قضية احترام دفتر التحملات هناك أكثر من سؤال يطرح على علاقة الجهتين, وفي مسائل خاصة بالتحديد, مثل قضية التعددية السياسية التي أصدرت الهاكا بخصوصها تقارير كثيرة تقول آن حزبا معارضا أو يفترض أنه في المعارضة مثل "البام" يحظى بأكبر نسبة تغطية لأنشطته أكثر من الأحزاب الممثلة في الحكومة.
مصادر في الهاكا قالت إن الهدف من وراء إصدار تلك التقارير كان هو دفع الأحزاب السياسية إلى خلق نقاش حول موضوع التعددية السياسية في التلفزيون والإذاعة وحول احترامها الحقيقي من طرف الجهازين معا, مثلما كان الهدف هو فتح نقاش عام حول المسألة في الشارع وفي الصحافة المغربية, لكن شيئا من كل هذا لم يقع, وبقي التقرير علامة على أن ثمة خللا كبيرا يطبع العلاقة بين مقنني إعلامنا وبين أبرز الفاعلين فيه.
وإذا أردنا المزيد من التدليل على "فداحة" العلاقة بين الجهتين, فسنجد أن السؤال حول إمكانية فرض الهاكا لاحترام هذه التعددية السياسية على القناة الأولى, هو سؤال قاتل للغاية, ويكشف عن حدود عمل هذه الهيئة وحدود صلاحياتها؟ هل تستطيع مثلا أنم تجبر التلفزيون المغربي على احترام التعددية السياسية فعليا؟ هل تتسطيع أن تجبره على تغيير خطه التحريري الخاص من نوعه في هذه النقطة بالذات؟ هل يمكنها أن تفرض احترام التمثيلية الفعلية للقوى والأحزاب السياسية داخل الرقعة التلفزيونية المحلية؟
للأسف الشديد غير ممكن, وطرح السؤال يبدو اليوم بمثابة تعجيز لهيئة الرجل الحكيم فعلا لا قولا فقط أحمد الغزلي الذي يجد نفسه مكلفا بمهمة غير قابلة للتطبيق عمليا في المغرب اليوم. حتى الإشهار خلال رمضان مثلا _ والكلام لمصادر عليمة في الهاكا _ وضرورة احترام التوقيت المسموح به قانونيا أي الثمانية عشر دقيقة المنصوص عليها لم تستطع الهاكا فرضه إلا بعد أن وقفت عند النقطة والفاصلة وتابعت الموضوع يوميا, وهو ماجر عليها نقمة القناتين الأولى والثانية اللتان وجدتا نفسيهما محرومتين من مال تعتبران أنه رزقهما, حتى وإن كان آتيا بانتهاك قانوني فعلي لقانون ولدفتر تحملات صادقت عليه القناتان معا.
السؤال الأكثر إلحاحا الآن هو ذلك المتعلق بقدرتنا على السير قدما بهذه الوضعية النشاز بين الجهتين. بالتأكيد لن يشتكي الغزلي علنيا أبدا من هذه الوضعيةو وبالتأكيد لن يقول العرايشي في يوم من الأيام إنه لم يعد راغبا في استمرارها لأنها تصنع راحته, لكن المتتبعين الذين حملوا في وقت من الأوقات هم تحرير فعلي للقطاع السمعي البصري يكتفون اليوم بمعاينة الخسائر ولسان حالهم يردد ماقاله درويش ذات زمن آخر في سياق مغاير تماما " ماأكبر الفكرة, ماأصغر الدولة".
ذلك أنه بين الفكرة المحركة لتحرير القطاع التي شكلت حلما كبيرا في أذهان العديدين, وبين ماتم الاستقرار عليه حتى الآن من مكاسب لهذا القطاع, تبدو المسافات الشاسعة والبون الكبير الذي يخبرنا أننا في المغرب علماء حقا في إضاعة الفرص التاريخية التي تتاح لنا لإصلاح قطاعاتنا المنكوبة. وقطاعنا الإعلامي على رأسها في مسألة النكبة هاته لأسباب لاتخفى على حصيف مما لاداعي للإطناب فيه مجددا, إذ يكفي للتأكد من الأمر إشعال جهاز التلفزة, قبل العودة إلى إطفائه تماما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق