السبت، 18 شتنبر 2010

addahik

الضحك فيه وفيه
نجح برنامجان رمضانيان في دفعنا دفعا إلى طرح السؤال حول الحدود التي يقف فيها الضحك والأخرى التي ندخل فيها إلى التجريح. يتعلق الأمر ببرنامجي حسن الفد "الفد تي في" و"طاكسي ترانت سيس" الكاميرا الخفية وهما معا قدما من طرف القناة الثانية, أحدهما سخر من برنامج تلفزي, والثاني قدم لقطات لمقالب تعرض لها مواطنون مغاربة باستمرار. الكثيرون تحدثوا عن علم أو عن جهل في النازلتين, وحدها الهيئة المكلفة بمراقبة المجال السمعي البصري في المغرب ظلت صامتة, وإن كانت مصادر منها قد تحدثت في "الأوف" لصحافة معينة عن عدم رضا الهاكا على خطوة جمعية حقوق المشاهد بمقاضاة دوزيم, معتبرة أن الجمعية تجاوزت الهاكا ولم تعترف بصلاحيتها, وهو نقاش تافه للغاية بالمقارنة مع النقاش الأكبر المتعلق بقدرتنا على الضحك من كل شيء في المغرب اليوم.
شخصيا لدي موقف مسبق من المسألة مرتبط بتصوري للضحك والسخرية, قوامه الأساسي أن الضحك من كل شيء جائز, وأن مجتمعا مثل المجتمع المغربي, يملأ وقت فراغه الدائم بكل أنواع الغباء الممكن تخيل وجودها على سطح الأرض, هو مجتمع يجب أن يضحك من نفسه قليلا لكي يتخلص من علامات قلة الذكاء هاته. في الأمر حقا الحل الوحيد لكثير من رداءاتنا اليومية التي نعتبر أنها أمر لايرتفع وأننا ملزمون بالتعايش معها مهما وقع.
غير أن المسألة ليست بهذه البساطة إطلاقا. فقد نجح القائمون على تسيير العقل المغربي منذ عقود في منحنا الحصانة ضد الضحك, وفي تعقيمنا نهائيا منه, وتصويره باعتباره جرما يجب أن يمس الآخرين فقط, وأن لايطالنا نحن نهائيا. بمعنى آخر من العادي والمقبول أن تضحك من الآخرين, لكي حين يصل الضحك تلابيبك عليك أن تنتفض هربا منه, وهو أمر له تفسير أكبر في العلاقة التي ظل السياسي يربطها مع الضحك ببلادنا في استمرار.
الكاريكاتير النافذ ممنوع, والضحك السياسي مرفوض, والسخرية اللاذعة مسألة لايمكن قبولها, والنموذج الوحيد للابتسامة المقبولة في الوطن هو ذلك الذي ينبني على تبخيس شخصية المواطن البسيط, واللعب على انتماءاته العروبية أو القروية أو شكل لباسه أو طريقة كلامه أو عاهاته الخلقية والجسدية في الكثير من الأحيان. أما الضحك الذي يحمل بعض العمق, والذي يراد منه الوصول إلى ماهو أكبر من الضحك فمسألة دونها الموت بكل تأكيد.
لنا أن نعدد النماذج الكثيرة على هذا الأمر وسنجد أن المسألة أصبحت ديدنا فعليا, أمرا يتكرر باستمرار, حد التحول إلى ناموس أو قانون غير مكتوب يفرض على ساخرينا أن يلعبوا "في حدود معين", وأن يستوعبوا جيدا أن "الضحك مامعاه ضح", وأنه من اللازم اتخاذ الحيطة والحذر لئلال ينقلب السحر على الساحر, و"يجي الواحد يضحك شوية يهجروه ليه".
المسألة ذاتها نحياها في الصفحة الساخرة التي أطلقتها "الأحداث المغربية" منذ سنة ونيف. القراء يتفاعلون مع الصفحة بشكل جيد للغاية, تعليقاتهم عليها وطريقة متابعتهم لها تكشف أنهم وجدوا فيها شيئا يريدونه, والعديد من الفاعلين في المجالات العامة المغربية يعبرون عن إعجابهم بها, ويصرون حين تتناول شخصية ما على أن يعبروا عن رضاهم التام على طريقة تناول تلك الشخصية. فقط حين تمس السخرية ذواتهم, هنا يصبح للكلام معنى آخر. كبار المنوهين بالصفحة يصبحون أشرس أعدائها, والمصطلحات والأوصاف الجاهزة تخرج من أغمادها لكي تعبر عن ضيق أبدي بالضحك الحقيقي في نهاية المطاف.
ماهو مشكلنا مع الضحك في الختام؟ مشكلنا معه أن جهة ما صورته لنا باعتباره خطيرا. أمرا لايجب التسامح معه. هذه الجهة تعرف أن السخرية هي أشرس سلاح يمكن للضعيف أن يعثر عليه في مواجهة الحياة, لذلك هي تحرص على ألا تترك هذا السلاح بين أيدينا. ولأجل ذلك هي تسعى لتصويره بشكل خاطئ تماما, بتقديمه إلينا كالخطر الذي يتهددنا جميعا والذي سينتقص من هيبتنا إذا ماتسامحنا معه, وسيمكن الآخرين من الضحك منا.
المسألة ليست قطعا بهذا الشكل. ففي بلدان مثل بلدنا إذا ماجربنا الإيمان فعلا بهذه العقلية الديكتاتورية وواصلنا قمع الابتسامة الرصينة في دواخلنا ومنعنا السخرية الهادفة من الوصول إلى مكامن الخلل العديدة _ وماأكثرها تبارك الله _ وحرصنا على أن نتجهم جميعا لكي نبدو جديين (علما أن السخرية الحقيقية ليست نقيضا للجدية عكس ماقد يتصوره بعض البهلوانات) فإننا سننجح في شيء واحد فقط: أن نقتل قليل الحياة الموجود فينا. أن نتحول جميعا إلى موتى لايتحركون لضحكة, ولا تهزهم القدرة على الابتسام, ولايملكون لا الرغبة ولا الجرأة على جعل الضحك دواءا لكل عللهم المستشرية فيهم, والتي يرفضون الاعتراف بها, رغم أنهم يشاهدونها رؤى العين يويما لكنهم يحاولون كذبا إقناع أنفسهم بالعكس.
اتركوا للضحك بعض المتنفس وقليلا من موطئ القدم في هذه الديار, فهو آخر ماتبقى لنا وسط الملهاة المبكية...المضحكة التي يقترحها علينا أكثر من طرف في بلاد العجائب المليون هاته.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أرعبني الزميل فؤاد مسكوت وهو يقص لي نماذج من بعض الذين تسللوا إلى مهنتنا المسكينة هاته في مدينة الجديدة, وجعلوا منها وسائل اغتناء غير شرعية, خصوصا منهم أولئك الذين التحقوا مباشرة بالحرفة من السجن حيث كانوا يقضون عقوبات حبسية بتهم مختلفة, ودفعني دفعا وهو يحكي إلى طرح السؤال عن إمكانية الاستمرار في حرفة مثل هاته يشتغل فيها معك دون أدنى إشكال أناس لاعلاقة لهم بها, يخرجون من "الحباسات" لكي تعطيهم جهة ما داخل البلد إمكانية إصدار جرائد والتحول إلى مدراء لها.
جهة ما يجب أن تتحرك وإلا فإن على القلة التي تحترم نفسها بيننا أن تغير العتبة, وأن تذهب للبحث عن مورد رزق آخر غير هذا الذي اتسخ بكثير الأشياء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق