السبت، 25 شتنبر 2010

منافقون بلا جدود

كم مرة نسمع في الشارع المغربي عبارات سب الرب؟ كم مرة تلتقي أذننا بعبارات نابية تمس ماأسماه زملاء لنا "الذات الإلهية" نرد عليها بتمتمة عبارة "أستغفر الله العظيم", ونمضي؟ بالتأكيد العشرات من المرات, إلى الحد الذي يجعل هذه العبارات مجرد جمل مستهلكة ألف اللسان المغربي أن يعبر بها عن حالات غضبه القصوى دون أن يعني ذلك بالضرورة أن من استعمل تلك العبارة يريد بها فعلا سب الله أن النيل من قدسية الدين أو الرب عند المغاربة.
مناسبة هذا التذكير ببديهياتنا اللغوية في الشارع الضجة الكبرى التي أقامها زميلنا في القناة الأولى عزيز ريباك حين انفلتت من لسانه عبارة وهو في حالة غضب قصوى بعد أن أوصله التقنيون المكلفون بنقل لقاء المغرب التطواني والوداد الفاسي إلى المرحلة الأخيرة من التفكير, فأطلق للسانه عنان التعبير عن الانفعال دون أن يكون على علم بأن صوته وعبارته سيصلان إلى المغرب كله, وسيصبحان أداة لنقاش كبير وسببا في مروره من مجلس تأديبي يرتقب أن تكون عقوبته قاسية.
لنكن واضحين جدا في هذه المسألة: ريباك ارتكب خطأ مهنيا, هذه مسألة لانقاش فيها, وكان يفترض بمن أمضى سنوات طويلة وراء الميكروفون أن يتحلى بقدر كبير من الهدوء الذي يمنعه أن يستسلم لانفعاله. لكن ماوقع وقع, والأمل اليوم هو أن تراعي أي عقوبة يراد إنزالها بالرجل أن المسألة نتيجة انفعال لا أقل ولا أكثر, وأنها يمكن أن تقع لأي واحد منا, وهي بعبارة أوضح لاتتطلب كل هذا الضجيج الذي انخرطنا فيه جميعا لكأن الرجل ارتكب مالم يرتكبه أحد قبله في العالمين.
نفس الأمر تكرر بمناسبة استضافة ياسين فنان مخرج "العقبى ليك" من طرف إذاعة "أصوات". أسئلة المذيعتين الاستفزازية دفعت ياسين في لحظة من اللحظات إلى إطلاق كلمة "بيتان" بالفرنسية على الهواء مباشرة, وهنا أيضا قامت القيامة مرة أخرى واعتبر العديدون أن ياسين أتى بشيء لايقوم به المغاربة عادة, علما أن جولة صغيرة في الشارع المغربي تكفيك لكي تشنف أذنك كل أنواع عبارات السباب التي يطلق عليها المغاربة في دارجتهم "من المنقي خيارو".
ما هو السبب في هذا الانفصال التام بين كلامنا في الشارع وبين مايفترض منا أن نقوله في التلفزة أو في الإذاعة؟ طبعا نحن لانطالب بفتح المجال أمام العبارات النابية لكي تدخل وسائل إعلامنا, لكننا بالمقابل نطالب بالتعامل بنسبية مع مثل هذه "الحوادث اللسانية المعزولة" حين تقع. مثلما يجب علينا أن نتأمل في هذا النفاق المستشري الذي يجعل المغربي يمضي اليوم كله في سب الرب في الشارع, وفي الوقت ذاته يسب هذا المذيع المسكين, لماذا ؟ لأنه سب الرب في التلفزيون.
الأمر شبيه بالنكتة الشهيرة عن الأب الذي لم يستطع أن يمنع إبنه من استعمال عبارات نابية تمس "الذات الإلهية" باستمرار, فأمسك به من خناقه وقال له "تعاود ربك تسب الرب, غادي نرمي ربك من الشرجم". لاأرى فعلا أي فرق بين النكتة وبين ردود الأفعال المبالغ فيها التي اجتاحت شاارعنا المغربي بعد خطأ ريباك.
ولعلنا اليوم ملزمون بأن نتأمل النموذج الفرنسي في التعامل مع لغة الشارع في التلفزة والإذاعة, حيث استطاع كوميديون أولا من غي بودوس إلى أشهر مستعمل للكلمات الكبرى عبر التلفزيون جان ماري بيغار, أن ينقلوا هذه الكلمات من معانيها الصادمة التي تمتلكها في الشارع لكي يحولوها إلى استعمال عادي لايعني شيئا في وسائل الإعلام. بل إن فقرة شهيرة في قناة كنال بلوس ضمن برنامج "النشرة الكبرى" تعودت أن تسأل ضيوف البرنامج عن "الكلمات الكبرى المفضلة لديهم أو التي يستعملونها باستمرار". والجميع حين يمر من تلك الفقرة يرد ولا أحد من المشاهير الذين تستضيفهم من سياسيين وإعلاميين وفنانين قال في يوم من الأيام "لا أنا لاأستعمل أي كلمة كبيرة", بكل بساطة لأن الأمر غير ممكن, وهذه العبارات التي نقول عنها نحن نابية هي مجرد انعكاس للحظة انفعال إنسانية لاتعني شيئا على الإطلاق, والتعامل معها ينبغي أن يكون فعلا تعاملا عابرا لايتوقف كثيرا عنها.
إن ماكشفت عنه قضية ريباك (ولاحظوا أنها أصبحت قضية الآن) هو أننا مجتمع منافق بامتياز, وفي الحقيقة هذه النازلة الأخيرة ذكرتنا فقط بهذا الأمر, لأننا كنا نعرفه, ونلتقي مع علامات هذا النفاق يوميا . ويكفي أن تتأملوا في المشهد الرائع والمثير للكثير من الأسئلة للتناقض الكائن بين رقم 300 ألف مصلي التي ختمت القرآن مع القزابري في مسجد الحسن الثاني في رمضان, ثم بعد ذلك بأيام قليلة فور إطلاق سراح "الشراب", رقم 40 مليون لتر من البيرة التي يجتاحها المغاربة يوميا أو شهريا أو سنويا والله أعلم.
الخلاصة؟ علينا فعلا أن نؤسس جمعيتنا " جمعية منافقون بلا جدود", فلاأصل فعلا ولا جد لكل هذا النفاق الذي نحيا فيه هنا والآن...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق