الخميس، 16 شتنبر 2010

في الواجهة - عمود الأربعاء 15 شتنبر 2010

خليوه يحرقو !
هل هناك مكان لعقل عربي صغير اليوم في هذا التابوت الذي نعيش فيه؟ هل نستطيع أن نعثر على عاقل واحد في مجرة المهابيل هاته التي نقطنها والتي تسمى مجازا العالم العربي؟ مؤخرا نجح قس متطرف كان مغمورا أياما قليلة قبل إعلانه نيته إحراق القرآن الكريم لكي يشعل في تابوتنا هذا نارا لم تنطفئ بعد.
البعض هدد بالانتقام _ بالمناسبة لم يثبت إطلاقا أن انتقم المسلمون أو العرب لمكروه مسهم أو مس دينهم مثلما يقولون في عصرنا الحديث _ والبعض قال إنها بداية الحرب العالمية الثالثة, والبعض الثالث دعا للضرب بيد من حديد على يد هذا القس الذي تجرأ وقال إنه سيحرق القرآن. ولا أحد قال "دعوه يحرقه ياجدعان, فلدينا منه النسخ الكثيرة, ولدينا أناس يحفظونه في صدورهم". ولا أحد قال "وماذا سيضير كتابنا المقدس أن يحرقه قس متطرف لايعرفه إلا أتباع كنيسته الصغيرة؟
العكس تماما هو الذي حصل, والكل وجد نفسه في قلب مزايدة غبية لكي يثبت أنه يغار على القرآن الكريم أكثر من المسلمين الآخرين. في ختام هذا المقلب غير الطريف كثيرا أعلن تيري جونس أنه لن يحرق أبدا القرآن, وبالمقابل أحرق المسلمون أعصابهم, وأحرقوا الرايات الأمريكيةو وأحرق بعضهم الأناجيل, وأحرقت الأغلبية سجائر عديدة مباشرة بعد انتهاء رمضان في انتظار أن تتأكد من قدرة القس على تنفيذ تهديداته البليدة.
وماذا بعد؟ والو. لاشيء. انتهى هذا المقلب السخيف مثلما انتهى قبله مقلب الكاركاتيرات الدانماركية, حين خرجت الجموع في عالمنا الإسلامي بجدية لكي تطالب بمقاطعة الأجبان ومشتقات الحليب وكل ماتنتجه الأبقار الدانماركية, دون أن نعرف من الأحق بالمقاطعة فعلا: أبقار الدانمارك أم أبقارنا المحلية الصنع والمنتمية لسوء الحظ لجنس البشر رغم التصرفات البقرية الواضحة.
هل سيتكرر هذا المقلب؟ يوووووه, مثلما يقول المصريون. سيتكرر كثيرا. في كل مرة تلعب ذبابة في رأس متطرف أو معتوه في مكان ما من العالم بالقيام بشيء فيه إساءة لهذا الدين _ كبرت أم صغرت _ ستخرج المظاهرات, وستعتلي السيارات تلك الشعارات الشهيرة "لبيك يارسول الله, كلنا فداك ياكتاب الله", وسيصرخ العديدون غضبهم, وسيقولون إنهم مستعدون للموت دفاعا عن كتاب الله, وعن رسول الله, وعن مقدسات الله.
طيب, لامفر من التنويه بأصحاب النيات الحسنة في كل هذا. أناس مسلمون عاديون يعتبرون أن البعض يستهين بدينهم ويريد له باستمرار الإهانة تلو الإهانة. لكن التنويه لايعفينا من طرح السؤال: من السبب في الخلط الواقع اليوم لدى الغربيين بين إسلام القاعدة وبين إسلام بقية المسلمين؟ الكثيرون سيردون القاعدة والحركات المتطرفة هي المسؤولة, لأنها روجت عن ديننا تصورا متطرفا يرى في قتل الأبرياء جهاداو وفي اختطاف السياح ونحرهم هرولة مؤكدة نحو الجنة. لكننا ملزمون بأن نقول كلاما آخر: المسؤول الفعلي هو هذا الرأي الرائج في العالم الإسلامي المؤيد بشكل أو بآخر لإسلام القاعدة وإسلام المتطرفين لا إسلام المسلمين العاديين.
علينا أن لانكذب على أنفسنا بأن نقول إن أغلبيتنا متسامحة ولا تؤمن ببن لادن وجهاده الكاطب. الحق اليوم داخل الشارع العام العربي هو العكس تماما. صور بن لادن تعتلي المظاهرات. صور نصر الله تنافسها, وشعارات العنصرية ضد المسيحيين واليهود لها الغلبة على ماعداها من شعارات في أغلب مظاهراتنا, وخطاب الحقد والكراهية هو القابل للرواج أكثر وهو الذي يستهوي الجموع أو لكي نسميها التسمية الأخرى الأقرب لما تفعله هو الذي يستهوي القطيع.
لذلك وفي غمرة حماسنا لاستعداء الكل علينا, لابأس أن نتذكر مانفعله نحن في الآخرين. لابأس من أن نطرح السؤال بعد مرور تسع سنوات على الحدث الذي هز العالم بأسره أي حدث تفجير الوورلد تريد سنتر: شنو هو هاد الدين اللي كيسمح لمنتسبين ليه بقتل ألفين ديال خلق الله فنهار واحد؟ هذا الدين لكي نكون واضحين لاعلاقة له بديننا الإسلامي الذي جلبنا عليه. هذا الدين هو دين متطرفي السياسة المتأسلمين ونحن منه براء. والمعركة الكبرى في العالم الإسلامي اليوم هي أن نقيم الفرق بين المسلمين إسلامنا العادي وبين هؤلاء القتلة اللذين يختفون وراء ديننا لكي يلصقوا به كل هذه التشوهات.
من سيخوض هذه الحرب؟ طبعا لاحاجة للاعتماد على الأحزاب السياسية في العالم العربي, فهي منشغلة بما هو أهم: تدبير أمر الكراسي بينها, بل والتلويح بإمكانية التحالف يوما مع هؤلاء القتلة شرط أن يضمنوا لها البقاء فقط لاغير والاستفادة من الكراسي ومصالحها.
الأمل كله اليوم في جيل جديد في هذا التابوت الممتد من الماء إلى الماء, يفتح عينيه جيدا, يطرح الأسئلة اللازمة الطرح وإن كانت موجعة أو مغضبة, ويستطيع عبر العثور على إجاباتها _ عكس الجيل السابق الذي لم يستطع العثور لا على الأسئلة الصالحة ولا على الأجوبة طبعا وأضاع لنا زمنا كبيرا من أعمارنا في الهباء _ أن يمر إلى مرحلة نقل هذه الإجابات إلى التطبيق.
هو حلم بعيد لكنه ليس مستحيلا بكل تأكيد. في انتظار ذلك "خليوه يحرقو آلمكلخين", فلن يضر متطرف مغمور دينا عظيما مثل الإسلام فقط بحرق نسخة منه.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كدنا نعيش لولا لطف الله تكرار حادث مكناس وجامعها الشهير باب البرادعيين بمناسبة عيد الفطر الأخير حين انهار سقف مسجد على رؤوس المصلين في سباتة بالدار البيضاء.
التساؤل اللازم اليوم هو عن الحملة التي قادتها وزارة الأقاف والتي أقفلت بموجبها العشرات بل المئات من مساجد المملكة وعن مدى نفع هذه الحملة في رفع الضرر عن المصلين.
المساجد أصبحت تقتل في بلدي. واهادي زوينة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق