الاثنين، 13 شتنبر 2010

في الواجهة - عمود العيد السعيد

التوبة من الفن ؟!
رأيت الفنان عبد الهادي بلخياط في ختام مسابقة تجويد القرآن الكريم, واستمعت لما أداه من "أغان" أو مايمكن أن نطلق عليه تجاوزا "أغاني" وتساءلت مع نفسي عن السبب الذي يمكن أن يجبر أسد الأغنية المغربية على أداء مواويل وأمداح لاترقى لمستوى قامته الفنية الكبيرة. أحترم كثيرا رغبة الفنان بلخياط في القطع مع مرحلة معينة من تاريخه الفني, وأحترم اختياراته القيمية, لكنني لاأفهم السبب الذي سيجعل فنانا من حجمه يسيء بنفسه لفنه الذي قدمه لأجيال من المغاربة, هكذا وبجرة قلم.
عبد الهادي بلخياط هو "قطار الحياة", هو "القمر الأحمر" هو الروائع التي تغنى بها المغاربة أجيالا وأجيالا, وليس من حق عبد الهادي في العمر الذي بلغه اليوم أن يقدم أي شيء بحجة أن ذلك الشيء الذي يقدمه هو أمداح دينية, مايعني أن علينا القبول بها كيفما كان الشكل الذي أتتنا به, ودونما اعتبار لقيمتها الفنية, لمستوى كلماتها, للحنها, لطريقة تلحينها, ولطريقة أدائها. ولو تعلق الأمر بمغن آخر غير عبد الهادي لقلنا "هانية" وتجاوزنا, لكن الأمر يتعلق بكبير الأغنية المغربية. وحين يتعلق الأمر بالكبير عليه أن يحسن الاختيار فعلا, وأن يكون تحوله إلى الأناشيد أو الأمداح تحولا في مستوى القيمة الفنية التي بناها حجرة حجرة على امتداد سنوات.
هذه التحولات في الفكر لدى الفنانين شيء محترم لأنها تمس الطبيعة الشخصية للفنان, لكن خروجها إلى الساحة العامة وتقبل البعض لها ورفض البعض الآخر أمر طبيعي أيضا مادام ذلك الفنان ملكا للناس جميعا. لذلك حين يقرر الفنان القيام بانقلاب في حياته الفنية ويقرر أنه لن يغني العاطفي بعد اليوم أبدا وسيغني الديني فقط, عليه أن يطرح السؤال: هل أحبني الناس وأنا أغني الديني أم وأنا أغني العاطفي؟ الأمر شبيه تماما بمن يترشح للبرلمان بلون حزبي, ويقوم فور صعوده إلى القبة بتغيير الانتماء. لافرق إطلاقا.
وقد عشنا في شهر رمضان الذي نودعه هذه الأيام نفس القصة مع مغن من درجة أخرى هو المختار جدوان الذي خرج في حوار مطول معه الشهر بأكمله عن التغير الذي وقع في حياته وقرر بموجبه الاعتزال عن الفن والتوبة إلى الله. التوبة "زينة, هادي مافيهاش الشك, ولكن التوبة مناش بالتحديد؟" هذا هو السؤال. يصنع الفنان تاريخه وثروته وإسمه من الفنو وحين يصل إلى درجة الإشباع الكاملة يقرر أن الميدان الذي صنع فيه إسمه وثروته ومده هو ميدان غير صالح ويجب أن يتوب عنه. في المسألة تناقض كبير ولا شك, خير رد عليه أن يقوم الفنان الراغب في التوبة بالتصدق بكل المال الذي جناه من الميدان "الحرام" الذي تاب عنه, وأن يبدأ من الصفر من ميدان آخر.
هنا سنصفق له فعلا, وسنقول "هذا الرجل يقول مايفعل", أما أن يجني المرء ملايين كثيرة من ميدان الفن, وأن يقرر في لحظة من اللحزات لآن يسثمر المال الذي جمعه لسنوات عديدة في ميادين لاعلاقة لها بالفن لأن الفن "حرام", ويعلن أنه تاب منه, ففي المسألة نفاق كبير, والعياذ بالله من المنافقين.
النموذج الأبرز عربيا لهذه المسألة هو الحاج حسن يوسف. الممثل المصري الشهير الذي شبع قبلا وعناقا في كل ممثلات الأبيض والأسود قرر في سنوات التسعينيات أن يتوب من الفن وأن يعود إلى ربه, وأن لايؤدي إلا الأدوار الدينية, فلعب شخصية الشيخ متولي الشعراوي, وقال قولته الشهيرة بعدها "من لعب دور الإمام الأكبر لايمكنه أن يلعب دورا آخر إلا أدوار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم". قلنا جميعا آمين, وصدقنا أن الرجل تاب فعلا وأنه لن يؤدي إلا الأدوار الدينية.
أكثر من هذا تحول الرجل إلى مفتي في المسائل الفنية مثل زميلته سهير البابلي الفنانة القديرة والداعية الفاشلة, وأصبح يوزع صكوك الغفران على من يرى أنه يستحقها, ورغم ذلك قلنا لابأس. سنوات بعد ذلك وبالتحديد في شهر الصيام هذا, فاجأنا حسن يوسف بلعبه لدور تافه للغاية رفقة ممثلة أتفه هي غادة عبد الرازق التي أمضت رمضان كله في تغييير ملابسها واهتمت بهذه المسألة أكثر من اهتمامها بإتقان لعب الدور الذي شخصته. في التفسير الذي قاله حسن يوسف للصحافة عن عودته الميمونة إلى الميدان أكد أنه اكتشف بأن المسلسلات والأعمال الدينية لاتصل إلى جمهور كبير وأنه فضل الوصول إلى الناس مجددا بمسلسل درامي أكثر انتشارا.
أي رسالة يمكن أن يقدمها مسلسل مثل "زهرة وأزواجها الخمسة"؟ طبعا لاوجود لأي رسالة. كل ما في الأمر هو أن رنين المال استهوى حسن يوسف بعد التوبة مايطرح السؤال كبيرا في الختام: هل يتوب أهل الفن عن الفن لوجه الله حقا أم يتوبون بعد شبعهم المالي, ثم يقررون العودة حين تنقصهم "بعض الدنانير"؟
لامفر من طرح السؤال وإن أغضب مجددا, فديننا هو الذي يتضرر من نوبات التدين المفاجئة هاته, ومن العودة عنها ثم العودة إليها باستمرار.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
انتهي رمضاننا التلفزي بما عليه وبما عليه أيضا، وااستمعنا هذه السنة أيضا للموال ذاته من جانب الناس والصحف التي انتقدت المنتوج الرمضاني الذي قدم إليها، ومن جانب المسؤولين التلفزيونيين الذين اعتبروا أنهم قاموا بواجبهم وزيادة. الآن أتى وقت الحساب، لكن كلمة الحساب هاته ليست كلمة مغربية على الإطلاق، فنحن نفضل عوضها عبارة "ترك الجمل باركا" لئلا نتسبب لبعضنا البعض في أي مشاكل من أي نوع.
لنتركه باركا إذن هذا الجمل، ولننتظر تكرار الكوارث ذاتها العام القادم وكل عام...عيدكم مبارك سعيد على كل حال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق