الاثنين، 6 شتنبر 2010

في الواجهة - عمود الإثنين 6 شتنبر 2010

حنا بالله والشرع !
مثلما يحدث حين يصل الخصام منتهاه بين الأزواج وتصيح الزوجة في وجه زوجها "أنا بالله والشرع, القاضي هو اللي غادي يعرف ليك نتا", قامت جمعية جماية المشاهد المغربي بتسجيل موقفها خلال شهر رمضان الحالي من برنامج الكاميرا الخفية الذي تقدمه القناة الثانية دوزيم والذي يحمل إسم "طاكسي 36" وذلك برفع دعوى قضائية لدى المحكمة الابترائية بالرباط لوقف عرض هذا البرنامج.
الجمعية استندت في دعواها على أن البرنامج سجل عدة خروقات أهمها تحريضه على عدم احترام قانون السير, والتلفظ ببعض العبارات العنصرية, مما فصلنا فيه في عدد الجمعة حين نشرنا قرار الجمعية ورد فعل القناة الثانية, ومشاكل أخرى مرتبطة ببرامج رمضان التلفزيونية, مما لاداعي للعودة إليه مجددا.
الذي ينبغي اليوم الحديث عنه فعلا هو السؤال: ما الذي أوصلنا إلى هذا الحد من اللاتفاهم مع تلفزيوننا الذي يستوجب الوصول إلى المحاكم من أجل التعبير عن نقد برنامج تلفزيوني عادي؟
الجواب هو أن تلفزيوننا لايملك مايكفي من الروح الرياضية لكي يقلد التلفزيونات العالمية الأخرى في فتح المجال أمام المشاهدين والمتتبعين لبرامجه للقيام بقراءة شهرية أو أسبوعية أو يومية للبرامج التي تبث على شاشته. لدى المغاربة إحساس أن نقد التلفزيون حرام على هذا التلفزيون. قد نسب تلفزيوننا في الجرائد, قد ننتقد عمله وطريقة قيامه بمهامه فيما بيننا في جلسات النميمة أو المقاهي أو غيرها, لكن أن نحلم برؤية برنامج يتناول الشأن التلفزيوني بشكل علمي ومهني مضبوط لامجال فيه للفذلكات الفارغة, ولا مجال فيه للسب دون ضوابط, ولا مجال فيه إلا للغة التلفزيون فهذا أمر دونه الموت طبعا.
قد يقول قائل إن هناك برنامجين تلتزم القناتان الأولى والثانية ببثهما يحملان معا إسم "الوسيط". لكنني آعتبرهما معا شيئا أقرب إلى المزحة منه إلى أي شيء آخر مع احترامي التام لمن يشرفون عليهما, لأنهما معا يبثان بوتيرة متخلفة هي وتيرة شهرية عاجزة عن مجاراة الإيقاع التلفزي الحديث الذي يتحرك كل يوم، ولأنهما معا يبثان مسجلين مايعطي للرقيب في الأولى والثانية الحق في حذف مايريد وترك المسموح بقوله, ولأنهما معا لايجرؤان على تجاوز حدود المصرح بقوله في تلفزيوننا وهي حدود قليلة جدا، ماينزع عنهما أي مصداقية أو مشروعية لاعتبارهما قادرين فعلا على إيصال صوت الناس مما يبث في التلفزيون المحلي.
أكثر من هذا, لدى مسؤولي التلفزيون الخلط الموجود لدى المسؤولين المغاربة في المناصب الأخرى. فأنت إذا انتقدت برنامجا تلفزيا فأنت تستهدف بالضرورة المسؤول عن تلك القناة أو عن ذلك البرنامج. إذ لاوجود لدينا في العقل المتخلف الجمعي الذي يوحدنا - بحمد الله ورعايته - للفوارق الكائنة بين الانتقاد الشخصي وبين الانتقاد المهني. لذلك يصر مسؤولو تلفزيوننا على اعتباره قلعة محررة تخصهم, لايدخلها إلا من يحظى بالرضا, ويبعد عنها كل من يوسم بالتنطع أو يعرف باللسان الصريح.
هذه المسألة كانت تنفع سابقا حين كان المغاربة سجناء تلفزيون واحد, وكانوا يضطرون "للتعلاق" في الهوائيات رفقة "كساكسهم" لكي يلتقطوا برامج قنوات أخرى تهب عليها نسائم الحرية. اليوم لدينا واقع تلفزي آخر خير تجسيد له العدد العديد من الفضائيات التي تبث مايخطر ومالايخطر لك على بال, مايجعل فكرة الرقابة على مايقوله الناس فكرة تتجاوز الغباء لكي تدخل والعياذ بالله في إطار الهبال, ويجعل المسؤولين الذي يصرون على الاحتفاظ بها نهجا للتواصل خارج السياق نهائيا: سياق العصر الحديث, وسياق التغيرات التي عرفها المغرب وقادها جلالة الملك, والتي تحلم بمغرب آخر غير مغرب الخوف من كل شيء.
وكم يضحكني بعض مسؤولي تلفزيوننا حين أسمعهم يبدون حماسهم للموسيقى الشابة ويقولون إن "نايضة" هي علامة تحرر في المجتمع المغربي علينا جميعا أن نسير وفق هديها, وينسون أنهم الملزمون الأوائل بإظهار إيمانهم بهذه الحركة فعلا لا قولا فقط. " ولانايضة غير فالسروال طايح, مانايضاش فحاجة أخرى؟" .
الحل الفعلي لهذا النقاش الذي يتكرر كل شهر صيام, والذي يأخذ أحيانا أبعادا مشوهة مثلما يقع الآن في قضية اللجوء إلى المحكمة لوقف عرض برنامج تلفزي, هو فتح المجال للناس في التلفزيون لكي تقول ماتفكر فيه, وعدم التخوف من رأي الناس هذا لأنه يعد دافعا حقيقيا لتقديم الجيد الفعلي, لا الجيد الذي ترضى عنه أقلية لاتعرف عن شعبنا ولا عن ميولات شعبنا "الذي بعث", لأنها "شادة على راسها" باستمرار.
من العيب فعلا أن ينعدم التواصل الحقيقي, لا التواصل المزور في جهاز يقوم أساسا على التواصل. هذه هي الخلاصة, ومن أحبها فهو ذاك, ومن لم ترقه, فهناك جدران كثيرة في المملكة عليه أن يختار أسمكها لكي يحاول تجريب قوة رأسه فيه...
في انتظار ذلك، "حنا بالله والشرع معا هاد الناس، واك واك آعباد الله، واعتقو الذوق".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعض الاختيارات الجميلة لبعض الأسماء لتشغل بعض المهام تدفعك دفعا للتنويه بها، وشكر من قام بالاختيار. الشاعر الكبير والمناضل النقي عبد اللطيف اللعبي سيكون رئيس لجنة تحكيم المهرجان القصير المتوسطي للفيلم بطنجة مابين رابع وتاسع أكتوبر المقبل، محاطا بفريدة بليزيد وثريا العلوي وسلمى بكار وبيير روكا.
اختيار موفق لمهرجان أصبح علامة حقيقية في المنطقة المتوسطية. "شكرا شكون عاوتاني؟" شكرا نور الدين الصايل، "زكارة فالغيارة" مثلما غنى بلال، المغني وليس المؤذن طبعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق