الأربعاء، 22 شتنبر 2010

معركة صورة

أكثر من أي وقت مضى نحس اليوم في المغرب أننا بحاجة إلى إعادة النظر في سياستنا الإعلامية. أكثر من أي وقت مضى نجد أننا محتاجون بالفعل لوضع السؤال حول مانريد القيام به ومانستطيع القيام به تلفزيونيا. سبب هذا الكلام ملاحظة يرددها الكل هذه الأيام بخصوص الفيلم البطولي الذي يجسده بروعة لانظير لها مصطفى سلمى ولد مولود وهو يتحدى البوليساريو في عقر قيادتهم, ويجبرهم على إظهار الوجه الحقيقي للجبهة الرافضة لحقوق الإنسان والمنتهكة لأبجدياتها البسيطة.
نتأمل المشهد ونضع قبالته مشهد أميناتو حيدر يوم افترشت أرضية مطار لاس بالماس محاطة بالعشرات من المصورين الصحافيين وبكاميرات التلفزيونات الإسبانية والجزائرية إلى أن تمكنت من فرض الأمر الواقع وإجبار البلد على مراجعة قرار اتخذه في حقها. ثم نعود إلى مشهد ولد سيدي مولود اليوم ونجد أن الرجل يخوض حربه لوحده دون مساندة إعلامية من كل الجهات التي يقال إن هذه هي وظيفتها في المغرب اليوم. تصوروا أن الرجل لم ترافقه كاميرا واحدة في طريق عودته إلى تندوف, وتصوروا أن كل ما استطاعت قناة العيون _ وهي القناة المكلفة رسميا بحمل هذه المهمة الثقيلة على عاتقها: مهمة الدفاع عن قضية المغاربة الأولى _ أن تفعله معه هو أن تتصل به هاتفيا لكي يخبرها بالمكان الذي يوجد فيه.
نفهم طبعا الإكراهات التي قد تمنع فريقا تلفزيونيا بأكمله من مرافقة ولد سلمى لكننا لانفهم لم لم يتحول الرجل والفيلم البطولي الذي ينجزه هذه الأيام إلى معركة يومية للتلفزيون المغربي. دعونا من الكلام الإنشائي العام الذي نسمعهم يرددونه باستمرار. نحن هنا نتحدث عن معركة الصورة الإعلامية التي يعد خاسرا من لايستطيع خوضها في عالمنا اليوم. نحن هنا نتحدث عن ضرورة إنجاز ربورتاجات يومية عن الرجلو وحوارات مع عائلته هنا, وعن ضرورة تقديم الرهان الفعلي للمعركة التي يخوضها. من الممكن أيضا أن نحرك ملكة الحوار في تلفزيونيينا وأن نجبرهم على ابتداع حوار أو اثنين حول الموضوع, وأن نجعل من المسألة تحسيسا يوميا _ بشكل ذكي لا بالشكل الذي يمارس به تلفزيوننا التحسيس القاتل _ بعدالة قضيتنا الوطنية الأولى, وبجسامة ماينجزه ولد سلمى اليوم.
لكي نفهم المسألة جيدا وأبعادها علينا أن نعرف أنها أول مرة تجد فيها جبهة البوليساريو نفسها في موقف حرج إعلاميا وحقوقيا منذ زمن. ويجب أن نستوعب أن ولد سلمى استطاع أن يفرض على الجبهة وقيادتها أن تنزع عنها جبة التباكي اليومي على حقوق الإنسان لكي تشن حملة حقيقية على عائلة ولد سلمى داخل المخيمات, ولكي تعلن حالة استثناء لم تعرفها المخيمات منذ زمن ترقبا لعودة الرجل, وتخوفا من أثر هذه العودة, واستباقا لمفعولها لدى سكان المخيمات الذين يبحثون بكل الوسائل عن سبيل للتخلص من القيادة المتنفذة التي تحكمهم وتتاجر بهم منذ قرابة الثلاثين سنة أو يزيد.
وعوض أن يمسك المغرب هذه الفرصة التاريخية بأصابعه وأن يعض عليها بأسنانه وأن يجعل منها شغله الشاغل هذه الأيام تلفزيونيا, نجد أن مسؤولينا التلفزيونيين يكتفون بروبرتاجات باردة لاعلاقة لها بسخونة الوضع الذي جر إليه ولد سلمى البوليساريو, ويصمون أذانهم ويعمون أبصارهم عن القيام بالمهمة الواجبة عليهم في هذه الفترة. أكثر من هذا يعرف المتتبعون للمف الإعلامي أن للرئيس المدير العام للقطب العمومي فيصل العرايشي دورا أساسيا في تتبع ملف قضية الصحراء وهو يحرص على أن يطلب من مسؤوليه جعل هذا الملف في أولى أولويات ملفاتهم, لكن مانراه يعكس أن لهؤلاء المسؤولين أولويات أخرى عن ترفيه "باسل", وموسيقى "هابطة", وبرامج أخرى لاتوصيف لها تلفزيونيا يقدمونها لنا باستمرار, دون أن نفهم السبب الذي يجعلهم يحجمون عن
لكننا عندما نتذكر أن مفكرا جزائريا كبيرا بحجم محمد أركون قد وجه لمسؤولي بلده صفعة كبرى وهو يوصي بدفنه في بلدنا في اعتراف رائع بحبه للمغرب وأننا لم نخصص له تلفزيونيا تغطية تليق بجنازته التي كان يمكن أن تنقل أجزاء مباشرة منها مثلما تفعل القنوات المصرية المتخصصة (ولدينا قناة معرفية وتربوية تستطيع القيام بهذا الأمر ببساطة لو أرادت) على الأقل لكي نوجه للعالم بأسره الرسالة التي تقول إن هذا البلد يكبر يوما بعد يوم في عين الكبار الذين يختارون تربته للاستراحة فيها استراحتهم الأخيرة, عندما نتذكر هذا الأمر نقول لأنفسنا "خلي داك الجمل بارك, وخليهم يديرو اللي بغاو. راهم تبارك الله علما".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق