السبت، 25 شتنبر 2010

درس مصطفى المغربي

لم يعد هناك أي مجال للقبول بالرأي الآخر بين رحاب جبهة البوليساريو العامرة بمتنفذيها, فقد مرت الجبهة إلى اعتقال مصطفى ولد سلمى ولد سيدي مولود, ووجهت له تهمة التخابر مع دولة في حالة حرب مع "الجمهورية", وألقت به في أتون المعتقلات التي توصف بأنها أسوء معتقلات يمكن تصور وجودها على سطح الأرض في العصر الحديث.
طبعا كان مصطفى يعرف جيدا وهو يأتي إلى المغرب لكي يعلن تأييده لمقترح الحكم الذاتي أن عصابات البوليساريو لن تترك خطوته تمر باليسير. كان يعرف أنه سيؤدي ثمنا ما, مثلما كنا نعرف جميعا هنا في المغرب أن تندوف لاتشبه العيون في رحابة صدرها, وأن دخول وحدوي إلى المخيمات لن يكون أمرا هينا. لكننا مع ذلك قلنا لأنفسنا إن عصابات البوليساريو التي أتقنت باستمرار التعامل إعلاميا وحقوقيا مع أكاذيبها حد تصويرها بمظهر الحق أحيانا, لن ترتكب هذه الزلة الكبرى, وستجد طريقة ما لمحاصرة ولد سلمى في المخيمات دون أن تمر إلى اعتقاله.
لكن ما توهمناه, أو في الحقيقة ماتمنيناه لم يقع. المخابرات العسكرية الجزائرية أصدرت أوامرها بأن يتم اعتقال ولد سيدي مولود, وفي الوقت ذاته أن يتم توجيه تهمة إليه تشبه التهمة التي حوكم بها التامك هنا في المغرب. ولحسن الحظ وتزامن الصدف (هل هي صدف حقا؟) أن محكمة الرباط أصدرت بالتزامن مع قرار البوليساريو قرارا بعدم الاختصاص في محاكمة التامك ومن معه, مايعني عمليا إخلاء سبيلهم وعودتهم إلى معانقة الحرية, ومواصلة "نضالهم" المزعوم من أجل الانفصال من داخل أرض الوطن.
ما الذي يمكن أن نفهمه من كل هذا؟ الكثير من الأشياء لازالت ضبابية في هذا الملف بالتحديد, لكن العناوين الكبرى شرعت في الظهور, وأبرزها بامتياز هو أن المغرب قرر أن يلعب اللعبة بذكاء أكبر من ذلك الذي عهدناه في ديبلوماسيته. اليوم لدينا معتقل مغربي في سجون البوليساريو يؤدي ثمن مجاهرته برأيه داخل بلاده. ويؤدي ثمن جرأته بقرار العودة إلى تندوف من أجل إقناع إخوانه هناك برأيه.
لدينا أيضا ناشطون صحراويون يحلو لهم أن يطلقوا على أنفسهم لقب أو وصف "انفصاليو الداخل" يمضون اليوم بطوله في الطواف في المدن الجنوبية من أجل الترويج للمهمة التي يتلقون مقابلها مالا وفيرا من المخابرات العسكرية الجزائرية, ومن أجل التطبيل لوهم دولة غير ممكنة نهائيا في الصحراء. وكل هؤلاء وهم معروفون لكل الأجهزة الأمنية, لايعانون من أي تضييق عليهم, بل يشتغلون في حرية كاملة. أبزهم أمينتو حيدر التي لم نسمع منها كلمة واحدة عن ولد سلمى ومنهم أيضا التامك ومن معه, ومجموعة أخرى من المنتمين للبوليساريو الذين يعيشون بيننا ويحلمون باليوم الذي سيتمكنون فيه من الاستقلال عنا.
الصورة بهذا الشكل تعطي للمغرب أفضلية واضحة على الجزائر وعصابات البوليساريو التابعة لها. فاليوم صورتنا أمام المنتظم العالمي تقول إننا الدولة التي تقبل باختلاف الآراء على أرضها حتى بالنسبة للانفصالي من هذه الآراء في حين تبدو الجزائر غير قادرة على ضبط أعصابها أمام رصانة الخطوات المغربية الأخرى, وتلفي نفسها ملزمة باتخاذ قرارات مسيئة لها ولتباعها في الجبهة, حتى وإن كانت هذه القرارات تبدو في حكم النافعة لهما معا.
ماهو أهم في هذا الملف من الصورة العامة لدى الخارج عنا, هو الجانب الآخر من الصورة الذي كشفت عنه حالة ولد سيدي مولود: العدد العديد من الشبان الذين يحيون في مخيمات تندوف والحمادة, والذين ولدوا هناك, وعاشوا وتربوا هناك, وفهموا اليوم أن لامستقبل لهذا الكيان, وأن حل الالتحاق بالمغرب وتدبير أمر الخصوصية الجهوية لمنطقتهم داخل الديمقراطية المغربية هو الحل الفعلي الذي سينهي معاناتهم ومعاناة أسرهم التي امتدت لما يفوق السنوات الثلاثين.
هذه هي الرسالة الأهم في هذا النقاش, وهي تضع على عاتق المغرب مسؤولية أكبر بكثير من تلك التي تحملها حتى الآن مفادها ضرورة إنقاذ المحتجزين من شبابنا في تندوف عند المخابرات العسكرية الجزائرية, لأن خطوة ولد سيدي مولود هي مجرد نداء استغاثة أطلقه واحد من أولئك الشباب, باسمهم جميعا, وعلينا باسم "تمغربيت" التي تجمعنا بهم جميعا أن نحسن في هذه اللحظة بالذات الاستماع لهذه الصرخة.
إخوة لنا يوجدون بين براثن البوليساريو والجزائريين, وليس مصطفى ولد سيدي مولود وحده المعتقل المغربي اليوم هناك في تندوف. عشرات الآلاف من شبابنا وشيوخنا معتقلون لدى حكام الجزائر وعصابات البوليساريو. وعلينا أن نفعل المستحيل من أجل أن يفتح باب هذا السجن الكبير الذي يقتل سنوات عمرهم داخله إرضاء لعقد جزائرية دفينة, وجلبا للمزيد من الأموال لعصابات المتنفذين من قيادة الجبهة التي وصلت اليوم إلى الباب المسدود.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق