الثلاثاء، 28 شتنبر 2010

النهار ديال الملك

أقرأ باستمتاع هذه الأيام رواية عبد الله الطايع الجديدة "يوم الملك" وإن كنت أفضل أن أترجم عنوانها إلى المغربية ليصبح "النهار ديال الملك" لكي يكون العنوان أكثر وفاء لما تحمله الرواية. عبد الله الطايع صوت أدبي جديد في المغرب استطاع في الأعمال السابقة التي قدمها أن يثير الانتباه إليه لأن لديه نفسا حكائيا لاينقطع, وهو يسير على المنوال ذاته في العمل الجديد الذي حمله بكل الممكنات التي قد نتصورها لحمل هذا الحلم الكابوس الذي عاشه المغاربة لسنوات إلى القارئ الذي قد يطلع على رواية "النهار ديال الملك".
في هذه الرواية يحمل الطايع قارئه نحو الحسن الثاني, الملك الذي لازال ظله مسيطرا على المغرب إلى اليوم, ويقدم عبر حكاية بسيطة يبحث فيها "أنا الرواية" عن أمه التي غادرت بيت الأسرة حكاية مغرب لازال عاجزا إلى اليوم عن تصديق الفكرة التي تقول إن الحسن الثاني قد مات. هل توفق الطايع في نقل الصورة مثلما هي؟ هل نجح في إعادة الحلم المتكرر بالوصول إلى الحسن الثاني وتقبيل يده أم لا؟ هل عادت أم "أنا الرواية " إلى البيت؟ كلها أسئلة سيجد قارئ "النهار ديال الملك" الإجابة عنها, لكن الأهم منها هو السؤال الأكبر عن ظل الحسن الثاني في المغرب اليوم الذي استطاع عبد الله أن يلتقطه بذكاء وأن يحوله إلى موضوع رواية بالكامل.
يستغرب العديد من القراء اليوم أن تخصص مجلات وجرائد أسبوعية أغلفتها باستمرار للحسن الثاني, وللحديث عن أشيائه الكثيرة من الحسن الثاني الفنان إلى الحسن الثاني الساخر إلى الحسن الثاني وحريمه مرورا بالحسن الثاني ووزرائه فالحسن الثاني وثروته, وقس على ذلك ماتشاء إلى الحد الذي يجعلنا نقول باطمئنان أن الملك الراحل لازال يحيا بيننا على الأقل في أغلفة المجلات والجرائد التي تعود إليه باستمرار.
جوابنا على استغراب هؤلاء القراء كلما حملوه إلينا هو أنهم هم السبب في هذا الأمر. فموضوع الحسن الثاني لازال قادرا على إثارة اهتمام المغاربة, ولازال هو الموضوع الأكثر ضمانا لمبيعات محترمة إذا أردنا تجنب القول لمبيعات جيدة جدا. بمعنى آخر لازال الطلب على هذا الموضوع يفرض على أصحاب المجلات والجرائد التي تضع الملك الراخل غلافا لها يفرض هذا المعطى وهو مايطرح علينا السؤال كبيرا: لماذا؟
طبعا هناك الإجابات التبسيطية الأولى: عدد كبير من المغاربة, هم الأغلبية في المغرب اليوم, لم يعرفوا غير الحسن الثاني ملكا ماجعلهم يتماهون مع أبوته الرمزية, ويضعونه _ حتى وإن كانوا يكبرونه سنا _ في مرتبة الأب لهم جميعا. في حين أن عددا آخر منهم كان يتصور أن الحسن الثاني خالد لايمكن أن يموت _ أستغفر الله العظيم _ لذلك حبلت لحظة رحيله بكم غير يسير من المشاعر المبالغة في التعبير عن نفسها, مما يمكن تذكره بسهولة الآن (من لحظة بكاء المذيع الشهير مصطفى العلوي في التلفزيون مباشرة إلى مشاهد المظاهرات العفوية أو المرتبة التي انطلقت في كل مكان من المملكة مباشرة بعد الإعلان عن رحيل الملك السابق).
تفسير آخر قد يحمل بعض الإضاءات لهذا الهوس والإعجاب الذي لازال المغاربة يكنونه لملكهم الراحل يكمن في أنه حرص على أن يخفي عن المغاربة كل الأجزاء الطريفة أو الساخرة أو الفنية أو المتحررة من قيود الرسميات من شخصيته, مقابل إبراز الملامح الصلبة للشخصية التي حكم بها لمدة تقارب الأربعين عاما المغرب, ماجعل المغاربة فور تأكدهم من رحيله يحاولون إعادة تكوين هذاا "البوزل" الجماعي لشخصيته عبر التقاط المكامن الأخرى التي لم يكونوا يرونها, والتي تصلح اليوم لتفسير كثير من الأشياء.
لذلك يقرأ المغاربة عن تبحره في الفن مثلا ولايصدقون وتراهم يرغبون في طرح السؤال: الحسن الثاني كان عزيز عليه الغنا لهاد الدرجة؟ لذلك أيضا تراهم يتساءلون عن علاقته بوزرائه ويحاولون إعادة تركيب مايقرؤونه اليوم من طرائف بخصوص هؤلاء الوزراء لكي يفهموا كثيرا من اللقطات التي عبرت أمامهم حينها دون أن يعيروها كبير اهتمام.
في الختام يبدو الاهتمام الذي يمنحه المغاربة اليوم للحسن الثاني (الصورة) مفهوما إلى حد بعيد. فالملك الراحل الذي منع المغاربة من التطلع إليه مباشرة, فرض عليهم بعد رحيله أن يعيدوا فتح كتاب حياته لكي يطالعوا مافيه باطمئنان, وهذه المسألة لم تكن لتتوفر لو لم يحس المغاربة بعد رحيله وبعد مجيئ عهد جديد أن بإمكانهم أن يقوموا بهذا الأمر دون خوف من أي شيء.
لعله السبب الذي يجعلنا نقرأ في المغرب اليوم رواية تتخذ من الحسن الثاني شخصا من شخوصها دون أن نفكر في مآلنا بعد الانتهاء من القراءة. في النهاية يصلح الأمر لكي يفرض علينا أن نصارح أنفسنا: المغرب تغير كثيرا. هذه هي الحقيقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق