الأربعاء، 22 شتنبر 2010

جيران السوء

لنقصف قصور ملك المغرب, ولنقصف بيت فيليبي غونزاليس. هذا ماتفتقت عنه عبقرية الصحافي الإسباني فردريكو خيمينيس لوسانتوس, الذي ينشط في إذاعة محلية ويكتب في "إل موندو" ردا على مقال رصين للغايد نشره فيليبي غونزاليس الوزير الأول الإسباني الأسبق دعا فيه إلى ضرورة تحلي إسبانيا اليوم أو غدا أو في مستقبل آخر ببعض الحكمة لحل المشاكل العالقة مع المغرب,وفي مقدمتها مشكل الاحتلال الإسباني لستة ومليلية.
البعض سيقول إنه رأي صحافي واحد لاينبغي تحميله أكثر مما يحتمل, لكن علينا أن نقلب الآية فقط وأن نطرح على أنفسنا السؤال: وماذا لو أصيب زميل لنا في المغرب هنا بنفس الدوار الذي أصاب لوسانطوس, وطالب في مقال أو تدخل إذاعي أو تلفزي بالجهاد ضد إسبانيا لأننا لانملك إمكانيات قصف جارتنا الإيبيرية وإن أردنا ذلك؟
بالتأكيد كانت القيامة ستقوم, والعبارات المسكوكة الجاهزة ستستل من اللامكان لكي تصفنا بالإرهابيين والراغبين في تعكير صفو الجيران, والحالمين باستعادة فردوسهم المفقود في الأندلس إلى أخر كل الترسبات الاستعمارية المليئة بالكليشيهات التي يحتفظ بها ذهن الجيران الإسبان عنا. أما وقد جاءت على لسان صحافي يميني متطرف من إسبانيا فالمسألة فيها نظر, والمغرب ملزم بأن يكون بعيد النظر سديده, وأن لايدع بعض "الحوادث العابرة" تؤثر على العلاقات المتينة بين المملكتين.
طيب ياسيدي, نحن بعيدو النظر وسديدوه, لكننا لن نستطيع البقاء هكذا طويلا. في لحظة من اللحظات سنلتفت جهة الشرق, سنجد بوتفليقة المتوتر والجنرالات الذين يحركونه في المرادية, وسنلتفت جهة الشمال, وسنجد عقدة استعمارية كبرى تكشف عن نفسها كل مرة بشكل, وسنقول لأنفسنا إننا غير محظوظين البتة بهذا الموقع الاستراتيجي الذي يحسدنا العالم كله عليه. نعم لدينا شرفتنا على بحرين, ولدينا انتماؤنا الإفريقي الضارب في أطناب القارة, لكن لدينا هذه الجيرة السيئة التي تؤرق علينا الحياة, وتجعلنا باستمرار مستعدين للأسوء.
وسواء بالنسبة للجزائر أو بالنسبة لإسبانيا بقينا باستمرار على النهج ذاته: المسالم الذي لايريد ضجيجا, ولا يسعى إلى توتر. الراغب فقط في حل كل الإشكالات, بل والمؤجل لقضايا حساسة للغاية من أجل أن لانمس هذا الهدوء الوهمي بيننا وبين الجيران بسوء. ورغم ذلك لانروق. رغم ذلك تخرج علينا الجزائر يوميا بالمئات من الأسباب الوجيهة لإعلان الحرب عليها, ويخرج علينا الإسبان مرتين في اليوم لكي يجدوا فينا السلوان عن الأزمة المالية التي تضربهم, والتي تجعل أربعين مليون إسبانيا تحت رحمة شبح يرعبهم اليوم إسمه البطالة.
هل يعقل أن نظل أداة العزاء الوحيدة لبلدين جارين؟ هل يعقل أن يجد فينا بوتفليقة باستمرار التخريجة المناسبة لدفع أزماته الداخلية باستمرار إلى الحدود معنا؟ وهل يعقل أن تحول إسبانيا كل أزماتها إلى المغرب لكي تختلق معه كل مرة صراعا جديدا وواهيا مثل هذا الأخير؟
في السؤال استنكار على الآخرين لقيامهم بتصرفات لاعلاقة لها بحسن الجوار, لكن فيه أيضا استنكار لدور ديبلوماسيتنا المحلية التي نفهم أن تكون "ضريفة" مثل الوزير الذي يرأسها تماما, لكن لانفهم أن تكون سلبية إلى هذا الحد. في لحظات كثيرة تساءل مراقبون للشأن المغربي في علاقته بإسبانيا عن السبب الذي يجعل المغرب يحجم كل مرة عن مسايرة الجيران في توترهم إلى الحد الذي جعل بلدهم يتحول إلى قاعدة ثانية لانفصاليي البوليساريو بعد الجزائر. كنا نسمع الجواب أن المغرب بلد يقدر الاختيارات الاستراتيجية الكبرى في عالم الديبلوماسية تلك التي تسمح له بأن يتخطى الحوادث العابرة الصغيرة, وأن يركز على الأهم.
لكننا اليوم أصبحنا نلاحظ بأن هيبة وصورة المملكة هي التي تمس في "هذه الحوادث العابرة المعزولة". ولن نسرد الكثير من الوقائع, لكننا سنقول إن أي بلد لن يقبل بأن تحلق مروحيات بلد آخر على يخت ملكه, وأن ترسل عبر هذا التحليق الوقح الرسالة التي تقول إنها قادرة على فعل أي شيء في المغرب.
بالأمس حلقوا فوق يخت الملك المغربي, واليوم يقول صحافي في إذاعة من إذاعاتهم إن عليهم أن يقصفوا قصور الملك وبيت وزير أول منهم, وغدا ماذا؟
غدا ماذا هو السؤال الذي ينبغي أن نطرحه مع الإسبان ومع الجزائريين. وفي تصور الشعب المغربي البسيط, ليس هناك شيء يسمى ضبط النفس حد امتهان الكرامة. هناك احترام ديبلوماسي متبادل إما أن يكون من الضفتين أو أن لايكون أبدا.وهناك جيرة علينا أن نفهم أن بقاءها جيدة بين الطرفين رهين بأن يقدم كل طرف باستمرار الدليل على أنه يرغب في بقائها فعلا جيدة.
في حالة العكس, علينا أن نجد سبيلا لإبداء غضبنا حين اللزوم. وإلا فسيقولون علينا في لحظة من اللحظات إننا قوم لانستتطيع الغضب, أو أننا بالدارجة ديالنا "ماعندنا نفس, وهادي خايبة بزاف" بطبيعة الحال.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
رحم الله المحجوب بن الصديق "وصافي". أعرف عائلته بحكم الانتماء إلى نفس المدينة مكناس، وأعرف أن جدي كان مجايلا له وصديقا مقربا وأن جدي رحل بداية السبعينيات والأعمار بيد الله، وأن المحجوب بقي علامة على أن الزعماء النقابيين في المغرب والديمقراطية ضدان لايلتقيان أبدا.
الرجل لاتجوز عليه الآن إلا الرحمة لكن درس رحيله بعد أن نسي الناس أنه لازال "زعيما لنقابة" درس على سياسيينا ممن يضعون المؤخرات على الكراسي ويرفضون الذهاب أن يتأملوه جيدا. لعل وعسى، ماعرفتي يفهمو ريوسهم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق