الأربعاء، 19 يناير 2011

لاحياء لمن تنادي

السياسي في العادة إنسان لايستحي. يخيل لي أنهم يفترضون في السياسي الناجح اليوم أن يتوفر على أكبر قدر ممكن من الصفاقة وقلة الحياء لكي ينجح في المسار الذي اختاره أو وجد نفسه فيه عنوة. غير أن الإقرار بهذه الخصلة السياسية لدى سياسيي هذا الزمن لاتعي عدم الاستغراب لبلوغها عند بعضهم درجات لاتتخيل. نتحدث هنا عن حركة النهضة الإسلامية التونسية. هذه حركة لم يعد لها عمليا أي وجود في الشارع التونسي منذ سنوات عديدة, تتذكر فقط بعد نجاج ثورة الياسمين أن هناك شعبا في تونس يمكن الضحك على ذقنه بامتياز ويمكن إقناعه أنه قام بكل هذه "الهيلالةط من أجل عيون راشد الغنوشي وتنظيمه.
إذا كان هناك من نجاح يذكر لنظام بنعلي على الإطلاق فهو بالتحديد نجاحه في تحجيم حركة النهضة والحد من إشعاعها بل وقتلها في الشارع التونسي تحديدا, وقد خاضت هذه الحركة _ لمن يتابع تاريخ الحركات الإسلامية قليلا _ صراعها في وقتها ضد النظام التونسي السابق, وانهزمت فيه شر انهزام واختار قادتها إما المنفى اللندني السحيق والفاخر في الآن ذاته, أو التحول إلى العمل السلمي, أو الاختفاء عن الأنظار مثلما وقع لواحد من قادتها الذي تورط في فضيحة أخلاقية وهو يمارس الجنس فوق سجادة الصلاة في مكتبه, وتمكنت أعين بنعلي "التي لم تكن تنامط من تصويره حينها وفرض الابتعاد عن السياسة وضجيجها بالكامل عليه.
لذلك وحين تستل قناة الجزيرة القطرية من العدم رجلا مثل راشد الغنوشي الزعيم المعلن لهذه الحركة لكي يبارك لشعب تونس انتفضاته ويعلن استعداد النهضة لتحمل مسؤوليتها في هذا الظرف الجسيم, يتساءل التونسيون قبل غيرهم "أين كانت النهضة طوال هذه المدة كلها؟". ويعيدون طرح السؤال بشكل آخر "لماذا لم نرفع ولو شعارا إسلاميا واحدا طيلة أيام ثورة الياسمين التي انتهت بفرار بن علي المهين إلى السعودية؟"
الجواب يوجد لدى التونسيين أنفسهم. هم لم يتحركوا من أجل "دولة الخلافة", أو من أجل العودة إلى الوراء خمسة عشر قرنا إضافية. هم تحركوا لأنهم أدركوا عبر اطلاعهم على كل التجارب العالمية أن نظام بن علي يفرض عليهم العيش في الذلة في زمن الكرامة العالمية, وفي زمن حقوق الإنسان الكوني. لذلك أحرق بوعزيزي نفسه, ولم يكترث لما سيقوله عنه القرضاوي الذي يتقاضى آلاف الدولارات من جزيرة قطر في الشريعة والحياة حين بدأ كلامه "بالدعاء للشاب بوعزيزي أن يغفر الله له كبيرته التي ارتكبها حين قتل النفس دون حق".
بوعزيزي يوم أمسك بالنار بين يديه وأشعلها في البنزين الذي صبه على جسده لم يكن يفكر في النهضة ولا في الغنوشي راشد ولافي القرضاوي المرتاح في قطر والذي تشغله أسماء وبقية الفتيات الصغيرات اللائي يهواهن عن التفكير السليم في مشاكل الناس. بوعزيزي كان يفكر في أمه وأخواته وإخوانهو وكان يقول "كيف سأعود إلى المنزل دون زاد لهم؟". وحين أعيته الحيلة ولم يجد ردا قادرا على إقناعه بالبقاء حيا, رأى أن أفضل مايمكن أن يقع له هو أن يحرق نفسه وليذهب العالم بعدها كله إلى الجحيم إذا ماأراد ذلك.
لذلك علينا أن نحتط من "شفارة الثورات" هؤلاء والذي يشبهون تماما أباطرة نظام بنعلي الذين يتصارعون حاليا حول سرقة ما قام به الشعب التونسي. الطرفان معا: الظلامي الكاذب والفاسد الكاذب يتشابهان. هما معا يفكران فقط في قطف ثمار الدم التونسي الذي سال غزيرا في هذه الأيام الماضية. لذلك علينا أن ننتبه لمسألة هامة للغاية: هي أن الثورة لايقوم بها شعب جاهل وأمي أبدا.
قد تنتفض شعوبنا, قد تخرج إلى الشارع, قد تبذل دمها, لكن في النهاية والبداية عليها أن تعرف لماذا خرجت, وما المراد من خروجها وما هو الهدف وماهي الضمانات الضرورية أن لايكون خروجها وموتها مجرد طريقة من أجل أن تستفيد الأطراف ذاتها التي تستفيد من الشعوب باستمرار. والآن فقط نفهم مع ماوقع في تونس لماذا يحرص الحاكم العربي على أن تظل الأمية هي السائدة في الوطن, وأن لايقرأ الناس, وأن يعتبروا الجرائد أمرا زائدا وأن يعتبروا الكتب شكلا من أشكال الكفر بالله . الآن نفهم الأمر جليا, لأن الفرق بين شعب مثقف يخرج إلى الشارع وبين شعب أمي يخرج إلى نفس الشارع هو هذا بالتحديد: أن لايعرف الطرف الثاني لماذا خرج أصلا, أو أن لايتقن الدفاع في الختام عن نتائج خروجه, أن يتركها لمن استفادوا منه دائما, أو أن يسمح لكذبة مثل النهضة الإسلامية أو القرضاوي بأن يدعوا بعد كل هذا الموت وكل هذه الدماء أنهم مستعدون لحكم تونس من جديد.
حقيقة ما أحوجنا لقراءة كل مايقع الآن أمامنا بعين العقل لا بعين أي عضو آخر من أعضاء جسدنا الكريم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق