السبت، 19 مارس 2011

20 مارس

شهر كامل مضى على موعد 20 فبراير تساءلنا قبله إلى أين يسير المغرب؟ يتذكر الكثيرون أننا عكس من ركبوا على التيار فيما بعد , قلنا إن لشباب 20 فبراير قبل الوقفة الشهيرة إياها الفضل كل الفضل في تحريك كل الأشياء الراكدة. اليوم, وبعد أن وقع ماوقع, وبعد أن استمعنا إلى عبد الحميد أمين يقول في التلفزيون المغربي, وعند جامع كلحسن شخصيا أي عند سميرة سيطايل أي عند فؤاد والبقية إن "الخطاب الملكي كان ناقصا"’ دون أن ينقطع البث, دون أن ينطفئ التيار الكهربائي, دون أن يحمل أمين من بلاتو دوزيم إلى مكان ما لانعرفه يستحق الشباب مجددا التحية, ويستحق موعدهم المقبل الأحد 20 مارس أن نكون جميعا من الحاضرين فيه.
منذ يومين استضاف والي أمن البيضاء الموزوني الصحافيين الذين اعتدى عليهم رجال الأمن في وقفة الأحد الفارط, وقدم لهم اعتذارا واضحا في كأس شاي دعاهم إليه. لولا 20 فبراير لكان ممكنا للموزوني أن يقول للصحافيين "اللي كلاو العصا": "تكبرو وتنساوها", ولأخرج لهم اللسان ضاحكا وربما اشتكاهم إلى القضاء وتقدم ضدهم بعض رجال الأمن بشكاوى بدعوى أنهم عرضوا أجسادهم للعصي دون ترخيص بذلك.
لذلك أعتقد أن لشباب العشرين دينا في أعناق الكثيرين عليهم بموجبه أن يتقدموا باعتذار واضح, وسيكون أفضل لو كان الاعتذار هو المشي يوم 20 مارس مع الشعب المغربي نحو مستقبله, فلاخيار لنا اليوم إلا التأكيد على أننا متشبثون بمطالبنا, بحريتنا, بمستقبلنا المشترك الذي يبدو أنه ممكن فعلا, والذي يبدو أكثر إشراقا مما عشناه لحد الآن.
نقول المشي غدا على سبيل المجاز لأنه سيكون محزنا فعلا أن يسير معنا البعض ممن نعرف اليوم أنهم يريدون فقط تصيد أماكن في مغرب الغد. هناك بعض الأذكياء ممن يشتمون رائحتها "وهي طايرة", وهم التقطوا قبل هذا الزمن بكثير أن الريح دارت دورتها لذلك أصبحوا يرددون كلاما لاعلاقة لهم به إطلاقا. وبالقدر الذي أفهم فيه أن يتحدث شاب من حي شعبي فقير عن ثورة العشرين من فبراير باعتبارها خلاصا له من كثير من الأشياء, وبالقدر الذي أقبل من شباب متعلم ثري يعرف أن بلده تعرض للتفقير والتجهيل وكل أنواع الجرائم, بالقدر الذي يستعصي فيه علي نهائيا أن أفهم السبب الذي يجعل بعض "الدوماليين الفاسدين" ممن صنعوا ثرواتهم في السنوات الأخيرة من الانخراط في "نظام صنع الغنى السائد حاليا", ينضمون اليوم للتيار السائد.
هؤلاء لا أجد لهم أي وصف حقيقة اللهم النفاق, والرغبة في الاستيلاء على الزبدة ومال الزبدة, فهم كانوا من المستفيدين باستمرار من اقترابهم من مراكز القرار, وهم اليوم لايجدون أي غضاضة في التعبير عن تذمرهم من المصادر ذاتها, وعن تعرضهم حسبما يدعونه لمضايقات شتى لم يكن ممكنا أن يذكرونها في وقت سابق لكن أتى اليوم أوان التصريح بها بكل اطمئنان. هؤلاء لهم وصف واحد هو النفاق, وليعذرونا فعلا لكننا نجد أنه من الصعب بالفعل ابتلاع كذباتهم الكثيرة هاته بخصوص هذا الاصطهاد المزعوم.
الاضطهاد "يهضرو عليه ولاد حريبكة ولا جرادة واليوسفية", أو من الممكن أن تتحدث عنه قبائل أيت باعمران التي تعرضت في سيدي إيفني للانتقام الدائم. الاضطهاد سيكون ملائما للصفريويين الذين كلما تحدثوا أشبعتهم الهراوة تأديبا وتقريعا, وقد يكون مسموحا لسكان الصحراء أن يعبروا عنه بوضوح هم الذين يجدون أنفسهم ملزمين بالاختيار بين وجهتين: الانبطاح أو تهمة الانفصال الجاهزة. الاضطهاد مقبول سماع تفاصيله من مجاز تخرج في التسعينيات ولازال يجد كل صعوبات الكون في أن يطلب من أبيه المسن ثمن الذهاب إلى الحمام أو المقهى, أما أن يتحدث عن الاضطهاد الاقتصادي أناس كنا نراهم باستمرار في المقدمة يقطفون كل شيء, ويتحدثون عن الجو الآمن المطمئن الذي يشتغلون فيه, وفجأة _ سبحان الله العظيم _ اكتشفوا أنهم كانوا مضطهدين واكتشف كل واحد منهم أن جينة من جينات تشي غيفارا تجري في دمائه منذ القديم دون أن يعرفها ودون أن يشك في وجودها أي كان, ففي المسألة سخرية من شعب بأكمله.
ومع ذلك دعنا نكن عاقلين بعض الشيء ولا نقلد عبد الحميد أمين الذي أرعب الناس وهو يتحدث عن لوائح بأسماء الجلادين الإعلاميين توجد لديه هي ولوائح أخرى توعد بها الناس بعد نجاح الثورة يوم الأربعاء الفارط في دوزيم. لا أحد يريد الانتقام من أحد في المغرب, ولا أحد يستكثر على أحد أن يقول ما يريد اليوم, شرط أن يقال هذا الشيء باحترام للناس ولذكاء الناس.
ولكم أعجبني _ بل قل أطربني _ ادريس اليزمي الذي تحدث في الحلقة إياها عن الحظ الذي نمتلكه نحن في المغرب لقدرتنا على النقاش, وهي القدرة التي يموت من أجلها الكثيرون اليوم, على حد تعبير اليزمي. وهذه القدرة على النقاش هي مانريد أن نزرعه بين الناس بأكبر كمية ممكنة وإلى ختام كل الأشياء. نريد أن نسمع صوت الجميع, نريد أن نفهم أن المغرب القادم يتقبل الجميع, نريد أن يتسع البراح المسمى مغربنا للكل, لكي نثبت لمن كانوا يستكثرون علينا الكلام أنهم كانوا مخطئين.
علينا اليوم أن نثبت لمن أقفلوا علينا الأبواب منذ الاستقلال أنهم "حكرونا" يوم اعتقدوا أننا شعب من القاصرين لايستحق إلا الإقامة الإجبارية. بفضل روح العشرين من فبراير, اليوم عليهم أن يفهموا كم الإساءة التي ارتكبوها في حق البلد يوم اعتقدوا هذا الاعتقاد الغاشم, شرط أن لايأتي مكانهم أناس راغبون فقط في تقليدهم لكن بأسلوب جديد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أمنيتنا التي لن نكف عن ترديدها هي أن تتوقف الماكينة الأمنية المحافظة عند هذا اليوم وأن تحتفظ لنفسها بمفاجآتها من العيار الثقيل التي لايقبلها المغاربة, ولا يريدون بها أي دليل إضافي على أن جهة ما تريد اللعب ببلدهم والمقامرة به.
أمنيتنا أن تمر 20 مارس في ظروف حضارية وأن يتجنب الشباب كل الأسباب التي قد تؤدي إلى استفزازهم, وأن يعبر الأمنيون عن تحضرهم وفهمهم للحظة التاريخية التي يمر منها المغرب.
لن يقبل أي واحد منا أي تطور استفزازي قد يتحول إلى مالاتحمد عقباه, وليعلم من قد يفكر في الدفع نحو هذا الاتجاه أن المغرب لن يسامحه أبدا طال الأجل أم قصر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق