الثلاثاء، 8 مارس 2011

يتامى البام

هل مات حزب الأصالة والمعاصرة؟ هل قتلت حركى 20 فبراير الحزب السلطوي, الأغلبي, حزب الدولة, حزب صديق الملك إلى آخر التسميات التي جادت بها قريحة المتتبعين للسياسة مثلما تقترف في المغرب؟ كل المؤشرات تقول نعم. المنتمون إلى البام خوفا من الهمة أو تقربا وتزلفا له أصبحوا أكثر الراغبين في الهروب من البام خوفا من الهمة والبقاء معه في هذه الأيام التي تهب فيها رياح ثورية على المنطقة العربية ككل.
كنا نعرف ونحن نشاهد حشد الحشود السياسية من كل التنظيمات أن أغلب هؤلاء لن يصمدوا كثيرافي الحزب إذا مافارقه مؤسسه, لكننا لم نكن نتخيل أن يتسرب الوهن بهذه السهولة وهذا اليسر إلى التنظيم القوي فور أن ترتفع في الشارع شعارات قليلة يوم 20 فبراير وبعده تقول بأن حزب الدولة لم يعد له مكان في العالم اليوم. ومع ذلك, ولأن السياسة في المغرب استثناء فعلي علينا أن نتحفظ قليلا في استباق كل النتائج التي يمكن أن نتخيلها, وعلينا أن نترك خط رجعة لنا مع كل هذه السياسة وكل هؤلاء السياسيين.
للتملي في حجم المفارقات المضحكة المبكية في سياسة المغرب, يكفي أن نتأمل هذا المشهد لوحده: البعض كان يتحدث عن استوزار قريب مباشرة بعد انتهاء استحقاقات 2012, البعض كان يضع نفسه في المؤسسة العمومية التي تحلو له, البعض كان يتحدث عن تطبيق الدولة حرفيا لكل التنظيرات التي يضعها, والبعض الرابع كان يكتفي بتحريك رأسه والابتسامة في وجه محدثيه ولسان حاله يقول "دابا تشوفو شنو قلت ليكم".
السياسة لحسن الحظ أو لسوئه في العالم الآخر, عالم الناس المتحضرين لم تعد تصرف بهذا الشكل نهائيا. أصبحت لديها برامج محددة وأحزاب بمناضلين حقيقيين, وبشعوب تأتمر بكلمتها هي التي تقرر لها متى ستخرج إلى العلن, متى ستؤسس نفسها, متى ستعقد مؤتمراتها, من ستنتخب من قياداتها, ماهي تحالفاتها الحالية والمستقبلية, وماهي الأشياء التي تعد أولويات فعلية بالنسبة لها, وما هي الأمور الثانوية التي يليق تأجيلها إلى حين. باختصار الحزب ليس نزوة ولن يكون أبدا كذلك.
ومع ذلك دعنا لا نشبه أولئك الذي لايحلو لهم إطلاق النار إلا على سيارات الإسعاف. دعنا نجد للبام في أيام ذهابه هاته (أو مايبدو أنها أيام ذهاب له) بعض الحسنات التي حملها معه إلى المشهد السياسي المغربي هو الذي يقول خصومه السياسيون إنه لم يأت إلا بالسلبيات.
أولى حسنة صنعها البام لهاته السياسة المترهلة في وطننا هي أنه أعاد للسياسيين المغاربة رغبتهم في النقاش. علينا أن نعترف أنه وقبل خلق أو إحداث أو تأسيس أو الأمر بتأسيس البام, كان المشهد السياسي الوطني رتيبا للغاية, يخرج منه المحجوبي أحرضان لكي يقتحمه عبد الواحد الراضي, باختصار ملل يذهب وروتين يأتي. بعد البام أصبحت هناك بعض التنويعات. انشغل المتتبعون أو تم أمرهم بالانشغال طويلا بالعلاقة التي تجمع فؤاد عالي الهمة بالحزب, وهل هو صاحبه أم هو مجرد مؤتمن عليه, أم هو عرابه, أم هو شيء آخر عصي على التحديد تربطه بهذا الحزب علاقات وأواصر أقوى من كل ماقلناه حتى الآن.
بعد تأسيس البام, اكتشف المغاربة قدرة النفوذ على إقناع الناس بالعودة إلى السياسة. بعضهم, وفيهم أناس كنا نعتقد أن لديهم موقفا واضحا من الديمقراطية الحزبية, ومن الديمقراطية ككل, أصبح فجأة متحمسا لقيادة الجهة نحو النصر في الانتخابات المقبلةو واستل من حيث لاندري عبارات الصراع السياسي الحزبي بعد أن كان يقول لنا لسنوات إن الحزبية في المغرب هي دليل إفلاس لا أقل ولا أكثر.
بعد بناء البام فهمنا أن المشكل لا يوجد في السياسة في المغرب ولكنه يوجد في السياسيين بالتحديد. عندما كنا نرى عمليات الترحال الكبرى من الفرق إلى الفريق الجديد, وعندما كنا نلمح مشاهد سوريالية لأحزاب تنام في الليل مالكة لعدد من النواب, وتستيقظ في الواحدة صباحا وهي لا تتوفر إلا على عضوين, أحدهما كان نائما ولم يتسن للبام الاتصال به لاستقطابه والثاني نسي هاتفه النقال مقفلا مما ضيع عليه هذه الفرصة التاريخية هو الآخر.
بعد مجيئ البام إلى الحقل السياسي المغربي تعرفنا على إلياس العماري, الرجل الذي يبدو قادرا على فعل كثير من الأشياء في مغرب اليوم. شاهدنا حكيم بنشماس في جلسات مجلس المستشارين كل ثلاثاء, وتعرفنا على آخرين وأخريات كلهم كانوا يقولون لنا إنهم كانوا مختفين في مكان ما في انتظار رجة حقيقية تعيد للمشهد السياسي المحلي قيمته وهاهي أتت الآن, لذلك هم عادوا, وجميعهم كانوا يحرصون كلما تحدث إليهم أحد أن يقولوا أن لاعلاقة إطلاقا للهمة بانخراطهم في الحزب الجديد, وأنه لو لم يكن هناك فيه هذا الرجل لتملكهم نفس الحماس الذي أبدوه لنا تلك الأيام.
والآن؟ ما الذي سيقع بالتحديد؟ أمنيتي الأكثر صدقا هو أن يخرج من بين هؤلاء من يتشبث اليوم بحزبه بغض النظر عن كل مايقال, وأن يقنعنا بأنه فعلا لم يذهب إلى البام تزلفا أو طمعا أو انتهازا لشيء ما, بل ذهب عن اقتناع وسيبقى فيه اليوم عن اقتناع حتى مع الكلام الذي يقال في كل مكان الآن عن ضرورة حل هذا الحزب ورفع يد الدولة عن التدخل السافر في الحقل الحزبي.
سنرى وسنتابع ماسيقع, وبعد ذلك سنحكم, دون أن ننسى أن "كلها كيجبد على أصلو", وهذا في السياسة وفي كل مناحي الحياة.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لاأفهم حقيقة موقف سعيد بن جبلي الذي يقول عن نفسه إنه أول من أسس صفحة 20 فبراير على صفحات الفيسبوك. الشاب المنتمي إلى العدل والإحسان يريد "باللي كاين" أن ينسب إلى نفسه زعامة لا أحد يواففقه عليها, والمشكلة هي أنه يريد القيام بهذا الأمر في حركة تأسست أصلا على قتل مفهوم الزعامة والكفر بكل من يعتبرون أنفسهم زعماء.
على بن جبلي إذا أراد البقاء في حركة 20 فبراير دون أن يضطر الشباب كلهم إلى التبرؤ منه أن ينسى وهم أول من أسس والمطلق الرئيسي للحركة, لأن الحركة في عمقها لم يطلقها أي كان بل تجمع حول دعوتها شباب المغرب الذين أصبحوا يحملون اليوم إسم "شباب عشرين فبراير". وما على من يحلم بقيادتهم إلا أن يغادر هذا الوهم لأنه غير قابل للتحقق نهائيا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق