الخميس، 10 مارس 2011

معجزة إسمها 20 فبراير

رأيت التلفزيون المغربي يناقش مشكلة التشغيل في البلد. كان المذيع جادا وهو يقول إن على الحكومة أن تشغل الشباب وأنه يشعر بالشفقة لهؤلاء "المساكين" الذين لم يجدوا شغلا يمضون فيه يومهم. رأيت في القناة الأخرى نقاشا للشباب حول المطالب، وسمعت فتاة صغيرة تقول عبر الشاشة "تقادو ولا خويو البلاد, راحنا داويين معاكم". سمعت وزير الداخلية يقول للمحتجين إن رسالتكم وصلت وإن الوقفات التي تتم في البلد سلمية وهي شكل حضاري من أشكال التعبير, وسمعت زميله في الحكومة خالد الناصري يقول إن المغرب متعود على الوقفات الاحتجاجية و "ماعندو مناش يخاف"
منصف بلخياط الفتى الذي أتى للسياسة من العدم, والذي كتب في الفيسبوك على موقعه هناك إن شباب 20 فبراير عملاء للبوليساريو, غير موقفه مائة وثمانين درجة مثل الكثيرين, وأصبح يوجه الاعتذار والتحايا لهؤلاء الصغار الذين استطاعوا تحرير اللسان المغربي بوقفة ولافتتين و"جوج شعارات". البام أصبح حزبا عاديا مثل بقية الأحزاب والأكثر تفاؤلا من بيننا أصبحوا يتحدثون عن حله مثلما كنا نتحدث عن حل حزب العدالة والتنمية بعد 16 ماي 2003. سبحان مبدل الأحوال من حال إلى حال..
نجاة عتابو أنجزت أغنية أهدتها إلى شباب 20 فبراير تدعو فييها الشباب المغربي إلى الدفاع عن حقهم هي التي ألفت أن تغني الأغاني المنحطة فقط، ومن كانوا لايفتحون أفواههم أبدا إلا عند "الدونتيست" أصبحوا اليوم من كبار المدافعين عن حق الناس في التعبير عن مطالبها.
منير الماجدي سيترك شركاته الكثيرة، وسيتفرغ لمهامه الرئيسية في الكتابة الخاصة لجلالة الملك مثلما أخبر بذلك نور الدين عيوش الجميع. والهولدينغ الملكي بصدد ترك مواقعه في شركات كبرى من أجل الاستجابة دائما لصوت الشباب, وعباس الفاسي لن يصل حتى 2012 بحكومته العرجاء التي لانفهم سبب تسلطها على البلاد والعباد.
المجلس الاتصادي والاجتماعي رأى النور، وشبيبات الأحزاب "ديال بلعاني" أصبحت تعقد الاجتماعات الدورية من أجل تدارس الوضع والتعرف على مكانها من بين شباب العشرين من فبراير. الاتحاد الاشتراكي تذكر أن لديه قواعد يعود إليها ومجلسا وطنيا هو بمثابة برلمان الحزب يعقده متى شاء ذلك والخلاصة التي خرج إليها الحزب كانت فرجوية للغاية: أصلحوا البلد وإلا سنغادر الحكومة.
وحتى وإن كان الاتحاديون يقولون هذا الكلام من أجل التهديد فقط, فيجب فعلا الترحيب بها لأنه دليل على أن الاتحاد تذكر بعضا من قاموسه القديم الذي دفنه يوم أصبحت قيادته تقبل على نفسها الحقائب الوزارية الفارغة فقط من أجل عيون الحقائب الوزارية الفارغة.
العدالة والتنمية أصبح أكثر شراسة من السابق، ولم يعد يتردد في القول إن ثورات الياسمين والفل وبقية الأعشاب البرية التي تنبت في العالم العربي المريض وحده كانت ذات أثر مباشر على المغرب, وأنه حان الوقت لإطلاق أبو حفص والكتاني ورفع اللثام عما جرى حقا يوم 16 ماي 2003 وعن ضرورة إطلاق بلعيرج ومن معه والاعتذار لقادة البديل الحضاري عن كل مامسهم من سوء.
العدل والإحسان أصبحت تخرج إلى الشارع بمناسبة وبدونها. أتباع ياسين استفادوا من تجربتهم السابقة في تنظيم الوقفات والمظاهرات في الجامعات المغربية، وعرضوا على شباب الحركة خدماتهم كلها. النتيجة هي أن شعارات العشرين من فبراير لم تعد تسمع وعوضها أينما وقفت في المغرب تسمع دعاء العدليين على من يعتقدون أنه ظلمهم "بفضلك مولانا جد علينا واهلك من طغى وتجبر علينا". عمن هم متحدثون بالفعل؟
في الشارع أصبح "المخازنية" أكثر رأفة بالناس والحيوانات, بل وبالجماد أيضا. رأيت عنصرا من القوات المساعدة بأم عيني في حي شعبي يساعد رجلا مسنا يبيع الخضر في الأرض على الوقوف. قال له المخازني وعيناه تقطران شفقة ورحمة "الله يحسن العوان". في أيام أخرى وفي ساعات أخرى كان من الممكن أن يوجه إليه قذفة أرض أرض أو أرض جو حسب المزاج الذي يتحكم في القايد ذلك الصباح، وكان من المقبول أن يحمل معه الخضر إلى منزل القايد وأن يحتفظ بالميزان في بيته.
الشرطة بدورها أصبحت أكثر لطفا وأضحت تتقن التعامل مع الناس، "صباح الخير آسيدي، الوريقات عافاك"،حين يعثرون عليك متلبسا بمخالفة مرورية ما، أما حين ينشب خلاف بين إثنين في الشارع فعبارات "لعنو الشيطان" هي التي تسمع، غيرها من اقتياد الكل إلى الكوميسارية وفرض "الحلب" عليهم جميعا دون استثناء لم تعد ممكنة هذه الأيام.
الولاة والعمال أصبحوا من هواة شرب الشاي مع المحتجين في أماكن الاعتصام، وقبالة البرلمان المكان الذي احتضن كل العصا المغربية الموجهة إلى "القاريين بسبب قرايتهم" أضحى يشبه هايد بارك مع بعض الاختلافات القليلة. هناك تعثر على النهج يحاور العدل والبام يحاور البيجيدي والاستقلال "يحنزز" فيهما معا ويتساءل "شنو باغيين يديرو هاد المساخط؟"
في النهاية لا أثق كثيرا في المعجزات باستثناء الربانية منها، لكنني مضطر للقول إن ماوقع يوم 20 فبراير كان معجزة بشرية بكل المقاييس. والأجمل في هذه المعجزة العصرية المعاصرة هو أن ثمارها لن تتوقف عند حد على الإطلاق، هي سائرة في طريقها تحمل إلى المغاربة المزيد.
"فين غادية توقف؟" هذا هو السؤال الذي لا يجرؤ إلا القليلون على طرحه اليوم، لكنه بالتأكيد مطروح إلى أجل غير مسمى. مرحى شباب العشرين, هل تعلمون ما الذي صنعتموه لهذا البلد؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
احتفال قناة "فرانس 2" باليوم العالمي للمرأة كان الأفضل من بين القنوات الفرنسية التي تلتقط في المغرب. القناة اختارت القيام بلعبة تلفزيونية غاية في الطرافة قوامها ترك رجال في المنزل لمدة أسبوع كامل دون نساء, وتصوير النتيجة وتقديمها للمشاهدين الذين تعرفوا على كل ماتقوم به المرأة بالإضافة إلى اشتغالها خارج المنزل.
بعد ذلك استدعت فرانس 2 لنقاش جد متميز بيرنار هنري ليفي وفاعلات نسائيات كثيرات للحديث عن "نساء في المقاومة" والمناسبة كانت سانحة للحديث عن ربيع الديمقراطية العربي بامتياز. باختصار ليلة متميزة مع قناة أحسنت الاحتفاء بالحدث

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق