الأربعاء، 9 مارس 2011

الفزاعة الإسلامية

بعض الجاهزين لتحليلات آخر ساعة ممن اكتشفوا الماء الدافئ شرعوا منذ سقوط مبارك وبن علي في ترديد مسلمة غريبة بغباء شديد عن سقوط فزاعة الإسلاميين، وعن وجود استعداد اليوم في كل مكان من العالم العربي لتقبل هذه الحساسية السياسية وإدماجها دون عناء في أي شكل مستقبي من أشكال الحكم وتسيير الأوطان في بلداننا. مبرر هؤلاء المحللي الأشاوس هو أن الٌسلاميين أبرزوا في مصر وفي تونس قدرتهم عل ىالنصهار وسط الشباب وقابليتهم لقيادة كل التحركات الشعبية، وإمكانية تكلفيهم بأمر أي ثورة قادمة في الوطن العربي لكي يوصلوها هي ومن تحملهم على متن عرباتها إلى المحطة الأخيرة بكل أمان.
معذرة على لعب دور الراغب في "ترياب الحفلة"، ولكن هذا الكلام ليس هراء فقط، هذا الكلام هو الهراء بعينه. أمريكا لها الحق اليوم في أن توزع صكوك الغفران على من تشاء، وكلينتون الخارجة من فضيحة زوجها الجنسية ذات زمن فارط إلى وزارة الخارجية وتسيير الأوطان بالريموت كونترول في عهد باراك أوباما تستطيع أن تتحدث إلى غاية الغد عن شكل المستقبل الذي تريده للمنطقة بإسلامييها ويسارييها وبكافة الملل والنحل الأخرى التي تريدها، لكن للأوطان العربية وللأهالي "ليزانديجين" الذين يقطنونها كلمتهم الفصل في الموضوع بكل تأكيد.
من يتحدثون اليوم عن الفزاعة الإسلامية التي سقطت لا يشرحون لنا كيف سقطت ومتى سقطت ومن أسقطها. هم يقولون فقط إن بن علي ومبارك كانا يخيفان الغرب بالإسلاميين، واليوم الغرب فتح عينيه على إمكانية جديدة بعد سقوطهما هي أنه من الممكن التحكم في العالم العربي بإسلامييه شرط تمكينهم من قليل من السلطة فقط لاغير.
المسألة موغلة في البساطة حد البلاهة، وهي ضحك على الذقون يتجاوز التندر لكي يدخل في إطار الاستهزاء منا جميعا وترديد مقولات لامعنى لها ولا أدلة تؤكدها عمليا وماديا. بل تكتفي هي ومن يقولونها بإلقاء نفسها في الهواء الطلق عسى أن تجد من بين المتوثبين لما يحدث في العالم العربي اليوم من يستطيع ابتلاعها رغم ضخامة الكذبة فيها وجسامة ماتحمله من مغالطات.
من يتذكر اليوم كيف بدأت الثورة الإيرانية؟ القليلون بكل تأكيد، لذلك لابأس من إنعاش الذاكرة بقليل تفاصيل تقول إن الثورة في سنة 79 لم تكن خمينية أبدا. هي كانت ثورة مجتمع ليبرالي متقدم للغاية على ملك طاغية اعتقد في لحظة من اللحظات أنه يشبه الله في كثير من المسائل، فأسمى نفسه الشاهنشاه وقال أنا ملك الملوك. لكن هذه الثورة تحولت بعد أشهر قليلة من نجاحها إلى لحظة نزول ملتسبة للغاية لرجل يسمى آية الله الخميني من طائرة "إير فرانس" الشهيرة التي حملته من منفاه الباريسي وحملت معه الملالي إلى حكم إيران بمبدأ ولاية الفقيه الذي انتهى بأحمدي نجاد مهددا العالم كله بحرب نووية إذا ما مسه أي سوء.
في العالم العربي اليوم لااختلاف نهائيا. الإخوان بمختلف تمظهراتهم التي لانميز بينها لأنه لاوجود لهذا التمييز يضعون العين على الحكم في العالم العربي بمختلف دوله دونما استثناء، منذ سنوات عديدة. وهم في سبيل الوصول إلى هذا الهدف جربوا كل أنواع الثورات الممكنة غير الممكنة. قتلوا السادات في حادث المنصة الشهير، رتبوا الانقلابات الفاشلة، اخترقوا الجيش في أكثر من بلد، تسلحوا بالصبر في الدول التي تبدو لهم أنظمتها أقوى منهم بكثير، وقالوا النهج التربوي إلى حين، اختاروا في دول أخرى العمل السياسي والدخول إلى البرلمان مع الاحتفاظ بالمسافة التي تمكنهم من الخروج متى شاؤوا ذلك من اللعبة كلها وذلك عبر اختلاق أسباب الصراع باستمرار والادعاء أنهم مستهدفون وأنهم يشكلون حصنا ضد التطرف وأنهم يدخلون اللعبة فقط لأنهم مجبرون على ذلك.
باختصار هؤلاء قوم جربوا كل شيء ولم يستطيعوا الوصول إلى هدفهم, ولم يبق لهم اليوم إلا أن يركبوا موجة الفيسبوك والتويتر التي تجتاح العالم العربي. في المغرب عشنا المسألة بوضوح شديد حد الوقاحة. الأحد 20 فبراير كانوا قلة فقط أتوا إلى الساحات المغربية التي شهدت الوقفات واطلعو على الوضع، واستوعبوا إلى أين سيسير الاتجاه العام. ويوم الأحد الفارط 6 مارس أخرجوا أولى طلعاتهم من الجحور, وقالوا بالعربية تاعرابت "نحن هنا".
وللأسف الشديد, الشباب من حركة 20 فبراير لن يستطيعوا التحكم بعد اليوم في مسار الأشياء. هم سيكتفون بالفرجة ومعاينة الخسائر. قد يحلو لهم في لحظة معينة أن يمثلوا دور الراغبين في التنسيق مع مختلف ألوان الطيف الإسلاموي في الوقفات والمظاهرات, لكن حتى ولو لم يقبلوا المسألة اليوم تجاوزتهم بالفعل, والحركة ومختلف أنشطتها سقطت بين أيدي الإسلاميين, اللهم إلا إذا...
اللهم إلا إذا كان للشباب وضوح كامل في التعبير عن موقفهم من الظاهرة الأصولية, والتأكيد على أننا نريد القضاء على الاستبداد بكل أشكاله, بما فيها الشكل الديني الذي "يبشرنا" به الراغبون في حكمنا بجزء من القرآن يلائم تصوراتهم وأفكارهم الحركية. هكذا وبكل وضوح.
لنعد الكلام من البدء : لم تسقط أي فزاعة إسلامية في أي بلد من بلدان العالم العربي. سقط رئيسان عربيان, وبقي الاختيار الموضوع أمامنا في هذا التابوت الممتد من الماء إلى الماء مرعبا بالفعل: إما أن نقبل باستمرار وضعية أصبحنا جميعا نعبر عن رفضها, أو أن نقبل الارتماء في المجهول رفقة هؤلاء المبتسمين منا ممن يضعون اللحى والحجاب على العقول قبل أن يضعوها على الذقون أو فوق رؤوس النساء.
هذه هي الحكاية بكل اختصار, ومن يقول لكم شيئا مغايرا, "وحق الله العظيم يلا كذاب أشر".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الاتهامات التي نسمعها هنا وهناك بالعمالة و"بيع الماتش" التي توجه للصبار بعد تعيينه في المجلس الوطني لحقوق الإنسان سمعها قبله ادريس بنزكري يوم تولى مسؤولية المجلس الاستشاري, وسمعها أحمد حرزني خلف بنزكري في المجلس, وسيسمعها كل من سيبادر بطريقة مغايرة للطريقة التي تريد الجموع فرضها للإصلاح من موقع مغاير للمواقع التي يفترض أنها "نضالية ونقية ومحافظة على المبادئ".
أحيانا نجد أنفسنا مجبرين على طرح السؤال حول تقدم فكرنا قليلا وخروجه من ثنائية الخيانة والوفاء التي لم تعد الأشياء تسير وفقها خصوصا في مجال برمال متحركة مثل السياسة.
من لايشتغلون وحدهم يسلمون من النقد في نهاية المطاف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق