الأربعاء، 16 مارس 2011

دوزيم بين البارح واليوم

آلمني كثيرا المشهد الذي رأيت فيه زملائي في القناة الثانية يوم الأحد الفارطز أشفقت لحال الزميل بلحميدي وبقية الطاقم الذي أرسلته مديرية الأخبار لكي يغطي الأحداث المؤسفة التي كان يعرفها يومها مقر الحزب الاشتراكي الموحد والتي انتهت بحفلة تعذيب سادية من طرف رجال الأمن في حق المحتجين والمتظاهرين والصحافيين الذين كانوا قبالة المقر يومها. رفض المحتجون السماح لدوزيم بالتصوير وتهجموا على الطاقم الذي أرسلته للوقفة واتهموه بأنه تلفزيون مخزني لن يمرر إلا الصور التي تخدم مصالح الواقفين وراءه, ولن يتعامل بمهنية مع الوقفة, بل سيسبها وسيسب الواقفين وراءها, وسيتخذ منهم موقفا هو موقفه المسبق أصلا.
هل كذب المتظاهرون يومها على دوزيم؟ للأسف الشديد لا. مضى ذلك العهد الذي كانت فيه القناة الثانية ملجأ وملاذ المظلومين في مغربنا. مضى ذلك الزمن الذي كان المغاربة يلجؤون فيه لدوزيم لكي تمرر مشاكلهم قبل اللجوء إلى الجهات الوصية. وأتى اليوم زمن أصبحت دوزيم مضطرة فيه إذا ما أرادت الدخول إلى المدن والقرى المغربية بسياراتها أن تزيل علامة القناة أو "اللوغو" لئلا يراه الناس ويشبعوا سيارات القناة حجارة وسبا وشتما.
علاش؟ ما الذي وقع وغير القناة من النافذة التي فتحها الحسن الثاني يوما لكي يطل منها المغاربة على نخبة جديدة لكي تصبح النافذة المغلقة التي لايطل منها إلا المرضي عليهم, ممن يقدمون فروض الولاء والطاعة صباح مساء؟ شنو وقع لدوزيم أو "الدوزيام" مثلما يسميها المغاربة بالتحديد؟
وقع لها ماوقع لغيرها من قنوات الرسميين المتكلسة, الموغلة في الغباء, غير القادرة على معرفة إلى أين يسير اتجاه الرياح. من خططوا لدوزيم مسارها الحالي قالوا لها : ارقصي, غني, قدمي البرامج الترفيهية, واصمتي. برامجك الثقافية لا نريدها, البرامج التي تلامس واقع المغاربة الحقيقي لا الواقع المراد ترويجه لا مكان لها في شبكتك البرامجية, البرامج السياسية أو الحوارية يجب أن تكون هكذا بالتحديد, وأن لايحضر فيها إلا من يقول القول الواحد الوحيد. اختيارات القرب من المشاهد المغربي يجب أن تكون هي اختيارات القرب من الجريمة, من المجرمين, من الحوادث العابرة والمتفرقة التي تقع. لا تفكري يوما في تغطية نشاط سياسي حقيقي. إياك أن تمر إلى ذهنك فكرة تنظيم نقاشات حقيقية حول المغرب, ثم احذري أساسا أن يغضب منك أصحاب الحال.
تذكري باستمرار أنهم "مالين الشي", الناس الذين يمدونك بأوكسيجين البقاء. ألم يفكرروا يوما في بيعك بحجة الإفلاس, يوم أصبحت مشكلة لهم ولما يعتقدون أنه الإعلام البصري في نظرهم؟ بلى وهم مستعدون متى فكرت في الخروج عن الطوع للقيام بالمثل, لذلك لا استغراب أن يعادي اليوم الشعب القناة, أن يعتبرها لا تمثله ولا تعني له شيئا, بل وأن يعتبر حضورها للوقفات الاحتجاجية طريقة لإخراج اللسان له أو بالعربية تاعرابت "للتفلية عليه".
يوم السبت الفارط, والمغرب يعيش نقاش التعديل الدستوري يومين فقط بعد الخطاب الملكي اتصل بي صديق يشتغل معنا في الميدان, وقال لي "غير المحطة الآن, تحول إلى دوزيم". كانت الساعة تشير إلى قرابة الواحدة إلا خمس دقائق, أي أن القناة كانت تبث حينها نشرة أخبارها الزوالية. توقعت أن أجد نقاشا حول التعديل الدستوري, تدخلا من أحد الفقهاء القانونيين الكبار في المغرب أو العالم, مداخلة سياسية جريئة لأحد المعارضين أو المؤيدين. تصوروا ما الذي كانت تبثه القناة بالضبط حينها؟ روربتاج حول تنكافت التي دخلها العنصر الذكوريو حيث كانت تقدم لنا سيدا يقول عن نفسه إنه نكاف ويشرح لنا كيفية القيام بتنكافت "على حقها وطريقها". مباشرة بعده أسلمت دوزيم الميكروفون لممون حفلات تحدث عن التعاون بين النكافة أو النكاف (والأمر سيان) وبين ممون الحفلات, وأكد لنا أن ممون الحفلات اليوم ليس مجرد جزار يأتي باللحم إلى الأعراس والسلام. لا, ممون الحفلات هو أهم من هذا الأمر بكثير.
أين نحن ؟ ومع من نحن؟
يعز علي أن أبدو فعلا متحاملا على قناة أعرف ثلاثة أرباع العاملين فيها, وأعرف قيمتهم المعرفية والمهنية, وأعرف مايمكن أن يفعلوه في التلفزيون لو تركوا هم والتلفزيون دون وسطاء :الخير" الذين يشوهون كل شيء تمتد ‘ليه أيديهم. لكن يعز علي أكثر أن أشاهد القناة وقد تحولت عن وظيفتها الإعلامية إلى أشياء أخرى لا أريد ذكرها لكن من يحضرون للوقفات الاحتجاجية يعرفونها جيدا, ويعرفون أين تنتهي صورهم والتصريحات التي يدلون بها والتي لا تمر في التلفزيون ولا يعرف بالتحديد مآلها الأخير.
في مسيرات العشرين من فبراير كان المتظاهرون كلما لاحت لهم كاميرا القناة الثانية يصيحون "الجزيرة الفضاحة, دوزيم الشطاحة". هل نسأل هؤلاء الصارخين غضبا لم يصفون القناة بهذا الوصف؟ أم نتغاضى ونقول إنهم عدميون متطرفون يريدون أشياء لانعرفها؟ أم نسائل القناة ومسؤوليها عن مآلها اليوم, ونرفع في وجههم البطاقة الصفراء أو الحمراء أو التوقيف النهائي مدى الحياة, لأنهم حولوا التلفزيون الذي كان ملاذ وملجأ المغاربة أيام زمان إلى التلفزيون الذي يسبه المغاربة كلما رأوه عابرا أمامهم؟
هانحن اليوم نمتلك مايكفي من الهدوء لكي نطرح السؤال, أما الشارع فقد قرر إجابته, وقرر بعدها وقبلها شكل تعامله من الآن فصاعدا مع هذا "الإعلام" ومع هذا "التلفزيون".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
وماذا لو لم يسقط العقيد القذافي؟ الكثيرون أصبحوا اليوم يطرحون السؤال بعد المقاومة الشرسة التي أبداها معمر, وبعد عودته لانتزاع مدن عديدة من بين أيدي الثوار وهو مااعتبره العديدون دلالة قدرة الديكتاتور الليبي على تحدي العالم بأسره رغم أن كل الظواهر كانت تقول في وقت سابق إن مسألة سقوط معمر هي مسألة وقت ليس إلا.
العديدون أيضا يضعون أيديهم على قلوبهم خشية عودة القذافي بقوة بعد أن تنكر له من كان يعتبرهم أصدقاءه, وهم يطرحون اليوم السؤال الكبير: وماذا لو عاد؟ ماذا سنقول له؟ وبأي وجه سنلاقيه بعد كل ماقلناه في حقه إلى حد الآن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق